الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96283 / تحميل: 7461
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

صلى الله عليه وآله: عمل بيده وأمير المؤمنين عليه السلام، وهو من عمل النبيين والمرسلين والصالحين.

وقال الصادق عليه السلام(١) : إني أشتهي أن يراني الله عزوجل أعمل بيدي وأطلب الحلال.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام(٢) : من أتاه الله برزق ولم يحط إليه برجله ولم يمد إليه يده ولم يتكلم فيه بلسانه ولم يتعرض له كان ممن ذكره الله عزوجل(٣) (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب).

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله(٤) : أنه من طلب العلم تكفل الله برزقه، وفسر بأن يعطف عليه قلوب أهل الصلاح.

وقال الصدق عليه السلام(٥) : إن الله تبارك وتعالى جعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون، وذلك أن العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه.

وقال عليه السلام(٦) : أبى الله عزوجل إلا أن يجعل رزق المؤمن من حيث لايحتسب.

وكان أمير المؤمنين(٧) عليه السلام كثيرا ما يقول: اعلموا علما يقينا أن الله عزوجل لم يجعل للعبد وإن اشتد جهده وعظمت حيلته وكثرت مكائدته أن يسبق ماسمى له في الذكر الحكيم ولم يحل بين العبد في ضعفه وقلة حيلته لن

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب مقدمات التجارة ح ١١ ج ١٢ ص ٢٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه: باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ح ٣٦١٢ ج ٣ ص ١٦٦.

(٣) الطلاق: ٦٥.

(٤) كنز العمال: كتاب العلم ح ٢٨٧٠٠ ج ١٠ ص ١٣٩.

(٥) وسائل الشيعة: باب ١٤ من أبواب مقدمات التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٣٢.

(٦) وسائل الشيعة: باب ١٤ من أبواب مقدمات التجارة ح ٥ ج ١٢ ص ٣٣، وفيه اختلاف يسير.

(٧) وسائل الشيعة: باب ١٣ من أبواب مقدمات التجارة ح ٤ ج ١٢ ص ٣٠.

١٦١

يبلغ ما سمي له في الذكر الحكيم، فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعته والعالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرة.

وقال على السلام(١) : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران عليه السلام خرج يقتبس نارا لاهله فكلمه الله ورجع نبيا، وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان عليه السلام، وخرج سحرة فرعون يطلبون العز لفرعون فرجعوا مؤمنين.

وقال الصادق عليه السلام(٢) : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مامن نفقة أحب إلى الله عزوجل من نفقة قصد، ويبغض الاسراف، إلا في الحج والعمرة، فرحم الله مؤمنا كسب طيبا وأنفق قصدا وقدم فضلا.

(٢٣١) درس

قد يجب التكسب إذا توقف تحصيل قوته وقوت عياله الواجبي النفقة عليه، وقد يستحب إذا قص به المستحب، وقد يحرم إذا اشتمل على وجه قبيح، وهو أقسام: أحدها: ماحرم لعينه كالغناء فيحرم فعله وتعلمه وتعليمه واستماعه والتكسب به، إلا غناء العرس إذا لم يدخل الرجال على المرأة ولم يتكلم بالباطل، ولم تلعب بالملاهي، وكرهه القاضي(٣) ، وحرمه ابن إدريس(٤) والفاضل في التذكرة(٥) ، الاباحة أصح طريقا وأخص دلالة، والنياحة

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١٤ من أبواب مقدمات التجارة ح ٣ ج ١٢ ص ٣٣.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٥٥ من أبوب وجوب الحج وشرائطه ح ١ ج ٨ ص ١٠٦.

(٣) المهذب: ج ١ ص ٣٤٦.

(٤) السرائر: ج ٢ ص ٢٢٢.

(٥) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٨٢.

١٦٢

بالباطل وعمل الصور المجسمة قاله الشيخان(١) ، وطرد القاضي(٢) التحريم في غير المجسمة، ولحلبي(٣) حرم التماثيل وأطلق.

وروي أبوبصير عن الصادق عليه السلام(٤) لابأس بما يبسط منها ويفترش ويوطأ، إنما يكره منها مانصب على الحائط وعلى السرير، وسأله عن الوسائد فيها التماثيل والقمار.

وما يؤخذ به حرام حتى القمار بالجوز والبيض والخاتم والاربعة عشر والطير وأحاديث القصاص والسمار المشتملة على الكذب والحضور في مجالس المنكر لغير الانكار أو الضرورة، وتزيين كل من الرجل والمرأة بزينة الآخر، والغش الخفي كشوب اللبن بالماء وتدليس الماشطة لتزين الخد وتحميره والنقش في اليد والرجل قاله ابن إدريس(٥) .

ووصل شعرها بشعر غيرها، وإعانة الظالم في الظلم لا في غيره من مهامة، كالبناء والغرس والغسل والطبخ، والغيبة والكذب والسب لغير مستحقه والنميمة والهجاء والذم لغير أهله والمدح في غير موضعه. والغزل مع الاجنبية أي محادثتها ومراودتها والتشبيب بها معينة، وبالغلمان مطلقا.

ويجوز التشبيب بنساء أهل الحرب. ويحرم نسخ الكتب المنسوخة وتعلمها وتعليمها وكتب أهل الضلال والبدع، إلا لحاجة من نقض أو حجة أو تقية.

وترحم الكهانة والسحر بالكلام والكتابة والرقبة ولدخنة بعقاقير الكواكب

____________________

(١) النهاية: ص ٣٦٣ ولمقنعة: ص ٥٨٧.

(٢) المهذب: ج ١ ص ٣٤٤.

(٣) الكافي في الفقه: ص ٢٨١.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٩٤ من أبواب مايكتسب به ح ٤ ج ١٢ ص ٢٢٠.

(٥) السرائر: ح ٢ ص ٢١٦.

١٦٣

وتصفية النفس والتصوير والعقد والنفث والاقسام والغرائم بما لا يفهم معناه ويضر بالغير فعله، ومن السحر الاستخدام للملائكة والجن والاستنزال للشياطين في كشف الغائب وعلاج المصاب.

ومنه الاستحضار بتلبس الروح ببدن متفعل، كالصبي والمرأة وكشف الغائب عن لسانه، ومنه النيرنجيات، وهي إظهار غرائب خواص الامتزاجات وأسرار النيرين.

ويلحق بذلك الطلسمات، وهي تمزيج القوى العالية الفاعلة بالقوى السافلة المنفعلة ليحدث عنها فعل غريب، فعمل هذا كله والتكسب به حرام، أما علمه(١) ليتوقى أو لئلا يعتريه فلا، وربما وجب على الكفاية ليدفع(٢) المتنبئ بالسحر.

ويقتل مستحله، ويجوز حله بالقرآن والذكر والاقتسام لابه، وعليه يحمل رواية العلا(٣) بحله.

والاكثر على أنه لا حقيقة له بل هو تخيل، وقيل: أكثره تخائيل وبعضه حقيقي، لانه تعالى وصفه بالعظمة في سحرة فرعون. ومن التخيل السيميا، وهي إحداث خيالات لاوجود لها في الحس للتأثير في شئ آخر، وربما ظهر إلى الحس. ويلحق به الشعبذة، وهي الافعال العجيبة المترتبة(٤) على سرعة اليد بالحركة فيلتبس على الحس، وقيل: الطلسمات كانت معجزات لبعض الانبياء.

____________________

(١) في (م) و (ق): أما عمله.

(٢) في (م) و (ق): لدفع.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٢٥ من أبواب ما يكتسب به ح ١ ج ١٢ ص ١٠٥، وفيه (عن عيسى بن شقفي)(٤) في (م): المرتبة.

١٦٤

أما الكيميا، فيحرم المسمى بالتكليس بالزئبق والكبريت والزاج والتصدية والشعر والبيض والمرارة والادهان، كما يفعله متحشفو الجهال.

أما سلب الجواهر خواصها وإفادتها خواص اخرى بالدواء المسمى بالاكسير، أو بالنار اللينة الموقدة على أصل الفلزات، أو لمراعاة نسبتها في الحجم والوزن، فهذا مما لا يعلم صحته، وتجنب ذلك كله أولى وأحرى.ويحرم القيافة والتكسب بها، سواء استعمل في إلحاق الانساب، أو في قفو الآثار إذا ترتب عليها حرام.وتحرم بيع خط المصحف دون الآلة.ولا يحرم بيع كتب الحديث والعلم المباح.

ويحرم اعتقاد تأثير النجوم مستقلة أو بالشركة، والاخبار عن الكائنات بسببها، أما لو أخبر بجريان العادة أن الله تعالى يفعل كذا عند كذا لم يحرم، وإن كره على أن العادة فيها لا يطرد، إلا فيما قل.

أما علم النجوم فقد حرمه بعض الاصحاب، ولعله لما فيه من التعرض(١) للمحظور من اعتقاد التأثير، أو لان أحكامه تخمينية.

وأما علم هيئة الافلاك فليس حراما، بل ربما كان مستحبا، لما فيه من الاطلاع على حكمة الله تعالى وعظم قدرته.وأما الرمل والفال ونحوهما فيحرم مع اعتقاد المطابقة لما دل عليه، لاستيثار الله تعالى بعلم الغيب.ولا يحرم إذا جعل فالا، لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله(٢) كان يحب الفال.

ويكره الطيرة - يفتح الياء - وهو التشاؤم بالشئ.

____________________

(١) في (ق): لتعريض.

(٢) مسند احمد ابن حنبل: ج ٢ ص ٣٣٢.

١٦٥

(٢٣٢) درس

وثانيها: ما حرم لغايته، كالعود والملاهي من الدف والمزمار والقصب والرقص والتصفيق وآلات القمار، وهياكل العبادة المبتدعة كالصليب والصنم.

وعمل السلاح وبيعه مساعدة لاعداء الدين، سواء كانوا كفارا أو بغاة، وقيده ابن إدريس(١) بحال الحرب، وهو ظاهر الاخبار(٢) ، ويكره لامعها.

وكذا يكره بيع مايكن، كالدرع والبيضة والخف والتجفاف - بكسر التاء - وهو الذي يلبس الخيل.

ولو علم أن المخالف يستعين بالسلاح على قتال أهل الحب لم يكره، وهو مروي عن أبي جعفر(٣) عليه السلام في بيع السلاح على أهل الشام، لان الله يدفع بهم الروم.

والاقرب تحريم بيعه على قطاع الطريق وشبههم، وحيث حرمنا بيعه فهو باطل.

وبيع العنب وما يتخذ منه المسكر ليعمل مسكرا، والخشب والحجر ليعمل صنما أو وثنا أو صليبا أو آلة لهو، وفي رواية ابن حريث(٤) المنع ممن يعمله، وليس فيها ذكرالغاية، واختاره ابن إدريس(٥) والفاضل(٦) ، لان النبي صلى

____________________

(١) السرائر: ج ٢ ص ٢١٦.

(٢) واسئل الشيعة: باب ٨ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٦٩.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٨ من أبواب مايكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ٦٩.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٤١ من أبواب ما يكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ١٢٧.

(٥) السرائر: ج ٢ ص ٢١٨.

(٦) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٨٠.

١٦٦

الله عليه وآله(١) لعن عاصر الخمر.

وهكذا(٢) يحرم بيع الثوب ليغطى به الصنم والصليب، وإجارة المساكن والحمولات للمحرمات، إلا أن يقصد إراقة الخمر أو إتلاف الخنزير.

وثالثها: ما لا نفع مقصود منه للعقلاء، كالحشار وفضلات الانسان.

ويجوز بيع دود القز وبزره والنحل مع انحصارها، وماشهدة مايرفع الجهالة منها.

ولا يجوز بيع المسوخ إن قلنا بعدم وقوع الذكاة عليها، إلا الفيل لعظم الانتفاع بعظمه.

أما السباع فما يصلح للصيد يجوز بيعه، كالفهد والهر والبازي.

وقول القاضي(٣) بالصدقة بثمن الهرة ولا يتصرف فيه بغير الصدقة، متروك، والرواية(٤) مصرحة بإباحته(٥) .

