الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب الجزء ٢

الغدير  في الكتاب والسُنّة والأدب0%

الغدير  في الكتاب والسُنّة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 388

الغدير  في الكتاب والسُنّة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 388
المشاهدات: 87171
تحميل: 7358


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 388 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87171 / تحميل: 7358
الحجم الحجم الحجم
الغدير  في الكتاب والسُنّة والأدب

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المعالي، وأبي عبد الله محمد بن عمر بأسانيدهم عن سعد بن طريف الحنظلي عن أبي جعفر محمد بن علي *(الإمام الباقر)* قال: نادى ملَكٌ من السماء يوم بدر يقال له: رضوان:

لا سيف إلّا ذو الفقار

ولا فتى إلّا عليّ

ثمّ قال: قلت: أجمع أئمَّة الحديث على نقل هذا الجزء كابراً عن كابر رزقناه عالياً بحمد الله عن الجمّ الغفير كما سقناه، ورواه الحاكم مرفوعاً، وأخرجه عنه البيهقي في مناقبه، أخبرنا بذلك الحافظ ابن النجّار، أخبرنا المؤيَّد الطوسي (إلى آخر السند) عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله يوم بدر: هذا رضوان ملك من ملائكة الله ينادي:

لا سيف إلّا ذو الفقار

ولا فتى إلّا عليّ

وأخرجه محبّ الدين الطبري باللفظ المذكور في رياضه ص 190، وذخاير العقبى ص 74، والخوارزمي في المناقب ص 101 حديث جابر، وفي كتاب «صفّين» لنصر بن مزاحم ص 257، وفي ط مصر ص 546 عن جابر بن نُمير - الصحيح: عُمير - الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول كثيراً:

لا سيف إلّا ذو الفقار

ولا فتى إلّا عليّ

*(ومن شعر حسّان) *

وإن مريمٌ أحصنت فرجها

وجاءت بعيسى كبدر الدجى

فقد أحصنت فاطم بعدها

وجاءت بسبطي نبيِّ الهدى(1)

يشير إلى ما صحَّ عن النبيِّ الطاهر في بضعته الصدّيقة (فاطمة): إنَّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذريّتها على النار. أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 152 وقال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد. والخطيب في تاريخه 3 ص 54، ومحبّ الدين الطبري في «ذخاير العقبى» ص 48 عن أبي تمام في فوائده، وصدر الحفّاظ الكنجيّ الشافعيّ في «الكفاية» ص 222 بإسناده عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله: إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرَّمها الله وذريّتها على النار، وفي ص 223 بسند آخر عن ابن مسعود بلفظ

____________________

1 - ذكره ابن شهر آشوب السروي في «المناقب» 4 ص 24.

٦١

حذيفة، والسيوطي في «إحياء الميت» ص 257 عن ابن مسعود من طريق البزّاز وأبي يعلى والعقيلي والطبراني وابن شاهين، وأخرجه في «جمع الجوامع» من طريق البزّار والعقيلي والطبراني والحاكم بلفظ حذيفة اليماني، وذكر المتّقي الهندي في إكماله في «كنز العمّال» 6 ص 219 من طريق الطبراني بلفظ: إنّ فاطمة أحصنت فرجها وإنَّ الله أدخلها بإحصان فرجها وذريّتها الجنَّة. وابن حجر في «الصواعق» من طريق أبي تمام(1) والبزّار والطبراني وأبي نعيم باللفظ المذكور وقال: وفي رواية فحرَّمها الله وذريّتها على النار. ورواه في ص 112 من طريق البزّار وأبي يعلى والطبراني والحاكم باللفظ الثاني، وذكره الشبلنجي في «نور الأبصار» ص 4 باللفظين.

*(الشاعر)*

أبو الوليد حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي ابن عمرو بن مالك النجّار (تيم الله) بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة ابن ثعلبة العنقاء (سُمّي به لطول عنقه) ابن عمرو بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف ابن إمرؤ القيس البطريق ابن ثعلبة البهلول ابن مازن بن الأزد بن الغوث ابن بنت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبا بن يشحب بن يعرب بن قحطان(2) .

بيت حسّان أحد بيوتات الشعر، عريقٌ في الأدب ونظم القريض، قال المرزباني في «معجم الشعراء» ص 366: قال دعبل والمبرَّد: أعرق الناس كانوا في الشعر آل حسّان فمنهم يُعدّون ستّة في نسق كلّهم شاعر: سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام. ا هـ. وولده عبد الرحمن المذكور شاعرٌ قليل الحديث تُوفّي 104، وفيه وفي والده حسّان قال شاعر.

فمن للقوافي بعد حسّان وابنه

ومن لِلمثاني بعد زيد بن ثابت

وأمّا المترجم نفسه فعن أبي عبيدة: إنَّ العرب قد إجتمعت على أنَّ حسّان

____________________

1 - في الصواعق: تمام. والصحيح: أبو تمام.

2 - كذا سرده أبو الفرج في الأغاني 4 ص 3.

٦٢

أشعر أهل المدن وإنَّه فضل الشعراء بثلاث: كان شاعر الأنصار. وشاعر النبيِّ في أيّامه صلّى الله عليه وآله. وشاعر اليمن كلّها في الإسلام. قال له النبيُّ صلّى الله عليه وآله: ما بقي من لسانك؟ فأخرج لسانه حتى قرع بطرفه طرف أرنبته ثمَّ قال: والله إنّي لو وضعته علي صخر لفلقه، أو على شعر لحلقه، وما يسرُّني به مقوَل من معد(1) وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يضع له منبراً في مسجده الشريف يقوم عليه قائماً ويفاخر عن رسول الله ويقول رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّ الله يؤيِّد حسّان بروح القدس ما نافَحَ أو فاخَرَ عن رسول الله(2) .

كانت الحالة على هذا في عهد النبيِّ صلّى الله عليه وآله، ولَمّا توفّي صلّى الله عليه و وآله مرّ عمر على حسّان وهو ينشد في المسجد فانتهره(3) فقال: أفي مسجد رسول الله تنشد؟ فقال: كنت أُنشد وفيه مَن هو خيرٌ منك. ثمَّ التفت إلى أبي هريرة فقال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: أجب عنّي، أللهمَّ أيِّده بروح القدس؟ قال: نعم. قال أبو عبد الله الآبيُّ المالكيُّ في شرح صحيح مسلم 317: وهذا يدلُّ على أنَّ عمر رضي الله عنه كان يكره إنشاد الشعر في المسجد، وكان قد بنى رحبةً خارجه وقال: من أراد أن يلغط أو ينشد شعراً فليخرج إلى هذه الرحبة.

