الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب الجزء ٢

الغدير  في الكتاب والسُنّة والأدب0%

الغدير  في الكتاب والسُنّة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 388

الغدير  في الكتاب والسُنّة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 388
المشاهدات: 87170
تحميل: 7358


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 388 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87170 / تحميل: 7358
الحجم الحجم الحجم
الغدير  في الكتاب والسُنّة والأدب

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وقوله في مدحه عليه السلام:

أنت عين الإله والجنب من فـ

ـرَّط فيه يصلى لظىً مذموما

أنت فلك النجاة فينا وما زلـ

ـت صراطاً إلى الهدى مستقيما

وعليك الورود تسقي مِن الحو

ض ومَن شئت ينثني محروما

وإليك الجواز تُدخل مَن شئت

جناناً ومَن تشاء جحيما

مرَّ بيان ما في بعض هذه الأبيات. (قوله):

وعليك الورود تسقي مِن الحو

ض ومَن شئت ينثني محروما

فيه إيعازٌ إلى أنَّ سقاية الحوض (الكوثر) يوم القيامة بيد عليّ أمير المؤمنين يسقي منه محبّيه ومواليه ويذود عنه المنافقين والكفّار، وورد في ذلك أحاديث في الصحاح والمسانيد ونحن نذكر بعضها:

1 - أخرج الطبراني بإسناد رجاله ثقاتٌ عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: يا عليُّ معك يوم القيامة عصا من عصي الجنة تذود بها المنافقين عن الحوض.

«الذخاير» ص 91، «الرياض» 2 ص 211، «مجمع الزوائد» 9 ص 135، «الصواعق» 104.

2 - أخرج أحمد في «المناقب» بإسناده عن عبد الله بن إجاره قال: سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وهو على المنبر يقول: أنا أذود عن حوض رسول الله صلى بيديَّ هاتين القصيرتين الكفار والمنافقين كما تذود السقاة غريبة الإبل عن حياضهم.

ورواه الطبراني في الأوسط. وذكر في مجمع الزوايد 9 ص 139، والرِّياض النضرة 2 ص 211، وكنز العمّال 6 ص 403.

3 - أخرج إبن عساكر في تاريخه بإسناده عن إبن عبّاس عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لعليّ: أنت أمامي يوم القيامة فيدفع إليَّ لواء الحمد فأدفعه إليك وأنت تذود الناس عن حوضي. وذكره السيوطي في «الجمع» كما في ترتيبه 6 ص 400 وفي ص 393 عن إبن عبّاس عن عمر في حديث طويل عنه صلّى الله عليه وآله: وأنت تتقدَّمني بلواء الحمد وتذود عن حوضي.

4 - أخرج أحمد في «المناقب» بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله

٣٢١

صلّى الله عليه وآله: أُعطيت في عليّ خمساً هو أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها، أمّا واحدة: فهو تكأتي بين يدي الله عزَّ وجلَّ حتّى يفرغ من الحساب. وأمّا الثانية: فلواء الحمد بيده آدم و من ولده تحته. وأمّا الثالثة: فواقفٌ على عقر حوضي يسقي من عرف من أُمَّتي. الحديث.

وذكر في الرِّياض النضرة 2 ص 203، وكنز العمّال 6 ص 403.

5 - أخرج شاذان الفضيلي بإسناده عن أمير المؤمنين قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا عليٌّ؟ سألت ربّي عزَّ وجلَّ فيك خمس خصال فأعطاني أمّا الأولى: فإنّي سألت ربّي: أن تنشقَّ عنّي الأرض وانفضَّ التراب عن رأسي وأنت معي، فأعطاني. وأمّا الثانية: فسألته: أن يوقفني عند كفَّة الميزان وأنت معي، فأعطاني. وأمّا الثالثة: فسألته: أن يجعلك حامل لوائي وهو لواء الله الأكبر عليه المفلحون والفائزون بالجنَّة، فأعطاني. وأمّا الرابعة: فسألت ربّي أن تسقي أُمَّتي من حوضي. فأعطاني. وأمّا الخامسة: فسألت ربّي: أن يجعلك قائد أُمَّتي إلى الجنَّة فأعطاني. فالحمد لله الَّذي منّ به عليَّ.

وتجده في «المناقب» للخطيب الخوارزمي ص 203، و [ فرايد السمطين ] في الباب الثامن عشر، و [ كنز العمّال ] 6 ص 402.

6 - أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة في حديث قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: كأنّي بك (يا عليُّ) وأنت على حوضي تذود عنه الناس وإنَّ عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء وإنّي وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنَّة إخواناً على سرير متقابلين أنت معي وشيعتك في الجنّة. [ مجمع الزوايد 9 ص 173 ].

7 - عن جابر بن عبد الله في حديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: يا عليُّ؟ والذي نفسي بيده إنَّك لذائدٌ عن حوضي يوم القيامة تذود عنه رجالاً كما يُذاد البعير الضالُّ عن الماء بعصاً لك من عوسج وكأنّي أنظر إلى مقامك من حوضي. [ مناقب الخطيب ص 65 ].

8 - أخرج الحاكم في «المستدرك» 3 ص 138 بإسناده وصحِّحه عن عليّ بن أبي طلحة قال: حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة ومعنا معاوية بن حُديج - بالتصغير - فقيل للحسن: إنّ هذا معاوية بن حُديج السابّ لعليّ. فقال: عليَّ به فأُتي به، فقال: أنت السابُّ لعليّ؟! فقال: ما فعلت. فقال: والله إن لقيته وما أحسبك

٣٢٢

تلقاه يوم القيامة لتجده قائماً على حوض رسول الله صلّى الله عليه وآله يذود عنه رايات المنافقين بيده عصاً من عوسج، حدَّثنيه الصادق المصدوق صلّى الله عليه وآله وقد خاب من افترى.

وأخرجه الطبراني وفي لفظه: لتجدنَّه مشمِّراً حاسراً عن ذراعيه يذود الكفّار والمنافقين عن حوض رسول الله صلّى الله عليه وآله قول الصادق المصدوق محمد.

*(قوله)*:

وإليك الجواز تُدخل مَن شئت

جناناً ومَن تشاء جحيما

أشار به إلى معنى ورد في أخبار كثيرة نقتصر بذكر بعضها.

1 - أخرج الحافظ إبن السمّان في الموافقة عن قيس بن حازم قال: التقى أبو بكر الصدّيق وعليّ بن أبي طالب فتبسَّم أبو بكر في وجه عليّ فقال له: ما لك تبسَّمت؟! قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله: يقول: لا يجوز أحدٌ الصراط إلّا من كتب له عليٌّ الجواز. وذُكر في الرياض النضرة 2 ص 177 و 244. والصواعق 75. وإسعاف الراغبين 161.

