• البداية
  • السابق
  • 185 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27551 / تحميل: 6404
الحجم الحجم الحجم
تاريخ جديد للتأريخ المعتزلة بين الحقيقة والوهم

تاريخ جديد للتأريخ المعتزلة بين الحقيقة والوهم

مؤلف:
العربية

الكبيرة فليس فيها جميعها إلا ما يبعد عن السياسة ولا يدخل فيها ولا يتصل بها(١) .

بل أن لفظ الاعتزال، وهو لا يعني غير الترك والابتعاد والاجتناب، يتضمن في ذاته معنى سلبيا بعيدا كل البعد عن الثورة والسياسة وما تفرضه من مواقف وما تجره من تضحيات لا يحتملها سلوك المعتزلة وميلهم الى الدعة والأمن والاستقرار، كما مر بنا.

أتراني بعد في حاجة الى تأكيد آخر على ما ذكرت ؟!

دونك إذن أصولهم الخمسة هل تجد فيها أو في واحد منها شيئا يخص السياسة أو يتناول مسألة سياسية ؟ هل في التوحيد أو العدل أو الوعد والوعيد أو المنزلة بين المنزلتين، ما يمكن اعتباره موضوعا سياسيا أو قريبا من السياسة مهما حاولت أن تتوسع في مفهوم السياسة، ومهما حاولت أن تقربها من هذه الأصول أو تقرب هذه الأصول منها.

وهل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصلهم الخامس: ما يمكن أن يجعل منه أصلا سياسيا كما قد يتوهم البعض، وهو موضوع ان كان يبحث في كتب الكلام فأنه يبحث أيضا في كتب الفقه الى جانب الصوم والصلاة، ولا علاقة له بالسياسة وليس من شؤونها، وقد أخذت به الفرق والمذاهب الإسلامية الأخرى، من غير المعتزلة، على اختلاف بينها في شروطه، فلم يجعل منها فرقا ومذاهب سياسية.

وهذه المسائل التي أوردها ابن الراوندي(٢) في ( فضيحة المعتزلة ) ورد عليها الخياط في ( الانتصار ) مسألة مسألة، وقد بلغت المائة

____________________

(١) وقد أضيف هنا ملاحظة أراها جديرة بالاعتبار هي التي تتعلق بالشعر العربي ذلك أن الفرق السياسية الإسلامية كلها، من شيعة وخوارج وزبيريين، كان لهم شعراء هم ألسنتهم وممثلوهم والذابون عنهم، ينصرون مذهبهم ويدعون لعقيدتهم ويردون على خصومهم فالسياسة في ذلك العهد، لهيب ودم وأشلاء وليس كالشعر، يتقدم المعركة ويضرم لهيبها ويسيل دماءها وليس كالعربي يتأثر بالشعر ويستجيب لنائه ويسستميت بسماعه.

لقد كان الشعر سلاحا من أمضى الأسلحة في تلك البيئة العربية التي تؤرخ لها وإذا كانت الفرق، وهي تخوض معاركها، تحتاج الى المقاتل يحمل السيف بيده فيهاجم أو يدافع، فأنها تحتاج، وربما الدرجة نفسها، الى الشاعر يقاتل بلسانه فيشجع

أو يخذل، أمام المقاتل ووراء ه ولهذا لم تعدم أية فرقة سياسية شاعرا أو أكثر ولهذا أيضا لم يحتج المعتزلة الى شاعر ولم يعرف لهم شاعر ذلك أن الاعتزال والمعتزلة، مذهب كلامي، لا دم فيه ولا قتلى ولا أشلاء فما حاجته أو حاجتهم الى الشعراء ؟ وماذا سيقول شاعر كالكميت أو كالطرماح ؟ بل - ماذا سيحركه ويشعل عاطفته ؟

فوجود الشعراء لدى الفرق الإسلامية الأخرى، وعدم وجودهم لدى المعتزلة، يمثل في رأيي سببا آخر يدعوني الى رفض ما يقال عن ( سياسية ) المعتزلة، وان الاعتزال مذهب سياسي، أو أنه انطلق من موقف سياسي.

(٢) أبو الحسين أحمد بن يحيى بن اسحق الرواندي نسبة الى راوند من قرى اصبهان وقد يسمى بالريوندي أحد مشاهير الزنادقة في الإسلام كان في بداية أمره معتزليا ثم تزندق له مؤلفات كثيرة في الزندقة والطعن في النبي محمد (ص) والقرآن من كتبه ( فضيحة المعتزلة ) الذي نقضه الخياط في كتابه ( الانتصار ) في وفاته اختلاف كبيربين ٢٤٣ و ٣٠١ ولم يتجاوز الأربعين من عمره.

١٨١

وعشراً كم من بينها، المسائل التي كانت لها - ولو بكثير من التجاوز - طبيعة سياسية ؟!

والمسائل التي ذكرها البغدادي في ( الفرق بين الفرق ) وعدها من فضائح المعتزلة التي هاجمها وشدد النكير عليهم بسببها، وقد أخذت من كتابه ثلاثا وخمسين صفحة كاملة(١) ما هو نصيب المسائل أو الفضائح ذات العلاقة بالسياسة منها !!

