الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 418
المشاهدات: 93153
تحميل: 6417


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93153 / تحميل: 6417
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

في تأليفه [إكمال الدين] وعقده لها باباً فيه ص ٢٦٦ لم يذكر شيئاً منها في كتابه الحافل [مَن لا يحضره الفقيه].

نعم: في موضع واحد منه [على ما وقفت] يذكر حديثاً في مقام الإعتضاد من دون ذكر وتسميةٍ للإمام عليه السلام وذلك في ج ٢ ص ٤١ ط لكهنو قال: الخبر الذي رُوي فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمِّداً أنَّ عليه ثلاث كفارات فإنّي أفتي به فيمن أفطر بجماع محرَّم عليه أو بطعام محرَّم عليه لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي رضي الله عنه فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدَّس الله روحه.

وبعدهما شيخ الطايفة أبو جعفر الطوسي فإنّه مع روايته توقيعات الأحكام الصادرة من الناحية المقدَّسة إلى محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب «الغيبة» ص ١٨٤ - ٢١٤ و٢٤٣ - ٢٥٨ لم يورد شيئاً منها في كتابيه [التهذيب والإستبصار] اللذين يُعدّان من الكتب الأربعة عُمد مصادر الأحكام.

ألا تراهم؟ أجمعوا برواية توقيع إسحاق بن يعقوب عن الناحية المقدَّسة ورواه أبو جعفر الصّدوق عن أبي جعفر الكليني في الإكمال ص ٢٦٦، والشيخ أبو جعفر الطوسي بإسناده عن الكليني أيضاً في كتاب «الغيبة» ص ١٨٨، وفيه أحكام مسائل ثلاث عنونوها في كتبهم الأربعة واستدلّوا عليها بغير هذا التوقيع وليس فيها منه عينٌ ولا أثرٌ ألا وهي:

١ - حرمة الفقّاع:

عنونها الكليني في الكافي ٢ ص ١٩٧. والشيخ في التهذيب ٢ ص ٣١٣. وفي الإستبصار ٢ ص ٢٤٥. وتوجد في الفقيه ٣ ص ٢١٧، ٣٦١، ولها عنوان في الوافي جمع الكتب الأربعة في الجزء الحادي عشر ص ٨٨. وتوجد من أدلّة الباب خمسة توقيعات للإمامين: أبي الحسن الرِّضا وأبي جعفر الثاني. وليس فيها عن التوقيع المهدويِّ ذكرٌ.

٢ - تحليل الخمس للشيعة:

عنونها الكليني في الكافي ١ ص ٤٢٥. والشيخ في التهذيب ١ ص ٢٥٦ - ٢٥٩

٢٨١

والإستبصار في الجزء الثاني ص ٣٣ - ٣٦. وذكرها الصدوق في الفقيه في الجزء الثاني ص ١٤، وهي معنونةٌ في الوافي في الجزء السادس ٤٥ - ٤٨، ومن أدلَّة الباب مكاتبة الإمامين: أبي الحسن الرِّضا وأبي جعفر الجواد عليهما السّلام، وليس فيها ذكرٌ عن توقيع الحجّة.

٣ - ثمن المغنِّية.

المسئلة معنونةٌ في الكافي ١ ص ٣٦١. وفي التهذيب ٢ ص ١٠٧ وفي الإستبصار ج ٢ ص ٣٦. وتوجد في الفقيه ٣ ص ٥٣: وهي معنونةٌ في جمعها الوافي في الجزء العاشر ص ٣٢. ولا يوجد فيها إيعازٌ إلى توقيع الإمام المنتظر.

فكلمة الآلوسي هذه أرشدتنا إلى جانبٍ مهمّ، وعرَّفتنا بذلك السرِّ المكتوم، وأرتنا ما هناك من حكمة صفح المشايخ عن تلكم الأحاديث الصادرة من الإمام المنتظر وهي بين أيديهم وأمام أعينهم. فأنت جِدٌّ عليم بأنَّه لو كان هناك شيئٌ مذكورٌ منها في تلكم الأُصول المدوَّنة لكان باب الطعن على المذهب الحقِّ (الإماميَّة) مفتوحاً بمصراعيه، ولكان تطول عليهم ألسنة المتقوِّلين، ويكثر عليهم الهوس والهياج ممَّن يروقه الوقيعة فيهم والتحامل عليهم.

إذن فهلمَّ معي نُسائل الرَّجل عن همزه ولمزه بمخاريقه وتقوُّلاته وتحكّماته وتحرُّشه بالوقيعة نسائله متى أخذت الإماميَّة غالب مذهبهم من الرُّقاع وتعبَّدوا بها؟ ومَن الّذي اعترف منهم بذلك؟ وأنّى هو؟ وفي أيِّ تأليفٍ اعترف؟ أم بأيّ راوٍ ثبت عنده ذلك؟.

وأنّى لِلصَّدوق رُقاعٌ؟ ومتى كتبها؟ وأين رواها؟ ومَن ذا الذي نسبها إليه؟ و قد جهل الرجل بأنَّ صاحب الرقعة هو والده الذي ذكره بقوله: منها رقعة عليِّ بن الحسين.

ومَا المسوِّغ لتكفيره؟ وهو من حملة علم القرآن والسنَّة النبويَّة، ومن الهُداة إلى الحقِّ ومعالم الدين، دع هذه كلّها ولا أقلَّ من أنَّه مسلمٌ يتشهَّد بالشهادتين، ويُؤمن بالله ورسوله والكتاب الذي أٌنزل إليه واليوم الآخر، أهكذا قرّر أدب الدين. أدب العلم. أدب العفَّة. أدب الكتاب. أدب السنَّة؟ أم تأمره به أحلامه؟ أبهذا السباب المقذع، والتحرُّش بالبذاء والقذف، يتأتَّى الصالح العام؟ وتسعد الأُمَّة الإسلاميَّة؟

٢٨٢

وتجد رُشدها وهُداها؟.

ثمَّ مَن الَّذي أخبره عن مزعمة الصَّدوق بنيل حاجته من ثُقب الأشجار؟ والصدوق متى سأل؟ وعمّاذا سأل؟ حتّى يكتب ويضع في ثقب شجرة أو غيرها ليلاً أو نهاراً ويجد جوابه فيها. ومَن الَّذي روى عنه تلك الأسئلة؟ ومَن رأى أجوبتها؟ ومَن حكاها؟ ومتى ثبتت عند الرافضة حتّى تكون من أقوى دلائلهم وأوثق حججهم؟ نعم: فتبّاً...

وليتني أقف وقومي على تلك الرُّقاع الكثيرة وقد جمعها العلّامة المجلسي في المجلّد الثالث عشر من «البحار» في اثنتي عشرة صحيفة من ص ٢٣٧ - ٢٤٩ والتي ترجع منها إلى الأحكام إنَّما تُعدٌّ بالآحاد ولا تبلغ حدَّ العشرات، فهل مستند تعبّد الإماميّة من بدء الفقه إلى غايته هذه الصحايف المعدودة؟ أم يحقُّ أن تكون تلك المعدودة بالآحاد هي مأخذ غالب مذهبهم؟. أنا لا أدري لكن القارئ يدري، إنَّما يفتري الكذب الَّذين لا يُؤمنون بآيات الله:

وليته كان يذكر رقعة عليِّ بن الحسين بن بابويه بنصِّها حتّى تعرف الأُمَّة أنَّها رقعةٌ واحدة ليست إلّا، وليس فيها ذكرٌ من الأحكام حتّى تتعَّبد بها الإماميَّة، وإليك لفظها برواية الشيخ في كتاب «الغيبة».

