الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٤

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 423

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 423
المشاهدات: 194509
تحميل: 7956


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194509 / تحميل: 7956
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 4

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ألقرن الرابع

٢٨

ابو العباس الضبي

ألمتوفّى ٣٩٨

لعليٍّ الطهّر الشهير

مجدٌ أناف على ثَبيرِ

صنو النبيَّ محمَّد

ووصيّه يوم الغديرِ

وحليل فاطمة ووا

لد شبَّر وأبو شبيرِ(١)

( ما يتبع الشعر )

( ثَبير ) بفتح المثلّثة ثمَّ الموحّدة المكسورة من أعظم جبال مَكّة بينهما و بين عرفة، سُمِّي باسم رجل من هُذيل مات في ذلك الجبل. أخرج أبو نعيم في [ ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين ] والنطنزي في [ الخصايص العلويَّة ] عن شعبة ابن الحكم عن إبن عبّاس قال:أخذ النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ونحن بمكّة بيدي وبيد عليٍ فصعد بنا إلى ( ثبير ) ثمَّ صلّى بنا أربع ركعات ثمَّ رفع رأسه إلى السَّماء فقال:أللهمّ إنَّ موسى بن عمران سألك وأنا محمَّد نبيّك فأسئلك أن تشرح لي صدري وتيسِّر لي أمري وتحلّل عقدةً من لساني ليفقه قولي واجعل لي وزيراً من أهلي عليّ بن أبي طالب أخي، اشدد به أزري وأشركه في أمري، قال إبن عبّاس:فسمعت منادياً ينادي:يا أحمد قد اوتيتَ ما سألت.

( ألشاعر )

ألكافي الأوحد أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم الضبّي - نسبة إلى ضبَّة - الوزير الملقَّب بالرئيس، أحد من ملك أزمَّة السياسة والأدب بعد الصاحب إبن عباد، وكان من ندمائه واختصَّ بالزلفة منه والتأدُّب بآدابه، والحظوة بقرباه حتّى عاد منار

____________________

١ - مناقب ابن شهر آشوب ١ ص ٥٥٠ ط ايران.

١٠١

الفضل والأدب ومفزع رُوّادهما، وممَّن يُشار إليه ويُنصُّ عليه، لم يفتء كذلك حتّى قضى الصاحب نحبه سنة ٣٨٥ فخلفه على الوزارة لما استوزره فخر الدولة البويهي وضمَّ اليه أبا علي الملقَّب بالجليل وفي ذلك قال بعض ولد المنجِّم:

والله والله لا أفلحتمُ أبداً

بعد الوزير ابن عبّاد بن عبّاسِ

إن جاء منكم جليلٌ فاقطعوا أجلي

أو جاء منكم رئيسٌ فاقطعوا رأسي

فالمترجَم كانت تحطُّ بفنائه الرِّحال، وتنال منه الآمال، وتفد إليه القوافي من كلِّ حَدَب، ويسير شعره مع الركبان، وكان نعم الخليفة لسلفه الصاحب، والموئل الفذُّ لما كانت له من مراتب، وله في جامع إصبهان خانكات مرتفعة، وخانات عامرةٌ متَّسعةٌ، قد وقفت لأبناء السبيل، وبحذائه دار الكتب وحجرها وخزانتها وقد بناهنَّ ونضَّد فيها من الكتب عيوناً، وخلّدها من العلوم فنوناً، يشتمل فهرستها على ثلث مجلّدات كبيرة كما في محاسن إصبهان ص ٨٥، وكتب التراجم(١) تطفح بالثناء عليه، ولشعراء عصره قصائِد رنّانة في مدحه ومنهم:أبو عبد الله محمَّد بن حامد الخوارزمي له قصيدة في إطراءه منها:

زمانٌ جديدٌ وعيدٌ سعيدٌ

ووقتٌ حميدٌ فماذا تريدُ؟!

وأحسن من ذاك وجه الرئيـ

ـس وقد طلعت من سناه السعودُ

وكم حلّة خطّها قد غدت

على برد آل يزيد تزيدُ

٢ - أبو الحسن عليُّ بن أحمد الجوهريّ الجرجاني [ السابق ذكره ] له قصائد في المترجَم له منها:قصيدةٌ في ميلاده وتحويل سنِّه ذكرها الثعالبي في ( اليتيمة ) ٤ ص ٣٨ منها:

يومٌ تبرَّجت العلا

فيه ومزَّقت الحجبْ

يومٌ أتاه المشتري

بشهاب سعد ملتهبْ

بسلالة المجد الفصيح

وصفوة المجد الزربْ

____________________

١ - راجع يتيمة الدهر ٣ ص ٢٦٠، معجم الادباء ١ ص ٦٥، كامل ابن الاثير ٩ ص ٧٣، معالم العلماء لابن شهر آشوب، ديوان مهيار؟ ص ٢٩، أعيان الشيعة ٨ ص ٧٧، دائرة المعارف للبستاني ١١ ص ١٢٠.

١٠٢

ملكٌ إذا ادَّرع العلا

فالدهر مسلوب السلبْ

وإذا تنمَّر في الخطو

ب فيا لنارٍ في حطبْ

وإذا تبسَّم للندى

مطرت سحائبه الذهبْ

يا غرَّة الحسب الكريـ

م وأين مثلك في الحسبْ؟!

هذا صباحٌ حُلّيت

بسعوده عطل الحقبْ

ميلادك الميمون فيـ

ـه و ميلاد الأدبْ

عرِّج عليه بمجلس

ريّان من ماء العنبْ

واضرب عليه سرادقاً

للاُنس ممتدَّ الطنبْ

٣ - مهيار الديلمي [ أحد شعراء الغدير الآتي ذكره ] مدح المترجَم بقصائد منها ميميَّة ٦٥ بيتاً توجد في ديوانه ٣ ص ٣٤٤ أوَّلها:

أجيراننا بالغور والرَّكب متهمُ

أيعلم خال كيف بات المتيَّمُ؟!

