الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب الجزء ٢

الغدير  في الكتاب والسُنّة والأدب0%

الغدير  في الكتاب والسُنّة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 388

الغدير  في الكتاب والسُنّة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 388
المشاهدات: 87166
تحميل: 7358


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 388 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87166 / تحميل: 7358
الحجم الحجم الحجم
الغدير  في الكتاب والسُنّة والأدب

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

*(وفي رواية سبط إبن الجوزي)*: ثمَّ إلتفت الوليد إلى عمرو بن العاص وقال: إن لم تصدِّقوني وإلّا فسلوا. أراد تبكيت عمرو، قال هشام بن محمد: ومعنى هذا الكلام: إنَّ عليّاً خرج يوماً من أيّام صفِّين فرأى عمرو بن العاص في جانب العسكر ولم يعرفه فطعنه، فوقع، فبدت عورته، فاستقبل عليّاً فأعرض عنه ثمَّ عرفه فقال: يا بن النابغة؟ أنت طليق دبرك أيّام عمرك، وكان قد تكرَّر منه هذا الفعل.

رواية إبن عباس:

روى نصر بإسناده عن إبن عبّاس قال: تعرَّض عمرو بن العاص لعليّ يوماً من أيّام صفِّين، وظنَّ أنَّه يطمع منه في غِرة (أي: في غفلة) فيصيبه، فحمل عليه عليٌّ عليه السَّلام فلمّا كاد أن يُخالطه أذرى (أي: ألقى) نفسه عن فرسه، ورفع ثوبه، و شغر 2(1) برجله فبدت عورته، فصرف عليه السَّلام وجهه عنه، وقام معفَّراً بالتراب، هارباً على رجليه، معتصماً بصفوفه، فقال أهل العراق: يا أمير المؤمنين؟ أفلت الرجل. فقال: أتدرون من هو؟ قالوا: لا. قال: إنَّه عمرو بن العاص تلقّاني بسوأته فذكرني بالرحم (لفظ إبن كثير) فصرفت وجهي عنه، ورجع عمرو إلى معاوية فقال: ما صنعت يا أبا عبد الله؟ فقال: لقيني عليٌّ فصرعني. قال: احمد الله وعورتك - وفي لفظ إبن كثير: أحمد الله واحمد إستك - والله إنّي لأظنّك لو عرفته لَمّا اقتحمت عليه. وقال معاوية في ذلك:

ألا لله من هفوات عمرو

يُعاتبني على تركي برازي

فقد لاقى أبا حسن عليّاً

فآب الوائليُّ مآب خازي

فلو لم يُبد عورته لَلاقى

به ليثاً يُذلِّل كلَّ غازي

له كفٌّ كأنَّ براحتيها

منايا القوم يخطف خطف بازِ

فإن تكن المنيَّة أخطأته

فقد غنّى بها أهل الحجازِ

فغضب عمرو وقال: ما أشدّ تعظيمك عليّاً في كسري هذا - وفي لفظ إبن أبي الحديد: ما أشدَّ تغليطك أبا تراب في أمري - هل أنا إلّا رجلٌ لقيه إبن عمِّه فصرعه؟. أفترى السماء قاطرةٌ لذلك دماً؟! قال: لا ولكنَّها مُعقبة لك خزياً. كتاب صفِّين ص

____________________

1 - شغر الكلب: رفع إحدى رجليه فبال.

١٦١

216، شرح إبن أبي الحديد 2 ص 287، تاريخ إبن كثير 7 ص 263.

معاوية وعمرو:

إستأذن عمرو بن العاص على معاوية بن أبي سفيان فلمّا دخل عليه إستضحك معاوية فقال عمرو: ما أضحكك يا أمير المؤمنين؟ أدام الله سرورك. قال: ذكرتُ إبن أبي طالب وقد غشيك بسيفه فاتَّقيته وولّيت. فقال: أتشمتُ بي يا معاوية؟ وأعجب من هذا يوم دعاك إلى البراز فالتمع لونك، وأطت(1) أضالعك، وانتفخ منخرك، والله لو بارزته لأوجع قذالك(2) وأيتم عيالك، وبزَّك سلطانك، وأنشأ عمرو يقول:

معاوي لا تشمت بفارس بُهمة

لقي فارساً لا تعتريه الفوارسُ

معاوي إن أبصرت في الخيل مقبلاً

أبا حسن يهوي دهتك الوساوسُ

وأيقنت أنّ الموت حقٌّ وإنّه

لنفسك إن لم تمض في الركض حابسُ

فإنّك لو لاقيته كنت بومة(3)

أُتيح لها صقرٌ من الجوِّ رايسُ(4)

وما ذا بقاء القوم بعد اختباطه؟

وإنّ امرؤٌ يلقى عليّاً لآيسُ

دعاك فصمَّت دونه الأُذن هارباً

فنفسك قد ضاقت عليها الأمالسُ(5)

وأيقنتَ أنَّ الموت أقرب موعد

وأنَّ الذي ناداك فيها الدهارسُ(6)

وتشمتُ بي إن نالني حدٌّ رمحه

وعضَّضني نابٌ من الحرب ناهسُ(7)

أبى الله إلّا أنَّه ليثُ غابة

أبو أشبل تُهدى إليه الفرايسُ

وأيُّ امرؤ لاقاه لم يُلف شلوه

بمعترك تسفي عليه الروامسُ (8)

____________________

1 - أط: صوت. الإبل: حنت.

2 - القذال: بين الأذنين من مؤخر الرأس ج قذل وأقذلة.

3 - البوم والبومة. طائر يسكن الخراب. يضرب به المثل في الشوم.

4 - من رأس يريس. مشى متبختراً. يقال رأس القوم. اعتلى عليهم وغلبهم.

5 - الأمالس والاماليس ج امليس: الفلاة التى ليس فيها نبات.

6 - الدهرس: الشدة والبلية.

7 - نهس اللحم نهساً بفتح العين وكسره: أخذه ونتفه ومده بالفم.

8 - الرمس: الستر والتغطية. ويقال لَمّا يحثى على القبر من التراب: رمس.

١٦٢

فإن كنت في شكّ فأرهج عجاجه

وإلّا فتلك الترَّهات البسابسُ(1)

فقال معاوية: مهلاً يا أبا عبد الله؟ ولا كلّ هذا. قال: أنت إستدعيته.

وفي لفظ إبن قتيبة في «عيون الأخبار» 1 ص 169: رأى عمرو بن العاص معاوية يوماً يضحك فقال له: مِمَّ تضحك يا أمير المؤمنين؟ أضحك الله سنّك. قال: أضحك من حضور ذهنك عند إبدائك سوأتك يوم إبن أبي طالب، أما والله لقد وافقته منّاناً كريماً ولو شاء أن يقتلك لقتلك. قال عمرو: يا أمير المؤمنين؟ أما والله إنّي لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فأحولَّت عيناك، وربا سَحرك(2) وبدا منك ما أكره ذكره ذلك، فمن نفسك فاضحك أو دع.

