الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٤

الغدير في الكتاب والسنة والأدب13%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 423

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202048 / تحميل: 8852
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

قالرحمه‌الله : وفي انعقاد قضاء الاعمى تردد ، أظهره أنه لا ينعقد ، لافتقاره الى التمييز بين الخصوم ، وتعذر ذلك مع العمى الا فيما يقل.

أقول : منشؤه : النظر الى قضاء الاصل بالجواز.

والالتفات الى ما ذكره المصنف من الاستدلال ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(١) ، محتجا بعين هذا الدليل.

وأما اشتراط الحرية ، ففيه تردد من حيث العمل بالاصل ، ويؤيده قول الصادقعليه‌السلام : من روى أحاديثنا وعرف أحكامنا فاجعلوه قاضيا(٢) . ولفظة « من » تتناول الحر والعبد ، وهو الاقوى عند المصنف. ومن حيث أن القضاء منصب جليل ومرتبة عالية ، والعبد ليس أهلا لهما ، وهو خيرته في المبسوط(٣) ، ونمنع المقدمة الثانية.

قالرحمه‌الله : اذا وجد اثنان متفاوتان(٤) في الفضيلة مع استكمال الشرائط المعتبرة فيهما ، فان قلد الافضل جاز ، وهل يجوز العدول الى المفضول؟ فيه تردد ، والوجه الجواز ، لان خطأه ينجبر بنظر الامام.

أقول : منشؤه : النظر الى أن تقليد المفضول قبيح عقلا ، فلا يجوز اعتماده. أما المقدمة الاولى ، فلما فيه من تقديم المفضول على الفاضل. وأما الثانية ، فلقولهعليه‌السلام « ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن »(٥) .

والالتفات الى أن القضاء نيابة ، فيتبع اختيار المنوب عنه ، ولان خلل المفضول

__________________

(١) المبسوط ٨ / ١٠١.

(٢) تهذيب الاحكام ٦ / ٣٠٢.

(٣) المبسوط ٨ / ١٠١.

(٤) فى النسختين : متساويان.

(٥) عوالى اللئالى ١ / ٣٨١.

١٤١

ينجبر بنظر الامامعليه‌السلام .

قالرحمه‌الله : المقصد الثاني في مسائل متعلقة بالدعوى ، وهي خمس : الاولى ـ قال الشيخ : لا يسمع الدعوى اذا كانت مجهولة ، مثل أن يدعي ثوبا أو فرسا ، ويقبل الاقرار بالمجهول ويلزم تفسيره ، وفي الاول اشكال.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الدعوى لها جواب ، فربما كان بنعم فلا يمكن الحاكم أن يقتضي به عليه ، لانه مجهول ، وليس كذلك الاقرار بالمجهول.

أما أولا ، فلان الدعوى حق المدعي ، والاقرار حق على المقر ، وما كان عليه فهو أغلظ مما كان حقا له ، فلهذا سمعنا المجهول في الثاني ولم يسمع الا المعلوم في الاول ،

وأما ثانيا ، فلانا لو لم نقبل الاقرار المجهول لامكن أن يرجع عن اقراره فلهذا سمعنا مجهوله كما يسمع معلومه ، وليس كذلك الدعوى ، لانا اذا لم نسمعها أمكن أن يدعى دعوى معلومة ، ولان هناك داع بدعوة الى دعواه فافترقا ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(١) ، محتجا بعين هذا الدليل وأتبعه المتأخر محتجا به أيضا ، وهو قوي.

والالتفات الى أن الدعوى المجهولة دعوى جازمة ، فلا يسقط ، ولان الدعوى المجهولة يصدق على صاحبها أنه مدع وعلى المنسوبة إليه أنه مدعى عليه ، فيكون مسموعة ، عملا بقولهعليه‌السلام « البينة على المدعي واليمين على من أنكر »(٢) .

__________________

(١) المبسوط ٨ / ١٥٦.

(٢) عوالى اللئالى ١ / ٢٤٤ و ٤٥٣ و ٢ / ٢٥٨ و ٣٤٥.

أقول : هنا بياض بقدر ثلاث صفحات فى نسخة « م » وبقدر صفحتين فى نسخة « س » وقال فى هامش نسخة « س » : هكذا وجد بياضا من قوله « من أنكر » الى قوله « اد الامانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك » فى نسخة بخط الشيخ أحمد بن فهد رحمه‌الله .

١٤٢

أد الامانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك ، ثم أجاز أخذ الوديعة يحق له بعد ترك الخبر ، وهو خيرة الشيخ في الخلاف(١) ، محتجا بعين هذا الدليل.

والالتفات الى عموم الاخبار الدالة على جواز الاقتصاص من غير فرق بين الوديعة وغيرها ، وهو ظاهر كلام الشيخ في المبسوط(٢) ، واختاره المتأخر.

قالرحمه‌الله في المقصد الاول ، في الاختلاف في دعوى الاملاك ـ الى قوله : وفي الثاني يقضي بها للخارج دون المتشبث ، ان شهدتا لهما بالملك المطلق ، وفيه قول آخر ذكره في الخلاف بعيد.

أقول : أشار بذلك الى ما ذكره الشيخ في الخلاف من أن البينة بينة المتشبث فيقضى له بها دون الخارج ، واستدلاله بخبر جابر أن رجلين اختصما الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في دابة أو بعير ، فأقام كل واحد منهما البينة أنها له نتجها فقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للذي هي في يده.

وفي معناه خبر غياث بن ابراهيم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن عليعليه‌السلام ، الا أنه زادعليه‌السلام بأن قال : لو لم تكن في يده جعلها بينهما نصفين(٣) .

غير مفيد لمدعاه ، فان الخبر يرد الآن على أن البينة بينة ذي اليد اذا شهدتا لهما بالسبب لا مطلقا فاعرفه ، على أن الشيخرحمه‌الله قال في هذه المسألة أيضا بعد أن نقل عن أبي حنيفة وأصحابه : ان التداعي ان كان ملكا مطلقا لا يتكرر سببه سمعنا بينة الداخل ، وهو الذي يقتضيه مذهبنا ، وقد ذكرناه في النهاية والمبسوط وفي كتابي الاخبار(٤) . وظاهر هذا الرجوع عما صدره في أول المسألة.

قالرحمه‌الله : الخامسة ـ لو ادعى دارا في يد انسان وأقام بينة أنها كانت

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٦٤٦.

(٢) المبسوط ٨ / ٣١١.

(٣) الخلاف ٢ / ٦٣٦ ، مسألة ٢ من كتاب الدعاوى.

(٤) الخلاف ٢ / ٦٣٥.

١٤٣

في يده أمس أو منذ شهر ، قيل : لا يسمع هذه البينة. وكذا لو شهدت له بالملك أمس ، لان ظاهر اليد الآن الملك ، فلا يدفع ، بالمحتمل ، وفيه اشكال ولعل الاقرب القبول.

أقول : القائل هو الشيخرحمه‌الله في الخلاف ، محتجا بأن المدعي يدعي الملك في الحال والبينة يشهد له بالامس فقد شهدت له بغير ما يدعيه فلم يقبل. ثم قال : فان قالوا : انها شهدت له بالملك أمس ، والملك مستدام الى أن يعلم زواله قلنا : لا نسلم أن الملك يثبت بها حتى يكون مستداما ، على أن زوال الاول موجود فلا يزال الثابت بأمر محتمل(١) . وهو أحد قولي الشافعي.

واعلم أن هذا البحث يبنى على مسألة يجب تحقيقها وبها يتضح وجه الاشكال وهي أن الشهادة بقديم الملك هل هي أولى من الشهادة لحديثه أم لا؟.

فنقول : اختلف قول(٢) الشيخرحمه‌الله في هذه المسألة ، فذهب في الخلاف(٣) الى أن الملك المتنازع فيه ان كان في يد من شهدت له البينة بقديم الملك قضي له به ، لان معه حجتين : بينة قديمة ويد. وان كان في يد من شهدت بحديث الملك فصاحب اليد أولى ، وهو مذهب أبي حنيفة.

وذهب في المبسوط الى أن الشهادة بقديم الملك أولى مطلقا ، سواء حصل معها يد أو لم يحصل ، قال : وهو الذي يدل عليه أخبارنا ، لان البينة أقوى من اليد ، وكذلك ما رجح بالبينة أقوى مما رجح باليد ، ولان صاحب اليد مدعى عليه والمدعي من له البينة بقديم الملك ، فكان أولى للخبر(٤) .

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٦٣٩.

(٢) فى « م » : قولا.

(٣) الخلاف ٢ / ٦٤١.

(٤) المبسوط ٨ / ٢٨٠.

١٤٤

وما ذكره في المبسوط أقوى ، فعلى هذا يسمع البينة في المسألة التي ذكرها المصنف ، لان البينة يشهد له بقديم الملك وبينة الاخرى بحديثه.

قالرحمه‌الله في المقصد الثاني ، في الاختلاف في العقود : اذا اتفقا على استئجار دار معينة شهرا معينا واختلفا في الاجرة ، وأقام كل واحد منهما بينة بما قدره ، فان تقدم تاريخ أحدهما عمل به ، لان الثاني يكون باطلا. وان كان التاريخ واحدا ، تحقق التعارض ، اذ لا يمكن في الوقت الواحد وقوع عقدين متنافيين وحينئذ يقرع بينهما ويحكم لمن خرج اسمه مع يمينه ، هذا اختيار شيخنا في المبسوط.

وقال آخر : يقضى بينة المؤخر ، لان القول قول المستأجر لو لم يكن بينة اذ هو يخالف على ما في ذمة المستأجر ، فيكون القول قوله. ومن كان القول قوله مع عدم البينة كانت البينة في طرف المدعي ، وحينئذ نقول : هو مدع زيادة وقد أقام البينة بها ، فيجب أن يثبت ، وفي القولين تردد.

أقول : القول الاول للشيخرحمه‌الله في المبسوط(١) ، كما ذكره المصنف. والقول الثاني لبعض الجمهور ، وحكاه الشيخ في المبسوط.

وتردد المصنف في القولين معا ، ومنشأ تردده : النظر الى أن قول الشيخ ضعيف ، فلا يعتمد عليه. أما أولا ، فلان الشيخ حكم بالقرعة مع تحقق التعارض ولم يعتبر أسباب الترجيح من أرجحية العدالة وأكثرية العدد. وأما ثانيا ، فلان القرعة وردت على خلاف مقتضى الاصل ، فيقتصر بها على موردها.

والقول الثاني الذي حكاه الشيخرحمه‌الله عن بعض الجمهور ضعيف أيضا. أما أولا ، فلان كل واحد منها مدع ، فتخصيص أحدهما بسماع بينته دون الاخر ترجيح من غير مرجح ، وهو باطل. وأما ثانيا ، فلان القضاء ببينة الموجر انما

__________________

(١) المبسوط ٨ / ٢٨١.

١٤٥

يسوغ اذا لم يتحقق التعارض بين الشيئين ، لكن التعارض هنا متحقق ، فيبطل القول بتقديم بينة المؤخر.

أما تحقق التعارض ، فلانه اذا كان التاريخ واحدا ، استحال وقوع عقدين متغايرين. وان كان العقد الذي ادعاه الموجر أقدم من تاريخ العقد الذي ادعاه المستأجر ، كان الاول صحيحا والثاني باطلا ، اذ الاجارة عقد لازم ، فمع تحققه يمتنع فسخه. وان كان تاريخ عقد المستأجر هو الاقدم كان صحيحا ، وكان عقد الموجر باطلا ، ولا اشكال في القسمين الآخرين ، اذ لا نزاع فيهما ولا تعارض. وانما النزاع في القسم الاول ، وقد بينا تحقق التعارض فيه.

وأما أن القضاء ببينة الموجر مشروط بعدم تحقق التعارض بين البينتين فلوجهين : الاول اتفاق الفقهاء على أن مع التعارض يجب الترجيح ، ومع انتفائه يحكم بالقرعة وأن الحكم بتقديم بينة الموجر مستلزم للمحال فيكون محالا. أما المقدمة الاولى فلاستلزامه الترجيح من غير مرجح ، ولا شك في استحالته. وأما المقدمة الثانية فظاهرة.