كتب عليُّ بن الحسين إلى الشيخ أبي القاسم حسين بن روح على يد عليِّ بن جعفر أن يسأل مولانا الصاحب أن يرزقه أولاداً فقهاء. فجاء الجواب: إنّك لا تُرزق من هذه وستملك جاريةً ديلميّةً وتُرزق منها ولدين فقيهين(١) . أترى هذه الرُّقعة ممّا يؤخذ منه المذهب؟! أو فيها مسّةٌ بالتعبّد؟

وأمّا رقاع محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري التي توجد في كتابي «الغيبة» و«الإحتجاج» فليست هي إلّا رقاعاً أربعاً ذكر الشيخ في «الغيبة» منها إثنتين في ص ٢٤٤ - ٢٥٠ تحتوي إحداهما تسع مسائل والأُخرى خمسة عشر سؤالاً، وزادهما الطبرسي في «الإحتجاج» رقعتين، ولو كان المفتري منصفاً لكان يشعر بأنَّ عدم إدخال الشيخ هذه المسائل في كتابيه: [التهذيب والإستبصار] إنّما هو لدحض هذه الشّبهة، وقطع

_____________________

١ - وقد ولد له أبو جعفر محمّد وأبو عبد الله الحسين من أم ولد.

٢٨٣

هذه المزعمة.

وقد خفي على الرَّجل أنَّ كتاب «الإحتجاج» ليس من تآليف الشيخ الطوسي محمّد بن الحسن وإنّما هو للشيخ أبي منصور أحمد بن عليِّ بن أبي طالب الطبرسي.

وفي قوله: والتوقيعات... إلخ. جنايةٌ كبيرةٌ وتمويهٌ وتدجيلٌ فإنّه بعد ما ادّعى على الإماميّة ترجيح التوقيع على المرويِّ بالإسناد الصحيح لدى التعارض استدلَّ عليه بقوله: قال إبن مابويه في الفقه: بعد ذكر التوقيعات الواردة من الناحية المقدَّسة في باب [الرَّجل يوصي إلى رجل]: هذا التوقيع عندي بخطِّ أبي محمّد إبن الحسن بن عليّ، إلخ.

فإنَّك لا تجد في الباب المذكور من الفقيه توقيعاً واحداً ورد من الناحية المقدَّسة فضلاً عن التوقيعات، وإنَّما ذكر في أوَّل الباب توقيعاً واحداً عن أبي محمَّد الحسن العسكري، وقد جعله الرَّجل أبا محمّد بن الحسن ليوافق فريته ذاهلاً عن أنَّ كنية الإمام الغائب أبو القاسم لا أبو محمّد، فلا صلة بما هناك لدعوى الرَّجل أصلاً، وها نحن نذكر عبارة الفقيه حتّى يتبيَّن الرُّشد من الغيِّ.

قال في الجزء الثالث ص ٢٧٥: باب الرجلين يوصى إليهما فينفرد كلُّ واحد منهما بنصف التركة. كتب محمَّد بن الحسن الصفّار رضي الله عنه إلى أبي محمَّد الحسن ابن عليّ عليهما السلام: رجلٌ أوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف؟ فوقَّع عليه السلام: لا ينبغي لهما أن يخالفا الميِّت ويعملان على حسب ما أمرهما إنشاء الله. وهذا التوقيع عندي بخطِّه عليه السلام.

وفي كتاب محمَّد بن يعقوب الكليني رحمه الله عن أحمد بن محمّد عن عليِّ بن الحسن الميثمي عن أخويه محمّد وأحمد عن أبيهما عن داود بن أبي يزيد عن بُريد بن معاوية قال: إنَّ رجلاً مات وأوصى إلى رجلين فقال أحدهما لصاحبه: خُذ نصف ما ترك و اعطني النصف ممّا ترك. فأبى عليه الآخر، فسألوا أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال: ذاك له. قال مصنِّف هذا الكتاب رحمه الله: لست أفتي بهذا الحديث، بل: أفتي بما عندي بخطِّ الحسن بن عليٍّ عليه السلام. ا هـ. إقرأ واحكم.

وأمّا رقاع أبي العبّاس والحسين وأحمد وعليّ فإنها لم توجد قطُّ في مصادر

٢٨٤

الشيعة، ولا يُذكر منها شيئٌ في أُصول الأحكام، ومراجع الفقه الإماميَّة، ولعمري لو كان المفتري يجد فيها شيئاً منها لأعرب عنه بصراخه.

وأبو العبّاس كنيه عبد الله بن جعفر الحميري وهو صاحب «قرب الإسناد» لا جعفر بن عبد الله كما حسبه المغفّل، وإنَّما جعفر ومحمَّد الذي ذكره قبلُ [ولم يعرفه] والحسين وأحمد إخوان أربعة أولاد أبي العبّاس المذكور، ولم يُر في كتب الشيعة برمَّتها لغير محمَّد بن عبد الله المذكور أثرٌ من الرُّقاع المنسوبة إليهم، ولم يحفظ التاريخ لهم غير كلمة المؤلِّفين في تراجمهم: إنَّ لهم مكاتبة. هذه حال الرُّقاع عند الشيعة وبطلان نسبة إبتناء أحكامهم عليها.

وهناك أغلاطٌ للرَّجل في كلمته هذه تكشف عن جهله المطبق وإليك ما يلي:

موسى بن مابويه (في غير موضع) والصحيح: موسى بن بابويه

أبا القاسم بن أبي الحسين والصحيح: أبا القاسم الحسين

مالك الحريري. الفقه والصحيح: مالك الحميري. الفقيه

أبي العبّاس جعفر بن عبد الله والصحيح: أبي العبّاس عبد الله

سليمان بن الحسين والصحيح: سليمان بن الحسن

أبو الحسن الرّازي والصحيح: أبو الحسن الزُّراري

عجباً للرَّجل حين جآء ينسب وينقد ويردّ ويُفنِّد وهو لا يعرف شيئاً من عقايد القوم وتعاليم مذهبهم، ومصادر أحكامهم، وبرهنة عقايدهم، ولا يعرف الرِّجال وأسماءهم، ويجهل الكتب ونسبها، ولا يفرَّق بين والدٍ ولا وَلد، ولا بين مولود و بين مَن لم يولد بعدُ، ولو كان يروقه صيانة ماء وجهه لكفَّ القلم فهو أستر لعورته.

٦ - ذكر في ص ٦٤، ٦٥ عدّةً من عقايد الشيعة، جملةٌ منها مكذوبةٌ عليهم كشتمهم جمهور أصحاب رسول الله وحكمهم بارتدادهم إلّا العدد اليسير، وقولهم: بأنَّ الأئمَّة يوحى إليهم(١) . وإنَّ موت الأئمَّة باختيارهم. وإنَّهم اعتقدوا بتحريف القرآن ونقصانه وإنَّهم يقولون. بأنَّ الحجَّة المنتظر إذا ذُكر في مجلس حضر فيقومون

_____________________

م - ١ - يأتي البحث عن هذا وما يليه في الجزء الخامس إنشاء الله تعالى).

٢٨٥

له(١) وإنكارهم كثيراً من ضروريّات الدين.

