الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٤

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 423

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 423
المشاهدات: 194470
تحميل: 7956


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194470 / تحميل: 7956
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 4

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ألقرن الرابع

٣٢

ابن حماد العبدي

١

ألا قل لسلطان الهوى:كيف أعملُ

لقد جار من أهوى وأنت المؤمَّلُ ؟!

أاُبدي إليك اليوم ما أنا مضمرٌ

من الوجد في الأحشاء أم أتحمَّلُ ؟!؟!

وما أنا إلّا هالكٌ إن كتمته

ولا شكَّ كتمان الهوى سوف يقتلُ

فخذ بعض ما عندي وبعض أصونه

فإن رمتُ صون الكلِّ فالحال مشكلُ

لقد كنتُ خلواً من غرام وصبوة

أبيت وما لي في الهوى قطُّ مدخلُ

إلى أن دعاني للصبابة شادنٌ

تحيّر فيه الواصفون وتذهلُ

بديع جمال لو يَرى الحسنُ حسنَه

لفرَّ اختياراً انّه منه أجملُ

فسبحان من أنشاه فرداً بحسنه

فلا تعجبوا فالله ما شاء يفعلُ

دعاني فلم ألبث ولبَّيتُ عاجلاً

وما كنت لولا ذلك الحسن أعجلُ

بذلتُ له روحي وما أنا مالكٌ

وفي مثله الأرواح والمال تُبذلُ

وصرتُ له خِدناً ثلثون حجَّة

اُعانق منه الشمس والليل أليلُ

بسمعيَ وَقرٌ إن لحا فيه كاشحٌ

كذاك به عن عذل من راح يعذلُ

إلى أن بدا شيبي ولاح بياضه

كما لاح قرنٌ من سنا الشمس مسدلُ

وبدَّل وصلي بالجفا متعمِّداً

وما خلته للهجر والصدِّ يفعلُ

فحاولته وصلاً فقال لي ابتدأ

وإلّا يميناً إنَّه ليس يقبلُ

وفرَّ كما من ( حيدرٍ ) فرَّ قرنه

وقد ثار من نقع السنابك قسطلُ

غداة رأته المشركون وسيفه

بكفَّيه منه الموت يجري ويهطلُ

حسامٌ كصلِّ الرّيم في جنباته

دبيبٌ كما دبَّت على الصخر أنملُ

١٤١

إذا ما انتضاه واعتزى وسط مازقٍ

تزلزل خوفاً منه رضوى ويذبلُ

به مرحبٌ عضَّ التراب معفَّراً

وعمرو بن ودّ راحَ وهو مجدِّلُ

وقام به الإسلام بعد اعوجاجه

وجاء به الدين الحنيف يُكمِّلُ

إلى أن يقول فيها:

هو الضارب الهامات والبطل الذي

بضربته قد مات في الحال نوفلُ

وعرَّج جبريل الأمين مصرِّحاً

يُكبِّرٌ في اُفق السما ويُهلّلُ

أخو المصطفى يوم ( الغدير ) وصنوه

ومضجعه في لحده والمغسِّلُ

له الشمس رُدَّت حين فاتت صلاته

وقد فاته الوقت الذي هو أفضلُ

فصلّى فعادت وهي تهوي كأنَّها

إلى الغرب نجمٌ للشياطينُ مرسلُ

أما قال فيه أحمد وهو قائمُ

على منبر الأكوار والناس نُزَّلُ؟(١)

:عليُّ أخي دون الصحابة كلّهم

به جاءني جبريل إن كنت تسألُ

علىُّ بأمر الله بعدي خليفةٌ

وصيّي عليكم كيف ما شاء يفعلُ

ألا إنّ عاصيه كعاصي محمَّد

وعاصيه عاصي الله والحقُّ أجملُ

ألا إنَّه نفسي ونفسي نفسه

به النصُّ أنبا وهو وحيٌ منزَّلُ

ألا إنَّني للعلم فيكم مدينةٌ

عليٌّ لها بابٌ لمن رام يدخلُ

ألا إنَّه مولاكمُ ووليّكم

وأقضاكمُ بالحقِّ يقضي ويعدلُ

فقالوا جميعاً:قد رضيناه حاكماً

ويقطع فينا ما يشاء ويوصلُ

ويكفيكمُ فضلاً غداة مسيره

إلى ( يثرب ) والقوم تعلوا وتسفلوا

وقد عطشوا إذ لاح في الدير قائمٌ

لهم راهبٌ جمُّ العلوم مكمَّلُ

فناداه من بُعد وأعلا بصوته

فكاد على خوف من الرُّعب ينزلُ

فأشرف مذعورا فقال:فهل ترى

بقربك ماءاً أيّها المتبتِّلُ ؟!

فقال:وأنّى بالمياه وأرضنا

جبالٌ وصخرٌ لا ترام وجندلُ ؟!

ولكنَّ في الأنجيل إنَّ بقربنا

على فرسخين لا محالة منهلُ

ولم يَره إلّا نبيُّ مطهَّرٌ

وإلّا وصيٌّ للنبيِّ مُفضَّلُ

____________________

١ - في بعض المصادر:والجمع حفل.

١٤٢

فسار على اسم الله للماء طالباً

وراهب ذاك الدير بالعين يأملُ

فأوقف والفرسان حول ركابه

ونار الظما في أنفس القوم تشعلُ

فقال لهم:يا قوم هذا مكانكم

فمن رام شرب الماء للحفر ينزلُ

فما كان إلّا ساعةً ثمَّ أشرفوا

على صخرة صمّاء لا تتقلقلُ

لُجينيَّةً ملساً كأنَّ أديمها

اُذيب عليها التِّبر أو ريف منخلُ

فقال:اقلبوها فاعتزوا عند أمره

على ذاك كُلّاً وهي لا تتجلجلُ

فقالوا جميعاً:يا عليُّ فهذه

صفاتٌ بها تعي الرِّجال وتذهلُ

فمدَّ إليها ما انحنى فوق سرجه

يميناً لها إلّا غدت وهي أسفلُ

وزجَّ بها كالعود في كفِّ لاهبٍ

فبان لهم عذبٌ من الماء سَلسلُ

فأوردهم حتّى اكتفوا ثمَّ عادها

على الجبِّ لا يعي ولا يتململُ

فلمّا رآها الراهب انحطِّ مُسرعاً

لكفّيه ما بين الأنام يُقبِّلُ

وأسلم لمّا أن رأوا هو قائلٌ

:أظنّك آليّاً وما كنت أجهلُ

[ ألقصيدة ١٠٤ بيتاً ]