كلُّ ذلك على خلاف ما كان عليه النبيُّ صلّى الله عليه وآله وفي وقته أفحمه حسّان بما ذكر من قوله: لكن لا رأي لمن لا يُطاع. وقبل حسّان نهاه النبيّ صلّى الله عليه وآله عن فكرته هذه وفهّمه بما هناك من الغاية الدينيّة المتوخّاة حين تعرَّض على عبد الله بن رواحة لَمّا كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يطوف البيت على بعير وعبد الله آخذٌ بغرزه وهو يقول:

خلّوا بني الكفّار عن سبيلهِ

خلّوا فكلُّ الخير مع رسولهِ

____________________

1 - البيان والتبيين للجاحظ 1 ص 68 و 150.

2 - مستدرك الحكام 3 ص 287 بإسناده صححه هو والذهبي.

3 - كذا في لفظ ابن عبد البرّ في الاستيعاب، وابن عساكر في تاريخه 4 ص 126، وفي لفظ مسلم في الصحيح 2 ص 384: فلحظ إليه. وفي لفظ لأحمد في مسنده 5 ص 222: فقال: مه.

٦٣

نحن ضربناكم على تنزيلهِ

ضرباً يُزيل الهام عن مقيلهِ

ويُذهل الخليل عن خليلهِ

يا ربّ إنّي مؤمنٌ بقيلهِ

فقال له عمر: أو هاهنا يا ابن رواحة أيضاً؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أو ما تعلمن أولا تسمع ما قال؟؟!! (وفي رواية أبي يعلى) إنّ النبيَّ قال: خلِّ عنه يا عمر؟ فو الّذي نفسي بيده لكلامه أشدُّ عليهم من وقع النبل(1) .

وكان حسّان من المعروفين بالجبن ذكره ابن الأثير في «أُسد الغابة» 2 ص 6 وقال: كان من أجبن الناس. وعدَّه الوطواط في «غرر الخصايص» ص 355 من الجبناء وقال: ذكر ابن قتيبة في كتاب «المعارف»: إنَّه لم يشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله مشهداً قطُّ قالت صفيَّة بنت عبد المطلب عمَّة رسول الله: كان معنا حسّان في حصن فارغ يوم الخندق مع النساء والصبيان فمرَّ بنا في الحصن رجلٌ يهوديٌّ فجعل يطوف بالحصن (وقد حاربت بنو قُريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنّا، ورسول الله والمسلمون في نحور عدوِّهم لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا إن أتانا آتٍ) قالت: قلت: يا حسّان؟ أنا والله لا آمن من أن يدلَّ علينا هذا اليهوديُّ أصحابه، ورسول الله صلّى الله عليه وآله قد شغل عنّا فأنزل إليه واقتله، قال: يغفر الله لكِ (يا بنة عبد المطلب) ما أنا بصاحب شجاعة، قال: فلمّا قال لي ذلك ولم أر عنده شيئاً إعتجرت(2) ثمَّ أخذت عموداً ونزلت إليه فضربته بالعمود حتّى قتلته، ثمّ رجعت إلى الحصن وقلت: يا حسّان أنزل إليه واسلبه فإنَّه لم يمنعني من سلبه إلّا أنَّه رجل، فقال: ما لي بسلبه من حاجة [يا بنة عبد المطلب](3) وكان حسّان إقتدى في فعله بهذا الشاعر في قوله:

باتت تشجّعني هندٌ وماعلمت

إنَّ الشجاعة مقرونٌ بها العطبُ

لا والّذيَ منعَ الأبصار رؤيته

ما يشتهي الموت عندي من له إربُ

____________________

1 - تاريخ ابن عساكر 7 ص 391.

2 - أي لبست المعجر. وفي سيرة ابن هشام: احتجزت يقال: احتجزت المرأة: أي شدت وسطها.

3 - وإلى هنا ذكره ابن هشام في سيرته 3 ص 246، وابن عساكر في تاريخه 4 ص 140، وابن الأثير في أسد الغابة 2 ص 6، والعباسي في المعاهد 1 ص 74، والجمل التي جعلناها بين القوسين من لفظ ابن هشام.

٦٤

لِلحرب قومٌ أضلّ الله سعيهمُ

إذا دعتهم إلى نيرانها وَثبوا

ولست منهم ولا أبغي فعالهمُ

لا القتل يُعجبني منهم ولا السلبُ

*(قال الأميني)*: هذا ما نقله الوطواط عن «المعارف» لابن قتيبة لكن أسفي على مطابع مصر وعلى يد الطبع الأمينة فيها فإنَّها تُحرِّف الكلم عن مواضعها فأسقطت هذه القصَّة عن «المعارف» كما حرَّفت عنه غيرها.

وُلد المترجم قبل مولد النبيِّ القدسيِّ صلّى الله عليه وآله بثمان سنين، وعاش عند الجمهور مائة وعشرين سنة، وقال ابن الأثير: لم يختلفوا في عمره. وفي المستدرك 3 ص 486، وأُسد الغابة 2 ص 7: أربعة تناسلوا من صلب واحد عاش كلُّ منهم مائة وعشرين سنة وهم: حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام.

يُكنّى بأبي الوليد، وأبي المضرب، وأبي حسام، وأبي عبد الرحمن، والأوَّل أشهر، وكان يقال له: الحسام. وذلك لكثرة دفاعه عن حامية الإسلام المقدَّس بشعره. وروى الحاكم عن المصعب أنَّه قال: عاش حسّان ستّين في الجاهليَّة وستّين في الإسلام. وذهب بصره وتُوفّي على قول سنة 55(1) أعمى البصر والبصيرة كما نصَّ عليه الصحابيُّ الكبير سيِّد الخزرج قيس بن سعد بن عبادة لَمّا عزله أمير المؤمنين عليه السلام من ولاية مصر، ورجع إلى المدينة فإنَّه حينما قدمها جاءه حسّان شامتاً به وكان عثمانيّاً بعد ما كان علويّاً فقال له: نزعك عليُّ بن أبي طالب وقد قتلتَ عثمان فبقي عليك الإثم ولم يحسن لك الشكر. فزجره قيسٌ وقال: يا أعمى القلب وأعمى البصر؟ والله لولا أن القي بين رهطي ورهطك حرباً لضربت عنقك، ثمَّ أخرجه من عنده(2)

____________________

1 - هذا أحد القولين في المستدرك، وقد كثر الخلاف في وفاته، وصحح ابن كثير في تاريخه سنة 54.

2 - تاريخ الطبري 5 231، شرح النهج لابن أبي الحديد 2 ص 25.