قال الأمينيّ: نعم: الشيعة لا يحكمون بعدالة الصحابة أجمع، ولا يقولون إلّا بما جاء فيهم في الكتاب والسنّة وسنوقفك على تفصيله في النقد على كتاب (الصراع بين الإسلام والوثنيَّة). وأمّا بقيَّة المذكورات فكلّها تحاملٌ ومكابرةٌ بالإفك، ثمَّ جآء بكلمة عوراء، وقارصةٍ شوهاء، ألا وهي قوله في ص ٦٥، ٦٦:

وما تكلّم (يعني السيِّد محسن الأمين) به في المتعة يكفي لإثبات ضلالهم، وعندهم متعةٌ أخرى يُسمّونها [المتعة الدوريَّة] ويروون في فضلها ما يروون، وهي: أن يتمتَّع جماعةٌ بامرأةٍ واحدةٍ، فتكون لهم من الصبح إلى الضحى في متعة هذا؛ ومن الضحى إلى الظهر في متعة هذا، ومن الظهر إلى العصر في متعة هذا، ومن العصر إلى المغرب في متعة هذا. ومن المغرب إلى العشاء في متعة هذا، ومن العشاء إلى نصف الليل في متعة هذا، ومن نصف الليل إلى الصبح في متعة هذا. فلا بدع ممّن جوَّز مثل هذا النكاح أن يتكلّم بما تكلّم به ويسمّيه «الحصون المنيعة» إلخ(٢)

نسبة المتعة الدوريَّة وقل: الفاحشة المبيّنة إلى الشيعة إفكٌ عظيمٌ تقشعرُّ منه الجلود، وتكفهرُّ منه الوجوه، وتشمئزُّ منه الأفئدة، وكان الأحرى بالرَّجل حين أفك أن يتّخذ له مصدراً من كتب الشيعة ولو سواداً على بياض من أيِّ ساقطٍ منهم، بل نتنازل معه إلى كتاب من كتب قومه يسند ذلك إلى الشيعة، أو سماعٍ عن أحدٍ لهج به، أو وقوف منه على عمل ارتكبه أُناسٌ ولو من أوباش الشيعة وأفنائهم، لكنَّ المقام قد أعوزه عن كلِّ ذلك لأنَّه أوَّل صارخ بهذا الإفك الشائن، ومنه أخذ القصيمي في [الصراع بين الإسلام والوثنيَّة] وغيره.

وليت الشيعة تدري متى كانت هذه التسمية؟ وفي أيِّ عصر وقعت؟ ومَن أوّل مَن سمّاها؟ ولِمَ خَلت عنها كتب الشيعة برمّتها؟. أنا أقول «وعند جُهينة الخبر

_____________________

١ - قيام الشيعة عند ذكر الإمام ليس لحضوره كما زعمه الآلوسي وإنّما هو لما جاء عن الإمامين الصادق والرضا عليهما السلام من قيامهما عند ذكره وهو لم يولد بعد، وليس هو إلّا تعظيماً له كالقيام عند ذكر رسول الله المندوب عند أهل السنة كما في (السيرة الحلبية) ١ ص ٩٠.

٢ - يوافيك بسط القول في المتعة في الجزء السادس إنشاء الله تعالى.

٢٨٦

اليقين»: هو هذا العصر الذهبيّ، عصر النور، عصر الآلوسي، وهو أوَّل من سمّاها بعد أن إخترعها، والشيعة لم تعلمها بعدُ.

وليت الرَّجل ذكر شيئاً من تلك الرِّوايات التي زعم أنَّ الشيعة ترويها في فضل المتعة الدوريّة؛ وليته دلّنا على مَن رواها، وعلى كتابٍ أو صحيفةٍ هي مودعةٌ فيها، نعم: الحق معه في عدم ذكر ذلك كلّه لأنَّ الكذب لا مصدر له إلّا القلوب الخائنة، والصدور المملوكة بالوسواس الخنّاس.

وأمّا العَلَم الحجّة سيِّدنا المحسن الأمين (صاحب الحصون المنيعة) الذي يزعم الرَّجل أنّه يجوِّز مثل هذا النكاح ففي أيٍّ من تآليفه جوَّز ذلك؟ ولِمَن شافهه به؟ ومتى قاله؟ وأنّى نوَّه به؟ وها هو حيٌّ يُرزق (مدَّ الله في عمره) وهل هو إلّا رجلٌ هَمّ(١) عَلمٌ من أعلام الشريعة، وإمامٌ من أئمّة الإصلاح. لا يتنازل إلى الدَّنايا، ولا يقول بالسفاسف، ولا تُدنّس ساحة قدسه بهذه القذائف والفواحش؟.

هذه نبذةٌ يسيرةٌ من الأفائك المودعة في رسالة (السنّة والشيعة) وهي مع أنّها رسالةٌ صغيرةٌ لا تعدو صفحاتها ١٣٢ لكن فيها من البوائق ما لعلَّ عدَّتها أضعاف عدد الصفحات، وحسبك من نماذجها ما ذكرناه.

( إِنّ الّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لّكُم

بَلْ هُوَ خَيْرٌ لّكُمْ لِكُلّ امْرِئٍ مِنْهُم مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ

وَالّذِي تَوَلّى‏ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ )

سورة النور: ١١

_____________________

١ - أي ذو همة يطلب معالي الأمور.

٢٨٧

١٠

الصراع

بين الإسلام والوثنية

تأليف عبد الله على القصيمي نزيل القاهرة

لعلّ في نفس هذا الاسم دلالة واضحة على نفسيات مؤلفه وروحياته وما أودعه في الكتاب من الخزايات؛ فأول جنايته على المسلمين عامة تسميته بالوثنية أمما من المسلمين يُعد كل منها بالملائين، وفيهم الأئمة والقادة والعلماء والحكماء والمفسرون والحفاظ والادلاء على دين الله الخالص، وفي مقدمهم أمّة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

فهل ترى هذه التسمية تدع بين المسلمين ألفة؟ وتذر فيهم وئاما؟ وتبقى بينهم مودة؟ وهل تجد لو اطردت أمثالها كلمة جامعة تتفيأ الأمّة بظلها الوارف؟ نعم: هي التي تبذر بين الملأ الديني بذور الفرقة، وتبثّ فيهم روح النفرة، تتضارب من جرّاءها الآراء، وتتباين الفكر، وربما انقلب الجدال جلادا، كفى الله المسلمين شرها.

فإلى الدعة والسلام، وإلى الإخاء والوحدة أيها المسلمون جميعاً من غير اكتراث لصخب هذا المعكر للصفو، والمقلق للسلام، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء، لا تتبعوا خطوات الشيطان، ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر.

وأما ما في الكتاب من السباب المقذع والتهتك والقذائف والطامات والأكاذيب والنسب المفتعلة فلعلها تربو على عدد صفحاته البالغة ١٦٠٠ وإليك نماذج منها:

١ - قال: من الظرائف أنَّ شيخاً من الشيعة إسمه بيان كان يزعم أنَّ الله يعنيه بقوله: هذا بيانٌ لِلنّاسِ. وكان آخر منهم يلقّب بالكسف فزعم هو وزعم له أنصاره إنَّه المعنيّ بقول الله: وإن يروا كِسفاً مِنَ السّماء. الآية. ص ع و ٥٣٨.

ج - إن هي إلّا أساطير الأوَّلين التي اكتتبها قلم إبن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص ٨٧، وإن هي إلّا من الفرق المفتعلة التي لم تكن لها وجودٌ وما وجدت بعدُ،

٢٨٨

وإنَّما اختلقتها الأوهام الطائشة، ونسبتها إلى الشيعة ألسنة حملة العصبيَّة العمياء نظراء إبن قتيبة والجاحظ والخيّاط، ممّن شوِّهت صحائف تآليفهم بالإفك الفاحش، وعرَّفهم التاريخ للمجتمع بالإختلاق والقول المزوَّر، فجاء القصيمي بعد مضيِّ عشرة قرون على تلك التافهات والنسب المكذوبة يجدِّدها ويردُّ بها على الإماميَّة اليوم، ويتَّبع الذين قد ضلّوا من قبلُ وأضلّوا كثيراً وضلّوا عن سواء السبيل، فذرهم و ما يفترون.