٢

من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين صلوات الله عليه:

لعمرك يا فتى يوم ( الغدير )

لأنت المرء أولى بالاُمورِ

وأنت أخٌ لخير الخلق طرّاً

ونفسٌ في مباهلة البشيرِ

وأنت الصنو والصهر المزكّى

ووالد شبَّر وأبو شبيرِ

وأنت المرء لم تحفل بدنياً

وليس له بذلك من نظيرِ

لقد نبعت له عينٌ فضلّت

تفور كأنَّها عنق البعير

فوافاه البشير بها مغذّاً

فقال عليُّ:أبشر يا بشيري

لقد صيَّرتُها وقفاً مُباحاً

لوجه الله ذي العزِّ القديرِ

وكان يقول:يا دُنياي غرّي

سواي فلست من أهل الغرورِ

وصابر مع حليلته الأذايا

فنالا خير عاقبة الصَّبورِ

وقالت اُمّ أيمن:جئت يوماً

إلى الزهراء في وقت الهجيرِ

١٤٣

فلمّا أن دنوت سمعت صوتاً

وطحناً في الرّحاء بلا مُديرِ

فجئت الباب أقرعه نغوراً

فما من سامع لي في نغوري

فجئت المصطفى وقصصت شأني

وما أبصرتُ من أمرٍ زعورِ

فقال المصطفى:شكراً لربٍّ

بإتمام الحباء لها جديرِ

رآها الله مُتعبةً فألقى

عليها النوم ذو المَّن الكثيرِ

ووكَّل بالرّحا ملكاً مُديراً

فعدت وقد ملئت من السرورِ

تزوَّج في السماء بأمر ربّي

بفاطمة المهذَّبة الطَّهورِ

وصير مهرها خمس الأراضي

بما تحويه من كرمٍ وخيرِ

فذا خير الرِّجال وتلك خير

النساء ومهرها خير المهورِ

وإبناها الأولى فضلوا البرايا

بتنصيص اللطيف بها الخبيرِ

وصيَّر ودَّهم أجراً لطاها

بتبليغ الرِّسالة في الاُجورِ

( بيان ) في هذه القصيدة ايعاز إلى جملة من فضايل أمير المؤمنينعليه‌السلام منها حديث المؤاخاة الذي أسلفناه في ج ٣ ص ١١٢ - ١٢٥.

وقصَّة المباهلة وانَّه فيها نفس النبيّ الأقدس بنصٍّ من الكتاب(١) .

ومنها حديث نبعة العين، أخرجه الحافظ ابن السمان في الموافقة وعنه محبّ الدين الطبري في رياضه ٢ ص ٢٢٨:انَّ عمر أقطع عليّاً ينبع ثمَّ اشترى أرضاً إلى جنب قطعته فحفر فيها عيناً فبينما هم يعملون فيها إذا انفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء فاُتي عليٌ فبشِّر بذلك فقال:بشِّروا الوارث. ثمَّ تصدَّق بها. ألحديث(٢)

وقال إبن أبي الحديد في شرحه ٢ ص ٢٦٠:جاء في الأثر:انَّ أمير المؤمنينعليه‌السلام جاءه مخبرٌ فأخبره:انَّ مالاً له قد انفجرت فيه عينٌ خرّارةٌ يبشِّره بذلك. فقال:بشِّر الوارث. بشِّر الوارث يكرِّرها ثمَّ وقف ذلك المال على الفقراء وكتب به كتاباً في تلك الساعة.

وإلى صدقات أمير المؤمنين في ينبع أشار الحموي في ( معجم البلدان ) ٨ ص

____________________

١ - في قوله تعالى:فقل تعالوا ندع إبناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ( آل عمران ٦١ )

٢ - وبهذا اللفظ يوجد في ( الامام على ) تأليف الشيخ محمد رضا المصري ص ١٧.

_٩_

١٤٤

٢٥٦، والسمهودي في وفاء الوفاء ٢ ص ٣٩٣ وغيرهما.

ومنها قولهعليه‌السلام :يا دنيا غرّي غيري. أخرجه جمعٌ من الحفّاظ كما مرَّ في ج ٢ ص ٢٨٧.

ومنها حديث طحن الرّحا بلا مدير. أخرجه الحفّاظ بلفظ أبي ذرِّ الغفاري قال أرسله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ينادي عليّاً فرأى رحى تطحن في بيته وليس معها أحد فأخبر النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بذلك فقال:يا أبا ذر ؟ أما علمت إنّ لِلَّه ملائكةُ سيّاحين في الأرض قد وُكلّوا بمعاونة آل محمَّد صلّى الله عليه وآله وسلّم(١) .

ومنها حديث زواج الزَّهراء الصدّيقة ذكرناه في الجزء الثاني ص ٣١٥ - ٣١٩ و ج ٣ ص ٢٠ - ومنها:انَّ ودَّ آل محمَّد أجر رسالته صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد مرَّ تفصيله في الجزء الثاني ص ٣٠٦ - ٣١١.

٣

من قصيدة في مدح أمير المؤمنينعليه‌السلام

أرض اِلآله وأسخطِ الشيطانا

تعط الرِّضا في الحشر والرِّضوانا

وامحض ولاءك لِلّذين ولاؤهم

فرضٌ على مَن يقرأ القرآنا

آل النبيِّ محمَّد خير الورى

وأجلّهم عند الإ~له مكانا

قومٌ قوام الدين والدنيا بهم

إذ أصبحوا لهما معاً أركانا

قومٌ إذا أصفى هواهم مؤمنُ

يُعطى غداً ممّا يخاف أمانا

قومٌ يطيع الله طائع أمرهم

وإذا عصاه فقد عصى الرَّحمانا

وهم الصِّراط المستقيم وحبّهم

يوم المعاد يثقِّل الميزانا

والله صيِّرهم لمحنة خلقه

بين الضَّلالة والهُدى فُرقانا

حفظوا الشريعة قائمين بحفظها

ينفون عنها الزّور والبهتانا

وأتى القرآن بفرض طاعتهم على

كلّ البريَّة فاسمع القرآنا

وتوالت الأخبار أنَّ محمَّداً

بولائهم وبحفظهم أوصانا

____________________

١ - سيرة الملا، الرياض النضرة ٢ ص ٢٢٣، الاصابة ص ١٠٥، اسعاف الراغبين ص ١٥٨، اعجب ما رأيت ١ ص ٨، الامام على للشيخ محمد رضا ص ١٨.