2 - عن مجاهد عن إبن عبّاس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة أقام الله عزَّ وجلَّ جبريل ومحمداً على الصراط فلا يجوز أحدٌ إلّا مَن كان معه براةٌ من عليِّ بن أبي طالب. أخرجه الخطيب الخوارزمي في «المناقب» ص 253. والفقيه إبن المغازلي في «المناقب» بلفظ: عليٌّ يوم القيامة على الحوض لا يدخل إلّا من جاء بجواز من عليِّ بن أبي طالب. وذكره القرشيُّ في شمس الأخبار ص 36.

3 - أخرج الحاكمي عن عليّ قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إذا جمع الله الأوَّلين والآخرين يوم القيامة ونصب الصراط على جسر جهنّم ما جازها أحدٌ حتّى كانت معه براءة بولاية عليِّ بن أبي طالب. وذُكر في [ فرايد السمطين ] في الباب الرابع والخمسين. و [الرياض النضرة] 2 ص 172.

4 - عن الحسن البصري عن عبد الله قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة يقعد عليُّ بن أبي طالب على الفردوس وهو جبلٌ قد علا على الجنَّة وفوقه عرش ربِّ العالمين، ومن سفحه يتفجَّر أنهار الجنَّة وتتفرَّق في الجنان، وهو جالسٌ على كرسيّ من نور يجري بين يديه التسنيم، لا يجوز أحدٌ الصِّراط إلّا ومعه براة بولايته وولاية أهل بيته يشرف على الجنَّة فيدخل محبّيه الجنَّة ومبغضيه النار. أخرجه الخوارزمي في

٣٢٣

«المناقب» ص 42، والحمّويي في [فرايد السمطين] في الباب الرابع والخمسين.

5 - أخرج القاضي عياض في «الشفاء» عن النبيِّ صلّى الله عليه وآله أنَّه قال: معرفة آل محمد براءةٌ من النّار. وحبُّ آل محمد جوازٌ على الصِّراط. والولاية لآل محمد أمانٌ من العذاب. ويوجد في «الصواعق» ص 139 و «الإتحاف» ص 15. و«رشفة الصادي» ص 459.

6 - أخرج الخطيب في تاريخه 3 ص 161 عن إبن عبّاس قال: قلت للنبيّ صلّى الله عليه وآله: يا رسول الله لِلنار جواز؟! قال: نعم. قلت: وما هو؟! قال: حبُّ عليِّ بن أبي طالب. ويأتي حديث: عليٌّ قسيم الجنَّة والنار. في محلّه إنشاء الله تعالى.

*(ومن شعر العبديَّ يمدح أمير المؤمنين)*

وعلّمك الّذي علم البرايا

وألهمك الّذي لا يعلمونا

فزادك في الورى شرفاً وعزّاً

ومجداً فوق وصف الواصفينا

لقد أُعطيتَ ما لم يُعط خلقاً

هنيئاً يا أمير المؤمنينا

إليك اشتاقت الأملاك حتّى

تحنَّت من تشوُّقها حنينا

هناك برا لها الرَّحمن شخصاً

كشبهك لا يُغادره يقينا

أشار بالبيت الأوَّل إلى حديث مرّ ص 41 ومرَّ بيان بقيَّة الأبيات ص 288

ومن شعره:

لأنتم على الأعراف عرف عارف

بسيما الذي يهواكمُ والَّذي يشنا

أئمَّتنا أنتم سنُدعى بكم غداً

إذا ما إلى ربِّ العباد معاً قمنا

بجدِّكمُ خير الورى وأبيكمُ

هُدينا إلى سبل النجاة وأُنقذنا

ولولاكمُ لم يخلق الله خلقه

ولا لقّب الدنيا الغرور ولا كنّا

ومن أجلكم أنشا الإله لخلقه

سماءً وأرضاً وابتلى الإنس والجنّا

تجلّون عن شبه من النّاس كلّهم

فشأنكمُ أعلى وقدركمُ أسنا

إذا مسَّنا ضرُّ دعونا إلهنا

بموضعكم منه فيكشفه عنّا

وإن دهمتنا غُمَّةٌ أو مُلمَّةٌ

جعلناكمُ منها ومن غيرنا حصنا

وإن ضامنا دهرٌ فعذنا بعزِّكم

فيبعد عنّا الضيم لَمّا بكم عُذنا

٣٢٤

وإن عارضتنا خفيةٌ من ذنوبنا

براةٌ لنا منها شفاعتكم أمنا

البيت الأوَّل إشارةٌ إلى قوله تعالى في سورة الأعراف:( وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ) . وما ورد فيه. أخرج الحاكم إبن الحداد الحسكاني (المترجم 1 ص 112) بإسناده عن أصبغ بن نباتة قال: كنت جالساً عند عليّ فأتاه إبن الكوّا فسأله عن قوله تعالى:( وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ ) . الآية. فقال: ويحك يا بن الكوّا نحن نوقف يوم القيامة بين الجنَّة والنار، فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنَّة، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النّار.

وأخرج أبو إسحاق الثعلبي في - الكشف والبيان - في الآية الشريفة عن إبن عبّاس إنّه قال: الأعراف موضعٌ عالٍ من الصِّراط عليه العبّاس وحمزة وعليُّ بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين يعرفون محبّيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه. ورواه إبن طلحة الشافعي في «مطالب السئول» ص 17، وإبن حجر في «الصواعق» ص 101، والشوكاني في «فتح القدير» 2 ص 198.

والبيت الثاني إشارةٌ إلى قوله تعالى:( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) . وأئمَّة الشيعة هم العترة الطاهرة يُدعون بهم ويُحشرون معهم إذ المرء كما قال النبيُّ الأقدس مع من أحبَّ(1) ، ومن أحبَّ قوماً حُشر معهم(2) ومن أحبَّ قوماً حشره الله في زمرتهم(3) .

وبقيَّة الأبيات بعضها واضحةٌ وبعضها مرَّ بيانه.

____________________

1 - أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد عن أنس وابن مسعود.

2 - أخرجه الحاكم في المستدرك وابن الدبيع في تمييز الطيب من الخبيث ص 153.

3 - أخرجه الطبراني والضياء عن أبي قرصافة وصحّحه السيوطي في الجامع الصغير 2 ص 488.