رحلتم وعمر الليل فينا وفيكمُ

سواءٌ ولكن ساهرون ونوَّمُ

ومنها بائيَّةُ ٤٥ بيتاً في ديوانه ج ١ ص ١٥ مطلعها:

شفى الله نفساً لا تذلُّ لمطلب

وصبراً متى يسمع به الدهر يعجب

وداليَّة ٦١ بيتاً في ديوانه ج ١ ص ٢٣٠ أوّلها:

إذا صاح وفد السحب بالريح أوحدا

وراح بها ملأى ثقالاً أو اغتدى

وبائيَّةٌ ٣٧ بيتاً في ديوانه ج ١ ص ١٢ مستهلّها:

دواعي الهوى لك أن لا تجيبا

هجرنا تقىً ما وصلنا ذنوبا

وعينيَّةٌ ٤٠ بيتاً في ديوانه ٢ ص ١٧٩ مطلعها:

على أيِّ لائمةٍ أربعُ؟!

وفي أيِّما سلوة أطمعُ؟!

وقد أخذ العهد يوم الرحيل

أمامي والعهد مستودعُ

ولاميَّةٌ ٥٢ بيتاً في ديوانه ٣ ص ١٨ مستهلّها:

أليوم أنجز ماطل الآمالِ

فأتتك طائعة من الاقبالِ

وقصيدة ٦٩ بيتاً توجد في ديوانه ٤ ص ٣٠ نظمها سنة ٣٩٢، أوَّلها:

قالوا:عساك مرجِّمٌ فتبيَّنِ

هيهات ليس بناظري إن غرَّني

١٠٣

هي تلك دارهمُ وذلك ماؤهم

فاحبس ورد وشرقت إن لم تسقني

ولقد أكاد أضلُّ لولا عنبرٌ

في الترب من أرج الحبائب دلّني

فتقوا به أنفاسَهنَّ لطائماً(١)

وظعنَّ وهي مع الثرى لم تظعنِ

يا منزلاً لعبت به أيدي الصِّبا

لعب الشكوك وقد بدت بتيقّني

إمَّا تناشدني العهود فإنَّها

حفظت فكانت بئس ذخر المقتن

سكنتك بعدهم الوحوش تشبّهاً

بهمُ وليتك آنفاً لم تُسكنِ

لعيونهنَّ علامةٌ سحريَّةٌ

عندي فما بال الظباء تغشّني؟!

ويقول فيها:

حاشا طلابي أن أعمَّ به وقد

خُصَّ السماح بموضعٍ مُتعيِّنِ ؟!

يا حظُّ قم فاهتف بناحية الغنى

في الريّ وارحم كدَّ مَن لم يفطُنِ

وأعن على إدراكها فبمثلها

فرّقتُ بين موفَّق ومحيَّن

لمن الخليط مشرِّقٌ وضمانه

رزقٌ لنا في غيره لم يُؤذَنِ

إشتقتُ يا سُفنَ الفلاةِ فأبلغي

وطربت يا حادي الركاب فغنِّني

وأنهض فرحِّل يا غلامُ مذلِّلا(٢)

تتوعَّر البيداء منه بمُدمنِ

يرضى بشمّ العُشب إمّا فاته

والسير يأكلّ منه أكلّ الممعنِ

مرح الزمام يكاد يصعب ظهره

فتصيح فاغرة الرّحال به:لِنِ

ألرزق والإنصاف قد فُقدا فُلذْ

بالريّ واستخرجهما من معدنِ

وإلى أبي العبّاس حافظ ملكها

سهل الأشُد ولأن خبثُ الأخشنِ

٤ - أبو الفيّاض سعد بن أحمد الطبري له قصيدة في مدح أبي العبّاس منها:

وإنّي وأقواف القريض أحوكها

لأشعر من حاك القريض وأقدرا

كما تضرب الأمثال وهي كثيرةٌ

بمستبضع تمراً إلى أهل خيبرا

ولكّنني أمّلت عندك مطلباً

انكّبه عمَّن ورائي من الورى

ألم تر أنَّ إبن الأمير أجارني

ولم يرض من إدرائه لي سوى الذرى ؟!

____________________

١ - لطائم جمع لطيمة، وهي نافجه المسك.

٢ - المذلل:الجمل يذلل الطريق ويعبدها

١٠٤

٥ - صاعد بن محمَّد الجرجاني كتب إلى المترجَم له بقوله:

ولو أنَّني حسب إشتياقي ومنيتي

منحتك شيئاً لم يكن غير مقلتي

ولكنَّني أهدي على قدر طاقتي

وأحمل ديواناً بخطِّ إبن مقلةِ

٦ - أبو القاسم عبد الواحد بن محمَّد بن علي بن الحريش الإصبهاني قال في المترجَم من قصيدة ٍكبيرةٍ:

بنفسي وأهلي شعب واد تحلّه

ودهر مضى لم يُجد إلّا أقلّهُ

وعطفه صدغ يهتدي فوق خدِّه

ويضربه روح الصبّا فيضلهُ

وطيب عناقي منه بدراً أضمّه

إليَّ وأهوى لثمه فاُجلّهُ

وقفنا معاً واللوم يصفق رعده

ومنّا سحاب الدمع يسجم وبلهُ

ترقّ على ديباجتيه دموعه

كما غازل الورد المضرِّج طلّهُ

وينأى رقيبٌ عن مقام وداعنا

وتبلغه أنفاسنا فتذلّهُ

يُقلقني عتب الحبيب وعذره

ويقلقني جدُّ الرقيب وهزلهُ

وكيف أقي قلبي مواقع رميه ؟!

