الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام (فقه الرضا)

الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام (فقه الرضا)13%

الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام (فقه الرضا) مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 447

الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام (فقه الرضا)
  • البداية
  • السابق
  • 447 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 179791 / تحميل: 7677
الحجم الحجم الحجم
الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام (فقه الرضا)

الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام (فقه الرضا)

مؤلف:
العربية

الفقه

المنسوب للإمام الرّضاعليه‌السلام

والمُشتهِر بـ (فقه الرّضا)

تحقيق

مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام لإحياء التُّراث

المؤتمر العالمي للإمام الرضاعليه‌السلام

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

الإهداء

الى سليل النبوة وموضع خيرة الله من خلقه

الى مشكاة نور الله التي اضاءت الخافقين

الى النور المشرق على العالم من خراسان

الى الامام المظلوم الحامل لآلام البشرية

نرفع هذا الجهد المتواضع قربى اليه وزلفى لديه

راجين منه القبول.

٥

٦

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، محمد وعترته المعصومين.

وبعد: فإن الجهد الجبار الذي قام به العلامة الكبير، وباعث حديث أهل البيتعليهم‌السلام في المائة الحادية عشرة، الشيخ محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، حشرة الله مع الأئمة المعصومين، هو مورد تقدير واكبار العلماء والباحثين على مدى العصور.

وقد حُمدتْ له غايته السامية في حفظ تراث أهل البيتعليهم‌السلام ولمّ شمل ما انتشر منه في المخطوطات المتفرقة العزيزة الحصول - يوم ذاك - فحفظ ما اسعفته يد مقدرته، وصرف هو وجملة من تلامذه الاعاظم، الذين هم قمم شاهقة في علم الحديث وغيره، كالسيد نعمة الله الجزائري شارح التهذيب، والشيخ عبدالله بن نورالله البحراني صاحب العوالم، والميرزا الافندي صاحب رياض العلماء.. نعم صرف هؤلاء البررة قسطاً وافراً من أعمارهم الغالية في جمع وتنظيم هذا الكتاب الضخم الفخم، فحفظوا لنا ثروة غالية لا تقدر بثمن.

البحار.. ذلك الكتاب العظيم بصورة الحاضرة محتاج إلى تدقيق وتحقيق حسب القواعد التي استقر عليها هذا الفن - في تحقيق المخطوطات -.

وذهبت بي الأفكار في مجالاتها الواسعة، حتى استقرت بي على أن الباب الذي يدخل منه إلى تحقيق الكتاب، هو تحقيق مصادر الكتاب أولاً لإرساء القاعدة الصلبة بضبط نصوص الأحاديث وتقويم أسانيدها.

فصممت العزم مع الإخوة المشتغلين في تحقيق التراث في مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام للنهوض بهذا المشروع العظيم.

٧

وكان كتاب الفقه المنسوب إلى الإمام الرضاعليه‌السلام ، أول الكتب التي تم العمل في تحقيقها، وهو الكتاب الذي بين يدي القارئ العزيز.

وبرقت بارقة خير وهدى، من الشمس المشرقة في خراسان - الثامن الضامن - الإمام الرضاعليه‌السلام ، وتجلّت هذه البارقة حزمة ضوء - تضيء للباحثين الطريق - في المؤتمر العالمي المنعقد سنوياً تحت اسمه الشريف.

والأمة تأمل من هذا المؤتمر، أن يزودها - على مدى السنين - بالزاد النافع في دنياها و اُخراها، ولن يخيب ظنها إن شاء الله.

٨

المقدّمة

رغم الحملات المسعورة التي شنها الحكام الجائرون والظلمة العتاة، ضد أهل بيت عصمهم الله من الزلل، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، مستهدفين أطفاء تلك الأنوار الإلهية والقبسات الربانية، ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون.

ورغم الترشيد والملاحقة التي واجهت الرساليين المؤمنين بربهم، الملتزمين بعقيدتهم، الأوفياء لمبادئهم، فقد كانوا كالبنيان المرصوص، لم تهزهم تلك الرياح الهوجاء والعواصف العاتية.

بيد أن للباطل جولة وللحق دولة، فأتعب المخلصون أنفسهم، وبذلوا الغالي والرخيص لحفظ ذلك التراث الإسلامي العظيم، الموروث من أهل البيت العصمة والطهارة، خوفاً عليه من الدس والإندراس والتلف والضياع.

يحدثنا التاريخ عن اخت محمد بن أبي عمير، وعن كيفية دفن الكتب التي كانت عنده خوفاً من السلطة الحاكمة التي اعتلقته، وما آلت إليه تلك الآثار الثمنية من التلف، وكيف أصبحت مراسيل ابن أبي عمير كالمسانيد، جزاءً لذلك الإخلاص والتفاني في سبيل الحق والمبدأ.

هل ينسى التاريخ الهجوم الوحشي الكاسر، الذي شنه طغرل بك السلجوقي على دار شيخ الطائفة في بغداد لإحراق كتبه، ورمي القسم الآخر منه في الماء، وإحراق كرسي كان يجلس عليه عند إلقاء دروسه، هذا الكرسي الذي هو اعتراف من خليفة بغداد، بأعلمية الشيخ الطوسي في عاصمة الإمبراطورية الواسعة.

كم وكم قاسى الشهيدان الأول والثاني، وغيرهما من أعلام الطائفة، من جهلة عصرهم و طواغيت زمانهم.

فكان أن تلف القسم الكثير من ذلك الموروث الحضاري العظيم، وسرق القسم الأوفر مما تبقى منه وسلم من عوادي الزمان، ليستقر في خزانات المتاحف البريطانية

٩

والأسبانية والإيطالية وو...، أو في خبايا المكتبات الشخصية أو المهجورة.

ولكن جهود الباحثين بعد التتبع الشاق العسير، توصلهم، إلى نسخة من تلك النسخ في احدى المكتبات المطورة - بعد بقاء القسم الأكبر منها رهينا بيد الاقدار تتلاعب به كيفما أرادت وشائت - وتكثر حينذاك حول هذه النسخة علامات التساؤل والإستفسار، وتوضع على طاولة التشريح. في أي قرن الف الكتاب، وما هو موضوعه؟ ولمن هذه الكتب؟ وو...؟

وتزداد بذلك علامات الحيرة والإستفهام أكثر فأكثر.

***

ومن أهم تلك الكتب التي كانت - وما تزال - عرضة للتساؤل والإستفسار ومورداً للبحث و النقاش بين الأعلام - هو الكتاب الماثل بين يديك - الفقه المنسوب لسيدنا ومولانا الإمام علي بن موسى الرضا عليه الصلاة والسلام.

لقد تناول المحققون والعلماء هذا الكتاب بالبحث والدراسة المتعمقة وذهبوا في ذلك مذاهب شتى اتسم البعض منها بقوة الإستدلال وحجية المنطق وأصالة الرأي.

وانا إذ نذكر أولاُ أهم الآراء والاحتمالات المروية في الباب ومن ثم نتطرق إلى ذكر أدلة كل واحد منهم، وهي.

١ - أنه للإمام الثامن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام .

٢ - كونه متحداً مع كتاب الشرائع الذي كتبه أبوالحسن علي بن موسى بن بابويه لولده الشيخ الصدوق.

٣ - كونه مجعولاً كله أو بعضه على الإمام الرضاعليه‌السلام .

٤ - أنه عين كتاب المنقبة للإمام الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام .

٥ - أنه من مؤلفات بعض اولاد الائمة بأمر الرضاعليه‌السلام .

٦ - أنه من مؤلفات بعض أصحاب الامامعليه‌السلام .

٧ - التوقف.

٨ - أنه كتاب التكليف لمحمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني الذي رواه عنه الشيخ أبوالحسن علي بن موسى بن بابويه.

وعلى فرض إحدى الاحتمالات المذكورة، فهل أنه مورد اعتماد الأصحاب، وهل يمكن التعويل عليه في استنباط الأحكام أو لا؟

١٠

ذهب بعض الاعلام إلى أنه كتاب حديثي روائي، وآخرون منهم إلى أنه كتاب فقهي فتوائي.

