حركة التاريخ عند الإمام علي (عليه السلام)

حركة التاريخ عند الإمام علي (عليه السلام)0%

حركة التاريخ عند الإمام علي (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 181

  • البداية
  • السابق
  • 181 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 31075 / تحميل: 8995
الحجم الحجم الحجم
حركة التاريخ عند الإمام علي (عليه السلام)

حركة التاريخ عند الإمام علي (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

حركة التاريخ عند الإمام علي (ع)

تأليف

الشيخ محمّد مهدي شمس الدين

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

حركة التاريخ عند الإمام علي (ع)

تأليف

الشيخ محمّد مهدي شمس الدين

٤

(أيْ بُنَّي. إنِّي وَإنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهى إلَيَّ مِنْ أُمُوِرِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أوَّلِهِمْ إلَى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِه، وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِه...).

مِنْ وصيَّةِ الإمامِ عليّ (عليه السلام) إلى وَلدِهِ الإمام الحَسنِ (عليه السلام)

٥

كلمة المؤسّسة

والحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، إِلى قيام يوم الدين..

وبعد ..

فإنّه إِذا كان الهدف من دراسة التاريخ هو مجرّد اجترار الأحداث، أو لتكون محض ترف فكري، ونشوة خاوية فإنّ قصارى جهد دراسة كهذه سيكون: هو أنْ يتمطى الفكر في قيوده وأغلاله في بسمة حلم عارضة ثمّ لا يلبث أنْ يعود ليَدفن نفسه تحت ركام من الأحلام في مطاوي الفراغ، والخنوع ثمّ النسيان..

وإنّما تصبح دراسة التاريخ، وفلسفته، وآثاره، ذات قيمة، وفاعليّة، وجدوى.. حينما يُراد لها أنْ تتحوّل، لتكون عبء مسؤوليّة، وبداية حركة، ونبضات حياة..

وبديهي.. أنّه من أجل أنْ تكون كذلك لا بدّ من أنْ تصبح قادرة على أنْ تعكس الواقع التاريخي كما هو، ومِن دون أي زيادة أو نقصان.. وكذلك من دون أي تزوير أو تحرير..

ومعنى ذلك: هو أنّ على هذه الدراسة لكي تكون على مستوى من الدقّة والأمانة.. أنْ تتحرّى أسلوب المحاكمة النزيهة والموضوعيّة للأحداث والوقائع، أو فقل لِمَا يدّعى أنّه منها وأنْ تعتمد الأصوليّة العلميّة الصحيحة في بحوثها، وكذلك في مجال التحليل، والاستنتاج، والتقييم..

وإِذا كنا نعلم: أنّ أَوْثَقَ مَنْ يمكن الاعتماد عليهم في إِعطاء صورة واقعيّة وواضحة عن أيّ حدث كان، وعن علله وأسبابه.. هم أولئك الذين عاصروه وعايشوه، وعاينوه عن قرب ..

٦

فإنّنا نجد: أنّه حتّى هؤلاء.. بل وحتّى كثير من الذين شاركوا في صنع ذلك الحدث لا يستطيعون: أنْ يقدموا صورة واضحة المعالم عن ذلك الحديث المفترض، ولا عن علله وأسبابه، وآثاره ونتائجه.

بل قد نجدهم يعطون تفسيرات مختلفة.. بل وحتّى متباينة أحياناً.. رغم افتراضنا مسبقاً:

أنّهم جميعاً صادقون في رغبتهم بإعطاء الحقيقة، كل الحقيقة في هذا المجال..

وما ذلك.. إِلاّ لأنّ الناس يختلفون في مستويات إِدراكهم ووعيهم، وفي نسبة اطلاعهم على جزئيّات وظروف ذلك الحدث، الأمر الذي يؤثِّر على قدرتهم على فهمه واستيعابه أحياناً، ثمّ على ربطه بغيره، فضلاً عن إدراك علله وأسبابه.. ثمّ آثاره ونتائجه على النحو الأفضل والأتمّ..

كل ذلك.. فيما لو كان الحدث عاديّاً، لا يوجد مَن يهتمّ بالتلاعب فيه، أو بالتعتيم عليه.. فكيف إِذن تكون الحال بالنسبة لتلك الأحداث، التي تشارك في صنعها أيدٍ خفيّة، وتعمل على تزييف التعتيم أو على كثير من الحقائق.. ثمّ على التحوير والتزوير فيها، وفي خصوصيّاتها وملامحها..