ولست أرى من أين ينثال نبلهُ

يُولّي وبالأحداق تفرش أرضه

ويفدى وبالأفواه ترشف رجلهُ

وبعد ردحٍ من تقلّده الوزارة كما وصفناه إتَّهمته اُمُّ مجد الدَّولة بأنَّه سمَّ أخاه فطلبت منه مائتي ألف دينار لينفقها في مأتم أخيه فأبى عليها ذلك فهربّ عنها سنة ٣٩٢ إلى ( بُروجرد ) وهي من أعمال بدر بن حسنويه(١) فبذل بعد ذلك مأتي ألف دينار ليعود إلى عمله فلم يقبل منه، ولم يبرح بها حتّى مات سنة ٣٩٨ وقيل:إنّ أبا بكر إبن رافع أحد قُوّاد فخر الدَّولة واطأ أحد غلمانه فسقاه سمّاً، وأرسل إبنه تابوته إلى بغداد مع أحد حجّابه وكتب إلى أبي بكر الخوارزمي يعرِّفه أنّه وصّى بدفنه في مشهد الحسين

____________________

١ - من امراء الجبل لقبه القادر بناصر الدولة وعقد له لواءاً وكان يبر العلماء والزهاد والايتام، وكان يتصدق كل جمعة بعشرة آلاف درهم، ويصرف إلى الاساكفة والحذائين بين همدان وبغداد ليقيموا للمنقطعين من الحاج الاحذية ثلاثة آلاف دينار، ويصرف إلى أكفان الموتى كلّ شهر عشرين الف درهم، واستحدث في أعماله ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء، وكان ينقل للحرمين كل سنة مصالح الطريق مائة ألف دينار، ثم يرتفع إلى خزائنه بعد المؤن والصدقات عشرون ألف ألف درهم ( شذرات الذهب ٣ ص ١٧٣ ).

١٠٥

عليه‌السلام بكربلاء المشرَّفة ويسأله القيام بأمره وابتياع تربة بخمس مائة دينار، فقيل للشريف أبي أحمد [ والد السيّدين علم الهدى والشريف الرَّضي ]:أن يبيعه موضع قبره بخمسمائة دينار. فقال:هذا رجلٌ إلتجأ إلى جوار جدّي فلا آخذ لترتبه ثمناً. وكتب نفسه الموضع الذي طلب منه وأخرج التابوت إلى ( براثا ) وخرج الطاهر أبو أحمد ومعه الأشراف والفقهاء وصلّى عليه وأصحبه خمسين رجلاً من رجاله حتّى أوصلوه ودفنوه هناك(١) ورثاه مهيار الديلمي [ الآتي ذكره] بقصيدة ٥٩ بيتاً ويعزّي إبنه سعداً و أنفذها إلى ( الدينور ) توجد في ديوانه ٣ ص ٢٧ أوَّلها:

ما لِلدسوت وللسروج تسائل:

مَن قائمٌ عنهنَّ أو مَن نازلُ ؟!

لِمَ سدّ باب الملك وهو مواكب ؟!

وخلت مجالسه وهنَّ محافلُ ؟!

ما للجياد صوافناً(٢) وصوامتاً

نكساً؟! وهنَّ سوابقٌ وصواهلُ

من قطّر(٣) الشجعان عن صهواتها؟!

وهمُ بها تحت الرِّماح أجادلُ(٤)

ما لِلسَّماء عليلةٌ أنوارها ؟!

لِمَن السماء من الكواكب ثاكلُ ؟!

مَن لجلجِ الناعي يحدِّث أنَّه

أَودي فقيل:أقائلٌ ؟! أم قاتلُ ؟!

ألمجد في جدَث ثوى ؟ أم كوكب الـ

دنيا هوي ؟! أم ركن ضبِّة مائلُ ؟!

ما كنتُ فيه خائفاً إنَّ الرَّدى

من عزِّ جانبه إليه واصلُ

أدرى الحمام بمَن - واُقسم ما درى -

تلتفُّ كُفاتٌ له وحبائلُ ؟!(٥)

خطبٌ أخلَّ الدَّهر فيه بعقله

والدَّهر في بعض المواطن جاهلُ

يا غيثُ ارضي الأرض سقياً واحتبي

بالرَّوض يشكره المحلّ الماحلُ

ينهلُّ منهلّ المزادة(٦) موثقاً

إنَّ الثرى الظمآن منه ناهلُ

يسم الصخور كأنَّ كلَّ مجودة(٧)

لحظ العليقَ بها حصانٌ ناعلُ

____________________

١ - معجم الادباء ج ١ ص ٦٥.

٢ - الصوافن من الخيل:الواقفة على ثلاث وقوائم وطرف حافر الرابعة.

٣ - قطر:ألقى.

٤ - أجادل جمع أجدل وهو الصقر.

٥ - ألكفات جمع كفة بضم الكاف وهي الحبالة.

٦ - ألمزادة:الراوية. يربّد بها السحاب الممطر على التشبيه.

٧ - ألمجودة:الأرض جادها المطر.

١٠٦

تمريه غبراء الإهاب كأنَّما(١)

قادت خزائمها النعامُ الجافلُ

حلفت لأفواه الرّبى أخلافها

أيمان صدقٍ انَّهنَّ حَوافلُ(٢)

وليت سيوف البرق قطعَ عروقها

فبكلِّ فجٍّ شاريان سائلُ

أبلغ أبا العبّاس انّك فاحصٌ

حتّى تبلّ جوى ثراه فواغلُ(٣)

منّي وأطباق الصعيد حجابه

عنّي فكيف تخاطب وتراسلُ ؟!

سعدت جنادل ألحفتك على البلى

لا مثل ما شقيت عليك جنادلُ

أبكيك لي والمرملين بنوهمُ الـ

أيتام بعدك والنساء أراملُ

و لمستجيرٍ والخطوب تنوشه

مُستطعمٌ ؟ الدَّهر فيه آكلُ

مُتلوِّم(٤) العزمات لا هو قاطنٌ

في داره قفراً ولا هو راحلُ

أودى به التطواف يُنشد ناصراً

فيضلُّ أن يلقاه إلّا خاذلُ

حتّى إذا الاقبال منك دنا به

أنساه عندك عام بُؤسٍ قابلُ

ولمعشر طرق العلوم ذنوبهم

في النّاس وهي لهم إليك وسائلُ

كانوا عن الطلب الذَّليل بمعزل

ثقةً وأنت بما كفاهم كافلُ

قطع الجدا بهمُ وقد قطع الرَّدى

بك أن يُظنَّ تزاورٌ وتواصلُ

وعصائب هي إن ركبتَ مواكب

تسع العيون وإن غضبتَ جحافلُ

تفري بأذرعها الكعوب كأنَّما

تحت الرِّماح على الرِّماح عواملُ(٥)

لو كان في ( ثعلٍ ) بموتك ثأرها

ما عاش من ثعلٍ(٦) عليك مُناضلُ

نكروا حلومك والمنون تسوقها

حقّاً وأنت مدافعٌ متثاقلُ

قعد البعيد وقام عنك متاركاً

ما جاء يقنصك القريب الواصلُ

ولج الحمام إليك باباً ما شكا

غير الزُّحام عليك فيه داخلُ

____________________

١ - تمريه:تدر عليه. غبراء الاهاب:ألسحابة السوداء.