فلذلك كان مثار الجدل عند أكابر القوم وأعلام الطائفة، وذكر كل منهم دليله الذي يعضد رأيه ويؤيد مشربه.

١ - أنه من تأليف الإمام الرضاعليه‌السلام .

لم يكن الكتاب متداولاً بين الاصحاب إلى زمان الفاضل التقي مولانا محمد تقي المجلسي قدس سره، وهو أول من روج لهذا الكتاب ونبه عليه في اللوامع - وهو شرحه الفارسي على الفقيه - وبعده ولده العلامة مروج الشريعة المحدث مولانا محمد باقر المجلسي، فإنه أورده في كتاب بحارالنوار ووزع عباراته على الأ بواب، واستند إليها في الآ داب و الأحكام المشهورة الخالية عن المستند ظاهراً(١) .

يقول العلامة المجلسي. « وكتاب الفقه الرضاعليه‌السلام أخبرني به السيد الفاضل المحدث القاضي أمير حسين - طاب ثراه - بعد ما ورد أصفهان، قال. قد اتفق في بعض سني مجاورتي بيت الله الحرام، أن أتاني جماعة من أهل قم حاجين، وكان معهم كتاب قديم يوافق تاريخه عصر الرضا صلوات الله عليه، وسمعت الوالد - رحمه الله - أنه قال. سمعت السيد يقول. كان عليه خطه صلوات الله عليه، وكان عليه إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء وقال السيد. حصل لي العلم بتلك القرائن أنه تأليف الإمامعليه‌السلام فأخذت الكتاب وكتبته وصححته، فأخذ والدي - قدس الله روحه - هذا الكتاب من السيد واستنسخه وصححه، وأكثر عباراته موافق لما يذكره الصدوق أبو جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيهمن غير سند، وما يذكره والده في رسالته إليه، وكثير من الأحكام التي ذكرها أصحابنا ولا يعلم مستندها مذكورة فيه »(٢) .

واعتمد عليه بعدهما السيد صاحب الرياض وصاحب مفاتيح الاصول، والشيخ البحراني، والفاضل الكاشاني، وجعلوه في مصاف الأخبار ونقلوه في مؤلفاتهم بنحو

____________________

(١) مفاتيح الاصول. ٣٥٢، وعوائد الايام. ٢٤٨.

(٢) بحارالانوار ١: ١١.

١١

الروايات.

والسيد أمير حسين - على حد قول النراقي - هو.

القاضي أمير حسين الذي حكى عنه الفاضلان المجلسيان، هو السيد أمير حسين بن حيدر العاملي الكركي، ابن بنت المحقق الشيخ علي بن عبدالعال الكركي، وكان قاضي اصفهان والمفتي بها في الدولة الصفوية - أيام السلطان العادل شاه طهماسب الصفوي - وهو أحد الفقهاء المحققين، والفضلاء المدققين، مصنف مجيد، طويل الباع، كثير الاطلاع.

وجدت له رسالة مبسوطة في نفي وجوب الجمعة في زمان الغيبة، وكتاب النغمات القدسية في أجوبة المسائل الطبرسية، وكتاب رفع المناواة عن التفضيل والمساواة(١) .

يقول المحدث النوري رحمه الله. والثقة العدل القاضي أمير حسين - طاب ثراه - استنسخ هذا الكتاب قبل هذا بنحو من عشر سنين، وكان في عدة مواضع خط الإمام الرضاعليه‌السلام وإني أشرت إليه ورسمت صورة خطهعليه‌السلام على ما رسمه القاضي. ومن موافقة الكتاب لكتاب الفقيه يحصل الظن القوي بان علي بن بابويه ومحمد بن علي كانا عالمين بان هذا الكتاب تصنيف الامامعليه‌السلام وقد جعله الصدوق حجة بينه وبين ربه(٢) .

وذكر القاضي أمير حسين. ان من كان عنده هذا الكتاب، ذكر أنه وصل من آبائنا، إن هذا الكتاب من تصنيف الامامعليه‌السلام كانت نسخة قديمة مصححة، وفي ذلك إشعار بتواتر انتسابه اليهعليه‌السلام .

ولا أقل من الإستفاضة، وبذلك يخرج عن حيز الوجادة - ويدخل في حد الحسان من المسانيد برواية من مدحهم القاضي من الشيعة القميين وان جهل حالهم(٣) .

قال صاحب الدرة. إن السيد أمير حسين بن حيدر العاملي الكركي - ابن بنت

____________________

(١) عوائد الايام: ٢٤٩.

(٢) مستدرك الوسائل ٣: ٣٣٧.

(٣) مفاتيح الاصول: ٣٥١.

١٢

المحقق الشيخ علي بن عبدالعال الكركي طاب ثراه - وكان قاضي إصفهان والمفتي بها في الدولة الصفوية - أيام السلطان الغالب الشاه طهماسب الصفوي - وهو أحد الفقهاء المحققين، والفضلاء المدققين، مصنف مجيد، طويل الباع، كثير الاطلاع، وله كتاب الإجازات فيه إجازات جم غفير من العلماء المشاهير له، منهم خاله المحقق المدقق الشيخ عبدالعال بن المحقق الشيخ علي الكركي، وابن خالته السيد العماد، والأمير محمد باقر الداماد، والشيخ الفقيه الأوحد الشيخ بهاء الدين محمد العاملي(١) .

وذكر في موضع آخر من كتابه: ان السيد امير حسين كان مجاوراً في مكة المعظمة سنين، وبعد ذلك جاء إلى اصفهان وذكر لي. أني جئت بهدية نفيسة إليك(٢) .

فإن سياق هذا الكلام مما لا يناسب الطريقة المعهودة من السيد الكركي الذي كان من مشائخ المولى المذكور وبنيه، وإنما هو كلام يصدر غالباً عمن يتكلم مع من هو أعلى منه أو يساويه(٣) .

وقال السيد الخوانساري في رسالته.

و أما ما تقدم من اتحاد القاضي أمير حسين المذكور، مع السيد الأجل الأكمل السيد حسين بن حيدر العاملي المجتهد، كما توهمه سيدنا صاحب الدرة، فهو أيضاً كلام عارٍ عن التحقيق، ناشئ عن قلة التتبع والتدقيق، وذلك لأن السيد حسين بن حيدر الكركي المفتي صاحب كتاب الإجازات، كان من أعظم فقهاء عصر مولانا الفاضل التقي المجلسي، ومعاصره المولى الأفقه الأكمل المحقق الخراساني صاحب الذخيرة والكفاية، وقد استجازه الفاضلان المذكوران، وجمع آخر من فضلاء عصره، فأجاز لهم، وأقر جميع هؤلاء بأفقهيته، وبأنه شيخهم المقدم ورئيسهم المعظم، كما يشهد به سياق روايتهم عنه في الإجازات وغيرها(٤) .

واستطرد قائلاً.

ومما يزيد ذلك بياناً ويوضحه نهاية التوضيح، ما يعطيه كلام صاحب

____________________

(١) الفوائد: ١٤٨.

(٢) الفوائد: ١٤٧.

(٣) رسالة الخوانساري. ٣٢.

(٤) رسالة الخوانساري. ٣١.

١٣

الرياض(١) ، الذي قد بلغ في الاطلاع على دقائق أحوال العلماء الغاية، وتجاوز بتتبعه الكامل النهاية، حيث عقد للقاضي حسين عنواناً عارياً عن ذكر والده باعتبار جهله لنسبه، و ذكر في ذيله أنه الذي أظهر أمر الفقه الرضوي، وجاء به من البيت المعظم، ونبه على أنه غير القاضي مير حسين الميبذي المتوفى سنة ( ٨٧٠ هـ ) شارح الديوان المرتضوي والكافية الحاجبية.

