الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 418
المشاهدات: 93149
تحميل: 6417


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93149 / تحميل: 6417
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لعبت هاشم بالملك فلا

خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزلْ

هذا هو المروق من الدين، وقول من لا يرجع إلى الله وإلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله، ولا يؤمن بالله ولا بما جآء من عند الله، ثمَّ من أغلط ما انتهك، و أعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع موقعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل وشهادة رسول الله له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنَّة إجتراءً على الله، وكفراً بدينه، وعداوةً لرسوله ومجاهدةً لعترته، وإستهانةً بحرمته، فكأنَّما يقتل به وبأهل بيته قوماً من كفّار أهل الترك والديلم، لا يخاف من الله نقمةً، ولا يرقب منه سطوةً، فبتر الله عمره؛ واجتثَّ أصله وفرعه، وسلبه ما تحت يده، وأعدَّ له من عذابه وعقوبته ما استحقَّه بمعصيته. إلخ.

راجع تأريخ الطبري ١١ ص ٣٥٨

وقبل هذه كلّها ما مرَّ ص ٢٥٧ من قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من أنّ أوَّل من يُبدِّل سنَّته رجلٌ من بني أُميَّة، ولا يزال الأمر معتدلاً قائماً بالقسط حتّى يثلمه رجلٌ من بني أُميَّة يُقال له: يزيد.

وإلى مثل هذه كان يرمي كلُّ من ينقم بيعة يزيد، فخلافة مثله وهو على هذه الحالة خطرٌ عظيمٌ على الدين والمسلمين من شتّى النواحي:

١ - فقومٌ تتضعضع ضمايرهم عن الدين لِما تمركز في الأدمغة من أنّ الخليفة يجب أن يكون مسانخاً لمن يتخلّف عنه، والناشئة الذين لم يدركوا عصر النبوَّة و لم يكهربهم التعاليم الصحيحة في العصور المظلمة، تُخالجهم هذه الشبهة بأسرع ما يكون، فيحسبون أنَّ قداسة النبيِّ الأعظم كانت ملوَّثة (العياذ بالله) بأمثال هذه الأدناس من دون علم بأنَّ الرَّجل خليفة أبيه لا خليفة رسول الله، وإنَّما سنَّمه ذلك العرش المطامع والشره من جانب، والتخويف والإرهاب من جانب.

٢ - قومٌ يروقهم اقتصاص أثر الخليفة في تهتّكه لميل النفوس إلى الإستهتار ورفض القيود تارة، ومن جهة حبِّ التشبّه بالعظماء والساسة طوراً، (والناس على دين مليكهم) والناس إذا استهوتهم الشهوات لا يقفون على حدّ، فتكثر فيهم الموبقات، وتشيع الفواحش، فمن فجورٍ إلى مثله، ومن فاحشةٍ إلى أُخرى، فلا يمرُّ يسيرٌ من

٢٦١

الزَّمن إلّا ومملكة الإسلام مبائةٌ للمنكرات، ومستوىً للفواحش، حتى لا تبقى من نواميس الدين عينٌ ولا أثرٌ.

٣ - وهناك أقوامٌ ينكرون هذه المظاهر وقد أفلتت من أيديهم المظاهر الدينيّة، فهم بين حائر لا يدري اين يولّي وجهه وممَّن يأخذ معالم دينه، وبين مَن تتسرَّب إليه الشبه خلال هاتيك الظلمات الدامسة، فلا يُشعر حتّى يرى نفسه في هلكة الجاهليَّة الأولى.

٤ - إذا سادت الخلاعة بين أيِّ أُمَّة من ملوكها وسوقتها وأُمرائها وزعمائها فهي بطبع الحال تلتهي عن الشئون الإجتماعيَّة والإداريَّة ودحض الفوضى، ومقاومة القلاقل الداخليَّة، فهنالك يسود فيها الضعف إختلال نظامها، فتنبو عن الدفاع عن ثغورها واستقلالها، فتطمع فيها الأجانب، وتكثر عليها الهجمات، فلا يمرُّ عليها ردحٌ قصيرٌ من الزمن إلّا وهو فريسة الضاري، وأُكلة الجشع، وطعمة كلِّ مخالف.

٥ - إنَّ نواميس الإسلام كانت بطبع الحال تبلغ إلى أُمم نائية عن مملكته فيروقها جمالها البهيج، وحكمتها البالغة، وموافقتها العقل والمنطق، وأعمال رجالها المخلصين، فيكون فيهم من يتأثَّر بجاذبتها، أو يكون على وشك من اعتناقها، ولا أقلَّ من الحبّ الممتزج لنفسيّاتهم، لكن بينما القوم على هذه الحالة إذا تعاقب تلك الأنباء ما يُضادّها من عادات هذا الدور الجديد الحالك، وأخبارها الموحشة تحت راية تلك الخلافة الجائرة، وبلغهم أنَّ هاتيك التعاليم الوضيئة قد هجرت، والمطَّرد في مملكة الإسلام غيرها بشهوةٍ من الخليفة، وانهماكٍ من القوّاد. وتهالكٍ من الزَّعامة، وتفانٍ من السوقة، فسرعان ما تعود تلك السمعة مشوَّهة، ويعود ذلك الحبّ بغضاً من غير تمييز بين الأصيل والدخيل من الأعمال، فتكون الحالة معثرة في سبيل سير الإسلام وتسرّيه إلى الأجانب.

٦ - أضف إلى هذه كلّها ما كان يظهر من فلتات ألسنة الأمويِّين، ويُرى في فجوات أعمالهم من نواياهم السيِّئة على الدين والمسلمين، وقد علمنا من ذلك أنَّهم لم يقلعهم عن دينهم الوثنيِّ الأوَّل إلّا خشية السيف، والطمع في الزَّعامة، فأقلّ شيء ينتظر منهم على ذلك عدم إهتمامهم بنشر معالم الدين إن لم يردَّ الأُمَّة عن سيرها الدينيِّ

٢٦٢

القهقرى، فتبقى مرتطمة بين هذه وبين تهالكها في الفجور وسيِّئ الخلق، فتعود دولةً قيصريَّةً ومملكةً جاهليَّةً.

ثمَّ إنَّ نفس الخليفة إذا شاهد من استحوذ عليهم من الأُمم على هذه الأحوال، و علم أنَّه قد ملك الرقاب ولا منكر عليه من بينهم على مأثم يرتكبها أو سيِّئات يجترحها فإنَّه بالطبع يتوغَّل في غلوائه، ويزداد في انهماكه، ويشتدُّ في التفرعن والإستعباد.