وفي لفظ البيهقي في [ المحاسن والمساوي ] 1 ص 38: دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ناسٌ فلمّا رآه مقبلاً إستضحك فقال: يا أمير المؤمنين؟ أضحك الله سنّك وأدام سرورك وأقرَّ عينك ما كلّ ما أرى يوجب الضحك. فقال معاوية؟ خطر ببالي يوم صفِّين يوم بارزت أهل العراق فحمل عليك عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه فلمّا غشيك طرحتَ نفسك عن دابَّتك وأبديت عورتك، كيف حضرك ذهنك في تلك الحال؟ أما والله لقد واقفت هاشميّاً منافياً ولو شاء أن يقتلك لقتلك. فقال عمرو: يا معاوية إن كان أضحكك شأني فمن نفسك فاضحك، أما والله لو بدا له من صفحتك مثل الذي بدا له من صفحتي لأوجع قَذلك، وأيتم عيالك، وأنهب مالك، وعزل سلطانك، غير أنَّك تحرَّزتَ منه بالرجال في أيديها العوالي، أما أنّي قد رأيتك يوم دعاك إلى البراز فاحولَّت عيناك، وأربد شدقاك، وتنشَّر منخراك، وعرق جبينك، وبدا من أسفلك ما أكره ذكره. فقال معاوية: حسبك حيث بلغت لم نرد كلّ هذا.

وفي لفظ الواقدي: قال معاوية يوماً لعمرو بن العاص: يا أبا عبد الله؟ لا أراك إلّا ويغلبني الضحك قال: بماذا؟ قال: أذكر يوم حمل عليك أبو تراب في صفِّين فأذريت نفسك فَرقاً من شبا سنانه، وكشفت سوأتك له. فقال عمرو: أنا منك أشدُّ ضحكاً إنّي لأذكر يوم دعاك إلى البراز فانتفخ سَحرك، وربا لسانك في فمك، وعصب

____________________

1 - كتاب صفِّين 253، أمالي الشيخ ص 84، تذكرة السبط ص 52.

2 - ربا ربواً: انتفخ. السحر بفتح السين وضمه: الرئة.

١٦٣

ريقك، وإرتدَّت فرائصك، وبدا منك ما أكره ذكره لك. فقال معاوية: لم يكن هذا كلّه، وكيف يكون؟ ودوني عكٌّ والأشعريّون. قال: إنَّك لتعلم أنَّ الذي وصفتُ دون ما أصابك، وقد نزل ذلك بك ودونك عكٌّ والأشعريّون، فكيف كانت حالك. لو جمعكما مأقط الحرب. قال: يا أبا عبد الله؟ خض بنا الهزل إلى الجدّ: إنّ الجبن والفرار من عليّ لا عار على أحد فيهما. شرح إبن أبي الحديد 2 ص 111.

قال نصر في كتابه ص 229: وكان معاوية لم يزل يشمت عمراً ويذكر يومه المعهود ويضحك، وعمرو يعتذر بشدَّة موقفه بين يدي أمير المؤمنين، فشمت به معاوية يوماً و قال: لقد أنصفتكم إذ لقيت سعيد بن قيس وفررتم وإنَّك لجبان، فغضب عمرو ثمَّ قال: والله لو كان عليّاً ما قحمتَ عليه يا معاوية؟ فهلّا برزتَ إلى عليٍّ إذا دعاك إن كنت شجاعاً كما تزعم؟ وقال عمرو في ذلك:

تسير إلى إبن ذي يزن سعيد

وتترك في العجاجة مَن دعاكا

فهل لك في أبي حسن عليّ؟

لعلّ الله يُمكن مِن قفاكا

دعاك إلى النزال فلم تُجبهً

ولو نازلته تربتْ يداكا

وكنت أصمّ إذ ناداك عنه

وكان سكوته عنه مناكا

فآب الكبش قد طحنت رحاه

بنجدته ولم تطحن رحاكا

فما أنصفت صحبك يا بن هند

أتفرقه وتغضب مَن كفاكا؟؟!!

فلا والله ما أضمرتَ خيراً

ولا أظهرتَ لي إلّا هواكا

أشار عمرو بن العاص في هذه الأبيات إلى ما رواه نصر في كتاب صفِّين ص 140 وغيره من المؤرِّخين من: أنَّ عليّاً عليه السّلام قام يوم صفِّين بين الصفِّين ثمَّ نادى يا معاوية؟ يُكرِّرها فقال معاوية: إسألوه ما شأنه؟ قال: أُحبُّ أن يظهر لي فأُكلّمه كلمة واحدة. فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص فلمّا قارباه لم يلتفت إلى عمرو وقال لمعاوية: ويحك على مَ يقتتل الناس بيني وبينك، ويضرب بعضهم بعضاً؟؟!! أبرز إليَّ فأيّنا قتل صاحبه فالأمر له. فالتفت معاوية إلى عمرو فقال: ما ترى يا أبا عبد الله؟ فيما هيهنا، أُبارزه؟؟!! فقال عمرو: لقد أنصفك الرَّجل واعلم أنَّه إن نكلت عنه لم تزل سبّة عليك وعلى عقبك ما بقي عربيٌّ. فقال معاوية: يا عمرو؟ ليس مثلي يُخدع عن نفسه، والله

١٦٤

ما بارز إبن أبي طالب رجلاً قطُّ إلّا سقى الأرض من دمه. ثمَّ انصرف معاوية راجعاً حتّى إنتهى إلى آخر الصفوف وعمرو معه.