١٤٥

* * *

مَن سبَّحت في كفِّه بيض الحصا

ليكون ذاك لصدقه تبيانا

مَن أنزل الله الكتاب عليه في

كلِّ العلوم ليغتدي برهانا

مَن بلّغ الدنيا بنصب وصيَه

يوم ( الغدير ) ليكمل الايمانا

مَن ذاله يوم ( الغدير ) فضيلةٌ

إذ لا تطيق لفضله جحدانا

مَن آكل الطير الذي لم يستطع

خلقٌ له جحداً ولا كتمانا

من آكلّ القطف الجنيَّ على حرى

وإليه أهدى ربّه رمّانا

مَن فيه أنزل هل أتى ربُّ العُلى

وجزاه حور العين والولدانا

مَن نصَّ أحمد في مزاياه الّتي

لم يُعطها ربُّ العلى إنسانا

مَن لا يُواليه سوى إبن نجيبةٍ

حفظت أباه وراعت الرَّحمانا

[ ألقصيدة ٢٧ بيتاً ]

٤

يمدح أمير المؤمنين صلوات الله عليه يوم الغدير:

يا عيد يوم الغدير

عُد بالهنا والسرورِ

ففيك أضحى عليُّ

أمير كلِّ أميرِ

غداة جبريل وافى

من السَّميع البصيرِ

وقال:يا أحمد انزل

بجنب هذا الغديرِ

بلِّغ وإلّا فما كنت

قائماً بالاُمورِ

فأنزل الجمع كُلّاً

ثمَّ اعتلى فوق كورِ

وقال:قد جاء أمرٌ

من اللطيف الخبيرِ

بأن اُقيم عليّاً

خليفةً في مسيري

فبايعوه فما في الو

رى له من نظيرِ

إمامُ كلِّ إمامٍ

مولى لكلِّ كبيرِ

بابٌ إلى كلّ رُشدٍ

نورٌ علا كلِّ نورِ

وحجَّة الله بعدي

على الجهود الكفورِ

١٤٦

وبعده الغرّ منه

فَهُم ْكعدِّ الشهورِ

أسماؤهم في المثاني

كثيرةٌ للذَّكورِ

في صُحف موسى وعيسى

مكتوبةٌ والزَّبورِ

ما زال في اللوح سطراً

يلوح بين السُطورِ

تزور أملاك ربّي

منه لخير مزورِ

وأشهد الله فيما

أبدي وكلَّ الحضورِ

فقام مَن حلَّ خُمّاً

مِن بين جمٍّ غفيرِ

وبايعوه بأيدٍ

مخالفات الضميرِ

واللهُ يعلم ماذا

أخفوا بذات الصُدورِ

٥

وله يمدحه صلوات الله عليه:

ما لعليٍّ سوى أخيه

محمَّد في الورى نظيرُ(١)

فداهُ إذ أقبلت قريشُ

إليه في الفرش تستطيرُ

وكان في الطائف انتجاه

فقال أصحابه الحضورُ

:أطلت نجواك من عليٍّ

فقال ما ليس فيه زورُ

:ما أنا ناجيته ولكن

ناجاه ذو العزَّة الخبيرُ

وقال في خمّ:إنَّ عليّاً

خليفةٌ بعده أميرُ

وكان قد سدَّ باب كلٍّ

سواه فاستغرت الصدورُ

وأكثروا القول في عليٍّ

بذا ودَّبت له الشرورُ

فقال:ما تبتغون منه ؟!

وهو سميعٌ لهم بصيرُ

ما أنا أوصدتها ولكن

أوصدها الآمر القديرُ

يا قوم إنّي امتثلت أمراً

أوحاه لي الراحم الغفورٌ

____________________

١ - اشار به إلى ما أخرجه الحافظ محب الدين الطبري في رياضه ٢ ص ١٦٤ عن أنس بن مالك قال:رسول الله صلى اله عليه وآله:ما من نبي إلا وله نظير من أمته وعلي نظيري. ورواه غيره من الحفاظ.

١٤٧

فكان هذا له دليلاً

بأنّه وحده الظهيرُ

٦

وله من قصيدةٍ كبيرةٍ في مدحه صلوات الله عليه:

وقال لأحمد بلّغ قريشاً

أكن لك عاصماً إن تستكينا

فإن لم تُبلغ الأنباء عنّي

فما أنت المبلّغ والأمينا

فأنزل بالحجيج ( غدير خمّ )

وجاء به ونادى المسلمينا

فأبرز كفّه لِلنَّاس حتّى

تبيَّنها جميع الحاظرينا

فأكرم بالَّذي رفعت يداه

وأكرم بالّذي رفع اليمينا

فقال لهم وكلُّ القوم مُصغٍ

لمنطقه وكلُّ يسمعونا

:ألا هذا أخي ووصيُّ حقٍّ

وموفي العهد والقاضي الديونا

ألا مَن كنت مولاه فهذا

له مولى فكونوا شاهدينا

تولّى ألله مَن والى عليّاً

وعادى مبغضيه الشانئينا

* * *

وجاء عن إبن عبد الله:انّا(١)

به كنّا نمين المؤمنينا

فنعرفهم بحبِّهمُ عليّاً

وإنّ ذوي النفاق ليعرفونا

ببغضهم الوصيَّ ألا فبعداً

لهم ماذا عليهم ينقمونا

وممّا قالت الأنصار كانت

مقالة عارفين مجرّبينا

ببغضهمُ علي الهادي عرفنا

وحقَّقنا نفاق منافقينا

٧

من قصيدةٍ له يمدحه سلام الله عليه:

يوم ( الغدير ) لأشرف الأيّام

وأجلّها قدراً على الإسلامِ

يوم أقام الله فيه إمامنا

أعني الوصيَّ إمام كلِّ إمامِ

قال النبيُّ بدوح ( خمّ ) رافعاً

كفَّ الوصيِّ يقول للأقوامِ

____________________

١ - إبن عبد الله هو جابر الانصارى أخرج الحفاظ حديثه هذا كما مر في الجزء الثالث ١٨٢

١٤٨

: مَن كنت مولاه فذا مولى له

بالوحي من ذي العزَّة العلّامِ

هذا وزيري في الحياة عليكُم

فإذا قضيت فذا يقوم مقامي

يا ربّ والي مَن أقرَّ له الولا

وانزل بمن عاداه سوء حمام

فتهافتت أيدي الرِّجال لبيعةٍ

فيها كمال الدين والأنعامِ

٨

من قصيدة له يمدحهعليه‌السلام

تروم فساد دليل النّصوص

ونصراً لإجماع ماقد جمعْ

ألم تستمع قوله صادقاً

غداة ( الغدير ) بما ذا صدعْ ؟!