٦٥

فهرس ترجمة

قيس بن سعد بن عبادة

شعره في الغدير وما يتبعه 67 - 69

حديث شرفه 69

حديث إمارته 70 - 72

حديث دهاءه 72 - 74

حديث فروسيته 74 - 85

حديث جوده 85 - 88

حديث خطابته 88

حديث زهده 89 - 92

حديث فضله 92 - 96

مشايخه والرواة عنه 96 - 98

معاوية وقيس 98 - 103

الصلح بين قيس ومعاوية 103 - 105

قيس ومعاوية بالمدينة 105 - 108

قيس في خلقته 108 - 110

وفاته 110، 111

بيت قيس 111، 112

٦٦

3 قيس الأنصاري

قلتُ لَمّا بغى العدوُّ علينا

حسبنا ربّنا ونعم الوكيلُ

حسبنا ربّنا الذي فتح البصـ

ـرة بالأمس والحديث طويلُ

ويقول فيها:

وعليٌّ إمامنا وإمامٌ

لسوانا أتى به التنزيلُ

يوم قال النبيُّ: من كنت مولا

هُ فهذا مولاه خطبٌ جليلُ

إنَّما قاله النبيُّ على الأُمَّة

حتمٌ ما فيه قالٌ وقيلُ

(ما يتبع الشعر)

هذه الأبيات أنشدها الصحابيُّ العظيم، سيِّد الخزرج، قيس بن سعد بن عبادة بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام بصفَّين، رواها شيخنا المفيد، معلّمُ الأُمَّة المتوفّى 413 في «الفصول المختارة» 2 ص 87 وقال بعد ذكرها: إنَّ هذه الأشعار مع تضمّنها الإعتراف بإمامة أمير المؤمنين، فهي دلائل على ثبوت سلف الشيعة وإبطال عناد المعتزلة في إنكارهم ذلك.

وذكرها في رسالته في معنى المولى وقال فيها: قصيدة قيس التي لا يشكُّ أحدٌ من أهل النقل فيها، والعلم بها من قبوله كالعلم بنصرته لأمير المؤمنين وحربه أهل البصرة وصفَّين معه، وهي التي أوّلها:

قلتُ لَمّا بغى العدوُّ علينا

حسبنا ربّنا ونعم الوكيلُ

فشهد هكذا شهادةً قطعيَّةً بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام من جهة خبر يوم الغدير، صرّح بأنَّ القول فيه يوجب رياسته على الكلِّ وإمامته عليهم.

ورواها سيِّدنا الشريف الرضيُّ المتوفّى 406 في خصايص الأئمّة، وقال: إتَّفق حملة الأخبار على نقل شعر قيس وهو يُنشده بين يدي أمير المؤمنين عليه السَّلام بعد

٦٧

رجوعهم من البصرة في قصيدته التي أوّلها:

قلتُ لَمّا بغى العدوُّ علينا

: حسبنا ربّنا ونعم الوكيلُ

وهذان الشاعران [ قيس وحسّان ] صحابيّان شهدا بالإمامة لأمير المؤمنين شهادة من حضر المشهد وعرف المصدر والمورد.

وأخرجها العَلَم الحجَّة الشيخ عبيد الله السدابادي في المقنع - الموجود عندنا - فقال: قالوا: ومن الدليل على أنّ أمير المؤمنين هو الإمام المنصوص عليه قول قيس بن سعد بن عبادة، وهذا من خيار الصحابة يشهد له بالإمامة، وإنّه منصوصٌ عليه، وإنَّه خولف، وقال الكميت بن زيد يصدِّق قول قيس بن سعد وحسّان بن ثابت.

ورواها العلّامة الكراجكي المتوفّى 449 في كنز الفوائد ص 234 فقال: إنَّه ممّا حُفظ عن قيس بن سعد بن عبادة وإنَّه كان يقوله بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام بصفِّين ومعه الراية.

وأخرجها أبو المظفَّر سبط ابن الجوزي الحنفيُّ المتوفّى 654 في «التذكرة» ص 20 فقال: إنَّ قيس أنشدها بين يدي عليّ بصفِّين.

ورواها سيِّدنا هبة الدين الراوندي في «المجموع الرائق» - الموجود عندنا - و المفسِّر الكبير الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره 2 ص 193، وشيخ السرويّ الآتي شيخنا الشهيد الفتّال في «روضة الواعظين» ص 90، وسيِّدنا القاضي نور الله المرعشيّ الشهيد 1019 في «مجالس المؤمنين» ص 101، والعلّامة المجلسي المتوفّى 1111 في «البحار» 9 ص 245، والسيِّد علي خان المتوفّى 1120 في «الدرجات الرفيعة» - الموجود عندنا - في ذكر غزوة صفِّين، وشيخنا صاحب «الحدايق» البحراني المتوفّى 1186 في كشكوله 2 ص 18. وجمع آخر من متأخِّري أعلام الطايفة.

*(الشاعر)*

أبو القاسم وقيل: أبو الفضل(1) قيس بن سعد بن عبادة بن دليم(2) بن حارثة ابن

____________________

1 - وقيل: أبو عبد الله. وقيل: أبو عبد الملك.

2 - في تهذيب التهذيب: دليهم.

٦٨

أبي حزيمة [ بالحاء المهملة المفتوحة ](1) ابن ثعلبة بن ظريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأكبر(2) بن حارثة بن ثعلبة. إلى آخر النسب المذكور ص 56. أُمّه فكيهة بنت عبيد بن دليم بن حارثة.

هو ذلك الصحابيُّ العظيم، كان يُعدُّ من أشراف العرب، وأُمرائها، ودهاتها، وفرسانها، وأجوادها، وخطباؤها، وزهّادها، وفضلائها، ومن عمد الدين وأركان المذهب.