وإِذا كانت الأحداث التي دُوّنت ووصلتْ إِلينا أكثرها أو كثير منها ولا سِيَّما أكثرها حساسيّة، وأعظمها أهمِّيَّة هي مِن هذا النوع بالذات.. فإنّنا ندرك: مدى حاجتنا إِلى الناقل الخبير، والناقد البصير في هذا المجال.. كما أنّنا ندرك مدى أهمِّيَّة وتأثير الوسائل التي لا بدّ لنا من الاستفادة منها في الوصول إِلى الحقائق، التي أُريد لسبب أو لآخر إِحاطتها بستار من الكتمان، أو بقاؤها رهن الإبهام والغموض..

وبعد كلّ ما تقدّم.. فإنّنا إِذا كنّا نعلم: أنّنا كلّما قَرُبْنَا من مصدر الوحي والرسالة، والإمامة والعصمة، فإنّنا نكون أبعد عن المغالاة والتجنِّي، وعن الوقوع فريسة للخداع والتضليل؛ لأنّ هذا هو المصدر الوحيد، الذي لا يعتريه خلل في الرؤية للواقع الموضوعي، ولا نقص في إِدراكاته لحقيقة ما يجري، ولا مجال للحيلولة بينه وبين الواقع، واطّلاعه عليه كما هو، ومن دون أي تحوير أو تزوير..

- إِذا كنّا نعلم ذلك - فإنّ النّهل من هذا النمير العذب، والاستقاء من هذا المنبع الصافي، والاعتماد عليه في التعرف على الأحداث والوقائع، وكل ما يرتبط بها أو يعود إِليها، يصبح أكثر أهمِّيَّةً وخطراً، وأعظم بركةً وأثراً..

حتّى إِذا تعذّر علينا التعرّف على نفس الحدث عن هذا الطريق.. فلا أقل من امتلاك الرؤية، ثمّ اعتماد المعايير والأُسس، وبعد ذلك الوسائل والأساليب الصحيحة

٧

التي يرى أهل بيت العصمة، والإمامة، ومعدن الوحي والرسالة، أنّها تنفع في الوصول إلى ذلك الهدف المنشود، في مجال التقييم الصحيح والسليم للأحداث، ومحاكمتها، ثمّ قبولها أو رفضها، إِذا اقتضى الأمر أيّاً من الرفض، أو القبول..

أو على الأقل.. تقلُّ معها احتمالات الخطأ والزَيغ، والوقوع في متاهات التفسيرات، والتكهّنات الخاطئة والناقصة، التي يتعرّض لها الباحثون في التراث بصورة عامّة..

ومؤسّسة نهج البلاغة.. قد وجدت في هذا الكتاب:

(حركة التاريخ عند الإمام علي عليه السلام)

الذي هو من تأليف سماحة العلاّمة الجليل البحّاثة الشيخ محمّد مهدي شمس الدين خطوةً واسعة وموفّقة في هذا الاتّجاه..

ولأجل ذلك.. فقد بادرتْ لتقديمه إلى القرّاء الكرام، على أمل أنْ يجدوا فيه ما ينقع الغُلّة، ويبلّ الصدى..

ونسأل اللّه أنْ ينفع به.. ويجعله خالصاً لوجهه الكريم.. وهو الموفِّق والمسدِّد، وهو المعين والهادي..

مؤسّسة نهج البلاغة

٨

مقدّمة

التاريخ:

هو حركةُ الشيء في محيطه خلال الزمان.

وبعبارةٍ أخرى، التاريخ:

هو عمليةُ التحوّل والتغيّر والانتقال (الصيرورة) من حالةٍ إلى حالة، التي تعتري الشيء أو يُنجزها الشّيء من خلال علاقته بعناصر محيطة عبرَ الزّمان.

وقد كان الشيءُ في النظرة السائدة قديماً يعني الإنسان فقط، ويعني - بصورة محدّدة - الفعاليات الإنسانية: المجتمع والمؤسسات السياسيّة والعسكريّة والاجتماعية والثقافيّة.