هب أنَّ للرجلين [بيان وكسف] وجوداً خارجيّاً ومعتقداً كما يزعمه القائل وإنَّهما من الشيعة - وأنّي له بإثبات شيءٍ منها - فهل في شريعة الحجاج، وناموس النصفة، وميزان العدل، نقد أُمَّة كبيرةٍ بمقالة معتوهين يُشكُّ في وجودهما أوَّلاً، وفي مذهبهما ثانياً، وفي مقالتهما ثالثاً؟..

٢ - قال: ذكر الأمير الجليل شكيب أرسلان في كتاب [حاضر العالم الإسلامي](١) إنَّه التقى بأحد رجال الشيعة المثقَّفين البارزين فكان هذا الشيعيُّ يمقت العرب أشدَّ المقت ويُزري بهم أيّما إزراء، ويغلو في عليِّ بن أبي طالب وولده غلوّاً يأباه الإسلام والعقل فعجب الأمير الجليل لأمره وسأله كيف تجمع بين مقت العرب هذا المقت و حبّ عليٍّ ووُلده هذا الحبّ؟ وهل عليٌّ وولده إلّا من ذروة العرب وسنامها الأشمّ؟ فانقلب الشيعيُّ ناصبيّاً واهتاج وأصبح خصماً لعليٍّ وبنيه وقال ألفاظاً في الإسلام و العرب مستكرهة ص ١٤.

ج - هذا النقل الخرافيُّ يُسفُّ بأمير البيان إلى حضيض الجهل والضعة، حيث حكم بثقافة إنسان وبروزه والى أناساً وغلا في حبّهم ردحاً من الزمن وهو لا يعرف عنصرهم، أوَ كان يَحسب أنّهم من الترك أو الديلم؟ وهل تجد في المسلمين جاهلاً لا يعرف أنَّ محمّد وآله صلوات الله عليه وعليهم من ذروة العرب وسنامها الأشمّ؟ وقد منَّ عليه الأمير حيث لم يُخبره بأنَّ مشرِّف العترة الرَّسول الأعظم هو المحبتي على تلك الذَّروة وذلك السنام لئلّا يرتدَّ المثقّف إلى المجوسيَّة، ولا أرى سرعة إنقلاب المثقَّف

_____________________

١ - كتاب يفتقر جداً إلى نظارة التنقيب. ينم عن قصور باع مؤلّفه، وعدم عرفانه بمعتقدات الشيعة، وجهله بأخبارهم وعاداتهم، غير ما لفقه قومه من أباطيل ومخاريق فأخذه حقيقة راهنة، وسود به صحائف كتابه بل صحايف تاريخه.

٢٨٩

البارز إلّا معجزة للأمير في القرن العشرين (لا القرن الرابع عشر).

هذا عند مَن يصدِّق القصيميَّ «المصارع» في نقله، وأمّا المراجع كتاب الأمير [حاضر العالم الإسلامي] فيجد في الجزء الأوَّل ص ١٦٤ ما نصّه:

كنت أحادث إحدى المرار رجلاً من فضلائهم [يعني الشيعة] ومن ذوي المناصب العالية في الدولة الفارسيّة، فوصلنا في البحث إلى قضيّة العرب والعجم، وكان محدِّثي على جانب عظيم من الغلوِّ في التشيّع إلى حدّ أنّي رأيت له كتاباً مطبوعاً مصدَّراً بجملة [هو العليُّ الغائب] فقلت في نفسي: لا شكَّ أنَّ هذا الرَّجل لشدَّة غلوِّه في آل البيت، ولعلمه أنَّهم من العرب، لا يمكنه أن يكره العرب الذِّين آل البيت منهم، لأنّه يستحيل الجمع بين البغض والحبِّ في مكان واحدٍ، ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه، ولقد أخطأ ظنّي في هذا أيضاً، فإنّي عندما سُقت الحديث إلى مسئلة العربيّة والعجميّة وجدته انقلب عجميّاً صرفاً ونسي ذلك الغلوّ كلّه في عليّ عليه السلام وآله، بل قال لي هكذا وكان يحدِّثني بالتركيّة: [ايران بر حكومت إسلاميّة دكلدر يالكزدين إسلامي اتخاذ ايتمش بر حكومتدر] أي إيران ليست بحكومة إسلاميّة وأنّما هي حكومةٌ اتخذت لنفسها دين الإسلام.

إقرأوا عجب من تحريف الكلم عن مواضعه، هكذا يفعل القصيميُّ بكلمات قومه فكيف بما خطّته يد من يُضادُّه في المبدء.

والقارئ جِدُّ عليم بأنّ الأمير [شكيب أرسلان] قد غلت أيضاً في فهم ما صدَّر الشيعيُّ الفاضل به كتابه من جملة [هو العليُّ الغالب] وإتّخاذه دليلاً على الغلوِّ في التشيّع، فإنّها كلمةٌ مطّردة تُكتب وتُقال كقولهم: [هو الواحد الأحد] وما يجري مجراه، تُقصد بها أسماء الله الحسنى؛ وهي كالبسملة في التيمّن بافتتاح القول بها.

وأنت لا تجد في الشيعة من يبغض العروبة، وهو يعتنق ديناً عربيّاً صدع به عربيّ صميمٌ، وجآء بكتاب عربيِّ مبينٍ وفي طيِّه:( ءَأَعْجَمِيّ وَعَرَبِيّ ) ؟(١) وقد خلفه على أمر الدين والأُمّة سادات العرب، ولا يستنبط أحكام الدين إلّا بالمأثورات العربيّة عن أولئك الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم المنتهية علومهم إلى مؤسِّس

_____________________

١ - سورة فصلت آية ٤٤.

٢٩٠

الدعوة الإسلاميّة صلّى الله عليه وآله، وهو يدعو الله في آناء الليل وأطراف النّهار بالأدعية المأثورة عنهم بلغة الضاد، ويطبع وينشر آلافاً من الكتب العربيَّة في فنونها؛ فالشيعيُّ عربيٌّ في دينه، عربيٌّ في هواه، عربيٌّ في مذهبه؛ عربيٌّ في نزعته، عربيٌّ في ولائه، عربيٌّ في خلايقه، عربيٌّ عربيٌّ عربيٌّ...

نعم: يبغض الشيعيُّ زعانفةً بخسوا حقوق الله، وضعضعوا أركان النبوَّة، وظلموا أئمَّة الدين، واضطهدوا العترة الطاهرة؛ وخانوا على العروبة، عُرباً كانوا أو أعاجم وهذه العقيدة شرعٌ سواءٌ فيها الشيعيُّ العربيُّ والعجميُّ.

ولكن شاء الهوى، ودفعت الضغاين أصحابه إلى تلقين الأُمَّة بأنَّ التشيّع نزعةٌ فارسيَّةٌ والشيعيُّ الفارسيُّ يمقت العرب. شقّاً لِلعصا، وتفريقاً لِلكلم، وتمزيقاً لِجمع الأُمَّة، وأنا أرى أنَّ القصيمي والأمير قبله في كلمات أُخرى يريد أن ذلك كلِّه، وما أُريكم إلّا ما أرى وما أهديكم إلّا سبيل الرَّشاد.