*(أما شرفه) *

فكان هو سيِّد الخزرج وابن سادتها، وقد حاز بيته الشرف والمجد جاهليَّةً وإسلاماً، قال سليم بن قيس الهلالي في كتابه: إنّ قيس بن سعد كان سيِّد الأنصار وابن سيِّدها. وفي كامل المبرَّد 1 ص 309: كان شجاعاً جواداً سيِّداً. وقال أبو عمرو الكشي في رجاله ص 73: لم يزل قيس سيِّداً في الجاهليَّة والإسلام وأبوه و جدُّه وجدُّ جدِّه لم يزل فيهم الشرف، وكان سعد يُجير فيُجار وذلك له لسؤدده، ولم يزل هو وأبوه أصحاب إطعام في الجاهليَّة والإسلام، وقيس إبنه بعده على مثل ذلك. وفي الإستيعاب 2 ص 538: كان قيس شريف قومه غير مدافع هو وأبوه وجدُّه. وفي أُسد الغابة 4 ص 215: كان شريف قومه غير مدافع ومن بيت سيادتهم. وقال ابن كثير في تاريخه 8 ص 99: كان سيِّداً مطاعاً كريماً ممدوحاً شجاعاً. وقال المترجم له في أبيات له:

وإنّي من القوم اليمانين سيِّدٌ

وما النّاسُ إلّا سيِّدٌ ومسودُ

وبَزَّ جميعَ النّاس أصلي ومنصبي

وجسمٌ به أعلو الرجالَ مديدُ

وكان والده أحد النقباء الإثنى عشر الذين ضمنوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم إسلام قومهم والنَّقيب: الضمين. راجع تاريخ ابن عساكر 1 ص 86.

*(وأما إمارته) *

ففي العهد النبويِّ كان من النبيِّ صلّى الله عليه وآله بمنزلة صاحب الشرطة

____________________

1 - وقيل: حارثة بن خزيم بن أبي خزيمة بالمعجمة المضمومة، تاريخ الخطيب 1 ص 177.

2 - هنا يتحد المترجم مع حسّان في النسب.

٦٩

من الأمير يلي ما يلي من أموره(1) وكان حامل راية الأنصار مع رسول الله صلّى الله عليه وآله في بعض الغزوات، واستعمله على الصدقة، وكان من ذوي الرأي من الناس(2) وبعده ولّاه أمير المؤمنين عليه السلام مصر وكان أميرها الطاهر.

كان قيس من شيعة عليٍّ عليه السلام ومناصحيه بعثه عليٌّ أميراً على مصر في صفر سنة 36، وقال له: سر إلى مصر فقد ولَّيتكها، وأخرج إلى ظاهر المدينة، وأجمع إليك ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك حتى تأتي مصر ومعك جند، فإنَّ ذلك أرعب لعدوِّك وأعزُّ لوليِّك، فإذا أنت قدمتها إنشاء الله فأحسن إلى المحسن، واشدد على المريب، و أرفق بالعامّة والخاصَّة فإنَّ الرفق يُمنٌ.

فقال قيس: رحمك الله يا أمير المؤمنين؟ قد فهمتُ ما ذكرتَ، فأمّا الجند فإنّي أدعه لك، فإذا إحتجت إليهم كانوا قريباً منك، وإن أردتَ بعثتهم إلى وجه من وجوهك كان لك عدَّة، ولكنّي أسير إلى مصر بنفسي وأهل بيتي، وأمّا ما أوصيتني به من الرفق والإحسان فالله تعالى هو المستعان على ذلك.

فخرج قيس في سبعة نفر من أهله حتّى دخل مصر مستهل ربيع الأوَّل فصعد المنبر فجلس عليه خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وقال: الحمد لله الّذي جاء بالحقِّ. وأمات الباطل، وكبت الظالمين، أيّها الناس؟ إنّا بايعنا خير من نعلم بعد نبيِّنا محمد «صلّى الله عليه وآله» فقوموا فبايعوا على كتاب الله وسنَّة رسوله، فإن نحن لم نعلم لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم.

فقام الناس فبايعوا واستقامت مصر وأعمالها لقيس وبعث عليها عمّاله إلّا أنَّ قريةً منها يقال لها: خربتا(3) قد أعظم أهلها قتل عثمان وبها رجل من بني كنانة يقال له: يزيد ابن الحارث فبعث إلى قيس إنّا لا نأتيك فابعث عمَّالك فالأرض أرضك ولكن أقرَّنا على

____________________

1 - صحيح الترمذي 2 ص 317، سنن البيهقي 8 ص 155، مصابيح البغوي 2 ص 51، الاستيعاب 2 ص 538، أسد الغابة 4 ص 215، الإصابة 5 ص 354، تهذيب التهذيب 6 ص 394؟؟، مجمع الروايد 9 ص 345.

2 - تاريخ ابن عساكر، تاريخ ابن كثير 8 ص 99.

3 - بفتح الخاء وكسرها وكسر الراء المهملة ثم الموحدة الساكنة.

٧٠

حالنا حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس، ووثب محمد بن مسلمة بن مخلّد بن صامت الأنصاري فنعى عثمان ودعا إلى الطلب بدمه. فأرسل إليه قيس: ويحك أعليِّ تثب؟ والله ما أُحبُّ أنَّ لي ملك الشام ومصر وإنّي قتلتك فأحقن دمك. فأرسل إليه مسلمة: إنّي كافٌّ عنك ما دمت أنت والي مصر، وكان قيس له حزمٌ ورأيٌ(1) .

خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى الجمل وقيس على مصر، ورجع من البصرة إلى الكوفة وهو بمكانه ووليها أربعة أشهر وخمسة أيّام، دخلها كما مرَّ في مستهلِّ ربيع الأوَّل وصرف منها لخمس خلون من رجب كما في الخطط للمقريزي، فما في الإستيعاب وغيره: إنَّه شهد الجمل الواقع في جمادى الآخرة سنة 36 في غير محلّه، نعم يظهر من التاريخ شهوده في مقدّمات الجمل.

وولّاه عليٌّ أمير المؤمنين آذربيجان كما في تاريخ اليعقوبي 2 ص 178 وكتب إليه وهو عليها: أمّا بعد: فأقبل على خراجك بالحقّ، وأحسن إلى جندك بالإنصاف، وعلّم مَن قِبلك ممّا علّمك الله، ثمَّ إنَّ عبد الله بن شبيل الأحمسي سألني الكتاب إليك فيه بوصايتك به خيراً، فقد رأيته وادعاً متواضعاً، فألن حجابك، وافتح بابك، واعمد إلى الحقّ، فإنّ مَن وافق الحقَّ ما يحبو أسره،( وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) .

قال غياث: ولَمّا أجمع عليٌّ على القتال لمعاوية كتب أيضاً إلى قيس: أمّا بعد: فاستعمل عبد الله بن شبيل الأحمسي خليفةً لك وأقبل إليّ، فإنَّ المسلمين قد أجمع ملأهم وانقادت جماعتهم، فعجِّل الإقبال فأنا سأحضرنّ إلى المحلّين عند غرَّة الهلال إنشاء الله، وما تأخّري إلّا لك، قضى الله لنا ولك بالإحسان في أمرنا كلِّه.