لقد كان التاريخ علم حركة الإنسان من خلال محيطه في الزمان، ولكن العصر الحديث شهد تطوّراً في مدلول هذا المصطلح فاتّسع ليشمل كلّ شيء في الطبيعة والحضارة: الأرض، والمعادن، والنباتات، والحيوان، والأفكار، والعلوم.. وغير ذلك إِلى جانب الفعاليات الإنسانيّة، وغدا في وُسْع المؤرِّخ ذي النظرة الشاملة أنْ يدّعي أنّ التاريخ كالفلسفة ذو موضوع شامل لكلّ ما يمكن أنْ يدخل في الوعي البشري.

ولعلّ بعض المؤرِّخين المسلمين العظام كانوا قد انتهوا في تفكيرهم إِلى حافّة هذه النظرة التي تُعطي التاريخ مفهوماً شاملاً يتجاوز الفعالياتِ الإنسانيّة، فنلاحظ أنَّهم أدخلوا في كتاباتهم التاريخيّة معلوماتٍ جغرافيّة أو فلسفيّة، والمسعوديُّ في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر) مثال بارز على ذلك.

ولكن هذه النظرة الشمولية لا تعنينا هنا. إنَّ عِنايتنا موجّهة نحو تاريخ الإنسان. وربّما أمكن ردّ كلّ فروع التاريخ الأخرى - في النظرة الشموليّة الحديثة - إلى تاريخ الإنسان، من حيث إنّها تؤرِّخ لبعض نشاطاته: (تاريخ العلوم، الفنون والآداب، الفلسفة) أو تؤرّخ لبيئته: (النبات، الحيوان، طبقات الأرض) .

٩

وإذن، فالتاريخ:

هو حركة الإنسان في محيطه خلال الزمان، وقد يعالج التاريخ حركةَ الإنسان في مجتمع معيّن أو في إِطار ثقافة معيّنة، وقد يتّسع ليعالج حركة الإنسان على صعيدٍ عالمي.

ولا شكَّ في أن فكرة (العالميّة) لدى المؤرّخين المسلمين قد جاءتْهم من القرآن الكريم، حيث صَوّر حركة الإنسانيّة من خلال عرضه لحركة النُبُوّات في الأمم والشعوب، كما أنّهم استفادوا في تعزيز نظرتهم العالميّة من (علم الأنساب) الذي تحدّر إِليهم من التقليد الجاهلي القديم، ثمّ دخل - كغيره من المعارف العربيّة والإسلاميّة - عصر التّدوين. وليس المهمُّ هنا جانب الصّدق التاريخي في علم الأنساب، وهو أمر مشكوك فيه، وإِنّما المهمّ ما تُعطيه المعرفة النِسْبِيّة من إِدراكٍ لترابط الشعوب والقبائل وعلاقاتها الداخليّة، هذا الإدراكُ الذي يتجاوز بالمؤرِّخ حدود الجغرافيا والقبليّة أو القوميّة ليفتح بصيرته على مدى أرحب.

على هذا المدى الرحب كان الإمامُ عليُّ بنُ أبي طالب (عليه السّلام) يتعامل مع التاريخ، لا كمؤرّخ وإِنّما باعتبارهِ رجل عقيدة ورسالة، ورجل دولة وحاكماً، ولم يكن يستخدم التاريخ كمادّة وَعْظيّة فقط، وإِنّما كان يستهدف أيضاً منه النقد السياسي والتربية السياسية لمجتمعه والتوجيه الحضاري لهذا المجتمع.

ونحاول في هذا الكتاب أنْ نجلوَ نظرةَ الإمامِ عليّ (عليه السّلام) إِلى حركة التاريخ، ونكتشف أساليب تعامله مع التاريخ في حياته العامّة الفكريّة والسياسيّة.

والمصدر الأساس لهذه الدراسات هو كتاب نهج البلاغة، وربّما استعنّا بنصوص أُخرى لم يضمِّنْها الشريفُ الرّضي في كتاب نهج البلاغة:

- للتعرّفِ على مزيد من التفاصيل بالنسبة إِلى نظرة الإمام التاريخيّة.

- أو لإكمال نصوص أوردها الشّريف الرّضي في نهج البلاغة مبتورة.