خرج عليٌّ عليه السَّلام ذات يوم في صفِّين منقطعاً من خيله ومعه الأشتر يتسايران رُويداً يطلبان التلَّ ليقفا عليه وعليٌّ يقول:

إنّي عليٌّ فسلوا لتخبروا

ثمَّ ابرزوا إلى الوغا أو أدبروا

سيفي حسامٌ وسناني أزهرُ

منّا النبيُّ الطيِّبُ المطهَّرُ

وحمزة الخير ومنّا جعفرُ

له جناحٌ في الجنان أخضرُ

ذا أسد الله وفيه مفخرُ

هذا بهذا وابن هند محجرُ

مذبذبٌ مطَّردٌ مؤخَّرُ

إذ برز له بُسر بن أرطاة مقنِّعاً في الحديد لا يُعرف فناداه: أبرز إليَّ أبا حسن؟ فانحدر إليه على تُؤَدَةٍ(1) غير مكترثٍ به حتّى إذا قاربه طعنه وهو دارعٌ فألقاه على الأرض، ومنع الدرع السنان أن يصل إليه، فإتَّقاه بُسر بعورته وقصد أن يكشفها يستدفع بأسه، فانصرف عنه عليه السَّلام مستدبراً له فعرفه الأشتر حين سقط فقال: يا أمير المؤمنين؟ هذا بُسر بن أرطاة هذا عدوّ الله وعدوّك، فقال: دعه عليه لعنة الله، أبَعد أن فعلها؟ فحمل إبن عمّ لبسر شابّ على عليّ وهو يقول:

أرديت بُسراً والغلام ثايرهْ

أرديت شيخاً غاب عنه ناصرهْ

وكلّنا حام لبسر واترهْ

فحمل عليه الأشتر وهو يقول:

أكلَّ يوم رِجل شيخ شاغرهْ

وعورةٌ تحت العجاج ظاهرهْ

تبرزها طعنة كفٍّ واترهْ

عمروٌ وبُسر رُميا بالفاقرهْ

فطعنه الأشتر فكسر صلبه، وقام بُسر من طعنة عليّ وولَّت خيله، وناداه عليٌّ يا بسر؟ معاوية كان أحقَّ بهذا منك. فرجع بُسر إلى معاوية فقال له معاوية: إرفع طرفك قد أدال(2) الله عمراً منك. فقال في ذلك الحارث بن نضر السهمي:

____________________

1 - أي تأنى وتمهل.

2 - أدال الشئ. جعله متداولا. يقال أدال الله زيداً من عمرو، أي نزع الدولة من عمرو وحولها إلى زيد.

١٦٥

أفي كلِّ يوم فارسٌ تندبونه

له عورةٌ تحت العجاجة باديهْ

يكفُّ بها عنه عليٌّ سنانه

ويضحك منها في الخلاء معاويةْ

بدت أمس من عمرو فقنَّع رأسه

وعورة بُسر مثلها حذو حاذيهْ

فقولا لعمرو وابن أرطاة أبصرا

سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيهْ

ولا تحمدا إلّا الحيا وخصاكما

هما كانتا لِلنفس والله واقيهْ

فلولاهما لم تنجوا من سنانه

وتلك بما فيها عن العود ناهيهْ

متى تلقيا الخيل المشيجة صيحة

وفيها عليٌّ فاتركا الخيل ناحيهْ

وكونا بعيداً حيث لا تبلغ القنا

ونار الوغى إنّ التجارب كافيهْ

وإن كان منه بعدُ في النفس حاجةٌ

فعودوا إلى ما شئتما هي ماهيهْ

كتاب صفِّين ص 246، الإستيعاب 1 ص 67، شرح إبن أبي الحديد 2 ص 300، مطالب السئول ص 43، تاريخ إبن كثير 4 ص 30، نور الأبصار ص 95.

يُنبأنا التاريخ أنّ عمرو ليس بأوَّل رجل كشف عن سوءته من بأس أمير المؤمنين وإنّما قلّد طلحة بن أبي طلحة فإنَّه لَمّا حمل عليه أمير المؤمنين يوم أُحد ورأى أنَّه مقتولٌ لا محالة، فاستقبله بعورته وكشف عنها. م - راجع تاريخ إبن كثير 4 ص 20 و ] ذكره الحلبي في سيرته 2 ص 247 ثمَّ قال: وقع لسيِّدنا عليٍّ كرم الله وجهه مثل ذلك في يوم صفِّين مرَّتين: الأولى: حمل على بُسر بن أرطاة. والثانية: حمل على عمرو بن العاص فلمّا رأى أنَّه مقتولٌ كشف عن عورته، فانصرف عنه عليٌّ كرَّم الله وجهه.

الأشتر وعمرو بن العاص

في معترك القتال بصفِّين

إنَّ معاوية دعا يوماً بصفِّين مروان بن الحكم فقال: إنَّ الأشتر قد غمَّني وأقلقني، فاخرج بهذه الخيل في يحصب والكلاعيِّين فالقه فقاتل بها. فقال مروان: اُدع لها عمراً فإنَّه شعارك دون دثارك. قال: وأنت نفسي دون وريدي. قال: لو كنت كذلك ألحقتني به في العطاء، أو ألحقته بي في الحرمان، ولكنّك أعطيته ما في يدك، ومنّيته ما في يد غيرك، فإن غلبتَ طاب له المقام، وإن غُلبت خفَّ عليه الهرَب. فقال معاوية:

١٦٦

سيُغني الله عنك. قال: أمّا إلى اليوم فلن يغنَ، فدعا معاوية عمراً وأمره بالخروج إلى الأشتر. فقال: أمّا إنّي لا أقول لك ما قال مروان. قال: فكيف تقول؟! وقد قدّمتك وأخَّرته، وأدخلتك وأخرجته. قال: أما والله إن كنتَ فعلتَ لقد قدَّمتني كافياً، وأدخلتني ناصحاً، وقد أكثر القوم عليك في أمر مصر وإن كان لا يُرضيهم إلّا أخذها فخذها، ثمَّ قام فخرج في تلك الخيل فلقيه الأشتر أمام القوم وهو يقول:

يا ليت شعري كيف لي بعمرو؟

ذاك الذي أوجبتُ فيه نذري

ذاك الذي أطلبه بوتري

ذاك الذي فيه شفاء صدري

ذاك الذي إن ألقه بعمري

تغلي به عند اللقاء قِدري

أجعله فيه طعام النسر

أولا فربّي عاذري بعذري

فلمّا سمع عمرو هذا الرجز وعرف أنَّه الأشتر فشل وجبن وإستحى أن يرجع وأقبل نحو الصوت وقال:

يا ليت شعري كيف لي بمالكِ

كم جاهل خيَّبته وحاركِ(1)

وفارس قتلته وفاتكِ

ومقدمٌ آبَ بوجهٍ حالكِ(2)

ما زلت دهريُ عرضة المهالكِ

فغشيه الأشتر بالرمح فزاغ عنه عمرو فلم يصنع الرمح شيئاً، ولوى عمرو عنان فرسه وجعل يده على وجهه وجعل يرجع راكضاً نحو عسكره، فنادى غلامٌ مِن يحصب: يا عمرو؟ عليك العفا ما هبت الصبا.

كتاب صفِّين ص 233، شرح إبن أبي الحديد 2 ص 295.

