الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 418
المشاهدات: 93168
تحميل: 6417


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93168 / تحميل: 6417
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يزهو المطاف إذا طافوا بكعبته

وتشرإبُّ(١) لهم منها القواعيدُ

في كلِّ يوم لهم بأسٌ يعاش به

وللمكارم من أفعالهم عيدُ

محسَّدون ومن يعقد بحبِّهمُ

حبل المودَّة يضحى وهو محسودُ(٢)

لا ينكر الدهر إن ألوى بحقِّهمُ

فالدهر مذ كان مذمومٌ ومحمودُ(٣)

ولعلَّ قوله: محسَّدون. إشارة إلى قوله تعالى:( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ ) . وقد ورد فيها، أنَّهم الأئمَّة من آل محمد. قال إبن أبي الحديد في شرح النهج ٢ ص ٢٣٦: إنَّها نزلت في عليّ عليه السلام وما خصَّ به من العلم. وأخرج إبن حجر في «الصواعق» ص ٩١ عن الباقر عليه السلام أنَّه قال في هذه الآية: نحن الناس والله.

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه

فالنّاس أعداءٌ له وخصومُ

كضرائر الحسناء قلن لوجهها

حسداً وبغضاً: إنَّه لدميمُ

وأخرج الفقيه إبن المغازلي في «المناقب» عن إبن عبّاس: إنّ الآية نزلت في النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وعليّ رضي الله عنه. وقال الصبّان في «إسعاف الراغبين» هامش نور الأبصار ص ١٠٩: أخرج بعضهم عن الباقر في قوله تعالى:( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ ) . أنَّه قال: أهل البيت هم الناس.

وذكر أبو الفرج في «المقاتل» ص ٤٢٠ للحِمّاني قوله يرثي به يحيى الشهيد:

فإن يك يحيى أدرك الحتف يومه

فما مات حتَّى مات وهو كريمُ

وما مات حتّى قال طلّاب نفسه

: سقى الله يحيى إنَّه لصميمُ

فتىً آنست بالبأس والروع نفسه

وليس كما لاقاه وهو سئومُ

«إلى آخر الأبيات»

وذكر له المسعودي وأبو الفرج في رثاء يحيى أيضاً قوله:

تضوَّع مسكاً جانب النهر إذ ثوى

وما كان إلّا شلوه يتضوَّعُ

_____________________

١ - اشرأب للشيئ وإليه: مد عنقه لينظره. والاسم منه الشرأبيبة. كالطمأنينة.

٢ - في نهاية الإرب:

محسدون ومن يعلق بحبهم

من البرية يصبح وهو محمود

٣ - الفصول المختارة ١ ص ١٩، مناقب إبن شهر آشوب ٥ ص ٢١، نهاية الإرب ٣ ص ١٨٤، مجالس المؤمنين نقلاً عن الشريف المرتضى ص ٤٦٨.

٦١

مسارع أقوام كرام أعزَّةٍ

أُبيح ليحيى الخير في القوم مصرعُ

وذكر المسعودي في «مروج الذهب» قوله في يحيى بن عمر أيضاً:

يا بقايا السلف الصّا

لح والبحر الربيحِ

نحن للأيّام من بين

قتيلٍ وجريحِ

خاب وجه الأرض كم

غيّب من وجه صبيحِ

آه من يومك ما أو

راه للقلب القريحِ

وفي «المروج» للمسعودي و«ربيع الأبرار» للزمخشري قوله:

إنّي وقومي من أحساب قومكمُ

كمسجد الخيف من بُحبوبة الخيف

ما علَّق السيف منّا بابن عاشرة

إلّا وهمَّته أمضى من السيفِ

وله في رثاء يحيى قوله كما في مروج الذهب:

لعمري لئن سرَّت قريشٌ بهلكه

لما كان وقّافاً غداة التوقّفِ

فإن مات تلقاء الرِّماح فإنَّه

لمن معشر يشنون موت الترُّفِ

فلا تشمتوا فالقوم من يبق منهمُ

على سنن منهم مقام المخلّفِ

لهم معكم إمّا جدعتم أُنوفكم

مقامات ما بين الصفا والمعرّفِ

تراثٌ لهم من آدم ومحمد

إلى الثقلين من وصايا ومصحفِ

وله في يحيى بن عمر أيضا قوله:

قد كان حين علا الشباب به

فاق السوالف حالك الشعرِ

وكأنَّه قمرٌ تمنطق في

افق السماء بدارة البدرِ

يا ابن الَّذي جعلت فضايله

فلك العلا و قلائد السورِ

من أُسرة جعلت مخايلهم

للعالمين مخايل النظرِ

تتهيَّب الأقدار قدرهمُ

فكأنَّهم قدَرٌ على قدَرِ

والموت لا تسوى رميَّته

فلك العلا ومواضع الغررِ

وله في رثاء أخيه لأُمِّه إسماعيل العلويِّ شعرٌ كثيرٌ ومنه قوله:

هذا ابن أُمّي عديل الروح في جسدي

شقَّ الزمان به قلبي إلى كبدي

فاليوم لم يبق شيئٌ أستريح به

إلّا تفتَّت أعضائي من الكمدِ

٦٢

أو مقلة بحياء الهمِّ باكية

أو بيت مرثية تبقى على الأبدِ

ترى أُناجيك فيها بالدموع وقد

نام الخليُّ ولم أهجع ولم أكدِ

مَن لي بمثلك؟! يا نور الحياة ويا

يمنى يديَّ التي شلّت من العضدِ

مَن لي بمثلك؟! أدعوه لحادثة

تُشكى إليه ولا أشكو إلى أحدِ

قد ذقت أنواع ثكل كنت أبلغها

على القلوب وأجناها على كبدي

قل للرَّدى: لا تُغادر بعدهُ أحداً

وللمنيَّة من أحببت فاعتمدي

إنَّ الزمان تقضّى بعد فرقته

والعيش آذن بالتفريق والكندِ

وقال في نسب عليِّ بن الجهم السامي أحد الشعراء المنحرفين عن عليّ أمير المؤمنين عليه السلام وكان ممَّن يظهر عداه وقد طعن على نسبه من طعن وقال أُناس: من عقب سامة إبن لوي بن غالب:

وسامة منّا فأمّا بنوه

فأمرهمُ عندنا مظلمُ

أُناسٌ أتونا بأنسابهم

خرافة مضطجع يحلمُ

وقلت لهم مثل قول النبيِّ

وكلُّ أقاويله محكمُ

: إذا ما سُئلت ولم تدر ما

تقول فقل: ربّنا أعلمُ

وقال فيه أيضاً:

لو اكتنفت النضر أو معدا

أو اتَّخذت البيت كفّاً مهدا

وزمزماً شريعةً ووردا

والأخشبين محضراً ومبدى

ما ازددت إلّا في قريش بُعدا

أو كنت إلّا مصقليّاً وغدا(١)

وذكر له الثعالبي في «ثمار القلوب» ص ٢٢٣ قوله:

ويوم قد ظللت قرير عين

به في مثل نعمة ذو رعينِ(٢)

تفكّهني أحاديث النداما

وتطربني مثقَّفة اليدينِ

فلولا خوف ما تجنى اللّيالي

قبضت على الفتوَّة باليدينِ

وذكر له قوله في بني طاهر لَمّا مرَّ على دورهم وقد سلبها الدهر البهجة ونزل بها من غدره رجَّة:

_____________________

١ - معجم الشعراء ص ٢٨٦، مروج الذهب ٢ ص ٣٨٦.

٢ - من أذواء اليمن، يضرب به المثل في النعمة.

٦٣

مررت بدور بني طاهر

بدور السرور ودور الفرحْ

فشبَّهت سرعة أيّامهم

بسرعة قوس يُسمّى قزحْ

تألَّق معترضاً في السماء

قليلاًوما دام حتّى مصحْ(١)

وذكر البيهقي في «المحاسن والمساوي» ١ ص ٧٥ قوله:

عصيت الهوى وهجرت النساءْ

وكنت دواءً فأصبحت داءْ

وما أنس لا أنس حتّى الممات

نزيب(٢) الظباء تُجيب الظباءْ

دعيني وصبري على النائبات

فبالصبر نلت الثرى والثواءْ

وإن يك دهري لوى رأسه

فقد لقي الدهر منّي التواءْ

ونحن إذا كان شرب المدام

شربنا على الصافنات الدماءْ

بلغنا السمآء بأنسابنا

ولولا السمآء لجزنا السماءْ

فحسبك من سؤدد إنَّنا

بحسن البلاء كشفنا البلاءْ

يطيب الثناء لآبائنا

وذكر عليٍّ يزين الثناءْ

إذا ذكر الناس كنّا ملوكاً

وكانوا عبيداً وكانوا إماءْ

هجانيَ قومٌ ولم أهجهم

أبى الله لي أن أقول الهجاءْ

وذكر له النسّابة العمري في «المجدي» قوله:

هبني حننت إلى الشَّبابِ

فطمست شيبي باختضابي

ونفقت عند الغانيات

بحيلتي وجهاز ما بي

مَن لي بما وقف المشيب

عليه من ذلِّ الخضابِ

ولقد تأمَّلت الحياة

بُعيد فقدان التَّصابي

فإذا المصيبة بالحياة

هي المصيبة بالشيابِ

ومن شعره ما ذكره الزمخشري في «ربيع الأبرار» في الباب ٣٤ وهو:

لعمرك للمشيب عليَّ ممّا فقد

ت من الشباب أشدُّ فوتا

تملّيت(٣) الشباب فصار شيباً

وأبليت المشيب فصار موتا

_____________________

١ - توجد في أنوار الربيع ص ٢٥٠، ونسمة السحر نقلاً عن الثعالبي.

٢ - نزيب الظباء: أي صوتها.

٣ - من الملاوة: أي البرهة من الدهر، يقال: عشت مع الشباب ملاوة.

٦٤

وذكر له الحموي في «معجم البلدان» ٧ ص ٢٦٦ قوله:

فيا أسفي على النجف المعرّى

وأودية منوَّرة الأقاحي

وما بسط الخورنق من رياض

مفجَّرة بأفنية فساحِ

وواأسفاً على القنّاص تغدو

خرائطها على مجرى الوشاحِ

ولعلَّ من هذه القصيدة ما ذكره إبن شهر آشوب له:

وإذ بيتي على رغم الملاحي

هو البيت المقابل للضراحِ

ووالدي المشار به إذا ما

دعى الداعي بحيَّ على الفلاحِ

ومن شعره في «عمدة الطالب» ص ٢٦٩ قوله:

لنا من هاشم هضبات عزٍّ

مطنَّبة بأبراج السمآءِ

تطوف بنا الملائك كلَّ يوم

ونكفل في حجور الأنبياءِ

ويهتزُّ المقام لنا ارتياحاً

ويلقانا صَفاه بالصفآءِ

وذكر له إبن شهر آشوب «في المناقب» ج ٤ ص ٣٩ ط هند قوله:

يا بن من بينه من الدين والإسلا

م بين المقام والمنبرينِ

لك خير البنيّتين من مسجدي جدِّ

ك والمنشأين والمسكنينِ

والمساعي من لدن جدّك إسما

عيل حتّى أدرجت في الربطتينِ

يوم نيطت بك التمائم ذات الـ

ـريش من جبرئيل في المنكبينِ

ومنها:

أنتما سيِّدا شباب الجنا

ن يوم الفوزين والروعتينِ

يا عديل القرآن من بين ذا الخلق

ويا واحداً من الثقلينِ

أنتما والقران في الأرض مذأ

زلٍ مثل السَّماء والفرقدينِ

فهما من خلافة الله في الأر

ض بحقّ مقام مستخلفينِ

قاله الصادق الحديث ولن

يفترقا دون حوضه واردينِ

أشار إلى ما صحَّ عند أئمَّة فرق الإسلام من قول النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة له: إنّي تارك ٌأو مخلِّفٌ فيكم الثقلين أو الخليفتين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنَّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض.