واذ قد بان ضعف هذين القولين وجب اطراحهما والرجوع الى غيرهما ، ومما ذاك(١) الاجود أنه الحكم بالقرعة مع انتفاء أسباب الترجيح ، وبعض القائلين بالتعارض حكم بالتهاتر مع تساوي البينتين ، وحينئذ الاليق به القول بالتحالف فيبطل عقد الاجارة وتجب أجرة المثل مع انقضاء المدة أو بعضها.

ومنهم من قال يوقف ، ومنهم من قال يقسم ، والوقف غير ممكن ، اذ فيه تفويت المنافع ، والقسمة غير ممكنة أما أولا ، فلان القعد لا ينقسم. وأما ثانيا ، فلان الزيادة يدعيها أحدهما وينفيها الاخر ولا يثبتها لنفسه ، فلم يبق الا القرعة ، وهو مذهب الغزالي. وانما طولنا الكلام فيهما لانها مهمة.

__________________

(١) كذا في النسختين مع علامة الاستفهام فيهما.

١٤٦

قالرحمه‌الله : ولو ادعى كل منهما أنه اشترى دارا معينة وأقبض الثمن ـ الى قوله : ولو نكلا عن اليمين قسمت بينهما ، ويرجع كل منهما بنصف الثمن وهل لهما أن يفسخا؟ الاقرب نعم ، لتبعض المبيع قبل قبضه. ولو فسخ أحدهما كان للآخر أخذ الجميع لعدم المزاحم وفي لزوم ذلك تردد ، أقربه اللزوم.

أقول : منشؤه : النظر الى أن المقتضي اللزوم موجود ، والمعارض لا يصلح للمعارضة ، فيجب القول باللزوم. أما المقتضي ، فهو وجود عقد البيع الصادر عن أهله ، ولا شك في الحكم بثبوته هنا.

وأما انتفاء المعارض ، فلان المعارض المذكور ليس الا تبعض الصفقة المقتضي للفسخ لدفع ضرر الشركة ، وهو منتف هنا ، اذ التقدير أن أحدهما قد فسخ ، فانتفى التبعيض فينتفي معلوله ، وهو خيار الفسخ ، ولعله الاقوى.

واعلم أن الشيخرحمه‌الله فصل تفصيلا ، وهو أن الفسخ ان وقع من أحدهما قبل أن يختار الاخر امساك النصف ، توفر الكل عليه ، اذ لا مزاحم حينئذ. وان وقع بعد الاختيار لم يكن له أخذ النصف الاخر ، لان الحاكم قد قضى له بالنصف الذي أمسكه دون الاخر ، فعوده يحتاج الى دليل.

والالتفات الى أن الخيار ثبت له أولا قبل فسخ المشتري الاخر فكذا بعده ، عملا بالاستصحاب ، ولانه لو توقف ثبوت الفسخ لاحدهما على ثبوته للآخر ، فان انعكس دار ، والا لزم الترجيح من غير مرجح ، وهو ظاهر كلام الشيخ وصاحب الوجيز.

وهذان الدليلان ضعيفان ، أما الاول فلان خيار ثبت لمعنى ، وقد انتفى فينتفي بانتفائه ، عملا بالعلية. وأما الثاني فلجواز التلازم كالمضافين والعلة والمعلول المتساوي.

قالرحمه‌الله في كتاب الشهادات : الثانية ـ لا تقبل شهادة القاذف ، ولو تاب

١٤٧

قبلت. وحد التوبة أن يكذب نفسه وان كان صادقا ويوري باطنا ، وقيل : يكذبها ان كان كاذبا ، ويخطئها في الملأ ان كان صادقا ، والاول مروي.

وفي اشتراط اصلاح العمل زيادة عن التوبة تردد ، والاقرب الاكتفاء بالاستمرار لان بقاءه على التوبة اصلاح ولو ساعة.

أقول : لا خلاف في وجوب القبول مع التوبة ، وانما نشأ الخلاف في حدها فذهب الشيخرحمه‌الله في المبسوط(١) والخلاف(٢) الى الاول ، وبه روايات عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو اختيار الاصطخري ، وذهب المتأخر الى الثاني.

وقواه الشيخرحمه‌الله في الكتابين أخيرا ، قال : لانه اذا أكذب نفسه ربما كان صادقا في الاول فيما بينه وبين الله تعالى ، فيكون هذا الا كذاب كذبا ، وذلك قبيح ، وهذا مذهب أبي اسحاق المروزي.

واعلم أن المتأخر أورد مع ضد القول في كتابه ، فتوهم صاحب كشف الرموز أنه قال من عنده. وأما اصلاح العمل ، وهو أن يعمل طاعة بعد التوبة ، ففي اعتباره خلاف ، فذهب الشيخرحمه‌الله في المبسوط والخلاف الى اعتباره ، نظرا الى قوله تعالى «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا »(٣) فاعتبر تعالى التوبة وصلاح العمل.

وذهب الشافعي في أحد قوليه الى أنه غير معتبر ، التفاتا الى أن البقاء على التوبة ولو ساعة طاعة واصلاح ، فلا يعتبر في غير ذلك ، لاصالة البراءة ، والمصنف تردد فيه ، ومنشأ تردده من النظر الى الوجهين.

__________________

(١) المبسوط ٨ / ١٧٦.

(٢) الخلاف ٢ / ٦١٠ ـ ٦١١.

(٣) سورة البقرة : ١٦٠.

١٤٨

تذنيب :

القائلون باشتراط الاصلاح اختلفوا ، فذهب الشافعي في أحد قوليه الى أنه معتبر سنة ، واختاره الشيخ في المبسوط(١) ، وذهب في الخلاف(٢) الى أن ذلك غير معتبر ، بل الطاعة الواحدة كافية في قبول الشهادة ، وهو ظاهر كلام المتأخر.

قالرحمه‌الله : لبس الحرير للرجال في غير الحرب اختيارا محرم ، ترد به الشهادة ، وفي المتكأ عليه والافتراش له تردد ، والجواز مروي.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم النهي عن استعمال الحرير ، ولان العلة المقتضية لتحريم لبسه موجودة في التكأة عليه والافتراش له ، فيثبت التحريم عملا بالمقتضي.

والالتفات الى أصالة الجواز ، ترك العمل بها في تحريم الملبوس ، للنص والاجماع ، فيبقى معمولا بها فيما عداه ، ولان الجواز مروي عن أهل البيتعليهم‌السلام .

قالرحمه‌الله : قيل : لا تقبل شهادة المملوك أصلا ـ الى قوله : أما المكاتب المطلق اذا أدى من مكاتبته شيئا ، قال في النهاية : تقبل على مولاه بقدر ما تحرر منه ، وفيه تردد ، أقربه المنع.

أقول : منشؤه : النظر الى أن المكاتب المطلق عبد ، فلا تقبل شهادته على مولاه ، عملا بظاهر الاخبار الدالة على المنع من ذلك ، وهو ظاهر كلام المتأخر.

والالتفات الى أن الحرية التي فيه تقتضي ثبوت المزية له على غيره من العبيد وليس الا قبول شهادته على مولاه بقدر ما تحرر منه ، وهو اختيار الشيخ في النهاية(٣) ، وهذا الدليل اقناعي.

__________________

(١) المبسوط ٨ / ١٧٧.

(٢) الخلاف ٢ / ٦١١.

(٣) النهاية ص ٣٣١.

١٤٩

قالرحمه‌الله : التبرع بالشهادة قبل السؤال يطرق التهمة ، فيمنع القبول. أما في حقوق الله ، أو الشهادة للمصالح العامة فلا يمنع ، اذ لا مدعي لها ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن التهمة المانعة من قبول الشهادة موجودة في الصورتين ، فيمنع القبول عملا بالعلية ، وهو خيرة الشيخ في النهاية(١) ، حكاه عنه صاحب كشف الرموز.

والالتفات الى أن حقوق الله تعالى لا مدعي لها ، فيجوز التبرع بالشهادة فيها قبل السؤال ، لانتفاء التهمة هنا ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(٢) ، على ما حكاه كشف الرموز ، وهو حسن حذرا من سقوط حدود الله الا نادرا.

قالرحمه‌الله في الطرف الثاني فيما يصير به الشاهد شاهدا : وما يكفي فيه السماع ، فالنسب والموت والملك المطلق ، لتعذر الوقوف عليه مشاهدة في الاغلب ويتحقق كل واحد من هذه بتوالي الاخبار من جماعة ، لا بضمهم قيد المواعدة ، أو يستفيض ذلك حتى يتآخم العلم ، وفي هذا عندي تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم النهي عن اتباع الظن ، ولا شك ان الاستفاضة ظن ، فيكون منهيا عن اتباعها ، وهو يقتضي عدم الاجتزاء بها.

لا يقال : ينتقض ذلك ، فان طرق أكثر أحكام الشريعة ظنية.

لانا نقول : الواجب العمل بالعموم حتى يظهر دليل الخصوص ، ولم يوجد هنا دليل دال على وجوب اتباع هذا النوع من الظن بخلاف ما ذكرتموه.

والالتفات الى أنه قول أكثر علمائنا فيكون راجحا ، فيجب اتباعه. أما الاولى فلان الكثرة أمارة الرجحان. وأما الثانية ، فلقضاء العقل بوجوب اتباع الراجح

__________________

(١) النهاية ص ٣٣٠.

(٢) المبسوط ٨ / ١٨٦.

١٥٠

وبقولهعليه‌السلام « دع ما يريبك الى ما لا يريبك »(١) ولان الاقتصار على ما ذكره المصنف مشقة عظيمة وحرجا ظاهرا ، فيكون منفيا عملا بالآية والرواية ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(٢) .

قالرحمه‌الله : أما شهادته على المقبوض فماضية قطعا.

أقول : أشار بذلك الى ما ذكره الشيخرحمه‌الله في المبسوط(٣) من القطع بجواز شهادته ، وذلك في صورتين :

الاولى : اذا كانت يده في يد رجل وهو بصير ، فعمي ويده في يده وهو عارف باسمه ونسبه ، صح أن يحتمل الشهادة عليه وهو أعمى.

الثانية : شهادة المضبوط ، وهو أن يمسك برأس رجل ويقرب فاه الى أذنه فيقر بحق ، فلا يفارقه حتى يأتي به الحاكم ، فيقول : هذا أقر لفلان بكذا وكذا.

قالرحمه‌الله في الطرف الثالث في أقسام الحقوق : وأما حقوق الادمي فثلاثة الى قوله : وفي العتق والنكاح والقصاص تردد ، أظهره ثبوته بالشاهد والمرأتين.

أقول : قد سبق ما يضاهي هذا البحث في الحكم بالشاهد واليمين مستوفى ، فلا وجه لاعادته.

قالرحمه‌الله في الطرف الرابع في الشهادة على الشهادة : وللتحمل مراتب الى قوله : ويليه أن يسمعه يقول : أنا أشهد لفلان بن فلان على فلان بن فلان بكذا ويذكر السبب ، مثل أن يقول : من ثمن ثوب أو عقار ، اذ هي صورة جزم ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى قبول الشهادة على الشهادة على خلاف مقتضى

__________________

(١) عوالى اللئالى ١ / ٣٩٤ و ٣ / ٣٣٠.

(٢) المبسوط ٨ / ١٨٠.

(٣) المبسوط ٨ / ١٨٤.

١٥١

الاصالة ، ترك العمل بها في الصورتين : صورة الاسترعاء ، وصورة سماعه ، يشهد بذلك عند الحاكم ، للاجماع فيبقى معمولا بهما فيما عداهما.