٣ - قال: إنَّ الشيعة في ايران نصبوا أقواس النصر، ورفعوا أعلام السرور والإبتهاج في كلِّ مكان من بلادهم لما انتصر الروس على الدولة العثمانيَّة في حروبها الأخيرة ص ١٨.

ج - هذه الكلمة مأخوذةٌ من الآلوسي الآنف ذكره وذكر فريته والجواب عنها ص ٢٦٧ غير أنَّ القصيمي كساها طلاءً مبهرجةً؛ وكم ترك الأوَّل للآخر.

٤ - قال: الشيعة قائلون في عليٍّ وبنيه قول النصارى في عيسى بن مريم سواءً مثلاً من القول بالحلول والتقديس والمعجزات ومن الإستغاثة به ونداءه في الضّراء والسرّاء والإنقطاع إليه رغبةً ورهبةً وما يدخل في هذا المعنى، ومَن شاهد مقام عليٍّ أو مقام الحسين أو غيرهما من آل البيت النبوي وغيرهم في النَّجف وكربلا و غيرهما من بلاد الشيعة وشاهد ما يأتونه من ذلك هنالك علم أنَّ ما ذكرناه عنهم دُوين الحقيقة، وأنَّ العبارة لا يمكن أن تفي بما يقع عند ذلك المشاهد من هذه الطائفة، ولأجل هذا فإنَّ هؤلاء لم يزالوا ولن يزالوا من شرِّ الخصوم للتوحيد وأهل التوحيد ص ١٩.

ج - أمّا الغلوُّ بالتأليه والقول بالحلول فليس من معتقد الشيعة، وهذه كتبهم في العقايد طافحةٌ بتكفير القائلين بذلك، والحكم بارتدادهم، والكتب الفقهيَّة بأسرها حاكمةٌ بنجاسة أسآرهم.

٢٩١

وأمّا التقديس والمعجزات فليسا من الغلوِّ في شيءٍ فإنَّ القداسة بطهارة المولد، ونزاهة النفس عن المعاصي والذنوب؛ وطهارة العنصر عن الديانا والمخازي لازمةُ منصَّة الأئمَّة، وشرط الخلافة فيهم كما يُشترط ذلك في النبيِّ صلّى الله عليه وآله.

وأمّا المعجزات فإنَّها من مثبتات الدعوى، ومتمّات الحجَّة، ويجب ذلك في كلِّ مدَّع للصلة بينه وبين ما فوق الطبيعة، نبيّاً كان أو إماماً، ومعجز الإمام في الحقيقة معجزٌ للنبيِّ الذي يخلفه على دينه وكرامةٌ له، ويجب على المولى سبحانه في باب اللطف أن يحقَق دعوى المحقِّ بإجراء الخوارق على يديه، تثبيتاً للقلوب، و إقامةً للحجَّة؛ حتّى يقرِّبهم إلى الطاعة ويبعِّدهم عن المعصية، لدة ما في مدَّعي النبوَّة من ذلك، كما يجب أيضاً أن ينقض دعوى المبطل إذا تحدّى بتعجيزه كما يؤثر عن مسيلمة وأشباهه.

وإنَّ من المفروغ عنه في علم الكلام كرامات الأولياء، وقد برهنت عليها الفلاسفة بما لا معدل عنه ويضيق عنه المقام، فإذا صحَّ ذلك لكلِّ وليٍّ، فلماذا يُعدُّ غلوّاً في حجج الله على خلقه؟ وكتب أهل السنَّة وتآليفهم مفعمةٌ بكرامات الأولياء، كما أنَّها معترفةٌ بكرامات مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

وأمّا الإستغاثة والنداء والإنقطاع وما أشار إليها فلا تعدو أن تكون توسّلاً بهم إلى المولى سبحانه، واتِّخاذهم وسائل إلى نُجح طلباتهم عنده جلّت عظمته، لقربهم منه، وزلفتهم إليه، ومكانتهم عنده، لأنَّهم عبادٌ مكرمون، لا لأنَّ لذواتهم القدسيَّة دخلاً في إنجاح المقاصد أوّلاً وبالذّات، لكنَّهم مجاري الفيض، وحلقات الوصل، ووسايط بين المولى وعبيده [كما هو الشأن في كلِّ متقرِّب من عظيم يُتوسَّل به إليه] وهذا حكمٌ عامٌّ لِلأولياء والصالحين جميعاً، وإن كانوا متفاوتين في مراحل القرب، كلّ هذا مع العقيدة الثابتة بأنَّه لا مأثِّر في الوجود إلّا الله سبحانه، ولا تقع في المشاهد المقدَّسة كلّها من وفود الزائرين إلّا ما ذكرناه من التوسّل(١) ، فأين هذه من مضادَّة التوحيد!؟ وأين هؤلاء من الخصومة معه ومع أهله؟! فذرهم وما يفترون إنَّما يفتري الكذب الَّذين لا يُؤمنونَ بآياتِ الله وأولئكُ همُ الكاذبون.

_____________________

١ - فصلنا القول في ذلك في الجزء الخامس من كتابنا هذا.

٢٩٢

٥ - قال: تذهب الشيعة تبعاً للمعتزلة إلى إنكار رؤية الله يوم القيامة، وإنكار صفاته، وإنكار أن يكون خالقاً أفعال العباد لشبهاتٍ باطلةٍ معلومةٍ، وقد جمع العلماء من أهل الحديث والسنَّة والأثر كالأئمَّة الأربعة على الإيمان بذلك كلِّه، ليس بينهم خلافٌ في أنَّ الله خالقُ كلِّ شيءٍ حتّى العباد وأفعالهم، ولا في رؤية الله يوم القيامة.

ومن عجب أن تُنكر الشيعة ذلك خوف التشبيه وهم يقولون بالحلول والتشبيه الصريح وبتأليه البشر ووصف الله بصفات النقص، وأهل السنَّة يعدُّون الشيعة والمعتزلة مبتدعين غير مهتدين في جحدهم هذه الصفات. ١ ص ٦٨.

ج - إنَّ الرَّجل قلّد في ذات الله وصفاته إبن تيميَّة وتلميذه إبن القيِّم، ومذهبهما في ذلك كما قال الزرقاني المالكي في شرح المواهب ٥ ص ١٢: إثبات الجهة والجسميَّة وقال: قال المناوي: أمّا كونهما من المبتدعة فمسلّم. والقصيمي يقدّسهما ورأيهما و يصرِّح بالجهة ويعيِّنها، وله فيها كلماتٌ كثيرةٌ في طيِّ كتابه، ونحن لا نُناقشه في هذا الرأي الفاسد، ونحيل الوقوف على فساده إلى الكتب الكلاميَّة من الفريقين، والذي يُهمّنا إيقاف القارئ على كذبه في القول واختلاقه في النسب.

إنَّ الشيعة لم تتَّبع المعتزلة في إنكار رؤية الله يوم القيامة بل تتّبع برهنة تلك الحقيقة الراهنة من العقل والسمع، وحاشاهم عن القول بالحلول والتشبيه وتأليه البشر وتوصيف الله بصفات النقص وإنكار صفات الله الثابتة له، بل إنَّهم يقولون جمعآء بكفر من يعتقد شيئاً من ذلك، راجع كتبهم الكلاميَّة قديماً وحديثاً، وليس في وسع الرجل أن يأتي بشيءٍ ممّا يدلُّ على ما باهتهم، ولعمري لو وجد شيئاً من ذلك لصدح به وصدع.