ألا إنَّ هذا وليُّ لكم

أطيعوا فويلُ لمن لم يُطعْ

وقال له:أنت منّي أخي

كهارون من صنوه فاقتنعْ

وقال له:أنت بابٌ إلى

مدينة علمي لمن ينتجعْ

وقال لكم:هو أقضاكُم

وكلُّ لمن قد مضى متّبعْ

ويوم برائة نصَّ الإ~له

جلَّ عليه فلا تختدعْ

وسماه في الذكر نفس الرسول

يوم التباهل لمّا خشعْ

ويوم المواخاة نادى به

:أخوك أنا اليوم بي فارتفعْ

ويوم أتى الطيرَ لمّا دعا

النبيُّ الإ~له وأبدى الضرعْ

أيا ربّ ابعث أحبَّ الأنام

إليك لنأكلّ في مجتمعْ

فلم يستتمَّ النبيُّ الدعاء

إلّا وقد جاء ثمَّ ارتجعْ

ثَلاث مرارٍ فلمّا انتهى

إلى الباب دافعه واقتلعْ

فقال النبيُّ له:ادخل فقد

أطلت احتباسك يا ذا الصلعْ

فخبّرهُ:انَّه قد أتى

ثلاثاً ودافعه مَن دفعْ

فقطَّب في وجه من ردَّه

وأنكر ما بأخيه صنعْ

ووارثه بَرَصاً فاحشاً

فظلَّ وفي الوجه منه بقعْ

ففيمَ تخيَّرتمُ غير مَن

تخيَّره ربّكم واصطنعْ ؟!

وكيف تعارض هذي النصوص

باجماع ذي الحقد أو ذي الطمعْ؟!

١٤٩

٩

وله من قصيدة في المديح

يا سائلي عن ( حيدر ) أعييتني

أنا لست في هذا الجواب خليقا

الله سمّاه عليّاً باسمه

فسما علوّاً في العلا وسموقا

واختاره دون الورى وأقامه

عَلماً إلى سُبل الهدى وطريقاً

أخذ الإ~له على البريَّة كلّها

عهداً له يوم ( الغدير ) وثيقا

وغداة واخى المصطفى أصحابه

جعل الوصيَّ له أخاً وشقيقا

فرق الضلال عن الهدى فرقى إلى

أن جاوز الجوزاء والعيّوقا

ودعاه أملاك السَّماء بأمر من

أوحى إليهم حيدر الفاروقا

وأجاب أحمد سابقاً ومصدِّقاً

ما جاء فيه فسمِّي الصدّيقا

فإذا ادَّعى هذه الأسامي غيره

فليأتنا في شاهدٍ توثيقا

أشار إلى ما مرَّ في الجزء الثاني ص ٣١٢ - ٣١٤ والجزء الثالث ص ١٨٧ من انَّ عليّاً هو صدِّيق هذه الاُمَّة وفاروقها بنصٍّ صحيحٍ ثابتٍ من النبيَّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم :

١٠

من قصيدة له يمدحه صلوات الله عليه

يا راكباً اُجُداً(١) تخبُّ وتوضعُ

في سرعةٍ والشوق منها أسرعُ

لِلَّه ما أخطأك من رجلٍ له

عند الغريِّ لبانةٌ لا تمنعُ

يجلي عليك من الهداية مشرقٌ

ومن الإمامة والولاية مطلعُ

جدثٌ به نور الهدى مُستودعُ

في ضمنه العلَم البطين الأنزعُ

جدثٌ يدلُّ عليه طيب نسيمه

قبل الورود وضوء نور يلمعُ

جدثٌ ربيع المؤمنين بربعه

فقلوبهم أبداً له تتطلّعُ

جدثٌ به الرِّضوان والغفران والا

يمان والفضل الذي تتوقَّعُ

جدثٌ تحجُّ إليه أملاك السما

إذ في جوانبه المناسك أجمعُ

____________________

١ - ناقة اُجد:قوية.

١٥٠

بعضٌ قيامُ خاضعون لفضله

أبداً وبعضٌ ساجدون وركَّعُ

فإذا وصلت إليه فالثم تربه

في مدمعٍ يجري وقلب يخشعُ

وقل:السَّلام عليك يا مولىّ يرى

عملي ويشهد ما أقول ويسمعُ

إنّي قصدتك زائراً ومسلّماً

وموالياً يا من يضرُّ وينفعُ

لتكون لي يوم القيامة شافعاً

وهواك يقدمني إليك ويشفعُ

عجباً لعمي عن ولاك ونورُه

كالشمس طالعة تضيئ وتسطعْ

فكأنَّهم لم يسمعوا ما قاله

فيك المهيمن في الكتاب ولمَ يعوا

أو ليس مَن يهدي إلى الحقِّ الذي

يُنجي أحقُّ بالأتِّباع فيتبعُ ؟!

أولم يك السور الذي أضحى له

بابٌ وفيه للمحاول مقمعُ ؟!