يُنبأك صدر هذا الحديث عن نفسيّات أولئك المناضلين عن معاوية الدُّعاة إلى إمامته، ويُعرب عن غايات تلك الفئة الباغية بنصِّ النبيِّ الأطهر إماماً ومأموماً في تلك الحرب الزَّبون، فما ينبغي لي أن أكتب عن إمام يكون مثل عمرو بن العاص شعاره، ومثل مروان بن الحكم نفسه؟؟!! وما يحقُّ لك أن تعتقد في مأموم هذه محاوراته في معترك القتال مع إمامه المفترضة عليه طاعته - إن صحَّت الأحلام - ومشاغبته دون

____________________

1 - حرك. امتنع من الحق الذي عليه. غلام حرك. خفيف ذكي.

2 - حلك. اشتد سواده فهو حالك وحلك.

١٦٧

الرُتبة والراتب؟؟!!

إبن عبّاس وعمرو

حجَّ عمرو بن العاص وقام بالموسم فأطرى معاوية وبني أُميَّة وتناول بني هاشم ثمَّ ذكر مشاهده بصفِّين، فقال إبن عبّاس: يا عمرو؟ إنَّك بعتَ دينك من معاوية فأعطيته ما في يدك ومنّاك ما في يد غيره، فكان الّذي أخذ منك فوق الّذي أعطاك، و كان الّذي أخذت منه دون ما أعطيته، وكلٌّ راض بما أخذ وأعطى، فلمّا صارت مصر في يدك تتبعك فيها بالعزل والتنقّص، حتّى لو أنَّ نفسك في يدك لألقيتها إليه، وذكرت يومك مع أبي موسى فلا أراك فخرت إلّا بالغدر، ولا منَّيت إلّا بالفجور والغشِّ، و ذكرت مشاهدك بصفِّين فوالله ما ثقلت علينا وطأتك، ولقد كشفت فيها عورتك، ولا نكتنا فيها حربك، ولقد كنت فيها طويل اللسان، قصير السنان، آخر الحرب إذا أقبلت، وأوَّلها إذا أدبرت، لك يدان: يدٌ لا تبسطها إلى خير، ويدُ لا تقبضها عن شرّ، ووجهان: وجهُ مؤنسُ ووجهُ موحشُ، ولعمري أنَّ من باع دينه بدنيا غيره لحريٌّ أن يطول حزنه على ما باع واشترى، لك بيانٌ وفيك خطل، ولك رأيٌ وفيك نكد ولك قدرٌ وفيك حسد، فأصغر عيب فيك أعظم عيب غيرك. فقال عمرو: أما والله ما في قريش أحدٌ أثقل وطأةً عليَّ منك، ولا لأحد من قريش قدر عندي مثل قدرك.

البيان والتبيين 2 ص 239، العقد الفريد 2 ص 136، شرح إبن أبي الحديد 1 ص 196 نقلاً عن البلاذري.

إبن عبّاس وعمرو في

حفلة أُخرى

روى المدايني قال: وفد عبد الله بن عبّاس على معاوية مرَّة وعنده إبنه يزيد، وزياد بن سميَّة، وعُتبة بن أبي سفيان، ومروان بن الحكم، وعمرو بن العاص، والمغيرة إبن شعبة، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن أُمِّ الحكم فقال عمرو بن العاص: هذا والله يا أمير المؤمنين؟ نجوم أوَّل الشرِّ، وأُفول آخر الخير، وفي حسمه قطع مادَّته فبادره بالحملة، وانتهز منه الفرصة، واردع بالتنكيل به غيره، وشرِّد به مَن خلفه،

١٦٨

فقال إبن عبّاس: يا بن النابغة؟ ضلَّ والله عقلك، وسفه حلمك، ونطق الشيطان على لسانك، هلّا تولَّيت ذلك بنفسك يوم صفِّين حين دُعيت نزال(1) وتكافح الأبطال، وكثرت الجراح، وتقصَّفت(2) الرماح، وبرزتَ إلى أمير المؤمنين مصاولاً، فانكفأ نحوك بالسيف حاملاً، فلمّا رأيت الكواثر من الموت، أعددتَ حيلة السَّلامة قبل لقائه، والإنكفاء عنه بعد إجابة دعائه، فمنحته رجاء النجاة عورتك، وكشفت له خوف بأسه سوأتك، حذراً أن يصطلمك بسطوته، أو يلتهمك(3) بحملته، ثمَّ أشرت على معاوية كالناصح له بمبارزته، وحسَّنت له التعرُّض لمكافحته، رجاء أن تكتفي مؤنته، وتعدم صورته، فعلم غلَّ صدرك، وما انحنت عليه من النفاق أضلعك، وعرف مقرَّ سهمك في غرضك، فاكفف غرب لسانك، واقمع عوراء لفظك، فإنَّك بين أسدٍ خادر، وبحر زاجر، إن تبرَّزت للأسد إفترسك، وإن عُمت في البحر قمسك - أي: غمسك و أغرقك -. شرح إبن أبي الحديد 2 ص 105، جمهرة الخطب 2 ص 93.

عبد الله المرقال وعمرو

كان في نفس معاوية من يوم صفِّين إحنٌ على هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص المرقال وولده عبد الله، فلمّا استعمل معاوية زياداً على العراق كتب إليه: أمّا بعد: فانظر عبد الله بن هاشم فشدَّ يده إلى عنقه ثمَّ ابعث به إليَّ، فحمله زياد من البصرة مقيَّداً مغلولاً إلى دمشق، وقد كان زياد طرقه بالليل في منزله بالبصرة فاُدخل إلى معاوية وعنده عمرو بن العاص فقال معاوية لعمرو بن العاص: هل تعرف هذا؟ قال: لا. قال: هذا الَّذي يقول أبوه يوم صفِّين:

إنّي شريت النفس لَمّا اعتلّا

وأكثر اللوم وما أقلّا

أعور يبغي أهله محلّا

قد عالج الحياة حتّى ملّا

لا بدَّ أن يفلّ أو يُفلّا

أسلهمُ بذي الكعوب سلّا

لا خير عندي في كريم ولّى

____________________

1 - نزال: اسم فعل بمعنى: انزل. أي حين قال الأبطال بعضهم لبعض: انزل.

2 - تقصفت: تكسرت.

3 - التهم الشئ: ابتلعه بمرة.