٦٥

وله في حديث الثقلين كما في «المناقب» ٥ ص ١٨ قوله:

يا آل حاميم الّذين بحبِّهم

حكم الكتاب منزَّلٌ تنزيلا

كان المديح حُلي الملوك وكنتمُ

حُلل المدايح غرَّةً وحجولا

بيتٌ إذا عدَّ المآثر أهله

عدّوا النبيَّ وثانياً جبريلا

قومٌ إذا اعتدلوا الحمايل أصبحوا

متقسِّمين خليفةً ورسولا

نشأوا بآيات الكتاب فما انثنوا

حتّى صدرن كهولةً وكهولا

ثقلان لن يتفرَّقا أو يطفيا

بالحوض من ظمأ الصدور غليلا

وخليفتان على الأنام بقوله

ألحقّ أصدق من تكلَّم قيلا

فأتوا أكفَّ الآيسين فأصبحوا

ما يعدلون سوى الكتاب عديلا

وله قوله:

وأنزله منه على رغمة العدى

كهارون من موسى على قِدم الدهرِ

فمن كان في أصحاب موسى وقومه

كهارون لا زلتم على ظلل الكفرِ

وآخاهمُ مثلاً لمثل فأصبحت

أخوّته كالشمس ضمَّت إلى البدرِ

فآخا عليّاً دونكم وأصاره

لكم علماً بين الهداية والكفرِ

وأنزله منه النبيُّ كنفسه

رواية أبرار تأدَّت إلى البشرِ

فمن نفسه منكم كنفس محمد

ألا بأبي نفس المطهَّر والطهرِ(١)

كلّ هذه الأبيات مأخوذةٌ من الأحاديث النبويَّة الصحيحة من حديث الثقلين وحديث المنزلة وحديث المؤاخاة الآتية في محلِّها، وأشار بالبيتين الأخيرين إلى ما أخرجه الحافظ النسائي في خصايصه ص ١٩ بإسناده عن أُبيّ قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لينتهنَّ بنور ربيعة أو لأبعثنَّ عليهم رجلاً كنفسي ينفذ فيهم أمري. الحديث وله في «المناقب» قوله في العترة الطاهرة:

هم صفوة الله التي ليس مثلها

وما مثلهم في العالمين بديلُ

خيار خيار الناس من لا يحبّهم

فليس له إلّا الجحيم مقيلُ

وذكر له أبو نصر المقدسي في «الظرائف واللطايف» ص ١٢٣ قوله في صديق

_____________________

١ - هذان البيتان الأخيران ذكرهما له البياضي في الصراط المستقيم:

٦٦

له ولدت له بنت فسخطها:

قالوا له: ماذا رُزقت؟

فأصاح ثَمَّة قال: بنتا

وأجلّ من ولد النسا

ء أبو البنات فلم جزعتا

إنَّ الَّذين تودَ من

بين الخلايق ما استطعتا

نالوا بفضل البنت ما

كبتوا به الأعداء كبتا

وذكر له المقدسي أيضا قوله:

إنَّ صدر النهار أنضر شطر

يه كما نضرة الفتى في فتاته

ويوجد له في «مجموعة المعاني» ص ٥٩:

كان يبكيني الغناء سرورا

فأراني أبكي له اليوم حزنا

قد مضى ما مضى فليس يُرجّى

وبقي ما بقي فما فيه مغنى

وله في ص ٨٢:

لا تكتسي النور الرِّياض إذا

لم يروهنَّ مخايل المطرِ

والغيث لا يُجدي إذا ذرفت

آماق مدمعه على حجرِ

وكذاك لو نيل الغنا بيد

لم تجتذب بسواعد القدرِ

وله في «أنوار الرَّبيع» ص ٤٥٦ قوله:

يا شادناً أفرغ من فضَّة

في خدِّه تفّاحةٌ غضّه

كأنما القبلة في خدِّه

للحسن من رقَّته عضّه

يهتزُّ أعلاه إذا ما مشى

وكلّه في يمنه قبضه

إرحم فتىً لَمّا تملّكته

أقرّ بالرقّ فلم ترضه

وله في «الأنوار» ص ٤٨٠ قوله:

بأبي فم شهد الضمير له

قبل المذاق بأنّه عذبُ

كشهادتي لله خالصةً

قبل العيان بأنَّه الرَّبُ

والعين لا تُغني بنظرتها

حتّى يكون دليلها القلبُ

وله في ص ٤٨١ قوله:

كأنَّ هموم الناس في الأرض كلّها

عليّ وقلبي بينهم قلب واحدِ

٦٧

ولي شاهدا عدل: سهادٌ وعبرةٌ

وكم مدَّعٍ للحقِّ من غير شاهدِ

وله في ص ٥٢٨ قوله:

وجهٌ هو البدر إلّا أنّ بينهما

فضلاً تحيَّر عن حافاته النورُ

في وجه ذاك أخاليطٌ مسوَّدةٌ

وفي مضاحك هذا الدرِّ منثورُ

وذكر له في «نشوة السكران» ص ٧٩ قوله:

عريتُ عن الشَّباب وكنت غضّاً

كما يعرى عن الورق القضيبُ

ونحتُ على الشَّباب بدمع عيني

فما نفع البكاءُ ولا النحيبُ

ألا ليت الشَّباب يعود يوماً

فأخبره بما فعل المشيبُ(١)

ولادته ووفاته

لم نقف على تاريخ ولادة المترجم سيِّدنا «الحِمّاني» غير أنَّ المستفاد من وفاته سنة ٣٠١، ووفاة والده سنة ستّ بعد المأتين في خلافة المعتمد كما في «معروج الذهب» ٢ ص ٤١٣: هو أنَّ السيِّد كان من المعمّرين أدرك القرن الثالث من أوّله إلى آخره.