والمعركة الوحيدة التي خاضها المعتزلة ضد خصومهم من أهل السنة ودخلتها السلطة طرفاً الى جانبهم، وأشغلت الرأي العام الإسلامي فترة ليست قصيرة هل كانت ذات طبيعة سياسية أو ذات صلة مهما كانت ضعيفة بالسياسة ؟! أكان البحث في خلق القرآن وكلام الله، هل هو مخلوق أو قديم، أمراً يمس السياسة في شيء ؟

كيف يمكن أن يؤلف المعتزلة إذن فرقة سياسية، وهم لم ينشؤوا نشأة سياسية، ولا يملكون الحد الأدنى لمقومات الفرقة السياسية .بل لا يختلفون في شيء، قدر اختلافهم في المسائل ذات الطبيعة السياسية، عندما يتعرضون لها ويعالجونها ؟!

أين هو القدر المشترك لفرقة تتوزع سياسيا بين من يخلد عليا في النار وبين من يجعله أفضل الصحابة بعد محمد(٢) وأين القدر المشترك بين من يكتب في فضائل العثمانية، وبين من يبرأ منهم وكلاهما من المعتزلة(٣) .

____________________

(١) من ص٦٨ - ١٢١.

(٢) كمعتزلة بغداد.

(٣) ( فضائل العثمانية ) أح مؤلفات الجاحظ.

١٨٢

أنني قلت في بداية هذا الفصل: أن إبداء رأي في موقف أو حدث سياسي سابق، لن يجعل من صاحب هذا الرأي نفسه سياسياً، ولا مشاركا في ذلك الحدث ولا ذا دور فيه، بل يبقى في حدوده من إبداء الرأي، محايداً منصفاً أو متحيزاً متعصبا.

كيف يمكن أن نتكلم عن فرقة سياسية يقول زعيمها ( والله ما أعرف موضع ثلاثة إذا قالوا وفوا.) وهو يتحدث عن المعتزلة طبعا، لا عن الآخرين الذين لا صلة له بهم ولا معرفة، ولا لوم إذا لم يكن يعرفهم، أو يعرف أولئك الثلاثة منهم.

فإذا كان عمرو لا يعرف ثلاثة من بين جميع المعتزلة إذا قالوا وفوا فهل لأحد أن ينسب ثورة أو ثورات لهم ؟!

كيف يمارس المعتزلة السياسة، وشيخهم يعيبه أن يجد ثلاثة إذا عاهدوا وبايعوا ثبتوا ووفوا بما عاهدوا وبايعوا ؟ وماذا يبقى من السياسة وممارسة السياسة في ذلك العهد، إذا استبعدت السيف والثورة ومن يخوضها ومن يثبت فيها ومن يفي بعهده نحوها.

أنك لا تستطيع أن تخلق فرقة سياسية إذا لم تكن نشأتها سياسية، وإذا لم تكن قد مارست السياسة فعلا أما أن تحاول خلق فرقة سياسية، من كلمة تعثر عليها، بعد الجهد هنا، أو رواية موضوعة هناك، أو رأي منحول بين هذه وتلك فهذا لا يصنع أبدا فرقة سياسية مهما اجتهد الذين يريدون ( تسييس ) المعتزلة، أو أية فرقة لم تخلق في الأصل سياسية.

١٨٣

لقد نشأ المعتزلة، كما قدمت، نشأة هادئة لينة بعد خلاف وأصل أو عمرو وانفصاله لكن أحدا لم يقل أن هذا الخلاف كان سببا سياسي، أو أن واصلاً أو عمراً كان سياسياً، أو أنه شارك في الأحداث السياسية التي عاصرها، مع الذين شاركوا فيها، أو كان له، على الأقل، موقف محمود ممن شاركوا وثاروا، والسيف يحصد الثوار، مواجهة في ساحات المعارك، أو صبراً خارج ساحاتها.

ولأترك واصلاً وعمراً ولأقبل أنهما وحدهما لم يكونا سياسيين ولا ثائرين خلافاً لنهج الفرقة، مع أنهما مؤسساها وزعيماها فهل سمعت أن المعتزلة غيرهما أو بعدهما، قاموا بثورة، أو اشتركوا في ثورة، على كثرة الثورات التي قامت في الأرض العربية الإسلامية كما رأينا، لو كان الاعتزال يستند الى أصل سياسي، وكان المعتزلة يؤلفون فرقة سياسية ولها نشاط سياسي.

أن السياسة الوحيدة التي مارسها المعتزلة، هي عدم ممارسة السياسة.

١٨٤

الفهرس

الإهداء ٤

المقدمة ٥

الفصل الأول في تسمية المعتزلة ١١

١ - رأي الملطي ١٢

٢ - اعتزال مجلس الحسن البصري ١٧

٣ - التسمية جاءت من قتادة: ٢٥

٤ - اعتزال قول الأمة: ٢٦

٥ - رأي نللينو: ٣١

٦ - رأي احمد أمين: ٤٤

٧ - رأي الدكتور نادر: ٤٨

٨ - رأي المعتزلة في تسميتهم: ٥١

٩ - الرأي الذي نراه: ٦٠

الفصل الثاني في الكبيرة والفاسق والمنزلة بين المنزلتين ٧٣

الفصل الثالث الدور السياسي للمعتزلة ٩٦

ثورة زيد: ٩٧

ثورة زيد بن الوليد: ١١٣

ثورة الحارث ين سريج ١٤٣

ثورة محمد ( النفس الزكية ) ١٥١

الجزء الثاني من الفصل الثالث في أسباب الموقف المعتزلي ١٧٨

الفهرس ١٨٥

١٨٥