١٦٩

فقال عمرو متمثِّلاً:

وقد نبت المرعى على دمن الثرى

وتبقى حزازات النفوس كما هيا

وإنَّه لهو، دونك يا أمير المؤمنين؟ الضبَّ المضبَّ(1) فأشخب أوداجه على أسباجه (أثباجه) ولا تُرجعه إلى أهل العراق فإنَّهم أهل فتنة ونفاق، وله مع ذلك هوىً يُرديه وبطانةٌ تغويه، فوالّذي نفسي بيده لئن أفلتَ من حبائلك ليجهزنَّ إليك جيشاً تكثر صواهله لشرِّ يوم لك، فقال عبد الله وهو المقيَّد: يا إبن الأبتر؟ هلّا كانت هذه الحماسة عندك يوم صفِّين؟ ونحن ندعوك إلى البراز، وأنت تلوذ بشمائل الخيل كالأمة السوداء والنعجة القوداء، أما إنَّه إن قتلني قتل رجلاً كريم المخبرة، حميد المقدرة، ليس بالحبس المنكوس، ولا الثَّلِب(2) المركوس(3) . فقال عمرو: دع كيت وكيت، فقد وقعت بين لحيي لَهذم(4) فروس للأعداء، يسعطك إسعاط(5) الكودن(6) الملجم. قال عبد الله: أكثر إكثارك، فإنّي أعلمك بطراً في الرَّخاء جباناً في اللقاء، عيَّابةً عند كفاح الأعداء، ترى أن تقي مهجتك بأن تُبدي سوأتك، أنَسيت صفِّين وأنت تُدعى إلى النزال؟ فتحيد عن القتال خوفاً أن، يغمرك رجالٌ لهم أبدانٌ شدادٌ، وأسنَّةٌ حدادٌ، ينهبون السرح، ويذلّون العزيز. فقال عمرو: لقد علم معاوية أنّي شهدت تلك المواطن، فكنت فيها كمدرة الشوك، و لقد رأيت أباك في بعض تلك المواطن، تخفق أحشاؤه، وتنقّ أمعاؤه. قال: أما والله لو لقيك أبي في ذلك المقام لإرتعدت منه فرائصك ولم تسلم منه مهجتك، ولكنَّه قاتل غيرك، فقُتل دونك. فقال معاوية: ألا تسكت؟ لا أُمَّ لك. فقال: يا بن هند؟ أتقول لي هذا؟ والله لئن شئت لأغرقنَّ جبينك، ولأُقيمنَّك وبين عينيك وسمٌ يلين له خدعاك، أبأكثر من الموت تخوِّفني؟. فقال معاوية: أوَ تكفّ يا بن أخي؟ وأمر بإطلاق عبد الله، فقال عمرو لمعاوية:

____________________

1 - من أضب يضب: أي صاح وتكلم وغاض وحقد.

2 - الثلب: المعيب المهان.

3 - المركوس: الضعيف.

4 - اللهذم: الحاد القاطع من السيوف والأسنة والأنياب.

5 - الاسعاط: إدخال الدواء في الأنف. يقال: أسعطه الرمح أي طعنه به في أنفه.

6 - الكودن: البرذون الهجين. الفيل ج كوادن.

١٧٠

أمرتك أمراً حازماً فعصيتني

وكان من التوفيق قتل إبن هاشمِ

أليس أبوه يا معاوية الّذي

أعان عليّاً يوم حزِّ الغلاصمِ؟!(1)

فلم ينثني حتّى جرت من دمائنا

بصفِّين أمثال البحور الخضارمِ(2)

وهذا ابنه والمرء يشبه شيخه(3)

ويوشك أن تقرع به سنَّ نادمِ

فقال عبد الله يُجيبه:

معاوي إنَّ المرء عمراً أبت له

ضغينةُ صدر غشّها غير نائمِ

يرى لك قتلي يا بن هند وإنّما

يرى ما يرى عمرو ملوك الأعاجمِ

على أنَّهم لا يقتلون أسيرهم

إذا كان منه بيعةٌ للمسالمِ

وقد كان منّا يوم صفِّين نقرةٌ

عليك جناها هاشمٌ وابن هاشمِ

قضى ما انقضى منها وليس الذي مضى

ولا ما جرى إلّا كأضغاث حالمِ

فإن تعفُ عنّي تعف عن ذي قرابة

وإن تر قتلي تستحلُّ محارمي

فقال معاوية:

أرى العفو عن عليّاً قريش وسيلةً

إلى الله في اليوم العصيب القماطرِ(4)

ولست أرى قتل العداة إبن هاشم

بإدراك ثاري في لُويّ وعامرِ

بل العفو عنه بعد ما بان جرمه

وزلَّت به إحدى الجدود العواثرِ

فكان أبوه يوم صفِّين جمرةً

علينا فأردته رماح النهابرِ(5)

كتاب صفِّين لإبن مزاحم ص 182، كامل المبرَّد 1 ص 181، مروج الذهب 2 ص 57 - 59، شرح إبن أبي الحديد 2 ص 176.

درس دين وأخلاق

لعلَّ الباحث لا يخفى عليه أنَّ كلَّ سوءة وعورة ذُكر بها المترجم له في التاريخ

____________________

1 - جمع غلضمة: اللحم بين الرأس والعنق. يعنى: أيّام الحرب.

2 - الخضرم بالكسر: البحر العظيم الماء.

3 - في كامل المبرد: عيصه. يعني: أصله.

4 - القماطر بالضم: الشديد.

5 - النهابر والنهابير: المهالك. الواحدة: نهبرة. نهبور. نهبورة.

١٧١

الصحيح، وما يُعزى إليه وعُرِّف به من المساوي في طيّات تلكم الكلمات الصادقة المذكورة من الوضاعة والغواية والغدر والمكر والحيلة والخدعة والخيانة والفجور ونقض العهد وكذب القول وخلف الوعد وقطع الإلّ والحقد والوقاحة والحسد والرياء والشحّ والبذاء والسفه والوغد والجور والظلم والمراء والدناءة واللئم والملق والجلافة والبخل والطمع واللدد وعدم الغيرة على حليلته. إلى غير ذلك من المعاير النفسيَّة وأضداد مكارم الأخلاق، ليست هذه كلّها إلّا من علايم النِّفاق، ومن رشحات عدم الإسلام المستقرِّ، وإنتفاء الإيمان بالله وبما جاء به النبيُّ الأقدس، إذا الإسلام الصحيح هو المصلح الوحيد للبشر، ومهذِّب النفس بمكارم الأخلاق، ومجتمع الفضايل، وأساس كلّ فضل وفضيلة، وأصل كلِّ مَحمدة ومَكرمة، وبه يتأتّى الصلاح في النفوس مهما سرى الإيمان من عاصمة مملكة البدن (القلب) إلى ساير الأعضاء والجوارح واحتلّها واستقرَّ بها.