وأمّا وفاته فقد اختلف في تاريخها قال النسّابة العمري في «المجدي» ما ملخَّصه: ذكر شيخنا أبو الحسن بن جعفر: إنَّ الحِمّاني مات سنة ٢٧٠ بعد مخرجه من المحبس، وقال ابن حبيب صاحب التاريخ في اللوامع: إنه مات سنة ٣٠١. وهذا هو الصحيح. ا هـ.

وقال إبن الأثير في الكامل ٧ ص ٩٠: إنَّه توفي سنة ٢٦٠ والله أعلم.

ونحن نرى الصحيح ما صحّحه النسّابة صاحب «المجدي» لمكان أبياته المذكورة في بني طاهر إبن مصعب بعد ما حكم عليهم الدهر، وانقرضت حكومتهم بعد موت آخر رئيسهم عبيد الله بن عبد الله بن طاهر المتوفّى في الثاني عشر من شوّال سنة ٣٠٠، فشعره فيهم يقتضي بقائه إلى هذا التاريخ ٣٠١.

ولسيِّدنا المترجم ذريّةٌ كريمةٌ وأحفادٌ علماءٌ أئمَّةٌ أعلامٌ، فيهم مَن هو في الطليعة من الشعراء والأُدباء والخطباء، وإليه ينتهي نسب الأُسرة الشهيرة (القزوينيَّة)

_____________________

١ - توجد هذه الأبيات بتغيير يسير في ديوان أبي العتاهية ص ٢٣.

٦٨

العريقة في العلم والفضل والأدب النازلين في مدن العراق، كما أنَّ له آباءٌ أعلامٌ نالوا سنام المجد وذروة الشرف، فمن أولئك جدُّه الأعلى زيد الشهيد، ويهمّنا الآن بيان مجمل إعتقاد الشيعة فيه لإماطة الستر عمّا هناك من الجنايات المخبئة، والنسب المختلقة.

زيد الشهيد والشيعة

الإمامية الاثني عشرية

هو أحد أُباة الضيم، ومن مقدَّمي علمآء أهل البيت، قد اكتنفته الفضائل من شتّى جوانبه، علمٌ متدفِّقٌ، وورعٌ موصوفٌ، وبسالةٌ معلومةٌ، وشدَّةٌ في البأس، وشممٌ يخضع له كلُّ جامع، وإباءٌ يكسح عنه أيُّ ضيم، كلُّ ذلك موصولٌ بشرف نبويٍّ، ومجد علويٍّ، وسؤدد فاطميّ، وروحٍ حسينيٍّ.

والشيعة على بكرة أبيها لا تقول فيه إلّا بالقداسة، وترى من واجبها تبرير كلّ عمل له من جهادٍ ناجعٍ، ونهضةٍ كريمة، ودعوة إلى الرِّضا من آل محمد، تشهد لذلك كلّه أحاديث أسندوها إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وأئمَّتهم عليهم السَّلام، ونصوص علمائهم، و مدايح شعرائهم وتأبينهم له، وإفراد مؤلِّفيهم أخباره بالتَّدوين.

أمّا الأحاديث فمنها قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحسين السبط: يخرج من صلبك رجلٌ يقال له: زيد يتخطّا هو وأصحابه رقاب الناس يدخلون الجنَّة بغير حساب(١) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيه: إنَّه يخرج ويُقتل بالكوفة ويُصلب بالكناسة، يخرج من قبره نبشاً، وتُفتح لروحه أبواب السَّماء، وتبتهج به أهل السَّموات والأرض(٢)

وقول أمير المؤمنين عليه السلام وقد وقف على موضع صلبه بالكوفة فبكى وبكى أصحابه فقالوا له: ما الَّذي أبكاك؟! قال: إنَّ رجلاً من ولدي يُصلب في هذا الموضع، من رضي أن ينظر إلى عورته أكبَّه الله على وجهه في النّار(٣) .

_____________________

١ - عيون أخبار الرضا لشيخنا الصدوق في الباب الـ ٢٥، وكفاية الأثر.

٢ - عيون أخبار الرضا لشيخنا الصدوق.

٣ - كتاب الملاحم لسيدنا ابن طاوس في الباب الـ ٣١.

٦٩

وقول الإمام الباقر محمد بن عليّ عليهما السّلام: أللّهمّ اشدد أزري بزيد. وكان إذا نظر إليه يمثِّل:

لعمرك ما إن أبو مالك

بواهٍ ولا بضعيفٍ قواهُ

ولا بالألدّ له وازع

يُعادي أخاه إذا ما نهاهُ

ولكنّه هيِّنٌ ليِّنٌ

كعالية الرمح عردٌ نساهُ

إذا سدته سدت مطواعة

ومهما وكلت إليه كفاهُ

أبو مالك قاصرٌ فقره

على نفسه ومشيعٌ غناهُ(١)

ودخل عليه زيد فلمّا رآه تلا:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ ) . ثمّ قال: أنت والله يا زيد من أهل ذلك(٢)

وقول الصادق عليه السلام: إنّه كان مؤمناً، وكان عارفاً، وكان عالماً، وكان صدوقاً، أما إنّه لو ظفر لَوفى، أما إنّه لو ملك لعَرف كيف يصنعها(٣)

وقوله الآخر لَمّا سمع قتله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، عند الله أحتسب عمّي إنّه كان نعم العمّ، إنَّ عمّي كان رجلاً لدنيانا وآخرتنا، مضى والله عمِّي شهيداً كشهداء استشهدوا مع رسول الله وعليّ والحسين مضى والله شهيداً(٤)

وقوله الآخر: إنَّ زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه وإنَّما دعاكم إلى الرِّضا من آل محمد، ولو ظفر لَوفى بما دعاكم إليه، وإنَّما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه(٥) .