والالتفات الى أن الاصل قاص بجوازه ، ولان العلة المقتضية لقبول الشهادة على الشهادة ـ وهي تعذر اثبات الحقوق لو لا شرع ذلك ـ موجودة هنا ، ولان حضور شاهد الاصل عند الحاكم لاداء الشهادة مما يقل غالبا ، فلو كان القبول مشروطا به لزم الحرج والمشقة المنفيين بالآية والرواية. وكذا لو كان مشروطا بالاسترعاء ، لانه مما يقل أيضا الا نادرا ، فمست الحاجة الى شرع مرتبة ثالثة للتحمل ، وليست الا هذه ، اذ هي صورة جزم بثبوت الحق للمشهود عليه ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(١) .

واعلم أن المتأخر ذكر أن مراتب التحمل هي هذه الثلاث في كتابه كما ذكر الشيخ في المبسوط ، الا أنه قال بعد ذلك : وهذا جميعه أورده شيخنا في مبسوطه وأوردناه على ما أورده ، ولم يرد في أخبارنا من هذا شي‌ء. وهذا الكلام يدل على تردده فيه.

قالرحمه‌الله : أما لو لم يذكر سبب الحق ، بل اقتصر على قوله : أنا أشهد لفلان على فلان بكذا لم يصر متحملا ، لاعتياد التسامح بمثله ، وفي الفرق بين هذه وبين ذكر السبب اشكال.

أقول : اعلم أن الشيخرحمه‌الله فرق في المبسوط(٢) بين هاتين المسألتين ، بأن قوله في هذه الصورة أشهد بذلك ينقسم الى الشهادة بالحق ، ويحمل العلم به على وجه لا يشهد به ، وهو أن يسمع الناس يقولون لفلان على فلان كذا وكذا واذا احتمل ذلك وقف التحمل بهذا الاحتمال ، وليست كذلك الصورة الاولى ، لانتفاء هذا الاحتمال بذكر السبب ، وعروة الحق إليه.

__________________

(١) المبسوط ٨ / ٢٣١.

(٢) المبسوط ٨ / ٢٣٢.

١٥٢

والمنصف استشكل الفرق ، ومنشؤه تساويهما في الجزم بثبوت الحق ، بقبول أحدهما والغاء الاخرى تخصيص من غير مرجح ، وهو باطل.

قالرحمه‌الله : وتقبل شهادة النساء على الشهادة فيما تقبل فيه منفردات ، كالعيوب الباطنة والاستهلال والوصية ، وفيه تردد ، أشبهه المنع.

أقول : منشؤه : النظر الى الاصل الدال على الجواز ، ولان قبول شهادتهن في هذه الاشياء أصلا يستلزم أولوية قبولها فرعا ، اذ هي أضعف ، لاستنادها الى شهادة الاصل ، وهو مذهب أبي حنيفة ، الا أنه قبل شهادتهن على الشهادة فيما لهن فيه مدخل أيضا ، وان لم تثبت بهن منفردات ، كالاموال والديون.

ونحن قصرنا الجواز على ما تقبل فيه شهادتهن منفردات ، عملا بالمتفق عليه والشيخ قصر الجواز في الخلاف(١) على شهادتهن على الشهادة في الاملاك والديون والعقود ، محتجا باجماع الفرقة وأخبارهم.

والالتفات الى أن تجويز ذلك حكم شرعي ، فيقف على الدلالة الشرعية وحيث لا دلالة فلا حكم ، وهو اختيار المتأخر.

وقال الشيخرحمه‌الله في المبسوط : الاول قوي لكن الثاني أحوط(٢) .

واعلم أن في كلام الشيخ في هذه المسألة في النافع اجمالا ومقصوده ما ذكرناه.

قالرحمه‌الله في القسم الثاني في الطوارئ : لو شهدا ثم فسقا قبل الحكم حكم بهما ـ الى قوله : وفي الحكم بحد القذف والقصاص تردد ، أشبهه الحكم لتعلق حق الا دمي به.

أقول : منشؤه النظر الى أن حدوث الفسق قبل الحكم شبهة ، فيسقط القذف

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٦٣٠.

(٢) المبسوط ٨ / ٢٣٣.

١٥٣

والقصاص بهما ، عملا بظاهر قولهعليه‌السلام « ادرءوا الحدود بالشبهات »(١) وهو قوى وحكاه الشيخ عن بعض الفقهاء ، قالوا : لانه كحد الربا.

والالتفات الى أن فيها حقا لآدميّ فيحكم بهما ، وإلا لزم الاضرار به ، وتضييع حقه بعد ثبوته شرعا ، ولانهما كالمال ، وهو اختيار الشيخ محتجا بالدليل الاخر.

قالرحمه‌الله : لو رجعا عن الشهادة قبل الحكم لم يحكم ـ الى قوله : ولو رجعا بعد الحكم وقبل الاستيفاء ، فان كان حدا لله نقض الحكم ، لتحقق الشبهة الموجبة للسقوط. وكذا لو كان الادمي كحد القذف ، أو مشتركا كحد السرقة ، وفي نقض الحكم لما عدا ذلك تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن المحكوم به مقطوع بصحته شرعا ، ورجوعهما يحتمل الصدق والكذب ، فلو نقض به ما قد قطع عليه ترك العمل بهذا الدليل في بعض الصور لوجود دليل أقوى ، فيبقى معمولا به فيما عداه ، وهو ظاهر كلام الشيخ في كتابي الفروع وأتبعهما المتأخر.

والالتفات الى ان الرواية المتضمنة رد الزوجة المشهود بطلاقها على زوجها الاول مع رجوع الشهود عن ذلك يستلزم نقض الحكم في غير الصور الثلاث مع الرجوع قبل الاستيفاء ، وهو ظاهر كلام الشيخ في النهاية(٢) (٣) .

[ قالرحمه‌الله : اذا قتل المرتد مسلما عمدا ، فللولي قتله قودا ويسقط قتل الردة. ولو عفا الولي قتل بالردة. ولو قتل ](٤) خطا كانت الدية في ماله مخففة

__________________

(١) عوالى اللئالى ١ / ٢٣٦ و ٢ / ٣٤٩ و ٣ / ٥٤٥.

(٢) النهاية ص ٣٣٦.

(٣) أقول : هنا بياض فى النسختين ، وقال فى هامش « س » : هكذا وجد هذا البياض الّذي هو من « النهاية » الى « الخطأ » فى نسخة بخط الشيخ أحمد بن فهدرحمه‌الله .

(٤) ما بين المعقوفتين أثبته من الشرائع المطبوع.

١٥٤

مؤجلة ، لانه لا عاقلة له على تردد. ولو قتل أو مات حلت ، كما تحل الاموال المؤجلة

أقول : منشؤه : النظر الى أن المرتد كافر ، فلا تحمل العاقلة عنه شيئا من الدية كغيره.

والالتفات الى أنه متحرم يحرمه الاسلام ، فيعقل عنه ورثته المسلمون لان ميراثه لهم ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(١) .

قالرحمه‌الله تعالى : اذا مات المرتد ، فقتله من يعتقد بقاءه على الردة ، قال الشيخ : يثبت القود ، لتحقق قتل المسلم ظلما ، ولان الظاهر أنه لا يطلق الارتداد الا بعد توبته ، وفي القصاص تردد ، لعدم القصد الى قتل المسلم.

أقول : منشؤه : النظر الى ظاهر الآيات الدالة على ثبوت القود مع حصول القتل العمد العدوان ، ولان الظاهر من حال المرتد اذا أطلق أنه أطلق بعد توبة واسلام وهو خيرة الشيخ في المبسوط(٢) ، محتجا بهذين الدليلين.

والالتفات الى أن اعتقاد البقاء على الردة شبهة مبيحة للقتل ، فيسقط القصاص معها ، عملا بظاهر قولهعليه‌السلام « ادرءوا الحدود بالشبهات »(٣) .

ولا شك أن القصاص حد. أما أولا فللاستعمال. وأما ثانيا فلان الحد هو المنع وهذا المعنى متحقق في القصاص ، فيدخل تحته عملا(٤) بالاشتقاق ، ولانه لم يقصد قتل المسلم ، وهو خيرة المصنفرحمه‌الله ومذهب بعض الفقهاء.

__________________

(١) المبسوط ٨ / ٧٢.

(٢) المبسوط ٨ / ٧٢.

(٣) عوالى اللئالى ١ / ٢٣٦ و ٢ / ٣٤٩ و ٣ / ٥٤٥.

(٤) فى « م » : عموما.

١٥٥

فرع :

قال الشيخ في المبسوط : وكذا البحث لو قتل من يعتقد بقاءه على العبودية فبان حرا أو رأى ذميا فقتله يعتقد أنه على الكفر ، فبان مسلما(١) .

فرع آخر :

ان قلنا بثبوت القود ، فالولي بالخياران شاء قتل وان شاء أخذ الدية. وان قلنا بالعدم ، فالدية عليه مغلطة حالة في ماله ، لانه قتل عمدا ، وانما أسقطنا القود للشبهة.

قالرحمه‌الله في الباب الثالث في الدفاع : من به سلعة اذا أمر بقطعها فمات فلا دية له على القاطع ، ولو كان مولى عليه ، فالدية على القاطع ان كان وليا ، كالاب والجد للاب. وان كان أجنبيا ، ففي القود تردد ، والاشبه الدية في ماله لا القود لانه لم يقصد القتل.

أقول : منشؤه : النظر الى أن قطع السلعة(٢) مما يقتل غالبا ، فيكون القصد الى قطعها قصدا الى القتل وان لم يقصده ، فيجب به القود. وانما أسقطناه عن الأب والجد له ، لانهما لا يقادان به.

والالتفات الى أن القاطع لم يقصد الفعل ، فلا يقاد به ، بل يجب عليه دية العمد ، عملا بأصالة براءة الذمة وحقن الدماء ، الا مع وجود الاسباب المبيحة لها.

قالرحمه‌الله في كتاب القصاص : أما لو حبس نفسه يسيرا لا يقتل مثله غالبا ثم أرسله فمات ، ففي القصاص تردد ، والاشبه القصاص ان قصد القتل ، والدية ان لم يقصد أو اشتبه القصد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن شرط جواز القصاص يحقق القتل العمد ،

__________________

(١) المبسوط ٨ / ٧٢.

(٢) السلعة : عقدة تكون فى الرأس أو البدن.

١٥٦

وهو غير موجود هنا ، للشك في كون العمل حاصلا بهذا النوع من القتل.

والالتفات الى أنه فعل فعلا حصل به الموت ، فيثبت به القصاص. أما الصغرى ففرضية. وأما الكبرى ، فللرواية الدالة على ذلك ، وهي رواية علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لو أن رجلا ضرب رجلا بخزفة أو آجرة أو بعود فمات كان عمدا(١) . ولما كان هذا القول ضعيفا لا جرم كان القول الاول أجود.

وأعلم أن هذا البحث انما يتمشى مع جهل قصد الفاعل ، أو العلم بأنه لم يقصد القتل. أما لو علم منه قصد القتل بهذا الفعل ، فالاصح ثبوت القصاص ، وان كان ظاهر كلام الشيخ في المبسوط(٢) يأباه.

قالرحمه‌الله : ولو جعل السم في طعام صاحب المنزل ، فوجده صاحبه فأكله فمات ، قال في الخلاف والمبسوط : عليه القود ، وفيه اشكال.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ في الخلاف(٣) ، وأفتى فيها بتحتم القود على الجاعل ، وقواه في المبسوط(٤) لا غير ، محتجا بأنه كالقاتل وبأنه عرضه لاكل الطعام وألجأه إليه بالإباحة لاكله ولم يعلمه ، ألا ترى لو علم أن فيه السم لم يختر شربه ولا أكله.

وهذان الدليلان ذكرهمارحمه‌الله في مسألة من جعل السم في طعام نفسه وقدمه الى الغير ولم يعلم أنه مسموم ، ثم قال في مسألتنا : هذه دليلنا ما قلناه في المسألة الاولى سواء.

والمصنفرحمه‌الله استشكل القول بايجاب القود ، ومنشؤه : النظر الى أن

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١٠ / ١٥٦ ، ح ٥.