وروى الطبري في تاريخه 6 ص 91، وابن كثير في تاريخه 8 ص 14 عن الزهري: أنَّه قال: جعل عليٌّ عليه السلام قيس بن سعد على مقدِّمة من أهل العراق إلى قِبل آذربيجان وعلى أرضها وشرطة الخميس التي إبتدعتها العرب وكانوا أربعين ألفاً بايعوا عليّاً عليه السلام على الموت، ولم يزل قيس يُداري ذلك البعث حتى قُتل عليٌّ عليه السلام واستخلف

____________________

1 - تاريخ الطبري 5 ص 227، كامل ابن الأثير 3 ص 106، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 23 نقلاً عن كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي.

٧١

أهل العراق الحسن بن عليّ عليها السّلام على الخلافة.

*(حديث دهاءه)*

يجد القارئ شواهد قويَّة على ذلك من مواقفه العظيمة في المغازي، ونظراته العميقة في الحروب، وآرائه المتَّبعة في مهمّات القضايا، وأفكاره العالية في إمارته، وإعظام الإمام أمير المؤمنين محلّه من الدهاء، وإكباره رأيه في حكومته، فإنَّه لَمّا قدم قيس من ولاية مصر على عليٍّ، وأخبره الخبر الجاري بينه وبين رجال مصر ومعاوية علم أنَّه كان يقاسي أموراً عظاماً من المكايدة، فعظم محلّ قيس عنده، وأطاعه في الأمر كلّه (تاريخ الطبري 5 ص 231).

فعندها تجد سيِّد الخزرج (قيس) في الطبقة العليا من أصحاب الرأي ومن مقدِّمي رجالات النُهى والحجا، وتشاهد هناك آيات عقله المطبوع والمكتسب، وتعدُّه أعظم دهاة العرب حين ثارت الفتن، وسعرت نار الحرب، إن لم نقل: أعظم دهاة العالم، ونرى له التقدُّم في الفضيلة على الخمسة(1) الذين عدوّه منهم، وأولاهم بالعقليَّة الناضجة، وتجد دون محلّه الشامخ ما في الإستيعاب 2 ص 538 وغيره(2) من: إنَّه أحد الفضلاء الجلّة من دهاة العرب من أهل الرأي والمكيدة في الحرب، مع النجدة والسخاء والشجاعة. قال الحلبي في سيرته: من وقف على ما وقع بينه وبين معاوية لرأى العجب من وفور عقله. وقال ابن كثير في البداية 8 ص 99: ولّاه عليٌّ نيابةَ مصر وكان يُقاوم بدهائه وخديعته وسياسته لمعاوية وعمرو بن العاص.

وكان الإمام السبط الحسن يوصي أمير عسكره عبد الله بن العبّاس وهو أمير إثنى عشر ألفاً من فرسان العرب، وقرّاء مصر بمشاورة قيس بن سعد والمراجعة إليه في مهامِّ الحرب مع معاوية والأخذ برأيه في سياسة الجيش، كما يأتي حديثه.

وكان ثقيلاً جدّاً على معاوية وأصحابه، ولَمّا قدم قيس إلى المدينة من مصر

____________________

1 - هم: معاوية. عمرو بن العاص. قيس بن سعد. المغيرة بن شعبة. عبد الله بن بديل: راجع تاريخ الطبري 6 ص 94، كامل ابن الأثير 3 ص 143، أسد الغابة 4 ص 215.

2 - أسد الغابة 4 ص 215، الإصابة 3 ص 249، تهذيب التهذيب 8 ص 395، السيرة الحلبية 3 ص 93.

٧٢

أخافه مروان والأسود بن أبي البختري فظهر قيس إلى عليٍّ عليه السلام فكتب معاوية إلى مروان والأسود يتغيَّظ عليهما ويقول: أمددتما عليّاً بقيس بن سعد ورأيه و مكايدته، فوالله لو أنَّكما أمددتماه بمأة ألف مقاتل ما كان ذلك بأغيظ إليَّ من إخراجكما قيس بن سعد إلى عليّ (تاريخ الطبري 6 ص 53) وعالج معاوية قلوب أصحابه وأمنهم من ناحية قيس بإفتعال كتاب عليه وقرائته على أهل الشام كما يأتي تفصيله.

وكان قيس يرى نفسه في المكيدة والدهاء فوق الكلّ وأولى الجميع ويقول: لولا أنّي سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: المكر والخديعة في النار. لكنت مِن أمكر هذه الأُمّة(1) ويقول: لولا الإسلام لمكرت مكراً لا تطيقه العرب(2)

فشهرته بالدهاء مع تقيّد المعروف بالدين، وكلاءته حمى الشريعة، وإلتزامه البالغ في إعمال الرأي بما يوافق رضى مولاه سبحانه، وكفِّه نفسه عمّا يُخالف ربَّه، تُثبت له الأولويَّة والتقدُّم والبروز بين دهاة العرب، ولا يعادله من الدهاة الخمسة الشهيرة أحدٌ إلّا عبد الله بن بُديل وذلك لإشتراكهما في المبدء، وإلتزامهما بالدين الحنيف، والكفِّ عن الهوى، والوقوف عند مُضلّات الفتن.

وكلامه لمالك الأشتر (مالك وما مالك؟) ينمّ عن غزارة عقله، وحسن تدبيره؛ وإستقامة رأيه، وقوَّة إيمانه، وهو من غُرر الكَلِم، ودُرر الحِكَم، رواه شيخ الطايفة في أماليه ص 86 في حديث طويل فقال: قال الأشتر لعليٍّ عليه السَّلام: دعني يا أمير المؤمنين؟ أوقع بهؤلاء الذين يتخلَّفون عنك. فقال له: كفَّ عنّي. فانصرف الأشتر وهو مغضبٌ، ثمَّ إنّ قيس بن سعد لقي مالكاً في نفر من المهاجرين والأنصار فقال: يا مالك؟ كلّما ضاق صدرك بشئ أخرجته، وكلّما إستبطأت أمراً إستعجلته، إنَّ أدب الصبر: التسليم، وأدب العجلة: الأناة، وإنّ شرّ القول: ما ضاهى العيب، وشرّ الرأي: ما ضاهى التهمة، فإذا اُبتليت فاسأل، وإذا أُمرت فأطع، ولا تسأل قبل البلاء، ولا تكلّف قبل أن ينزل الأمر، فإنَّ في أنفسنا ما في نفسك، فلا تشقَّ على صاحبك.

____________________

1 - أسد الغابة 4 ص 215، تاريخ ابن كثير 8 ص 101.

2 - الدرجات الرفيعة، الإصابة 3 ص 249.

