الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٤

الغدير في الكتاب والسنة والأدب9%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 423

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 201801 / تحميل: 8837
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

والمراد من «الوازرة» من يتحمّل الوزر(١) .

ولمزيد الإيضاح يضيف القرآن قائلا :( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ) (٢) .

«السعي» في الأصل معناه السير السريع الذي لا يصل مرحلة الركض ، إلّا أنّه يستعمل غالبا في الجدّ والمثابرة ، لأنّ الإنسان يؤدّي حركات سريعة في جدّه ومثابرته سواء كان ذلك في الخير أو الشرّ!

والذي يسترعي الانتباه أنّ القرآن لا يقول : وان ليس للإنسان إلّا ما أدّى من عمل بل يقول : إلّا ما سعى. وهذا التعبير إشارة إلى أنّ على الإنسان أن يجدّ ويثابر فذلك هو المطلوب منه وإن لم يصل إلى هدفه ، فالعبرة بالنيّة ، فإذا نوى خيرا أعطاه الله ثوابه ، لأنّ الله يتقبّل النيّات والمقاصد لا الأعمال المؤدّاة فحسب.

أمّا الآية التالية فتقول :( وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ) فالإنسان لا يرى غدا نتائج أعماله التي كانت في مسير الخير أو الشرّ فحسب ، بل سيرى أعماله نفسها يوم الحساب ، كما نجد التصريح بذلك في الآية (٣٠) من سورة آل عمران :( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ) .

كما ورد التصريح بمشاهدة الأعمال الصالحة والطالحة عند القيامة في سورة الزلزلة الآيتين (٧) و٨) :( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) ! أمّا الآية الأخيرة من الآيات محل البحث فتقول :( ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى ) (٣) .

والمراد من «الجزاء الأوفى» هو الجزاء الذي يكون طبقا للعمل. وبالطبع هذا

__________________

(١) أتت لفظ الوازرة لكونه وصفا للنفس المحذوفة في الآية ومثلها تأنيث اخرى.

(٢) كلمة «ما» في «ما سعى» مصدرية.

(٣) نائب الفاعل في يجزاه ضمير يعود على الإنسان والهاء في يجزاه تعود على العمل (مع حذف حرف الجرّ) وتقدير الآية هكذا ثمّ يجزى الإنسان بعمله أو على عمله الجزاء الأوفى يقول الزمخشري في الكشّاف : يمكن أن لا يكون هناك حرف مقدّر لأنّه يقال يجزى العبد سعيه إلّا أنّه ينبغي الالتفات إلى أنّه يقال مثلا جزاه الله على عمله ويندر أن يقال جزاه الله عمله ، والجزاء الأوفى يمكن أن يكون مفعولا ثانيا أو مفعولا مطلقا.

٢٦١

لا ينافي لطف الله وتفضّله بأن يضاعف الجزاء على الأعمال الصالحة عشرة أضعاف أو عشرات الأضعاف ومئاتها وإلى ما شاء الله! وما فسّره بعضهم بأنّ «الجزاء الأوفى» معناه الجزاء الأكثر في شأن الحسنات ، لا يبدو صحيحا ، لأنّ كلام هذه الآية يشمل الذنوب والأعمال الطالحة ، بل الكلام فيها أساسا على الوزر والذنب «فلاحظوا بدقّة»!

* * *

بحوث

١ ـ ثلاثة اصول إسلامية مهمّة

أشير في الآيات ـ آنفة الذكر ـ إلى ثلاثة اصول من الأصول الإسلامية ، وقد أكّدت عليها الكتب السماوية السابقة وهي :

أ ـ كلّ إنسان مسئول عن ذنبه ووزره.

ب ـ ليس للإنسان في آخرته إلّا سعيه.

ج ـ يجزي الله كلّ إنسان على عمله الجزاء الأوفى.

وهكذا فإنّ القرآن يشجب الكثير من الأوهام والخرافات التي يهتمّ بها عامّة الناس أو السائدة بينهم وكأنّها مذهب عقائدي!