وأما غيره كالاسد والنمر والنسر فالشيخان(٦) على تحريم البيع والتكسب بها، ونقل في المبسوط(٧) الاجماع على ذلك في مثل الاسد والذئب، وقال ابن الجنيد(٨) : لا يصرف ثمن ما لا يؤكل لحمه من السباع والمسوخ في مطعم ولا مشرب، وابن إدريس(٩) جوز ذلك تبعا للانتفاع بجلدها، بناء على وقوع

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٥٥ من أبواب ما يكتسب به ح ٣ ج ١٢ ص ١٦٤.

(٢) في باقي النسخ: وكذا.

(٣) لم نعثر عليه في المصادر المتوفره لدينا، ونقله عنه في المختلف: ج ١ ص ٣٤١.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١٤ من أبواب ما يكتسب به ح ٣ ج ١٢ ص ٨٣.

(٥) في (م) و (ق): بالاباحة.

(٦) المقنعة: ص ٥٨٩ والنهاية: ص ٣٦٤ وفي المبسوط: ج ٢ ص ١٦٦.

(٧) المبسوط: ج ٢ ص ١٦٦.

(٨) المختلف: ج ١ ص ٣٤٠.

(٩) السرائر: ج ٢ ص ٢٢٠.

١٦٧

الذكاة عليها.

وأما الكلاب فاتفقوا على جواز بيع الصائد، وقيده الشيخ(١) بالسلوقي - بفتح السين وضم اللام - منسوب إلى قرية باليمن.

وعلى منع بيع كلب الهراش، واختلفوا في كلب الحائط والزرع والماشية، فمنع من بيعه في الخلاف(٢) وتبعه القاضي(٣) ، والوجه الجواز وفاقا لابن إدريس(٤) وابن حمزة(٥) ، ولو قلنا بالمنع من بيعها ففيها ديات على القاتل، سيأتي إن شاء الله تعالى. ويجوز اقتناء الجرو للتعليم، ولو قبل الهراش التعليم جاز.

ولا يلحق كلب الماء بالبري، خلافا لابن إدريس(٦) .

ولا يجوز اقتناء الحيات والعقارب والسباع الضارية، والترياق المشتمل على محرم، والسموم الخالية عن المنفعة. ويجوز بيع لبن الاتن والمرأة لا الرجل والخنثى.

وليس الملك فاقد الطريق من قبيل ما لا ينتفع به فيجوز بيعه، ويكون حكمه حكم المعيب، ولا القرد الحافظ من قبيل المنتفع به لندوره وعدم الوثوق.

ورابعها: الاعيان النجسة والتنجسة غير القابلة للطهارة، وفي الفضلات الطاهرة خلاف، فحرم المفيد(٧) بيعها إلا بول الابل، وجوزه الشيخ في الخلاف(٨) والمبسوط(٩) ، وهو الاقرب لطهارتها ونفعها.

____________________

(١) النهاية: ص ٣٦٤.

(٢) الخلاف: ج ٢ ص ٨٠ المسألة ٣٠٢.

(٣) كما نقله عنه في المختلف: ج ١ ص ٣٤١، ولكن صرح بالجواز في إجارة مهذبه: ج ١ص٥٠٢.

(٤) السرائر: ج ٢ ص ٢٢٠.

(٥) الوسيلة: ص ٢٤٨.

(٦) السرائر: ج ٢ ص ٢٢٠.

(٧) المقنعة: ص ٥٨٧.

(٨) المبسوط: ج ٢ ص ١٦٧.

(٩) الخلاف: ج ٢ ص ٨٢ مسألة ٣١٠.

١٦٨

(٢٣٣) درس

وخامسها: تعلق حق غير البائع به كما الغير، وما يختص به من الاشياء وإن لم يملك، والوقوفات المطلقة. ومن وجد عنده سرقة أو غصب فأقام بينه بالشراء اندفع عنه قرار الضمان إن كان جاهلا، وتخير(١) مالكها في الرجوع على من شاء مع تلفها.

ويجوز للولي تقويم أمته المولى عليه وشراؤها، ولا يجوز مباشرتها قبل ذلك، وقال الصدوق(٢) : يجوز للاب مباشرة جارية الابن مالم يكن مسها، لخبر إسحاق بن عمار(٣) ، ويحمل على فعل ذلك بطريقه الشرعي. ويجوز التناول من مال الولد الصغير حيث تجب نفقة الاب، ومن مال الكبير حيث يمتنع من الانفاق الواجب. ولا يجوز تناول الام من مال الولد شيئا، إلا بإذن الولي أو مقاصة.

وليس لها الاقتراض من مال الصغير، وجوزه علي بن بابويه(٤) الشيخ(٥) والقاضي(٦) ، وربما حمل على الوصية. ولو صالح الولي غريم اليتيم بدون حقه روعي الصلاح، ويبرأ المدعى عليه إذا كان مقرا معسرا، ولو كان منكرا أو موسرا لم يبرأ.

ويجوز شراء ما يأخذ الجائر بإسم الخراج والزكاة والمقاسمة، وإن لم يكن

____________________

(١) في باقي النسخ: ويتخير.

(٢) علل الشرائع: ص ٥٢٥.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٧٩ من أبواب ما يكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ١٩٨.

(٤) المختلف: ج ٢ ص ٣٤٥.

(٥) النهاية: ص ٣٦٠.

(٦) المهذب: ج ١ ص ٣٤٩.

١٦٩

مستحقا له.

وتناول الجائزة منه إذا لم يعلم غصبيتها(١) ، وإن علم ردت على المالك، فإن جهله تصدق بها عنه، واحتاط ابن إدريس(٢) بحفظها ولوصية بها، وروي أنها كاللقطة، قال: وينبغي إخراج خمسها والصدقة على إخوانه منها، والظاهر أنه أراد الاستحباب في الصدقة.

وترك أخذ ذلك من الظالم مع الاختيار أفضل، ولا يعارضه أخذ الحسنين عليهما السلام(٣) جوائز معاوية، لان ذلك من حقوقهم بالاصالة.ولا يجب رد المقاسمة وشبهها على المالك.ولا يعتبر رضاه.ولا يمنع تظلمه من الشراء.وكذا لو علم أن العامل يظلم، إلا أن يعلم الظلم بعينه.

نعم يكره معاملة الظلمة، فلا تحرم(٤) ، لقول الصادق عليه السلام(٥) : كل شئ فيه حرام وحلال فهو حلال حتى يعرف الحرام بعينه.

ولا فرق بين قبض الجائر إياها أو وكيله، وبين عدم القبض، فلو أحاله بها وقبل الثلاثة أو وكله في قبضها أو باعها، وهي في يد المالك أو في ذمته جاز التناول، ويحرم على المالك المنع.

وكما يجوز الشراء يجوز سائر المعاوضات والهبة والصدقة والوقف، ولا يحل تنوالها بغير ذلك.

والاجير الخاص ليس له العمل لغير المستأجر في زمان الاجارة، بخلاف المطلق.

____________________

(١) في باقي النسخ: غصبها.

(٢) السرائر: ج ٢ ص ٢٠٣.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٥١ من أبواب ما يكتسب به ح ٤ ج ١٢ ص ١٥٧.

(٤) في باقي النسخ: ولا تحرم.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٤ من أبواب ما يكتسب به ح ١ ج ١٢ ص ٥٩، وفيه اختلاف.

١٧٠

وللزوجة التصدق بالمادوم من مال الزوج، إلا مع نهيه أو إضراره، وليس لغيرها ذلك، ولا لها تناول غير ذلك، والمادوم مايؤتدم به كالملح واللحم، وفي تعديته إلى الخبز والفاكهة نظر.والزوج يحرم عليه تنال شئ من مالها، إلا برضاها.ولو ملكته مالا كره له التسري به.ويحتمل كراهة جعله صداقا لضرة إلا بإذنها.ويجوز للوكيل أو الوصي في الدفع إلى قبيل إعطاء عياله إذا كانوا منهم، والتفصيل إذا كانوا غير محصورين.وفي جواز أخذه لنفسه رواية صحيحة(١) ، وعليها الاكثر، وربما جعله الشيخ(٢) مكروها، لرواية اخرى صحيحة(٣) بالمنع.

والفضلات عند الصائغ كتراب الصياغة يجب دفعها إلى مالكها، فإن جهل تصدق بها عينا أو قيمة.

ولا يجوز تملكها ولو كان الصائغ مستحقا للصدقة.

وفي رواية علي الصائغ(٤) تصدق بالتراب أما لك أو لاهلك أو قريبك، وأنه لو خاف من استحلال صاحبه التهمة جازت الصدقة.

ولا يجوز بيع الوقف، سواء كان على جهة عامة أو خاصة، وفي الحبس والسكنى نظر، إذا لم يقترن بمدة، ومع اقترانها بالمدة المعلومة يجوز البيع.وكذا لا تباع ام الولد، إلا فيما سلف.

ولا يجوز شراء المشتبه إذا كان أصله التحريم، كالذبيحة المطروحة أو التي في يد الكافر، وكذا الجلد.

ويجوز شراؤهما من المسلم، ومن المجهول حاله إذا كان في بلد الاسلام.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٨٤ من أبواب مايكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ٢٠٦.

(٢) الاستبصار: ب ٢٨١ في الرجل يعطي شيئا ليفرقه في المحتاجين و..ج ٣ ص ٥٤.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٨٤ من أبواب مايكتسب به ح ٣ ج ١٢ ص ٢٠٦.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١٦ من أبواب الصدف ح ١ ج ١٢ ص ٤٨٥.

١٧١

وأما المشتبه الذي أصله الاباحة فيجوز شراؤه، كالماء المتغير المشتبه استناد تغيره إلى النجاسة، والمشتبه الذي لا يعرف له أصل كما في يد الظالم، والمعروف بالخيانة والسرقة فيجوز شراؤه، وتركه أولى.

(٢٣٤) درس

وسادسها: ما يجب على المكلف فعله إما عينا كالصلاة اليومية، أو كفاية كتغسيل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وفي فتاوي المرتضى(١) هذا واجب على الولي فإذا استأجر عليه جاز، والوجه التحريم. أما ثمن الكفن والماء ولكافور فليس بحرام.

ولو استؤجر على مازاد على الواجب من هذه جاز كالغسلات المندوبة، والزيادة في الكفن وتعميق القبر والحمل إلى المشاهد الشريفة، فلو بذل له اجرة تزيد عليه لم ترحم إذا كان هو المقصود.

ومن الواجب الذي يحرم أخذ الاجرة عليه تعليم الواجب عينا أو كفاية، من القرآن العزيز والفقه والارشاد، إلى المعارف الالهية بطريق التنبيه. ولا تحرم الاجرة على العلوم الادبية والطب والحكمة.

وأما القضاء وتوابعه فمن الارتزاق من بيت المال.

ويحرم عليه(٢) الاجرة والجعالة من المتحاكمين وغيرهما، وقال الباقر عليه السلام(٣) : الرشا في الحكم كفر بالله وبرسوله.

وكذا تحرم الاجرة على وظيفة الامامة، وإقامة الشهادة، وتحملها وإن قام

____________________

(١) لم نعثر عليه في كتبه المتوفرة ليدنا، ونسبه إلى المرتضى أيضا في المسالك: ج ١ ص ١٦٦.

(٢) في باقي النسخ: وليحرم فيه.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب مايكتسب به ح ١ ج ١٢ ص ٦١.

١٧٢

غيره مقامه.

ولو أخذ الاجرة على مازاد على الواجب من الفقه والقرآن جاز على كراهية.

ويتأكد مع الشرط ولا يحرم، لقول الصادق عليه السلام(١) : لو أن المعلم أعطاه رجل دية ولده كان مباحا، فلو استأجره لقراء‌ة مايهدي إلى ميت أو حي لم يحرم، وإن كان تركه أولى.

ولو دفع إليه بغير شرط فلا كراهية، والرواية عن النبي صلى الله عليه وآله(٢) ، وعن علي عليه السلام(٣) يمنع الاجرة على تعليم القرآن يحمل على الواجب، أو على الكراهية.

وكذا الرواية عن الباقر عليه السلام(٤) أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن من احتاج الناس إليه لتفقههم فسألهم(٥) الرشوة. ويجوز الاستئجار على عقد النكاح وغيره من العقود، وأما على تعليم الصيغة وإلقائها على المتعاقدين فلا.