٧٣

ولَمّا بويع أمير المؤمنين بلغه: أنّ معاوية قد وقف من إظهار البيعة له وقال: إن أقرَّني على الشام وأعمالي التي ولّانيها عثمان بايعته. فجاء المغيرة إلى أمير المؤمنين فقال له: يا أمير المؤمنين؟ إنّ معاوية مَن قد عرفت وقد ولّاه الشام مَن كان قبلك فولّه أنت كيما تتَّسق عُرى الأُمور ثمّ اعزله إن بدا لك فقال أمير المؤمنين: أتضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه؟ قال: لا قال: لا يسألني الله عزَّ وجلَّ عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبداً، وما كنت متَّخذ المضلّين عضدا، لكن أبعث إليه وادعوه إلى ما في يدي من الحقِّ، فإن أجاب فرجلٌ من المسلمين، له ما لهم، و عليه ما عليهم، وإن أبى حاكمته إلى الله، فولّى المغيرة وهو يقول: فحاكمه إذاً، فحاكمه إذاً، فأنشأ يقول:

نصحتُ عليّاً في ابن حرب نصيحةً

فردّ فما منّي له الدَّهر ثانيهْ

ولم يقبل النصح الذي جئته به

وكانت له تلك النصيحة كافيهْ

وقالوا له: ما أخلص النصح كلّه

فقلت له: إنَّ النصيحة غاليهْ

فقام قيس بن سعد فقال: يا أمير المؤمنين؟ إنّ المغيرة أشار عليك بأمر لم يُرد الله به، فقدَّم فيه رِجلاً وأخَّر فيه أُخرى، فإن كان لك الغلبة يقرَّب إليك بالنصيحة، و إن كانت لمعاوية يقرَّب إليه بالمشورة. ثمّ أنشأ يقول:

يكاد ومَن أرسى بُثيراً مكانه(1)

مغيرةُ أن يقوى عليك معاويهْ

وكنت بحمد الله فينا موفَّقاً

وتلك التي أرءاكها غير كافيهْ

فسبحان من علّا السماء مكانها

وأرضاً دحاها فاستقرَّت كما هيه

فكان هو صاحب الرأي الوحيد بعين الإمام الطاهر تجاه تلك الآراء التعسة الفارغة عن النزعات الروحيَّة في كلِّ مَنحسة ومَتعسة بين حاذف وقاذف(2) .

*(فروسيته)*

إنَّ الباحث لا يقف على أيّ معجم يُذكر فيه قيس إلّا ويجد في طيِّه جمل الثناء

____________________

1 - الواو: للقسم. بثير مصغراً. جبل معروف بمنى.

2 - مثل يضرب لمن هو بين شرين: الحاذف بالعصا، القاذف بالحصا.

٧٤

متواصلةً على حماسته وشجاعته، ويقرأ له دروساً وافية حول فروسيَّته، وبأسه في الحروب وشدَّته في المواقف الهائلة، فما عساني أن أكتب عن فارس سجَّل له التأريخ: إنّه كان سيّاف النبيِّ الأعظم، وأشدّ الناس في زمانه بعد أمير المؤمنين؟(1) وما عساني أن أقول في باسل ٍكان أثقل خلق الله على معاوية؟ جبَّن أصحابه الشجاع والجبان، وكان أشدَّ عليه من جيش عرام، وكتائب تُحشد مائة ألف مقاتل، وكان يوم صفِّين يقول والله إنّ قيساً يريد أن يفنينا غداً إن لم يحبسه عنّا حابس القيل(2) .

تُعرب عن هذه الناحية مواقفه في العهدين: النبويِّ والعلويِّ. أمّا مواقفه على العهد النبويِّ فتجد نبأها العظيم في صحايف بدر وفتح وحُنين واُحد وخيبر ونضير وأحزاب، وهو يعدُّ مواقفه هذه كلّها في شعره ويقول:

إنَّنا إنَّنا الّذين إذا الفتح

شهدنا وخيبراً وحُنينا

بعد بدر وتلك قاصمة الظهر

واُحد وبالنضير ثنينا

وقال سيِّدنا صاحب «الدرجات الرفيعة»: إنَّه شهد مع النبيِّ المشاهد كلّها، وكان حامل راية الأنصار مع رسول الله، أخذ النبيّ صلّى الله عليه وآله يوم الفتح الراية من أبيه - سعد - و دفعها إليه. وقال الخطيب في تاريخه 1 ص 177: إنه حمل لواء رسول الله في بعض مغازيه. وفي تاريخي الطبري وابن الأثير 3 ص 106: إنّه كان صاحب راية الأنصار مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وكان من ذوي الرأي والبأس. وفي الإستيعاب(3) : إنّه كان حامل راية النبيّ في فتح مكّة إذا نزعها من أبيه، وأرسل عليّاً رضي الله عنه أن ينزع اللواء منه ويدفعه لإبنه قيس ففعل.

وأمّا مواقفه على العهد العلويِّ فكان يحضُّ أمير المؤمنين على قتال معاوية ويحثّه على محاربة مناوئيه ويقول: يا أمير المؤمنين؟ ما على الأرض أحدٌ أحبُّ إلينا أن يُقيم فينا منك. لأنّك نجمنا الّذي نهتدي به، ومفزعنا الّذي نصير إليه، وإن فقدناك لتظلمنَّ أرضنا وسماؤنا، ولكن والله لو خلّيت معاوية للمكر ليرومنَّ مصر، وليفسدنَّ اليمن، وليطعمنَّ في العراق، ومعه قومٌ يمانيّون قد اُشربوا قتل عثمان، وقد اكتفوا بالظنِّ

____________________

1 - إرشاد القلوب للديلمي 2 ص 201.

2 - يأتي ذكر مصادر هذه كلها إنشاء الله تعالى.

3 - 2 ص 537، والسيرة الحلبية 3 ص 93، وهامشها سيرة زيني دحلان 2 ص 265.

٧٥

عن العلم، وبالشكِّ عن اليقين، وبالهوى عن الخير، فسر بأهل الحجاز وأهل العراق ثمّ ارمه بأمرٍ يضيق فيه خناقه، ويقصر له من نفسه. فقال: أحسنت والله يا قيس؟ وأجملت(1) .