فأيّ خطرٍ (أيّها الخضري) أعظم على المجتمع الدينيِّ من هذه الأحوال؟! وأيّ مصلحة أعظم من اكتساح هذه المعرَّة؟ تدفع كلّ دينيّ غيور إلى النهوض في وجه هذه السلطة القاسية، وأيّ (عسف شديد ينوء الناس بحمله) أو (جور ظاهر لا يحتمل) أشدّ ممّا ذكرنا؟! الذي يترك كلّ متديِّن أن يرى من واجبه الإنكار عليه، والنهضة تجاهه ولو بمفرده، وإن علم أنّه مقتولٌ لا محالة، فإنّه وإن يُقتل في يومه لكن حياته الأبديَّة في سبيل الدين والشريعة لا تزال مُضعضعةً لأركان الدولة الظالمة، وهو فيها يتلو على الملأ صحيفة صاحبها السوداء، وإنّه كان مغتصباً ذلك العرش المقدَّس، و إنَّه إنَّما وئد هذا الإنسان دون إنكاره على جرائمه، ويتَّخذ الملأ الواقف على حديثه درساً راقياً من التضحية، والمفادات دون المبدء الصحيح، فيقتصّون أثره، ويحصل هناك قومٌ يرقّون لهذا المضحّي فينهضون لثاراته؛ وفي الأُمَّة بقيَّةٌ ساخطةٌ لمآثم المتغلّب، وفتكه بالمنكر عليه، فتلتقي الروحان: الثائرة والساخطة، فتنهك هذه قوى الدولة الغاشمة، وتتثَّبط الأُخرى عن مناصرتها، فيكون هناك بوار الظلم، وظهور الصالح العام.

وهكذا أثَّرتِ نهضة الحسين المقدَّسة حتّى أجهزت على دولة الأمويين أيّام حمارهم، وهكذا علّمت الأُمَّة دروسها الراقية، لكنَّ «الخضريُّ» ومن يلفُّ لفَّه قد أعشى الجهل أبصارهم بصائرهم.

لم يكن حسين التضحية يُريد ملكاً عضوضاً حتّى كان خروجه قبل الأُهبة خطأً عظيماً كما يحسبه «الخضريُّ» فيقول بملأ فمه: فحيل بينه وبين ما يشتهي وقُتل دونه..

وإنَّما أراد الفادي الكريم والمجاهد الظافر التضحية في سبيل الدين، ليُعلم الأُمَّة

٢٦٣

بفظاظة الأمويِّين، وقسوة سياستهم، وابتعادهم عن الناموس البشريِّ فضلاً عن الناموس الدينيِّ، وتوغّلهم في الغلظة الجاهليَّة وعادات الكفر الدفين، ليعلم الملأ الدينيُّ أنَّهم كيف لم يوقروا كبيراً ولم يرحموا صغيراً، ولم يرقّوا على رضيع؛ ولم يعطفوا على إمرأة، فقدَّم إلى ساحات المفادات أغصان الرِّسالة، وأوراد النبوَّة، و أنوار الخلافة، ولم تبق جوهرة من هاتيك الجواهر الفردة، فلم يعتم هو ولا هؤلاء، إلّا وهم ضحايا في سبيل تلك الطلبة الكريمة.

سل كربلا كم من حشاً لمحمّدٍ

نهبت بها وكم استجزَّت من يدِ

أقمارُ تمٍّ غالها خسف الرَّدى

واغتالها بصروفه الزّمن الرَّدي

وما كان حسين العظمة بالذي تذهب أعماله إدراج الرِّياح لما هو المعلوم بين أُمَّة جدِّه من شموخ مكانته، ورفعة مقامه، وعلمه المتدفِّق، ورأيه الأصيل، وعدله الواضح، وتقواه المعلومة، وإنَّه ريحانه رسول الله صلّى الله عليه وآله المستقي من تيّار فضله، فلن تجد بين المسلمين من يُنكر عليه شيئاً من هذه المآثر وإن كان ممّن لا يدين بخلافته، فما كانت الأُمّة تفوه بشيءٍ حول نهضته القدسيَّة قبل التنقيب والنظر، وقد نقّبوا وتروَّوا فيها فوجدوها طبقاً لصالح المجتمع، فلم يُسمع من أحدهم غير تقديس أو إكبار، ولذلك لم تسمع أُذن الدهر من أيّ أحدٍ ما تجرَّأ به «الخضريُّ» بقوله: أخطأ.

إنّهم يقولون منكراً من القول وزوراً.

فالذي نستفيده من تاريخ السبط المفدّى هو وجوب النهوض في وجه كلِّ باطلٍ ومناصرة كلِّ حقّ، ولإبقاء هيكل الدين، ونشر تعاليمه، وبثِّ أخلاقه، نعم: يُعلمنا هذا التاريخ المجيد النزوع إلى إيثار الخلود في البقاء ولو باعتناق المنيَّة على الحياة المخدجة تحت نير الإستعباد، والمبادرة إلى الإنتهال من مناهل الموت لتخليص الأُمَّة من مخالب الجور والفجور، ويلزمنا بسلوك سنن المفاداة دون الحنيفيَّة البيضاء، والنزول على حكم الإباء دون مهاوي الذلِّ، هذا غيضٌ من فيض من دروس سيِّدنا الحسين عليه السلام التي ألقاها على أُمَّة جدِّه، لا ما جاء في مزعمة (الخضريِّ) من أنَّ التاريخ... إلخ.

٢٦٤

وللخضريِّ من ضرائب ما ذُكر بوائق جمَّة ضربنا عنها صفحاً، وإنَّما أردنا إيقاظ شعور الباحث بما ذُكر إلى سنخ آراءه الأمويَّة.

( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ

إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى‏ مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ

اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً )

النساء: ١٠٨

٢٦٥

٩

السنَّة والشيعة

بقلم السيِّد محمَّد رشيد رضا صاحب «المنار»

لم يقصد صاحب هذه الرسالة نقداً نزيهاً، أو حجاجاً صحيحاً وإن كان قد صبغها بصبغة الرد على العلامة الحجة في علوية الشيعة السيِّد محسن الأمين العاملي (حياه الله وبياه) لكنه لم يتهجم على حصونه المنيعة إلّا بسباب مقذع، أو إهانة قبيحة، أو تنابز بالألقاب، أو هتك شائن، ومعظم قصده إغراء الدول الثلث العربية: العراقية و الحجازية واليمانية بالشيعة بأكاذيب وتمويهات وعليه فليس من خطة الباحث نقد أمثالها، غير أنه لم نجد منتدحاً من الايعاز إلى شيئ من الأكاذيب والمخاريق المودعة فيها من وليدة فكرته أو ما نقله عن غيره متطلباً من علماء الشيعة تخطأه ما يرونه فيها خطأ، وهو يعلم أن الاعراض عنها هو الحزم لما فيه من السياسة الدولية الخارجة عن محيط العلم والعلماء.

١ - بدأ رسالته بتاريخ التشيّع ومذاهب الشيعة فجعل مبتدع أُصوله عبد الله بن سبا اليهودي، ورأى خليفة السبئيِّين في إداراة دعاية التفرُّق بين المسلمين بالتشيّع والغلوِّ زنادقة الفرس، وعدَّ من تعاليم غلاة الشيعة بدعة عصمة الأئمَّة، وتحريف القرآن، والبدع المتعلّقة بالحجَّة المنتظر، والقول بأُلوهيَّة بعض الأئمَّة والكفر الصريح.