ونحن نرى أنّ كتاب نهج البلاغة وثيقة عظيمة القيمة في الحضارة الإسلاميّة من الناحية الفكريّة والسياسيّة. ولا ينقضي أسفُنا على أنّ الشريف الرضي رحِمه اللّهُ قد جمع النصوص لغاية جماليّة تحكّمتْ في اختياره فجعلتْه يُؤْثِر النصوص الممتازة من النواحي البلاغيّة الفنِّيّة ويهمل ما عداها، وقد يجزّئ - لهذا السبب - من النصّ بَعْضُه الذي تتوفّر فيه هذه الخاصّة ويهمل سائره، وهذا ما دعاه إِلى أنْ يُعطي كتابه اسماً

١٠

يلخّص الغاية مِن جَمْعه له والمنهاج الذي اتّبعه في عمليّة الجمع، فضاع على الحضارة الإسلاميّة بذلك علم كثير وفكر عظيم.

ولعلّ اللّه تعالى يُقيّض من العلماء والباحثين مَن يتقصّى - في كتب السيرة والتاريخ والحديث والأدب - جميع ما رُوِيَ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ويخضعه لدراسة نقديّة صارمة، تميّز الأصيل فيه من المنحول الموضوع، ويصنّف ما يثبت للنقد منه مع ما ورد في نهج البلاغة للشريف الرضي رحِمه اللّهُ تعالى تصنيفاً علميّاً حسب موضوعات النصوص (في السّياسة، والفكر، والوعظ، والحرب، والفقه، والإلهيات وسائر العقائد... وغير ذلك من الموضوعات) فذلك يجعل نهج البلاغة ومستدركه مصدراً ميسّراً للدراسات العلميّة، عظيم القيمة جليل الفائدة.

وقد قام المرحوم الشيخ هادي كاشف الغطاء بتأليف كتاب (مستدرك نهج البلاغة) ورتّبه على نحو ما رتّب الشريف الرّضي كتاب نهج البلاغة: (الخطب، والكتب، والحكم) ، ولكن هذا العمل دون ما نطمح إِليه لسببين:

الأوّل: ما نُقَدّر من أنّ هذا الكتاب لم يستوعب كلّ ما أهمله الشريف أو شذّ عنه، ولذا فإنّ الحاجة إِلى عمل أكثر شمولاً لا تزال قائمة.

الثاني: ما يبدو لنا من أنّ كاشف الغطاء أثبت في كتابه كلّ ما وجده منسوباً إِلى الإمام، ولم يُخضع النصوص للنّقد، وهذا ما جعله يثبت في كتابه نصوصاً منسوبة إِلى الإمام نُقدِّر أنّها موضوعة.

وهنا نجد من المناسب الإشارة إِلى أنّ اللَغَط الذي أُثير حول صِحَّة نسبة ما جَمَعَهُ السيّد الشريف في نهج البلاغة إِلى الإمام (عليه السّلام) بوجه عام منذ (ابن خلدون) إِلى (زكي مبارك وأحمد أمين) ، من التشكيك في صِحّة النسبة أو الجزم بعدم صِحّة النسبة، هذا اللَغَط الذي أثاره التعصّب في بعض الأحيان والجهل في أحيان كثيرة قد انتهى، أو يجب أنْ ينتهي إِلى التسليم بصحّة النسبة التاريخيّة لِمَا ورد في نهج البلاغة بوجهٍ عام إِلى الإمام (عليه السّلام)، فإنّ الدّراسات والأبحاث التوثيقيّة الّتي عُقدتْ حول نهج البلاغة - منذ شارح نهج البلاغة (عزّ الدين بن أبي الحديد) (586 - 655 هجري) إلى أيّامنا - قدّمت أجوبةً مقنعة على جميع التّساؤلات الّتي أُثيرت، وأَغلقت منافذ الشّك في صحّة نسبة ما اشتمل عليه نهج البلاغة إِلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، بالقدر الّذي يكفي لتصحيح النّسبة التّاريخيّة لأيّ نصّ من نصوص الفكر الإسلامي.

* وهذه الأبحاث والدّراسات على قسمَين:

١١

1- منها ما اتّبع منهاج النّقد الدّاخلي: حيث أُخضعت النّصوص لدراسة تكوين الجُمَل فيها والعلاقات بين جملة وأخرى، وأنواع المفردات والمجازات وما إلى ذلك من مكوّنات النّصّ. وهذا ما صنعه (ابن أبي الحديد) في عِدّة مواضع من شرحه، وبعض مَن تأخّر عنه من الشُّرّاح والباحثين. وهذا النّوع من الأبحاث قليل ومقصور على بعض نصوص النّهج؛ ولذا فإنّ الحاجة ماسّة إلى دراسة شاملة لجميع نصوص نهج البلاغة تتّبع هذا المنهاج.