فأرسله عليٌّ عليه السلام مع ولده الحسن الزكيِّ وعمّار بن ياسر إلى الكوفة ودعوة أهلها إلى نصرته فخطب الحسن عليه السلام هناك وعمّار وبعدهما قام قيس فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: أيّها الناس؟ إنّ هذا الأمر لو استقبلنا به الشورى، لكان عليٌّ أحقَّ الناس به في سابقته وهجرته وعلمه وكان قتل مَن أبى ذلك حلالاً وكيف؟ والحجَّة قامت على طلحة والزبير وقد بايعاه خلعاه حسداً. فقام خطباؤهم وأسرعوا إلى الردِّ بالإجابة فقال النجاشي:

رضينا بقسم الله إذ كان قسمنا

عليّاً وأبناء النبيِّ محمَّدِ

وقلنا له: أهلاً وسهلاً ومرحباً

نُقبّل يديه من هوى وتودّدِ

فمرنا بما ترضى نجبك إلى الرضا

بصمِّ العوالي والصفيح المهنَّدِ(2)

وتسويد مَن سوَّدت غير مدافع

وإن كان من سوَّدت غير مسوَّدِ

فإن نلتَ ما تهوى فذاك نريده

وإن تخط ما تهوى فغير تعمّدِ

وقال قيس بن سعد حين أجاب أهل الكوفة:

جزى الله أهل الكوفة اليوم نصرة

أجابوا ولم يأبوا بخذلان مَن خذلْ

وقالوا: عليٌّ خير حافٍ وناعلٍ

رضينا به من ناقضي العهد مِن بدلْ

هما أبرزا زوج النبيِّ تعمّداً

يسوق بها الحادي المنيخ على جملْ

فما هكذا كانت وصاة نبيِّكم

وما هكذا الإنصاف أعظم بذا المثلْ

فهل بعد هذا من مقال لقائل؟

ألا قبَّح الله الأمانيَ والعللْ

هذا لفظ شيخ الطائفة في أمالي ولده ص 87 و 94، ورواه شيخنا المفيد في - النصرة

____________________

1 - أمالي شيخ الطايفة ص 85.

2 - صم الرجل بحجر: ضربه به. السيف المصمم: الماضي. العوالي إلى ج العالية: ما يلي السنان من القناة. ويطلق على الرمح. الصفيح ج الصفيحة: السيف العريض. هند السيف: أحد.

٧٦

لسيِّد العترة - ونسب الأبيات الداليَّة إلى قيس بن سعد بتغيير وزيادة وهذا لفظه: فلمّا قدم الحسن عليه السلام وعمّار وقيس الكوفة مستنفرين لأهلها (إلى أن قال): ثمَّ قام قيس بن سعد رحمه الله فقال: أيّها الناس إنَّ هذا الأمر لو استقبلناه فيه شورى لكان أمير المؤمنين أحقُّ الناس به لمكانه من رسول الله، وكان قتال من أبى ذلك حلالاً، فكيف في الحجة على طلحة والزبير؟ وقد بايعاه طوعاً ثمّ خلعاه حسداً وبغياً، وقد جاءكم عليٌّ في المهاجرين والأنصار، ثمَّ أنشأ يقول:

رضينا بقسم الله إذ كان قسمنا

عليّاً وأبناء الرسول محمَّدِ

وقلنا لهم: أهلاً وسهلاً ومرحباً

نمدُّ يدينا من هوى وتودُّدِ

فما للزبير الناقض العهد حرمةٌ

ولا لأخيه طلحة اليوم من يدِ

أتاكم سليل المصطفى ووصيّه

وأنتم بحمد الله عار من الهّدِّ(1)

فمن قائم يُرجى بخيلٍ إلى الوغا

وصمّ العوالي والصفيح المهنَّدِ

يسوِّد مَن أدناه غير مدافع

وإن كان ما نقضيه غير مسوَّدِ

فإن يأتي ما نهوى فذاك نُريده

وإن نخط ما نهوى فغير تعمّدِ

وكان يسير في تلك المواقف بكلِّ عظمة وجلال بهيئة فخمة، تُرهب القلوب، وتُرعب الفوارس، وتُرعد الفرائص، قال المنذر بن الجارود يصف مواكب المجاهدين مع أمير المؤمنين وقد رآهم في الزاوية(2) : ثمَّ مرَّ بنا فارسٌ على فرس أشقر عليه ثياب بيض، وقلنسوة بيضاء، وعمامة صفراء، متنكِّبٌ قوساً، متقلّدٌ سيفاً، تخطّ رِجلاه في الأرض، في ألف من الناس، الغالب على تيجانهم الصفرة والبياض، معه راية صفراء، قلت: مَن هذا؟ قيل: هذا قيس بن سعد بن عبادة في الأنصار وأبناءهم وغيرهم من قحطان. «مروج الذهب 2 ص 8».

ولَمّا أراد أمير المؤمنين المسير إلى أهل الشام دعا إليه مَن كان معه مِن المهاجرين والأنصار فحمد الله وأثنى عليه وقال: أمّا بعد: فإنَّكم ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحقِّ، مباركوا الفعل والأمر، وقد أردنا المسير إلى عدوِّنا وعدوِّكم فأشيروا علينا برأيكم.

____________________

1 - الهد: الضعيف والجبان.

2 - موضع قرب البصرة، وقرية بين واسط والبصرة على شاطئ دجلة.

٧٧

فقام قيس بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: يا أمير المؤمنين؟ إنكمش(1) بنا إلى عدوِّنا، ولا تعرِّج(2) فوالله لجهادهم أحبُّ إلي من جهاد الترك والروم لإدّهانهم في دين الله، وإستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد صلّى الله عليه وآله من المهاجرين و الأنصار، والتابعين بالإحسان، إذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيَّروه، وفيأنا لهم في أنفسهم حلالٌ، ونحن لهم فيما يزعمون قطينٌ. قال: يعني رقيق. «كتاب صفّين ص 50»

قال صعصعة بن صوحان: لَمّا عقد عليّ بن أبي طالب الألوية لأجل حرب صفِّين أخرج لواء رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم يُرَ ذلك اللواء منذُ قبض رسول الله، فعقده عليٌّ ودعا قيس بن سعد بن عبادة فدفع إليه واجتمعت الأنصار وأهل بد فلمّا نظروا إلى لواء رسول الله صلّى الله عليه وآله بكوا فأنشأ قيس بن سعد يقول:

هذا اللواء الذي كنّا نحفُّ به

مع النبيِّ وجبريلٌ لنا مددُ

ما ضرَّ مَن كانت الأنصار عيبته

أن لا يكون له من غيرهم أحدُ

قومٌ إذا حاربوا طالت أكفّهم

بالمشرفيَّة حتّى يُفتح البلدُ

إبن عساكر في تاريخه 3 ص 245، وابن عبد البرّ في «الإستيعاب» 2 ص 539، وابن الأثير في «أُسد الغابة» 4 ص 216، والخوارزمي في «المناقب» ص 122(3) .