٢ - أخلاف جمع خلف وهو حلمة الضرع. حوافل:ممتلئة.

٣ - ألواغل:الداخل المتغلغل في الشئ.

٤ - المتلوم:المنتظر.

٥ - تفرى من الفرى:ألشق. كعوب جمع كعب:ألعقدة. عوامل جمع عامل وهو صدر الرمح الذي يلي السنان.

٦ - ثعل:قبيلة مشهورة بالرمي.

١٠٧

مستبشراً بالوفد لم يجبه به

ردُّ ولم يُنهر عليه سائلُ

لم يغنك الكرم العتيد ولا حمىّ

عنك السّماح ولا كفاك النائلُ

كنتَ الذي مرُّ الزمان وحلوه

فيمن يُصابر عيشه و يُعاسلُ

فغدوتَ مالك في عدوِّك حيلةٌ

تُغني ولا لك من صديقك طائلُ

والموت أجور حاكمٍ وكأنَّه

في الناس قسماً بالسويَّة عادلُ

لا اغترَّ بعدك بالحياة مجرِّبٌ

عرف الحقوق فلم يرقه الباطلُ

يا ثاوياً لم تقض حقِّ مصابه

كبدٌ محرِّقةٌ وجفنٌ هاملُ

أفديك لو أنَّ الرَّدى بك قابلٌ

من مهجتي وذويَّ ها أنا باذلُ

ما بال أوقاتي بفقدك هجّرت ؟!

ولقد تكون لديك وهي أصائلُ

قد كنتُ ملتحفاً بمدحك حلّةً

فخراً تجرُّ لها عليًّ ذلاذلُ(١)

ويقول فيها:

لا تحسبنَّ وسعد إبنك طالعٌ

يحتلُّ برجك إنَّ سعدك آفلُ

ما أنكر الزوّار بعدك وجهه

في البدر من شمس النهار مخايلُ

أجمل له يا سعدُ واحمل وزره(٢)

ما طال باعٌ أو أطاعك كاهلُ

وأنا الَّذي يُرضيك فيه باكياً

ويسرُّه بك في الَّذي هو قائلُ

ولشاعرنا أبي العبّاس الضبِّي شعرٌ رقيقٌ ونظمٌ جيِّدٌ ومنه قوله:

ترفِّق أيّها المولى بعبدٍ

فقد فتنت لواحظك النفوسا

وأسكرت العقول فليس ندري

أسحراً ما تسقّى أم كؤوسا؟!

وله قوله وهو ممّا يُتغنّى به:

ألا يا ليت شعري ما مرادك؟!

فقلبي قد أضرَّ به بُعادك

وأيّ محاسنٍ لك قد سباني؟!

جمالك؟! أم كمالك؟! أم ودادك؟!

وأيّ ثلاثة أوفى سواداً؟!

أخالك؟! أم عذارك؟! أم فؤادك؟!

وله قوله:

____________________

١ - ألذلاذل:أسافل القميص الطويل.

٢ - الوزر:الحمل الثقيل.

١٠٨

قلتُ لمن أحضرني زهرةً

ومجلسي بالاُنس بسّام

وقرَّة العينين نيل المُنى

عندي ولا سامٌ ولا حام

: تجنّب النّمام لا تجنه

فإنَّما النمّام نمّام

أخشى علينا العين من أعين

يبعثها بالسوء أقوام

وله قوله:

لا تركننَّ إلى الفراقِ

فإنَّه مُرُّ المذاقِ

ألشَّمس عند غروبها

تصفرُّ منَ فرق الفِراق

وممّا كتب إلى الوزير الصاحب إبن عبّاد قوله:

أكافي كفاة الأرض ملكك خالدٌ

وعزُّك موصولٌ فأعظم بها نعمي

نثرت على القرطاس درّاً مبدَّداً

وآخر نظماً قد فرعت به النجما

جواهر لو كانت جواهر نُظِّمت

ولكنَّها الأعراض لا تقبل النَّظما

وله في الثريّا: خلت الثريّا إذ بدت

طالعةً في الحندسِ(١)

سنبلةً من لؤلؤٍ

أو باقةً من نرجسٍ

وقوله فيها: إذ الثريّا اعترضت

عند طلوع الفجرِ

حسبتها لامعةً

سنبلةً من درِّ

وقوله في قصر الليل:

وليلة أقصر من

فكريَ في مقدارها

بدت لعيني وانجلت

عذراء من قرارها

وقوله في طول الليل:

ربِّ ليلٍ سهرته

مُفكّراً في امتدادهِ

كلّما زدتُ رعيه

زادني من سوادهِ

فتبيَّنت إنَّه

تائهٌ في رُقادهِ

أو تفانت نجومه

فبدا في حِدادهِ

وخلف المترجَم له على مجده وفضله ولده أبو القاسم سعد بن أحمد الضبّي، تبع

____________________

١ - الحندس:الظلام.