وقوله الآخر في حديث: أمّا الباكي على زيد فمعه في الجنَّة، أمّا الشامت فشريكٌ في دمه.

وقول الرِّضا سلام الله عليه، إنَّه كان من علماء آل محمد غضب لله فجاهد أعداءه

_____________________

١ - الأغاني ٢٠ ص ١٢٧.

٢ - الروض النضير ١ ص ٥٥.

٣ - رجال الكشي ص ١٨٤.

٤ - عيون أخبار الرضا.

٥ - الكافي.

٧٠

حتّى قُتل.(١) والأحاديث في ذلك كثيرةٌ وإنَّما اقتصرنا على المذكور تحرِّياً للايجاز.

وأمّا نصوص العلمآء فدونك كلمة الشيخ المفيد في إرشاده، والخزّار القمّي في كفاية الأثر، والنسّابة العمري في المجدي، وابن داود في رجاله، والشهيد الأوَّل في قواعده، والشيخ محمد بن الشيخ صاحب المعالم في شرح الإستبصار، والأستر ابادي في رجاله، وإبن أبي جامع في رجاله، والعلّامة المجلسي في مرآة العقول، وميرزا عبد الله الإصبهاني في رياض العلماء، والشيخ عبد النبيِّ الكاظمي في تكملة الرجال، و الشيخ الحرِّ العاملي في خاتمة الوسائل، والسيِّد محمد جدّ آية الله بحر العلوم في رسالته، والشيخ أبي علي في رجاله، وشيخنا النوري في خاتمة المستدرك، وشيخنا المامقاني في تنقيح المقال.

إلى كثيرين من أمثالهم فقد اتَّفقوا جميعاً على معنى واحد هو تنزيه ساحة زيد عن أيِّ عابٍ وشية، وإنَّ دعوته كانت إلهيَّة، وجهاده في سبيل الله.

ويُعرب عن رأي الشيعة جمعآء قول شيخهم بهاء الملّة والدين العاملي في رسالة إثبات وجود الإمام المنتظر: إنّا معشر الإماميَّة لا نقول في زيد بن عليّ إلّا خيراً، والروايات عن أئمَّتنا في هذا المعنى كثيرةٌ. وقال العلّامة الكاظميُّ في التكملة: إتَّفق علماء الإسلام على جلالة زيد وورعه وفضله.

وأمّا شعراء الشيعة فللكميت من هاشميّاته قصيدةٌ يرثي بها زيد بن عليّ وابنه الحسين ويمدح بني هاشم مطلعها:

ألا هل عم في رأيه متأمِّلُ؟!

وهل مدبرٌ بعد الإساءة مُقبلُ؟!

وله قوله في زيد:

يعزّ على أحمد بالذي

أصاب ابنه أمس من يوسفِ(٢)

خبيثٌ من العصبة الأخبثين

وإن قلت: زانين، لم أقذفِ

وقال سديف بن ميمون في قصيدة له:

لا تقيلنَّ عبد شمس عثارا

واقطعوا كلّ نحلة وغراس

_____________________

١ - عيون الأخبار لشيخنا الصدوق.

٢ - يوسف بن عمر الثقفي عامل هشام على العراق وهو قاتل زيد.

٧١

واذكروا مصرع الحسين وزيد

وقتيلاً بجانب المهراسِ(١)

وقال أبو محمد العبديُّ الكوفيُّ المترجم في كتابنا ٢ ص ٣٢٦ - ٣٢٩ ط ثاني:

حسبت أميَّة أن سترضى هاشمٌ

عنها ويذهب زيدها وحسينها

كلّا وربِّ محمد وإلهه

حتّى تُباع سهولها وحزونها

وتذلُّ ذلّ حليلة لحليلها

بالمشرفيِّ وتستردُّ ديونها

وقال السيِّد الحميري [المترجم ٢ ص ٢٣١ - ٢٢٨] كما في تاريخ الطبري ٨ ص ٢٧٨:

بتُّ ليلي مسهَّداً

ساهر الطرف مقصدا

ولقد قلت قولة

وأطلت التبلّدا

: لعن الله حوشباً

وخراشاً ومزبدا

ويزيداً فإنَّه

كان أعتى وأعندا

ألف ألف وألف ألـ

ـف من اللعن سرمدا

إنَّهم حاربوا الإلـ

ـه وآذوا محمدا

شركوا في دم المطـ

ـهَّر زيدٍ تعنّدا

ثمَّ عالوه فوق جذ

ع صريعاً مجرّدا

يا خراش بن حوشب(٢)

أنت أشقى الورى غدا

ورثاه الفضل بن عبد الرّحمن بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب المتوفّى ١٢٩ بقصيدة أوَّلها:

ألا يا عين لا ترقي وجودي

بدمعك ليس ذا حين الجمودِ

غداة ابن النبيِّ أبو حسين

صليبٌ بالكناسة فوق عودِ

وأبو ثميلة صالح بن ذبيان الراوي عن زيد بقصيدة مستهلّها:

أأبا الحسين أعار فقدك لوعة

من يلق ما لاقيت منها يكمد

والوزير الصاحب بن عبّاد بمقطوعةٍ أوَّلها:

_____________________

١ - ماء بجبل أحد والقتيل بجنبه حمزة بن عبد المطلب سلام الله عليهما.