2- ومنها ما اتّبع منهاج النّقد الخارجي: حيث بُحث عن مصادر متقدّمة في الزّمن على الشّريف الرّضي تضمّنت نصوصاً من نهج البلاغة.

وقد كانت نتائج هذه الدّراسات وتلك في مصلحة صحّة نسبة نهج البلاغة بوجه عام إلى الإمام (عليه السّلام).

ولعلّ آخر دراسة توثيقيّة هامّة وشاملة اتُّبع فيها منهاج النّقد الخارجي هي دراسة الأستاذ السّيد (عبد الزّهراء الخطيب) الّتي نشرها في كتابهِ (مصادر نهج البلاغة وأسانيده - 4 مجلدات / دار الأعلمي للمطبوعات - بيروت) .

ومن المؤكَّد أنّ هذه الدّراسة لن تكون الأخيرة، فإنّ دراسات أخرى ستُضاف إلى ما تمّ إنجازه في هذا الحقل كلّما تنامتْ حركة نشر كتب الفكر الإسلامي، الّتي لا تزال مخطوطة وموزّعة في مكتبات العالَم.

***

بقي عليّ أنْ أشير إلى أنّ هذه الدّراسة عن حركة التّاريخ عند الإمام علي (عليه السّلام) حلقة في سلسلة من الدّراسات في نهج البلاغة سبقها كتابنا (دراسات في نهج البلاغة)،

* وقد اشتمل على أربع دراسات هي: المجتمع والطبقات الاجتماعيّة، الحُكم والحاكم، المغيّبات والوعظ.

وأُضيفت إليها في الطّبعة الثّالثة دراسة خامسة بعنوان: (الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والأكثرية الصامتة) .

***

دراسات في نهج البلاغة:

الطّبعة الأولى - النَّجف العراق - 1956.

الطّبعة الثّانية - بيروت - دار الزّهراء 1392 هجري = 1972م.

الطّبعة الثّالثة. بيروت.

١٢

لقد انتفعتُ بكتاب (الكاشف عن ألفاظ نهج البلاغة في شروحه) لمؤلِّفه: (السيّد جواد المصطفوي الخراساني) . وهو عمل جليل القدر، عظيم الفائدة للباحثين. نأمل أنْ يطوِّره مؤلِّفُه بحيث يكون أكثر شمولاً للشروح في طبعاتها الجديدة المتداولة، وللنّصوص الواردة في مستدركات نهج البلاغة.

والحمد للّه ربّ العالمين

محمّد مهدي شمس الدّين

١٣

التاريخ وحركة التقدّم البشري ونظرة الإسلام

١٤

التّاريخ وحركة التقدّم البشري ونظرة الإسلام

التّاريخ حركة الكائن في الزّمان والمكان.

والكائن جماد، ونبات، وحيوان، وإنسان.

وتاريخ كلّ من الجماد والنّبات والحيوان يسير وفق قوانين ثابتة، وموضوعة خارج هذه العوالِم.

إنّ الجماد لم يضع قوانين حركته، ومِن ثمّ فإنّه لم يضع قوانين تاريخه، وكذلك النّبات والحيوان.

إنّ هذه العوالم الثّلاثة خاضعة في جميع حالات وجودها لمبدأ الضّرورة، ومِن ثمّ فتاريخها من جميع وجوهه خاضع لمبدأ الضّرورة، إنّه حصيلة حركتها الضّروريّة في الزّمان والمكان، ومن ثمّ فـ (الخطأ) غير وارد في تاريخ هذه العوالم، إنّها لا تصنع تاريخها؛ ولذا فهي لا تقع في أخطاء العمل.

* أمّا تاريخ الإنسان فشيء آخر:

إنّ الإنسان يتعامل مع الكون على أساس مبدأ الاختيار؛ لأنّه كائن حرّ لا يخضع لمبدأ الضّرورة إِلاّ في نطاق العمليّات البيولوجيّة في جسمه، ومن ثمّ فإنّه يشارك في وضع قوانين حركته في الزّمان والمكان، فإنّ الإنسان يُكيّف نفسه لتنسجم مع الطّبيعة حين يعجز عن تكيّف الطّبيعة لتنسجم معه.

والإنسان يحب ويبغض، ويأمل وييأس، ويتألّم ويحلم، والإنسان يخاف...