وقسَّم الإماميَّة على المعتدلة القريبة من الزيديَّة، والغلاة القريبة من الباطنيَّة وقال: هم الذين لقَّحوا ببعض تعاليمهم الإلحاديَّة كالقول بتحريف القرآن وكتمان بعض آياته وأغربها في زعمهم سورةٌ خاصَّةٌ بأهل البيت يتناقلونها بينهم حتّى كتب إلينا سائحٌ سنِّيٌ مرَّة: إنَّه سمع بعض خطبائهم في بلد من بلاد ايران يقرؤها يوم الجمعة على المنبر، وقد نقلها عنهم بعض دعاة النصرانيَّة المبشِّرين، فهؤلاء الإماميَّة الإثنى عشريَّة ويلقَّبون بالجعفريَّة درجات.

وعدَّ من الإماميَّة بدعة البابيَّة ثمَّ البهائيّة الذين يقولون بأُلوهيّة البهاء ونسخه

٢٦٦

لدين الإسلام وإبطاله لجميع مذاهبه. ومن وراء هذه الكلم المثيرة للفتن والإحن يرى نفسه الساعي الوحيد في توحيد الكلمة والإصلاح بعد السيِّد جمال الدين الأفغاني، ثمَّ بسط القول الخرافيَّ، والكلم القارصة.

والباحث يجد جواب كثير ممّا لفّقه من المخاريق فيما مرَّ من هذا الجزء من كتابنا، والسائح السنِّي الذي أخبر صاحب «المنار» من خطيب ايران لم يولد بعدُ، ومثله الخطيب الذي كان يهتف بتلك السورة المختلفة في الجمعات، ولا أنَّ الشيعة تُقيم لتلك السورة المزعومة وزناً، ولا تراها بعين الكتاب العزيز؛ ولا تجري عليها أحكامه، ويا ليت الرجل راجع مقدّمات تفسير العلّامة البلاغي (آلاء الرَّحمان) وما قاله في حقِّ هذه السورة وهو لسان الشيعة، وترجمان عقائدهم، ثمَّ كتب ما كتب حولها.

ونحن نرحِّب بهذا الحجاج الذي يستند فيه إلى المبشِّر النصرانيِّ، ومن جهله الشائن عدُّ البابيَّة والبهائيَّة من فرق الشيعة، والشيعة على بكرة أبيها لا تعتقد إلّا بمروقهم عن الدين وبكفرهم وضلالهم ونجاستهم، والكتب المؤلَّفة في دحض أباطيلهم لعلماء الشيعة أكثر من أن تُحصى وأكثرها مطبوعٌ منشورٌ.

٢ - قال: إختلال العراق دائماً إنَّما هو من الأرفاض، فقد تهرى أديمهم من سمِّ ضلالهم، ولم يزالوا يفرحون بنكبات المسلمين حتّى أنَّهم اتَّخذوا يوم انتصار الروس على المسلمين عيداً سعيداً، وأهل ايران زيَّنوا بلادهم يومئذ فرحاً وسروراً ص ٥١(١) .

ج - عجباً للصلافة. أيحسب هذا الانسان أنَّ البلاد العراقيَّة والإيرانيَّة غير مطروقةٍ لأحد؟ أو أنَّ أخبارهم لا تصل إلى غيرهما؟ أو أنَّ الأكثريَّة الشيعيَّة في العراق قد لازمها العمى والصمم عمّا تفرَّد برؤيته أو سماعه هذا المتقوِّل؟ أو أنَّهم معدودون من الأُمم البائدة الَّذين طحنهم مرُّ الحقب والأعوام؟ فلم يبق لهم من يُدافع عن شرفهم، ويُناقش الحساب مع من يبهتهم، فيسائل هذا المختلق عن أولئك النفر الذين يفرحون بنكبات المسلمين، أهم في عراقنا هذه مجرى الرافدين؟ أم يُريد قارَّة لم تُكتشف تُسمّى بهذا الإسم؟ ويُعيد عليه هذا السؤال بعينه في ايران.

_____________________

١ - نقلها وما بعدها عن الآلوسي في كتاب نسبه إليه كتبها إلى الشيخ جمال الدين القاسمي الدمشقي.

٢٦٧

أمّا المسلمون القاطنون في تينك المملكتين ومن طرقهما من المستشرقين و السوّاح والسفراء والموظَّفين فلا عهد لهم بهاتيك الأفراح، والشيعة جمعاء تحترم نفوس المسلمين ودمائهم وأعراضهم وأموالهم مطلقاً من غير فرق بين السنيِّ والشيعيِّ فهي تستاء إذا ما انتابت أيَّ أحد منهم نائبةٌ، ولم تقيِّد الأُخوَّة الإسلاميّة المنصوصة عليها في الكتاب الكريم بالتشيّع، ويُسائل الرجل أيضاً عن تعيين اليوم، أيُّ يوم هو هذا العيد؟ وفي أيِّ شهر هو؟ وأيُّ مدينة ازدانت لأجله؟ وأيُّ قوم ناؤا بتلك المخزات؟

لا جواب للرَّجل إلّا الإستناد إلى مثل ما استند إليه صاحب الرِّسالة من سائح سنِّيٍ مجهولٍ أو مبشِّر نصرانيٍّ.

٣ - قال تحت عنوان: بُغض الرافض لبعض أهل البيت:

إنَّ الروافض كاليهود يُؤمنون ببعض ويكفرون ببعض (إلى أن قال): و يبغضون كثيراً من أولاد فاطمة رضي الله عنها بل يسبّونهم كزيد بن عليِّ بن الحسين

وكذا يحيى إبنه فإنّهم أيضاً يُبغضونه.

وكذا إبراهيم وجعفر ابنا موسى الكاظم رضي الله عنهم. ولقّبوا الثاني بالكذّاب مع أنّه كان من أكابر الأولياء وعنه أخذ أبو يزيد البسطامي.

ويعتقدون أنَّ الحسن بن الحسن المثنّى، وابنه عبد الله المحض، وابنه محمّد الملقَّب بالنّفس الزكيّة ارتدّوا (حاشاهم) عن دين الإسلام.

وهكذا اعتقدوا في إبراهيم بن عبد الله.

وزكريّا بن محمّد الباقر.

ومحمّد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن.

ومحمّد بن القاسم بن الحسن.

ويحيى بن عمر الذي كان من أحفاد زيد بن عليِّ بن الحسين.

وكذلك في جماعة حسنيِّين وحسينيِّين كانوا قائلين بإمامة زيد بن عليّ بن الحسين، إلى غير ذلك ممّا لا يسعه المقام، وهم حصروا حبّهم بعدد منهم قليل، كلّ فرقة منهم تخصُّ عدداً وتلعن الباقين، هذا حبّهم لأهل البيت والمودَّة في القربى المسؤول عنها ٥٢ - ٥٤

٢٦٨

ج - هذه سلسلة أوهام حسبها الآلوسي حقايق، أو أنَّه أراد تشويه سمعة الشيعة ولو بأشياء مفتعلة، فذكر أحكاماً بعضها باطلٌ بانتفاء موضوعه، وجملةٌ منها لأنَّها أكاذيب.

*(أمّا زيد بن عليّ)* الشهيد فقد مرَّ الكلام فيه وفي مقامه وقداسته عند الشيعة جمعاء راجع ص ٦٩ - ٧٦.