وأفرد للسيد الفقيه الكركي عنواناً آخر، وأخذ في الإطراء عليه، وفصل الكلام في أحواله و بيان مؤلفاته(٢) .

وكفانا مؤونة البحث المحدث النوري في مستدركه(٣) ، والسيد الخونساري في رسالته(٤) فراجع.

وسواء أكان السيد امير حسين هذا أو ذاك، فإن روايته للكتاب ممّا يعرف في علم الدراية بالوجادة، ولم نعرف راويها عن الامامعليه‌السلام إن صحت.

وهناك رواية اخرى ادعى لها بعض الأعلام الاجازة المسلسلة بالآباء إلى ابن السكين معاصر الإمام الرضاعليه‌السلام .

ونقل المحقق المجلسي في إجازات البحار(٥) صورة إجازة الأمير صدرالدين محمد بن الأمير غياث الدين منصورالحسيني الشيرازي الدشتكي، للسيد الفاضل علي بن القاسم الحسيني اليزدي، وهي إجازة لطيفة حسنة، ومنها بعد ذكر سنده المعنعن بالآباء، قال: ثم ان أحمد السكين(٦) جدي صحب الإمام الرضاعليه‌السلام من لدن كان بالمدينة

____________________

(١) رياض العلماء ٢: ٣٠، ٣١.

(٢) رسالة الخونساري: ٣٢.

(٣) مستدرك الوسائل ٣: ٣٥٤.

(٤) رسالة الخونساري: ٣٢، ٣٣.

(٥) بحار الانوار ١٠٨: ١٢٧، ١٢٨.

(٦) ما ذكره السيد علي خان من أن الكتاب برواية جده أحمد بن السكين عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، فلم نعثر له في كتب الرجال - التي بين أيدينا - على ذكر.

والذي ذكره الرجاليون محمد بن سكين بن عمار النخعي الجمال ثقة روى أبوه عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، له كتاب. قاله النجاشي.

=

١٤

إلى أن أُشخص تلقاء خراسان - عشر سنين - فأخذ منه العلم، وإجازتهعليه‌السلام عندي، فأحمد يروي عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، عن آبائه، عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وهذا الإسناد مما أنفرد به لا يشركني فيه أحد، وقد خصني الله تعالى بذلك، والحمد لله، ومن جميع ذلك ظهر ان امارات الوثوق والاعتماد بهذه النسخة المكية أزيد من النسخة القمية، فلاحظ وتأمل(١) .

وهو الذي قواه السيد النحرير صاحب الدرة المنظومة قائلاً: ذكر أنه وجد في الكتب الموقوفة على الخزانة الرضوية - على مشرفها آلاف التحية والثناء - نسخة من هذا الكتاب كان مكتوباً عليها أن الامام الثامن الضامن صنف هذا الكتاب لمحمد بن سكين، وأن أصل النسخة وجدت في مكة المشرفة بخط الامام، وكانت بالخط الكوفي فنقله المولى المحدث الأميرزا محمد إلى الخط المعروف(٢) .

ويقول السيد المجاهد في مفاتيحه: ومحمد بن سكين في رجال الحديث، رجل واحد هو محمد بن السكين بن عمار النخعي الجمال ثقة له كتاب، روى أبوه عن أبي عبدالله، وفي الفهرست(٣) والنجاشي(٤) أن الراوي عنه إبراهيم بن سليمان، والمراد منه إبراهيم بن سليمان بن حيّان، والطبقة تلائم كونه من أصحاب الرضاعليه‌السلام (٥) .

وقيل: وروى عنه ابن أبي عمير، وهو من اصحاب الرضا والجواد، فيكون محمد بن سكين من كبار أصحاب الرضاعليه‌السلام .

ولكن الميرزا عبدالله أفندي قال في رياضه، عند ذكر سلسلة سند السيد علي خان

____________________

=

وقد ذكر البرقي في رجاله محمد بن سكين بن يزيد، وعده في أصحاب الكاظمعليه‌السلام ، كما في معجم رجال الحديث.

والرجلان - كما ترى - يمكن أن يكونا من أصحاب الرضاعليه‌السلام خصوصاً الأول الذي ذكر النجاشي أن له كتاباً.

أنظر رجال النجاشي: ٢٥٦، معجم رجال الحديث ١٦: ١١٩.

(١) مستدرك الوسائل ٣: ٣٤١.

(٢) الفوائد: ١٤٩.

(٣) فهرست الشيخ: ١٥١ رقم ٦٤٤.

(٤) رجال النجاشي: ٢٥٦.

(٥) مفاتيح الاصول: ٣٥٣. ٧

١٥

شارح الصحيفة: إعلم أن أحمد السكين - وقد يقال أحمد بن السكين - هذا الذي كان في عهد مولانا الرضا صلوات الله عليه، وكان مقربا عنده في الغاية، وقد كتب لأجله الرضا فقه الرضا، وهذا الكتاب بخط الرضا موجود في الطائف بمكة المعظمة، من جملة كتب السيد عليخان المذكور التي قد بقيت في بلاد مكة، وهذه النسخة بالخط الكوفي، وتاريخها سنة مائتين من الهجرة، وعليها إجازات العلماء وخطوطهم(١) .

وذهب السيد الخونساري إلى اتحاد النسختين، ولكن المحدث النوري رده بقوله: إتحاد النسختين بعيد، لأن المكية كانت بخطه، والقمية بخط غيره، وقد رسم في بعض مواضعها بخطه كما صرح به التقي المجلسي.

كان في المكية مرسوماً: انه كتبه لأحمد السكين - المقرب عنده - ولو كان في القمية ذلك لأشار إليه مولانا التقي في شرح الفقيه، لشدة حرصه على نقل كل ما كان له ربط وتعلق بالكتاب، ولذكر تاريخه وأنه كان بالخط الكوفي كما ذكر في المكية(٢) .

وقال الشيخ منتجب الدين في فهرسته، الموضوع لذكر العلماء المتأخرين عن الشيخ الطوسي، ما هذا لفظه: السيد الجليل محمد بن أحمد بن محمد الحسيني، صاحب كتاب الرضا، فاضل ثقة، كذا في عدة نسخ مصححة من فهرست المنتجب(٣) .

وفي كتاب أمل الآمال نقلاً عنه(٤) : والظاهر أن المراد بكتاب الرضاعليه‌السلام هو هذا الكتاب. وأما الرسالة المذهبة المعروفة بالذهبية وطب الرضا، فهي عدة أوراق في الطب صنّفها الرضا للمأمون(٥) .

أورد على ذلك صاحب الفصول بقوله: وأما ما ذكره البعض في محمد بن أحمد من أنه صاحب كتاب الرضاعليه‌السلام فلا دلالة فيه على أن إجازة هذا الكتاب منتهية إليه، لجواز أن يكون المراد به بعض رسائلهعليه‌السلام مما رواها الصدوق في

____________________

(١) رياض العلماء ٣: ٣٦٤.

(٢) مستدرك الوسائل ٣: ٣٤٢.

(٣) فهرست منتجب الدين: ١٧١ رقم ٤١٢.

(٤) أمل الآمال ٢: ٢٤٢.

(٥) مفاتيح الاصول: ٣٥٣.

١٦

العيون، ولو سلم أن المراد به الكتاب المذكور فلا دلالة في كونه صاحبه، على أنه كان يرويه بطريق معتبر لجواز أن يكون واجداً له، أو راوياً بطريق غير معتبر، ولا يبعد أن يكون الكتاب المذكور من تصانيف بعض أصحاب الرضاعليه‌السلام ، وقد أكثر فيه من نقل الأخبار التي سمعها منهعليه‌السلام بواسطة وبدونها كما يستفاد من قوله: روي عن العالم وأروي العالم، بناءاً على أن يكون المراد بالعالم هو الرضاعليه‌السلام ويصح نسبة الكتاب إليهعليه‌السلام نظراً إلى أن الغالب حكاية كلامه، إذ لا يلزم في النسبة أن يكون أصل النسخة بخطهعليه‌السلام وربما نسب إلى الصدوق وهو بعيد، مع احتمال أن يكون موضوعاً، ولا يقدح فيه موافقة أكثر احكامه للمذهب، إذ قد يتعلق قصد الواضع بدس القليل بل هذا أقرب إلى حصول مطلوبه لكونه أقرب الى القبول(١) .