وكذا تجوز الاجرة على الخطبة والخطبة في الاملاك.

ويجوز الاستئجار على نسخ القرآن والفقه وتعليمه وإن تعين(٦) ، ونقل ابن إدريس(٧) إجماعنا على جواز أخذ الاجرة على نسخ القرآن وتعليمه، ورحمهما في الاستبصار(٨) مع الشرط، والرواية(٩) بالنهي ضعيفة السند، والاجماع على جعله

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٢٩ من أبواب ما يكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ١١٢.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٢٩ من أبواب مايكتسب به ح ٧ ج ١٢ ص ١١٣.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٣٠ من أبواب مايكتسب به ح ١ ج ١٢ ص ١١٣.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٨ من أبواب آداب القاضي ح ٥ ج ١٨ ص ١٦٣.

(٥) في باقي النسخ: فيسألهم.

(٦) في باقي النسخ: وإن تعين تعليمه.

(٧) السرائر: ج ٢ ص ٢٢٣.

(٨) الاستبصار: باب الاجر على تعليم القرآن ج ٣ ص ٦٥.

(٩) وسائل الشيعة: ب ٢٩ من أبواب ما يكتسب به ح ٤ ج ١٢ ص ١١٢.

١٧٣

مهرا يلزم منه حل الاجرة، ولو سلمت الرواية حملت على الكراهية. والولاية عن العادل جائزة، بل مستحبة. وتجب مع الالزام، أو عدم وجود غيره. ويحرم عن الجائر، إلا مع الاكراه فينفذ ماأكره عليه، إلا الدماء المحرمة.

قال الصادق عليه السلام(١) : من سود أسمه في ديوان ولد سابع حشره الله يوم القيامة خنزيرا. ولو ظن القيام بالحق والاحتساب المشروع لم يحرم. ويجوز له إذا كان مجتهدا إقامة الحدود، معتقدا أنه عن العادل. ويستحب له تحمل الضرر اليسير في ترك الولاية. ولايجوز تحمل الضرر الكثير في نفسه أو بدونه أو من يجري مجراه من قريب ومؤمن، وجوز تحمله في المال ولا يجب.

وهنا مسائل: تجوز المقاصة المشروعة من الوديعة على كراهية. وينبغي له أن يقول اللهم إني لن آخذه ظلما ولا خيانة، وإنما أخذته مكان مالي الذي اخذ مني، لم أزدد عليه شيئا، لرواية(٢) أبي بكر الحضرمي.

وكذا يكره لاحد الشريكين إذا خانه الشريك مقابلته بفعله، ألا بإذنه للرواية(٣) .

الثانية: لا يجوز بيع المشتركات قبل الحيازة، كالكلا والماء والنار والحجاره والتراب، ويجوز بعده وإن كثر وجودها.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٤٢ من أبواب مايكتسب به ح ٩ ج ١٢ ص ١٣٠.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ٤ ج ١٢ ص ٢٠٣.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٨٣ من أبواب مايكتسب به ح ٩ ج ١٢ ص ٢٠٤.

١٧٤

ولا يجوز بيع الارض المفتوحة عنوة، ولا بيع مابها من بناء وشجر وقت الفتح.

نعم لو جدد فيها شيئا من ذلك جاز بيعه، وربما قيل: يبيعها تبعا لآثاره.

وروى(١) أبوبردة جواز بيع أرض الخراج من صاحب اليد، والخراج على المشتري، وفي رواية إسماعيل(٢) بن الفضل إيماء إليه.

الثالثة: يجوز أخذ الاجرة على كتابة العلوم المباحة، ويكره على كتابة القرآن مع الشرط، لفحوى الرواية(٣) .

ويكره كتابته بالذهب وتعشيره به، لرواية محمد الوراق(٤) ، قال الصادق(٥) عليه السلام: لا يعجبني أن يكتب إلا بالسواد، ولا يحرم ذلك على الاقوى.

الرابعة: يحرم بيع الحر وشراؤه، ولا عبرة بإذنه ولو كان حربيا. نعم لو أثبت يده عليه وباعه جاز، لحصول الرق حينئذ. ويجوز إجارته واجارة الحر نفسه للعمل المباح.

الخامسة: لو باع المصحف على كافر بطل على الاصح، وقيل، تصح وتزال يده قهرا، ببيعة على مسلم. ويجوز بيع كتب السنن على الاقوى.

السادسة: يحرم التطفيف في الكيل والوزن، قل أم كثر. والاقرب أنه من الكبائر لتوعد الله تعالى عليه.

السابعة: يحرم بيع بيض لا يحل أكله ولا ينتفع به، كبيض الرخم والحداء. ويجوز بيع مايؤكل أو ينتفع بفرخه، كبيض جوارح الطير على القول بجواز بيعها.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٧١ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح ١ ج ١١ ص ١١٨.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٧٢ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح ٤ ج ١١ ص ١٢٠.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٣١ من أبواب ما يكتسب به ح ٣٠ ج ١٢ ص ١١٦.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٣٢ من أبواب ما يكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ١١٧.

(٥) نفس المصدر السابق

١٧٥

الثامنة: تحرم أخذ الاجرة على الاذان والاقامة، ولا يحرم فعلهما لو أخذ الاجرة، خلافا للقاضي(١) .

ويجوز الارتزاق من بيت المال.

التاسعة: الاقرب أنه لا يحرم خصي الحيوان غير الآدمي إذا كان فيه نفع وفاقا لابن الجنيد(٢) وابن إدريس(٣) وخلافا للشامين(٤) .

العاشرة: حرم الحلبي(٥) الرمي عن قوس الجلاهق، ولا يعلم دليله، إلا ما روى(٦)(٧) العامة، وقيده الفاضل(٨) بطلب اللهو والبطر.

الحادية عشرة: لا يجوز سلوك طريق يغلب فيها تلف النفس مطلقا أو المال المضر به، ولا أخذ الاجره على تزويق المساجد وزخرفتها. ويجوز بيع جلد غير المأكول إذا ذكي وكان مما يقع عليه الذكاة قبل دبغه إجماعا، وإن حرمنا استعماله قبل دبغه.

الثانية عشرة: لا يجوز للاجير على عمل التقصير عما استؤجر له، ولو زاد عن ذلك في الجودة كان أفضل، ولو خص بالزيادة بعض المستأجرين كره.

ومن ثم ينبغي للمعلم التسوية بين الصبيان، ويكره تفضيل بعضهم على بعض في التعليم والاجرة، إلا مع الشرط، وقال ابن إدريس(٩) : إذا آجر نفسه لتعليم مخصوص جاز التفضيل بحسبه، وأن استوجر لتعليمهم مطلقا حرم

____________________

(١) المهذب: ج ١ ص ٣٤٥.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٣٤١.

(٣) السرئر: ج ٢ ص ٢١٥.

(٤) الكافي في الفقه: ص ٢٨١، والمهذب: ج ١ ص ٣٤٥.

(٥) الكافي في الفقه: ص ٢٨٢.

(٦) كنز العمال: ح ٤٠٦٧٥ ج ١٥ ص ٢٢٢.

(٧) في (ق): ما رواه.

(٨) المختلف: ج ١ ص ٣٤٢.

(٩) السرائر: ج ٢ ص ٢٢٤.

١٧٦

التفضيل، وإن كان اجرة بعضهم أكثر، ورواية حسان(١) المعلم عن الصادق عليه السلام تشعر بالكراهية.

الثالثة عشرة: يجوز بيع عظام الفيل، واتخاذ الامشاط منها، فقد كان للصادق(٢) عليه السلام منه مشط، ولا كراهة فيه وفاقا لابن إدريس(٣) والفاضل(٤) ، وقال القاضي(٥) : يكره بيعها وعملها.

(٢٣٥) درس في المناهي

وهي أقسام ثلاثة: أحدها: ما نهي عنه لعينه فيفسد بيعه، كبيع حبل الحبلة أي نتاج النتاج، أو البيع بأجل إلى نتاج النتاج.

والملاقيح، وهي ما في الارحام، والمضامين وهي ما في الاصلاب.

والملامسة كالبيع في الظلمة من غير وصف، أو تعليق البيع على اللمس.

والمنابذة على تفسيري الملامسة، وقد تفسر بالمعاطاة، وهو ضعيف.

وبيع الحصاة، مثل بعتك ماتقع عليه حصاتك، أو ما بلغته حصاتك من الارض، أو يجعل نفس رمي الحصاة بيعا.

وبيعين(٦) في بيعه، أما البيع بشرط الابتياع، وأما بثمنين نقدا أو

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٢٩ من أبواب ما يكتسب به ح ١ ج ١٢ ص ١١٢.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٣٧ من أبواب مايكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ١٢٣.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٢٢٠.

(٤) المختلف: ج ١ ص ٣٤٢.

(٥) المهذب: ج ١ ص ٣٤٦.

(٦) في باقي النسخ: وبيعتين.

١٧٧

نسيئة(١) ، فالاقرب في الاول الصحة: ويحمل النهي على الكراهية.

والقرض يجر نفعا، كشرط رد الصحاح عن المكسرة.

وبيع المكره باطل، إلا أن يرضى بعد الاكراه.

ولو خاف من ظالم فأقر ببيعه كأن تلجئه فيحرم تملكه على المقر له.

ومن المناهي الربا، سواء كان في البيع، أو القرض، أو باقي المعاوضات على الاصح.

وثانيها: ما نهي عنه لعارض فلا يفسد بيعه، كالنهي عن البيع على بيع آخر وفسر بالزيادة على المشتري بعد تقدير(٢) الثمن وإرادة العقد، ويأمر البائع بالفسخ في زمن الخيار ليشتري منه بأزيد، وأمر المشستري به ليبيعه بأنقص أو خيرا منه، وقال بتحريم الامرين الشيخ(٣) وابن إدريس(٤) ، وتوقف الفاضل(٥) . وقطع الفاضلان(٦) بكراهية الدخول في السوم، ومنه البيع بعد نداء الجمعة، وبيع المعتكف. ومنه النجش، وهو رفع السعر ممن لا يريد الشراء للحض عليه، وكرهه قوم، والاقرب التحريم، لانه خديعة، ولا يبطل العقد، وقال ابن الجنيد(٧) : إذا كان من البائع أبطله، وقال القاضي(٨) : يتخير المشتري، لانه تدليس، وقطع في

____________________

(١) في باقي النسخ: ونسيئة.

(٢) في باقي النسخ: بعد تقرر.

(٣) المبسوط: ج ٢ ص ١٦٠.

(٤) السرائر: ج ٢ ص ٢٣٥.

(٥) المختلف: ج ١ ص ٣٤٧.

(٦) المختلف: ج ١ ص ٣٤٧ والشرائع: ج ٢ ص ٢٠.

(٧) المختلف: ج ١ ص ٣٤٦.

(٨) لم نعثر عليه في كتبه المتوفرة لدينا ونقله عنه في المختلف: ج ١ ص ٣٤٦.

١٧٨

المبسوط(١) بأنه لا خيار إذا لم تكن بمواطاة للبائع(٢) ، وقوى عدم الخيار أيضا مع مواطاته، وقيد الفاضلان(٣) الخيار بالغبن كغيره من العقود.

ومنه تلقي الركبان لاربعة فراسخ فناقصا للبيع، أو الشراء عليهم، مع جهلهم بسعر البلد.

ولو زاد على الاربعة أو اتفق من غير قصد، أو تقدم بعض الركب إلى البلد، أو السوق فلا تحريم.

وفي رواية منهال(٤) لا تلق ولا تشتر مما يتلقى ولا تأكل منه، وهي حجة التحريم، كقول الشاميين(٥) وابن إدريس(٦) وظاهر المبسوط(٧) ، وفي النهاية(٨) والمقنعة(٩) يكره، حملا للنهي على الكراهية.

ثم البيع صحيح على التقديرين، خلافا لابن الجنيد(١٠) .

ويتخير الركب، وفاقا لابن إدريس(١١) ، لما روي عن(١٢) النبي صلى الله عليه وآله فيمن تلقى، فصاحب السلعة بالخيار، ومع الغبن يقوى ثبوته.

والخيار فوري.

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ٨٣.

(٢) في (م) و (ق): لمواطاة البيع.