٣٢٥

العبدي معاصر العبدي

* * *

عاصر المترجم من شعراء الشيعة مشاركه في كنيته ولقبه وبيئة نشأته ومذهبه ألا وهو أبو محمد يحيى بن بلال العبديُّ الكوفيُّ، فنذكره لكثرة وقوع الإشتباه بينهما وقلّة ذكره، قال المرزباني في معجمه ص 499: إنّه كوفيٌّ نزل همدان وهو شاعرٌ محسنٌ يتشيَّع وله في الرشيد مدائح حسنة وهو القائل:

ولَلموت خيرٌ من حياةٍ زهيدةٍ

ولَلمنع خيرٌ من عطاءٍ مكدَّرِ

فعش مُثرياً أو مكدياً من عطيّةٍ

تمنّى وإلّا فاسأل الله واصبرِ

وله:

لعمري لإن حارت أُميَّة واعتدت

لَأوَّلُ من سنَّ الضلالة أجورُ

وأنشد (العبديُّ هذا) عبد الله(1) بن علي بن العبّاس بنهر أبي فطرس وله فيه خبر:

أمّا الدعاةُ إلى الجنان فهاشمٌ

وبنو أُميَّة من دُعاة النّارِ

أأُميَّ مالكِ من قرار فألحقي

بالجنِّ صاغرةً بأرض وبارِ

فلئن رحلتِ لترحلنَّ ذميمةً

وإذا أقمتِ بذلَّة وصغارِ

وخبر العبديِّ هذا وإنشاده الشعر المذكور عبد الله العبّاسي ذكره إبن قتيبة في عيون الأخبار 1 ص 207، واليعقوبي في تأريخه 3 ص 91، وإبن رشيق في العمدة 1 ص 48، وأحسب أنّ من علّق على هذه الكتب لم يقف على ترجمة الشاعر فضرب عن ترجمته صفحاً وسكت عن تعريفه.

فقال إبن قتيبة: ولَمّا افتتح المنصور الشام وقتل مروان قال(2) لأبي عون و

____________________

1 - أحد أعمام أبي العبّاس السفاح، كان من رجال الدهر حزماً ورأياً ودهاءاً وشجاعة انهدم عليه الحبس سنة 147 وكان قد حبسه المنصور سراً. وقيل: إنه قتل سراً وهدم عليه الحبس قصداً. قال الوطواط: إنّه جلس يوم الجمعة في جامع دمشق وقتل من بني أُميَّة خمسين ألفاً.

2 - الظاهر أن في العبارة سقطاً إذ القصة وقت مع عبد الله بن علي وكان أميراً على الشام من قبل المنصور كما في ذيل العبارة ومعجم المرزباني وتاريخي اليعقوبي وإبن الأثير و عمدة إبن رشيق.

٣٢٦

من معه من أهل خراسان: إنَّ لي في بقيَّة آل مروان تدبيراً فتأهِّبوا يوم كذا وكذا في أكمل عدَّة، ثمَّ بعث إلى آل مروان في ذلك اليوم فجمعوا وأعلمهم أنَّه يفرض لهم في العطاء فحضر منهم ثمانون رجلاً فصاروا إلى بابه ومعهم رجل من كلب قد ولدهم ثمَّ أذن لهم فدخلوا، فقال الآذن للكلبي: ممَّن أنت؟! قال: من كلب وقد ولدتهم قال: فانصرف ودع القوم فأبى أن يفعل. وقال: إنّي خالهم ومنهم فلمّا استقرَّ بهم المجلس خرج رسول المنصور وقال بأعلى صوته: أين حمزة بن عبد المطلب؟! ليدخل فأيقن القوم بالهلكة، ثمَّ خرج الثانية فنادى: أين الحسن بن علي؟! ليدخل. ثمَّ خرج الثالثة فنادى: أين زيد بن عليّ بن الحسين؟! ثمَّ خرج الرابعة فقال: أين يحيى بن زيد؟! ثمَّ قيل: إئذنوا لهم فدخلوا وفيهم الغمر بن يزيد وكان له صديقاً فأومأ إليه: أن إرتفع فأجلسه معه على طنفسته وقال للباقين: إجلسوا. وأهل خراسان قيامٌ بأيديهم العمد فقال: أين العبديّ؟! فقام وأخذ في قصيدته التي يقول فيها:

أمّا الدُعاة إلى الجنان فهاشمٌ

وبنو أُميَّة من دُعاة النّارِ

فلمّا أنشد أبياتاً منها قال الغمر: يا بن الزانية؟ فانقطع العبديُّ وأطرق عبد الله ساعة ثمَّ قال: إمض في نشيدك. فلمّا فرغ رمى إليه بصرَّة فيها ثلاثمائة دينار ثمَّ تمثَّل بقول القائل:

ولقد ساءني وساء سواي

قربهم من منابر وكراسي

أنزلوها بحيث أنزلها اللّـ

ـه بدار الهوان والإتعاسِ

لا تُقيلنَّ عبد شمس عثاراً

واقطعوا كلَّ نخلة وغراسِ

واذكروا مصرع الحسين وزيد

وقتيلاً بجانب المهراسِ

ثمَّ قال لأهل خراسان: دهيد(1) فشدخوا بالعمد حتّى سالت أدمغتهم وقام الكلبي فقام: أيّها الأمير؟ أنا رجلٌ من كلب لست منهم. فقال:

ومُدخلٌ رأسه لم يُدنه أحدٌ

بين الفريقين حتى لزَّه القرنُ

ثمَّ قال: دهيد. فشدخ الكلبي معهم ثمَّ التفت إلى الغمر فقال: لا خير لك في

____________________

1 - كلمة فارسية.

٣٢٧

الحياة بعدهم. قال: أجل فقتل ثمّ دعا ببراذع(1) فألقاها عليهم وبسط عليها الأنطاح ودعا بغدائه فأكل فوقهم وإنَّ أنين بعضهم لم يهدأ حتّى فرغ ثمَّ قال: ما تهنَّأت بطعام منذ عقلت مقتل الحسين إلّا يومي هذا. وقام فأمر بهم فجرّوا بأرجلهم وأغنم أهل خراسان أموالهم ثمَّ صُلبوا في بستانه، وكان يأكل يوماً فأمر بفتح باب من الرواق إلى البستان فإذا رائحة الجيف تملأ الأُنوف، فقيل له: لو أمرت أيّها الأمير بردِّ هذا الباب. فقال: والله لرائحتها أحبُّ إليَّ وأطيب من رائحة المسك. ثمَّ قال:

حسبت أُميَّة أن سترضى هاشمٌ

عنها ويذهب زيدها وحسينها

كلّا وربِّ محمد وإلهه

حتّى تُباح سهولها وحزونها

وتذلٌّ ذلَّ حليلة لحليلها

بالمشرفيِّ وتستردُّ ديونها

وقال اليعقوبي: وانصرف عبد الله بن عليّ إلى فلسطين فلمّا صار بنهر أبي فطرس بين فلسطين والأُردن جمع إليه بني أُميَّة ثمَّ أمرهم أن يغدوا عليه لأخذ الجوائز والعطايا ثمَّ جلس من غد وأذن لهم فدخل عليه ثمانون رجلاً من بني أُميَّة وقد أقام على رأس كلِّ رجل منهم رجلين بالعمد وأطرق مليّاً ثمَّ قام العبديُّ فأنشد قصيدته التي يقول فيها:

أمَّا الدعاةُ إلى الجنان فهاشمٌ

وبنو أُميَّة من دُعاة النّارِ

وكان النعمان بن يزيد بن عبد الملك جالساً إلى جنب عبد الله بن علي فقال له: كذبت يا بن اللخناء. فقال له عبد الله بن علي: بل صدقت يا أبا محمد؟ فامض لقولك ثمَّ أقبل عليهم عبد الله بن علي فذكر لهم قتل الحسين عليه السَّلام وأهل بيته ثمَّ صفق بيده فضرب اليوم رؤوسهم بالعمد حتّى أتوا عليهم فناداه رجلٌ من أقصى القوم:

عبد شمس أبوك وهو أبونا

لا نُناديك من مكانٍ بعيدِ

فالقرابات بيننا واشجاتُ

محكمات القوى بعقدٍ شديدِ

فقال: هيهات قطع ذلك قتل الحسين. ثمَّ أمر بهم فسُحبوا فطرحت عليهم البسط وجلس عليها ودعا بالطعام فأكل فقال: يوم كيوم الحسين بن عليّ ولا سواء. وكان قد دخل معهم رجلٌ من كلب قال: رجوت أن ينالوا خيراً فأنال معهم. فقال عبد الله بن علي: إضربوا عنقه:

ومُدخلٌ رأسه لم يُدنه أحدٌ

بين الفريقين حتّى لزَّه القدرُ

____________________

1 - البرذعة: كساء يلقى ظهر الدابة.

٣٢٨

*(شعراء الغدير)*

في القرن الثالث

9 - أبو تمام الطائي

أظبيةُ حيث استنَّت الكثب العُفرُ

رويدكِ لا يغتالك اللّوم والزَّجرُ

أسرّي حذاراً لم تُقيِّدك ردّةٌ

فيحسر ماءً من محاسنك الهذرُ

أراكِ خلال الأمر والنهي بوّةً

عداكِ الرَّدى ما أنتِ والنهي والأمرُ؟!

أتشغلني عمّا هرعتُ لمثله

حوادثُ أشجانٍ لصاحبها نكرُ؟!

ودهرٌ أساء الصنع حتّى كأنّما

يقضِّي نذوراً في مساءتيَ الدَّهرُ

له شجراتٌ خيَّم المجد بينها

فلا ثمرٌ جانٍ ولا ورقٌ نضرُ

وما زلت ألقى ذاك بالصبر لابساً

رداءَيه حتّى خفتُ أن يجزع الصبرُ

وإنَّ نكيراً أن يضيق بمن لهُ

عشيرة مثلي أو وسيلته مصرُ

وما لِامرئٍ من قاتلٍ يوم عثرةٍ

لعاً وخديناه الحداثةُ والفقرُ

وإن كانت الأيّام آضت وما بها

لذي غلَّةٍ وِردٌ ولا سائلٍ خبرُ

هم الناس سار الذمُّ والحرب بينهم

وحمَّر أن يغشاهم الحمدُ والأجرُ

صفيّكِ منهم مُضمرٌ عُنجهيَّةً(1)

فقائدهُ تيهٌ وسائقهُ كبرُ

إذا شام برق اليُسر فالقرب شأنه

وأنأى من العيّوق إن ناله عسرُ

أريني فتىً لم يَقله النّاس أو فتىً

يصحُّ له عزمٌ وليس له وقرُ

ترى كلّ ذي فضل يطول بفضله

على مُعتفيه والذي عنده نزرُ

وإنَّ الذي أحذاني الشيب للَّذي

رأيتِ ولم تكمل له السبع والعشرُ

وأُخرى إذا استودعتها السرَّ بيَّنت

به كرهاً ينهاض من دونها الصدرُ

طغى من عليها واستبدَّ برأيهم

وقولهمُ إلّا أقلّهم الكفرُ

____________________

1 - العنجهية بضم العين والجيم: الكبر.

٣٢٩

وقاسوا دُجى أمريْهمُ وكلاهما

دليلٌ لهم أولى به الشمس والبدرُ

سيحدوكم استسقاؤكم حلب الردى

إلى هُوَّةٍ لا الماء فيها ولا الخمرُ

سأمتم عبور الضحل خوضاً فأيَّةً

تعدّونها لو قد طغى بكم البحرُ

وكنتم دماء تحت قِدرٍ مغارةٍ

على جهل ما أمست تفور به القدرُ

فهلّا زجرتم طائر الجهل قبل أن

يجيئ بما لا تبسأون به الزَّجرُ؟!

طويتم ثنايا تخبأون عوارها

فأين لكم خبٌ وقد ظهر النشرُ؟!

فعلتم بأبناء النبيِّ ورهطه

أفاعيل أدناها الخيانة والغدرُ

ومن قبله أخلفتمُ لوصيِّه

بداهيةٍ دهياءَ ليس لها قَدرُ

فجأتم بها بكراً عَواناً ولم يكن

لها قبلها مثلٌ عَوانٌ ولا بِكرُ

أخوه إذا عُدّ الفخار وصهره

فلا مثله أخٌّ ولا مثله صهرُ

وشُدَّ به أزر النبيِّ محمَّدٍ

كما شُدِّ من موسى بهارونه الإزرُ

وما زال كشّافاً دياجير غمرةٍ

يمزِّقها عن وجهه الفتح والنصرُ

هو السيف سيف الله في كلِّ مشهد

وسيف الرسول لا ددانٌ ولا دثرُ

فأيّ يد للذمِّ لم يبرِ زندها

ووجه ضلالٍ ليس فيه له أثرُ

ثوى ولأهل الدين أمنٌ بحدّه

وللواصمين الدينُ في حدِّه ذعرُ

يسدُّ به الثغر المخوف من الرَّدى

ويعتاض من أرض العدوِّ به الثغرُ

بأُحدٍ وبدرٍ حين ماجَ برجله

وفرسانه أُحدٌ وماج بهم بدرُ

ويوم حُنينٍ والنضير وخيبرٍ

وبالخندق الثاوي بعقوته عمروُ

سما للمنايا الحمر حتّى تكشَّفت

وأسيافه حمرٌ وأرماحه حمرُ

مشاهدُ كان الله كاشفَ كربها

وفارجَه والأمر ملتبسٌ إمرُ

و «يوم الغدير» استوضح الحقّ أهله

بضحيآء(1) لا فيها حجابٌ ولا سترُ

أقام رسول الله يدعوهمُ بها

ليقربهمُ عرفٌ وينآهمُ نكرُ

يمدّ بضبعيه ويُعلم(2) : أنَّه

وليٌّ ومولاكم فهل لكمُ خبرُ؟!