(٢) المبسوط ٧ / ١٧.

(٣) الخلاف ٢ / ٣٥٣ مسألة ٣١ من كتاب الجنايات

(٤) المبسوط ٧ / ٤٥.

١٥٧

الا كل مستقل باتلاف نفسه بمباشرة الا كل العاري عن اذن الجاعل ، فيسقط القود عن الجاعل ، لانه كالسبب. ولا خلاف في سقوط الضمان عن ذي السبب مع مجامعته المباشر ، وهو أحد قولي الشافعي.

والالتفات الى الدليل الذي ذكره الشيخرحمه‌الله . وفيه نظر ، لاقتران السبب في المسألة الاولى بالالجاء ، وتجرده عنه في الثانية.

فرع :

ظاهر كلام الشيخ المصنفرحمه‌الله يقتضي سقوط الدية أيضا ، وهو مذهب الشافعي ، ومنهم من أوجب الدية ، وهو قول الشافعي أيضا ، وايجاب القود عندي الاقوى.

قالرحمه‌الله : الثاني ـ لو قال : اقتل نفسك ، فان كان مميزا فلا شي‌ء على الملزم ، وإلا فعلى الملزم القود ، وفي تحقق اكراه العاقل هنا اشكال.

أقول : منشؤه : النظر الى أن حقيقة الاكراه الاجبار على الشي‌ء والالجاء إليه ولا شك في تحقق هذا المعنى في العاقل مع الزامه قتل نفسه.

والالتفات الى أن الاكراه على الفعل انما يتحقق اذا كان الاتيان بالفعل المكره عليه مسقطا للضرر الحاصل من جهة المكره ، بتقدير عدم ايقاع الفعل المكره عليه ، ولا شك في انتفاء هذا هنا ، لان قتل هذا المكره لا بدّ منه ، أما في صورة قتل نفسه فظاهر ، وأما في صورة عدم قتله نفسه ، فلان التقدير أن المكره يقتله ثم ان لم يقتل نفسه ، فالقتل حاصل على التقديرين ، فلا اكراه حينئذ ، وفائدة هذا البحث قليلة جدا.

قالرحمه‌الله : لو قطع يده من الكوع وآخر ذراعه ، فهلك قتلا به ، لان سراية الاول لم تنقطع بالثاني ، لشياع ألمه قبل الثانية. وليس كذا لو قطع يده

١٥٨

وقتله الاخر ، لان السراية انقطعت بالتعجيل ، وفي الاول اشكال.

أقول : ينشأ : من النظر الى أن الثاني قطع سراية الاول ، بدلالة أنه لا يتجدد معه الالم بعد قطع الثاني ، فيكون الاول قاطعا والثاني قاتلا ، فيقطع الاول ولا يقتل ويقتل الثاني ، وهو مذهب أبي حنيفة ، ولعله قوي.

والالتفات الى أن الهلاك حصل وألم القطعين باق ، فليس استناد القتل الى أحدهما أولى من الاخر ، فاما أن لا يستند الى واحد منهما ، أو الى واحد معين أو غير معين أو إليهما ، والاقسام الثلاثة باطلة ، فتعين الرابع.

أما بطلان الاول فبالاجماع ، لاستلزامه اهدار دم المرء المسلم.

وأما الثاني ، فلانه ترجيح من غير مرجح ، وهو محال.

وأما الثالث ، فهو باطل ، وبتقدير صحته فالمقصود حاصل. أما أنه باطل ، فلان ما ليس بمعين معدوم ، والمعدوم يستحيل أن يكون مؤثرا. وأما حصول المقصود على تقدير صحته ، فلاستلزامها وجوب القود على القاتل والقاطع معا ، وهر المطلوب ، فتعين الرابع وهو مذهب الشيخ في الخلاف(١) ، محتجا بعين هذا الدليل ، وبه قال الشافعي.

قالرحمه‌الله : الرابعة ـ اذا اشترك حر وعبد في قتل حر عمدا ، قال في النهاية : للاولياء أن يقتلوهما ويؤدوا الى سيد العبد ثمنه ، أو يقتلوا الحر ويؤدي سيد العبد الى ورثة المقتول خمسة آلاف درهم ، أو يسلم العبد إليهم ، أو يقتلوا العبد ، وليس لمولاه على الحر سبيل ، والاشبه أن مع قتلهما يؤدون الى الحر نصف ديته ، ولا يرد على مولى العبد شي‌ء ما لم تكن قيمته أزيد من نصف دية الحر ، فيرد عليه الزائد.

وان قتلوا العبد وكانت قيمته زائدة عن نصف دية المقتول ، أدى الى مولاه

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٣٦١.

١٥٩

الزائد ، فان استوعب الدية والا كان تمام الدية لاولياء الاول ، وفي هذه اختلاف للاصحاب ، وما ذكرناه أنسب بالمذهب.

أقول : في هذه المسألة أقوال :

الاول : ما حكاه المصنف عن الشيخ في النهاية(١) ، والاعتراض عليه من وجوه :

الاول ـ قوله « وان قتلوهما ردوا على سيد العبد ثمنه » والصواب أنهم يردون على الحر نصف ديته وعلى سيد العبد ما زاد من قيمته على جنايته. ولو كانت مساوية للجناية أو ناقصة عنها ، فلا ردّ.

الثاني : قوله « أو يقتلوا العبد خاصة وليس لسيد العبد على الحر سبيل » وهو على الاطلاق غير مستقيم ، بل هو حق ان كانت قيمته تساوي خمسمائة دينار أو ينقص عنها. أما لو كانت قيمته تزيد عن جنايته رد الحر على مولاه ما فضل عن جنايته ، فان بقي شي‌ء كان لاولياء المقتول أولا.

الثالث : قوله « أو يقتلوا الحر ويؤدي سيد العبد الى ورثة المقتول خمسة آلاف درهم ، أو يسلم العبد إليهم فيكون رقا لهم » والصواب أن يقدر استرقاقه بأن يكون قيمته مساوية لجنايته ، أو ناقصة عنها. أما لو كانت قيمته زائدة عن قدر جنايته ـ وهي خمسمائة دينار ـ استرق منه بقدر الجناية وكان الباقي للمولى. وأما ايجاب أداء خمسة آلاف ، فيتأتى على القول بفكه بأرش الجناية ، لا على القول الاخر.

الثاني : قال أبو الصلاح الحلبي : اذا قتل الحر والعبد حرا ، فاختار وليه الدية ، فعلى الحر النصف ، وعلى سيد العبد النصف الاخر. وان اختاروا قتلهما رد قيمة العبد على سيده وورثة الحر. وان اختاروا قتل الحر ، فعلى سيد العبد نصف

__________________

(١) النهاية ص ٧٤٥.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

ألمجد يعلم أنّ المجد من أربي

ولو تماديت في غيٍّ وفي لعبِ

إنّي لمن معشر إن جَّمعوا لِعُلى

تفرَّقوا عن نبيٍّ أو وصيِّ نبي

إذا هممتَ ففتِّش عن شبا هممي

تجده في مهجات الأنجم الشهبِ

وإن عزمتُ فعزمي يستحيل قذى

تدمي مسالكه في أعين النّوبِ

ومعرك صافحت أيدي الحمام به

طلى الرِّجال على الخرصان من كثبِ

حلَّت حباها المنايا في كتائبه

بالضرب فاجتثَّت الأجساد بالقضبِ

تلاقت البيض في الأحشاء فاعتنقت

والسمهريّ من الماذيِّ واليلبِ(١)

بكت على الأرض دمعاً من دمائهمُ

فاستعربت من ثغور النورِ والعشبِ

ويحدّثنا شعره أنَّه ما كان يَعدُّ الشعر لنفسه فضيلةً ومأثرةً بل كان يتَّخذه وسيلة إلى غرضه فيقول:

وما الشعر فخري ولكنَّما

أطول به همَّة الفاخرِ

انزِّهه عن لقاء الرِّجال

واجعله تحفة الزائرِ

فما يتهدّى إليه الملو

ك إلّا من المثَل السائرِ

وإنّي وإن كنت من إهله

لتنكر في حرفة الشاعرِ

ويقول:

وما قوليَ الأشعار إلّا ذريعة

إلى أمل قد آن قود جنيبهِ

وإنّي إذا ما بلّغ الله غاية

ضمنت له هجر القريض وحوبهِ

ويقول:

ما لك ترضى أن يقال:شاعرٌ ؟

بُعداً لها من عدد الفضايلِ

كفاك ما أروق من أغصانه

وطال من أعلامه الأطاولِ

فكم تكون ناظماً وقائلاً

وأنت غبّ القول غير فاعلِ؟!

وهو في شعره يرى نفسه أشعر الاُمم تارة، ويرى شعره فوق شعر البحتري ومسلم بن الوليد اُخرى، ويتواضع طوراً ويجعل نفسه زميل الفرزدق أو جرير، ويرى نفسه ضريباً لزهير، ومرَّة يتفوَّه بالحقِّ وينظر إلى شعره بعين الرِّضا ويرى كلامه

____________________

١ - الماذي:الدرع اللينة السهلة والسلاح كله. واليلب:الدروع من الجلود.

٢٠١

فوق كلّام الرِّجال، وقد أجمع الأكثرون إنَّه أشعر قريش قال الخطيب البغدادي في تاريخه ٢ ص ٢٤٦:سمعت أبا عبد الله محمَّد بن عبد الله الكاتب بحضرة أبي الحسين بن محفوظ وكان أحد الرؤساء يقول:سمعت جماعةً من أهل العلم بالأدب يقولون:ألرَّضي أشعر قريش. فقال إبن محفوظ:هذا صحيحٌ وقد كان في قريش من يجيد القول إلّا أنَّ شعره قليل، فأمّا مجيدٌ مكثرٌ فليس إلّا الرَّضي.

وحمل الثناة على أدبه وشعره كبقيَّة مآثره وفضائله وملكاته الفاضلة متواترة في المعاجم يضيق عن جمعها المجال، فنضرب عنها صفحاً روماً للإختصار، ونقتصر بذكر نبذةٍ يسيرةٍ، منها:

١ - قال النسّابة العمري في ( المجدي ):إنَّه نقيب نقباء الطالبيين ببغداد وكانت له هيبةٌ وجلالةٌ وفيه ورعٌ وعفَّةٌ وتقشّفٌ ومراعاةٌ للأهل وغيرةٌ عليهم وعسفٌ بالجاني منهم، وكان أحد علماء الزَّمان قد قرأ على أجلّاء الرِّجال وشاهدت له جزءاً مجلّداً من تفسير منسوب إليه في القرآن مليح حسن يكون بالقياس في كبر تفسير أبي جعفر الطبري أو أكبر، وشعره أشهر من أن يُدلَّ عليه، وهو أشعر قريش إلى وقتنا، وحسبك أن يكون قريش في أوَّلها الحرث بن هشام والعبلي وعمر بن أبي ربيعة، وفي آخرها بالنسبة إلى زمانه محمَّد بن صالح الموسوي الحسني، وعليّ بن محمّدِ الحمّاني(١) وإبن طباطبا الإصبهاني(٢)

٢ - قال الثعالبي في ( اليتيمة ):هو اليوم أبدع إبناء الزَّمان، وأنجب سادة العراق، يتحلّى مع محتده الشريف، ومفخره المنيف، بأدبٍ ظاهرٍ، وفضلٍ باهرٍ وحظٍّ من جميع المحاسن وافر، ثمَّ هو أشعر الطالبيِّين مَن مضى منهم ومَن غَبَر على كثرة شعرائهم المفلقين كالحِمّاني وإبن طباطبا وإبن الناصر وغيرهم، ولو قلت:إنَّه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق، وسيشهد بما أجريه من ذكره شاهد عدل من شعره العالي القِدح، الممنَّع عن القَدح، الذي يجمع إلى السلاسة متانةً، وإلي السهولة رصانةً، ويشتمل على معان يقرب جناها، ويبعد مداها، وكان أبوه يتولّى نقابة نقباء

____________________

١ - أحد شعراء الغدير في القرن الثالث مرت ترجمته ج ٣ ص ٥٧ - ٦٩.