وذلك أنَّ مثل الإيمان في المملكة البدنيَّة الجامعة لشتات آحاد الجوارح والأعضاء كمثل دستور الحكومات في الممالك الجامعة لأفراد الأشخاص، فكما أنَّ القوانين المقرَّرة في الحكومات والدُول مبثوثةٌ في الأفراد، وكلُّ فرد من المجتمع له تكليفٌ يخصُّ به، وواجبٌ يحقّ عليه أن يقوم به، وحدٌّ محدودٌ يجب عليه رعايته، وبصلاح الأفراد وقيام كلِّ فرد منهم بواجبه يتمُّ صلاح المجتمع، ويحصل التقدُّم و الرقيُّ في الحكومات، كذلك الإيمان في المملكة البدنيّة فإنَّه قوانين مبثوثة في الأعضاء والجوارح العاملة فيها، ولكلّ منها بنصِّ الذكر الحكيم تكليفٌ يخصُّ به، وحدٌّ معيَّنٌ في السنَّة يجب عليه رعايته والتحفّظ به، وأخذ كلٍّ بما وجب عليه هو إيمانه و به يحصل صلاحه، فواجب القلب غير فريضة اللسان، وفريضته غير واجب الأُذن، وواجبها غير ما كلّف به البصر، وفرضه غير واجب اليدين، وواجبهما غير تكليف الرجلين وهكذا وهكذا، وإنَّ السمع والبصر والفؤاد كلُّ أولئك كان عنه مسئولا، وهذا البيان يُستفاد من قول النبيِّ صلّى الله عليه وآله فيما أخرجه الحافظ إبن ماجة في سننه 1 ص 35، الإيمان معرفةٌ بالقلب، وقول باللسان، وعملٌ بالأركان(1) وقوله صلّى

____________________

1 - وبهذا اللفظ يروى عن أمير المؤمنين كما في (نهج البلاغة).

١٧٢

الله عليه وآله: الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها لا إله إلّا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان(1) ومن هنا يقبل الإيمان ضعفاً وقوَّةً وزيادةً ونقصاً، ويتَّصف الإنسان في آن واحد بطرفي السلب والايجاب باعتبارين، فيثبت له الإيمان من جهة وينفى عنه بأُخرى، ومن هنا يُعلم معنى قوله صلّى الله عليه وآله: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمنٌ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمنٌ(2) فلا يتأتّى صلاح الممكة البدنيَّة إلّا بالسلم العامّ وقيام جميع أجزائها بواجبها، وإمتثال كلِّ فرد منها فيما فُرض عليه، ولا يكمل الإيمان إلّا بتحقّق شُعبه.

وكما أنّ إنتفاء الإيمان عن كلِّ عضو وجارحة مكلّفة يكشف عن ضعف إيمان القلب، وتضعضع حكومة الإسلام فيه، إذ هو أمير البدن ولا ترد الجوارح ولا تصدر إلّا عن رأيه وأمره، كذلك الصفات النفسيَّة فإنّ منها ما هو الكاشف عن قوَّة الإيمان القلبي وضعفه كما ورد في النبويِّ الشريف فيما أخرجه الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 3 ص 171: إنَّ المرء ليكون مؤمناً وإنَّ في خلقه شيءٌ فينقص ذلك من إيمانه. ومنها ما يُلازم النفاق ولا يُفارقه ولا يجتمع مع شيء من الإيمان وإن صلّى صاحبه وصام وبه عُرِّف المنافق في القرآن العزيز. فإليك ما رود عن النبيِّ الأقدس في كثير من الصفات المذكورة المعزوَّة إلى المترجم له حتّى تكون على بصيرة من الأمر، فلا يغرَّنك تقلّب الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد.

1 - آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدَّث كذب. وإذا وعد أخلف. وإذا اُئتمن خان. أخرجه البخاري ومسلم، وفي رواية مسلم: وإن صام وصلّى وزعم أنَّه مسلم.

2 - أربعٌ مَن كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً. ومن كانت فيه خصلةٌ منهنَّ كانت فيه خصلةٌ من النّفاق حتّى يدعها: إذا اُئمتن خان. وإذا حدَّث كذب. وإذا عهد غدر. وإذا خاصم فجر، أخرجه البخاري. مسلم. أبو داود. الترمذي. النسائي.

3 - لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له. أخرجه أحمد. البزّار.

____________________

1 - أخرجه البخاري. مسلم. أبو داود. الترمذي. النسائي. إبن ماجة.

2 - أخرجه مسلم وغيره.

١٧٣

الطبراني. إبن حبّان. أبو يعلى. البيهقي.

4 - المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه. متَّفقٌ عليه.

5 - الكذب مُجانبٌ للإيمان. إبن عدي، البيهقي.

6 - المكر والخديعة في النار. الديلمي. القضاعي.

7 - المؤمن ليس بحقود. الغزالي. إبن الدبيع.

8 - لا إيمان لمن لا حياء له. إبن حبّان. إبن الدبيع.

9 - الحسد يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل. الديلمي. إبن الدبيع.

10 - الغيرة من الإيمان والمذاء من النفاق، الديلمي. القضاعي. إبن الدبيع.

11 - اليسير من الرياء شركٌ، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة. إبن ماجة. الحاكم. البيهقي.

12 - من أرضى سلطاناً بما يُسخط به ربَّه خرج من دين الله. الحاكم.

13 - الحياء من الإيمان. البخاري. مسلم. أبو داود. الترمذي. النسائي. إبن ماجة.

14 - سُباب المسلم فسوقٌ وقتاله كفرٌ. البخاري. مسلم. الترمذي. النسائي إبن ماجة.

15 - لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد. إبن حبّان. البيهقي.

16 - الشحُّ والعجز والبذاء من النفاق. الطبراني. أبو الشيخ.

17 - لا يجتمع شحُّ وإيمانٌ في قلب عبد أبداً. النسائي. إبن حبّان. الحاكم.

18 - خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل، وسوء الخلق. البخاري. الترمذي وغيرهما.

19 - المؤمن غرٌّ كريم والفاجر خبٌّ(1) لئيم. أبو داود. الترمذي. أحمد.

20 - إنّ الرجل لا يكون مؤمناً حتى يكون قلبه مع لسانه سواء، ويكون لسانه مع قلبه سواء، ولا يُخالف قوله عمله. الأصبهاني.

21 - الحياء والإيمان قرنآء جميعاً، فإذا رُفع أحدهما رُفع الآخر. الحاكم. الطبراني.

____________________

1 - الخب الخداع.

١٧٤

22 - إنّ الله عزَّ وجلَّ إذا أراد أن يهلك عبداً نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلّا مَقيتاً مُمقتاً، فإذا لم تلقه إلّا مَقيتاً مُمقتاً نُزعت منه الأمانة، فإذا نُزعت منه الأمانة لم تلقه إلّا خائناً مخوناً، فإذا لم تلقه إلّا خائناً مخوناً نُزعت منه الرَّحمة، فإذا نُزعت منه الرَّحمة لم تلقه إلّا رجيماً مُلعناً، فإذا لم تلقه إلّا رجيماً مُلعنا نُزعت منه ربقة الإسلام. إبن ماجة. المنذري.