(٣) الشرائع: ج ٢ ص ٢٢ وتذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢٢.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٣٦ من أبواب آداب التجارة ح ٢ ج ١٢ ص ٣٢٦.

(٥) الكافي في الفقه: ص ٣٦٠، وفيه: يكره، ولم نعثر على قول ابن البراج، ونقله عنه في المختلف: ج ١ ص ٣٤٦.

(٦) السرائر: ج ٢ ص ٢٣٧.

(٧) المبسوط: ج ٢ ص ١٦٠.

(٨) النهاية: ص ٣٧٥.

(٩) المقنعة: ص ٦١٦.

(١٠) المختلف: ج ١ ص ٣٤٦.

(١١) السرائر: ج ٢ ص ٢٣٧.

(١٢) مستدرك الوسائل: باب ٢٩ من أبواب عقد البيع وشروطه ح ٤ ج ١٣ ص ٢٨١. ونقله عنه في الغنية.

١٧٩

ومنه الاحتكار، وهو حبس الغلات الاربع والسمن والزيت والملح على الاقرب فيهما، توقعا للغلاء، والاضهر تحريمه مع حاجة الناس إليه، ومظنتها الزيادة على ثلاثة أيام في الغلاء وأربعين في الرخص، للرواية(١) ، فيجبر على البيع حينئذ.

ولا يسعر عليه إلا مع التشدد، لقول البني صلى الله عليه وآله(٢) : إنما السعر إلى الله.

لا يسعر في الرخص قطعا، فيحرم فعله.

ومنه الغش بما يخفى كما سلف، وإخفاء العيب الباطن، والتدليس.

(٢٣٦) درس

وثالثها: ما نهي عنه نهي تنزيه فلا يحرم، كبيع الاكفان والرقيق والذباحة والنحر صنعة والقصابة الحياكة والنساجة والحجامة بشرط، وأمر النبي صلى الله عليه واله(٣) بصرف كسبها في علف الناضح.

وكذا كسب القابلة مع الشرط، واجرة ضراب الفحل، وكسب الاماء إلا مع الامانة، كسب الصبيان، ومن لا ورع له، وركوب البحر للتجارة للتغرير بالدين والنفس، ومعاملة الظلمة إلا لضرورة(٤) ، والسلفة والادنين والمحارفين، وذوي العاهات.

ومعاملة الاكراد ومجالستهم ومناكحتهم، وعلل ابن إدريس(٥) بأنهم لا بصيرة لهم لتركهم مخالطة الناس وذوي البصائر، ومعاملة أهل الذمة.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٢٧ من أبواب آداب التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٣١٢.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٣٠ من أبواب آداب التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٣١٧.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب مايكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ٧١.

(٤) في باقي النسخ: للضرورة.

(٥) السرائر: ج ٢ ص ٢٣٣.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وأين هو عن هدمها؟ وإنَّ شيعيّاً يعزو إليه ذلك لم يُخلق بعدُ.

وأمّا ما ذكره عن بلاد الشيعة فلا أدري هل طرق هو بلاد الشيعة؟ فكتب ما كتب، وكذب ما كذب، أو أنَّه كان رجماً منه بالغيب؟ أو استند كصاحب المنار إلى سائحٍ سنِّي مجهولٍ أو مُبشِّرٍ نصرانيّ لم يُخلقا بعدُ؟ وأيّاً ما كان فهو مأخوذٌ بإفكه الشائن، وقد عرف من جاس خلال ديار الشيعة، وحلّ في أوساطهم وحواضرهم وحتى البلاد الصغيرة والقرى والرساتيق، ما هنالك من مساجد مشيَّدة صغيرة أو كبيرة، وما في كثير منها من الفرش والأثاث والمصابيح، وما تُقام فيها من جمعةٍ وجماعةٍ، وليس من شأن الباحث أن يُنكر المحسوس، ويكذب في المشهود، وينصر المبدأ بالتافهات.

٩ - قال: قد استفتى أحد الشيعة إماماً من أئمَّتهم لا أدري أهو الصادق أم غيره؟ في مسئلة من المسائل فأفتاه فيها، ثمَّ جاءه من قابلٍ واستفتاه في المسئلة نفسها فأفتاه بخلاف ما أفتاه عام أوَّل، ولم يكن بينهما أحدٌ حينما استفتاه في المرَّتين فشكَّ ذلك المستفتي في إمامه وخرج من مذهب الشيعة وقال: إن كان الإمام إنّما أفتاني تقيَّة؟ فليس معنا مَن يُتَّقى في المرَّتين، وقد كنتُ مخلصاً لهم عاملاً بما يقولون، وأن كان مأتيُّ هذا هو الغلط والنسيان؟ فالأئمَّة ليسوا معصومين إذن والشيعة تدَّعي لهم العصمة، ففارقهم وانحاز إلى غير مذهبهم، وهذه الرِّواية مذكورةٌ في كتب القوم. ج ٢ ص ٣٨

ج - أنا لا أقول لهذا الرَّجل إلّا ما يقوله هو لمن نسب إلى إمام من أئمَّته لا يشخص هو أنّه أيٌّ منهم، مسئلةً فاضحةً مجهولةً لا يعرفها؛ عن سائل هو أحد النكرات، لا يُعرّف بسبعين (ألف لامٍ) وأسند ما يقول إلى كتب لم تؤلَّف بعدُ، ثمَّ طفق يشنُّ الغارة على ذلك الإمام وشيعته على هذا الأساس الرصين، فنحن لسنا نردُّ على القصيميِّ إلّا بما يردُّ هو على هذا الرَّجل، ولعمري لو كان المؤلِّف (القصيمي) يعرف الإمام أو السائل أو المسألة أو شيئاً من تلك الكتب لذكرها بهوس وهياج لكنّه، لا يعرف ذلك كلَّه، كما أنّا نعرف كذبه في ذلك كلِّه، ولا يخفى على القارئ همزه ولمزه.

١٠ - قال: من نظر في كتب القوم علم أنَّهم لا يرفعون بكتاب الله رأساً، وذلك أنّه يقلُّ جدّاً أن يستشهدوا بآية من القرآن فتأتي صحيحةً غير ملحونةٍ مغلوطةٍ، ولا يُصيب منهم في إيراد الآيات إلّا المخالطون لأهل السنَّة العائشون بين أظهرهم،

٣٠١

على أنَّ إصابة هؤلاء لا بدَّ أن تكون مصابة؛ أمّا البعيدون منهم عن أهل السنّة فلا يكاد أحدٌ منهم يورد آيةً فتسلم عن التحريف والغلط، وقد قال مَن طافوا في بلادهم: إنّه لا يوجد فيهم مَن يحفظون القرآن، وقالوا: إنّه يندر جدّاً أن توجد بينهم المصاحف.

ج -

بلاءٌ ليس يشبهه بلاء

عداوة غير ذي حسب ودينِ

يبيحك منه عِرضاً لم يصنه

ويرتع منك في عرض مصونِ

ليتني كنت أعلم أن هذه الكلمة متى كتبت؟ أفي حال السّكر أو الصحو؟ وأنَّها متى رُقمت أعند اعتوار الخبل أم الإفاقة؟ وهل كتبها متقوِّلها بعد أن تصفّح كتب الشيعة فوجدها خلاءً من ذكر آية صحيحةً غير ملحونة؟ أم أراد أن يصمهم فافتعل لذلك خبراً؟ وهل يجد المائن في الطليعة من أئمَّة الأدب العربيِّ إلّا رجالاً من الشيعة ألَّفوا في التفسير كُتباً ثمينة، وفي لغة الضّاد أسفاراً كريمةً هي مصادر اللغة، وفي الأدب زبراً قيِّمة هي المرجع للملأ العلميِّ والأدبيِّ، وفي النحو مدوَّنات لها وزنها العلميّ، وإنَّك لو راجعت كُتب الإماميّة لوجدتها مفعمةً بالإستشهاد بالآيات الكريمة كأنّها أفلاكٌ لتلك الأنجم الطوالع غير مُغشّاة بلحن أو غلط.

وما كنّا نعرف حتّى اليوم أنَّ مقياس التلاوة صحيحةً أو ملحونةً هو النزعات و المذاهب التي هي عقودٌ قلبيّة لا مدخل لها في اللسان وما يلهج به، ولا أنَّ لها مِساساً باللغة، وسرد الكلمات، وصياغة الكلام، وحكاية ما صيغ منها من قرآن أو غيره.

وليت شعري ما حاجة الشيعة في إصابة القرآن وتلاوته صحيحة إلى غيرهم؟ ألا عواز في العربيّة؟ أو لجهل بأساليب القرآن؟ لا ها الله ليس فيهم من يتَّسم بتلك الشية، أمّا العربيُّ منهم فالتشيّع لم ينتأ بهم عن لغتهم المقدَّسة، ولاعن جبلّيّات عنصرهم أو هل ترى أنَّ بلاد العراق وعاملة وما يشابههما وهي مفعمةٌ بالعلماء الفطاحل، والعباقرة والنوابغ، أقلُّ حظّاً في العربيّة من أعراب بادية نجدٍ والحجاز أكّالة الضبِّ، ومساورة الضباع؟! وأمّا غير العربيِّ منهم فما أكثر ما فيهم من أئمَّة العربيَّة والفطاحل والكتّاب والشعراء، ومن تصفَّح السير علم أن الأدب شيعيٌّ، والخطابة شيعيَّةٌ، والكتابة شيعيَّةٌ، والتجويد والتلاوة شيعيَّان. ومن هنا يقول إبن خلكان في تاريخه في ترجمة عليِّ بن الجهم ١ ص ٣٨: كان مع إنحرافه من عليِّ بن أبي طالب.

٣٠٢

عليه الصلاة والسّلام وإظهاره التسنّن مطبوعاً مقتدراً على الشعر عذب الألفاظ. فكأنَّه يرى أنَّ مطبوعيّة الشعر وقرضه بألفاظ عذبة خاصَّةٌ للشيعة وأنّه المطَّرد نوعاً.

وهذه المصاحف المطبوعة في ايران والعراق والهند منتشرةٌ في أرجاء العالم و المخطوطة منها التي كادت تُعدُّ علي عدد مَن كان يحسن الكتابة منهم قبل بروز الطبع، وفيهم من يكتبه اليوم تبرُّكاً به، ففي أيّ منها يجد ما يحسبه الزاعم من الغلط الفاشي؟ أو خلّة في الكتابة؟ أو ركّة في الأُسلوب؟ أو خروج عن الفنّ؟ غير طفائف يزيغ عنه بصر الكاتب الَّذي هو لازم كلِّ إنسان شيعيٍّ أو سنيٍّ عربيٍّ أو عجميٍّ.

وأحسب أنَّ الذي أخبر القصيميَّ بما أخبر من الطائفين في بلاد الشيعة لم يولد بعدُ لكنَّه صوَّره مثالاً وحسب أنّه يُحدَّثه، أو أنّه لَمّا جاس خلال ديارهم لم يزد على أن استطرق الأزقّة والجوادّ فلم يجد مصاحف ملقاةً فيما بينهم وفي أفنية الدور، ولو دخل البيوت لوجدها موضوعةً في عياب وعلب، وظاهرةً مرئيَّةً في كلِّ رفٍّ وكوَّة على عدد نفوس البيت في الغالب، ومنها ما يزيد على ذلك، وهي تُتلى آناء الليل وأطراف النّهار.

هذه غير ما تتحرَّز به الشيعة من مصاحف صغيرة الحجم في تمائم الصبيان و أحراز الرِّجال والنساء. غير ما يحمله المسافر للتلاوة والتحفظ عن نكبات السفر. غير ما يوضع منها على قبور الموتى للتلاوة بكرةً وأصيلا وإهداء ثوابها للميِّت. غير ما تحمله الأطفال إلى المكاتب لدارسته منذ نعومة الأظفار. غير ما يُحمل مع العروس قبل كلِّ شيء إلى دار زوجها، ومنهم من يجعل ذلك المصحف جزءً من صداقها تيمّناً به في حياتها الجديدة. غير ما يُؤخذ إلى المساكن الجديدة المتَّخذة لِلسكنى قبل الأثاث كلِّه. غير ما يوضع منها إلى جنب النساء لتحصينها عن عادية الجنِّ والشياطين الذين يوحون إلى أوليائهم (ومنهم القصيميُّ مخترع الأكاذيب) زخرف القول غرورا.