٢ - يقال: إن خراش بن حوشب هو الذي أخرج جسد زيد الشهيد من مدفنه الشريف

٧٢

بدى من الشيب في رأسي تفاريقُ

وحان لِلّهو تمحيقٌ وتطليقُ

هذا فلا لهو من همٍّ يعوِّقني

بيوم زيد وبعض الهمِّ تعويقُ

وقال أبو الحسن إبن حمّاد في أبيات له تأتي:

ودليل ذلك قول جعفر عندما

عُزّي بزيد قال كالمستعبرِ

: لو كان عمّي ظافراً لَوفى بما

قد كان عاهد غير أن لم يظفرِ

والشيخ صالح الكوّاز في قصيدة يرثي بها الإمام السبط قوله:

وزيد وقد كان الإباء سجيَّة

لآباءه الغرِّ الكرام الأطايبِ

كأنَّ عليه اُلقي الشيخ الَّذي

تشكَّل فيه شبه عيسى لصالبِ

وقال الشيخ يعقوب النجفي المتوفّى ١٣٢٩:

يبكي الإمام لزيد حين يذكره

وإنَّ زيداً بسهم واحد ضُربا

فكيف حال عليِّ بن الحسين وقد

رأى ابنه لنبال القوم قد نُصبا؟!

وللشيخ ميرزا محمد علي الأوردبادي قصيدة في مدحه ورثائه أوّلها:

أبت علياؤه إلّا الكرامة

فلم تُقبر له نفس مُضامه

«٢٥ بيتاً»

وللسيِّد مهدي الأعرجي قصيدةٌ في رثائه مطلعها:

خليليَّ عوجا بي على ذلك الربعٍ

لأسقيه إن شحَّ الحيا هاطل الدمعِ

«١٩ بيتاً»

ورثاه السيِّد علي النقي النقوي اللكهنوي بقصيدة إستهلَّها:

أبى الله للأشراف من آل هاشم

سوى أن يموتوا في ضلال الصوارمِ

«٢٢ بيتاً»

وللشيخ جعفر نقدي قصيدةٌ في رثائه أوَّلها:

يا منزل بالبلاغيَّبن أرسمه

يبكيه شجواً على بُعد متيَّمه

«٣١ بيتاً»

وأفرد غير واحد من أعلام الإماميَّة تأليفاً في زيد وفي فضله ومآثره، فمنهم:

١ - إبراهيم بن سعيد بن هلال الثقفي المتوفّى ٢٨٣، له كتاب أخبار زيد.

٧٣

٢ - محمد بن زكريّا مولى بني غلّاب المتوفّى ٢٩٨، له كتاب أخبار زيد.

٣ - الحافظ أحمد بن عقدة المتوفّى ٣٣٣، له كتاب من روى أخبار زيد ومسنده.

٤ - عبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفّى ٣٦٨، له كتاب أخبار زيد.

٥ - محمد بن عبد الله الشيباني المتوفّى ٣٧٢، له كتاب فضايل زيد.

٦ - الشيخ الصدوق أبو جعفر القمّي المتوفّى ٣٨١، له كتابٌ في أخباره.

٧ - ميرزا محمد الأسترابادي صاحب الرجال الكبير.

٨ - السيد عبد الرّزاق المقرَّم. أحد أعلام العصر المنقدين المكثرين من التأليف في المذهب، على تضلّعه في العلم، وقِدمه في الشرف، واحتوائه للمآثر الجليلة، و من مهمّات تآليفه وأوفرها فائدة كتاب الإمام السبط المجتبى، وكتاب حياة الإمام السبط الشهيد ومقتله، وكتاب السيِّدة سكينة، ورسالة في عليِّ بن الحسين الأكبر، وكتاب زيد الشهيد، وكتابٌ في تنزيه المختار بن أبي عبيد الثقفي طبع مع كتاب زيد، و كتاب أبي الفضل العبّاس بن أمير المؤمنين. إلى غيرها من كتابات ورسائل قد جمع فيها وأوعى وأتى بما خلت عنه زبر الأوّلين فحياه الله ووفَّقه للخير كلِّه.

القول الفصل

هذا زيد ومقامه وقداسته عند الشيعة جمعاء، فلست أدري أين يكون إذن مقيل قول إبن تيميَّة من مستوى الحقيقة: إنّ الرافضة رفضوا زيد بن عليّ بن الحسين ومن والاه وشهدوا عليه بالكفر والفسق؟!(١) وتبعه على هذه الهفوة السيِّد محمود الآلوسي في رسالته المطبوعة في كتاب «السنَّة والشيعة» ص ٥٢ وقال: الرافضة مثلهم كمثل اليهود الرّافضة يبغضون كثيراً من أولاد فاطمة رضي الله عنها بل يسبّونهم كزيد بن عليّ، وقد كان في العلم والزهد على جانب عظيم. وأخذ عنه القصيمي هذه الأكذوبة وذكرها في كتابه «الصِّراع بن الإسلام والوثنيَّة».

ذكر هؤلاء عزوهم المختلق هذا إلى الشيعة في عداد مساويهم فشنّوا عليهم الغارات، ألا مَن يُسائلهم عن أنَّ الشيعة متى لهجت بهذه؟! ومَن ذا الذي حكاها؟!

_____________________

١ - منهاج السنة ٢ ص ١٢٦.

٧٤

وعلى أيِّ كتاب تستند مزعمتهم؟! ومَن ذا الَّذي شافههم بها حيث خلت عنها الكتب؟!

نعم: لم يقصدوا إلّا إسقاط محلِّ الشيعة بهذه السفاسف فكشفوا عن سوءة إفكهم وإذا كان الكاتب عن أيِّ أُمَّة لا يعرف شيئاً من معالمهم وأحوالهم، أو يعرفها ثمَّ يقلّبها ظهراً لبطن، يكون مثل هؤلاء الكتبة مورداً للمثَل: حنَّ قِدحٌ ليس منها.

وكأنَّ هؤلاء المدافعون عن ساحة قدس زيد يحسبون القرّاء جهلاء بالتاريخ الإسلامي، وأنَّهم لا يعرفون شيئاً منه، وتخفى عليهم حقيقة هذا القول المزوَّر.