____________________

1 - وفي نسخة: بفيحاء.

2 - من أفعل. ويظهر من الدكتور ملحم شارح ديوان أبي تمام أنه قرأه مجرداً من علم لا مزيداً من أعلم كما قرأناه ومختارنا هو الصحيح الذي لا يعدوه الذوق العربي.

٣٣٠

يروح ويغدو بالبيان لمعشر

يروح يهم غمرٌ ويغدو بهم غمرُ

فكان لهم جهرٌ بإثبات حقِّه

وكان لهم في بزِّهم حقَّه جهرُ

أثَمَّ جعلتم حظّه حدّ مرهفِ

من البيض يوماً حظُّ صاحبه القبرُ

بكفَّي شقيٍّ وجَّهته ذنوبه

إلى مرتع يُرعى به الغيُّ والوزرُ

القصيدة 73 بيتاً توجد في ديوانه ص 143

*(ما يتبع الشعر) *

لا أجد لذي لبٍّ مُنتدحاً عن معرفة يوم الغدير لا سيَّما وبين يديه كتب الحديث والسير ومدوَّنات التاريخ والأدب، كلٌّ يومي إليه بسبّابته، ويوعز إليه ببنانه، كلٌّ يلمس يدي القارئ حقيقة يوم الغدير، فلا يدع له ذكراً خالياً منه، ولا مخيّلة تعدوه، ولا أضالع إلّا وقد انحنت عليه، فكأنَّه وهو يتلقّى خبره بعد لأيٍ من الدهر يرنو إليه من كثب، ويستشفُّ أمره على أمم، ولعلَّ الواقف على كتابنا هذا من البدء إلى الغاية يجد فيه نماذج ممّا قلناه.

إذاً فهلمَّ معي وأعجب من الدكتور ملحم إبراهيم الأسود شارح ديوان شاعرنا المترجم حيث يقول عند قوله:

ويوم الغدير استوضح الحقّ أهله

...................................

يوم الغدير واقعة حرب معروفة. وذكر بعده في قوله:

يمدُّ بضبعيه ويعلم أنَّه

...................................

ما يكشف عن أنَّها كانت من المغازي النبويَّة قال ص 381: يمدُّ بضبعيه يساعده وينصره والهاء راجعة إلى الإمام عليّ، أي: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ينصره ويعلم أنَّه وليّ، كان العضد والمساعد الوحيد للنبيِّ صلّى الله عليه وآله في الغدير والرسول نفسه كان ينصره عالماً أنَّه سيكون وليّاً على شعبه بعده وخليفةً له، وهذه هي الحقيقة، فهل تعلمون؟! هـ.

ألا مسائل هذا الرجل عن مصدر هذه الفتوى المجرَّدة؟! أهل وجد هاتيك الغزءة في شيء من السير النبويَّة؟! أو نصَّ عليها أحدٌ من أئمَّة التاريخ؟! أم أنَّ تلك الحرب الزبون وحدها قد توسَّع بنقلها المتوسِّعون من نقله الحديث؟! دع ذلك كلّه هل وجد

٣٣١

قصّاصاً يقصّها؟! أو شاعراً يصوِّرها بخياله؟!.

ألا مَن يُسائله عن أنَّ هذه الغزءة متى زيدت على الغزوات النبويَّة المحدودة؟! المعلومة بكمِّها وكيفها، المدوَّنة أطوارها وشئونها، وليس فيها غزءة يوم الغدير، متى زيدت هذه على ذلك العدد الثابت بواحده؟! فكان فيها عليٌّ والنبيُّ يتناصران، ويعضد كلٌّ صاحبه، ويدفع كلٌّ عن الآخر كما يحسبه هذا الكاتب.

وإنَّك لتجد الكاتب عيّاً عن جواب هذه الأسؤلة لكنّه حبَّذت له بواعثه أن يستر حقيقة الغدير بذيل أمانته، وهو يحسب أنّه لا يقف على ذلك التعليق إلّا الدهماء، أو أنَّ البحّاثة يمرّون عليه كراماً، لكنَّ المحافظة على حقيقة دينيَّة أولى من التحفظ على إعتبار هذا الكاتب الذي يكتب ولا يبالي بما يكتب، ويرى الكذب حقيقة راهنة.

نعم كان في الجاهليَّة يوم أغار فيه دُريد بن الصمَّه (المقتول كافراً بعد فتح مكّة) على غطفان يُطالبهم بدمه فاستقراهم حيّاً حيّاً وقتل من بني عبس ساعدة بن مرّ وأسر ذؤاب بن أسماء الجشمي فقالت بنو جشم: لو فاديناه. فأبى ذلك دُريد عليهم وقتله بأخيه عبد الله وأصاب جماعة من بني مرَّة ومن بني ثعلبة ومن أحياء غطفان. قال في الأغاني ج 9 ص 6: وذلك في «يوم الغدير» وذكر لدُريد شعراً في ذلك.

وعُدَّ في العقد الفريد ج 3 ص 71 من حروب الجاهليَّة يوم [ غدير قلياد ] قال: قال أبو عبيدة. فاصطلح الحيّان إلّا بني ثعلبة بن سعد فإنَّهم أبوا ذلك وقالوا: لا نرضى حتّى يودوا قتلانا أو يهدر دم من قتلها فخرجوا من قطن(1) حتّى وردوا [ غدير قلياد ] فسبقهم بنو عبس إلى الماء فمنعوهم حتّى كادوا يموتون عطشاً ودوابّهم فأصلح بينهم عوف ومعقل إبنا سبيع من بني ثعلبة، وإيّاها يعني زهيرٌ بقوله:

تداركتما عبساً وذبيان بعد ما

تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشمِ

إلخ

«وقلياد» في الكلام المذكور مصحَّف «قلهى» كما يظهر من معجم البلدان 7 ص 154، وبلوغ الإرب ج 2 ص 73، وفي الأخير عدَّه من أيّام العرب المشهورة.

هذا كلُّ ما رُوي في حديث هذا اليوم الذي لم يكن لرسول الله صلّى الله عليه وآله ولا لأحد من الهاشميِّين فيه حلُّ ولا مرتحل ولا لوصيِّه أمير المؤمنين عليه

____________________

1 - يوم قطن من حروب الجاهلية، راجع إلى العقد الفريد ج 3 ص 6.