أفهؤلاء الذين لا يرفعون بالقرآن رأسا؟ أفهؤلاء الذين يندر جدّاً أن توجد بينهم المصاحف؟ وأمّا ما أخبر به الرَّجل شيطانه الطائف بلاد الشيعة من عدم وجود من يحفظ القرآن منهم فسل حديث هذه الأُكذوبة عن كتب التراجم ومعاجم السير، وراجع

٣٠٣

كتاب «كشف الاشتباه»(١) في ردِّ موسى جار الله ٤٤٤ - ٥٣٢ تجد هناك من حفّاظ الشيعة وقُرّائهم مائة وثلثة وأربعين.

١١ - قال: هل يستطيع أن يجيئ (الشيعيُّ) بحرف واحدٍ من القرآن؟ يدلُّ على قول الشيعة بتناسخ الأرواح، وحلول الله في أشخاص أئمَّتهم، وقولهم بالرجعة، وعصمة الأئمَّة، وتقديم عليٍّ على أبي بكر وعمر وعثمان، أو يدلُّ على وجود عليٍّ في السحاب وأنَّ البرق تبسّمه والرَّعد صوته كما تقول الشيعة الإماميَّة ج ١ ص ٧٢.

ج - إن تعجب فعجبٌ إنَّ الرجل ومن شاكله من المفترين بهتوا الشيعة الإماميَّة بأشياءهم بُراء منها على حين تداخل الفرق، وتداول المواصلات، وسهولة استطراق الممالك والمدن بالوسايل النقليّة البخاريّة في أيسر مدَّةٍ، ومن المستبعد جدّاً إن لم يكن من المتعذِّر جهل كلِّ فرقةٍ بمعتقدات الأُخرى، فمحاول الوقيعة اليوم والحالة هذه على أيِّ فرقة من الفرق قبل الفحص والتنقيب المتيسِّرين بسهولة مستعملٌ للوقاحة والصلافة، وهو الأفّاك الأثيم عند من يطالع كتابه، أو يُصيخ إلى قيله.

ولو كان الرَّجل يتدبّر في قوله تعالى: ما يلفظ من قول إلّا لديه رقيبٌ عتيدٌ. أو يصدِّق ما أوعد الله به كلَّ أفّاكٍ أثيمٍ همّاز مشَّاء بنميم، لكفَّ مدَّته عن البهت، وعرف صالحه، ولكان هو المجيب عن سؤال شيطانه بأنَّ الشيعة الإماميّة متى قالت بالتناسخ وحلول الله في أشخاص أئمّتهم؟ ومَن الذين ذهب منهم قديماً وحديثاً إلى وجود عليٍّ في السحاب... إلخ. حتّى توجد حرفٌ واحدٌ منها في القرآن.

م نعم: [عليُّ في السِّحاب ] كلمةٌ للشيعة تأسِّياً للنبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله بالمعنى الذي مرّ في الجزء الأوّل ص ٢٩٢(٢) غير أنّ قوّالة الإحنة حرَّفتها عن موضعها وأوّلتها بما يشوِّه الشيعة الإماميّة].

أليس عاراً على الرَّجل وقومه أن يكذب على أُمَّةٍ كبيرةٍ إسلاميّةٍ ولا يبالي بما يباهتهم؟ وينسبهم إلى الآراء المنكرة أو التافهة؟ ولا يتحاشى عن سوء صنيعه؟ أليست كتب الشيعة الإماميّة المؤلّفة في قرونها الماضية ويومها الحاضر وهي لسانهم المعرب عن

_____________________

١ - تأليف العلم الحجة شيخنا المحقّق الشيخ عبد الحسين الرشتي النجفي

٢ - من الطبعة الثانية.

٣٠٤

عقايدهم مشحونة بالبراءة من هذه النسب المختلقة بألسنة مناوئيهم؟!

فإن كان لا يدري فتلك مصيبةٌ

وإن كان يدري فالمصيبة أعظمُ

نعم: له أن يستند في أفائكه إلى شاكلته طه حسين وأحمد أمين وموسى جار الله رجال الفرية والبذاءة.

وقول الإماميّة بالرجعة نطق به القرآن غير أنَّ الجهل أعشى بصر الرَّجل كبصيرته فلم يره ولم يجده فيه، فعليه بمراجعة كتب الإماميّة، وأفردها بالتأليف جماهير من العلماء، فحبّذا لو كان الرَّجل يراجع شيئاً منها.

كما أنّ آية التطهير ناطقةٌ بعصمة جمعٍ ممّن تقول الإماميّة بعصمتهم وفي البقيّة بوحدة الملاك والنصوص الثابتة، وفيما أخرجه إمام مذهبه أحمد بن حنبل في الآية الشريفة في مسنده ج ١ ص ٣٣١، ج ٣ ص ٢٨٥، ج ٤ ص ١٠٧، ج ٦ ص ٢٩٦، ٢٩٨، ٣٠٤، ٣٢٣ مقنعٌ وكفايةٌ.

وكيف لم يقدِّم القرآن عليّاً على غيره؟ وقد قرن الله ولايته وولاية نبيِّه بقوله العزيز:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) . وقد مرَّ في هذا الجزء ص ١٥٦ - ١٦٢: إطباق الفقهاء و المحدِّثين والمتكلّمين على نزولها في عليٍّ أمير المؤمنين عليه السلام.

م - والباحث إن أعطى النصفة حقّها يجد في كتاب الله آيا تُعدُّ بالعشرات نزلت في عليّ أمير المؤمنين عليه السلام وهي تدلّ على تقديمه على غيره، ولا يدع وهو نفس النبيِّ صلّى الله عليه وآله بنصّ القرآن، وبولايته أكمل الله دينه، وأتمَّ علينا نعمه، ورضي لنا الإسلام دينا].

ونحن نُعيد السؤال هاهنا على «القصيميِّ» فنقول: هل يستطيع أن يجيئ هو و قومه بحرف واحدٍ من القرآن يدلُّ على تقديم أبي بكر وعمر وعثمان على وليِّ الله الطاهر أمير المؤمنين عليه السلام؟!.

١٢ - قال: والقوم (يعني الإماميّة) لا يعتمدون في دينهم على الأخبار النبويّة الصحيحة، وإنّما يعتمدون على الرُّقاع المزوَّرة المنسوبة كذباً إلى الأئمّة المعصومين في زعمهم وحدهم ج ١ ص ٨٣.

٣٠٥

ج - عرفت الحال في التوقيعات الصادرة عن الناحية المقدَّسة، والرَّجل قد أتى من شيطانه بوحيٍ جديد فيرى توقيعات بقيّة الأئمّة أيضاً مكذوبة على الأئمَّة، ويرى عصمتهم مزعومةً للشيعة فحسب، إذ لم يجدها في طامور أو هامه، فإن تنازعتم في شيئ فردّوه إلى الله والرّسول.

١٣ - المتعة التي تتعاطاها الرافضة أنواعٌ: صغرى وكبرى. فمن أنواعها: أن يتَّفق الرَّجل والمرأة المرغوب فيها على أن يدفع إليها شيئاً من المال أو من الطعام والمتاع وإن حقيراً جدّاً على أن يقضي وطره منها ويشبع شهوته يوماً أو أكثر حسب ما يتَّفقان عليه، ثمَّ يذهب كلٌّ منهما في سبيله كأنَّما لم يجتمعا ولم يتعارفا، وهذا من أسهل أنواع هذه المتعة.

وهناك نوعٌ آخر أخبث من هذا يُسمّى عندهم بالمتعة الدوريَّة وهي أن يحوز جماعةٌ إمرأةً فيتمتَّع بها واحدٌ من الصبح إلى الضحى، ثمَّ يتمتّع بها آخر من الضحى إلى الظهر، ثمَّ يتمتّع بها آخر من الظهر إلى العصر، ثمَّ آخر إلى المغرب، ثمَّ آخر إلى العشاء ثمَّ آخر إلى نصف الليل، ثمَّ آخر إلى الصبح، وهم يعدّون هذا النوع ديناً لله يُثابون عليه وهو من شرِّ أنواع المحرَّمات ج ١ ص ١١٩.

ج - إنّ المتعة عند الشيعة هي الّتي جاء بها نبيُّ الإسلام، وجعل لها حدوداً مقرَّرة، وثبتت في عصر النبيِّ الأعظم وبعده إلى تحريم الخليفة عمر بن الخطاب، وبعده عند مَن لم ير للرأي المحدث في الشرع تجاه القرآن الكريم وما جاء به نبيُّ الإسلام قيمةً ولا كرامةً، وقد أصفقت فِرَق الإسلام على أُصول المتعة وحدودها المفصَّلة في كتبها، ولم يختلف قطُّ إثنان فيها ألا وهي:

١: الأُجرة.

٢: الأجل.

٣: العقد المشتمل للايجاب والقبول.

٤: الافتراق بانقضاء المدَّة أو البذل.

٥: العدَّة أمةً وحرَّة حائلاً وحاملاً.

٦: عدم الميراث.

٣٠٦

وهذه الحدود هي الّتي نصَّ عليها أهل السنَّة والشيعة، راجع من تآليف الفريق الأوَّل. صحيح مسلم. سنن الدارمي. سنن البيهقي. تفسير الطبري. أحكام القرآن للجصّاص. تفسير البغوي. تفسير إبن كثير. تفسير الفخر الرّازي. تفسير الخازن. تفسير السيوطي. كنز العمّال(١) .

ومن تآليف الفريق الثاني مَن لا يحضره الفقيه الجزء الثالث ص ١٤٩. المقنع للصَّدوق كسابقه. الهداية له أيضاً. الكافي ٢ ص ٤٤. الإنتصار للشريف علم الهدى المرتضى. المراسم لأبي يعلى سلّار الديلمي. النهاية للشيخ الطوسي. المبسوط للشيخ أيضاً. التهذيب له أيضاً ج ٢ ص ١٨٩. الإستبصار له ٢ ص ٢٩. الغنية للسيد أبي المكارم. الوسيلة لعماد الدين أبي جعفر. نكت النهاية للمحقِّق الحلّي. تحرير العلّامة الحلّي ٢ ص ٢٧. شرح اللمعة ٢ ص ٨٢. المسالك ج ١. الحدائق ٦ ص ١٥٢. الجواهر ٥ ص ١٦٥.

والمتعة المعاطاة بين الأُمّة الشيعيَّة ليست إلّا ما ذكرناه، وليس إلّا نوعاً واحداً، والشيعة لم تر في المتعة رأياً غير هذا، ولم تسمع أُذن الدنيا أنواعاً لِلمتعة تقول بها فرقةٌ من فرق الشيعة، ولم تكن لأيِّ شيعيٍّ سابقة تعارف بانقسامها على الصغرى والكبرى، وليس لأيِّ فقيه من فقهاء الشيعة ولا لعوامهم من أوَّل يومها إلى هذا العصر، عصر الكذب والأخلاق، عصر الفرية والقذف (عصر القصيميِّ) إلماماً بهذا الفقه الجديد المحدَث، فقه القرن العشرين لا القرون الهجريَّة.

وأمَّا القصيميُّ [ومن يُشاكله في جهله المطبق] فلا أدري ممَّن سمع ما تخيَّله من الأنواع؟ وفي أيّ كتابٍ من كُتب الشيعة وجده؟ وإلى فتوى أيِّ عالمٍ من علمائها يستند؟ وعن أيِّ إمام من أئمَّتها يروي؟ وفي أيِّ بلدة من بلادها أو قرية من قراها أو بادية من بواديها وجد هذه المعاطاة المكذوبة عليها؟ أيم الله كلُّ ذلك لم يكن. لكنَّ الشياطين يوحون إلى أوليائهم زخرف القول غرورا.

١٤ - قال: إنَّ أغبى الأغبياء وأجمد الجامدين من يأتون بشاة مسكينةٍ وينتفون شعرها ويعذِّبونها أفانين العذاب موحياً إليهم ضلالهم وجرمهم أنَّها السيِّدة عائشة زوج النبيِّ الكريم وأحبُّ أزواجه إليه.