*(أمّا يحيى بن زيد)* الشهيد إبن الشهيد فحاشا أن يُبغضه شيعيٌّ، وهو ذلك الإماميُّ البطل المجاهد، يروي عن أبيه الطاهر أنَّ الأئمَّة اثنا عشر، وسمّاهم بأسمائهم و قال: إنَّه عهدٌ معهودٌ عهده إلينا رسول الله(١) . ورثاه شاعر الإماميَّة دعبل الخزاعي في تائيَّته السائرة وقرأها للإمام عليِّ بن موسى الرِّضا عليه السلام.

ولم توجد للشيعة حوله كلمة غمز فضلاً عن بغضه، وغاية نظر الشيعة فيه كما في كتاب زيد الشهيد ص ١٧٥: إنَّه كان معترفاً بإمامة الإمام الصّادق، حسن العقيدة، متبصِّراً بالأمر، وقد بكى عليه الصّادق عليه السلام واشتدَّ وجده له، وترَّحم له. فسلام الله عليه وعلى روحه الطاهرة.

وفي وسع الباحث أن يستنتج ولاء الشيعة ليحيى بن زيد ممّا أخرجه أبو الفرج في «مقاتل الطالبيين» ص ٦٢ ط ايران قال: لَمّا أُطلق يحيى بن زيد وفُكَّ حديده صار جماعة من مياسير الشيعة إلى الحدّاد الذي فكَّ قيده من رجله فسألوه أن يبيعهم إيّاه وتنافسوا فيه وتزايدوا حتّى بلغ عشرين ألف درهم، فخاف أن يشيع خبره فيُؤخذ منه المال فقال لهم: اجمعوا ثمنه بينكم. فرضوا بذلك وأعطوه المال فقطعه قطعةً قطعةً وقسَّمه بينهم فاتَّخذوا منه فصوصاً للخواتيم يتبرَّكون بها.

وقد أقرَّت الشيعة هذا في أجيالها المتأخِّرة وحتّى اليوم ولم ينقم ذلك أحدٌ منهم.

*(وأمّا إبراهيم)* بن موسى الكاظم فليتني أدري وقومي بغض أيِّ إبراهيم يُنسب إلينا؟ هل إبراهيم الأكبر أحد أئمة الزيديَّة؟ الذي ظهر باليمن أيّام أبي السرايا، والشيعة تروي عن الإمام الكاظم: إنَّه أدخله في وصيَّته وذكره في مقدَّم أولاده المذكورين فيها وقال: إنَّما أردت بإدخال الذين أدخلتهم معه (يعني الإمام عليّ بن

_____________________

١ - مقتضب الأثر في الأئمة الاثنى عشر.

٢٦٩

موسى) من ولدي التنويه بأسمائهم والتشريف لهم(١) وترجمه شيخنا الأكبر المفيد في الإرشاد بالشيخ الشجاع الكريم وقال: ولكلِّ واحدٍ من وُلد أبي الحسن موسى عليه السلام فضلٌ ومنقبةٌ مشهورةٌ، وكان الرِّضا المقدَّم عليهم في الفضل. وقال سيِّدنا تاج الدين إبن زهرة في «غاية الإختصار»: كان سيِّداً أميراً جليلاً نبيلاً عالماً فاضلاً يروي الحديث عن آبائه عليهم السلام. وفذلكة رأي الشيعة فيه ما في «تنقيح المقال» ١ ص ٣٤، ٣٥: أنّه في غاية درجة التقوى وهو خيِّرٌ ديِّنٌ.

أم إبراهيم الأصغر الملقَّب بالمرتضى؟ والشيعة تراه كبقيَّة الذريَّة من الشجرة الطيِّبة وتتقرَّب إلى الله بحبِّهم، وحكى سيِّدنا الحسن صدر الدين الكاظمي عن شجرة إبن المهنّا: أنَّ إبراهيم الصغير كان عالماً عابداً زاهداً وليس هو صاحب أبي السّرايا، و إنّي لم أجد لشيعيٍّ كلمة غمز فيه لا في كتب الأنساب ولا في معاجم الرِّجال حتّى يستشمّ منها بغض الشيعة إيّاه، وهذا سيِّدنا الأمين العاملي عدَّهما من أعيان الشيعة وترجمهما في «الأعيان» ج ٥ ص ٤٧٤ - ٤٨٢.

فنسبة بُغض أيٍّ منهما إلى الشيعة فريةٌ واختلاقٌ.

*(وأمّا جعفر)* بن موسى الكاظم فإنّي لم أجد في تآليف الشيعة بسط القول في ترجمته، ولم أقرأ كلمة غمز فيه حتى تكون آية بغضهم إيّاه، ولم أرقطُّ أحداً من الشيعة لقَّبه بالكذَّاب، ليت المفتري دلَّنا على من ذكره، أو على تأليف يوجد فيه، والشيعة إنَّما تلقَّبه بالخواري وولده بالخواريِّين والشجريِّين كما في «عمدة الطالب» ٢٠٨. وليتني أدري ممّن أخذ عدّ جعفر من أكابر الأولياء؟ ومن الذي ذكر أخذ أبي يزيد البسطامي عنه؟.

إنّما الموجود في المعاجم تلمّذ أبي يزيد البسطامي طيفور بن عيسى بن آدم المتوفّى ٢٦١ على الإمام جعفر بن محمّد الصّادق، وهذا إشتباهٌ من المترجمين كما صرَّح به المنقَّبون منهم، إذ الإمام الصّادق توفي ١٤٨ وأبو يزيد في ٢٦١ - ٢٦٤ ولم يعدّ من المعمّرين، ولعلّه أبو يزيد البسطاميّ الأكبر طيفور بن عيسى بن شروسان الزاهد(٢) فالرجل خبط خبط عشواء في فريته هذه.

_____________________

١ - أصول الكافي ص ١٦٣ في باب الإشارة والنصّ على الإمام أبي الحسن الرضا.

٢ - راجع معجم البلدان ج ٢ ص ١٨٠.

٢٧٠

*(وأمّا الحسن)* بن الحسن المثنّى فهو الذي شهد مشهد الطفِّ مع عمّه الإمام الطاهر وجاهد وأبلى وارتثَّ بالجراح فلمّا أرادوا أخذ الرؤوس وجدوا به رمقاً فحمله خاله أبو حسّان أسماء خارجة الفزاري إلى الكوفة وعالجه حتى برئ. ثمّ لحق بالمدينة(١) ويُعرب عن عقيدة الشيعة فيه قول شيخهم الأكبر الشيخ المفيد في إرشاده: كان جليلاً رئيساً فاضلاً ورعاً، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين في وقته، وله مع الحجّاج خبرٌ ذكره الزبير بن بكار. إلخ. وعدَّه العلّامة الحجَّة السيِّد محسن الأمين العاملي (الذي ردَّ عليه الآلوسي بكلمته هذه) من أعيان الشيعة وذكر له ترجمة ضافية في ج ٢١ ص ١٦٦ - ١٨٤.