ولَمّا تعاظمت الأُمور على معاوية دعا عمر بن العاص، وبُسر بن أرطاة، و عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فقال لهم: إنَّه قد غمَّني رجال من أصحاب عليٍّ منهم: سعيد بن قيس في همدان، والأشتر في قومه، والمرقال (هاشم بن عتبة)، وعديّ بن حاتم، وقيس بن سعد في الأنصار، وقد وقتكم يمانيّكم بأنفسها حتّى لقد إستحييت لكم وأنتم عُدِّدتم من قريش، وقد أردت أن يعلم الناس أنَّكم أهل غنا، وقد عبَّأت لكلِّ رجل منهم رجلاً منكم فاجعلوا ذلك إليَّ. فقالوا: ذلك إليك. قال: فأنا أكفيكم سعيد بن قيس وقومه غداً. وأنت يا عمرو؟ لأعور بني

____________________

1 - انكمش الرجل: أسرع.

2 - من عرج: وقف ولبث.

3 - ذكر الأبيات له شيخنا المفيد في يوم الجمل وهو في غير محله.

٧٨

زهرة: المرقال. وأنت يا بُسر؟ لقيس بن سعد. وأنت يا عبيد الله؟ للأشتر النخعي. وأنت يا عبد الرحمن بن خالد؟ لأعور طيّ يعني: عديّ بن حاتم. ثمَّ ليرد كلّ رجل منكم عن حماة الخيل فجعلها نوايب في خمسة أيّام لكلِّ رجل منهم يوماً.

وإنَّ بُسر بن أرطاة غداً في اليوم الثالث في حماة الخيل فلقي قيس بن سعد في كماة الأنصار فأشتدَّت الحرب بينهما وبرز قيس كأنَّه فنيق(1) مقرم(2) وهو يقول:

أنا ابن سعد زانه عُباده

والخزرجيّون رجالٌ ساده

ليس فراري بالوغا بعاده

إنَّ الفرار لِلفتى قلاده

يا ربّ أنت لقِّني الشهادة(3)

والقتل خيرٌ من عناق غاده

حتّى متى تُثنى لي الوسادة

فطعن خيل بُسر وبرز له بعد مليّ وهو يقول:

أنا ابن أرطاة عظيم القدرِ

مراود في غالب بن فهرِ

ليس الفرار من طباع بُسرِ

إن يرجع اليوم بغير وترِ

وقد قضيت في عدوّي نذري

يا ليت شعري ما بقي من عمري

وجعل يطعن بُسر قيساً فيضربه قيس بالسيف فيردّه على عقبيه، ورجع القوم جميعاً ولقيس الفضل (كتاب صفِّين ص 226).

وروى نصر في كتابه ص 227 - 240: إنّ معاوية دعا النعمان بن بشر بن سعد الأنصاري، ومسلمة بن مخلّد الأنصاري ولم يكن معه من الأنصار غيرهما فقال: يا هاذان؟ لقد غمّني ما لقيت من الأوس والخزرج، صاروا واضعي سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال حتّى والله جبَّنوا أصحابي الشجاع والجبان، وحتّى والله ما أسأل عن فارس من أهل الشام إلّا قالوا: قتله الأنصار، أما والله لألقينَّهم بحدّي وحديدي، ولأُعيبنَّ لكل فارس منهم فارساً ينشب(4) في حلقه، ثمّ لأرمينهم بأعدادهم من قريش

____________________

1 - فنيق كشريف: الفحل المكرم لا يؤذى ولا يركب لكرامته.

2 - أقرم الفحل: ترك عن الركوب والعمل للفحلة.

3 - في مناقب ابن شهر آشوب: يا ذا الجلال لقني الشهادة.

4 - نشب الشيئ في الشيئ: علق فيه.

٧٩

رجالاً لم يغذهم التمر والطُفيشل(1) يقولون: نحن الأنصار قد والله آووا ونصروا ولكن أفسدوا حقَّهم بباطلهم.

فغضب النعمان فقال: يا معاوية؟ لا تلومنَّ الأنصار بسرعتهم في الحرب فإنَّهم كذلك كانوا في الجاهليَّة، فأمّا دعاؤهم إلى النزال فقد رأيتهم مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأمّا لقاؤك إيّاهم في أعدادهم من قريش فقد علمت ما لقيت قريش منهم فإن أحببت أن ترى فيهم مثل ذلك آنفاً؟ فافعل، وأمّا التمر والطُفيشل فإنّ التمر كان لنا فلمّا أن ذقتموه شاركتمونا فيه، وأمّا الطُفيشل فكان لليهود فلمّا أكلناه غلبنا هم عليه كما غلب قريشٌ على سَخينة(2) ثمَّ تكلّم مسلمة بن مخلد (إلى أن قال):

وإنتهى الكلام إلى الأنصار فجمع قيس بن سعد الأنصاري الأنصار ثمّ قام خطيباً فيهم فقال: إنّ معاوية قد قال ما بلغكم وأجاب عنكم صاحبكم، فلعمري لئن غظتم معاوية اليوم لقد غظتموه بالأمس، وإن وترتموه في الإسلام لقد وترتموه في الشرك، وما لكم إليه من ذنب أعظم من نصر هذا الدين الذي أنتم عليه، فجدّوا اليوم جدّاً تنسونه به ما كان أمس، وجدّوا غداً جدّاً تنسونه به ما كان اليوم، وأنتم مع هذا اللواء الذي كان يُقاتل عن يمينه جبرئيل وعن يساره ميكائيل، والقوم مع لواء أبي جهل والأحزاب، وأمّا التمر فإنّا لم نغرسه ولكن غلبنا عليه من غرسه، وأمّا الطُفيشل فلو كان طعامنا لَسُمّينا به كما سُمّيت: قريش السخينة. ثمّ قال قيس بن سعد في ذلك:

يا بن هند: دع التوثّب في الحرب

إذا نحن في البلاد نأينا(3)

نحن مَن قد رأيت فادنُ إذا

شئتَ بمن شئتَ في العجاج إلينا

إن برزنا بالجمع نلقك في الجمع

وإن شئتَ محضةً أُسرينا

فالقنا في اللفيف نلقك في الخزرج

تدعو في حربنا أبوينا

أيَّ هذين ما أردتَ فخذه؟

ليس منّا وليس منك الهُوينا

____________________

1 - كسميدع: نوع من المرق.

2 - طعام يتخذ من دقيق وسمن كانت قريش تكثر من أكلها فعيرت بها وسميت: قريش السخينة.

3 - ذكر ابن أبي الحديد في شرحه 2 ص 297 ستة من هذه الأبيات مع اختلاف فيها.

٨٠