وفاته

توفّي ليلة الفطر سنة 43 على ما هو الأصحّ عند المؤرِّخين وقيل غير ذلك، وعاش نحو تسعين سنة وقال العجلي: عاش تسعاً وتسعين سنة. قال اليعقوبي في تاريخه 2 ص 198: لَمّا حضرت عمراً الوفاة قال لإبنه: لودَّ أبوك أنَّه كان مات في غزات ذات السلاسل، إنّي قد دخلت في أمور لا أدري ما حجَّتي عند الله فيها. ثمَّ نظر إلى ماله فرأى كثرته فقال: يا ليته كان بعراً، يا ليتني متُّ قبل هذا اليوم بثلاثين سنة، أصلحت لمعاوية دنياه وأفسدت ديني، آثرت دنياي وتركت آخرتي، عمي عليَّ رشدي حتى حضرني أجلي، كأنّي بمعاوية قد حوى مالي وأساء فيكم خلافتي.

قال إبن عبد البرّ في الإستيعاب 2 ص 436: دخل إبن عبّاس على عمرو بن العاص في مرضه فسلّم عليه وقال: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلاً، وأفسدت من ديني كثيراً، فلو كان الّذي أصلحت هو الّذي أفسدت والّذي أفسدت هو الذي أصلحت لَفُزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان يُنجيني أن أهرب هربت، فصرت كالمنخنق بين السماء والأرض، لا أرقي بيدين ولا أهبط برجلين، فعظني بعظة أنتفع بها يا بن أخي. فقال له إبن عبّاس: هيهات يا أبا عبد الله؟ صار إبن أخيك أخاك، ولا تشاء أن تبكي إلّا بكيت، كيف يؤمن برحيل مَن هو مقيمٌ؟. فقال عمرو: وعلى حينها(1) حين إبن بضع وثمانين سنة تقنطني من رحمة ربّي؟ أللهمَّ؟ إنَّ إبن عبّاس تقنطني من رحمتك، فخذ منّي حتى ترضى. قال إبن عبّاس: هيهات يا أبا عبد الله؟ أخذت جديداً وتُعطي خلقاً. فقال عمرو: مالي ولك يا بن عبّاس؟! ما أرسلتُ كلمة إلّا أرسلتَ نقيضها.

____________________

1 - يعني حين الوفاة.

١٧٥

قال عبد الرحمن بن شماسة: لَمّا حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى فقال له إبنه عبد الله: لِمَ تبكي أجزعاً من الموت؟؟!! قال: لا والله ولكن لِما بعده. فقال له: قد كنت على خير. فجعل يذكره صحبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وفتوحه الشام، فقال له عمرو: تركت أفضل من ذلك: شهادة أن لا إله إلّا الله. إنّي كنت على ثلاث أطباق ليس منها طبقٌ إلّا عرفت نفسي فيه، كنت أوَّل شيء كافراً فكنت أشدَّ الناس على رسول الله صلّى الله عليه وآله فلو متُّ يومئذ وجبت لي النار. فلمّا بايعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله كنت أشدَّ الناس حياءً منه فما ملأتُ عيني من رسول الله صلّى الله عليه وآله حياءً منه، فلو متُّ يومئذ قال الناس: هنيئاً لعمرو أسلم وكان على خير ومات على خير أحواله فتُرجى له الجنَّة. ثمَّ بُليت بعد ذلك بالسلطان وأشياء فلا أدري أعليَّ أم لي؟؟!! فإذا متُّ فلا تبكينَّ عليَّ باكيةٌ، ولا يتبعني مادحٌ ولا نار، وشدّوا عليّ إزاري فإنّي مخاصم، وشنّوا عليَّ التراب فإنَّ جنبي الأيمن ليس بأحقّ بالتراب من جنبي الأيسر. الحديث.

*(فائدةٌ)* يوجد إسم والد المترجم له في كثير من كلمات الأصحاب (العاصي) بالياء وكذا ورد في شعر أمير المؤمنين:

لا وردنَّ العاصي بن العاصي

سبعين ألفاً عاقدي النواصي

وفي رجز الأشتر:

ويحك يا بن العاصي

تنحَّ في القواصي

ويُذكر بالياء في كتب غير واحد من الحفّاظ، وقال الحافظ النووي في تهذيب الأسماء واللغات 2 ص 30: وعليه الجمهور وهو الفصيح عند أهل العربيَّة. ثمَّ قال: ويقع في كثير من كتب الحديث والفقه أو أكثرها بحذف الياء وهي لغةٌ وقد قُرئ في السبع نحوه كالكبير المتعال والداع.

١٧٦

5 - محمد الحميري

بحقِّ محمد قولوا بحقٍّ

فإنَّ الإفك من شِيم اللئامِ

أبعد محمد بأبي وأُمّي

رسول الله ذي الشرف التهامي

أليس عليٌّ أفضل خلق ربّي

وأشرف عند تحصيل الأنامِ؟؟!!

ولايته هي الإيمان حقّاً

فذَرني من أباطيل الكلامِ

وطاعة ربّنا فيها وفيها

شفاءٌ للقلوب من السِّقامِ

عليٌّ إمامنا بأبي وأُمّي

أبو الحسن المطهَّر من حرامِ

إمام هدىً أتاه الله علماً

به عُرف الحلال من الحرامِ

ولو أنّي قتلت النَّفس حبّاً

له ما كان فيها من أثامِ

يحلُّ النار قومٌ أبغضوه

وإن صلّوا وصاموا ألف عامِ

ولا والله لا تزكو صلاةٌ

بغير ولاية العدل الإمامِ

أمير المؤمنين بك اعتمادي

وبالغرِّ الميامين اعتصامي

فهذا القول لي دينٌ وهذا

إلى لقياك يا ربّي كلامي

برأت مِن الذي عادى عليّاً

وحاربه من أولاد الطغامِ

تناسوا نصبه في يوم «خمّ»

من الباري ومن خير الأنامِ

برغم الأنف من يشنأ كلامي

عليٌّ فضله كالبحر طامي

وأبرأ من أُناس أخَّروه

وكان هو المقدَّم بالمقامِ

عليٌّ هزَّم الأبطال لَمّا

رأوا في كفِّه برق الحسامِ

*(ما يتبع الشعر)*

هذه القصيدة رواها شيخ الإسلام الحمّويي في الباب الثامن والستّين من «فرائد السمطين» بإسناده عن الحافظ الكبير أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عليّ بن أحمد بن محمد إبن إبراهيم النطنزي مصنِّف كتاب - الخصائص العلويَّة على ساير البريَّة - قال: أنبأنا