٢ - أحد شعراء الغدير في القرن الرابع مرت ترجمته ج ص ٣٤٠ - ٣٤٧.

٢٠٢

الطالبيِّين ويحكم فيهم أجمعين والنظر في المظالم والحجِّ بالناس ثمَّ ردّت هذه الأعمال كلّها إلى ولده الرَّضي سنة ٣٨٨ وأبوه حيُّ.

٣ - قال إبن الجوزي في ( المنتظم ) ٧ ص ٢٧٩ كان الرَّضي نقيب الطالبيِّين ببغداد حفظ القرآن في مدَّة يسيرة بعد أن جاوز ثلاثين سنة وعرف من الفقه والفرائض طرفاً قويّاً وكان عالماً فاضلاً وشاعراً مترسِّلاً، عفيفاً عالي الهمَّة متدينا، اشترى في بعض الأيّام جزازاً من إمرأة بخمسة دراهم فوجد جزءاً بخّط أبي علي بن مقلة فقال:للدّلال أحضر المرأة فأحضرها فقال:قد وجدت في الجزاز جزءاً بخطِّ إبن مقلة فإن أردتِ الجزء فخذيه وإن إخترتِ ثمنه فهذه خمسة دراهم. فأخذتها ودعت له وانصرفت، وكان سخيّا جواداً.

٤ - قال إبن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة:حفظ الرَّضي القرآن بعد أن جاوز ثلاثين سنة في مدَّة يسيرةٍ وعرف من الفقه والفرائض طرفاً قويّاً، وكان عالماً أديبا، وشاعراً مفلقاً، فصيح النظم ضخم الألفاظ قادراً على القريض، متصرِّفاً في فنونه إن قصد الرِّقَّة في النسيب أتى بالعجب العجاب، وإن أراد الفخامة وجزالة الألفاظ في المدح وغيره أتى بما لا يشقّ فيه غباره، وإن قصد في المراثي جاء سابقاً والشعراء منقطع أنفاسها على اثره، وكان مع هذا مترسلا ذا كتابة، وكان عفيفاً شريف النفس عالي الهمَّة مستلزماً بالدين وقوانينه، ولم يقبل من أحد صلةً ولا جائزةّ حتّى انَّه ردَّ صِلات أبيه.

٥ - قال الباخرزي في ( دمية القصر ) ص ٦٩:له صدر الوسادة بين الأئمّة و السادة وأنا إذا مدحته كنت كمن قال لذكاءٍ:ما أنورك، ولحضارةٍ:ما أغررك، وله شعرٌ إذا افتخر به أدرك من المجد أقاصيه، وعقد بالنجم نواصيه، وإذا نسب انتسب رقَّة الهواء إلى نسيبه، وفاز بالقِدح المعلّى في نصيبه، حتّى إذا انشد الراوي غزليّاته بين يدي الفرهاة، لقال له من العزّ:هات، وإذا وصف فكأنَّه في الأوصاف أحسن من الوصائف والوصاف، وإن مدح تحيِّرت فيه الأوهام بين مادحٍ وممدوحٍ، له بين المتراهنين في الحلبتين سبق سابق مروح، وإن نثر حمدت منه الأثر، ورأيت هناك خرزات من العقد تنفضّ، وقطرات من المزن ترفضّ، ولعمري انَّ بغداد قد

٢٠٣

أنجبت به فبوّأته ظلالها، وأرضعته زلالها، وأنشقته شمالها، وورد شعره دجلتها فشرب منها حتّى شرق، وانغمس فيها حتّى كاد يقال:غرق، فكلّما انشدت محاسنه تنزَّهت بغداد في نضرة نعيمها، واستنشقت من أنفاس الهجير بمراوح نسيمها.

٦ - قال الرفاعي في ( صحاح الأخبار ) ص ٦١:كان أشعر قريش وذلك لإنَّ الشاعر المجيد من قريش ليس بمكثر والمكثر ليس بمجيد والرَّضي جمع بين فضلي الإكثار والإجادة، وكان صاحب ورع وعفّة وعدل في الأقضية وهيبة في النفوس.

ألقابه ومناصبه

لقّبه بهاء الدولة سنة ٣٨٨ بالشريف الأجلّ، وفي سنة ٣٩٢ بذي المنقبتين، وفي سنة ٣٩٨(١) بالرَّضي ذي الحسبين، وفي سنة ٤٠١ أمر أن تكون مخاطباته ومكاتباته بعنوان ( الشريف الأجلّ ) وهو أوَّل مَن خوطب بذلك من الحضرة الملوكيّة.

إنَّ المناصب والولايات كانت متكثِّرة على عهد سيِّدنا الشريف من الوزارة التنفيذيَّة والتفويضيّة، والأمارة على البلاد بقسميها العامّة والخاصَّة، والعامَّة بضربيها:استكفاءً بعقد عن إختيار، واستيلاء بعقد عن إضطرار، والإمارة على جهاد المشركين بقسميها:المقصورة على سياسة الجيش وتدبير الحرب، والمفوِّض معها إلى الأمير جميع أحكامها من قسم الغنائم وعقد الصلح، والإمارة على قتال أهل الردَّة، وقتال أهل البغي، وقتال المحاربين، وولاية القضاء، وولاية المظالم، وولاية النقابة بقسميها:العامَّة والخاصَّة وولاية إمامة الصَّلوات، وإمارة الحجِّ، وولاية الدواوين باقسامها، وولاية الحسبة، وغيرها من الولايات.

فمنها ما كان يخصُّ بالكتّاب والاُدباء، وآخر بالثقات ورجال العدل و النصفة، وثالث بالأماجد والأشراف والمترفين، ورابع باُباة الضيم وأصحاب البسالة والفروسيَّة، وخامس بذوي الآراء والفكرة القويَّة والدُّهاة، وسادس بأعاظم العلويِّين وأعيان العترة النبويَّة، وسابع بالفقهاء وأئمَّة العلم والدين.

وهناك ما يخصُّ بجامع تلكم الفضايل، ومجتمع هاتيك المآثر كسيِّدنا الشريف ذلك المثل الأعلى في الفضايل كلّها فعلى الباحث عن مواقفه ومقاماته ونفسيّاته

____________________

١ - في البداية والنهاية ج ١١ ص ٣٣٥ سنة ٣٩٦.

٢٠٤

الكريمة أن يقرأ ولو بصورة مصغَّرة دروس المناصب التي كان يتوّلاها الشريف فعندئذ يجد صورةً مكبَّرة تجاه عينيه ممثلّة من العلم والفقه والحكمة والثقة والسداد والأنفة والفتوِّة والهيبة والعظمة والجلال والروعة والوفاء وعزَّة النفس والرأي و الحزم والعزم والبسالة والعفَّة والسودد والكرم والإباء والغنى عن أيِّ أحد قد حليت بالأدب والشعر ولا يراها إلّا مثال الشريف الرَّضي.

تولىّ الشريف بنقابة الطالبيِّين، وإمارة الحاجّ والنظر في المظالم سنة ٣٨٠ وهو ابن ٢١ عاما على عهد الطائع، وصدرت الأوامر بذلك من بهاء الدولة وهو بالبصرة سنة ٣٩٧، ثمَّ عهد اليه في ١٦ محرَّم سنة ٤٠٣ بولاية اُمور الطالبيِّين في جميع البلاد فدُعي ( نقيب النقباء ) ويقال:إنَّ تلك المرتبة لم يبلغها أحدٌ من أهل البيت إلّا الإمام عليّ بن موسى الرِّضا سلام الله عليه الذي كانت له ولاية عهد المأمون، واُتيحت للشريف الخلافة على الحرمين على عهد القادر كما في المجلّد الأول من شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد وكان هو والولايات كما قيل:

لم تُشيِّد له الولايات مجداً

لا ولا قيل:رفَّعت مقداره

بل كساها وقد تحزَّمها الدهـ

ـرجلالاً وبهجةً ونضاره

وذكر تحليل المناصب التي توّلاها سيِّدنا الشريف وشروطها في تآليف علماء السلف وأفردوا فيها كتباً ونحن نأخذ مختصر ما في [ الأحكام السلطانيَّة ] للماوردي المتوفّى سنة ٤٥٠.

ألنقابة

ألنقابة موضوعةٌ على صيانة ذوي الأنساب الشريفة عن ولاية من لا يكافئهم في النسب، ولا يساويهم في الشرف، ليكون عليهم أحبى وأمره فيهم أمضى، وهي على ضربين:خاصَّة وعامَّة، وأمّا الخاصَّة فهو أن يقتصر بنظره على مجرَّد النقابة من غير تجاوز لها إلى حكم وإقامة حدّ فلا يكون العلم معتبراً في شروطها ويلزمه في النَّقابة على أهله من حقوق النظر اثنا عشر حقّاً:

١ - حفظ أنسابهم من داخل فيها وليس هو منها، أو خارج عنها وهو منها، فيلزمه حفظ الخارج منها كما يلزمه حفظ الداخل فيها ليكون النسب محفوظا على صحَّته

٢٠٥

معزوّاً إلى جهته.

٢ - تمييز بطونهم ومعرفة أنسابهم حتّى لا يخفى عليه منهم بنو أب، ولا يتداخل سب في نسب، ويثبتهم في ديوانه على تمييز أنسابهم.

٣ - معرفة من وُلد منهم من ذكر أو أنثى فيثبته، ومعرفة من مات منهم فيذكره، حتّى لا يضيع نسب المولود إن لم يثبته، ولا يدَّعي نسب الميت غيره إن لم يذكره:

٤ - أن يأخذهم من الآداب بما يضاهي شرف أنسابهم وكرم محتدهم لتكون حشمتهم في النفوس موقورة وحرمة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيهم محفوظة.

٥ - أن ينزّههم عن المكاسب الدنيئة. ويمنعهم من المطالب الخبيثة:حتّى لا يستقلَّ منهم مُبتذل، ولا يستضام منهم مُتذلِّل.

٦ - أن يكفَّهم عن ارتكاب المآثم، ويمنعهم من انتهاك المحارم، ليكونوا على الدين الذي نصره أغير، وللمنكر الذي أزالوه أنكر، حتّى لا ينطق بذمِّهم لسان، ولا يشنأهم إنسان.

٧ - أن يمنعهم من التسلّط على العامَّة لشرفهم والتشطط عليهم لنسبهم فيدعوهم ذلك إلى المقت والبغض، ويبعثهم على المناكرة والبعد، ويندبهم إلى استعطاف القلوب وتألّف النفوس، ليكون الميل إليهم أوفى والقلوب لهم أصفى.

٨ - أن يكون عوناً لهم في استيفاء الحقوق حتّى لا يضعفوا عنها، وعوناً عليهم في أخذ الحقوق منهم حتّى لا يمنعوا منها، ليصيروا بالمعونة لهم منتصفين، وبالمعونة عليهم منصفين.

٩ - أن ينوب عنهم في المطالبة بحقوقهم العامَّة في سهم ذوي القربى في الفيئ والغنيمة الذي لا يخصُّ به أحدهم حتّى يقسِّم بينهم بحسب ما أوجبه الله لهم.

١٠ - أن يمنع أياماهم أن يتزوَّجن إلّا من الأكفاء لشرفهنَّ على ساير النساء صيانةً لأنسابهنَّ، وتعظيماً لحرمتهنَّ، أن يزوّجهنَّ غير الولاة، أو ينكحهنَّ غير الكفاة.

١١ - أن يقوم ذوي الهفوات منهم فيما سوى الحدود بما لا يبلغ به حدّاً، ولا ينهر به دماً، ويقيل ذا الهيئة منهم عثرته، ويغفر بعد الوعظ زلَّته.