وقال المحقق النراقي: والمراد بكونه صاحب كتاب الرضا وجود نسخة الأصل عنده وانتهاء إجازة الكتاب إليه لا إنه روى هذا الكتاب عن الإمام بلا واسطة وأنه صنفه له فإنه من العلماء المتأخرين الذين لم يدركوا أعصار الأئمة(٢) .

* * *

واحتمل المحدث النوري كونه لأُناس آخرين رووا عن الإمام الرضا بأدلة:

منها ما وجده منقولاً عن خط السيد السند المؤيد صاحب مطالع الأنوار، على ظهر نسخة من هذا الكتاب، ما لفظه بعد الإصرار على عدم كونه لهعليه‌السلام : ويحتمل أن يكون هذا الكتاب لجعفر بن بشير، لما ذكره شيخ الطائفة في الفهرست: جعفر بن بشير البجلي، ثقة جليل القدر، له كتاب ينسب الى جعفر بن محمدعليهما‌السلام رواية علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، انتهى كلامه.

وجعفر بن بشير لما كان من أصحاب مولانا الرضاعليه‌السلام يمكن أن يكون ما كتبه في أول الكتاب من لسانهعليه‌السلام فصار منشأ لنسبة الكتاب إليهعليه‌السلام وكان الكتاب قبل زمان الشيخ منسوباً الى جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، للإشتراك في الاسم كما أنه في هذه الازمنة مما نسب إلى مولانا الرضاعليه‌السلام .

____________________

(١) الفصول الغروية: ٣١٣.

(٢) عوائد الايام: ٢٤٩ - ٢٥٠.

١٧

واحتمل كذلك أن يكون هذا الكتاب لمحمد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام لما قال النجاشي في ترجمته ما هذا لفظه: له نسخة يرويها عن الرضاعليه‌السلام أخبرنا أبو الفرج محمد بن علي بن قرة - إلى أن قال - حدثنا محمد بن علي بن الحسين بن زيد قال: حدثنا علي بن موسى الرضاعليه‌السلام بالنسخة(١) .

وذكر احتمالات أخرى لذلك.

***

وقال صاحب مفاتيح الاصول بصحة انتسابه إلى الإمام علي بن موسى الرضا: ومن أعظم الشواهد على ذلك مطابقة رواية الشيخين الجليلين الصدوقين لذلك، وشدة تمسكهما به، حتى أنهما قدماه في كثير من المسائل على الروايات الصحيحة والأخبار المستفيضة. واتفقا باختيار ما في هذا الكتاب، وخالفا لأجله من تقدمهما من الأصحاب، وعبرا في الغالب بنفس عباراته، وجعلها الصدوق في الفقيه - وهو كتاب حديث - درايةً ولم يسندها الى الرواية، ويلوح من الشيخ المفيد الأخذ به والعمل بما فيه في مواضع من المقنعة، ومعلوم أن هؤلاء الأعاظم الذين هم أساطين الشيعة وأركان الشريعة، لا يستندون إلى غير مستند، ولا يعتمدون على غير معتمد، وقد سرت فتاواهم إلى من تأخر عنهم، لحسن ظنهم، وشدة اعتمادهم عليهم، وعلمهم بأنهم أرباب النصوص، وأن فتواهم عين النص الثابت عن الحججعليهم‌السلام ، وقد ذكر الشهيد في الذكرى أن الأصحاب كانوا يعملون بشرائع علي بن بابويه، ومرجع كتاب الشرائع ومأخذه هو هذا الكتاب، كما هو معلوم لمن تتبعهما، وتفحص ما فيهما، وعرض أحدهما على الآخر، ومن هذا يظهر عذر الصدوق في عده لرسالة أبيه من الكتب التي إليها المرجع وعليها المعول. فإن الرسالة مأخوذة من الفقه الرضوي الذي هو حجة عنده، ولم يكن الصدوق ليقلد أباه فيما أفتاه حاشاه، وكذلك اعتماد الأصحاب على كتاب علي بن بابويه، فإنه ليس تقليداً بل اجتهاداً، لوجود السبب المؤدي إليه، وهو العلم بكون ما تضمنه هو عين كلام الحجة انتهى(٢) .

____________________

(١) مستدرك الوسائل ٣: ٣٦٠.

(٢) مفاتيح الاصول: ٣٥٣ - ٣٥٤.

١٨

قال المجلسي في لوامعه، عند نقل الصدوق عبارة ابنه في رسالته إليه، في مسألة الحدث الأصغر في أثناء غسل الجنابة، ما ترجمته: الظاهر أن علي بن بابويه أخذ هذه العبارة وسائر عباراته في رسالته الى ولده من كتاب الفقه الرضوي، بل أكثر عبارات الصدوق التي يفتي بمضمونها ولم يسندها إلى الرواية وكأنها من هذا الكتاب. وهذا الكتاب ظهر في قم، وهو عندنا.

وقال في كتاب الحج من الشرح المذكور في شرح رواية اسحاق بن عمار: والمظنون أن الصدوق كان على يقين من كونه تأليف الإمام أبي الحسن الرضاعليه‌السلام وانه كان يعمل به وان القدماء منهم كان عندهم ذلك(١) .

وهو ما ذهب إليه صاحب الفصول(٢) بقوله: ويدل على ذلك أيضاً أن كثيراً من فتاوى الصدوقين مطابقة له في اللفظ وموافقة له في العبارة، لا سيما عبارة الشرائع وأن جملة من روايات الفقيه التي ترك فيها الاسناد موجودة في الكتاب ومثله مقنعة المفيد فيظن بذلك أن الكتاب المذكور كان عندهم وأنهم كانوا يعولون عليه، ويستندون إليه مع ما استبان من طريقة الصدوقين من الإقتصار على متون الأخبار وإيراد لفظها في مقام بيان الفتوى، ولذا عد الصدوق رسالة والده إليه من الكتب التي عليها المعول وإليها المرجع وكان جماعة من الأصحاب يعملون بشرائع الصدوق عند اعواز النص فإن الوجه في ذلك ما ذكرناه(٣) .

ولذا قال المحقق النراقي: المظنون ان الصدوق كان على يقين من كونه تأليف الامام أبي الحسن الرضاعليه‌السلام وأنه كان يعمل به، وأن القدماء منهم من كان عنده ذلك، ومنهم من يعتمد على فتاوى الصدوق والمأخوذ منه، لجلالة قدر عندهم(٤) .

واستظهره السيد المجاهد في مفاتيحه بقوله: الظاهر أن هذا الكتاب كان موجود عند المفيد أيضاً، وكان معلوماً عنده أنه من تأليفه، ولذا قال الصدوق: أفتي به وأحكم

____________________

(١) مستدرك الوسائل ٣: ٣٣٧.

(٢) الفصول الغروية: ٣١١.

(٣) مستدرك الوسائل ٣: ٣٤٥.

(٤) عوائد الأيام: ٢٤٨ - ٢٤٩.

١٩

بصحته(١) .

* * *

ذهب المثبتون الى انه: لا شك ولا ريب في اندراجه تحت كتب الأخبار، وكونه معدوداً من أحاديث الأئمة الأطهار، لصدق حد الحديث والخبر عليه، وهو ما يحكي قول المعصوم من حيث هو، لا من حيث أنه رأي المجتهد وظنه، ويحتمل الصدق، ولا يعلم كذبه أو وضعه بل لا يظن.

وما قيل أنه من وضع الواضعين، فلا داعي لذلك أصلاً، لمطابقة آراء وأقوال الأئمة، علماً بأن وضع الواضعين لم يكن إلا لتزييف الواقع وترويج الباطل، للطعن في المذهب. وخلو هذا الكتاب من ذلك، دليل على صحته من الأمام، إلاّ في موارد حملت على التقية.