_____________________

١ - يأتي تفصيل كلماتهم في هذا الجزء بعيد هذا.

٣٠٧

ومَن يأتون بكبشين وينتفون أشعارهما ويعذِّبونهما ألوان العذاب مشيرين بهما إلى الخليفتين: أبي بكر وعمر، وهذا ما تأتيه الشيعة الغالية.

وإنَّ أغبى الأغبياء وأجمد الجامدين هم الَّذين غيَّبوا إمامهم في السرداب، وغيَّبوا معه قرآنهم ومصحفهم، ومَن يذهبون كلَّ ليلة بخيولهم وحميرهم إلى ذلك السرداب الذي غيَّبوا فيه إمامهم ينتظرونه ويُنادونه ليخرج إليهم، ولا يزال عندهم ذلك منذ أكثر من ألف عام.

وإنَّ أغبى الأغبياء وأجمد الجامدين هم الَّذين يزعمون أنَّ القرآن محرَّفٌ مزيدٌ فيه ومنقوصٌ منه ج ١ ص ٣٧٤.

ج - يكاد القلم أن يرتج عليه القول في دحض هذه المفتريات لأنَّها دعاوٍ شهوديَّة بأشياء لم تظلّ عليها الخضراء ولا أقلّتها الغبراء، فإنَّ الشيعة منذ تكوَّنت في العهد النبويِّ يوم كان صاحب الرِّسالة يلهج بذكر شيعة عليٍّ عليه السلام والصحابة تسمّي جمعاً منهم بشيعة عليٍّ إلى يومها هذا لم تسمع بحديث الشاة والكبشين، ولا أبصرت عيناها ما يُفعل بهاتيك البهائم البريئة من الظلم والقساوة، ولا مُدَّت إليها تلك الأيادي العادية، غير أنَّهم شاهدوا القصيميَّ متَّبعاً لإبن تيميَّة يُدنِّس برودهم النزيهة عن ذلك الدَرَن.

وليت الرَّجل يعرِّفنا بأحدٍ شاهد شيعيّاً يفعل ذلك، أو بحاضرةٍ من حواضر الشيعة اطَّردت فيها هذه العادة، أو بصقع وقعت فيه مرَّة واحدة ولو في العالم كلِّه.

وليتني أدري وقومي هل أفتى شيعيٌّ بجواز هذا العمل الشنيع؟ أو استحسن ذلك الفعل التافه؟ أو نوَّه به ولو قصِّيصٌ في مقاله؟ نعم يوجد هذا الإفك الشائن في كتاب القصيميِّ وشيخه إبن تيميَّة المشحون بأمثاله.

وفرية السرداب أشنع وإن سبقه إليها غيره من مؤلِّفي أهل السنَّة لكنَّه زاد في الطمّور نغمات بضمِّ الحمير إلى الخيول وادِّعائه اطِّراد العادة في كلِّ ليلة واتِّصالها منذ أكثر من ألف عام، والشيعة لا ترى أنَّ غيبة الإمام في السَّرداب، ولاهم غيَّبوه فيه ولا أنَّه يظهر منه، وإنَّما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنَّه يظهر بمكّة المعظمة تجاه البيت، ولم يقل أحدٌ في السرداب: إنَّه مغيب ذلك النور، وإنَّما هو سرداب

٣٠٨

دار الأئمَّة بسامرَّاء، وإنَّ من المطَّرد إيجاد السراديب في الدور وقايةً من قايظ الحرِّ، وإنَّما اكتسب هذا السرداب بخصوصه الشرف الباذخ لانتسابه إلى أئمَّة الدين، وإنّه كان مبوَّءً لثلاثة منهم كبقيَّة مساكن هذه الدار المباركة، وهذا هو الشأن في بيوت الأئمّة عليهم السَّلام ومشرِّفهم النبيُّ الأعظم في أيِّ حاضرة كانت، فقد أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه.

وليت هؤلاء المتقوِّلون في أمر السرداب إتَّفقوا على رأي واحد في الأُكذوبة حتّى لا تلوح عليها لوائح الإفتعال فتفضحهم، فلا يقول إبن بطوطة(١) في رحلته ٢ ص ١٩٨: إنَّ هذا السرداب المنوَّه به في الحلّة. ولا يقول القرماني في «أخبار الدُّول» إنّه في بغداد. ولا يقول الآخرون: إنّه بسامراء. ويأتي القصيميُّ مِن بعدهم فلا يدري أين هو فيطلق لفظ السرداب ليستر سوءته.

وإنّي كنت أتمنّى للقصيميِّ أن يحدِّد هذه العادة بأقصر من (أكثر من ألف عام) حتّى لا يشمل العصر الحاضر والأعوام المتَّصلة به، لأنَّ انتفائها فيه وفيها بمشهدٍ ومرئي ومسمع من جميع المسلمين، وكان خيراً له لو عزاها إلى بعض القرون الوسطى حتّى يجوِّز السامع وجودها في الجملة، لكنَّ المائن غير مُتحفِّظ على هذه الجهات.

وأمّا تحريف القرآن فقد مرّ حقُّ القول فيه ص ٨٥ وغيرها.

هذه نبذٌ من طامّات «القصيميِّ» وله مئاتٌ من أمثالها، ومَن راجع كتابه عرف موقفه من الصِّدق، ومبوَّئه من الأمانة، ومقيله من العلم، ومحلّه من الدين، ومستواه من الأدب.

( الّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ

مَقْتاً عِندَ اللّهِ وَعِندَ الّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ

اللّهُ عَلَى‏ كُلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبّارٍ )

سورة غافر ٣٥

_____________________

١ - وهكذا إبن خلدون في مقدمة تأريخه ج ١ ص ٣٥٩، وإبن خلكان في تاريخه ص ٥٨١.

٣٠٩

١١، ١٢، ١٣

فجر الإسلام. ضحى الإسلام. ظهر الإسلام

هذه الكتب ألَّفها الأُستاذ أحمد أمين المصريّ لغايةٍ هو أدرى بها، ونحن أيضاً لا يفوتنا عرفانها، وهذه الأسماء الفخمة لا تغرُّ الباحث النابه مهما وقف على ما في طيِّها من التافهات والمخازي، فهي كاسمه [الأمين] لا تُطابق المسمّى، وأيم الله إنَّه لو كان أميناً لكان يتحفَّظ على ناموس العلم والدين والكتاب والسنَّة، وكفَّ القلم عن تسويد تلك الصحائف السوداء، ولم يكن يُشوِّه سمعة الإسلام المقدَّس قبل سمعة مصره العزيزة بلسانه اللسّابة السَّلاقة، وكان لم يتَّبع الهوى فيُضلَّ عن السبيل، ولم يُطمس الحقايق ولم يُظهرها للناس بغير صورها الحقيقيَّة المبهجة، ولم يُحرِّف الكلم عن مواضعها، ولم يقذف أُمَّةً كبيرةً بنسبٍ مفتعلة؛ ولم يتقوَّل عليهم بما يُدنِّس ذيل قدسهم.

كما أنّ تآليفه هذه لو كانت إسلاميَّة [كما توهمها أسمائها] لما كانت مشحونةً بالضَّلال والإفك وقول الزّور، ولما بعدت عن أدب الإسلام، عن أدب العلم، عن أدب العفَّة، عن أدب الإخاء الذي جاء به القرآن، فالإسلام الذي جاء به أمين القرن العشرين (لا القرن الرابع عشر) يضادُّ نداء القرآن البليغ، نداء الإسلام الذي صدع به أمين وحي الله في القرن الأوَّل الهجريِّ، فإن كان الإسلام هذا كتابه وهذا أمينه؟ فعلى الإسلام السَّلام، وإن كان الجامع المصريُّ الأزهر هذا علمه وهذا عالمه؟ فعليه العفا.

وقد نوَّه غير واحد من محقِّقي الإماميّة(١) بما فيها من البهرجة والباطل في تآليفهم القيِّمة، وفي [تحت راية الحقِّ(٢) ] غنىً وكفاية لمريد الحقّ، وإلى الله المشتكى.

( بَلْ كَذّبُوا بِالْحَقّ لَمّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ )

ق ٥

_____________________

١ - كالحجج الفطاحل السيِّد شرف الدين، والسيِّد الأمين، وشيخنا كاشف الغطاء.

٢ - تأليف العلامة الشيخ عبد الله السبيتي.

٣١٠

١٤

الجولة

في ربوع الشرق الأدنى

تأليف محمد ثابت المصري مدرس أول العلوم

الاجتماعية بمدرسة القبة الثانوية

الناموس المطَّرد في السيّاح أنَّ أكثر ما يتحرّى مشاهدته في البلاد والأصقاع يكون ملائماً لما انطبعت عليه نفسيَّته، ولذلك تراهم مختلفين في النزعات، فصاحب رحلةٍ يكاد أن لا يذكر فيها سوى ما تلقّاه من العلماء والأُدباء، وآخر تجد فيه نزوعاً إلى السّاسة ونظريّاتهم، وثالث يبغي وصف البقاع من ناحية المعيشة والإقتصاد و الهواء الطلق والماء العذب النمير وفواكه ممّا يشتهون، وعارف يذكر بدايع الصّنع وإتقان حكمة الباري سبحانه من مشهوداته، وهناك ماجنٌ لا يروقه إلّا الشهوات والمخازي، فيصف المواخير؛ ويلمُّ بحانات الخمور، ويحدِّث عن المومسات، وأفّاكٌ أثيمٌ يمين في أكثر ما يحدِّث، ويدنِّس بفاحش القول ساحة قدس مَن لم يُحسن قِراه، وإنَّ صاحب هذه الرِّحلة [الجولة] من القسمين الأخيرين، وكان الحريّ بنا أن نشطب على اسمه وعلى رحلته بقلمٍ عريضٍ لكنّا نُلمس القارئ ما ادَّعيناه فيه بطفيفٍ ممّا شوَّه به سمعة الرِّحلة والتاريخ.

١ - قال: يقول العلماء هناك [في النجف]: إنَّ المدافن فيها عشرة آلاف لا تزيد ولا تنقص لأنَّ سيِّدنا عليّاً يُرسل ما زاد من الجثث بعيداً فلا يعرف أحدٌ مقرَّها ص ١٠٥

كم مِن جثثٍ كانت تحملها السيّارات وافدة من كلِّ فجٍّ، وبعد الغسل يُطاف بها حول الحرم وبعد الصَّلاة عليها تُدفن وتظلُّ كذلك حتّى يتراءى لسيِّدنا عليٍّ أن يكشف عن مكنونها فتختفي ويُدفن في مكانها غيرها ص ١٠٦.

ج - لقد فتَّشنا علب العطارين، وأوعية أهل الحرف، وجوالق المكارين، ومدوَّنات

٣١١

القصص الروائيّة، فلم تُعطنا خُبراً بشيءٍ من هذه المفتريات، ولا دلَّنا أصحابنا إلى شيء من ذلك، وإنَّما قدَّمناها وإيّاهم بالتفتيش والسؤال بعد اليأس عن العلماء و كتبهم، فإنَّهم يُجلّون كما أنَّ كتبهم تجلُّ عن الإشادة بالمخازي والأكاذيب، وليت [السائح] ذكر عالماً من أولئك العلماء الذين شافهوه بذلك الخيال، أو ذكر طرقهم إلى آرائهم، أو ذكر الليلة التي أوحاه إليه شيطانه فيها، لكنَّه لم يفعل كلّ ذلك تحفّظاً على ناموس شيطانه؛ فقال ولم يخجل.

من أين تخجل أوجهٌ أمويَّةٌ

سكبت بلذّات الفجور حيائها؟!

٢ - قال: هي [النجف] مقرُّ أوَّل خليفةٍ للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وفي زعم بعضهم (يعني الشيعة) هي مقرُّ مَن كان أحقُّ بالرِّسالة من النبيِّ نفسه ١٠٤.

ج - ليس في الشيعة قديماً وحديثاً مَن يزعم أنَّ أمير المؤمنين أحقُّ بالرِّسالة من النبيِّ وإنَّما هو إفكٌ مفترى إختلقه أضداد الشيعة تشويهاً لسمعتها، ولذلك لا تجد في أيٍّ من كتبهم، ولا يُؤثر عن أيٍّ منهم إيعازاً إلى هذه الشائنة فضلاً عن التَّصريح.