ألا مِن مُسائل هؤلاء عن أنَّ زيداً إن كان عندهم وعند قومهم في جانب عظيم من العلم والزهد فبأيِّ كتاب أم بأيَّة سنَّةٍ حاربه أسلافهم وقاتلوه وقتلوه وصلبوه و وأحرقوه وداروا برأسه في البلاد؟!

أليس منهم ومن قومهم أمير مناوئيه وقاتله: يوسف بن عمر؟!

أوَ ليس منهم صاحب شرطته: العبّاس بن سعد؟!

أوَ ليس منهم قاطع رأسه الشريف: إبن الحكم بن الصلت؟!

أوَ ليس منهم مبشِّر يوسف بن عمر بقتله: الحجّاج بن القاسم؟!

أوَ ليس منهم خراش بن حوشب الذي أخرج جسده من قبره؟!

أوَ ليس من خلفائهم الآمر بإحراقه: وليدٌ أو هشام بن عبد الملك؟!

أوَ ليس منهم حامل رأسه إلى هشام: زهرة بن سليم؟!

أوَ ليس من خلفائهم هشام بن عبد الملك وقد بعث رأس زيد إلى مدينة الرَّسول فنصب عند قبر النبيِّ يوماً وليلة؟!

أوَ ليس هشام بن عبد الملك كتب إلى خالد القسري يقسم عليه أن يقطع لسان الكميت شاعر أهل البيت ويده بقصيدة رثى بها زيد بن عليّ وابنه ومدح بني هاشم؟!

أوَ ليس عامل خليفتهم بالمدينة: محمد بن إبراهيم المخزومي، كان يعقد حفلات بها سبعة أيّام ويخرج إليها ويحضر الخطباء فيها فيلعنون هناك عليّاً وزيداً وأشياعهم؟!

أوَ ليس من شعراء قومهم الحكيم الأعور؟! وهو القائل:

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة

ولم نر مهديّاً على الجذع يُصلبُ

وقستم بعثمان عليّاً سفاهةً

وعثمان خيرٌ من عليٍّ وأطيبُ

٧٥

أوَ ليس سلمة بن الحرّ بن الحكم شاعرهم هو القائل في قتل زيد؟!

وأهلكنا جحاجح من قريش

فأمسى ذكرهم كحديث أمسِ

وكنّا أُسَّ ملكهمُ قديماً

وما ملكٌ يقوم بغير اُسِّ

ضمنّا منهمُ نكلاً وحزناً

ولكن لا محالة من تأسِّ

أوَ ليس منهم مَن يقول بحيال رأس زيد وهو مصلوبٌ بالمدينة؟!:

ألا يا ناقض الميثا

ق أبشر بالَّذي ساكا

نقضت العهد والميثا

ق قِدماً كان قُدماكا

لقد أخلف إبليس الَّـ

ـذي قد كان منّاكا

هذه حقيقة الحال، فاقض ما أنت قاضٍ.

( أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ

وَلاَ تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ )

سورة النجم ٦٠، ٦١

٧٦

نقدٌ وإصلاح

حول الكتب والتآليف المزوَّرة

وإذ لم تكن هذه الفرية الشائنة على الشيعة «حول زيد الشهيد» مجرَّدةً عن أمثالها الكثيرة في كتب القوم قديماً وحديثاً - وهي بذرة كلِّ شرّ وفساد، تُحيي في النفوس نعرات الطائفيَّة، وتفرِّق جمع الإسلام، وتُشتِّت شمل الأُمَّة، و تُضادّ الصالح العام - يُهمّنا أن نذكر جملةً منها عن عدَّة من الكتب ليقف القارئ على ما لهم من هوسٍ وهياج في تخذيل عواطف المجتمع عن الشِّيعة، وليعرف محلّهم من الصِّدق والأمانة، وليتَّخذ به المتكلِّم دروساً عالية في معرفة الآراء والمعتقدات، ويظهر لِلمفسِّر ما حرَّفته يد التأويل من آي الكتاب العزيز مواضعها، وللفقيه ما لعبت به أيدي الهوى من أحكام الله، ولِلمحدِّث ما ضيَّعته الأهواء المضلَّة من السنَّة النبويَّة، ولِلأخلاقيِّ مصارع الهوى ومساقط الإستهتار، وبذلك كلِّه يتَّخذ المؤلِّف دستوراً صحيحاً، و خطَّةً راقيةً، وأُسلوباً صالحاً، وأدباً بارعاً في التأليف.

( وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ

إِنّكَ إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ )

سورة البقر ١٤٥.

٧٧

١ - العقد الفريد(١)

قد يحسب القارئ لأول وهلة أنه كتاب أدب لا كتاب مذهب، فيرى فيه نوعاً من النزاهة، غير أنّه متى أنهى سيره إلى مناسبات المذهب تجد مؤلّفه ذلك المهوّس المهملج، ذلك الأفاك الأثيم قال ١ ص ٢٦٩:

١ - الرافضة يهود هذه الأُمَّة يُبغضون الإسلام كما يبغض اليهود النصرانيَّة.

ج - كيف يرتضي القارئ هذه الكلمة القارصة؟! وبين يديه القرآن المجيد و فيه قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) . وقد ثبت فيها عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله لعليّ: هم أنت وشيعتك(٢) .

وكيف يرتضيها؟! وهو يقرأ في الحديث قول الرَّسول الأمين صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: أنت وشيعتك في الجنَّة. (تاريخ بغداد ١٢ ٢٨٩).

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا كان يوم القيامة دُعي الناس بأسمائهم وأسماء أُمَّهاتم إلّا هذا «يعني عليّاً» وشيعته فإنَّهم يُدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحَّة ولادتهم(٣) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: يا عليُّ؟ إنَّ الله قد غفر لك ولذريَّتك ولولدك ولأهلك و شيعتك ولمحبّي شيعتك(٤) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إنَّك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيَّين(٥) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت أوَّل داخل الجنَّة من أُمَّتي، وأنَّ شيعتك على منابر من

_____________________

١ - تأليف شهاب الدين ابن عبد ربه المالكي المتوفّى ٣٢٨.