٣٣٢

السَّلام فيه صولةٌ أو جولةٌ، فالحديث ليس فيه أيّ صلة بهما، أفمن المعقول إذن أن يريده أبو تمام المادح للوصيِّ الأعظم؟! ويعدَّه مأثرةً له؟! على أنَّ الشعر نفسه يأبى أن يكون المراد به واقعة حرب دامية فإنَّ الشاعر بعد أن عدَّ مواقف أمير المؤمنين عليه السَّلام في الغزوات النبويَّة وذكر منها غزاة أُحد وبدر وحُنين والنضير وخيبر والخندق وختمها بقوله:

مشاهد كان الله كاشف كربها

وفارجه والأمر ملتبسٌ إمرُ

أخذ في ذكر منقبة ناءَ بها اللسان دون السيف والسنان فقال: - ويوم الغدير - وأنت ترى أنَّه يوعز إلى قصَّة فيها قيامٌ ودعوةٌ وإعلامٌ وبيانٌ ومجاهرةٌ بإثبات الحقِّ لأهله.

*(الشاعر)*

أبو تمام حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس بن الأشجع بن يحيى بن مُزينا بن سهم بن ملحان بن مروان بن رفافة بن مرّ بن سعد بن كاهل بن عمرو بن عدي بن عمرو بن الحارث بن طئ جلهم بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن كهلان بن سبا بن يشجَب إبن يعرب بن قحطان. تاريخ الخطيب 8 248.

أحد رؤساء الإماميَّة كما قال الجاحظ(1) والأوحد من شيوخ الشيعة في الأدب في العصور المتقادمة، ومن أئمَّة اللغة، ومنتجع الفضيلة والكمال، كان يُؤخذ عنه الشعر وأساليبه، وينتهي إليه السير، ويُلقى لديه المقالد، ولم يختلف إثنان في تقدُّمه عند حلبات القريض، ولا في تولّعه بولاء آل الله الأكرمين صلوات الله عليهم، وكان آيةً في الحفظ والذكاء حتّى قيل: إنَّه كان يحفظ أربعة آلاف ديوان الشعر غير ألف أُرجوزة للعرب غير المقاطيع والقصايد(2) وفي [ معاهد التنصيص ]: أنَّه كان يحفظ أربعة عشر ألف أُرجوزة للعرب غير المقاطيع والقصايد وفي التكلمة: أنَّه أخمل في زمانه خمسمائة شاعر كلّهم مجيد.

____________________

1 - فهرست النجاشي ص 102.

2 - مرآت الجنان 2 ص 102.

٣٣٣

المترجم له شاميُّ الأصل وُلد بقرية «جاسم » من قرى «الجيدور» من أعمال «دمشق» وإنَّ أباه كان يُقال له: ندوس(1) العطّار فجعلوه أوساً، وفي دائرة المعارف الإسلاميَّة: إنَّ المترجم هو الّذي بدَّله وكان أبوه نصرانيّاً. نشأ المترجم بمصر و في حداثته كان يسقي الماء في المسجد الجامع ثمَّ جالس الأُدباء فأخذ عنهم وتعلّم منهم وكان فطناً فهماً وكان يحبُّ الشعر فلم يزل يُعانيه حتّى قال الشعر وأجاد، وشاع ذكره، وسار شعره، وبلغ المعتصم خبره فحمله إليه وهو بسرَّ من رأى، فعمل أبو تمام فيه قصائد عدَّة وأجازه المعتصم وقدَّمه على شعراء وقته، وقدم إلى بغداد وتجوَّل في العراق وإيران، ورآه محمد بن قدَّامة بقزوين، فجالس بها الأُدباء وعاشر العلماء وكان موصوفاً بالظرف وحسن الأخلاق وكرم النفس.

قال الحسين بن إسحاق قلت للبحتري: الناس يزعمون أنَّك أشعر من أبي تمام فقال: والله ما ينفعني هذا القول ولا يضرّ أبا تمام والله ما أكلت الخبز إلّا به ولوددت إنّ الأمر كما قالوا ولكنّي والله تابعٌ له لائذٌ به آخذٌ منه، نسيمي يركد عند هوائه، وأرضي تنخفض عند سمائه. [ تاريخ الخطيب 8 ص 248 ].

كان البحتري أوَّل أمره في الشعر ونباهته فيه أنَّه سار إلى أبي تمام وهو بحمص فعرض عليه شعره وكانت الشعراء تقصده لذلك، فلمّا سمع شعر البحتري أقبل عليه وترك سائر النّاس فلمّا تفرَّقوا قال له: أنت أشعر مَن أنشدني، فكيف حالك؟! فشكى إليه القلّة. فكتب أبو تمام إلى أهل معرَّة النعمان وشهد له بالحذق وشفع له إليهم وقال له: إمتدحهم. فسار إليهم فأكرموه بكتاب أبي تمام ووظفوا أربعة آلاف درهم فكانت أوَّل مال أصابه ثمّ أقبل عليه أبو تمام يصف شعره ويمدحه فلزمه البحتري بعد ذلك، و قيل للبحتري: أنت أشعر أم أبو تمام؟! فقال: جيِّده خيرٌ من جيِّدي، ورديّي خيرٌ من رديئه. وقيل: سُئل أبو العلاء المعرّي: مَن أشعر الثلاثة؟! أبو تمام أم البحتري أم المتنبي؟! فقال: المتنبي وأبو تمام حكيمان وإنّما الشاعر البحتري. وقيل: أنشد البحتري أبا تمام شيئاً من شعره فقال له: أنت أمير الشعراء بعدي. قال البحتري: هذا القول أحبّ إليَّ من كلِّ ما نلته.

____________________

1- لهذا الاسم قراءات مختلفة: تدوس تدرس. ندوس. ثدوس. ثادوس. ثيودوس.

٣٣٤

وقال إبن المعتز: شعره كلّه حسنٌ. وذكر إعتنائه البالغ بشعر مسلم بن الوليد صريع الغواني وأبي نواس. وعن عمارة بن عقيل في حديث نقله عنه إبن عساكر في تاريخه 4 ص 22: إنَّه لَمّا سمع قوله:

وطول مقام المرء بالحيِّ مخلقٌ

لديباجتيه فاغترب تتجدَّد

فإنّي رأيت الشمس زيدت محبَّةً

إلى الناس أن ليست عليهم بسرمدِ

قال: إن كان الشعر بجودة اللفظ، وحسن المعاني، وأطراف المراد، وإستواء الكلام، فهي لأبي تمام، وهو أشعر الناس، وإن كان بغيرها فلا أدري. وكان في لسانه حبسة وفي ذلك يقول إبن المعدّل أو أبو العميثل:

يا نبيَّ الله في الشعـ

ـر ويا عيسى بن مريمْ

أنت من أشعر خلق اللّـ

ـه ما لم تتكلّمْ

مدح الخلفاء والأُمراء فأحسن، وحدَّث عن صهيب بن أبي الصحباء الشاعر، و العطاف بن هارون، وكرامة بن أبان العدوي، وأبي عبد الرحمن الأموي، وسلامة بن جابر النهدي، ومحمد بن خالد الشيباني، وروى عنه خالد بن شريد الشاعر، والوليد بن عبادة البحتري، ومحمد بن إبراهيم بن عتاب، والعبدويّ البغدادي. [تاريخ إبن عساكر 4 ص 18].