٣ - قال: قُتل عليٌّ بيد إبن ملجم - بايع الناس الحسن بن عليّ وكان معاوية قد بويع في الشام فزحف لقتال الحسن، وتأهَّب الحسن، للقتال في العراق، ولكن ثار عليه جنوده وانفضّوا من حوله، فهادن معاوية وتنازل عن الخلافة وفرَّ وقُتل، ثمَّ بايع الجميع معاوية إلّا الخوارج والشيعة [شيعة آل البيت أو آل عليّ] وقد إجتمعوا حول الحسين بن عليّ في مكّة فقتله جنودُ معاوية في كربلا هو وأفراد أُسرته وأتباعه جميعاً إلّا ابنٌ واحدٌ للحسين أمكنه الهرب ص ١١٠.

ج - هذا معرفة الرَّجل بالتاريخ الإسلامي وهو أُستاذ العلوم الإجتماعيّة في مدرسة القبَّة الثانويَّة بالقاهرة، ولا أحسب أنَّ المقام يستدعي ترسّلاً في تصحيح أغلاطه التاريخيَّة، وإنَّما أثبتناه في هذا المقام لإيقاف القارئ على مقدار علمه، ولكنَّني أتمنّى أنَّ سائلاً يُسائله عن الموجب للكتابة فيما لا يعلم، أهو بترجيح من طبيب؟ أم تحبيذ من مهندس؟ أم إشارة من سياسيّ، أم أنّ الرعونة حدته إلى ذلك؟ وهو يحسب أنَّه يحسن صنعاً، ونحن لا نُقابله هنا إلّا بالسَّلام كما قال سبحانه تعالى:( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ) .

٣١٢

وما أشبه أساطير رحّالة مصر هذا في كتابه أساطير الرَّحالة الأفرنسيَّة المنشورة في مجلّة الأحرار البيروتيّة ٢٧ تشرين الثاني سنة ١٩٣٠ م ملخَّصها: إنَّ على أساس ذبحٍ عليٍّ وأولاده في كربلاء قرب بغداد قامت الشيعة في الإسلام، ذلك لأنَّ أقرباء عليٍّ وحلفائه وتلاميذه وعلماء الشيعة وفلاسفتها لم يطيقوا خلافة عمر؟ الّذي بسببه أُريق دم عليٍّ وأولاده؟ فافترقوا عن السنَّة واجتازوا جزيرة العرب إلى العجم؟ تسير في طليعتهم أرملة عليٍّ فاطمة؟.

اقرأ واضحك

هكذا فليكن رحّالة مصر وفرانسة، ولِلذَّكَر مثل حظِّ الأُنثيين.

٤ - قال: من فرق الشيعة من يقول: بأنَّ الصحابة كلّهم كفروا بعد موت النبيِّ إذ جحدوا إمامة عليٍّ، وإنَّ عليّاً نفسه كفر لتنازله لأبي بكر، لكنَّه عاد له إيمانه لَمّا تولّى الإمامة وهذه فرقة الإماميَّة. ومن الشيعة قسمٌ أوجب النبوَّة بعد النبيِّ فقالوا بأنَّ الشَبه بين محمَّد وعليٍّ كان قريباً لدرجة أنَّ جبرئيل أخطأ، وتلك فئة [الغالية أو الغلاة] ومنهم مَن قال بأنَّ جبريل تعمَّد ذلك فهو إذن ملعونٌ كافرٌ ص ١١٠.

ج - الإماميّة لا تقول في الصحابة إلّا بما قدَّمناه في هذا الجزء ص ٢٩٦، ٢٩٧ عن صحيح البخاري وغيره، وهي لا تزال تُوالي أمير المؤمنين عليّاً صلوات الله عليه وتقول بعصمته وتحقّق الإيمان بولائه منذ بدء خلقته إلى أن لفظ نفسه الأخير، وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، وإلى أمدٍ لا مُنتهى له، وتقول بإمامته منذ قبض الله نبيَّه الأمين إليه، سواءٌ سُلّم إليه الأمر أو اُبتزَّ منه. وتقول أيضاً بشمول آية التطهير له منذ نزلت إلى آخر الأبد، ولا يتزحزح الشيعيُّ عن هذه العقايد آناً ما في أدوار الخلافة العلويَّة سواءٌ تصدّى لها أو مُنع عنها، وقد اتَّفق على ذلك علماء الشيعة ومؤلّفاتها، وتطامنت عليه الأفئدة، وانحنت عليه الأضالع، وأخبتت إليه القلوب، فإن كانت هناك نسبةٌ غير هذا إليهم فعزوٌ مُختلقٌ من جاهلٍ بعقائدهم، أو متحرٍّ بالوقيعة فيهم، ولدة هذا نسبة خطأ جبرئيل إلى بعضهم أو تعمّده إلى بعض آخر وما إليها من المخازي

٥ - قد استرعى نظري في النَّجف كثيرٌ من الأطفال الذين يلبسون آذانهم حلقات

٣١٣

خاصَّة هي علامة أنَّهم من ذريَّة زواج المتعة المنتشر بين الشيعة جميعاً وبخاصَّة في بلاد فارس، ففي موسم الحجّ(١) إذا ما حلَّ زائرٌ فُندقاً لاقاه وسيطٌ يعرض عليه أمر المتعة مقابل أجرٍ معيّن، فإن قبل أحضر له الرَّجل جمعاً من الفتيات لينتقي منهنَّ، وعندئذٍ يقصد معها إلى عالم لقراءة صيغة عقد الزَّواج وتحديد مدّته، وهي تختلف بين ساعاتٍ وشهورٍ وسنواتٍ؛ وللفتاة أن تتزوّج مرّات في الليلة الواحدة، والعادة أن يدفع الزَّوج نحو خمسة عشر قرشاً للساعة، وخمسة وسبعين قرشاً لليوم، ونحو أربع جنيهات للشهر، ولا عيب على الجميع في ذلك العمل لأنَّه مشروعٌ، ولا يلحق الذريَّة أيّ عارِ مطلقاً؛ وعند انتهاء مدَّة الزّواج يفترق الزَّوجان ولا تنتظر المرأة أن تعتدّ بل تتزوَّج بعد ذلك بيومٍ واحدٍ، فإن ظهر حملٌ فللوالد أن يدّعي الطفل له ويأخذه من أُمِّه إذا بلغ السابعة. إلخ ص ١١١، ١١٢.

ج - ليتني كنت أُشافه الرَّجل فأُسائله عن أنَّه هل تفرَّد هو بالهبوط إلى النجف الأشرف في أجيالها المتطاولة؟ أو شاركه في ذلك غيره من سوّاح وزوّار وسابلة؟ نعم هذه النجف الأعلى مهبط القداسة ومرقد سيِّد الوصيِّين أمير المؤمنين صلوات الله عليه تأتيها في كلِّ سنة آلاف مؤلَّفة من أقطار الدنيا للتزوُّد من زورة ذلك المشهد المقدَّس فيمكثون فيها أيّاماً وليالي وأسابيع وأشهراً وفيهم البحّاثة والمنقِّبون، فلِمَ لم يحدِّث أحدهم عن أولئك الأطفال الكثيرين في مخيَّلة هذا الزاعم؟ وعن الحَلقات الخاصَّة في آذانهم؟ وعن هاتيك الفنادق المخترقة(٢) وعن ذلك الوسيط الموهوم؟ وهاتيك الفتيات المعروضة على الوافد؟ وعن تلك العادة المفتراة الشائنة؟ والأسعار المختلقة؟ وعن تواصل المتع من دون تخلّل عدَّة؟ وجلُّ أولئك الوافدون يتحرَّون غرائب ما في النجف من العادات والأطوار شأن كلِّ باحثٍ يرد حاضرةً من الحواضر المهمَّة، ولِمَ لم يشهد هذه الأحوال أحدٌ من أهل النجف الَّذين وُلدوا فيها، وفيها ينشأون، وفيها يموتون وهي وفنادقها وأطفالها وزوّارها بمرأى منهم ومسمع؟! ولعلَّ [الرائد الكذّاب] يحسب أنَّ مشهوداته هذه لا تُدرك بعين البصر وإنَّما أدركها بعين البصيرة فهلمَّ واضحك.

_____________________

١ - يعني أيّام زيارة أمير المؤمنين عليه السلام المخصوصة به.

٢ - لم يكن يوم ورود الرجل النجف الأشرف أي فندق فيها وإنَّما أسست الفنادق بعد يومه.

٣١٤

٦ - قال: فهم «يعني الإيرانيِّين» يبغضون أهل العراق ويطمحون إلى تملّك بلادهم يوماً، وهم جميعاً يمقتون العرب المقت كلّه، ويتبرَّأون منهم ويقولون بأنَّ العرب رغم أنَّهم أدخلوا الإسلام في بلادهم واحتلّوها طويلاً فإنّ فارس حافظت على شخصيَّتها ولغتها، وهم ينظرون إلى العرب نظرة احتقارٍ ويفاخرون بأنَّهم من أصل آري لا سامي ص ١٣٦.

ج - لا أحسب وأيمن الله إلّا أنَّ هذا الرَّجل يُريد تفريق كلمة المسلمين، وتفخيذ أُمَّةٍ عن أُمَّةٍ بأباطيله، والواقف على ما بين العراقيّين والإيرانيّين - من الجوار وحقوقه المتبادلة بين الأُمَّتين، واختلاف كلٍّ منهما إلى بلاد الأُخرى، ونزول الايرانيِّ ضيفاً عند العراقيِّ وعكسه كالنازل في أهله، وما يجري هنالك من الحفاوة والتبجيل، وما جمع بينهما من الوحدة الدينيّة والجامعة المذهبيّة إلى غيرهما من أواصر الأُلفة والوداد، و نظر الايرانيِّ إلى كلِّ عراقيٍّ يرد بلاده من المشاهد المقدَّسة نظر تقديس وإكبار، فلا يستقبله إلّا بالمصافحة والمعانقة والتقبيل، وما يقدِّسه كلُّ مسلم وفيهم الإيرانيّون من لغة الضاد بما أنَّها لغة كتابهم العزيز - جِدُّ عليم بأنَّ الرَّجل أكذب ناهضٍ لشقِّ عصى المسلمين، ولعمري لم تسمع أُذني ولا أُذن أحدٍ غيري تلك المفاخرة التافهة من أيِّ إيرانيٍّ عاقلٍ.

٧ - قال: السيّارات الكبيرة تمرُّ تباعا (بين طهران وخراسان) ذهاباً ورجعةً في كثرةٍ هائلةٍ كلّها تحمل جماهير الحجّاج، ويقولون: بأنَّ هذا الخطّ على وعورته أكثر البلاد حركةً في نقل المسافرين لأنَّ مشهد خيرٌ لديهم من مكّة المكرَّمة تُغنيهم عن بيت الله الحرام في زعمهم ١٥٢.

وقال ص ١٦٢: والّذي شجّع الفرس على اتِّخاذ مشهد كعبةً مقدَّسةً الشاه عبّاس أكبر الصفويّين، هناك صرف قومَه عن زيارة مكّة المكرَّمة لكراهتهم للعرب. ولكي يوفِّر على قومه ما كانوا يُنفقون من أموال طائلة في بلاد يكرهونها، وكثيرٌ من الحجّاج كانوا من السّراة، فاتَّخذ مشهد كعبةً وجّه إليها الشعب، ولكي يزيدها قدسيّة حجَّ إليها بنفسه ماشياً على قدميه مسافة تفوق ١٢٠٠ كيلو متر فتحوّل إليها الناس جميعاً، ويندر من يزور الحجاز اليوم، وهم يحترمون كلمة (مشهدي) عن كلمة [حجي]

٣١٥

لأنَّ من زار مشهد لا شكَّ أكثر قدسيّةً واحتراماً ممّن زار مكّة.