١٥

يخاف من المجهول، ويخاف من المستقبل... والإنسان، قبل كلّ شيء وبعد كلّ شيء، يفكّر: يحلّل المواقف والمشكلات الّتي تواجهه، ويركّبها، ويوازن بين احتمالاتها، ويرجّح ويختار، ويتحرّك وفقاً لاختياره، فهو إذن يستجيب في حركته لعالمه الخارجي ولعالمه الدّاخلي من موقع الاختيار باعتباره كائناً حرّاً لا من موقع الضّرورة.

ومن هنا فإنّ الخطأ في التّحليل والتّركيب والاختيار، والرّجوع إِلى الوراء في حركته، وما يؤدّي إِليه ذلك من خيبات الأمل في خططه ومشاريعه - أمور حدثتْ للإنسان دائماً في حركته التاريخيّة.

ولذا فإنّ تاريخ الإنسان كما هو سجل مشرق ومشرّف لانتصاراته وإِنجازاته في الطبيعة والمجتمع، هو كذلك سجل كئيب حافل بأخطائه، وانتكاسات حركته نحو المستقبل، وخيبات أمله.

***

* ومِن أسوأ ما يمكن أنْ يقع فيه الإنسان من أخطاء:

- حسبانه في كثير من الحالات أنّه كان دائماً على صواب.

- وأنّ تاريخه يمثّل خطّاً صاعداً باستمرار.

- وأنّ حركته نحو المستقبل - لذلك - تقدُّميّة دائماً، خَيِّرة دائماً، صائبة دائماً، لا يتخلّلها خطأ ولا انحراف.

ومثل ذلك في السوء:

- حسبانه أنّ كلّ ماضيه خطأ وتخلّف.

- ومِن ثمّ فهذا الماضي لا يستحقّ منه الالتفات والمراجعة.

- وأنّه اهتدى إِلى النّظرة الصّائبة في حاضره.

- وأنّه في حركته نحو المستقبل حليف الصّواب والتّوفيق باستمرار.

إِنّ هذا الحسبان وذلك يحملان الإنسان على ارتكاب مزيد من الأخطاء، والوقوع في كثير من المآسي وخيبات الأمل.

ذلك بأنّ الإنسان حين يخال حركة التّاريخ دائماً على صواب، فإنّه يلغي جميع المؤثّرات الإنسانيّة، ويسلّم نفسه لحركة التّاريخ الإنساني كما لو كان هذا التّاريخ خاضعاً لمنطق الضّرورة كتاريخ الجماد والنّبات والحيوان. ومِن ثمّ فإنّه يرتكب الأخطاء الكبرى وهو يحسب أنّه على صواب، ويصحِّح أخطاءه بأخطاء أخرى

١٦

تسبّب للإنسانيّة مزيداً من التخلّف على كلّ صعيد، ومزيداً من المآسي الفرديّة والجماعيّة.

وكذلك الحال حين يحكم الإنسان على ماضيه:

- بأنّه مجموعة أخطاء قاد أسلافَه إِليها الجهلُ وسوء الفهم وسوء التّوجيه.

- ولذا فلا شيء من هذا الماضي يصلح للحاضر وللمستقبل.

- وأنّه كان ضالاًّ فاهتدى.

- وأنّه امتلك الحقيقة التّاريخيّة وكانت ضائعة منه بسبب هذا الّذي غلّه وشلّ قواه.

إِن الإنسان باتخاذه لهذا الموقف يحكم على جميع تجارب الماضي بالفشل والبطلان، وهو حكم لا شكّ في أنّه جائر عن قصد السّبيل؛ لأنّ الحقيقة هي أنّ في تجارب هذا الماضي الكثير الكثير من الصّواب الّذي تكبّدتْ الإنسانيّة أنواعاً شتّى من الآلام والتّضحيات، وتحمّلت كثيراً من المصاعب في سبيل الوصول إِليه والاهتداء إِلى معالمه.

كِلا هذَين الموقفَين يؤدّي بالإنسان إِلى أنْ ينظر إِلى نفسه وعقله في حاضره و مؤسّساته السياسيّة وغيرها وسائر نظمه بثقة مطلقة لا مبرّر لها.