رُوي أنَّه لَمّا مدح الوزير محمد بن عبد الملك الزيّات بقصيدته التي يقول فيها:

ديمةٌ سمحة القيادة سكوبٌ

مستغيثٌ بها الثرى المكروبُ

لو سعت بقعةٌ لأعظام أُخرى

لسعى نحوها المكان الجديبُ

قال له إبن الزيّات: يا أبا تمام؟ إنَّك لَتحلّي شعرك من جواهر لفظك ودرر معانيك ما زيد حسناً على بهيّ الجواهر في أجياد الكواعب، وما يدَّخر لك شيءٌ من جزيل المكافأة إلّا ويقصر عن شعرك في الموازرة، وكان بحضرته الكندي الفيلسوف فقال له: إنَّ هذا الفتى يموت شابّاً. فقيل له: من أين حكمت عليه بذلك؟! فقال: رأيت فيه من الحدَّة والذكاء والفطنة مع لطافة الحسن وجودة الخاطر ما علمت به أنَّ النفس الروحانيَّة تأكل جسمه كما يأكل السيف المهنَّد غمده [تأريخ إبن خلكان ج 1 ص 132].

ذكر الصولي: إنَّ المترجم إمتدح أحمد بن المعتصم أو إبن المأمون بقصيدة سينيَّة فلمّا انتهى إلى قوله:

٣٣٥

إقدام عمرو في سماحة حاتم

في حلم أحنف في ذكاء إياسِ

قال له الكندي الفيلسوف وكان حاضراً: الأمير فوق ما وصفت. فأطرَق قليلاً ثمَّ رفع رأسه فأنشد:

لا تنكروا ضربي له من دونه

مثلاً شروداً في النّدى والبأسِ

فالله قد ضرب الأقلَّ لنوره

مثلاً من المشكاة والنبراسِ

فعجبوا من سرعة فطنته.

ديوان شعر أبي تما م

قد يقال: إنّ المترجم لم يُدوِّن شعره. لكنَّ الظاهر من قراءة عثمان بن المثنّى القرضي المتوفّى 273 ديوانه عليه كما في «بغية الوعاة» ص 324، إنّ شعره كان مدوِّناً في حياته. واعتنى بعده جمعٌ من الأعلام والأُدباء بترتيبه وتلخيصه وشرحه وحفظه ومنهم:

1 - أبو الحسن محمد بن إبراهيم بن كيسان المتوفّى 320، له شرحه.

2 - أبو بكر محمد بن يحيى الصولي المتوفّى 335/6، رتَّبه على حروف المعجم في نحو ثلثمائة ورقة.

3 - عليّ بن حمزة الأصبهاني، رتَّبه على الأنواع.

4 - أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري الشافعيّ المتوفّى 380، له شرحه.

5 - أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي المتوفّى 371، له شرحه.

6 - الخالع حسين بن محمد الرافعي كان حيّاً في حدود 380، له شرحه.

7 - الوزير حسين بن عليّ المغربيّ المتوفّى 418، له كتاب إختيار شعره.

8 - أبو ريحان محمد بن أحمد البيروني المتوفّى 340، له شرح راءه الحمّويي بخطَه.

9 - أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعرّي المتوفّى 449، له تلخيصه المسمّى بـ «ذكرى حبيب» وشرحه.

10 - أبو زكريّا يحيى بن عليّ الخطيب التبريزي المتوفّى 502، له شرحه.

11 - أبو البركات إبن المستوفي مبارك الأربلي المتوفّى 637، له شرحه في عشر مجلّدات.

٣٣٦

12 - أبو الفتح ضياء الدين نصر بن محمد المتوفّى 637، كان يحفظه.

13 - أبو الحجّاج يوسف بن محمد الأنصاري المتوفّى 672، كان يحفظه و يحفظ الحماسة.

14 - محيي الدين الخيّاط، له شرحه(1) .

15 - الدكتور ملحم إبراهيم أسود، له شرحه المطبوع بمصر.

والظاهر أنّ النسخة المطبوعة من ديوان أبي تمام هو ترتيب الصولي لأنّها مرتَّبة على الحروف إلّا أنّ فيها سقطاً كثيراً من شعره لأنَّ النجاشي قال في فهرسته ص 102: له شعرٌ في أهل البيت كثيرٌ، وذكر أحمد بن الحسين رحمه الله: أنّه رأى نسخة عتيقة ولعلّها كتبت في أيّامه أو قريباً منه وفيها قصيدةٌ يذكر فيها الأئمَّة حتّى إنتهى إلى أبي جعفر الثاني عليه السَّلام لأنَّه توفّي في أيّامه. اهـ. ولا يوجد في الديوان المطبوع شيءٌ من ذلك الكثير عدا رائيَّته المذكورة في هذا الكتاب فإمّا أنَّ يد الأمانة في طبع الكتب حذفت تلكم القصايد عند تمثيل الديوان إلى عالم الطباعة كما صنعت مع غيره أيضاً، أو أنَّها لم تصل إليها عند النشر، أو أنَّ المطبوع إختصار أبي العلاء المعرّي المذكور.

ديوان الحماسة وشروحه

ولأبي تمام ممّا أفرغه في قالب التأليف ديوان الحماسة الذي سار به الرّكبان و استفادت به الأجيال بعده، جمع فيه عيون الشعر ووجوهه من كلام العرب، جمعه بدار أبي الوفاء إبن سلمة بهمدان عندما اضطرَّته الثلوج إلى الإلتجاء إلى هذه المدينة أثناء أوبته من زيارة عبد الله بن طاهر، ورتَّبه على عشرة أبواب خصَّ كلّ باب بفنّ وقد إعتنى بشرحه جمعٌ كثيرٌ من أعلام الأدب منهم:

1 - أبو عبد الله محمد بن القاسم ماجيلويه البرقي.

2 - أبو الحسن عليّ بن محمد السُميساطي(2) المتوفّى أواسط المائة الرابعة.

____________________

1 - راجع فهرست إبن النديم ص 235، فهرست النجاشي ص 102، الطبقات لابن أبي صبيعة 2 ص 20 تأريخ إبن خلكان 1 ص 30، 133، بغية الوعاة ص 324، 404، 423، كشف الظنون، معجم المطبوعات.