٢٠٦

١٢ - مراعاة وقوفهم بحفظ اُصولها وتنمية فروعها، وإذا لم يرد إليه جبايتها راعي الجباة لها فيما أخذوه وراعى قسمتها إذا قسَّموه وميَّز المستحقّين لها إذا خصّت، وراعى أوصافهم فيها إذا شرطت، حتّى لا يخرج منهم مستحّق، ولا يدخل فيها غير محقّ.

ألنقابة العامة

فعمومها أن يردَّ إلى النقيب في النقابة عليهم مع ما قدّمناه من حقوق النظر خمسة أشياء.

١ - ألحكم بينهم فيما تنازعوا فيه.

٢ - ألولاية على أيتامهم فيما ملكوه.

٣ - إقامة الحدود عليهم فيما ارتكبوه.

٤ - تزويج الأيامى اللّاتي لا يتعيَّن أوليائهنَّ أو قد تعيَّنوا فعضلوهنَّ.

٥ - ايقاع الحجر على من عته منهم أو سفه، وفكّه إذا أفاق ورشد.

فيصير بهذه الخمسة عامَّ النقابة فيعتبر حينئذ في صحّة نقابته وعقد ولايته أن يكون عالماً من أهل الإجتهاد ليصحَّ حكمه، وينفذ قضاؤه. إلى آخر ما في ( الأحكام السلطانيَّة ) ص ٨٢ - ٨٦. وهذه النقابة هي التي كانت ولايتها لسيِّدنا المترجَم.

ولاية المظالم

نظر المظالم هو قود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة، وزجر المتنازعين عن التجاهد بالهيبة، فكان من شروط الناظر فيها أن يكون جليل القدر، نافذ الأمر، عظيم الهيبة، ظاهر العفَّة، قليل الطمع، كثير الورع، لأنَّه يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة، وثبت القضاة فيحتاج إلى الجميع بين صفات الفريقين، وأن يكون بجلالة القدر نافذ الأمر في الجهتين، فإن كان ممَّن يملك الاُمور العامَّة كالوزراء والأمراء لم يحتج النظر فيها إلى تقليد وكان له بعموم ولايته النظر فيها، وإن كان ممَّن لم يفوّض إليه عموم النظر إحتاج إلى تقليد وتولية إذا اجتمعت فيه الشروط المتقدِّمة، وهذا إنَّما يصحّ فيمن يجوز أن يُختار لولاية العهد، أو لوزارة التفويض، أو لإمارة الأقاليم، إذا كان نظره في المظالم عامّاً فإن اقتصر به على تنفيذ ما عجز القضاة عن

٢٠٧

تنفيذه، وإمضاء ما قصرت يدهم عن امضائه حاز أن يكون دون هذه الرُّتبة في القدر والخطر بعد أن لا تأخذه في الحقِّ لومة لائم، ولا يستشفّه الطمع إلى رشوة. إلى آخر ما في ( الأحكام السلطانيَّة ) ص ٦٤ - ٨٢.

ألولاية على الحج

ألولاية على الحجِّ ضربان:أحدهما أن تكون على تسيير الحجيج، والثاني على إقامة الحجّ، فأمّا تسيير الحجيج فهو ولاية سياسة وزعامة وتدبير. والشروط المعتبرة في المولى أن يكون مطاعاً ذا رأي وشجاعةٍ وهيبةٍ وهدايةٍ، والذي عليه في حقوق هذه الولاية عشرة أشياء.

١ - جمع الناس في مسيرهم ونزولهم حتّى لا يتفرَّقوا فيخاف عليهم التَّوى والتغرير.

٢ - ترتيبهم في المسير والنزول بإعطاه كلّ طائفة منهم مقاداً حتّى يعرف كلُّ فريق منهم مقاده إذا سار، ويألف مكانه إذا نزل، فلا يتنازعون فيه ولا يضلّون عنه.

٣ - يرفق بهم في السير حتّى لا يعجز عنه ضعيفهم، ولا يضلُّ عنه منقطعهم، وروي عن النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم انَّه قال:ألضعيف أمير الرفقة. يُريد أنَّ من ضعف دوابّه كان على القوم أن يسيروا بسيره.

٤ - أن يسلك بهم أوضح الطرق وأخصبها ويتجنَّب أجدبها وأوعرها.

٥ - أن يرتاد لهم المياه إذا انقطعت والمراعي إذا قلّت.

٦ - أن يحرسهم إذا نزلوا ويحوطهم إذا رحلوا حتّى لا يتخطَّفهم داعرٌ ولا يطمع فيهم متلصِّص.

٧ - أن يمنع عنهم من يصدّهم عن المسير، ويدفع عنهم من يحصرهم عن الحجِّ بقتال إن قدر عليه، أو ببذل مال إن أجاب الحجيج إليه، ولا يسعه أن يجبر أحداً على بذل الخفارة إن امتنع منها، حتّى يكون باذلاً لها عفواً ومجيباً إليها طوعاً، فإنَّ بذل المال على التمكين من الحجّ لا يجب.

٨ - أن يُصلح بين المتشاجرين ويتوسَّط بين المتنازعين، ولا يتعرَّض للحكم بينهم إجباراً إلا أن يفوَّض الحكم إليه، فيُعتبر فيه أن يكون من أهله فيجوز له حينئذ ألحكم بينهم، فإن دخلوا بلداً فيه حاكمٌ جاز له ولحاكم البلد أن يحكم بينهم فأيّهما

_١٣_

٢٠٨

حكم نفذ حكمه.

٩ - أن يقوِّم زائغهم ويؤدِّب خائنهم ولا يتجاوز التعزير إلى الحدّ إلّا أن يُؤذن له فيستوفيه إن كان من أهل الإجتهاد فيه.

١٠ - أن يراعي اتِّساع الوقت حتّى يؤمن الفوات ولا يلجئهم ضيقه إلى الحثِّ في السير، فإذا وصل إلى الميقات أمهلهم للإحرام وإقامة سننه.

وأمّا الولاية على إقامة الحجِّ فالوالي فيه بمنزلة الإمام في إقامة الصَّلوات، فمَن شروط الولاية عليه مع الشروط المعتبرة في أئمَّة الصلوات أن يكون عالماً بمناسك الحجِّ وأحكامه، عارفاً بمواقيته وأيّامه، وتكون مدَّة ولايته مقدَّرة بسبعة أيّام أوَّلها من صلاة الظهر في اليوم السابع من ذي الحجَّة وآخرها يوم الثالث عشر من ذي الحجَّة، وعلى الذي يختصُّ بولايته خمسة أحكام متَّفقٌ عليها وسادس مختلفٌ فيه ألا وهي:

١ - إشعار الناس بوقت إحرامهم والخروج إلى مشاعرهم ليكونوا له متَّبعين وبأفعاله مقتدين.

٢ - ترتيبهم للمناسك على ما استقرَّ الشرع عليه لأنَّه متبوعٌ فيها فلا يقدِّم مؤخَّراً ولا يؤِّخر مقدَّماً سواء كان الترتيب مستحقّاً أو مستحبّاً.

٣ - تقدير المواقف بمقامه فيها ومسيره عنها كما تقدَّر صلاة المأمومين بصلاة الإمام.

٤ - إتِّباعه في الأركان المشروعة فيها، والتأمين على أدعيته بها ليتّبعوه في القول كما اتَّبعوه في العمل.

٥ - إمامتهم في الصَّلوات. وأمَّا السادس المختلف فيه:حكمه بين الحجيج فيما لا يتعلّق بالحجِّ، وإقامة التعزير والحدّ في مثله. ا ه‍.

تولّى الشريف الرَّضي هذه الإمارة منذ صباه في أكثر أيّام حياته ووزيراً لأبيه ونائباً عنه، ومستقلّاً بها من سنة ٣٨٠، وله فيها مواقف عظيمة سجَّلها التاريخ وأبقى له ذكرى خالدة، قال أبو القاسم بن فهد الهاشمي في ( إتحاف الورى بأخبار القرى ) في حوادث سنة ٣٨٩:حجَّ فيها الشريفان المرتضى والرَّضي فاعتقلهما في الطريق إبن الجراح الطائي فأعطياه تسعة آلاف دينار من أموالهما.

٢٠٩

ولادته ووفاته

وُلد الشريف الرَّضي ببغداد سنة ٣٥٩ بإطباق من المؤرِّخين ونشأ بها(١) وتوفي بها يوم الأحد ٦ محرّم(٢) سنة ٤٠٦ كما في معجم النجاشي. وتاريخ بغداد للخطيب. و عمدة الطالب. والخلاصة. وغيرها.

فما في شذرات الذهب:انَّه توفّي بكرة الخميس. فهو من خطأ النسّاخ فإنَّه نقله عن تاريخ ابن خلكان وفي التاريخ:بكرة يوم الأحد. لا الخميس. وأمّا ما في ( دائرة المعارف ) لفريد وجدي ٤ ص ٢٥٣ من انَّه توفي ٤٠٤ فأحسبه مأخوذاً من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، أو انَّه خطأ من الناسخ، وقد أرَّخه فريد وجدي صحيحاً في دائرة المعارف ج ٩ ص ٤٨٧ ب‍ ٦ محرم سنة ٤٠٦، وقد رثى الشريف الرَّضي معاصره أبا الحسن أحمد بن علي البتي المتوفّى سنة ٤٠٥ في شعبان بقصيدة توجد في ديوانه ج ١ ص ١٣٨، وقال جامع الديوان:وبعده بشهور توفي الرَّضي ( رض ).

وعند وفاته حضر إلى داره الوزير أبو غالب فخر الملك وسائر الوزراء والأعيان والأشراف والقضاة حفاةً ومشاةً وصلّى عليه فخر الملك ودُفن في داره الكائنة في محلّة الكرخ بخطِّ مسجد الأنباريِّين(٣) ولم يشهد جنازته أخوه الشريف المرتضى ولم يصلّ عليه ومضى من جزعه عليه إلى الإمام موسى بن جعفر عليهما السَّلام لأنَّه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته، ومضى فخر الملك بنفسه آخر النهار إلى أخيه المرتضى بالمشهد الكاظمي فألزمه بالعود إلى داره.

ذكر كثيرٌ من المؤلِّفين نقل جثمانه إلى كربلاء المشرَّفة بعد دفنه في داره بالكرخ فدُفن عند أبيه أبي أحمد الحسين بن موسى، ويظهر من التاريخ انَّ قبره كان في القرون الوسطى مشهوراً معروفاً في الحائر المقدَّس قال صاحب ( عمدة الطالب):وقبره في كربلاء ظاهرٌ معروفٌ. وقال في ترجمة أخيه المرتضى:دُفن عند أبيه وأخيه وقبورهم

____________________

١ - قال جرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة ٢ ص ٢٥٧:وكان يقيم في سر من رأى ( سامرا ) وكم له لدة هذا في تاريخه مما يميط الستر عن جهله بتاريخ الشيعة ورجالهم.

٢ - في تاريخ ابن خلكان:وقيل:في صفر. وفي تاريخ ابن كثير:خامس المحرم.

٣ - ينسب اليهم لكثرة من سكنه منهم.

٢١٠

ظاهرةٌ مشهورةٌ. وقال الرفاعي المتوفّى ٨٨٥ في ( صحاح الأخبار ) ص ٦٢:نُقل المرتضى إلى مشهد الحسين بكربلا كأبيه وأخيه ودُفن هناك وقبره ظاهرٌ معروفٌ.

وهذا قريبٌ إلى الإعتبار لأنَّ بني إبراهيم المجاب قطنوا الحائر المقدَّس و جاوروا الإمام السبط سلام الله عليه فدفن فيه إبراهيم المذكور بمقربة ممّا يلي رأس قبر الإمامعليه‌السلام فاتَّخذ بنوه تربته مدفناً لهم، وكان من قطن منهم بغداد أو البصرة كبني موسى الأبرش ينقل بعد موته إلى تربة جدِّه، وقد ثبت انَّ والد الشريف المترجَم نُقل إلى الحائر المقدَّس قبل دفنه ودُفن بها، م - أو دُفن في داره أوّلاً ثمَّ نُقل الى مشهد الحسين كما في ( المنتظم ) لابن الجوزي ٧ ص ٢٤٧ ] وصحَّ ايضاً نقل جثمان الشريف علم الهدى المرتضى إلى الحائر بعد دفنه في داره، وكانت تولية تلك التربة المقدَّسة بيدهم، وما كان يُدفن هناك أيّ أحد إلّا بإجازةٍ منهم كما مرَّ في ترجمة الوزير أبي العبّاس الضبيّ في هذا الجزء ص ١٠٦.