فمما يحكي قول المعصوم، ويدل على أنه من أهل بيت العصمة والطهارة:

ما جاء صريحاً في ديباجة الكتاب: يقول عبدالله علي بن موسى الرضا(٢) .

ومنها: ما جاء في باب فضل الدعاء: أروي عن العالم أنه قال: لكل داء دواء، وسألته عن ذلك، فقال: لكل داء دعاء(٣) .

ومنها: ما جاء في باب الصلاة: قال العالم: قيام رمضان بدعة وصيامه مفروض، فقلت: كيف اُصلي في شهر رمضان؟ فقال: عشر ركعات - إلى أن قال - وسألته عن القنوت يوم الجمعة إذا صليت وحدي أربعاً. فقال: نعم في الركعة الثانية خلف القراءة، فقلت: أجهر فيهما بالقراءة؟ فقال: نعم(٤) .

ومنها: ما جاء في باب الاستطاعة: قال: سألت العالم: أيكون العبد في حال مستطيعاً؟ قال: نعم، أربع خصال: مخلى السرب، صحيح، سليم مستطيع. فسألته عن تفسيره... إلى آخره(٥) .

____________________

(١) مفاتيح الاصول: ٣٥٢.

(٢) الفقه المنسوب: ٦٥.

(٣) الفقه المنسوب: ٣٤٥.

(٤) الفقه المنسوب: ١٢٥.

(٥) الفقه المنسوب: ٣٥٢.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

أبي طالب، حدثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليرضي‌الله‌عنه ، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:

سألت [ الله ] - يا علي - فيك خمساً، فمنعني واحدةً وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك أُمّتي فأبى عليَّ. وأعطاني فيك: أنّ أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، [ معك ] لواء الحمد، وأنت تحمله بين يديّ، تسبق [ به ] الأوّلين والآخرين. وأعطاني أنّك أخي في الدّنيا والآخرة. وأعطاني أن بيتي مقابل بيتك في الجنّة. وأعطاني أنّك وليّ المؤمنين بعدي »(١) .

أقول:

وإنّ هذا الحديث الشريف يهتك أستار التضليل والتخديع، ويكشف أسرار التزويق والتلميع، فهو من خير الأدلّة على بطلان تأويل حديث الولاية، وحمله على معنىً غير معنى ( المتصرّف في الأمر )، وسقوطه من أصله وقمعه من جذوره

إنّ هذا الحديث يدل دلالةً وأضحةً على أنّ المراد من جملة ( ولي المؤمنين بعدي ) معنىً جليل ومقام عظيم، لأنّ المنازل التي ذكرها النبي صلّى الله عليه وسلّم له قبل هذه الجملة يستوجب كلّ واحدةٍ منها على اليقين أفضليتهعليه‌السلام من جميع الخلائق من الأوّلين والآخرين، لأنّ مفادها مساواتهعليه‌السلام للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم - الذي لا شك في أفضليّته من الخلائق أجمعين - في مراتبه ومنازله كلّها.

__________________

(١). التدوين بذكر أهل العلم بقزوين ٢ / ١٢٦.

٣٠١

فكما أنّ تلك المنازل والمراتب للنبي صلّى الله عليه وسلّم جعلته خير الخلائق وأشرف المرسلين كذلك يكون عليعليه‌السلام - المساوي له فيها - أفضل الخلائق أجمعين من الأنبياء والمرسلين وسائر الناس، فلذا قال بعد أن ذكرها: « وأعطاني أنّك وليُّ المؤمنين بعدي » ليشير إلى أن تلك المنازل توجب أنْ يكون هو ( المتصرّف ) في أُمور المؤمنين بعده صلّى الله عليه وسلّم، وهذا ليس إلّا ( الإمامة والخلاقة ).

ترجمة الرّافعي

ولا بأس بذكر ترجمة الرافعي الرّاوي لهذا الحديث عن بعض المصادر المعتبرة:

١ - الذهبي: الامام الرافعي أبو القاسم عبدالكريم بن محمّد بن عبدالكريم بن الفضل القزويني الشافعي، صاحب الشرح الكبير، إليه انتهت معرفة المذهب ودقائقه، وكان مع براعته في العلم صالحاً زاهداً ذا أحوالٍ وكراماتٍ ونسكٍ وتواضع. توفي في حدود آخر السنة.رحمه‌الله »(١) .

٢ - ابن الوردي: « وفيها مات إمام الدين عبدالكريم بن محمّد بن عبدالكريم الرافعي القزويني، مصنّف الشّرح الكبير والصّغير على الوجيز والمحرر، ومصنّف التذنيب على الشرحين. وكان مع براعته في العلوم صالحاً زاهداً ذا أحوالٍ وكرامات. وعلى شرحه الكبير اليوم إعتماد المفتين والحكّام في الدنيا »(٢) .

__________________

(١). العبر ٣ / ١٩٠ حوا دث ٦٢٣

(٢). تتمة المختصر في أخبار البشر - حوادث ٦٢٣.

٣٠٢

٣ - اليافعي: « وفيها توفي الإمام الكبير العلّامة البارع الشهير، الجامع بين العلوم والأعمال الصالحات، والزهد والعبادات، والتّصانيف المفيدات النفيسات، أبو القاسم عبدالكريم بن محمّد بن عبدالكريم القزويني الشافعي، صاحب الشرح الكبير المشتمل على معرفة المذهب ودقائقه الغامضات، الجامع الفائق على التصانيف السابقات واللّاحقات. ومن كراماته: أنّه أضاءت له شجرة في بيته لـمّا انطفى السراج الذي يستضيء به عند كتبه بعض مصنفاته »(١) .

٤ - الأسنوي: « أبو القاسم إمام الدين عبدالكريم بن محمّد القزويني، صاحب الشرح الوجيز الذي لم يصنّف في المذهب مثله. تفقّه على والده وعلى غيره.

وكان إماماً في الفقه والتفسير والحديث والاُصول وغيرها، طاهر اللّسان في تصنيفه، كثير الأدب، شديد الإحتراز في المنقولات، ولا يطلق نقلاً عن أحدٍ غالباً إلّا إذا رآه في كلامه، وإنْ لم يقف عليه فيه عبّر بقوله: وعن فلانٍ كذا، شديد الإحتراز أيضاً في مراتب الترجيح »(٢) .

وتوجد ترجمته أيضاً في:

سير أعلام النبلاء ٢٢ / ٢٥٢

فوات الوفيات ٢ / ٧

طبقات الشافعية للسبكي ٨ / ٢٨١

تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢٦٤

__________________

(١). مرآة الجنان ٤ / ٥٦.

(٢). طبقات الشافعية: ١ / ٢٨١.

٣٠٣

النجوم الزاهرة ٦ / ٢٦٦

شذرات الذهب ٥ / ١٠٨

(١٦)

« الأولياء » في تفسير أهل البيت بمعنى « الأئمّة »

جاء ذلك في خطبةٍ للإمام الحسن السّبطعليه‌السلام ، رواها الأئمة الطاهرون من أهل البيت، وأوردها العلّامة القندوزي، قال:

« وفي التفسير المنسوب إلى الأئمّة من أهل البيت الطيّبين - رضي الله عنهم - عن جعفر الصادق، عن أبيه، عن جدّه: إن الحسن ابن أمير المؤمنين علي - سلام الله عليهم - خطب على المنبر وقال:

إنّ الله عزّ وجلّ - بمنّه ورحمته – لـمّا فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجةٍ منه إليه، بل رحمةً منه، لا إله إلّا هو، ليميز الخبيث من الطيّب، وليبلي ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم، ولتتسابقوا إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنّته، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية لنا أهل البيت، وجعلها لكم باباً لتفتحوا به أبواب الفرائض، ومفتاحاً إلى سبيله، ولولا محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - وأوصياؤه لكنتم حيارى، لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل تدخلون داراً إلّامن بابها؟

فلمّا منَّ الله عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّكم - صلّى الله عليه وسلّم - قال:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ

٣٠٤

دِيناً ) . ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً، وأمركم بأدائها إليهم، ليحلّ ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم، ويعرّفكم بذلك البركة والنماء والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب.