٢ - راجع الجزء الثاني من كتابنا ص ٥٧ ط ثاني.

٣ - مروج الذهب ٢ ص ٥١.

٤ - الصواعق ص ٩٦، ١٣٩، ١٤٠.

٥ - نهاية ابن الأثير ٣ ص ٢٧٦.

٧٨

نور مسرورون مبيضَّة وجوههم حولي، أشفع لهم فيكونون غداً في الجنّة جيراني(١) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا الشّجرة وفاطمة فرعها وعليٌّ لقاحها والحسن والحسين ثمرتها وشيعتنا ورقها وأصل الشجرة في جنَّة عدن وسائر ذلك في سائر الجنَّة(٢) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عليُّ إنَّ أوَّل أربعة يدخلون الجنَّة أنا وأنت والحسن و الحسين، وذرارينا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرارينا، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا(٣) .

وفي لفظ: أما ترضى إنَّك معي في الجنة والحسن والحسين وذرِّيَّتنا خلف ظهورنا؟! الحديث(٤) .

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إنَّ هذا «يعني عليّاً» وشيعته هم الفائزون يوم القيامة(٥) .

م - وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة له أيّها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهوديّاً. فقال جابر بن عبد الله: يا رسول الله وإن صام وصلّى؟! قال: و إن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم، إحتجر بذلك من سفك دمه وأن يؤدّي الجزية عن يد وهم صاغرون، مثّل لي أُمّتي في الطين فمرَّ بي أصحاب الرَّايات فاستغفرت لعليٍّ وشيعته. أخرجه الهيثمي في مجمع الزوايد ٩ ص ١٧٢].

م - وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: شفاعتي لأُمّتي من أحبَّ أهل بيتي وهم شيعتي. تاريخ الخطيب ٢ ص ١٤٦].

٢ - قال: محبَّة الرافضة محبَّة اليهود قالت اليهود: لا يكون الملك إلّا في آل داود. وقالت الرافضة: لا يكون الملك إلّا في آل عليِّ بن أبي طالب.

ج - إن كانت في قول الرافضة تبعةٌ فهي على مخلّف آل عليٍّ صلى الله عليه وآله وسلم بقوله الصحيح

_____________________

١ - مجمع الزوايد ٩ ص ١٣١، كفاية الطالب ١٣٥.

٢ - راجع من هذا الجزء ص ٨ ط ٢.

٣ - أخرجه الطبراني عن أبي رافع، وإبن عساكر عن علي عليه السلام في تاريخه ٤ ص ٣١٨، ويوجد في الصواعق ٩٦، وتذكرة السبط ٣١، ومجمع الزوايد ٩ ص ١٣١، وكنوز الحقائق هامش الجامع الصغير ٢ ص ١٦.

٤ - أخرجه أبو سعد في شرف النبوّة كما في الرياض النضرة ٢ ص ٢٠٩.

٥ - راجع من كتابنا ٢ ص ٥٧، ٥٨ ط ثاني.

٧٩

الثابت المتواتر المتسالم عليه المرويِّ عن بضع وعشرين صحابيّاً كما في الصواعق ص ١٣٦: إنّي تاركٌ أو مخلّفٌ فيكم الثقلين، أو: الخليفتين. ما إن تمسَّكتم به لن تضلّوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنَّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض.

فقد خطب به الصادع بالحقِّ على رؤس الأشهاد في ملاء من الصحابة تبلغ عدَّتهم مائة ألف أو يزيدون، وأنا في ذلك المحتشد الحافل عن خلافة آل بيته الطاهر و عليٌّ سيِّدهم وأبوهم.

وهذا الإمام الزرقاني المالكي يحكي في شرح المواهب ٧ ص ٨ عن العلّامة السمهودي أنَّه قال: هذا الخبر يُفهم وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من عترته في كلّ زمن إلى قيام الساعة حتّى يتوجَّه الحثُّ المذكور على التمسكِّ به كما أنَّ الكتاب كذلك، فلذا كانوا أماناً لأهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض. ا هـ.

فأيُّ رجل يسعه أن يسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم في لفظ من حديث الثقلين: إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي: الثقلين. الحديث؟!(١)

أو يقرأ قوله صلى الله عليه وآله وسلم في لفظه الآخر: أيّها الناس إنّي تاركٌ فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتَّبعتموهما، وهما: كتاب الله وأهل بيتي عترتي؟!

أو يقرع سمعه قوله صلى الله عليه وآله وسلم في لفظه الثالث: فسألت ذلك لهما (الثقلين) ربِّي فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهما فهم أعلم منكم؟!

أو يقف على قوله في لفظه الرابع: وناصر هما لي ناصرٌ، وخاذلهما لي خاذلٌ، ووليّهما لي وليٌّ، وعدوّهما لي عدوٌّ؟!(٢)

ثمَّ لا يتَّبع آل عليٍّ ولا يتَّخذهم إلى الله سبل السَّلام، أو يقتدي بغيرهم ويضلّ عن سبيل الله؟! حاش لله. إنّا هديناه السبيل إمّا شاكراً وإمّا كفورا.

وما ذنب الشيعة بعد قول نبيِّهم صلى الله عليه وآله وسلم: من سرَّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنَّة عدن غرسها ربّي فليوال عليّاً من بعدي، وليوال وليَّه، وليتقد بأهل بيتي من بعدي، فإنَّهم عترتي خُلقوا من طينتي، ورُزقوا فهمي وعلمي، فويلٌ للمكذِّبين

_____________________

١ - أخرجه الترمذي وأحمد وجمع كثير من الحفاظ والأئمَّة.

٢ - راجع في هذه الألفاظ الجزء الأوَّل من كتابنا ص ٣١ - ٣٨ ط ثاني.

٨٠