نعم: تُنكر الشيعة أن تكون لله صفاتٌ ثبوتيَّةٌ زايدةٌ على ذاته وإنَّما هي عينها، فلا يقولون بتعدّد القدماء معه سبحانه، وإنّ لسان حالهم ليناشد مَن يخالفهم بقوله:

إخواننا الأدنين منّا ارفقوا

لقد رقيتم مرتقى صعبا

إن ثلّثت قومٌ أقانيمهم

فإنَّكم ثمَّنتمُ الربّا

وللمسئلة بحثٌ ضاف مترامي الأطراف تتضمَّنه كتب الكلام.

وأمّا أفعال العباد فلو كانت مخلوقةً لله سبحانه خلق تكوين لبطل الوعد و

٢٩٣

الوعيد والثواب والعقاب، وإنَّ من القبيح تعذيب العاصي على المعصية وهو الَّذي أجبره عليها، وهذه من عويصات مسائل الكلام قد أُفيض القول فيها بما لا مزيد عليه، وإنَّ من يقول بخلق الأفعال فقد نسب إليه سبحانه القبيح والظلم غير شاعر بهما، و ما استند إليه القصيمي من الإجماع وقول القائلين لا يكاد يجديه نفعاً تجاه البرهنة الدامغة.

وأمّا قذف أهل السنَّة الشيعة والمعتزلة بما قذفوه وعدُّهم من المبتدعين فإنَّها شنشنةٌ أعرفها من أخزم.

٦ - قال في عدّ معتقدات الشيعة: وذرِّيَّة النبيِّ جميعاً محرَّمون على النّار معصومون من كلِّ سوء. في الجزء الثاني صحيفة ٣٢٧ من كتاب «منهاج الشريعة» زعم مؤلِّفه أنّ الله قد حرَّم جميع أولاد فاطمة بنت النبيِّ على النّار، وإنَّ من فاته منهم أوَّلاً فلا بدَّ أن يوفَّق إليه قبل وفاته. قال: ثمَّ الشفاعة من وراء ذلك.

وقال في «أعيان الشيعة» الجزء الثالث صفحة ٦٥: إنَّ أولاد النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام لا يخطئون ولا يذنبون ولا يعصون الله إلى قيام الساعة. ٢ ج ص ٢٠.

ج - إنَّ الشيعة لم تكس حلّة العصمة إلّا خلفاء رسول الله الإثنى عشر من ذريّته وعترته وبضعته الصِّديقة الطاهرة بعد أن كساهم الله تعالى تلك الحلّة الضافية بنصِّ آية التطهير في خمسةٍ أحدهم نفس النبيِّ الأعظم، وفي البقيَّة بملاك الآية والبراهين العقليَّة المتكثرة والنصوص المتواترة، وعلى هذا أصفق علمآءهم والأًمّة الشيعيَّة جمعاء في أجيالهم وأدوارهم، وإن كان هناك ما يوهم إطلاقاً أو عموماً فهو منزَّلٌ على هؤلاء فحسب. وإن كان في رجالات أهل البيت غيرهم أولياء صدّيقون أزكياء لا يجترحون السيّئات إلّا أنَّ الشيعة لا توجب لهم العصمة.

وأمّا ما استند إليه الرَّجل من كلام صاحب «منهاج الشريعة» فليس فيه أيّ إشارة إلى العصمة، بل صريح القول منه خلافها لأنَّه يثبت أنَّ فيهم من تفوته ثمَّ يتدارك بالتوبة قبل وفاته، ثمَّ الشفاعة من وراء ذلك، فرجلٌ يقترف السيّئة، ثمَّ يوفَّق للتوبة عنها، ثمَّ يُعفى عنها بالشفاعة لا يُسمّى معصوماً، بل هذه خاصَّة كلِّ مؤمن يتدارك مره بالتوبة، وإنَّما الخاصَّة بالذريَّة التمكّن من التوبة على إيّ حال.

قال القسطلاني في «المواهب» والزرقاني في شرحه ٣ ص ٢٠٣: (روي) عن

٢٩٤

إبن مسعود رفعه (إنَّما سُمِّيت فاطمة) بإلهام من الله لرسوله إن كانت ولادتها قبل النبوَّة، وإن كانت بعدها فيحتمل بالوحي «لأنَّ الله قد فطمها» من الفطم وهو المنع ومنه فطم الصبيّ «وذرِّيَّتها عن النار يوم القيامة» أي منعهم منها، فأمّا هي وأبناها فالمنع مطلقٌ، وأمّا مَن عداها فالمنوع عنهم نار الخلود فلا يمتنع دخول بعضهم للتطهير، ففيه بشرى لآله صلّى الله عليه وسلّم بالموت على الإسلام، وإنَّه لا يختم لأحد منهم بالكفر نظيره ما قاله الشريف السمهودي في خبر الشفاعة لمن مات بالمدينة، مع أنَّه يشفع لكلِّ من مات مسلماً، أو أنَّ الله يشآء المغفرة لمن واقع الذنوب منهم إكراماً لفاطمة سلام الله عليها أو يوفِّقهم للتوبة النصوح ولو عند الموت ويقبلها منهم [أخرجه الحافظ الدمشقي] هو إبن عساكر.

«وروى الغسّاني والخطيب» وقال: فيه مجاهيل (مرفوعاً) إنَّما سُمِّيت فاطمة «لأنَّ الله فطمها ومحبّيها عن النار» ففيه بشرى عميمة لكلِّ مسلم أحبَّها وفيه التأويلات المذكورة. وأمّا ما رواه أبو نعيم والخطيب: أنَّ عليّاً الرِّضا بن موسى الكاظم إبن جعفر الصّادق سُئل عن حديث: إنَّ فاطمة أحصنت فرجها فحرَّمها الله وذريَّتها على النار. فقال: خاصٌّ بالحسن والحسين. وما نقله الأخباريّون عنه من توبيخه لأخيه زيد حين خرج على المأمون. وقوله: ما أنت قائلٌ لرسول الله؟ أغرَّك قوله: إنَّ فاطمة أحصنت؟ الحديث. إنّ هذا لِمن خرج من بطنها لا لي ولا لك، والله ما نالوا ذلك إلّا بطاعة الله، فإن أردت أن تنال بمعصيته ما نالوه بطاعته؟ إنَّك إذاً لأكرم على الله منهم. فهذا من باب التواضع والحثِّ على الطاعات وعدم الإغترار بالمناقب وإن كثرت، كما كان الصحابة المقطوع لهم بالجنَّة على غايةٍ من الخوف والمراقبة، وإلّا فلفظ «ذريَّة» لا يخصُّ بمن خرج من بطنها في لسان العرب ومن ذريَّته داود وسليمان. الآية. وبينه و بينهم قرونٌ كثيرةٌ، فلا يُريد بذلك مثل عليِّ الرِّضا مع فصاحته، ومعرفته لغة العرب، على أنَّ التقييد بالطائع يبطل خصوصيَّة ذريَّتها ومحبِّيها إلّا أن يُقال: لله تعذيب الطائع فالخصوصيَّة أن لا يُعذِّبه إكراماً لها. والله أعلم(١) .

م وأخرج الحافظ الدمشقي بإسناده عن عليٍّ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

_____________________

١ - بقية العبارة مرّت ص ١٧٦. ما بين القوسين لفظ المواهب.

٢٩٥

لفاطمة رضي الله عنها: يا فاطمة تدرين لِم سُمِّيتِ فاطمة؟ قال عليٌّ رضي الله عنه لِمَ سُمِّيت؟ قال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد فطمها وذريّتها عن النار يوم القيامة. وقد رواه الإمام عليّ بن موسى الرِّضا في مسنده ولفظه: إنَّ الله فطم إبنتي فاطمة وولدها ومن أحبّهم من النار)(١) .