١٠٩

والده لَمّا هرب إلى ( بروجرد ) وتُوفّي بها بعد والده بشهور ; ولمهيار الديلمي في مدحه عدَّة قصايد منها قصيدةٌ ٤٥ بيتاً أنشدها إيّاه وهو مقيمٌ ببروجرد أوَّلها:

ذكرتُ وما وفاي بحيث أنسى

بدجلةَ كم صباحٍ لي وممسى

وأخرى ٤٥ بيتاً مستهلّها:

أشاقك من حسناء وهنا طُروقها ؟

نِعم كلُّ حاجات النّفوس يشوقُها

ونونيَّةٌ ٤٤ بيتاً في ديوانه ٤ ص ٥١ مطلعها:

ما أنتِ بعد البين من أوطاني

دارَ الهوى والدارُ بالجيرانِ

ويقول فيها:

كثر الحديث عن الكرام وكلُّ مَن

جرَّبت ألفاظٌ بغير معاني

إلّا بسعدٍ مَن تنبَّه للعلا

هيهات نُوَّمهمُ مِن اليقظانِ

مهلاً بني الحسد الدخيل فإنَّها

لا تُدرك العلياءُ بالأضغانِ

سعد بن أحمد أبيضٌ مِن أبيض

في المجد فانتسبوا بني الألوانِ

بين الجبال الصُمِّ بحرٌ ثامنٌ

يحوي جلامدها وبدرٌ ثاني

من معشر سبقوا إلى حاجاتهم

شوط الرِّياح وقد جرتْ لرهانِ

قومٌ إذا وزَروا الملوك برأيهم

أمرتْ عمائمهم على التيجانِ

ضربوا بمدرجة السبيل قِبابَهم

يتقارعون بها على الضَّيفانِ

ويكاد موقدهم يجود بنفسه

- حبَّ القِرى - حطباً على النيرانِ

إبناء ضبَّة واسعون وفي الوغى

يتضايقون تضايق الأسنانِ

يا راكباً زُهرُ الكواكب قصدُه

:قرِّب لعلّك عندها تلقاني

قف نادِ:يا سعد الملوك رسالةً

من عبدك القاصي بحبٍّ داني

غالطتُ شوقي فيك قبلَ لقائنا

والقربُ ظنُّ والمزارُ أماني

حتّى إذا ما الوصل أطفأ غُلَّتي

بك كان أعطشَ لي من الهجرانِ

ولربَّ وجدِ تواصُفٍ ناهضته

وضعفتُ لَمّا صارَ وجدَ عيانِ

ولقد عكستَ عليَّ ذاك لأنَّني

كنتُ الحبيب إليك قبل تَراني

وممن العجائب والزَّمان ملوَّنٌ

أنَّ الدنوَّ هو الذي أقصاني

١١٠

ألقرن الرابع

٢٩

أبو الرقعمق الانطاكي(١)

ألمتوفّى ٣٩٩

كتب الحصيرُ إلى السرير

: أنَّ الفَصيل إبن البعيرِ

فلمثلها طرب الأمـ

ير إلى طباهجة بقيرِ(٢)

فلأمنعنَّ حمارتي

سنتين من علف الشعيرِ

لاُ همَّ إلّا أن تطـ

ير من الهزال مع الطيورِ

فلاُخبرنَّك قِصَّتي

فلقد وقعتَ على الخبيرِ

إنَّ الّذين تصافعوا

بالقرع في زمن القشورِ

أسفوا عليَّ لأنَّهمْ

حضروا ولم أك في الحضورِ

لو كنتُ ثَمَّ لقيل:هل

من آخذٍ بيد الضريرِ؟!

ولقد دخلتُ على الصديـ

ـق البيت في اليوم المطيرِ

متشمِّراً متبختراً

للصَّفع بالدَّلو الكبيرِ

فأدرتُ حين تبادروا

دلوي فكان على المديرِ

يا للرِّجال تصافعوا

فالصفعُ مفتاح السرورِ

لا تغفلوهُ فإنَّه

يستلُّ أحقاد الصدورِ

هو في المجالس كالبخو

ر فلا تملّوا من بخورِ

ولأذكرنَّ إذا ذكرت

أحبَّتي وقت السحورِ

ولأحزننَّ لأنَّهم

لمّا دنا نضج القدورِ

رحلوا وقد خبزوا الفطيـ

ـر ففاتهم أكلّ الفطيرِ

____________________

١ - نسبة الى انطاكية مدينة شهيرة بينها وبين حلب يوم وليلة.

٢ - الطباهجة:اللحم المشرح.

١١١

لا والّذي نطق النبيّ

بفضله يوم الغديرِ

ما للإمام أبي عليٍّ

في البريَّة مِن نظيرِ(١)

( ألشاعر )

أبو حامد أحمد بن محمَّد الأنطاكي نزيل مصر المعروف بأبي الرقعمق، أحد الشعراء المشاهير المتصرِّفين في فنون الشعر، وله شوطه البعيد في أساليب البيان غير انَّه ربما خلط الجدَّ بالهزل، نشأ بالشام ثمَّ رحل إلى مصر وأخذ فيها شهرةً طائلةً و مكانةً من الأدب عظيمةً، ومدح ملوكها وزعمائها ورؤسائها وممَّن مدح المعزّ أبو تميم معدّ بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد الله، وإبنه زفر عزيز مصر، والحاكم إبن العزيز، وجوهر القائد، والوزير أبو الفرج يعقوب بن كلس ونظرائهم، وصادف فيها جماعة من أهل الهزل والمجون فأوغل فيهما كلّ الايغال حتّى نبز بأبي الرقعمق، وقد يقال:إنَّه هو الّذي سمّى نفسه بذلك، وقد أعلن في شعره إنَّه حليف الرقاعة بقوله:

أستغفر الله من عقلٍ نطقتُ به

مالي وللعقل ليس العقل من شاني

لا والذي دون هذا الخلق صيّرني

اُحدوثة وبحبِّ الحمق أغراني

والبيتان من قصيدة له سجَّل بها ليل [ تِنِّيس(٢) ] وهي مدينةٌ مصريَّة كان بها في بعض العهود خمسمائة صاحب محبرة يكتبون الحديث ومطلع القصيدة:

ليلي بتنيِّس ليل الخائف العاني

تفنى الليالي وليلي ليس بالفاني

وينمُّ عن توغلّه في المجون قوله من قصيدة:

كفي ملامك يا ذات الملاماتِ

فما اُريد بديلاً بالرُّقاعاتِ

كأنّني وجنود الصَّقع تتبعني

وقد تلوت مزامير الرطاناتِ

قِسّيس دير تلا مزماره سحراً

على القسوس بترجيعٍ ورنّاتِ

وقد مجنتُ وعلَّمت المجون فما

اُدعى بشيء سوى ربِّ المجاناتِ

وذاك إنّي رأيت العقل مطَّرحاً

فجئت أهل زماني بالحماقاتِ

وقوله في قصيدة:

____________________

١ - يتيمة الدهر ج ١ ص ٢٨٤.