ثم قال الله عزّ وجلّ:( قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) واعلموا أنّ من يبخل المودّة فإنّما يبخل عن نفسه، إنّ الله هو الغني وأنتم الفقراء إليه.

فاعملوا من بعد ما شئتم، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ثم تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون، والعاقبة للمتّقين، ولا عدون إلّا على الظالمين.

سمعت جدّي - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: خلقت أنا من نور الله وخلق أهل بيتي من نوري، وخلق محبّيهم من نورهم، وسائر الناس في النار »(١) .

أقول:

ولا ريب في أنّ مرادهعليه‌السلام من « إقامة الأولياء بعد النبي » هو: نصب الأئمة، ويؤكّده استشهاده بالآية المباركة( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) النازلة في يوم غدير خم.

فإذن: المراد من « الولي » هو « الإمام ».

فكذلك: المراد من « الولي » في حديثنا هو « الإمام ».

__________________

(١). ينابيع المودة ٣ / ٣٦٥ الطبعة المحققة.

٣٠٥

لأنّ: الحديث يفسّر بعضه بعضاً، كما نصّ عليه العلماء كالحافظ في ( شرح البخاري ) وغيره من الأعلام.

(١٧)

إختصاص لفظ « الولي » ومقام « الولاية » بنوّاب نبيّنا وهم « اثنا عشر »

وهذا ما نصَّ عليه شيخ الشيوخ سعدالدين الحموي، أورده الشيخ عزيز ابن محمّد النسفي(١) في كتابه، وحكاه الشيخ القندوزي، وهذا معرّبه:

إنّه لم يكن قبل نبيّنا محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - في الأديان السابقة عنوان « الولي » وإنّما كان عنوان « النبي »، وكان يسمّون المقرّبين إلى الله الوارثين لصاحب الشريعة بـ « الأنبياء » فلمـّا نزل الدين الجديد والشريعة الجديدة على محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - من عند الله عزّ وجلّ، وجد في هذا الدين اسم « الولي »، إذ اختار اثني عشر رجلاً من أهل بيت محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - وجعلهم الوارثين له، المقرّبين إلى نفسه، واختصهم بولايته، فهم النوّاب - من عند الله - لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، الوارثون له، وهؤلاء الاثنا عشر هم الذين ورد فيهم الحديث: العلماء ورثة الأنبياء، والحديث: علماء اُمتي كأنبياء بني إسرائيل.

وإنّ آخر الأولياء - وهو آخر النوّاب - هو الولي والنائب الثاني عشر، وهو خاتم الأولياء، واسمه: المهدي، صاحب الزمان.

__________________

(١). عزيز الدين محمّد النّسفي، من أعلام الصّوفية، له في ذلك مصنّفات، توفي سنة ٦٨٦. هدية العارفين ١ / ٥٨٠.

٣٠٦

قال الشيخ: والأولياء في العالم لا يزيدون على اثني عشر، وأمّا الثلاثمائة والخمسون، الذين هم رجال الغيب، فلا يسمّون بالأولياء، وإنّما هم الأبدال »(١) .

فهذا رأي شيخ شيوخ القوم، الذي نقله النّسفي وهو من كبارهم، فدونكها من حجة حاسمة لشكوك أرباب الغواية، مبيّنة لكون « الولي » دليلاً على « الإمامة » في حديث الولاية!

(١٨)

تبادر « المتصرّف في الأمر » من « الولي » عند الإطلاق

فإنّ المنسبق إلى الأذهان من لفظ « الولي » عند الإطلاق هو معنى « المتصرّف في الأمر » فكيف لو ضمّ إليه كلمة « بعدي »؟

فلو غض النظر عن جميع الأدلة السابقة لكفى هذا التبادر وجهاً تامّاً للإستدلال، ودليلاً قاطعاً للشبهة.

وإنّ لنا على هذا الذي ذكرناه شواهد في كلمات كبار العلماء المعتمدين، ومن ذلك ما جاء في ( الروضة النديّة ) بعد حديث الثقلين المشتمل لفظه على حديث الغدير:

« وتكلّم الفقيه حميد(٢) على معانيه وأطال، ولننقل بعض ذلك:

__________________

(١). ينابيع المودّة: ٤٧٥.

(٢). حميد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبدالواحد المحلّي، النهمي، الوادعي، الهمداني. متكلّم، من شيوخ الزيدية، من تصانيفه: العمدة، في مجلدين، العقد الفريد.=

٣٠٧

قال -رحمه‌الله - منها: فضل العترةعليهم‌السلام ، ووجوب رعاية حقّهم، حيث جعلهم أحد الثقلين اللّذين يسأل عنهما، وأخبر بأنّه سأل لهم اللطيف الخبير وقال: فأعطاني، يعني: استجاب لدعاه فيهم.

... ومنها قوله: - صلّى الله عليه وسلّم -: من كنت وليّه فهذا وليّه. الولي: المالك المتصرف، بالسبق إلى الفهم، وإنْ استعمل في غيره، ولهذا قال: السلطان وليّ من لا وليّ له. يريد: ملك التصرف في عقد النكاح، يعني: إنّ الإمام له الولاية فيه حيث لا عصبة ».

(١٩)

وجوب حمل اللفظ المشترك على جميع معانيه حيث لا قرينة

عند الشافعي وجماعة

فلقد ذهب الشافعي(١) وأبو بكر الباقلاني(٢) وجماعة من أعلام الاُصوليين عند القوم إلى: وجوب حمل اللفظ المشترك عند فقد المخصّص على جميع معانيه، فلو فرضنا عدم الدليل على ما نذهب إليه في المراد من حديث الولاية، لكفى هذا المبنى الاُصولي في الاستدلال بالحديث على إمامة أمير

__________________

= الحسام الوسيط، عقيدة الآل. الحدائق الوردية. وفاته سنة: ٦٥٢. معجم المؤلفين ١ / ٦٥٨.

(١). محمد بن إدريس، إمام الشّافعيّة، توفي سنة ٢٠٤، من مصادر ترجمته: حليةالأولياء ٩ / ٦٣، تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٤٤، وفيات الأعيان ٤ / ١٦٣، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٥، صفة الصفوة ٢ / ٩٥.

(٢). محمّد بن الطيّب، المتكلّم الكبير، الاُصولي الشهير المتوفى سنة ٤٠٣. من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد ٥ / ٣٧٩، وفيات الأعيان ٤ / ٢٦٩، سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٩٠.

٣٠٨

المؤمنينعليه‌السلام ، إذ لا ريب في أنّ من جملة المعاني هو: المتصرّف في الأمر، فيثبت له هذا المعنى، وسائر معاني لفظ « الولي » له، ولا ضير فيه.

وأمّا أن ما ذكر هو مذهب الشّافعي والباقلاني وأتباعهما، فصريح الكتب الاُصولية، قال العبري(١) في ( شرح المنهاج ).

« نقل عن الشافعي -رضي‌الله‌عنه - والقاضي أبي بكر -رحمه‌الله - وجوب حمل المشترك على جميع معانيه حيث لا قرينة معه تدل على تعيين المراد منه، لأنّ حمله على جميع معانيه غير ممنوع لما ذكرناه، فيجب أن يحمل، إذ لو لم حمل عليه فإمّا أنْ لا يحمل على شيء من معانيه، وذلك إهمال اللّفظ بالكليّة، وهو ظاهر البطلان، أو يحمل على بعض معانيه دون بعض، وذلك ترجيح بلا مرجّح، لاستواء الوضع بالنسبة إليها وعدم القرينة المعيّنة للبعض، وهو أيضاً محال »(٢) .