ج - أللّهمَّ ما أجرأ هذا (الكَذْبان) على المفتريات التي لم تطرق سمع أحد من الشيعة ولا وقع عليها نظر أيٍّ منهم ولو في أُسطورة كاذبةٍ حتّى وجدها في كتاب هذا المائن، وليس في الشيعة أحدٌ يعتقد في خراسان غير أنّه مرقد خليفةٍ من خلفاء رسول الله، ومثوى إمام من أئمّتهم، ولذلك عاد مهبطاً للفيوض الإلهيّة، وأمّا القول بإغنائه عن البيت الحرام وإنَّ زيارته مسقطةٌ للحجِّ فبهتانٌ عظيمٌ، والشاه الصفويُّ المغفور له لم يتّخذه كعبةً ولا قصد زيارته ماشياً إلّا للتزلّف إلى المولى سبحانه بزيارة وليٍّ من أوليائه، والتوسّل إليه بخليفةٍ من خلفائه، ولم يصرف قومه عن الحجِّ لذلك، ولم يأت برأيٍ جديد يُضادّ رأي الشيعة من أوَّل يومهم، والشيعة إنَّما تقصد زيارته بداعي الولاء للعترة الطاهرة الذي هو أجر الرِّسالة، ورغبة في المثوبات الجزيلة المأثورة عن أئمّتهم عليهم السّلام.

ولم يكن الشاه ولا شعبه الإيرانيّون بالّذين يشحّون على الأموال دون الفرايض الّتي من أعظمها الحجُّ إلى الكعبة المعظّمة، ولا يرون لهذه الفريضة أيَّ بدل من زيارةٍ أو عبادةٍ، وهذه الحقب والأعوام تشهد لآلاف مؤلّفة من الايرانيّين الذين كانوا يحجّون البيت في كلِّ عام.

نعم: في السنين الأخيرة قلَّ عددهم لما هنالك من عدم الطمأنينة على الأحكام والدماء، فالشيعيُّ يرى أن أغلب الحجّاج غير متمكِّنين من أداء المناسك كما ينبغي، وغير آمنين على دمائهم بأدنى فريةٍ يفتريها عدوٌّ من أعداء الله، ويشهد عليها آخرون أمثاله، فيحكم على إراقة دمه قاض بالجور.

وإن ننس لا ننسى ما جرى في سنة ١٣٦٢ هـ من إزهاق حاجّ مسلمٍ ايرانيّ (يُسمّى طالب) بين الصَّفى والمروة ببهتان عظيم، وهو يتشهَّد الشهادتين وقد حجَّ البيت واعتمر وأتى بالفرايض كلّها، فقُتل مظلوماً ولا مانع ولا وازع ولا زاجر ولا مدافع، ودع عنك ما يُلاقي الشيعة بأسرها عراقيِّين وإيرانيِّين من هتكٍ وهوان والخطاب بمثل قول الحجازيِّ إيّاهم: يا كافر، يا مشرك. وأمثالهما من الكلم القارصة، وتحرّي الحجج التافهة لهذه المخازي كلِّها ولإراقة دمائهم، فمن هنا خارت العزائم، وقلّت الرغبات، ومنعت الحكومة الايرانيَّة

٣١٦

شعبها عن السفر إلى الحجاز كلائةً لأُمَّتها، مستندةً على حكم دينيٍّ لعدم التمكّن من أداء الفريضة غالباً، لا لِما أفرغه السايح المتحذلق في بوتقة إفكه ممّا سطره من إتِّخاذ المشهد كعبةً، ومن الكراهة المحتدمة بين الايرانيِّين والعرب، ذينك الفريقين المتواخيين على الدين والمذهب، إلى جوامع كثيرة يعرفها مَن جاس خلال ديارهما بقلب طاهر متجرِّداً عن النَّعرات الطائفيَّة غير متحيِّز إلى فئة (لا كسايحنا الثابت على غيِّه) وقد قدَّمنا ما بين العرب والعجم المسلمين من التحابب والموادَّة.

٨ - قال: في نيسابور قبَّةٌ أنيقةٌ عني بإقامتها ونقشها العناية كلّها، فدخلتها و إذا هي مدفن محمّد المحروق من سلالة الحسين، وقد أسموه بالمحروق لأنَّه نزل ضيفاً على أحد سراة القرية ولَمّا أن خيم الليل اعتدى على بنت مضيفه فأحرقه الناس في مكانه هذا، ورغم جرمه هذا شيد قبره وقدَّسه الناس لأنَّه من سلالة طاهرةٍ ١٥٥.

ج - لا ينقطع الرَّجل يُريد الوقيعة على أهل البيت الطاهر فيختلق لهم قصصاً لا يوجد لها مصدرٌ ولو من أضعف المصادر، ويُلفِّق لهم تاريخاً من عند نفسه لا يعلمه إلّا شيطانه، فإنّ ذلك المدفن قد يُنسب إلى محمّد بن محمّد بن زيد بن عليّ الإمام زين العابدين عليه السلام ترجمه أبوالفرج في مقاتل الطالبيين وقال: بايعه أبو السرايا بالكوفة بعد موت محمّد بن إبراهيم بن إسماعيل طباطبا واستولى على العراقين وفرَّق فيهما عمّاله من بني هاشم إلى أن جهَّز الحسن بن سهل ذوالرَّياستين له جيشاً مع هرثمة بن أعين فأُسر وحُمل إلى خراسان إلى المأمون فحبسه أربعين يوماً في دار جعل له فيها فرشاً وخادماً فكان فيها على سبيل الإعتقال، دسّ إليه شربة سمٍّ فجعل يختلف كبده وحشوته حتّى مات.

لكنَّ الرجل لم يستسهل أن يمرَّ على هذا العلويِّ المظلوم ولا يخزه بشيء من وخزاته، فجاء يقذفه بعد قرون من شهادته بهذه الشائنة والبهتان العظيم، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون.

٩ - قال: إنَّ الحسين تزوَّج (شهر بانو) بنت آخر الملوك الساسانيِّين، وبذلك ورث الحسين العظمة الإلهيَّة التي ورثها من قِبل الساسانيِّين ٢٠٨.

ج - حسين العظمة ورث ما ورثه من جدِّه النبيِّ الأعظم، وإن كان فارس خيرة

٣١٧

العجم والعائلة المالكة أشرف عائلات فارس، وقد إزدادت شرفاً ومنزلةً بمصاهرة بيت الرِّسالة، فإنَّ شرف النبوَّة تندكُّ عنده الفضايل كلّها.

وليت شعري ما الصِّلة بين مصاهرة الفرس والعظمة الإلهيَّة ومؤسِّسها نبيُّ العظمة، وقد ورثها منه آله العظماء، وملوك الفرس إن تمكَّنوا بشيء من المنزلة والمكانة فعن قهر وتغلّب من دون دخل لها في النفسيّات الراقية والمنازل الإلهيَّة والعظمة الروحيَّة القدسيَّة.

نعم: هذا شأن كلِّ جاهلٍ فإنَّه لما لم يعرف قدره، ويتعدّ طوره، هكذا يكثر لغبه، ويطول لسانه، ويُبتلي بفضول الكلام، وهو يخبط خبط عشواء.

هنا نختم البحث عن عورات الرَّجل غير أنَّها لا تنتهي، وإنّا نضنُّ بالورق واليراع بعد الوقت الثمين عن إتلافها بذكر سقطاته التي تندى منها جبهة الإنسانيَّة، راجع من كتابه ص ١٢٥، ١٣٠، ١٣٢، ١٣٤، ١٤١، ١٤٢، ١٥٠، ١٥٦، ١٥٧، ١٦٠، ١٦٢، ١٦٣، ١٦٦، ١٨٣، ٢٠٦، ٢١٠.

والرَّجل قد تعلَّم في بلاد فارس ألفاظاً من لغتهم فجاء يذكرها في كتابه مع ترجمة بعضها بالعربيَّة إثباتاً لثقافته غير أنَّ كلَّ ما تعلّمه كآرائه ومعتقداته غلطٌ بعد غلط و إليك نماذج منها مع ذكر صحيحها:

مدر:

امّ.

مادر

دِر:

باب.

دَر

باد:

ردئ.

بَد

جرم:

دافي

كرم

فاردا:

غداً.

فردا

بسيتون:

ألصواب.

بي ستون

دوك:

ألصواب.

دوغ

الانجور:

ألصواب.

انگور

جوهرشاه:

ألصواب.

گوهرشاد

الداشت:

ألصواب.

دشت

ناخير:

ألصواب.

نه خير

الجوشت:

ألصواب.

گوشت

الروغان:

ألصواب.

روغن

الملاه:

ألصواب.

ملاّ

المولاه:

ألصواب.

ملّا

صبركون:

ألصواب.

صبركون

ياخ:

ألصواب.

يخ

صمورا:

ألصواب.

سماور

آلي قاپو:

ألصواب.

عالي قاپور

البازار:

ألصواب.

بازار

٣١٨

شربت باشا

شربت الأطفال

شربت بچه

بردن

يحمل

بردَن بفتح الدال مصدر

كرافان سراي (في عدَّة مواضع) كاروان سراي

زنده رود

ص

زاينده رود

أنزبلي

ص

أنزلي

شارود

ص

شاهرود

سابزوار

ص

سبزوار

هيرات

ص

هرات

بوشهر

ص

أبوشهر

الفولجة

ص

الفلوجة

تشهل ستون

ص

چهل ستون

تشهل منار: أي ذات العماد. ص: چهل منار. اربعون منارة

شهل ستون

ص

چهل ستون

راحات

ص

راحت

حظرة عبدالعظيم (في غير موضع) حضرت عبد العظيم. انظر إلى ثقافته العربيَّة.

وهذه الجمل تُعطينا صورةً من تضلّعه بالعربيَّة بإكثاره لإدخال اللام في الألفاظ الفارسيَّة.

( مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللّهِ )

سورة الحديد: ٢٧

٣١٩

١٥

عقيدة الشيعة

تأليف المستشرق روايت م. رونلدسن

قد يحسب الباحث رمزاً من النزاهة في هذا الكتاب، وخلاءً من القذف والسباب المقذع، غير أنَّه مهما أمعن النظر فيه يراه معرباً عن جهل مؤلِّفه المطبق، وقصر باعه في آراء الشيعة ومعتقداتهم، وعدم عرفانه برجالهم وتراجمهم وتآليفهم؛ و يجده مع ذلك: ذلك الأفّاك الأثيم، ذلك الهمّاز المائن، يخبط خبط عشواء، أو كحاطب ليل لا يدري ما يجمع في حزمته، فجاء يكتب عن أُمَّة عظيمة كهذه ويبحث عن عقائدهم ويستند فيها كثيراً إلى كتب قومه المشحونة بالطامّات والآراء الساقطة والمخازي التافهة، والمشوَّهة بأساطيرهم المائنة، أو إلى تآليف أهل السنَّة المؤلَّفة بيد أُناس دجّالين محدَثين الذين كتبوا بأقلامهم المسمومة ما شاءت لهم أهوائهم وأغراضهم الإستعماريَّة. فكشف عن سوأته بمثل قوله في ص ٢٥:

يذكر Hl ghes في كتابه (قاموس الإسلام) ص ١٢٨ قضيّةً طريفةً عن عيد الغدير قال: وللشيعة عيدٌ في الثامن عشر من ذي الحجّة يصنعون به ثلاثة تماثيل من العجين يملئون بطونها بالعسل، وهي تمثِّل أبا بكر وعمر وعثمان ثمَّ يطعنونها بالمدى فيسيل العسل تمثيلاً لدم الخلفاء الغاصبين؛ ويُسمّى هذا العيد بعيد الغدير.

وبمثل قوله في ص ١٥٨: يذكر برتن Burton إنَّ الفرس تمكّنوا في بعض الأحيان أن يُنجِّسوا المكان الكائن قرب قبري أبي بكر وعمر بقذف النجاسة الملفوفة بقطعة من الشّال، يدلُّ ظاهرها على أنَّها هديّةٌ من الشبّاك.

وبمثل قوله في ص ١٦١: أمّا الشيعة الإثنى عشريَّة فيؤكّدون أنَّ الإمام جعفر الصّادق نصَّ على إمامة إبنه الأكبر إسماعيل بعده، غير أنَّ إسماعيل كان سكّيراً، فنقلت الإمامة إلى موسى، وهو الوليد الرابع من بين سبعة أولاد، وكان الخلاف الناجم عن

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418