٢ - تنيس بكسرتين وتشديد النون وياء ساكنة وسين مهملة

_٧_

١١٢

ففي ما شئت من حمق ومن هوس

قليله لكثير الحمق إكسيرُ

كم رامَ إدراكه قومٌ فأعجزهم

وكيف يدرك ما فيه قناطيرُ؟!

لأشكرنَّ حماقاتي لأنَّ بها

لواء حمقي في الآفاق منشورُ

ولستُ أبغي بها خلّاً ولا بدلاً

هيهات غيري بترك الحمق معذورُ

لا عيب فيَّ سوى أنِّي إذا طربوا

وقد حضرت يُرى في الرأس تفجيرُ

وقوله من قصيدة:

فاسمعن منِّي ودعني

من كثيرٍ وقليلِ

وصغيرٍ وكبيرٍ

ودقيقٍ وجليلِ

قد ربحنا بالحما

قات على أهل العقولِ

فرعى الله ويُبقي

كلَّ ذي عقل قليلِ

ماله في الحمق والخفَّـ

ـة مثلي من عديلِ

فمتى اُذكر قالوا:

شيخنا طبل الطبولِ

شيخنا شيخٌ ولكن

ليس بالشيخ النبيلِ

وأكثر شعره جيِّد على اُسلوب صريع الدلاء والقصار البصري كما قاله إبن خلكان، ويُستشهد بشعره في الأدب كما في باب المشاكلة(١) من التلخيص وساير كتب البيان وقد استشهد عليها بقوله:

قالوا:اقترح شيئاً نجد لك طبخه

قلت:اطبخوا لي جبَّةً وقميصاً

قال السيِّد العبّاسي في ( معاهد التنصيص ) ١ ص ٢٢٥:هو قول أبي الرقعمق يروى انَّه قال:كان لي إخوان أربعة وكنت اُنادمهم أيّام الاُستاذ كافور الأخشيدي فجاءني رسولهم في يوم بارد وليست لي كسوة تحصنني من البرد فقال:إخوانك يقرأون عليك السَّلام ويقولون لك:قد اصطبحنا اليوم وذبحنا شاةً سمينة فاشته علينا ما نطبخ لك منها. قال:فكتبت إليهم:

إخواننا قصد والصّبوح بسحرة

فأتى رسولهمُ إليَّ خصوصا

قالوا:اقترح شيئاً نجد لك طبخه

قلت:اطبخوا لي جبَّةً وقميصا

____________________

١ - هي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته كقول أبي الرقعمق:اطبخوا. وارادة خيطوا.

١١٣

قال:فذهب الرَّسول بالرقعة فما شعرت حتّى عاد ومعه أربع خلع وأربع صُرَر في كلِّ صُرَّة عشرة دنانير فلبست إحدى الخلع وسرت إليهم.

ترجمه الثعالبي في ( يتيمة الدهر ) ١ ص ٢٦٩ - ٢٩٦ وذكر من شعره أربعمائة وأربعة وتسعين بيتا وقال:نادرة الزمان، وجملة الأحسان، وممَّن تصرَّف بالشعر الجزل في أنواع الجدّ والهزل، وأحرز قصب الفضل، وهو أحد المدَّاح المجيدين والفضلاء المحسنين وهو بالشام كابن الحجّاج بالعراق. ولعل َّكونه كإبن الحجّاج [ السابق ذكره ] ينمُّ عن تشيّعه فإنَّ ذلك أظهر أوصاف إبن الحجّاج وأجلّ ما يُؤثر عنه، فقد عرفه من عرفه بولائه الصلب لأهل بيت الوحي عليهم السَّلام والتجهّم أمام أضدادهم والوقيعة فيهم، فقاعدة التشبيه تستدعي أن يكون شاعرنا المترجَم مثله أو قريباً منه، على أنَّ صاحب ( نسمة السحر ) عدَّه ممَّن تشيَّع وشعر وعقد له ترجمةً ضيافة الذيول.

نعم:ويشبه إبن الحجّاج في تغلّب المجون على شعره ; ولا يبعد جدّاً أن يكون هذا مرمى كلام الثعالبي، ومن شعره قصيدةٌ في ممدوحِ(١) له علويٍّ منها قوله:

وعجيبٌ والحسين له

راحةٌ بالجود تنسكبُ

إنَّ شربي عنده رنقٌ

ولديه مربّعي جدبُ

وله الورد المعاذ به

والجناب الممرع الخصبُ

وهو الغيث الملثُّ إذا

أعوزتنا درّها السّحبُ

وإلى الرّسيّ ملجأنا

من صروف الدَّهر والهربُ

سيِّدٌ شادت علاه له

في العلا آباؤه النجبُ

وله بيتٌ تمدُّ له

فوق مجرى الأنجم الطنبُ

حسبه بالمصطفى شرفاً

وعليٍّ حين ينتسبُ

رتبةٌ في العزِّ شامخةٌ

قصرت عن نيلها الرُّتبُ

____________________

م ١ - هو نقيب الاشراف بمصر أبو اسماعيل ابراهيم بن أحمد بن محمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن ترجمان الدين ابي محمد القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن المثنى. الرسي المتوفّى سنة ٣٦٥. راجع تاج العروس ٤:١٦١ )

١١٤

ذاك فخرٌ ليس تنكره

لكُم عجمٌ ولا عربُ

ولأنتم مَن بفضلهمُ

جاءت الأخبار والكتبُ

وإليكم كلُّ منقبة

في الورى تُعزى وتُنتسبُ

وبكم في كلِّ معركة

تفخر الهنديَّة القضبُ

وبكم في كلِّ عارفةٍ

تُرفع الأستار والحجبُ

وإذا سمر القنا اشتجرت

فبكم تستكشف الكربُ

وله من قصيدة أوّلها:

باح وجداً بهواهُ

حين لم يُعط مناهُ

مغرمٌ أغرى به السقـ

ـم فما يُرجى شفاهُ

كاد يُخفيه نحول الـ

ـجسم حتّى لا تراهُ

لو ضناً يُخفى عن الـ

ـعين لأخفاه ضناهُ

ومنها قوله:

حبَّذا الرَّسيّ مولى

رضي النّاس ولاهُ

جعل الله أعاديـ

ـه من السّوء فداهُ

فلقد أيقن بالثر

وة مَن حلِّ ذراهُ

مَن رقى حتّى تناهى

في المعالي مرتقاهُ

فاق أن يبلغ في الـ

سؤدد والمجد مداهُ

ملكٌ مذ كان بالـ

سطوة ممنوعٌ حماهُ

بحر جود ليس يُدرى

أين منه منتهاهُ

لم يُضع مَن كان إبـ

راهيم في النّاس رجاهُ

لا ولا يفرق مِن

صرف زمان إن عراهُ

مَن به استكفى أذى الـ

أيّام والدَّهر كفاهُ

كيف لا أمدح مَن لم

يخلُ خلقُ من نداهُ

ومن غرر محاسنه قوله يمدح من قصيدة أوَّلها:

قد سمعنا مقاله واعتذاره

وأقلناه ذنبه وعثاره

١١٥

والمعاني لمن عييت ولكن

بك عرَّضت فاسمعي يا جاره

من مرادٌ به أنه أبد الدهـ

ـر تراه محلّلا أزراه

عالمُ أنَّه عذابُ من اللّـ

ـه مباحُ لأعين النظّاره

هتك الله سترة فلكم هتـ

ـك من ذي تستّرٍ أستاره

سحرتني ألحاظه وكذا كـ

ـلُّ مليحٍ لحاظه سحّاره

ما على مؤثر التباعد والأ

عراض لو آثر الرَّضى والزياره

وعلى أنَّني وإن كان قد عذَّ

ـب بالهجر مؤثراً ايثاره

لم أزل لاعدمته من حبيبٍ

أشتهي قربه وآبى نفاره

يقول في مدحها:

لم يدع للعزيز في سائر الأر

ـض عدوّاً إلّا وأخمد ناره

فلهذا اجتباه دون سوا

هُ واصطفاه لنفسه واختاره

لم تشيِّد له الوزارةُ مجداً

لا ولا قيل رفَّعت مقداره

بل كساها وقد تخرَّمها الدَّهـ

ـر جلالاً وبهجةً ونضاره

كلّ يومٍ له على نوب الدَّهـ

ـر وكرّ الخطوب بالبذل غاره

ذو يد شأنها الفرار من البُخـ

ـل وفي حومة الوغى كرّاره

هي فلّت عن العزيز عداه

بالعطايا وكثّرت أنصاره

هكذا كلُّ فاضلٍ يده تُمـ

سي وتُضحي نفّاعةً ضرّاره

فاستجره فليس يأمن إلّا

من تقيّا بظلّه واستجاره

فإذا ما رأيته مطرقاً يعـ

ـمل فيما يريده أفكاره

لم يدع بالذّكاء والذهن شيئاً

في ضمير الغيوب إلّا أناره

لا ولا موضعاً من الأرض إلّا

كان بالرأي مدركاً أقطاره

زاده الله بسطةً وكفاه

خوفه من زمانه وحذاره

وذكر النويري من شعره في ( نهاية الأرب ) في الجزء الثالث ص ١٩٠ قوله:

لو نيل بالمجدِ في العلياء منزلة

لنال بالمجد أعناق السَّماواتِ

يرمي الخطوب برأي يُستضاء به

إذا دجا الرأي من أهل البصيرات

١١٦

فليس تلقاه إلّا عند عارفه

أو واقفاً في صدور السمهريّاتِ(١)

ترجمه إبن خلكان في تاريخه ١ ص ٤٢ وقال بعد الثناء عليه وقل كلّام الثعالبي المذكور وذكر أبيات من شعره:وذكره الأمير المختار المسيحي في تاريخ مصر وقال:توفّي سنة تسع وتسعين وثلثمائة، وزاد غيره في يوم الجمعة لثمَّان بقين من شهر رمضان، وقيل:في شهر ربيع الآخر، وأظنّه توفي بمصر.

وترجمه اليافعي وأرَّخ وفاته كما ذُكر في ( مرآة الجنان ) ٢ ص ٤٥٢، و ابن العماد الحنبلي في ( الشذرات ) ٣ ص ١٥٥، والسيِّد العبّاسي في ( معاهد التنصيص ) ١ ص ٢٢٦، والزركلي في ( الأعلام ) ١ ص ٧٤، وصاحب ( تاريخ آداب اللغة ) ٢ ص ٢٦٤.

____________________

١ - هذه ابيات من قصيدة ذكرها الثعالبي في ( اليتيمة ) ١ ص ١٧٤.

١١٧

ألقرن الرابع

٣٠

أبو العلا السروي

عليُّ إمامي بعد الرَّسولِ

سيشفع في عرصة الحقِّ لي

ولا أدَّعي لعليٍّ سوى

فضايل في العقل لم يشكل

ولا أدَّعي إنَّه مرسلُ

ولكن إمامٌ بنصٍّ جلي

وقول الرَّسول له إذ أتى

له شبه الفاضل المفضلِ

:ألا أنَّ مَن كنت مولى له

فمولاه من غير شكٍّ علي(١)

( ألشاعر )

أبو العلا محمَّد بن إبراهيم السَّروي، هو شاعر طبرستان الأوحد، وعلَم الفضيلة المفرد، وله مساجلات ومكاتبات مع أبي الفضل إبن العميد ألمتوفّى سنة ٣٦٠، وله كتبٌ وشعرٌ زائعٌ وملحٌ كثيرةٌ ذكرت في ( اليتيمة ) منها جملةٌ صالحةٌ ج ٤ ص ٤٨، و في [ محاسن اصبهان ] ص ٥٢ و ٥٦، وفي [ نهاية الإرب في فنون الأدب ]، ومن شعره في وصف طبرستان ما ذكره الحموي في ( معجم البلدان ) ج ٦ ص ١٨ وهو:

إذ الريح فيها جرّت الريح أعجلت

فواختها في الغصن أن تترنَّما

فكم طيَّرت في الجوِّ ورداً مُدثَّراً

يقلِّبه فيه وورداً مُدرهما

وأشجار تفّاح كأنَّ ثمارها

عوارض أبكار يُضاحكن مُغرما

فإن عقدتها الشمس فيها حسبتها

خدوداً على القضبان فذّاً وتوأما

ترى خطباء الطير فوق غصونها

تبثُّ على العشّاق وجداً مُعتَّما

____________________

١ - ذكرها ابن شهر آشوب في ( المناقب ) ج ١ ص ٥٣١ طبع ايران، ويعبر عن المترجم في ( المناقب ) بأبي العلا بلا قيد زايد كما يظهر عنه عند نقله:في أبيات قصيدته الفائية في ج ٢ ص ١٣٩.

١١٨

وله في مدح أهل البيت عليهم السَّلام قوله ذكره إبن شهر آشوب في ( المناقب ) ج ٢ ص ٧٣ ط ايران:

ضدّان جالا على خدّيك فاتَّفقا

من بعد ما افترقا في الدَّهر واختلفا

هذا بأعلام بيض إغتدا فبَدا

وذا بأعلام سودٍ انطوى فعفا

أعجب بما حكيا في كتب أمرهما

عن الشعارين في الدنيا وما وصفا

هذا ملوك بني العبّاس قد شرعوا

لبس السواد وأبقوه لهم شرفا

وذي كهول بني السبطين رايتهم

بيضاء تخفق امّا حادثٌ أزفا

كم ظلَّ بين شبابٍ لا بقاء له

وبين شيب عليه بالنهي عطفا

هل المشيب إلى جنب الشباب سوى

صبحٍ هنالك وجه الدُّجى كشفا؟!

وهل يُؤدّي شبابٌ قد تعقَّبه

شيبٌ سوى كدر أعقبت منه صفا ؟!

لو لم يكن لبني الزَّهراء فاطمة

من شاهدٍ غير هذا في الورى لكفى

فرايةٌ لبني العبّاس عابسةٌ

سوداء تشهد فيه التيه والشرفا

ورايةٌ لبني الزَّهراء زاهرةٌ

بيضاء يعرف فيها الحقَّ من عرفا

شهادة ٌكشفت عن وجه أمرهما

فبُح بها وانتصف إن كنتَ مُنتصفا

حاز النبيُّ وسبطاه وزوجته

مكان ما أفنت الأقلام والصحفا

والفخر لو كان فيهم صورة جسد

عادت فضايلهم في اُذنه شنفا

وقد تناكرت الأحلام وانقلبت

فيهم فأصبح نور الله مُنكسفا

ألا أضاء لهم عنها أبو حسن

بعلمه ؟ وكفاهم حرّها وشفا ؟!

وهل نظيرٌ له في الزُّهد بينهمُ

ولو أصاح لدنيا أو بها كلفا ؟!

وهل أطاع النبيَّ المصطفى بشرٌ

مِن قبله ؟ وحذا آثاره وقفا ؟!

وهل عرفنا وهل قالوا سواه فتىً

بذي الفقار إلى أقرانه زلفا ؟!؟!

يدعو النِّزال وعجل القوم محتبسٌ

والسامريُّ بكفِّ الرعب قد نزفا

مفرِّجٌ عن رسول الله كربته

يوم الطِّعان إذا قلب الحبان هفا

تخاله أسداً يحمي العرين إذا

يوم الهياج بأبطال الوغى رُجفا

يظلّه النصر والرُّعب اللذان هما

كانا له عادةً إذ سار أو وقفا

١١٩

شواهدٌ فرضت في الخلق طاعته

برغم كلِّ حسودٍ مالَ وانحرفا

ثمَّ الأئمَّة من أولاده زُهرٌ

مُتوَّجون بتيجان الهدى حنفا

من جالسٍ بكمال العلم مُشتهر

وقائمٍ بغرار السيف قد زحفا

مطهَّرون كرامٌ كلّهم عَلَمٌ

كمثل ما قيل كَشّافون لا كُشفا

وله في ( يتيمة الدهر ) ج ٤ ص ٤٨:

مررنا على الروض الذي قد تبسَّمت

ذراه وأوداج الأبارق تسفكُ

فلم نر شيئاً كان أحسن منظراً

من الرَّوض يجري دمعه وهو يضحكُ

وله في النرجس:

حيِّ الرَّبيع فقد حيّا بباكورِ

من نرجس ببهاء الحسن مذكورِ

كأنَّما جفنه بالغنج منفتحاً

كأسٌ من التِّبر في منديل كافورِ

وله في النرجس ذكر صاحبا ( الظرائف واللطايف ) ص ١٥٩، و ( حلية الكميت ) ص ٢٠٣:

اُنظر إلى نرجس تبدَّت

صبحاً لعينيك منه طاقه

واكتب أسامي مُشبِّهيه

بالعين في دفتر الحماقة

وأيّ حُسنٍ يرى لطرفٍ

مع برقان يحلُّ ماقه

كرّاثةٌ ركّبت عليها

صفرة بيض على رقاقه

وكتب إليه شاعرٌ غريبٌ يشكو إليه حجابه أبياتاً منها:

جئتُ إلى الباب مراراً فما

إن زرت إلّا قيل لي:قدر كبْ

وكان في الواجب يا سيَّدي

أن لا تُرى عن مثلنا تحتجبْ

فأجابه على ظهر رقعته:

ليس احتجابي عنك من جفوةٍ

وغفلةٍ عن حرمة المغتربْ

لكن لدهر نكدٍ خائنٍ

مقصِّر بالحرِّ عمّا يجبْ

وكنت لا أحجب عن زائر

فالآن من ظلِّيَ قد أحتجب

وذكر الثعالبي في ( ثمار القلوب ) ص ٣٥٤ له قوله:

أما ترى قضب الأشجار قد لبست

أنوارها تنثني ما بين جلّاس

١٢٠