فالقول بأنَّ الرافضة تعتقد بارتداده عن دين الإسلام قذفٌ بفريةٍ مُقذعةٍ تندى منها جبهة الإنسانيَّة.

(أمّا عبد الله) المحض ابن الحسن المثنّى فقد عدَّه شيخ الشيعة أبو جعفر الطوسي في رجاله من أصحاب الصّادق عليه السلام، وزاد أبو داود الباقر عليه السلام، وقال جمال الدين المهنّا في «العمدة» ٨٧: كان يشبه رسول الله، وكان شيخ بني هاشم في زمانه، يتولّى صدقات أمير المؤمنين بعد أبيه الحسن.

والأحاديث في مدحه وذمِّه وإن تضاربت غير أنَّ غاية نظر الشيعة فيها ما اختاره سيِّد الطائفة السيِّد إبن طاوس في إقباله ص ٥١ من صلاحه وحسن عقيدته وقبوله إمامة الصّادق عليه السلام، وذكر من أصل صحيحٍ كتاباً للإمام الصّادق وصف فيه عبد الله بالعبد الصالح ودعا له ولبني عمِّه بالأجر والسعادة، ثمَّ قال: وهذا يدلُّ على أنَّ الجماعة المحمولين [ يعني عبد الله وأصحابه الحسنيِّين ] كانوا عند مولانا الصّادق معذورين و ممدوحين ومظلومين وبحقِّه عارفين، وقد يوجد في الكتب: إنَّهم كانوا للصّادقين عليهم السَّلام مفارقين. وذلك محتملٌ للتقيَّة لئلّا يُنسب إظهارهم لإنكار المنكر إلى الأئمَّة الطاهرين، وممّا يدلّك على أنَّهم كانوا عارفين بالحقِّ وبه شاهدين ما رويناه (وقال بعد ذكر السند وإنهائه إلى الصّادق): ثمَّ بكا عليه السلام حتّى علا صوته وبكينا ثمَّ قال: حدّثني أبي عن فاطمة بنت الحسين عن أبيه أنَّه قال: يُقتل منك أو يُصاب

_____________________

١ - إرشاد المفيد، عمدة الطالب ٨٦.

٢٧١

نفرٌ بشطِّ الفرات ما سبقهم الأوّلون ولا يعدلهم الآخرون. ثمَّ قال:

أقول: وهذه شهادةٌ صريحةٌ من طرق صحيحةٍ بمدح المأخوذين من بني الحسن عليه وعليهم السَّلام وأنَّهم مضوا إلى الله جلَّ جلاله بشرف المقام، والظفر بالسعادة والأكرام.

ثمَّ ذكر أحاديث تدلُّ على حسن اعتقاد عبد الله بن الحسن ومن كان معه من الحسنيِّين فقال: أقول: فهل تراهم إلّا عارفين بالهدى، وبالحقِّ اليقين، ولله متَّقين؟ ا ه

فأنت عندئذٍ جدُّ عليم بأنَّ نسبة القول بردَّته وردَّة بقيَّة الحسنيَّين إلى الشيعة بعيدةٌ عن مستوى الصِّدق.

(وأمّا محمّد) بن عبد الله بن الحسن الملّقب بالنفس الزكيَّة فعدَّه الشيخ أبو جعفر الطوسي في رجاله من أصحاب الصّادق عليه السلام. وقال إبن المهنّا في «عمدة الطالب» ٩١: قُتل بأحجار الزيت، وكان ذلك مصداق تلقيبه «النفس الزكيَّة» لأنَّه رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: تُقتل بأحجار الزيت من وُلدي نفسٌ زكيَّةٌ.

وذكر سيِّدنا إبن طاووس في «الإقبال» ص ٥٣ تفصيلاً برهن فيه حسن عقيدته وإنَّه خرج للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنَّه كان يعلم بقتله ويُخبر به، ثمَّ قال: كلُّ ذلك يكشف عن تمسّكهم بالله والرَّسول صلى الله عليه وآله.

هذا رأي الشيعة في النفس الزكيَّة، وهم مخبتون إلى ما في «مقاتل الطالبيِّين» ص ٨٥ من أنّه أفضل أهل بيته، وأكبر أهل زمانه في علمه بكتاب الله وحفظه له، وفقهه في الدين وشجاعته وجوده وبأسه، والإماميَّة حاشاهم عن قذفه بالردَّة عن الدين، والمفتري عليهم به قد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً.

(وأمّا إبراهيم) بن عبد الله قتيل «باخمرى» المكنّى بأبي الحسن، فعدَّه شيخ الطائفة من رجال الصّادق، وقال جمال الدين بن المهنّا في «العمدة» ٩٥: كان من كبار العلماء في فنونٍ كثيرة، وذكره دعبل الخزاعي شاعر الشيعة في تائيَّته المشهورة بـ «مدارس آيات» الّتي رثى بها شهداء الذريَّة الطاهرة بقوله:

قبورٌ بكوفانٍ وأُخرى بطيبةٍ

وأُخرى بفخٍّ نالها صلواتي

وأُخرى بأرض الجوزجان محلّها

وقبرٌ بباخمرى لدى الغرباتِ

فلولا شهرة إبراهيم عند الشيعة بالصّلاح وحسن العقيدة، واستيائهم بقتله؛ و

٢٧٢

كونه مرضيّاً عند أئمّتهم صلوات الله عليهم، لم يرثه دعبل ولم يقرأ رثائه للإمام عليّ ابن موسى سلام الله عليه. ونحن نقول بما قال أبو الفرج في «المقاتل» ١١٢: كان إبراهيم جارياً على شاكلة أخيه محمّد في الدين والعلم والشجاعة والشدَّة. وعدَّه السيِّد الأمين العاملي من أعيان الشيعة وبسط القول في ترجمته ج ٥ ص ٣٠٨ - ٣٢٤.

فنسبة القول بردَّته عن الدين إلى الشيعة بهتانٌ عظيمٌ.

(وأمّا زكريّا) بن محمّد الباقر فإنّه لم يولد بعدُ، وهو من مخلوقات عالم أوهام الآلوسي، إذ مجموع أولاد أبي جعفر محمّد الباقر عليه السلام الذكور ستّةٌ باتِّفاق الفريقين، ولم نجد فيما وقفنا عليه من تآليف العامّة والخاصّة غيرهم، وهم: جعفر: عبد الله. إبراهيم. عليّ. زيد. عبيد الله(١) فنسبة القول بردَّة زكريّا إلى الشيعة باطلةٌ بانتفاء الموضوع.

(وأمّا محمّد) بن عبد الله بن الحسين بن الحسن فإن كان يريد حفيد الحسين الأثرم إبن الإمام المجتبى؟! فلم يذكر النسّابة فيه إلّا قولهم: إنقرض عقبه سريعاً. ولم يسمّوا له ولداً ولا حفيداً. وإن أراد غيره؟! فلم نجد في كتب الأنساب له ذكراً حتّى تُكفِّره الشيعة أو تُؤمن به، ولم نجد في الإماميَّة مَن يُكفِّر شخصاً يسمّى بهذا الإسم حسنيّاً كان أو حسينيّاً.