والباب باطنه المغيّب رحمة

لكنَّ ظاهره العذاب الأفظعُ

تركوا سبيل الرُّشد بعد نبيَّهم

سفهاً وتاهوا في العمى وتسكّعوا

أنّى ينال مُفاخرٌ فخر امرءٍ

ساد البريَّة وهو طفلٌ يرضعُ ؟

والله ما قعد الوصيُّ لذلَّةِ

عنهم فإنَّهمُ أذلُّ وأوضعُ

لكن أراد بأن يُقيم عليهمُ

الحجج التي أسبابها لا تُدفعُ

غدروا به يوم ( الغدير ) ولم يفوا

ولعهده المسؤول منهم ضيَّعوا

يا قاسم النيران اُقسم صادقاً

بهواك حلفة مؤمن يتشيِّعُ

أنت الصِّراط المستقيم على لظى

وإليك منها يا عليُّ المفزعُ

والحوض حوضك فيه ماءٌ باردٌ

في البعث تسقي مَن تشاء وتمنعُ

ولك المفاتح أنت تُسكن ذا لظى

يصلى وهذا في الجنان يُمتَّعُ

إنِّي زرعت هواك في أرض الحشا

والمرء يحصد في غدٍ ما يزرعُ

١١

من قصيدة له يمدح أمير المؤمنينعليه‌السلام :

عليُّ عليُّ القدر عند مليكه

وإن أكثرت فيه الغُواة ملامها

وعروته الوثقى الَّتي مَن تمسَّكت

يداه بها لم يخش قطُّ انفصامها

١٥١

فكم ليلة ليلاء لِلَّه قامها

وكم ضحوةٍ مسجورة الحرِّ صامها

وكم غمرة للموت في الله خاضها

وأركان دين للنبيِّ أقامها

فواخاه من دون الأنام فيالها

غنيمة فوز ما أجلّ اغتنامها

ووّلاه في يوم ( الغدير ) على الورى

فأصبح مولاها وكان إمامها

هو المختلي في بدر أرؤس صيدها

كما تختلي شهب البزاة حمامها

وصاحب يوم الفتح والراية التي

برجعتها أخزى الإ~له دلامها

فقال:ساُعطيها غداً رجلاً بها

مُلبّاً يُوفِّي حقَّها وذمامها

وقال له:خُذ رايتي وامض راشداً

فما أنا أخشى من يديك انهزامها

فمرَّ أمير المؤمنين مشمِّراً

برايته والنصر يسري أمامها

وزجّ بباب الحصن عن أهل خيبرٍ

وسقَّي الأعادي حتفها وحمامها

وجدَّل فيها مرحباً وهو كبشها

وأوسع آناف اليهود ارتغامها

وسل عنه في سلع وعن عظم فعله

بعمرو ونار الحرب تذكي اضطرامها

وأفئدة الأبطال ترجف هيبةً

وقد أخفت الرُّعب الشديد كلامها

فقام إليه من أقام بسيفه

حلائله ثكلّى تطيل التدامها

وقال:على تأويل ما الله منزلٌ

تُقاتل بعدي يا عليُّ طغامها

فقاتل جيش الناكثين لعهدهم

وأثكل يوم القاسطين شئامها

وأجرى بيوم المارقين دماءهم

وأخلى من الأجسام بالسيف هامها

١٢

من قصيدة له يمدحه صلوات الله عليه:

ولاء المرتضى عُددي

ليومي في الورى وغَدي

أمير النحل مولى الخلق

في ( خُمّ ) على الأبدِ

غداة يبايعون المرتضى

أمراً بمدِّ يدِ

شبيه المصطفى بالفـ

ـضل لم ينقص ولم يزدِ

وجنب الله في كتب

وعين الواحد الصَّمد

١٥٢

فلن تلد النسا شبهاً

له كَلّا ولم تلدِ

مجلّي الكرب يوم الحرب

في بدرٍ وفي اُحدِ

وخيبر والنُظير كذا

وسلع خندق البلدِ

إذ الهيجاء هاج لها

بقلب غيرُ مرتعدِ

ترى الأبطال باطلةً

لخوف الفارس الأسدِ

فأنفسهم مودَّعةُ

لهمُ بتنفّس الصَّعدِ

وقد خفتوا لهيبته

فلست تحسُّ من أحدِ

فلم تسمع لغير البيض

فوق البيض والزّردِ(١)

ولشاعرنا العبدي غديريّات اُخرى يأتي بعضها ونصفح عن بعضها.

( ألشاعر )

أبو الحسن عليّ بن حمّاد بن عُبيد الله بن حمّاد العدويُّ العبدي(٢) البصري.

كان حمّاد والد المترجم أحد شعراء أهل البيت عليهم السَّلام كما ذكره ولده شاعرنا في شعره بقوله من قصيدة:

وإنَّ العبد عبدكمُ عليّاً

كذا حمّاد عبدكمُ الأديبُ

رثاكم والدي بالشعر قبلي

وأوصاني به أن لا أغيبُ

والمترجَم له عَلَمُ من أعلام الشيعة، وفذُّ من علمائها، ومن صدور شعرائها، ومن حفظة الحديث المعاصرين للشيخ الصَّدوق ونظرائه، وقد أدركه النجاشي وقال في رجاله:قد رأيته.

غير أنَّه يروي عنه كتب أبي أحمد الجلودي البصري ألمتوفّى سنة ٣٣٢ بواسطة الشيخ أبي عبد الله بن الحسين بن عبيد الله الغضايري المتوفّى سنة ٤١١، فهو من مشايخ هذا الشيخ المعظَّم الواقعين في سلسلة الإجازات، والمعدودين من مشايخ الرُّواة، وأساتذة حملة الحديث، وحسبه ذلك دلالةً على ثقته وجلالته وتضلّعه في العلم والحديث.

____________________

١ - الزرْد والزرَد:حلق المغفر والدرع.

٢ - نسبة إلى عبد القيس كما يأتي في شعر المترجم.

١٥٣

وأمّا الشعر فلا يشكّ أحدُ أنّه من ناشري ألويته، وعاقدي بنوده، ومنظِّمي صفوفه، وقائدي كتائبه، وسايقي مقانبه، وجامعي شوارده، وقد اطّرد ذكره في المعاجم(١) كما تداول شعره في الكتب والمجاميع وهو من المكثرين في أهل البيت عليهم السَّلام مدحاً ورثاءاً ولقد أكثر وأطاب، وجاهر بمديحهم وأذاع حتّى عدَّه إبن شهر آشوب في المجاهرين من شعرائهم، وجمع شعره فيهم صلوات الله عليهم مدحاً ورثاءاً ألعلّامة السماوي في ديوان يربو على ٢٢٠٠ بيتاً، وجُلّ شعره يشفُّ عن تقدُّمه الظاهر في الأدب، وأشواطه البعيدة في فنون الشعر، وخطواته الواسعة في صياغة القريض، كما أنَّه ينمُّ عن علمه المتدفِّق، وتضلّعه في الحديث، وبذل كلِّه في بثِّ فضائل آل الله، وجمع شوارد الحقايق الراهنة في المذهب الحقِّ، ونشر ما ورد منها في الكتاب والسنَّة، وإقامة الدعوة إلى سنن الهدى، فشعره بعيدٌ عن الصّور الخياليّة بل هو لسان حِجاج وبرهنة، ونظم بيِّنات ودلائل، وبيانٌ قيِّم لمذهبه العلوي.