ولْنَقُل: إِنّه في هذه الحالة الّتي يرفض فيها جميع الماضي، أو في تلك الحالة الّتي يخال فيها حركة التّاريخ دائماً على صواب ينظر إِلى نفسه وموقفه بغرور أجوف، ولعلّ هؤلاء وأُولئك ممّن عناهم اللّهُ تعالى بقوله:

( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِاْلْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولئِكَ الّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً ) (1) .

إنّ هذا الغرور الأجوف، وتلك الثّقة المطلقة الّتي لا مبرّر لها تؤدّيان بالإنسان إلى الوقوع في أخطاء كبرى، تعرض المجتمعات بل وجانباً كبيراً من الإنسانيّة لكوارث عظمى ومتنوّعة لم يعرف لها التّاريخ مثيلاً.

____________________

1 - سورة الكهف: (رقم 18 / مكِّيّة) الآيات: 103 - 106.

والآيات تومئ إِلى النّظرة الّتي تعتبر حركة التّاريخ خاضعة للاعتبارات المادّيّة وحدها، والنّظرة الّتي تقيس التّقّدَم البشري بالمقياس المادّي وحده.

١٧

وهذا ما وقع فيه إنسان الحضارة الحديثة، والويل له ممّا صنعتْ يداه في المقبلات من الأيّام.

***

وقد ولّدت هاتان النّظرتان المتطرِّفتان إلى التّاريخ وإلى المستقبل مفهوماً للتّقدّم البشري غير متكامل، ومِن ثمّ دَفَعَ بالإنسان إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء الكبرى في شأن نفسه وفي شأن عالَمِه.

لقد اعتبر التّقدّم في الحضارة الحديثة بالمقياس المادّي وحده، فيقاس التّقدّم في أيّ مجتمع وفي ظل أيّ نظام سياسي بحجم الإنتاج والاستهلاك بالنّسبة إلى أشياء الحياة المادّية:

- الطّعام.

- والملابس والمساكن وأدوات الزّينة.

- ووسائل النّقل والطّاقة والطّرق.

- ووسائل اللّهو ووسائل تيسير الحياة اليوميّة المنزليّة وغيرها.

- والمصانع والأسلحة.

- وما إلى ذلك من أشياء، يُضاف إلى ذلك المؤسّسات الحكوميّة والأهليّة الّتي تنظّم كلّ هذه العمليّات..

ولا يقيم هذا المفهوم عن التّقدّم البشري وزناً لوضعيّة الإنسان الأخلاقيّة وللقِيَم الّتي ينبغي أنْ توجّه سلوكه مع الطّبيعة المادّية، والعالَم، والمجتمع والأسرة.

وهذا المفهوم هو الدّليل الّذي يوجّه أفكار وخطط وعمليّات المؤسّسات الوطنيّة والدّوليّة المعنيّة بقضايا التّنمية، فالوكالات المتخصّصة للأمم المتّحدة، والجامعات، ومراكز الأبحاث الّدوليّة والوطنيّة تَعتبر حركة التقدّم والنموّ بهذا المقياس.

وكانت عاقبة ذلك تقدّماً مذهلاً في مجال المادّيات... تقدّماً تجاوز أكثر الأحلام جموحاً في بداية النّهضة الصّناعيّة الحديثة. ولكنّه تقدّمٌ ترافق مع تأخّر مأساوي في مجال المعنويّات، بدأت بعض البصائر المستقبليّة في العالم الغربي و(الشرقي؟؟) تكتشفه وتعي خطورته، وتحذِّر من عواقبه الوخيمة.

* وعلى ضوء هذا المفهوم للتّقدّم قُسِّم الجنس البشري في الخمسينات من هذا القرن الميلادي إلى عوالم ثلاثة:

العالَم الأوّل: (أمريكا الشّماليّة، وأوربّا الغربيّة، واليابان) بلغ أعلى مستوى

١٨

عرفه الإنسانُ في التّقدّم المادّي والتّنظيم.

العالَم الثّاني: (الإتّحاد السّوفياتي، وأوربّا الشّرقيّة، والصّين - أخيراً -) يلي العالم الأوّل في الرّتبة من هذه الحيثيّة ويجهد لِلّحاق به في شتّى الميادين.

العالَم الثّالث: (آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينيّة)، ويسمّى هذا القسم من البشريّة: (العالم المتخلّف أو العالم النّامي) .