(وأمّا محمَّد بن القاسم) بن الحسن فهو إبن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام يُلقَّب بالبطحاني(٢) ، عدَّه شيخ الطائفة في رجاله من أصحاب الصّادق سلام الله عليه؛ وقال جمال الدين إبن المهنّا في «العمدة» ٥٧: كان محمّد البطحاني فقيهاً. ولم نجد لشيعيٍّ كلمةُ غمزٍ فيه حتّى تكون شاهداً للفرية المعزوَّة إلى الشيعة.

*(أمّا يحيى بن عمر)* فهو أبو الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب سلام الله عليهم، أحد أئمّة الزيديَّة، فحسبك في الإعراب عن رأي الشيعة فيه ما في «عمدة الطالب» لابن المهنّا ص ٢٦٣ من قوله:

_____________________

١ - كذا في (المجدي) للنسابة العمري وجملة من المصادر وفي بعضها: عبد الله. مع التعدد.

٢ - يروى بفتح الموحدة منسوباً إلى (البطحاء)، وبالضم منسوباً إلى (بحطان) واد بالمدينة (عمدة الطالب ٥٧)

٢٧٣

خرج بالكوفة داعيا إلى الرضا من آل محمد، وكان من أزهد الناس، وكان مثقل الظهر بالطالبيات يجهد نفسه في برهن - إلى أن قال -: فحاربه محمد بن عبد الله بن طاهر فقتل وحمل رأسه إلى سامراء ولما حمل رأسه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر جلس بالكوفة (كذا) للهنا فدخل عليه أبو هاشم داود ابن القاسم الجعفري وقال: إنك لتهنأ بقتيل لو كان رسول الله صلّى الله عليه وآله حيا لعزي فيه(١) فخرج وهو يقول:

يا بني طاهر كلوه مريئا

إن لحم النبي غير مري

إن وتراً يكون طالبه اللـ

ـه لوتر بالفوت غير حري

ورثاه جمع من شعراء الشيعة الفطاحل منهم: أبو العبّاس ابن الرومي رثاه بقصيدتين إحديهما ذات ١١٠ بيتا توجد في (عمدة الطالب) ص ٢٢٠ مطلعها:

أمامك فانظر أي نهجيك ينهج

طريقان شتى مستقيم وأعوج

وجيمية أخرى أولها:

حييت ربع الصبا والخرد الدعج

الآنسات ذوات الدل والغنج

ومنهم: أبو الحسين علي بن محمد الحماني الأفوه رثاه بشعر كثير مرت جملة منه في هذا الجزء ص ٦١، ٦٢،.

هذا صحيح رأي الشيعة في هؤلاء السادة الأئمة، ولم تقل الشيعة ولا تقول ولن تقول بارتداد أحد منهم عن الدين ولا بارتداد الحسنيين والحسينيين القائلين بإمامة زيد بن علي بن الحسين المنعقدة على الرضا من آل محمد سلام الله عليهم.

كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلّا كذبا.

ونحن نسائل الرجل عن هؤلاء الذين يدافع عن شرفهم وجلالتهم من ذا الذي قتلهم؟ واستأصل شأفتهم؟ وحسبهم في غيابة الجب وأعماق السجون؟ أهم الشيعة الذين اتهمهم بالقول بردتهم؟ أم قومه الذين يزعم أنهم يعظمونهم؟ هلم معي واقرأ صفحة التاريخ فهو نعم المجيب. أما زيد الشهيد فعرفناك قاتله وقاطع رأسه ص ٧٥. وأما يحيى بن زيد فقتله الوليد بن يزيد بن عبد الملك سنة ١٢٥، وقاتله سلم

_____________________

١ - وذكره اليعقوبي في تاريخه ٣ ص ٢٢١.

٢٧٤

بن أحوز الهلالي، وجهِّز إليه الجيش نصر بن سيّار، ورماه عيسى مولى عيسى بن سليمان العنزي وسلبه(١)

والحسن بن الحسن المثنّى كتب وليد بن عبد الملك إلى عامله عثمان بن حيّان المري: اُنظر إلى الحسن بن الحسن فاجلده مائة ضربة، وقِّفه للناس يوماً، ولا أراني إلّا قاتله، فلمّا وصله الكتاب بعث إليه فجيئ به والخصوم بين يديه فعلّمه عليُّ بن الحسين عليه السلام بكلمات الفرج ففرَّج الله عنه وخلّوا سبيله(٢) فخاف الحسن سطوة بني أُميَّة فأخفى نفسه وبقي مختفياً إلى أن دسَّ إليه السمّ سليمان بن عبد الملك و قتله سنة ٩٧(٣) .

وعبد الله المحض كان المنصور يسمِّيه: عبد الله المذلَّة، قتله في حبسه بالهاشميَّة سنة ١٤٥ لما حبسه مع تسعة عشر من وُلد الحسن ثلاث سنين، وقد غيَّرت السياط لون أحدهم وأسالت دمه، وأصاب سوطٌ إحدى عينيه فسالت، وكان يستسقي الماء فلا يُسقى، فردم عليهم الحبس فماتوا(٤) وفي تاريخ اليعقوبي ٣ ص ١٠٦: إنَّهم وُجدوا مسمَّرين في الحيطان.

ومحمّد بن عبد الله النفس الزكيَّة قتله حميد بن قحطبة سنة ١٤٥، وجاء برأسه إلى عيسى بن موسى وحمله إلى أبي جعفر المنصور فنصبه بالكوفة وطاف به البلاد(٥)

وأمّا إبراهيم بن عبد الله فندب المنصور عيسى بن موسى من المدينة إلى قتاله فقاتل بباخمرى حتّى قًتل سنة ١٤٥، وجيئ برأسه إلى المنصور فوضعه بين يديه، وأمر به فنُصب في السّوق: ثمَّ قال للربيع: أحمله إلى أبيه عبد الله في السجن. فحمله إليه(٦) وقال النسّابة العمري في المجدي: ثمَّ حمل إبن أبي الكرام الجعفري رأسه إلى مصر.

_____________________

١ - تاريخ الطبري ٨، مروج الذهب ٢، تاريخ اليعقوبي ٣.

٢ - تاريخ إبن عساكر ٤ ص ١٦٤.

٣ - الزينبيات.

٤ - تاريخ الطبري ٩ ص ١٩٦، تذكرة سبط إبن الجوزي ص ١٢٦، مقاتل الطالبيين ص ٧١، ٨٤ ط ايران.

٥ - تذكرة سبط إبن الجوزي ١٢٩.

٦ - تاريخ الطبري ٩ ص ٢٦٠، تاريخ اليعقوبي ٣ ص ١١٢ - ١١٤، تذكرة السبط ص ٢٣٠.

٢٧٥

ويحيى بن عمر أمر به المتوكل فضرب دررا ثمَّ حبسه في دار الفتح بن خاقان فمكث على ذلك ثمَّ أطلق فمضى إلى بغداد فلم يزل بها حتى خرج إلى الكوفة في أيّام المستعين فدعى إلى الرضا من آل محمد فوجه المستعين رجلا يقال له: كلكاتكين.