قال نجم الدين العمري في [ المجدي ] في ذكر ولد زيد بن علّي:أنشدني أبو علي بن دانيال وكان من ذي رحمي رحمه الله من قصيدة أنشدها إيّاه الشيخ أبو الحسن عليُّ بن حمّاد بن عُبيد العبدي الشاعر البصري رحمه الله لنفسه:

قال إبن حمّاد وقال له فتى

قد حاء يسأله:جهلتك فاعذرِ

قد كنت أصبو أن أراك فأقتدي

بصحيح رأيك في الطريق الأنوارِ

واريد أسأل مُستفيداً قلت:سلْ

واسمع جواباً قاهراً لم يقهرِ

قال:الإمامة كيف صحّت عندكم

من دون زيدٍ والأنام لجعفرِ ؟!

قلت:النصوص على الأئمَّة جائنا

حتما من الله العليِّ الأكبرِ

إنَّ الأئمَّة تسعةُ وثلاثةٌ

نقلاً عن الهادي البشير المنذرِ

لا زايدٌ فيهم وليس بناقصٍ

منهم كما قد قيل عدّ الأشهرِ

مثل النبوَّة صُيّرت في معشرٍ

فكذا الإمامة صُيّرت في معشرِ

____________________

١ - كرجال النجاشي ص ١٧١، الأنساب للمجدي، معالم العلماء، إيضاح الاشتباه للعلامة الحلي، مجالس المؤمنين ص ٤٦٤، رياض العلماء، رياض الجنة في الروضة الخامسة. تنقيح المقال ٢ ص ٢٨٦.

١٥٤

( قال نجم الدين ):هذا كلامُ حسنُ، وحجَّةُ قويَّةُ، لأنَّ حاجة الناس إلى الإمام أعني الخليفة كحاجتهم إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لإنّه القائم بإعلاء سنَّته السنيَّة في كلِّ زمان. رجع إلى كلام أبي الحسن إبن حمّاد رحمه الله:

قال:الإمامة لا تتمُّ لقائمٍ

ما لم يجرّ بسيفه ويشهَّرِ

فلذاك زيدُ حازها بقيامه

من دون جعفر فادَّكر وتدبَّرِ

( قال نجم الدين ):هكذا أنشدني بفتح الراء من ( جعفرَ ) وهو رأي الكوفيين أعني منعه من الصرف:

قلت:الوصيّ على قياسك لم ينل

حظَّ الخلافة بل غدت في حبترِ

إذ كان لم يدع الأنام بسيفه

قطعاً فيالك فرية من مفتري

وكذلك الحسن الشهيد بتركه

بطلت إمامته بقولك فانظري

والعابد السجّاد لم يُر داعياً

ومشهّراً للسيف إذ لم يُنصرِ

أفكان جعفر يستثير عداته ؟!

ويُذيع دعوته ولمّا يُؤمرِ ؟!

( قال نجم الدين ):يريد أنّ ألمأمور كان زيداً لا جعفراً:

ودليل ذلك قول جعفر عندما

عُزّي بزيد قال كالمستعبر

:لو كان عمّي ظافراً لوفى بما

قد كان عاهد غير أن لم يظفرِ

أشار إبن حمّاد بهذين البيتين إلى ما مرَّ عن الحافظ المرزباني والكشّي في الجزء الثاني ص ٢٢١ وفي الثالث ص ٧٠.

ولادته ووفاته

لم نقف على تاريخ ولادة إبن حمّاد ووفاته غير أنَّ النجاشي الذي أدركه و رآه ولم يرو عنه وُلد في صفر سنة ٣٧٢، وشيخه الذي يروي عنه وهو الجلودي البصري توفّي ١٧ ذي الحجَّة سنة ٣٣٢ فيستدعي التاريخان انَّ المترجم وُلد في أوايل القرن الرابع وتوفّي في أواخره.

وقفنا لابن حمّاد على قصيدةٍ في مجموعةٍ عتيقة مخطوطةٍ في العصور المتقادمة، و قد ذكر إبن شهر اشوب بعض أبياتها ونسبه إلى العبدي [ سفيان بن مصعب ] المترجَم له في الجزء الثاني ص ٢٩٤، وتبعه البياضي في ( الصِّراط المستقيم ) وغيره والقصيدة

١٥٥

للمترجَم له وهي:

أسايلتي عمّا اُلاقي من الأسا

سلي الليل عنّي هل اجنُّ إذا جنا؟!