وقد رثى الشريف الرضي غير واحد ممّن عاصروه وفي مقدَّمهم أخوه علم الهدى بقوله:

يا للرجال لفجعةٍ جذمتْ يدي

ووددتُ لو ذهبتْ عليَّ برأسي

ما زلت أحذر وقعها حتّى أتت

فحسوتها في بعض ما أنا حاسي

ومطلتها زمناً فلمّا صمّمت

لم يجدني مطلي وطول مكاسي

لا تنكروا من فيض دمعي عبرةً

فالدمع غير مساعدٍ ومُواسي

لِلَّه عمرك من قصير طاهر

ولربّ عمر طال بالأدناسِ

وممَّن رثاه تلميذه في الأدب مهيار الديلمي المترجَم في شعراء القرن الخامس رثاه بقصيدتين إحديهما ذات ٧٠ بيتاً توجد في ديوانه ج ٣ ص ٣٦٦ مستهلّها:

من جبَّ غارب هاشمٍ وسنامها ؟!

ولوى لويّاً فاستزلَّ مقامها ؟!

وغزا قريشاً بالبطاح فلفَّها

بيد ؟! وقوَّض عزَّها وخيامها ؟!

وأناخ في مضر بكلكل خسفه

يستام واحتملت له ما سامها ؟!

من حلَّ مكّة فاستباح حريمها

والبيت يشهد واستحلَّ حرامها ؟!

ومضى بيثرب مُذعجاً ما شاء من

تلك القبور الطاهرات عظامها ؟!

٢١١

يبكي النبيّ ويستنيح لفاطم

بالطفِّ في إبنائها أيّامها

ألدين ممنوع الحمى، من راعه ؟!

والدار عالية البنا، من رامها ؟!

أتناكرت أيدي الرجال سيوفها

فاستسلمت أم أنكرت إسلامها؟!؟!

أم غال ذا الحسبين حامي ذودها

قدرٌ أراح على الغدوِّ سوامها ؟!

وقصيدته الاُخرى ٤٠ بيتاً توجد في ديوانه ج ١ ص ٢٤٩ مطلعها:

أقريش لا لفم أراك ولا يدِ

فتواكلي غاض الندى وخلي الندي

ولشهرة القصيدتين ووجودهما في غير واحد من الكتب والمعاجم فضلاً عن ديوان مهيار ضربنا عنهما صفحا.

ومن نماذج شعر الشريف الرَّضي في المذهب قوله يفتخر بأهل البيت ويذكر قبورهم ويتشوَّق إليها:

ألا لِلَّه بادرة الطلابِ

وعزم لا يروّع بالعتابِ

وكلّ مشمّر البردين يهوي

هويّ المصلتات إلى الرقابِ

اُعاتبه على بُعد التنائي

ويعذلني على قرب الأيابِ

رأيت العجز يخضع للّيالي

ويرضي عن نوائبها الغضابِ

ولولا صولة الأيّام دوني

هجمت على العلى من كلِّ بابِ

ومن شيم الفتى العربيّ فينا

وصال البيض والخيل العرابِ

له كذب الوعيد من الأعادي

ومن عاداته صدق الضرابِ

سأدّرع الصوارم والعوالي

وما عرّيت من خلع الشبابِ

واشتمل الدجى والركب يمضي

مضاء السيف شذَّ عن القرابِ

وكم ليلٍ عبأت له المطايا

ونار الحيّ حائرة الشهابِ

لفيت الأرض شاحبة المحيّا

تلاعب بالضراغم والذئابِ

فزعت إلى الشحوب وكنت طلقاً

كما فزع المشيب إلى الخضابِ

ولم نر مثل مُبيضِّ النواحي

تعذّبه بمُسودِّ الإهابِ

أبيت مضاجعاً أملي وإنّي

أرى الآمال أشقى للركابِ

٢١٢

إذا ما اليأس خيّبنا رجونا

فشجّعنا الرجاء على الطلابِ

أقول إذا استطار من السواري

زفون القطر رقّاص الحبابِ(١)

كأنَّ الجوَّ غصَّ به فأومى

ليقذفه على قمم الشعابِ

جديرٌ أن تصافحه الفيافي

ويسحب فوقها عذب الربابِ(٢)

إذا همَّ التلاع رأيت منه

رضاباً في ثنيّات الهضابِ(٣)

سقى الله المدينة من محلّ

لباب الماء والنطف العذابِ

وجاد على البقيع وساكنيه

رخيّ الذيل ملآن الوطابِ

وأعلام الغريّ وما استباحتْ

معالمها من الحسب اللبابِ

وقبر بالطفوف يضمُّ شلواً

قضى ظمأ إلى بَرد الشَّرابِ

وبغدادٍ وسامرّا وطوسٍ

هطول الودق منخرق العبابِ

قبورٌ تنطف العبرات فيها

كما نطف الصبير(٤) على الروابي

فلو بخل السِّحاب على ثراها

لذابت فوقها قطع السَّرابِ

سقاك فكم ظمئت إليك شوقاً

علىُ عدواء داري واقترابي

تجافي يا جنوب الريح عنِّي

وصوني فضل بردكِ عن جنابي

ولا تسري إليّ مع الليالي

وما استحقبت* من ذاك الترابِ

قليلٌ أن تُقاد له الغوادي(٥)

وتنحر فيه أعناق السّحابِ

أما شرق التراب بساكنيه

فيلفظهم إلى النّعم الرغابِ

فكم غدت الضغائن وهي سكرى

تدير عليهمٌ كأس المصابِ

صلاة الله تخفق كلِّ يوم

على تلك المعالم والقباب

و انّي لا أزال أكرّ عزمي

وإن قلَّت مساعدة الصحاب

____________________

١ - زفون القطر:دفاع المطر. الحباب:فقاقيع الماء.

٢ - الرباب:السحاب الابيض.

٣ - التلاع ج التلعة:ما علا الارض. ما سفل منها. الهضاب:أعالي الجبال.

٤ - نطف:سال. الصبير:السحاب الذي يصير بعضه فوق بعض

* استحقبت:أدخرت.

٥ - ألغوادي جمع الغادية وهي:ألسحابة.

٢١٣

واخترق الرِّياح إلى نسيم

تطلَّع من تراب أبي ترابِ

بودّي أن تطاوعني الليالي

وينشب في المنىِ ظفري ونابي

فأرمي العيس نحوكم سهاماً

تغلغل بين أحشاء الروابي

ترامى باللغام على طلاها

كما انحدر الغثاء عن العقابِ(١)

وأجنب بينها خرق المذاكي

فاُملي باللغام على اللغابِ(٢)

لعلّي أن ابلّ بكم غليلاً

تغلغل بين قلبي والحجابِ

فما لقياكُم إلّا دليلٌ

على كنز الغنيمة والثوابِ

ولي قبران بالزوراء أشفي

بقربهما نزاعي واكتئابي

أقود إليهما نفسي واُهدي

سلاماً لا يحيد عن الجوابِ

لقائهما يطهِّر من جناني

ويدرأ عن ردائي كلَّ عابِ

قسيم النار جدّي يوم يلقى(٣)

به باب النجاة من العذابِ

وساقي الخلق والمهجات حرّى

وفاتحة الصِّراط إلى الحسابِ

ومن سمحت بخاتمه يمين(٤)

تضنّ بكلِّ عالية الكعابِ

أما في باب خيبر معجزات

تُصدَّق ؟! أو مناجاة الحبابِ ؟!

أرادت كيده والله يأبى

فجاء النصر من قبل الغرابِ(٥)

أهذا البدر يكسف بالدَّياجي؟

وهذي الشمس تُطمس بالضبابِ

وكان إذا استطال عليه جانٌ

يرى ترك العقاب من العقابِ

أرى شعبان يذكرني اشتياقي

فمَن لي أن يذكّركم ثوابي

بكم في الشعر فخرٌ لا بشعري

وعنكم طال باعي في الخطابِ

اُجلّ عن القبائح غير أنّي

لكم أرمي واُرمى بالسبابِ

____________________

١- اللغام:لعاب الابل. والطلى:العنق. الغثاء:البالي من ورق الشجر المخالط زبد السيل العقاب جمع عقبة:مرقى صعب من الجبال.

٢ - اجنب:أقود. اللغاب:السهم لم يحسن بريه.

٣ - اشار الى حديث مر بيانه في ج ٣ ص ٢٩٩.

٤ - اشار الى تصدقه بخاتمه وقد مر حديثه ج ٢ ص ٤٧ و ج ٣ ص ١٥٥ - ١٦٢.

٥ - اشار الى حديث الحباب الذي اسلفناه ج ٢ ص ٢٤١، ٢٤٢.

٢١٤

فأجهر بالولاء ولا اُورّي

وانطق بالبراء ولا أحابي

ومن أولى بكم منّي وليّاً

وفي أيديكمُ طرف انتسابي ؟!

محبّكمُ ولو بغضت حياتي

وزائركم ولو عقرت ركابي

تباعد بيننا غير الليالي

ومرجعنا إلى النسب القرابِ

وقال يرثي الإمام السبط المفدّى الحسين بن عليّ عليهما السَّلام في يوم عاشوراء سنة ٣٩١:

هذي المنازلُ بالغميم فنادها

واسكب سخيَّ العين بعد جمادها

إن كان دينٌ للمعالم فاقضه

أو مهجةٌ عند الطلول ففادها

يا هل تبلّ من الغليل إليهمُ

اشرافة للركب فوق نجادها ؟!

نوئ كمنعطف الحنية دونه

سحم الخدود لهنَّ إرث رمادها

ومناط أطنابٍ ومقعد فتيةٍ

تخبو زناد الحيِّ غير زنادها

ومجرّ ارسان الجياد لغلمة

سجفوا البيوت بشقرها وورادها

ولقد حبست على الديار عصابة

مضمومة الأيدي إلى أكبادها

حسرى تجاوب بالبكاء عيونها

وتعطّ بالزفرات في ابرادها

وقفوا بها حتّى كأنّ مطيّهم

كانت قوائمهنَّ من أوتادها

ثمَّ انثنت والدمع ماء مزادها

ولواعج الأشجان من أزوادها

من كلِّ مُشتملٍ حمايل رنَّة

قطر المدامع من حليّ نجادها

حيَّتك بل حيَّت طلوعك ديمة

يشفي سقيم الربع نفث عهادها

وغدت عليك من الخمايل يمنة

تستام نافقة على روّادها(١)

هل تطلبون من النواظر بعدكم

شيئاً سوى عبراتها وسهادها ؟!

لم يبق ذخرٌ للمدامع عنكُم

كلّا ولا عينٌ جرى لرقادها

شغل الدموع عن الديار بكاؤنا

لبكاء فاطمة على أولادها

لم يخلفوها في الشهيد وقد رأى

دفع الفرات يزاد عن أورادها

أترى درت انَّ الحسين طريدةٌ

لقنا بني الطرداء عند ولادها ؟!

____________________

١ - الخمايل ج خميلة:القطيفة. اليمنة:برد يمنى. تستام:تسأل السوم.

٢١٥

كانت مآتم بالعراق تعدّها

أموَّيةٌ بالشام من أعيادها

ما راقبت غضب النبيّ وقد غدا

زرع النبيّ مظنَّةً لحصادها

باعت بصائر دينها بضلالها

وشرت معاطب غيِّها برشادها

جعلت رسول الله من خصمائها

فلبئس ما ذخرت ليوم معادها

نسل النبيِّ على صعاب مطيِّها

ودم النبيِّ على رؤوس صعادها

وا لهفتاه لعصبةٍ علوَّيةٍ

تبعت اُميَّة بعد عزِّ قيادها

جعلت عران الذلِّ في آنافها

وعلاط وسم الضيم في أجيادها(١)

زعمت بأنَّ الدين سوَّغ قتلها

أو ليس هذا الدين عن أجدادها ؟!