ووجه محمد بن عبد الله بن طاهر بالحسين بن إسماعيل فاقتتلوا حتى قتل سنة ٢٥٠ و حمل رأسه إلى محمد بن عبد الله فوضع بين يديه في ترس ودخل الناس يهنونه، ثمَّ أمر بحمل رأسه إلى المستعين من غد(١) .

٣ - قال: إن الروافض زعموا أن أصح كتبهم أربعة: الكافي. وفقه من لا يحضره الفقيه. والتهذيب. والاستبصار، وقالوا: إن العمل بما في الكتب الأربعة من الأخبار واجب، وكذا بما رواه الإمامي ودونه أصحاب الأخبار منهم، ونص عليه المرتضى وأبو جعفر الطوسي وفخر الدين الملقب عندهم بالمحقق المحلي(٢) ص ٥٥.

ج - تعتقد الشيعة إن هذه الكتب الأربعة أوثق كتب الحديث، وأما وجوب العمل بما فيها من الأخبار، أو بكل ما رواه إمامي ودونه أصحاب الأخبار منهم فلم يقل به أحد، وعلم الهدى المرتضى وشيخ الطائفة أبو جعفر ونجم الدين المحقق الحلي أبرياء ممّا قذفهم به، وهذا كتبهم بين أيدينا لا يوجد في أي منها هذا البهتان العظيم، وأهل البيت أدرى بما فيه.

ويشهد لذلك رد علماء الشيعة لفريق ممّا روي من أحاديث لطعن في إسناد أو مناقشة في المتن. ويشهد لذلك تنويعهم الأخبار على أقسام أربعة: الصحيح. الحسن. الموثق. الضعيف.

منذ عهد العلمين جمال الدين السيِّد أحمد بن طاوس الحسني، وتلميذه آية الله العلامة الحلي. وليت الرجل يقف على شروح هذه الكتب وفي مقدمها (مرآت العقول) شرح الكافي للعلامة المجلسي ويشاهد كيف يحكم في كل سند بما يأدي إليه اجتهاده من أقسام الحديث. أو كان يراجع الجزء الثالث من المستدرك للعلم الحجة النوري حتى يرشده إلى الحق ويعلمه الصواب وينهاه عن التقول على أمة كبيرة (الشيعة)

_____________________

١ - تاريخ الطبري ١١ ص ٨٩، تاريخ اليعقوبي ٣ ص ٢٢١.

٢ - فخر الدين لقب شيخنا محمد بن الحسن العلامة الحلي. وأما المحقق فيلقب بنجم الدين وينسب إلى الحلة الفيحاء لا المحل.

٢٧٦

بلا علمٍ وبصيرةٍ في أمرها.

ثمَّ زيَّف الكتب الأربعة المذكورة بما فيها من الآحاد، واشتمال بعض أسانيدها برجال قذفهم بأشياء هم بُرءاء منها، وآخرين لا يقدح انحرافهم المذهبيّ في ثقتهم في الرِّواية، وأحاديث هؤلاء من النوع الذي تُسميِّه الشيعة بالموثِّق، وهناك أُناسٌ يُرمون بالضعف لكن خصوص رواياتهم تلك مكتنفةٌ بإمارات الصحَّة، وعلى هذا عمل المحدِّثين من أهل السنَّة والشيعة في مدوَّناتهم الحديثيَّة، فالرجل جاهلٌ بدراية الحديث وفنونه، أو: راقه أن يتجاهل حتّى يتحامل بالوقيعة، ولو راجع مقدِّمة «فتح الباري» في شرح صحيح البخاري لابن حجر، وشرحه للقسطلاني، وشرحه للعيني، وشرح مسلم للنووي وأمثالها لوجد فيها ما يشفي غلّته، وكفَّ عن نشر الأباطيل مدَّته(١) .

٤ - قال: يروي [ الطوسي ] عن إبن المعلّم وهو يروي عن إبن مابويه الكذوب صاحب الرقعة المزوَّرة، ويروي عن المرتضى أيضاً. وقد طلبا العلم معاً وقرءا على شيخهما محمَّد بن النعمان، وهو أكذب من مسيلمة الكذّاب، وقد جوَّز الكذب لنصرة المذهب. ص ٥٧.

ج - إنَّ صاحب التوقيع الذي حسبه الرَّجل رقعةً مزوَّرة هو عليُّ بن الحسين بن موسى بن بابويه «بالبائين الموحَّدتين لا المصدَّرة بالميم» وهو الصدوق الأوَّل توفي ٣٢٩ قبل مولد الشيخ المفيد إبن المعلّم بسبع أو تسع سنين، فإنّه ولد سنة ٣٣٦/٨ فليس من الممكن روايته عنه، نعم له رواية عن ولده الصدوق أبي جعفر محمَّد بن عليّ وليس هو صاحب التوقيع.

وليتني علمت مَن ذا الذي أخبر الآلوسي بأنَّ شيخ الأُمَّة المفيد [المدفون في رواق الإمامين الجوادين صاحب القبَّة والمقام المكين] أكذب من مسيلمة الكذّاب الكافر بالله؟!.

ما أجرأه على هذه القارصة الموبقة!؟ وكيف أحفَّه؟!(٢) وهذا اليافعي يعرِّفه في مرآته ج ٣ ص ٢٨ بقوله: كان عالم الشيعة وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة

_____________________

١ - المدة: غمس القلم في الدواة مرة للكتابة.

٢ - أحف الرجل: ذكره بالقبح.

٢٧٧

شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلّم أيضاً، البارع في الكلام والجدل والفقه، و كان يُناظر أهل كلِّ عقيدةٍ مع الجلالة. والعظمة في الدَّولة البويهيَّة، وقال إبن أبي طيّ: كان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس.

وقول إبن كثير في تأريخه ١٢ ص ١٥: كان مجلسه يحضره كثيرٌ من العلمآء من سائر الطوائف. ينمُّ عن أنّه شيخ الأُمّة الإسلاميَّة لا الإماميّة فحسب، فيجب إكباره على أيِّ مُعتنق بالدين.

أهكذا أدب العلم والدين؟ أفي الشَّريعة والأخلاق مساغٌ للنَّيل من أعراض العلماء والوقيعة فيهم والتحامل عليهم بمثل هذه القارصة؟ أفي ناموس الإسلام ما يُستباح به أن يُحطَّ بمسلم إلى حضيض يكون أخفض من الكافر مهما شجر الخلاف واحتدم البغضآء؟! فضلاً عن مثل الشيخ المفيد الذي هو من عمد الدين وأعلامه، و من دُعاة الحقِّ وأنصاره، وهو الذي أسَّس مجد العراق العلميّ وأيقظ شعور أهليها وماذا عليه؟ غير أنَّه عرف المعروف الذي أنكره الآلوسي، وتسنَّم ذروةً من العلم والعمل التي تقاعس عنها المتهجِّم.