أيرى القصيميُّ بعد أنَّ الشيعة قد إنفردوا بما لم يقله أعلام قومه؟ أو رووا بحديث لم يروه حفّاظ مذهبه؟ أو أتوا بما يخالف مبادئ الدين الحنيف؟ وهل يسعه أن يتَّهم إبن حجر والزرقاني ونظرائهما من أعلام قومه، وحفّاظ نحلته المشاركين مع الشيعة في تفضيل الذريَّة؟! ويرميهم بالقول بعصمتهم؟! ويتحامل عليهم بمثل ما تحامل على الشيعة؟.

وليس من البِدْع تفضّل المولى سبحانه على قوم بتمكينه إيّاهم من النزوع من الآثام، والندم على ما فرَّطوا في جنبه، والشفاعة من ورآء ذلك، ولا ينافي شيئاً من نواميس العدل ولا الأصول المسلّمة في الدين، فقد سبقت رحمته غضبه ووسعت كلَّ شيئٍ.

وليس هذا القول المدعوم بالنصوص الكثيرة بأبدع من القول بعدالة الصحابة أجمع والله سبحانه يعرِّف في كتابه المقدَّس أُناساً منهم بالنفاق وانقلابهم على أعقابهم بآيات كثيرة رامية غرضاً واحداً، ولا تنس ما ورد في الصِّحاح والمسانيد ومنها: ما في صحيح البخاري من أنَّ أُناساً من أصحابه صلّى الله عليه وسلّم يُؤخذ بهم ذات الشمال فيقول: أصحابي أصحابي فيقال: إنَّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم.

وفي صحيح آخر: ليرفعنَّ رجالٌ منكم ثمَّ ليختلجنَّ دوني فأقول: يا ربّ أصحابي فيقال: إنَّك لا تدري ما أحدثوا بعدك.

وفي صحيح ثالث: أقول أصحابي فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك.

وفي صحيح رابع: أقول إنَّهم منّي فيقال: إنَّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول سُحقاً سُحقاً لمن غيَّر بعدي.

وفي صحيح خامس: فأقول: يا ربّ أصحابي. فيقول: إنَّك لا علم لك بما أحدثوا

_____________________

م ١ - عمدة التحقيق تأليف العبيدي المالكي المطبوع في هامش روض الرياحين لليافعي ص ١٥).

٢٩٦

بعدك. إنَّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى.

وفي صحيح سادس: بينا أنا قائمٌ إذا زمرةٌ حتّى إذا عرفتهم خرج رجلٌ من بيني وبينهم. فقال. هلمَّ. فقلت. أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنَّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى. ثمَّ إذا زمرةٌ حتى إذا عرفتهم خرج رجلٌ من بيني و بينهم فقال: هلمَّ. قلت: أين؟ قال. إلى النار والله. قلت: ما شأنهم؟ قال: إنَّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل هَمَل النعم(١) . قال القسطلاني في شرح صحيح البخاري ٩ ص ٣٢٥ في هذا الحديث: همَل بفتح الهاء والميم: ضوالُّ الإبل واحدها: هامل. أو: الإبل بلا راع. ولا يقال ذلك في الغنم، يعني: إنَّ الناجي منهم قليلٌ في قلّة النعم الضالَّة، وهذا يشعر بأنّهم صنفان كفّارٌ وعُصاةٌ. ا هـ.

وأنت من وراء ذلك كلّه جِدُّ عليمٍ بما شجر بين الصحابة من الخلاف الموجب للتباغض والتشاتم والتلاكم والمقاتلة القاضية بخروج إحدى الفريقين عن حيِّز العدالة، ودع عنك ما جاء في التأريخ عن أفراد منهم من ارتكاب المآثم والإتيان بالبوائق.

فإذا كان هذا التعديل عنده وعند قومه لا يستتبع لوماً ولا يعقِّب هماجة، فأيّ حزارةٍ في القول بذلك التفضّل الّذي هو من سنّة الله في عباده؟! ولن تجد لسنَّة الله تبديلا.

وأمّا ما أردفه في الإستناد من كلام سيِّدنا الأمين في «أعيان الشيعة» ٣ ص ٦٥ فإنّي ألفت نظر القارئ إلى نصِّ عبارته حتّى يعرف مقدار الرَّجل من الصِّدق والأمانة في النقل، ويرى محلّه من الأرجاف وقذف رجل عظيم من عظماء الأُمَّة بفاحشةٍ مبيَّنة واتِّهامه بالقول بعصمة الذريَّة وهو ينصُّ على خلافه، قال بعد ذكر حديث الثقلين(٢) بلفظ مسلم وأحمد وغيرهما من الحفّاظ ما نصّه:

دلّت هذه الأحاديث على عصمة أهل البيت من الذنوب والخطاء لمساواتهم فيها بالقرآن الثابت عصمته في أنَّه أحد الثقلين المخلّفين في الناس، وفي الأمر بالتمسّك بهم كالتمسّك بالقرآن، ولو كان الخطأ يقع منهم لما صحَّ الأمر بالتمسّك بهم الذي هو

_____________________

١ - راجع صحيح البخاري ج ٥ ص ١١٣، ج ٩ ص ٢٤٢ - ٢٤٧.

٢ - إنّي تارك فيكم الثقلين أو الخليفتين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

٢٩٧

عبارةٌ عن جعل أقوالهم وأفعالهم حجَّةً، وفي أنَّ المتمسِّك بهم لا يضلُّ كما لا يضلُّ المتمسِّك بالقرآن، ولو وقع منهم الذنوب أو الخطأ لكان المتمسِّك بهم يضلُّ، وإنَّ في اتِّباعهم الهدى والنور كما في القرآن، ولو لم يكونوا معصومين لكان في اتِّباعهم الضلال، وأنَّهم حبلٌ ممدودٌ من السَّماء إلى الأرض كالقرآن، وهو كنايةٌ عن أنَّهم واسطةٌ بين الله تعالى وبين خلقه، وإنَّ أقوالهم عن الله تعالى، ولو لم يكونوا معصومين لم يكونوا كذلك. وفي أنَّهم لم يُفارقوا القرآن ولن يُفارقهم مدَّة عمر الدُّنيا، ولو أخطأوا أو أذنبوا لفارقوا القرآن وفارقهم، وفي عدم جواز مفارقتهم بتقدُّم عليهم بجعل نفسه إماماً لهم أو تقصير عنهم وائتمام بغيرهم، كما لا يجوز التقدُّم على القرآن بالإفتاء بغير ما فيه أو التقصير عنه باتِّباع أقوال مخالفيه، وفي عدم جواز تعليمهم وردِّ أقوالهم، ولو كانوا يجهلون شيئاً لوجب تعليمهم ولم يُنه عن ردِّ قولهم.

ودلَّت هذه الأحاديث أيضاً على أنَّ منهم مَن هذه صفته في كلِّ عصر وزمانٍ بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنَّهما لن يفترقا حتّى يردا عليِّ الحوض وإنَّ اللطيف الخبير أخبر بذلك، وورود الحوض كناية عن انقضاء عمر الدنيا، فلو خلا زمانٌ من أحدهما لم يَصدق أنَّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض.