2 - نسبة إلى سميساط بالمهملتين بضم أوله وفتح ثانيه، فما في كثير من المعاجم «الشمشاطي» المعجمتين تصحيف

٣٣٧

3 - أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا اللغويّ الرازيّ المتوفّى 369.

4 - أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن عبد الله النمري المتوفّى 385، ولأبي محمد الأسود الحسن الغندجاني ردٌّ على النمري هذا في شرح الحماسة كما في [معجم الأُدباء] 3 ص 24.

5 - أبو الفتح عثمان بن جنّي المتوفّى 392، له «المنهج» في إشتقاق أسماء شعراء الحماسة وشرح مستغلق الحماسة.

6 - أبو الحسن عليّ بن زيد البيهقي.

7 - أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري كان حيّاً إلى سنة 395.

8 - أبو المظفَّر محمد بن آدم بن كمال الهروي النحوي المتوفّى 414.

9 - الشيخ أبو عليّ أحمد بن محمد المرزوقي الإصبهاني المتوفّى 421.

10 - أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعرّي التنوخيّ المتوفّى 449.

11 - أبو الحسن عليّ بن أحمد بن سيدة الأُندلسي المتوفّى 458.

12 - أبو الحسين عبد الله بن أحمد بن الحسين الشاماتي المتوفّى 475.

13 - أبو القاسم زيد بن علي بن عبد الله الفارسي المتوفّى 467.

14 - أبو حكيم عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الخبري المتوفّى 476.

15 - أبو الحجّاج يوسف بن سليمان الشنتمري المتوفّى 476، شرحها شرحاً كبيراً ورتَّبها على الحروف.

16 - أبو زكريّا يحيى بن علي الخطيب التبريزي المتوفّى 502، له شروحها الثلاثة.

17 - أبو الحسن عليّ بن عبد الرحمن الأشبيلي المتوفّى 514.

18 - أبو المحاسن مسعود بن عليّ البيهقي المتوفّى 544.

19 - أبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري المتوفّى 577.

20 - أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الحضرمي الأشبيلي المتوفّى 584.

21 - أبو محمد القاسم بن محمد الديمرتي الإصبهاني.

22 - الشيخ عليّ بن الحسن الشميم الحلّي المتوفّى 601.

٣٣٨

23 - أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري البغدادي المتوفّى 616.

24 - أبو عليّ الحسن بن أحمد الأسترابادي اللغويّ النحويّ.

25 - المولوي فيض حسين شرحها مختصراً وأسماه بالفيضي.

26 - الشيخ لقمان.

27 - الشيخ سيِّد بن علي المرصفي الأزهري المعاصر.

راجع فهرست النجاشي: فهرست إبن النديم. معجم الأدباء. بغية الوعاة. الذريعة.

دواوين الحماسة

تبع أبا تمام في صناعة الحماسة كثيرون، منهم:

1 - البحتري أبو عبادة الوليد بن عُبيدة المتوفّى 284.

2 - أبو الحسين أحمد بن فارس اللغويِّ الرازيّ المتوفّى 369.

3 - الخالديّان إبنا هاشم: أبو بكر محمد وأبو عثمان سعيد المتوفّى 371.

4 - أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكريّ النحويّ.

5 - أبو الحجّاج يوسف بن سليمان الشنتمري المتوفّى 476.

6 - أبو حصين محمد بن علي الإصبهاني الديمرتي.

7 - أبو دماش عدّه إبن النديم من النحويّين اللغويّين.

8 - أبو العبّاس محمد بن خلف بن المرزباني.

9 - أبو السعادات هبة الله بن عليّ المعروف بابن الشجري المتوفّى 542.

10 - الشيخ عليّ بن الحسن الشميم الحلّي المتوفّى 601.

11 - أبو الحجّاج يوسف بن محمد الأُندلسي المتوفّى 653.

12 - صدر الدين عليّ بن أبي الفرج البصري المقتول 659.

13 - أبو الحجّاج يوسف بن محمد الأنصاري المتوفّى 672(1) .

ومن آثار أبي تمام الأدبيَّة: الإختيارات من شعر الشعراء. الإختيار من شعر القبائل. إختيار المقطعات. المختار من شعر المحدثين. نقايض جرير والأخطل. الفحول وهو مختارات من قصايد شعراء الجاهليَّة والإسلام تنتهي بابن هرمة، ذكرها له إبن النديم

____________________

1 - فهرست إبن النديم. معجم الأدباء، بغية الوعاة.

٣٣٩

في فهرسته ص 235 وغيره.

المؤلفون في أخبار أبي تمام

لقد جمع أخباره وما يُؤثر عنه غضون حياته من نوادر وظرف ونكت وأدب وشعر جماعةٌ منهم:

1 - أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر المتوفّى 280، له كتاب: [سرقات النحويِّين من أبي تمام].

2 - أبو بكر محمد بن يحيى الصولي المتوفّى 336، له «أخبار أبي تمام». طبع مع فهرسته في 340 صحيفة.

3 - أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي البصري المتوفّى 371، له كتاب [الموازنة بين أبي تمام والبحتري] في عشرة أجزاء. ولياقوت الحمّويي في «معجم الأُدباء» 2 ص 59 كلمات حول هذه الموازنة. وللآمدي هذا ردٌّ على إبن عمّار فيما خطَّأ فيه أبا تمام.

4 - الخالديّان إبنا هاشم: أبو بكر محمد وأبو عثمان سعيد المتوفّى 371، لهما كتاب [أخبار أبي تمام ومحاسن شعره].

5 - أبو علي أحمد بن محمد المرزوقي الإصبهاني المتوفّى 421، له كتاب [الإنتصار من ظلمة أبي تمام] دفع عنه ما اُنتقد به.

6 - أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني المتوفّى 444، له كتاب «أخبار أبي تمام» في نحو من مائة ورقة.

7 - أبو الحسين عليّ بن محمد العدوي السُميساطي، له كتاب [أخبار أبي تمام والمختار من شعره]. وله كتاب تفضيل أبي نواس على أبي تمام.

8 - أبو ضياء بشر بن يحيى النصيبي له كتاب [سرقات البحتري من أبي تمام].

9 - أحمد بن عبيد الله القطربلي المعروف بالفريد، صنَّف في أخطاء أبي تمام في الإسلام وغيره.

10 - الشيخ يوسف البديعي القاضي بالموصل المتوفّى 1073 له كتاب [هبة الأيّام فيما يتعلّق بأبي تمام] في 309 صحيفة طبع بمصر سنة 1352.

11 - الشيخ محمد علي بن أبي طالب الزاهدي الجيلاني المتوفّى بنبارس الهند

٣٤٠