وقال الفخر الرازي في كتاب ( مناقب الشافعي ):

« المسألة الرابعة: عابوا عليه قوله: اللفظ المشترك محمول على جميع معانيه عند عدم المخصّص. قالوا: والدليل على أنّه غير جائز: إنّ الواضع وضعه لأحد المعنيين فقط، فاستعماله فيها معاً يكون مخالفةً للّغة.

وأقول: إن كثيراً من الاُصوليّين المحققين وافقوه عليه، كالقاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي عبدالجبّار بن أحمد. ووجه قوله فيه ظاهر وهو: إنّه لـمّا

__________________

(١). عبدالله بن محمّد العبري الفرغاني المتوفى سنة ٧٤٣، فقيه، اُصولي، متكلّم. البدر الطالع ١ / ٤١١، الدرر الكامنة ٢ / ٤٣٣.

(٢). شرح المنهاج في الاصول - مخطوط.

٣٠٩

تعذّر التعطيل والترجيح لم يبق إلّا الجمع. وإنّما قلنا: إنّه تعذّر التعطيل، لأنّه تعالى إنّما ذكره للبيان والفائدة، والقول بالتعطيل إخراج له عن كونه بياناً وفائدة. وإنّما قلنا: إنّه تعذّر الترجيح، لأنّه يقتضي ترجيح الممكن من غير مرجّح وهو محال. ولـمّا بطل القسمان لم يبق إلّا الجمع، وهذا وجه قوي حسن في المسألة وإنْ كنا لا نقول به ».

وقال محمد الأمير في ( الروضة الندية ) بعد الكلام المنقول عنه سابقاً، نقلاً عن الفقيه الحميد:

« ثم لو سلّمنا احتمال « الولي » لغير ما ذكرنا على حدّه، فهو كذلك يجب حمله على الجميع، بناءً على أنَّ كلّ لفظةٍ احتملت معنيين بطريقة الحقيقة فإنّه يجب حملها على الجميع، إذ لم يدل دليل على التخصيص ».

(٢٠)

ابن حجر: « من كنت وليّه » أي: المتصرّف في الأُمور

وهذا نصّ كلامه:

« على أنّ كون « المولى » بمعنى « الإمام » لم يعهد لغةً ولا شرعاً، أمّا الثاني فواضح، وأمّا الأوّل: فلأنَّ أحداً من أئمة العربيّة لم يذكر أن « مفعلاً » يأتي بمعنى « أفعل ». وقوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي: مقرّكم أو ناصرتكم مبالغةٌ في نفي النصرة، كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له. وأيضاً: فالإستعمال يمنع من أنّ « مفعلاً » بمعنى « أفعل » إذْ يقال: هو أولى من كذا، دون: مولى من كذا. وأولى الرجلين، دون: مولاهما.

٣١٠

وحينئذٍ، فإنّما جعلنا من معانيه: المتصرف في الامور، نظراً للرواية الآتية: من كنت وليّه »(١) .

أقول:

فابن حجر يرى أنّ لفظ « الولي » في الحديث: « من كنت وليّه فعلي وليّه » بمعنى « المتصرّف في الاُمور »، وعليه يكون المراد منه في الحديث « وليّكم بعدي » هو « المتصرف في الاُمور » كذلك، حتى لا يلزم الافتراق واختلال الاتّساق المستبشع في المذاق، الذي لا يلتزمه إلّامن ليس له من الفهم والحدس الصائب خلاق.

ولا يخفى أنّ هذا كافٍ في الإستدلال به على المطلوب.

(٢١)

حديث بريدة بلفظ : « من كنت وليّه فعلي وليّه »

وفي بعض طرق حديث بريدة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « من كنت وليّه فعلي وليّه »، وأخرجه غير واحدٍ من الأئمة الأعلام:

* أخرج أحمد: « ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: من كنت وليّه فعلي وليّه »(٢) .

__________________

(١). الصواعق المحرقة: ٦٥.

(٢). مسند أحمد ٥ / ٣٦١.

٣١١

* وأخرج: « حدّثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: بعثنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية، قال: لـمّا قدمنا قال: كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ قال: فإمّا شكوته أو شكاه غيري قال: فرفعت رأسي - وكنت رجلاً مكباباً - قال: فإذا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد احمرّ وجهه قال: وهو يقول: من كنت وليّه فعلي وليّه »(١) .

وأخرج: « ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، إنّه مرّ على مجلسٍ وهم يتناولون من علي، فوقف فقال: إنّه قد كان في نفسي على علي شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية عليها علي، وأصبنا سبياً، قال: فأخذ علي جاريةً من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك. قال: فلمـّا قدمنا على النبي - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية عليها علي، وأصبنا سبياً، قال: فأخذ علي جاريةً من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك. قال: فلمـّا قدمنا على النبي - صلّى الله عليه وسلّم - جعلت اُحدّثه بما كان، ثم قلت: إنَّ علياً أخذ جاريةً من الخمس، قال: وكنت رجلاً مكباباً، قال: فرفعت رأسي فإذا وجه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قد تغيّر فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه »(٢) .

* وأخرج النَسائي: « أخبرنا أبو كريب محمّد بن العلاء الكوفي قال: حدّثنا أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: بعثنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية، واستعمل علينا علياً، فلمـّا رجعنا سألنا كيف رأيتم صحبة صاحبكم، فإمّا شكوته أنا وإمّا شكاه غيري، فرفعت رأسي - وكنت رجلاً مكباباً - فإذا وجه رسول الله - صلّى الله

__________________

(١). مسند أحمد ٥ / ٣٥٠.

(٢). مسند أحمد ٥ / ٣٥٨.

٣١٢

عليه وسلّم - قد احمرّ فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه »(١) .

* وأخرج: « أخبرنا محمّد بن المثنّى قال حدثنا يحيى بن حماد قال أخبرنا أبو عوانة عن سليمان قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال: لـمّا رجع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - من حجّة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترفا حتى يردا عليَّ الحوض. ثم قال:

إنّ الله مولاي، فأنا ولي كلّ مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه.

فقلت لزيد: سمعته من رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -؟

قال: ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه باُذنه »(٢) .

* وأخرج الحاكم: « حدّثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي - ببغداد - ثنا أبو قلابة عبدالملك بن محمّد الرقاشي، حدّثنا يحيى بن حماد.

وحدّثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، وأبو بكر أحمد بن جعفر البزاز، قالا: ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا يحيى بن حماد.

وثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه - ببخارى - ثنا صالح بن محمّد الحافظ البغدادي، ثنا خلف بن سالم المخرّمي، ثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، عن سليمان الأعمش قال: ثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن

__________________

(١). الخصائص: ٧٠.

(٢). الخصائص: ٦٩.

٣١٣

زيد بن أرقم قال: لـمّا رجع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - من حجّة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحاتٍ فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض؛ ثمّ قال:

الله عزّ وجلّ مولاي، وأنا مولى كلّ مؤمنٍ، ثم أخذ بيد علي فقال:

من كنت مولاه فهذا وليّه، اللّهم والِ من والاه.

وذكر الحديث بطوله.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بطوله.

شاهده حديث سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل أيضاً، صحيح على شرطهما »(١) .

* وروى ابن كثير عن سنن النسائي عن محمّد بن المثّنى بإسناده فيه:

« إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمنٍ. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليّه »(٢) .

* ورواه المتّقي الهندي عن ابن جرير الطبري وفيه:

« إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمنٍ. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه، اللّهم والِ من والاه وعاد من عاداه »(٣) .

* وقال العزيزي - شارح الجامع الصغير -: « من كنت وليّه فعلي وليّه،

__________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٩.

(٢). البداية والنهاية ٣ / ٢٠٩.

(٣). كنز العمال ١٣ / ١٠٤ رقم ٣٦٣٤٠.

٣١٤

يدفع عنه ما يكرهه. حم ن ك عن بريدة، وإسناده حسن »(١) .

* وقال محمد صدر العالم الهندي: « أخرج ابن أبي شيبة، والنسائي، وأحمد، وابن حبان، والحاكم، والضياء، عن بريدة. والطبراني عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: من كنت وليّه فعلي وليّه »(٢) .