ليخبرك اِنّي في فنونٍ من الجوى

إذا ما انقضا فنُّ يوكّل بي فنّا

وإن قلتَ:إنَّ الليل ليس بناطقٍ

قفي وانظري واستخبري الجسد المضنى

وإن كنت في شكٍّ فديتك فاسئلي

دموعي التي سالت وأقرحت الجفنا

أحبَّتنا لو تعلمون بحالنا

لمَا كانت اللّذات تُشغلكم عنّا

تشاغلتموا عنّا بصحبة غيرنا

وأظهرتم الهجران ما هكذا كنّا

و آليتموا أن لا تخونوا عهودنا

فقد وحياة الحبِّ خُنتم وما خُنّا

غدرتم ولم نغدر وخُنتم ولم نخن

وحُلتم عن العهد القديم وما حُلنا

وقلتم ولم توفوا بصدق حديثكم

ونحن على صدق الحديث الذي قلنا

أيهنا لكم طيب الكرى وجفوننا

على الجمر ؟! لا تهنا ولا بعدكم نمنا

أنخنا بمغناكم لتحي نفوسنا

فما زادنا إلّا جوىّ ذلك المغنا

سنرحل عنكم إن كرهتم مقامنا

و نصبر عنكم مثل ما صبركم عنّا

ونأخذ مَن نهوى بديلاً سواكُم

ونجعل قطع الوصل منكم ولا منّا

تعالوا إلى الإنصاف فيما ادَّعيتموا

ولا تفر طوابل صححو اللفظ والمعنى

أليتكمُ ناصفتمونا فَريضة

بانَّ لكم نصفاً وأنَّ لنا ثُمنا

إذا طلعت شمس النهار ذكرتكم

وإن غربت جدَّدت ذكركمُ حُزنا

وإنّي لأرثي للغريب وإنّني

غريب الهوى والقلب والدار والمغنى

لقد كان عيشي بالأحبَّة صافياً

وما كنت أدري أنَّ صحبتنا تقنا

زمانٌ نعمنا فيه حتّى إذا مضى

بكينا على أيّامه بدم أقنا

فوالله ما زال اشتياقي إليكُم

ولا برح التسهيد لي بعدكم جفنا

ولا ذقت طعم الماء عذباً ولا صفت

موارده حتّى نعود كما كنّا

ولا بارحتني لوعة الفكر والجوى

ولا زلت طول الدَّهر مقترعاً سنّا

وما رحلوا حتّى استحلّوا نفوسنا

كأنَّهمُ كانوا أحقّ بها منّا

ترى منجدي في أرض بغداد واهناً

لزهدكُم فينا وبُعدكُم عنّا

١٥٦

أيزعم أن أسلو ! ؟ ويشغل خاطري

بغيركُم مُستبدلاً ؟! بئس ما ظنّا

أيا ساكني نجدٍ سلامي عليكُم

ظننّا بكم ظنّاً فاخلفتموا الظنّا

اُمثِّل مولاي الحسين وصحبه

كأنجم ليل بينها البدر أو أسنا

فلمّا رأته اُخته وبناته

وشمرٌ عليه بالمهنَّد قد أحنى

تعلّقنَ بالشمر اللّعين وقلنَ:دَعْ

حسيناً فلا تقتله يا شمرُ واذبحنا

فحزَّ وريديه وركَّب رأسه

على الرُّمح مثل الشمس فارقت الدجنا

فنادت بطول الويل زينب اُخته

وقد صبغت من نحره الجيب والرّدنا

:ألا يا رسول الله يا جدَّنا اقتضت

اُميَّة منّا بعدك الحقد والضغنا

سُبينا كما تُسبى الإماء بذلَّةٍ

وطيف بنا عرض البلاد وشُتِّتنا

ستفنى حياتي بالبكاء عليهُم

وحزني لهم باقٍ مدى الدَّهر لا يفنى

ألا لعن الله الَّذي سنَّ ظلمهم

وأخزى الَّذي أملا له وبه استنّا

سأمدحكم يا آل أحمد جاهداً

وأمنح مَن عاداكم السبَّ واللعنا

ومَن منكمُ بالمدح أولى لأنَّكُم

لأكرم من لبّى ومن نحر الُبدنا

بجدِّكمُ أسرى البراق فكان من

إ~له البرايا قاب قوسين أو أدنا

وشخص أبيكم في السَّماء تزوره

ملائك لا تنفكُّ صبحاً ولا وهنا

أبوكم هو الصّديق آمَن واتَّقى

وأعطى وما أكدى وصدّق بالحُسنى

وسمّاه في القرآن ذو العرش جنبه

وعروته والعين والوجه والاُذنا

وشدَّ به أزر النبيَّ محمَّدٍ

وكان له في كلّ نائبةٍ رُكنا(١)

وأفرده بالعلم والبأس والنَّدى

فمن قدره يسمو ومن فعلّه يُكنى

هو البحر يعلو العنبر المحض فوقه

ما الدّر والمرجان من قعره يُجنى

إذا عُدّ أقران الكريهة لم نجد

لحيدرة في القوم كفواً ولا قرنا

يخوض المنايا في الحروب شجاعة

وقد ملأت منه ليوث الشَّرى جبنا

يرى الموت من يلقاه في حومة الوغا

يُناديه من هنّا ويدعوه من هنّا

إذا استعرت نار الوغى وتغشمرت

فوارسها واستخلفوا الضرب والطعنا

____________________

١ - في بعض النسخ:حصنا.