١٧٧

أبو الفضل جعفر بن عبد الواحد بن محمد بن محمود الثقفي بقرائتي عليه قال: أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم قال: أنبأنا الشيخ قال: حدّثنا محمد بن أحمد بن معدان: حدّثنا محمد بن زكريّا: حدَّثنا عبد الله بن الضحّاك: حدّثنا هشام بن محمد عن أبيه قال: إجتمع الطرمّاح الطائي، وهشام المرادي، ومحمد بن عبد الله الحميري عند معاوية بن أبي سفيان فأخرج بَدرةً فوضعها بين يديه وقال: يا معشر شعراء العرب؟ قولوا قولكم في عليِّ بن أبي طالب ولا تقولوا إلّا الحقَّ وأنا نفيٌّ من صخر بن حرب إن أعطيت هذه البدرة إلّا من قال الحقَّ في عليٍّ. فقام الطرمّاح وتكلّم في عليٍّ ووقع فيه فقال له معاوية: اُجلس فقد عرف الله نيَّتك ورأى مكانك. ثمّ قام هشام المرادي فقال أيضاً ووقع فيه فقال له معاوية: اُجلس مع صاحبك فقد عرف الله مكانكما. فقال عمرو بن العاص لمحمّد إبن عبد الله الحميري وكان خاصّاً به: تكلَّم ولا تقل إلّا الحقَّ ثمّ قال: يا معاوية قد آليت أن لا تُعطي هذه البدرة إلّا مَن قال الحقَّ في عليّ قال: نعم أنا نفيٌّ من صخر إبن حرب إن أعطيتها منهم إلّا مَن قال الحقَّ في عليّ. فقام محمد بن عبد الله فتكلّم ثمّ قال:

بحقّ محمد قولوا بحقّ. القصيدة.

فقال معاوية: أنت أصدقهم قولاً فخذ هذه البدرة.

ورواها شيخنا الفقيه الكبير عماد الدين أبو جعفر محمد بن أبي القاسم بن محمد الطبري الآملي في الجزء الأوَّل من (بشارة المصطفى لشيعة المرتضى) قال: أخبرنا الشيخ أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شهريار الخازن بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السَّلام في شوّال سنة أثنتي عشرة وخمسمائة قال: حدَّثني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محسن الخزاعي قال: حدَّثنا أبو الطيِّب علي بن محمد بن بنان قال: حدَّثنا أبو القاسم الحسن إبن محمد السكري من كتابه قال: حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمد بن مسروق ببغداد من كتابه قال: حدَّثنا محمد بن دينار الضبّي قال: حدَّثنا عبد الله بن الضحّاك إلى آخر السند والمتن.

وذكرها صاحب «رياض العلماء» في ترجمة الشريف المرتضى نقلاً عن شيخ الإسلام الحمّويي.

١٧٨

*(الشاعر)*

محمد بن عبد الله الحميري زميل عمرو بن العاص، أحسبه إبن القاضي عبد الله بن محمد الحميري الّذي قلّده معاوية بن أبي سفيان ديوان الخاتم وكان قاضياً كما ذكره الجهشياري في كتاب «الوزراء والكتاب» ص 15 قال: كان معاوية أوَّل من إتَّخذ ديوان الخاتم، وكان سبب ذلك: إنّه كتب لعمرو بن الزبير بمائة ألف درهم إلى زياد وهو عامله على العراق ففضّ عمرو الكتاب وجعلها مائتي ألف درهم، فلمّا رفع زياد حسابه قال معاوية: ما كتبت له إلّا بمائة ألف. وكتب إلى زياد بذلك وأمره أن يأخذ المائة ألف منه، فحبسه بها فاتّخذ معاوية ديوان الخاتم وقلّده عبد الله بن محمد الحميري وكان قاضياً ا هـ ويُحتمل قويّاً أن يكون صاحب الشعر هو القاضي عبد الله نفسه ووقع الإشتباه بتقديم الوالد على الولد.

وأمّا ديوان الخاتم فقد إخترعه معاوية قال إبن الطقطقي في «الآداب السلطانيَّة» ص 78: وممّا إخترع معاوية من أمور الملك «ديوان الخاتم» وهذا ديوانٌ معتبرٌ من أكابر الدواوين، لم تزل السنَّة جارية به إلى أواسط دولة بني العبّاس فاُسقط، ومعناه: أن يكون ديوانٌ وبه نوّابٌ فإذا صدر توقيعٌ من الخليفة بأمر من الأُمور أُحضر التوقيع إلى ذلك الديوان وأثبتت نسخته فيه وحُزم بخيط وخُتم بشمع كما يُفعل في هذا الزمان بكتب القضاة وخُتم بختم صاحب ذلك الديوان.

١٧٩

*(شعراء الغدير)*

في القرن الثاني

6 - أبو المستهل الكميت

المولود 60، المتوفّى 126

نفى عن عينك الأرق الهجوعا

وهمٌّ يمتري منها الدموعا

دخيلٌ في الفؤاد يهيج سقماً

وحزناً كان من جذل(1) منوعا

وتوكاف الدموع على اكتئاب

أحلَّ الدهر موجعه الضلوعا

ترقرق أسحماً درراً وسكباً

يشبِّه سحّها غرباً هموعا(2)

لفقدان الخضارم من قريش

وخير الشافعين معاً شفيعا

لدى الرَّحمن يصدع بالمثاني

وكان له أبو حسن قَريعا(3)

حطوطاً في مسرَّته ومولى

إلى مرضاة خالقه سريعا

وأصفاه النبيُّ على اختيار

بما أعيى الرّفوض له المذيعا

ويوم الدَّوح دَوح غدير خمّ

أبان له الولاية لو أُطيعا

ولكنَّ الرجال تبايعوها

فلم أر مثلها خطراً مَبيعا

فلم أبلغ بها لعناً ولكن

أساء بذاك أوَّلهم صنيعا

فصار بذاك أقربهم لعدل

إلى جور وأحفظهم مضيعا

أضاعوا أمر قائدهم فضلّوا

وأقومهم لدى الحدثان ريعا

تناسوا حقَّه وبغوا عليه

بلا ترةٍ وكان لهم قَريعا

فقل لبني أُميَّة حيث حلّوا

وإن خفتَ المهنَّد والقطيعا

____________________

1 - الجذل: الفرح.

2 - رقرقت العين: أجرت دمعها. الأسحم: السحاب. يقال: أسحمت السماء. صبت ماءها السج: الصب. الغرب: الدلو العظيم. الهموع: السيال.

3 - القريع: السيد. الرئيس.

١٨٠