وهكذا يحمل العالَم الثالث وصمة التخلّف وفقاً لهذا المفهوم، وفقاً لمقاييس التّقدّم المبنية على هذا المفهوم - هذه المقاييس الّتي فرضها فكر الحضارة الحديثة وسطوتها، اندفعت شعوب (آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينيّة) في تيّار هذه النّظرة إلى معنى التّقدّم البشري لتحقّق لنفسها اللّحاق بالعالَم الأوّل الّذي يحول بينها وبين ذلك، مستغلاً تفوّقه الهائل وضعفها الكبير في نهب ثرواتها وبلبلة حياتها السّياسيّة، ولكنّها في سبيل التخلّص من وصمة التخلّف العالِقَة بها، وفقاً لهذا المفهوم تمضي قدماً في ما تحسب أنّه يضعها على طريق التّقدّم، مضحِّيةً في سبيل ذلك بالكثير من قيمها وأخلاقها، متخلّيةً عن أصالتها، طامحةً إلى أنْ يكون إنسانُها نسخةً دقيقةً من إنسان العالَم الأوّل.

***

ولكنّ هذا المفهوم عن التّقدّم البشري ناقص ومبتور؛ لأنّه يمثّل جانباً واحداً من الوضعيّة الإنسانيّة، وقد كان من أكبر الأخطاء الفكريّة الّتي وقع فيها إنسان الحضارة الحديثة نتيجةً لخطأ نظرته إلى التاريخ وإلى المستقبل، فإنّ الوضعيّة الأخلاقيّة للإنسان ذات صلة وثيقة وأساسيّة بكونه متقدّماً أو متخلّفاً. وهذه حقيقة وَجدتْ سبيلها أخيراً إلى الإدراك في داخل الحضارة الحديثة، وهذا على الرّغم من أنّه لا يزال في نطاق ضيّقٍ نسبيّاً، باعث على الأمل.

لقد بدأت ترتفع - هنا وهناك - داخل الحضارة الحديثة أصوات بعض ذوي العقول النيّرة والبصائر النّافذة، من النخبة في العالم الغربي من علماء وشعراء ومفكّرين، محذِّرةً من ا لانسياق وراء هذه النظرة الخاطئة، محذّرةً من عواقبها المُهلِكة، داعيةً إلى

١٩

اعتماد نظرة أخرى تُقيم التّوازن في السّعي نحو التّقدّم، بين حاجات الإنسان الرّوحية ووضعيّته الأخلاقيّة من جهة، وبين حاجاته وطموحاته المادّية من جهة أخرى، مُنْذِرِين بأنّ استمرار الحضارة في مادّيتها الخالصة سيؤدّي إلى خرابها ودمار الإنسانيّة أو جانب كبير منها.

إنّ نظرة هؤلاء المستقبَلِيِّين من ذوي العقول النّيّرة في العالم الغربي (والشّرقي؟) قريبة من نظرة الإسلام إلى مسألة التقدّم والتخلّف، مع تأكيدنا على وجود اختلافات جمّة تعود إلى تفاصيل النّظرة وإلى الوسائل والأساليب.

فالإسلام - ممثَّلاً بالقرآن الكريم، والسّنّة الشّريفة، والفقه - إذ يدفع بالإنسان نحو المستقبل الأفضل من حاضره وماضيه، يركّز على أنّ هذه الأفضليّة تقوم على مقياس مركّب، يعطي لكلّ واحد من المادّة والمعنى دوراً حاسماً وأساساً في إنجاز التّقدّم المتكامل المعافي، فلا بدّ أنْ تُحقِّق حركة الإنسان في الزّمان والمكان تقدّماً وتكاملاً على صعيد المادّة، وعلى صعيد الوضعيّة الأخلاقيّة والصّفات الإنسانيّة؛ لتكون حركته تقدّميّة.

قالَ اللّهُ تعالى:

( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللّهُ الدَّار الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللّهُ إلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفسِدِينَ ) (1) .

وقالَ تعالى:

( يَا بَنِي آدَم خُذُواْ زيِنَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفينْ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللّهِ الَّتي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيّبَاتِ مِنَ الرّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يِعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ والْبَغْيَ بِغَيْرِ الحقِ وَأَنْ تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُواْ عَلَىَ اللّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) (2) .

____________________

1 - سورة القَصص: (رقم 28 / مكِّيّة) الآية: 77 .

2 - سورة الأعراف: (رقم 7 / مكِّيّة) الآيات: 31 - 33.

٢٠