أقول:

لا ريب في أنّ المراد من « الولي » في « فعلي وليّه » هو نفس المراد منه في « من كنت وليّه »، ولا ريب في أنّه بمعنى « المتصرّف في الاُمور ». قال العزيزي:

« أنا وليُّ المؤمنين. أي: متولّي أُمورهم. وكان - صلّى الله عليه وسلّم يباح له أنْ يزوّج ما شاء من النّساء ممّن يشاء من غيره ومن نفسه، وإنْ لم يأذن كلّ من الولي والمرأة، وأنْ يتولّى الطرفين بلا أذن. حم م ن »(٣) .

ترجمة العزيزي

والعزيزي - شارح الجامع الصغير - إمامٌ عالم محدِّث جليل حافظ، قال العلّامة المحبّي بترجمته: « علي العزيزي البولاقي الشافعي، كان إماماً فقيهاً محدّثاً حافظاً، متقناً ذكيّاً، سريع الحفظ بعيد النسيان، مواظباً على النظر

__________________

(١). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ٢ / ١٨٤.

(٢). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.

(٣). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ١ / ٢١٢.

٣١٥

والتحصيل، كثير التلاوة سريعها، متوادداً متواضعاً، كثير الاشتغال بالعلم ومحبّاً لأهله، خصوصاً أهل الحديث، حسن الخلق والمحاضرة، مشاراً إليه في العلم، شارك النور الشبراملسي في كثيرٍ من شيوخه، وأخذ عنه واستفاد منه، وكان يلازمه في دروسه الأصليّة والفرعيّة، وفنون العربية، وله مؤلفات كثيرة، نقله فيها يزيد على تصرّفه، منها: شرح على الجامع الصغير للسيوطي في مجلَّدات، وحاشية على شرح التحرير للقاضي زكريّا، وحاشية على شرح الغاية لابن القاسم في نحو سبعين كرّاسة، واُخرى على شرحها للخطيب.

وكانت وفاته ببولاق في سنة ١٠١٧٠ وبها دفن »(١) .

(٢٢)

الحديث بلفظ: « الله وليّي وأنا وليُّ المؤمنين ومن كنت وليّه فهذا وليّه »

وقد أخرجه النسائي من طريق الحسين بن حريث ...: « إنّ الله وليّي وأنا ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره »(٢) .

ولا ريب أنّ الله هو « الولي » أي « متولّي أُمور الخلق »، فهذا المعنى هو المراد من ولاية النبي، فكذا ولاية علي

وأمّا أنّ المراد من ولاية الله ما ذكرناه فهو صريحهم في كتب التفسير وغيرها:

__________________

(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ٣ / ٢٠١.

(٢). الخصائص ١٠١.

٣١٦

قال النيسابوري بتفسير آية الكرسي:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) أي: متولّي أُمورهم وكافل مصالحهم، فعيل بمعنى فاعل »(١) .

وقال القاري في ( الحرز الثمين - شرح الحصن الحصين ) بشرح الدعاء: « اللّهم إني أعوذ بك من العجز والكسل اللّهم آت نفسي تقواها أنت وليّها » قال:

« أي المتصرّف فيها ومصلحها ومربّيها، ومولاها، أي: ناصرها وعاصمها. وقال الحفني: عطف تفسيري ».

(٢٣)

قوله لبريدة: « لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي »

فإنّه لـمّا شكى عليّاً عليه الصّلاة والسّلام نهاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وزبره بشدّة، وكذا فعل مع وهب بن حمزة لمـّا انتقصه، وقال: لا تقل هذا

وقد جاء هذا اللفظ في رواية:

سليمان بن أحمد الطبراني.

ومحمّد بن إسحاق بن يحيى بن مندة الأصبهاني.

وأحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني.

وأبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني.

وعلي بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير.

__________________

(١). تفسير النيسابوري ٣ / ٢٢ هامش الطبر ي

٣١٧

ونور الدين الهيثمي.

وجلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي.

وعلي بن حسام الدين المتّقي الهندي.

و إبراهيم بن عبدالله الوصّابي اليمني.

رواية الطبراني:

في ( مجمع الزوائد ): « وعن وهب بن حمزة قال: صحبت عليّاً إلى مكة، فرأيت منه بعض ما أكره. فقلت: لئن رجعت لأشكونّك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلما قدمت لقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: رأيت من علي كذا وكذا، فقال: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي.

رواه الطبراني »(١) .

وفي ( كنز العمّال ): « لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي يعني: عليّاً. طب عن وهب بن حمزة »(٢) .

وفي ( الإكتفاء ): « عن وهب بن حمزة قال: قدم بريدة من اليمن - وكان خرج مع علي بن أي طالب، فرأى منه جفوةً - فأخذ يذكر عليّاً وينتقص من حقّه، فبلغ ذلك رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال له: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي. يعني عليّاً. أخرجه الطّبراني في الكبير »(٣) .

__________________

(١). مجمع الزوائد ٩ / ١٠٩.

(٢). كنز العمال ١١ / ٦١٢ رقم ٣٢٩٦١.

(٣). الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط.

٣١٨

رواية ابن مندة وأبي نعيم:

في ( اُسد الغابة ) قال: « وهب بن حمزة، يعدّ في أهل الكوفة، روى حديثه: يوسف بن صُهيب، عن رُكين، عن وهب بن حمزة قال: صحبت عليّاً -رضي‌الله‌عنه - من المدينة إلى مكّة، فرأيت منه بعض ما أكره، فقلت: لئن رجعت إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لأشكونّه إليه، فلمـّا قدمت لقيت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقلت: رأيت من علي كذا وكذا. فقال: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بعدي. أخرجه ابن مندة وأبو نعيم »(١) .

رواية ابن مردويه:

في كتاب ( الطرائف ): « وفي كتاب المناقب، تأليف أبي بكر أحمد بن موسى ابن مردويه - وهو من رؤساء المخالفين لأهل البيتعليهم‌السلام - هذا الحديث من عدّة طرق. وفي رواية بريدة بزيادة وهي: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لبريدة:

أيه عنك يا بريدة، فقد أكثرت الوقوع في علي، فوالله إنّك لتقع في رجل إنّه أولى الناس بكم بعدي »(٢) .

__________________

(١). أُسد الغابة ٤ / ٦٨١.

(٢). الطرائف في معرفة الطوائف: ٦٦.

٣١٩

تراجم الرواة

ورواة هذا الحديث من أكابر الحفّاظ الأعلام.

أما الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم وابن الأثير، فقد سبقت تراجمهم.

بقي أن نترجم لابن مندة:

قال الذهبي: « ابن مندة. الإمام الحافظ الجوّال، محدّث العصر، أبو عبدالله محمّد ابن الشيخ أبي يعقوب إسحاق ابن الحافظ أبي عبدالله محمّد بن أبي زكريا يحيى بن مندة

ولد أبو عبدالله سنة ٣١٠ وقيل في التي تليها.

سمع أباه، وعم أبيه عبدالرحمن بن يحيى، وأبا علي الحسن بن أبي هريرة، وطائفة باصبهان، ومحمّد بن الحسين القطّان

وعدّه شيوخه الذين سمع وأخذ عنهم ألف وسبعمائة شيخ وما بلغنا أنّ أحداً من هذه الاُمّة سمع ما سمع، ولا جمع ما جمع، وكان ختام الرحّالين وفرد المكثرين، مع الحفظ والمعرفة والصّدق.

حدّث عنه

قال الباطرقاني: نا أبو عبدالله إمام الأئمة في الحديث لقّاه الله روضوانه.

قال شيخنا أبو علي الحافظ: بنو مندة أعلام الحفّاظ في الدنيا قديماً وحديثاً، ألا ترون إلى قريحة أبي عبدالله؟!

وقيل: إنّ أبا نعيم ذكر له ابن مندة فقال: كان جبلاً من الجبال »(١) .

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٣١ - ١٠٣٣.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447