إذا عُلم ذلك ظهر أنَّه لا يمكن أن يُراد بأهل البيت جميع بني هاشم، بل هو من العامّ المخصوص بمن ثبت اختصاصهم بالفضل والعلم والزهد والعفَّة والنزاهة من أئمَّة أهل البيت الطاهر وهم الأئمَّة الإثنا عشر وأُمّهم الزهراء البتول، للإجماع على عدم عصمة مَن عداهم، والوجدان أيضاً على خلاف ذلك، لأنَّ مَن عداهم مِن بني هاشم تصدر منهم الذنوب ويجهلون كثيراً من الأحكام، ولا يمتازون عن غيرهم من الخلق، فلا يمكن أن يكونوا هم المجعولين شركاء القرآن في الأُمور المذكورة بل يتعيّن أن يكون بعضهم لا كلّهم ليس إلّا مَن ذكرنا، أمّا تفسير زيد بن أرقم لهم بمطلق بني هاشم(١) إن صحَّ ذلك عنه فلا تجب متابعته عليه بعد قيام الدليل على بطلانه.

إقرأ واحكم. حيّا الله الأمانة والصِّدق. هكذا يكون عصر النور.

٧ - قال: من آفات الشيعة قولهم: إنَّ عليّاً يذود الخلق يوم العطش فيسقي

_____________________

١ - فيما أخرجه مسلم في صحيحه.

٢٩٨

منه أولياءه ويذود عنه أعداءه، وإنّه قسيم النار وإنّها تطيعه يُخرج منها من يشاء ج ٢ ص ٢١.

ج - لقد أسلفنا في الجزء الثاني ص ٣٢١، أسانيد الحديث الأوَّل عن الأئمّة والحفّاظ، وأوقفناك على تصحيحهم لغير واحد من طرقه، وبقيّتها مؤكِّدةٌ لها، فليس هو من مزاعم الشيعة فحسب، وإنّما اشترك معهم فيه حملة العلم والحديث من أصحاب الرَّجل لكنَّ القصيمي لجهله بهم وبما يروونه، أو لحقده على من رُوي الحديث في حقِّه يحسبه من آفات الشيعة.

وأما الحديث الثاني فكالأوَّل ليس من آفات الشيعة بل من غرر الفضايل عند أهل الإسلام فأخرجه الحافظ أبو إسحاق إبن ديزيل المتوفّى ٢٨٠/٢٨١ عن الأعمش عن موسى بن ظريف عن عباية قال: سمعت عليّاً وهو يقول: أنا قسيم النار يوم القيامة، أقول: خذي ذا، وذري ذا.

وذكره إبن أبي الحديد في شرحه ١ ص ٢٠٠ والحافظ إبن عساكر في تاريخه من طريق الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي.

وهذا الحديث سُئل عنه الإمام أحمد كما أخبر به محمّد بن منصور الطوسي قال: كنّا عند أحمد بن حنبل فقال له رجلٌ: يا أبا عبد الله ما تقول في هذا الحديث الذي يُروي: أنَّ عليّاً قال: أنا قسيم النار؟ فقال أحمد: وما تُنكرون من هذا الحديث؟ أليس رُوينا إنَّ النبي صلّى الله عليه وآله قال لعليِّ: لا يحبّك إلّا مؤمنٌ ولا يُبغضك إلّا منافق؟ قلنا: بلى. قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنّة. قال: فأين المنافق؟ قلنا: في النّار. قال: فعليٌّ قسيم النار. كذا في طبقات أصحاب أحمد، وحكى عنه الحافظ الكنجي في الكفاية ص ٢٢، فليت القصيمي يدري كلام إمامه.

هذه اللفظة أخذها سلام الله عليه من قول رسول الله صلّى الله عليه وآله له فيما رواه عنترة عنه صلّى الله عليه وآله أنّه قال: أنت قسيم الجنَّة والنار في يوم القيامة، تقول للنار: هذا لي و هذا لك. وبهذا اللفظ رواه ابن حجر في «الصواعق» ص ٧٥.

ويُعرب عن شهرة هذا الحديث النبويِّ بين الصحابة إحتجاج أمير المؤمنين عليه السلام به يوم الشورى بقوله: أُنشدكم بالله هل فيكم أحدٌ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عليُّ؟ أنت قسيم الجنّة يوم القيامة غيري؟ قالوا: أللهمَّ لا. والأعلام يرى هذه الجملة من

٢٩٩

حديث الإحتجاج صحيحاً وأخرجه الدارقطني كما في الإصابة ٧٥، ويرى إبن أبي الحديد إستفاضة كلا الحديثين النبويّ والمناشدة العلويّة فقال في شرحه ٢ ص ٤٤٨.

فقد جاء في حقِّه الخبر الشائع المستفيض: إنّه قسيم النار والجنّة، وذكر أبو عُبيد الهروي في الجمع بين الغريبين: أنّ قوماً من أئمَّة العربيّة فسَّروه فقالوا: لأنّه لَمّا كان محبّه من أهل الجنّة ومبغضه من أهل النار. كان بهذا الإعتبار قسيم النار و الجنّة. قال أبو عُبيد: وقال غير هؤلاء: بل هو قسيمها بنفسه في الحقيقة يُدخل قوماً إلى الجنّة وقوماً إلى النّار، وهذا الذي ذكره أبو عبيد أخيراً هوما يطابق الأخبار الواردة فيه: يقول للنار: هذا لي فدعيه، وهذا لكِ فخُذيه.

م - وذكره القاضي في الشفا: إنّه قسيم النار. وقال الخفاجي في شرحه ٣: ١٦٣: ظاهر كلامه أنَّ هذا ممّا أخبر به النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا أنّهم قالوا: لم يروه أحدٌ من المحدِّثين إلّا ابن الأثير قال في النهاية: إلّا أنَّ عليّاً رضي الله عنه قال: أنا قسيم النار. يعني أراد أنَّ الناس فريقان: فريقٌ معي فهم على هدى، وفريقٌ عليَّ فهم على ضلال، فنصفٌ معي في الجنّة، ونصفٌ عليَّ في النّار. إنتهى. قلت: إبن الأثير ثقةٌ، وما ذكره عليٌّ لا يُقال من قبل الرأي فهو في حكم المرفوع، إذ لا مجال فيه للإجتهاد، ومعناه: أنا ومن معي قسيم لأهل النار، أي مقابلٌ لهم، لأنَّه من أهل الجنَّة، وقيل: القسيم: القاسم كالجليس والسمير، وقيل. أراد بهم الخوارج ومن قاتله كما في النهاية].

٨ - قال: جاءت رواياتٌ كثيرةٌ في كتبهم [يعني الشيعة] إنَّه [يعني الإمام المنتظر] يهدم جميع المساجد، والشيعة أبداً هم أعداء المساجد، ولهذا يقلّ أن يشاهد الضّارب في طول بلادهم وعرضها مسجداً. ج ٢ ص ٢٣.

ج - لم يُقنع الرَّجل كلّما في علبة مكره من زور واختلاق، ولم يقنعه إسناد ما يفتعله إلى روايةٍ واحدةٍ يسعه أن يُجابه المنكر عليه بأنَّه لم يقف عليه حتّى عزاه إلى روايات كثيرة جاءت في كتب الشيعة، وليته إن كان صادقاً [وأنّى؟ وأين؟] ذكر شيئاً من أسماء هاتيك الكتب، أو أشار إلى واحدةٍ من تلك الروايات، لكنَّه لم تسبق له لفتةٌ إلى أن يفتعل أسماء ويضع أسانيد قبل أن يكتب الكتاب فيذكرها فيه.

إنّ الحجَّة المنتظر سيِّد مَن آمن بالله واليوم الآخر، الَّذين يعمرون مساجد الله

٣٠٠