١٥٧

وأهدت إلى الأحداق كحلاً معصفراً

وألقت على الأشداق أردية دكنا

وخلت بها زرق الأسنَّة أنجماً

ومن فوقها ليلاً من النقع قد جنَّا

فحين رأت وجه الوصيِّ تمزقت

كثلّة ظأنٍ أبصرت أسداً شنّا

فتى ّكفّه اليسرى حمامٌ بحربه

كذاك حياة السِّلم في كفِّه اليُمنى

فكم بطلٍ أردى وكم مرهبٍ أودى

وكم مُعدمٍ أغنى وكم سائلٍ أقنى

يجود على العافين عفواً بما له

ولا يتبع المعروف من مَنِّه مَنَّا

ولو فضَّ بين الناس معشار جوده

لما عرفوا في النَّاس بخلاً ولا ضَنّا

وكلُّ جوادٍ جاد بالمال إنَّما

قصاراه أن يستنَّ في الجود ما سنّا

وكلُّ مديح قلتُ أو قال قائلُ

فإنَّ أمير المؤمنين به يُعنى

سيخسر مَن لم يعتصم بولائه

ويَقرع يوم البعث مِن ندمٍ سنّا

لذلك قد واليته مخلص الولا

وكنت على الأحوال عبداً له قِنّا

عليكم سلام الله يا آل أحمد

متى سجعت قمريَّةٌ وعلت غصنا

مودَّتكم أجر النبيِّ محمَّدٍ

علينا فآمنّا بذاك وصدَّقنا

وعهدكم المأخوذ في الذرِّ لم نقل

: لآخذه كلّا ولا كيف أو أنّا

قبلنا وأوفينا به ثمَّ خانكم

اُناسٌ وما خُنّا وحالوا وما حُلنا

طهرتم فطُهِّرنا بفاضل طهركم

وطبتم فمن آثار طيبكمُ طبنا

فما شئتمُ شئنا ومهما كرهتموا

كرهنا وما قلتم رضينا وصدَّقنا

فنحن مواليكم تحنُّ قلوبنا

إليكم إذا إلفٌ إلى إلفه حنّا

نزوركمُ سعياً وقلَّ لحقِّكم

لو أنّا على أحداقنا لكُم زُرنا

ولو بضِّعت أجسادنا في هواكُم

إذن لم نحل عنه بحالٍ ولا زلنا

وآبائنا منهم ورثنا ولاءكم

ونحن إذا متنا نورِّثه الأبنا

وأنتمِ لنا نعم التجارة لم نكن

لنحذر خسراناً عليها ولا غبنا

وما لي لا اُثني عليكم وربِّكم

عليكم بحسن الذكر في كتبه أثنى

وإنَّ أباكم يقسم الخلق في غدٍ

فيُسكن ذا ناراً ويُسكن ذا عدنا

وأنتم لنا غوثٌ وأمنٌ ورحمةٌ

فما منكمُ بُدُّ ولا عنكمُ مغنى

١٥٨

ونعلم أن لو لم ندن بولائكم

لما قُبلت أعمالنا أبداً منّا

وأنَّ إليكم في المعاد إيابنا

إذ نحن من أجداثنا سُرَّعاً قمنا

وأنَّ عليكم بعد ذاك حسابنا

إذا ما وفدنا يوم ذاك وحوسبنا

وأنَّ موازين الخلايق حبّكم(١)

فأسعدهم مَن كان أثقلهم وزنا

وموردنا يوم القيامة حوضكم

فيظما الذي يقصى ويروى الذي يدنى

وأمر صراط الله ثمَّ إليكم

فطوبا لنا إذ نحن عن أمركم جزنا

وما ذنبنا عند النَّواصب ويلهم

سوى أنَّنا قومٌ بما دِنتُم دِنّا

فإن كان هذا ذنبنا فتيقَّنوا

بأنّا عليه لا انثنينا ولا نثنى

ولمّا رفضنا رافضيكم ورهطكم

رفضنا وعودينا وبالرَّفضُ نبّزنا

وإنّا اعتقدنا العدل في الله مذهباً

ولِلَّه نزَّهنا وإيّاه وحَّدنا

وهم شبَّهوا الله العليَّ بخلقه

فقالوا:خُلقنا للمعاصي واُجبرنا

فلو شاء لم نكفر ولو شاء أكفرنا

ولو شاء لم نُؤمن ولو شاء آمنّا

وقالوا:رسول الله ما أختار بعده

إماماً لنا لكن لأنفسنا اخترنا

فقلنا:إذن أنتم إمام إمامكم

بفضل من الرَّحمن تِهتم وما تِهنا

ولكنَّنا اخترنا الذي اختار ربّنا

لنا يوم ( خُمّ ) لا ابتدعنا ولا جرنا

سيجمعنا يوم القيامة ربّنا

فتجزون ما قلتم ونجزى بما قلنا

هدمتم بأيديكم قواعد دينكم

ودينٌ على غير القواعد لا يُبنى

ونحن على نور من الله واضحٍ

فيا ربّ زدنا منك نوراً وثبِّتنا

و ظنُّ ابن حمّاد جميلٌ بربَه

وأحرى به أن لا يخيب له ظنّا

بنى المجد لي شنَّ بن أقصى فحزته

تُراثاً جزى الرَّحمن خيراً أبي شنّا

وحسبي بعد القيس في المجد والدي

ولي حسب عبد القيس مرتبةٌ تبنى

وخالي تميمٌ ثمَّ مجدي بفخره

فنلت بذا مجداً ونلت بذا أمنا

ودونك لا ما للقلائد هذّبت

مديحاً فلم تترك لذي مطعن طعنا

ولا ظلَّ أو أضحى ولا راح واغتدى

تأمَّل لا عينٌ تراه ولا لحنا

____________________

١ - وان موازين القصاص ولاؤكم. كذا في بعض النسخ.

١٥٩

فصاحة شعري مذ بدت لذوي الحجى

تمثَّلت الأشعار عندهمُ لكنا

وخير فنون الشعر ما رقَّ لفظه

وجلّت معانيه فزادت بها حسنا

وللشعر علمٌ إن خلا منه حرفه

فذاك هذاءٌ في الرؤس بلا معنى

إذا ما أديبٌ أنشد الغثَّ خلته

من الكرب والتنغيص قد ادخل السجنا

إذا ما رأوها أحسن الناس منطقاً

وأثبتهم حدثاً وأطيبهم لحنا

تلذّ بها الأسماع حتّى كأنَّها

ألذُّ من أيّام الشبيبة أو أهنى

وفي كلِّ بيت لذّةٌ مستجدَّةٌ

إذا ما انتشاه قيل:يا ليته ثنّى

تقبَّلها ربّي ووفّى ثوابها

وثقَّل ميزاني بخيراتها وزنا

وصلّى على الأطهار من آل أحمد

إ~له السما ما عسعس الليل أوجنّا

وله يمدح أمير المؤمنينعليه‌السلام :

حدّثنا الشيخ الثقه

محمَّدٌ عن صدقه

روايةً متَّسقه

عن أنس عن النبي

رأيته على حِرى

مع عليٍّ ذي النُهى

يقطف قطفاً في الهوى

شيئاً كمثل العنَب

فأكلا منه معا

حتّى إذا ما شبعا

رأيته مرتفعا

فطال منه عجبي

كان طعام الجنَّةِ

أنزله ذو العزَّةِ

هديَّةً للصفوةِ

من الهدايا النّخبِ

أشار بهذه الأبيات إلى ما أخرجه محمِّد بن جرير الطبري باسناده عن أنس قال:إنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ركب يوماً إلى جبل كداء فقال:يا أنس خذ البغلة وانطلق إلى موضع كذا تجد عليّاً جالساً يسبِّح بالحصى فاقرأه منّي السّلام واحمله على البغلة وائت به إليَّ فقال:فلمّا ذهبت وجدت عليّاً كذلك فقلت:إنّ رسول الله يدعوك فلمَّا أتى رسول الله قال له:اجلس فإنَّ هذا موضعٌ جلس فيه سبعون نبيّاً مرسلاً ما جلس فيه من الأنبياء أحدٌ إلّا وأنا خيرٌ منه وقد جلس مع كلِّ نبيٍّ أخٌ له ما جلس من الاُخوة أحدٌ إلّا وأنت خيرُ منه. قال:فرأيت غمامة بيضاء وقد أظلَّتهما فجعلا يأكلان

_١٠_

١٦٠