طلبت تراث الجاهليَّة عندها

وشفت قديم الغلِّ من أحقادها

واستأثرت بالأمر عن غيّابها

وقضت بما شاءت على شُهّادها

ألله سابقكم إلى أرواحها

وكسبتم الآثام في أجسادها

إن قوَّضت تلك القباب فإنَّما

خرَّت عماد الدين قبل عمادها

إنَّ الخلافة أصبحت مزويَّة

عن شعبها ببياضها وسوادها

طمست منابرها علوج اُميَّة

تنزو ذئابهمُ على أعوادها

هي صفوة الله التي أوحى لها

وقضى أوامره إلى أمجادها

أخذت بأطراف الفخار فعاذرٌ

أن يصبح الثقلان من حُسّادها

ألزهد والأحلام في فتّاكها

والفتك لولا الله في زُهّادها

عصبٌ يقمَّط بالنجاد وليدها

ومهود صبيتها ظهور جيادها

تروي مناقب فضلها أعداؤها

أبداً وتسنده إلى أضدادها

يا غيرة الله اغضبي لنبيَّه

وتزحزحي بالبيض عن أغمادها

من عصبة ضاعت دماء محمّد

وبنيه بين يزيدها وزيادها

صفدات مال الله ملء أكفِّها

وأكفُّ آل الله في أصفادها(٢)

ضربوا بسيف محمّد إبناءه

ضرب الغرائب عدن بعد ذيادها

____________________

١ - العران:عود يجعل في انف البعير العلاط:حبل يجعل في عنق البعير.

٢ - الصفدات من الصفد:العطاء. والأصفاد:الاغلال.

٢١٦

قد قلت للركب الطلاح كأنَّهم

ربد النسور على ذرى أطوادها(١)

يحدو بعوج كالحني أطاعه

مُعتاصها فطغى على مُنقادها

حتّى تخيّل من هباب رقابها

أعناقها في السير من أعدادها

قف بي ولو لوث الأزار فإنَّما

هي مهجة علق الجوى بفؤادها

بالطفّ حيث غدا مراق دمائها

ومناخ اينقها ليوم جلادها

ألفقر من أرواقها والطير من

طرّاقها والوحش من عوّادها

تجري لها حبب الدموع وإنَّما

حبّ القلوب يكنُّ من أمدادها

يا يوم عاشوراء كم لك لوعة

تترقَّص الأحشاء من ايقادها

ما عدتَ إلّا عاد قلبي غلّة

حرّى ولو بالغت في إبرادها

مثل السليم مضيضة آناؤه

خزر العيون تعوده بعدادها

يا جدّ لا زالت كتائب حسرة

تغشى الضمير بكرِّها وطرادها

أبداً عليك وأدمعٌ مسفوحةٌ

إن لم يراوحها البكاء يغادها

هذا الثناء وما بلغت وإنَّما

هي حلبة خلعوا عذار جوادها

أأقول:جادكم الربّيع ؟ وأنتمُ

في كلِّ منزلة ربيع بلادها

أم استزيد لكم علاً بمدائحي ؟!

أين الجبال من الربى ووهادها ؟!

كيف الثناء على النجوم إذا سمت

فوق العيون إلى مدى أبعادها ؟!

أغنى طلوع الشمس عن أوصافها

بجلالها وضيائها وبعادها

وقال يرثي جدّه الإمام السبط الشهيد في عاشوراء سنة ٣٧٧:

صاحت بذودي بغداد فآنسني

تقلّبي في ظهور الخيل والعيرِ

وكلّما هجهجت بي عن منازلها

عارضتها بجنانٍ غير مذعورِ

أطغى على قاطنيها غير مكترثٍ

وأفعل الفعل فيها غير مأمورِ

خطبٌ يهدِّدني بالبعد عن وطني

وما خُلقت لغير السرج والكورِ

إنّي وإن سامني ما لا اُقاومه

فقد نجوت وقدحي غير مقمورِ

____________________

١ - الطلح:المهزول والمعى ج أطلاح. الربدة:الغبرة. يقال:اربد لونه:تغير. وتربد الرجل:تعبس.

٢١٧

عجلان ألبس وجهي كلَّ داجية

والبرّ عريان من ظبي ويعفورِ

وربَّ قايلة والهمُّ يتحفني

بناظر من نطاف الدمع ممطورِ

:خفِّض عليك فللأحزان آونة

وما المقيم على حُزن بمعذورِ

فقلت:هيهات فات السمع لائمه

لا يفهم الحزن إلّا يوم عاشورِ

يومٌ حدى الظعن فيه بابن فاطمة

سنان مطَّرد الكعبين مطرورِ

وخرَّ للموت لا كفُّ تقلِّبه

إلّا بوطئ من الجُرد المحاضيرِ

ظمأن سلّى نجيع الطعن غلّته

عن باردٍ من عباب الماء مقرورِ(١)

كأنَّ بيض المواضي وهي تنهبه

نارٌ تحكّم في جسمٍ من النورِ

لِلَّه مُلقى على الرَّمضاء عضَّ به

فم الرَّدى بين إقدام وتشميرِ

تحنو عليه الرُّبى ظلّا وتستره

عن النواظر أذيال الأعاصيرِ(٢)

تهابه الوحش أن تدنو لمصرعه

وقد أقام ثلاثاً غير مقبورٍ

وموردٌ غمرات الضربّ غُرَّته

جرَّت إليه المنايا بالمصاديرِ

ومُستطيلٌ على الأزمان يقدرها

جنى الزمان عليها بالمقاديرِ

أغرى به ابن زيادٍ لؤم عنصره

وسعيه ليزيد غير مشكورِ

وودّ أن يتلافى ما جنت يده

وكان ذلك كسراً غير مجبورِ

تُسبى بنات رسول الله بينهمُ

والدين غضُّ المبادي غير مستورِ

إن يظفر الموت منّا بابن منجبة

فطالما عاد ريّان الأظافيرِ

يلقى القنا بجبين شانَ صفحته

وقع القنا بين تضميخٍ وتعفيرِ

من بعد ما ردَّ أطراف الرِّماح به

قلبٌ فسيح ورائ غير محصورِ

والنقع يسحب من أذياله وله

على الغزالة جيبٌ غير مزرورِ

في فيلقٍ شرقٍ بالبيض تحسبه

برقاً تدلّى على الآكام والقورِ(٣)

بني اُميَّة ما الأسياف نائمةٌ

عن شاهر في أقاصي الأرض موتورِ

____________________

١ - مقرور من القر. البرد.

٢ - الاعاصير ج الاعصار. ريح ترتفع بالتراب.

٣ - القور جمع القارة:الجبل الصغير المنقطع عن الجبال.

٢١٨

والبارقات تلوّى في مغامدها

والسابقات تمطَّى في المضاميرِ

إنّي لأرقب يوماً لا خفاء له

عريان يقلق منه كلّ مغرورِ

وللصَّوارم ما شاءت مضاربها

من الرِّقاب شرابٌ غير منزورِ

أكلّ يوم لآل المصطفى قمرٌ

يهوى بوقع العوالي والمباتيرِ ! ؟

وكلّ يوم لهم بيضاء صافية

يشوبها الدهر من رنقٍ وتكديرِ

مغوار قوم يروع الموت من يده

أمسى وأصبح نهياً للمغاويرِ

وأبيض الوجه مشهور تغطرفه

مضى بيوم من الأيّام مشهورِ

ما لي تعجَّبتَ من همّي ونقرته

والحزن جرحٌ بقلبي غير مسبورِ

بأيِّ طرف أرى العلياء إنُ نضبت

عيني ؟ ولجلجت عنها بالمعاذيرِ

ألقى الزمان بكلّم غير مندمل

عمر الزمان وقلب غير مسرورِ

يا جدّ لا زال لي همُّ يحرِّضني

على الدموع ووجدٌ غير مقهورِ

والدمع يخفره عينٌ مؤرّقة

خفر الحنيَّة عن نزع وتوتيرِ

إنَّ السلوّ لمحظورٌ على كبدي

وما السلوُّ على قلب بمحظورِ

وقال يرثي سيِّدنا الإمام الشهيد في يوم عاشوراء سنة ٣٨٧:

راحلٌ أنت والليالي تزول

ومضرٌّ بك البقاء الطويلُ

لا شجاعٌ يبقى فيعتنق البـ

ـيض ولا آملٌ ولا مأمولُ

غاية الناس في الزَّمان فناءٌ

وكذا غاية الغصون الذبولُ

إنَّما المرء للمنيَّة مخبوءٌ وللـ

ـطعن تستجمُّ الخيولُ

من مقيل بين الضلوع إلى طـ

ـول عناءٍ وفي التراب مقيلُ(١)

فهو كالغيم ألَّفته جنوبٌ

يوم دجن ومزَّقته قبولُ

عادةٌ للزَّمان في كلِّ يوم

يتناء خلُّ وتبكي طلولُ

فاللّيالي عونٌ عليك مع البـ

ـين كما ساعد الذوابل طولُ

ربما وافق الفتى من زمان

فرح غيره به متبولُ(٢)

____________________

١ - من قال قيلا وقيلولة ومقيلا. نام نصف النهار.

٢ - يقال:تبلهم الدهر أي أفناهم.

٢١٩

هي دنيا إن واصلت ذا جفت

هذا ملالاً كأنَّها عطبولُ(٢)

كلّ باكٍ يُبكى عليه وإن

طال بقاءٌ والثاكل المثكولُ

والأمانيُّ حسرةٌ وعناء

للذي ظنَّ انَّها تعليلُ

ما يُبالي الحمام أين ترقّي

بعد ما غالت ابن فاطم غولُ

أيّ يوم أدمى المدامع فيه

حادثٌ رائعٌ وخطبٌ جليل

يوم عاشور الذي لا أعـ

ان الصحبُ فيه ولا أجار القبيلُ

يا ابن بنت الرَّسول ضيَّعتْ الـ

ـعهد رجالٌ والحافظون قليلُ

ما أطاعوا النبيَّ فيك وقد

مالت أرواحهم إليك الذحولُ

وأحالوا على المقادير في حربـ

ـك لو أنَّ عذرهم مقبولُ

واستقالوا من بعد ما

أجلبوا فيها أ ألآن أيّها المُستقيلُ؟!

إنَّ أمراً قنّعت من دونه الـ

ـسيف لمن حازه لمرعى وبيلُ

يا حساماً فلّت مضاربه الهـ

ـام وقد فلّه الحسام الصقيلُ

يا جواداً أدمى الجواد من الطـ

ـعن وولّى ونحوه مبلولُ

حجل الخيل من دماء الأعادي

يوم يبدو طعن وتخفى حجولُ

يوم طاحت أيدي السوابق في

النقع واض الونى وعاض الصهيلُ

أتراني أعير وجهيَ صوناً

وعلى وجهه تجول الخيولُ !؟

أتراني ألذّ ماءً ولمّا

يروَ مِن مهجة الإمام الغليلُ ؟!

قبّلته الرِّماح وانتضلت فيه

المنايا وعانقته النّصولُ

والسَّبايا على النجائب تُستاق

وقد نالت الجيوب الذيولُ

من قلوب يدمي بها ناظر الو

ـجد ومن أدمع مراها الهمولُ

قد سلبن القناع عن كلِّ وجهٍ

فيه للصون من قناع بديلُ

وتنقَّبن بالأنامل والدَّمـ

ـع على كلِّ ذي نقابٍ دليلُ

وتشاكين والشكاة بكاءٌ

وتنادين والنداء عويل

لا يغبّ الحادي العنيف

ولا يفتر عن رنَّة العديل العديل

____________________

٢ - العطبول:المرأة الفتية الجميلة.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423