وليته أشار إلى المصدر الذي أخذ عنه نسبة تجويز الكذب لنصرة المذهب إلى الشيخ المفيد من كتبه أو كتب غيره، أو إسناد متصل إليه، أمّا مؤلَّفاته فكلّها خاليةٌ عن هذه الشائنة، ولا نسبها إليه أحدٌ من علمائنا، وأمّا الإسناد فلا تجد أحداً أسنده إليه متَّصلاً كان أو مرسلاً، فالنسبة غير صحيحة، وتعكير الصفو بالنسب المفتعلة ليس من شأن المسلم الأُمِّي فضلاً عن مدَّعي العلم.

٥ - قال تحت عنوان [تعبدُّ الإماميَّة بالرُّقاع الصادرة من المهديِّ المنتظر] نعم: إنَّهم أخذوا غالب مذهبهم كما اعترفوا من الرُّقاع المزوَّرة التي لا يشكُّ عاقلٌ في أنَّها افتراءٌ على الله، والعجب من الروافض أنَّهم سمّوا صاحب الرُّقاع بالصَّدوق وهو الكذوب، بل: إنَّه عن الدين المبين بمعزلٍ.

كان يزعم أنَّه يكتب مسألة في رقعةٍ فيضعها في ثُقب شجرة ليلاً فيكتب الجواب عنها المهديّ صاحب الزَّمان بزعمهم، فهذه الرُّقاع عند الرافضة من أقوى دلائلهم وأوثق حججهم، فتبّاً...

٢٧٨

واعلم أنَّ الرُّقاع كثيرةٌ منها: رقعة عليِّ بن الحسين بن موسى بن مابويه القمّي فإنَّه كان يُظهر رقعةً بخطِّ الصاحب في جواب سؤاله ويزعم أنَّه كاتب أبا القاسم بن أبي الحسين ابن روح أحد السفرة على يد عليِّ بن جعفر بن الأسود أن يوصل له رقعته إلى الصاحب [أي المهديِّ] وأرسل إليه رقعةً زعم أنَّها جواب صاحب الأمر له.

ومنها: رقاع محمَّد بن عبد الله بن جعفر بن حسين بن جامع بن مالك الحريري أبو جعفر القمّي، كاتب صاحب الأمر سأله مسائل في الشريعة قال: قال لنا أحمد بن الحسين: وقفت على هذه المسائل من أصلها والتوقيعات بين السطور، ذكر تلك الأجوبة محمَّد بن الحسن الطوسي في كتابه «الغيبة» وكتاب «الإحتجاج».

والتوقيعات خطوط الأئمَّة بزعمهم في جواب مسائل الشيعة، وقد رجَّحوا التوقيع على المرويِّ بإسناد صحيح لدى التعارض، قال إبن مابويه في الفقه بعد ذكر التوقيعات الواردة من الناحية المقدَّسة في [باب الرَّجل يوصي إلى الرَّجلين]: هذا التوقيع عندي بخطِّ أبي محمَّد إبن الحسن بن عليّ، وفي الكافي للكليني روايةٌ بخلاف ذلك التوقيع عن الصّادق، ثمَّ قال: لا أفتي بهذا الحديث بل أفتي بما عندي من خطِّ الحسن بن علي.

ومنها: رقاع أبي العبّاس جعفر بن عبد الله بن جعفر الحميري القميّ.

ومنها: رقاع أخيه الحسين ورقاع أخيه أحمد.

وأبو العبّاس هذا قد جمع كتاباً في الأخبار المرويَّة عنه وسمّاه [قرب الإسناد إلى صاحب الأمر].

ومنها: رقاع عليِّ بن سليمان بن الحسين بن الجهم بن بُكير بن أعين أبو الحسن الرازي، فإنَّه كان يدَّعي المكاتبة أيضاً ويُظهر الرُّقاع.

هذه نبذةٌ ممّا بنوا عليه أحكامهم ودانوا به، وهي نغبةٌ من دأماء،(١) وقد تبيَّن بها حال دعوى الرافضيِّ في تلقّي دينهم عن العترة. إلخ. ص ٥٨، ٦١.

ج - كان حقّاً علي الرَّجل نهي جمال الدين القاسمي عن أن يُظهر كتابه إلى غيره،

_____________________

١ - النغبة: الجرعة. الدأماء: البحر.

٢٧٩

كما كان على السيِّد محمّد رشيد رضا أن يُحرّج على الشيعة بل أهل النصفة من قومه أيضاً أن يقفوا على رسالته، إذ الأباطيل المبثوثة في طيِّهما تكشف عن السَّوئة، وتُشوِّه السمعة، ولا تخفى على أيِّ مُثقَّفٍ، ولا يسترها ذيل العصبيَّة، ولا تُصلحها فكرةُ المدافع عنها، مهما كان القارئ شريف النفس، حرّاً في فكرته وشعوره.

كيف يخفى على الباحث؟! أنَّ الإماميَّة لا تتعبَّد بالرُّقاع الصادرة من المهديِّ المنتظر، وكلام الرَّجل ومَن لفَّ لفَّه كما يأتي عن القصيمي في [الصراع بين الإسلام والوثنيَّة] أوضح ما هناك من السرِّ المستسرِّ في عدم تعبّدهم بها، وعدم ذكر المحامدة الثلاثة(١) مؤلِّفي الكتب الأربعة التي هي عمدة مراجع الشيعة الإماميَّة في تلكم التآليف شيئاً من الرُّقاع والتوقيعات الصادرة من الناحية المقدَّسة، وهذا يوقظ شعور الباحث إلى أنَّ مشايخ الإماميَّة الثلاثة كانوا عارفين بما يؤل إليه أمر الأُمَّة من البهرجة وإنكار وجود الحجَّة، فكأنَّهم كانوا منهيِّين عن ذكر تلك الآثار الصادرة من الناحية الشريفة في تآليفهم مع أنَّهم هم رُواتها وحملتها إلى الأُمّة، وذلك لئلّا يخرج مذهب العترة عن الجعفريَّة الصادقة إلى المهدويَّة، حتّى لا يبقى لرجال العصبيَّة العمياء مجالُ للقول بأنَّ مذهب الإماميَّة مأخوذٌ من الإمام الغائب الذي لا وجود له في مزعمتهم، وأنَّهم يتعبَّدون بالرُّقاع المزوَّرة في حُسبانهم، وهذا سرٌّ من أسرار الإمامة يُؤكِّد الثقة بالكتب الأربعة والإعتماد عليها.

هذا ثقة الإسلام الكليني مع أنَّ بيئته (بغداد) تجمع بينه وبين سفراء الحجَّة المنتظر الأربعة، ويجمعهم عصرٌ واحدٌ، وقد توفِّي في الغيبة الصغرى سنة ٣٢٣، و ألَّف كتابه خلال عشرين سنة، تراه لم يذكر قطُّ شيئاً من توقيعات الإمام المنتظر في كتابه «الكافي» الحافل المشتمل على ستَّة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثاً، مع أنَّ غير واحد من تلك التوقيعات يُروى من طرقه، وهو يذكر في كتابه كثيراً من توقيعات بقيَّة الأئمّة من أهل بيت العصمة سلام الله عليهم.

وهذا أبو جعفر إبن بابويه الصّدوق مع روايته عدَّةً من تلك الرّقاع الكريمة

_____________________

١ - أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي.

٢٨٠