والقرآن لا ينفي ـ عن هذا الطريق ـ عقيدة العرب المشركين الذين يعتقدون أنّ بإمكان الإنسان أن يتحمّل وزر الآخر فحسب! بل ينفي الإعتقاد الذي كان سائدا ـ ولا يزال ـ بين المسيحيين ، وهو أنّ الله أرسل ابنه المسيح ليصلب ويذوق العذاب والألم ويحمل على عاتقه ذنوب المذنبين!.

وكذلك يحكم على جماعة من القسسة والرهبان بقبح عملهم لما كانوا يبيعونه من صكوك الغفران ومنح قطع الأراضي في الجنّة لمن يشاءون ، والعفو عن المخطئين!! فكلّ هذه الأمور باطلة.

٢٦٢

ومنطق العقل أيضا يقتضي أنّ كلّا مسئول عن عمله ، ويعود عليه عمله بالنفع أو الضرر.

وهذا المبدأ الإسلامي يؤدّي إلى أن يسعى الإنسان إلى الخير وأن يجتهد بدلا من الالتجاء إلى الخرافات أو أن يتحمّل آثامه غيره! وأن يتجنّب الذنب ويتّقي الله ، وإذا ما اتّفق له أن عثرت قدمه في معصية ، فعليه أن يبادر إلى التوبة ويجبر ذلك بالاستغفار والعمل الصالح!

وتأثير هذه العقيدة التربوية في الناس واضح تماما ولا يقبل الإنكار ، كما أنّ أثر تلك المعتقدات الجاهلية الفاسدة ـ المخرّب لا يخفى على أحد.

وصحيح أنّ هذه الآيات ناظرة إلى السعي والمثابرة والعمل للآخرة ورؤية الثواب في الآخرة! إلّا أنّ الملاك والمعيار الأصلي له يتجلّى في الدنيا أيضا أي أنّ الأفراد المؤمنين لا ينبغي لهم أن يتوقّعوا من الآخرين أن يعملوا لهم ويحلّوا مشاكلهم الاجتماعية ، بل عليهم أنفسهم أن ينهضوا ويجدّوا ويثابروا أبدا.

ويستفاد من هذه الآيات أصل حقوقي في المسائل الجزائية أيضا ، وهو أنّ الجزاء أو العقاب إنّما ينال المذنب الحقيقي ، وليس لأحد أن يجعل إثم غيره في ذمّته!

٢ ـ سوء الاستفادة من مفاد الآية :

كما بيّنا آنفا ، فإنّ هذه الآيات بقرينة الآيات التي قبلها والآيات التي بعدها ناظرة إلى سعي الإنسان لأمور الآخرة ، إلّا أنّه مع هذه الحال ـ لما كان ذلك على أساس حكم عقلي مسلّم به فيمكن تعميم السعي والجدّ حتّى يشمل السعي لأمور الدنيا ويشمل أيضا الجزاء الدنيوي ، إلّا أنّ ذلك لا يعني أن يتأثّر بعضهم بالمذاهب الاشتراكية فيقول : إنّ مفهوم الآية أنّ المالكية إنّما تحصل عن طريق العمل فحسب ، وبذلك يخطّي قانون الإرث والمضاربة والإجارة وأمثالها!

٢٦٣

والعجب أنّه ينادي بالإسلام ويستدلّ بآيات القرآن أيضا مع أنّ مسألة الإرث من الأصول الإسلامية القطعية ، وكذلك الخمس والزكاة! علما بأنّه لم يسع الوارث إلى إرثه ولا مستحقّو الزكاة أو الخمس إليهما ، ولم يقع سعي في مواطن النذر والوصايا ومع كلّ ذلك فإنّ القرآن الكريم ذكر هذه الأمور.

وبتعبير آخر أنّ هذا هو الأصل ، إلّا أنّه غالبا ما يوجد استثناء أمام كلّ أصل ، فمثلا الولد يرث أباه هذا أصل إسلامي ، لكن متى قتل الولد أباه أو خرج عن الإسلام حرم حقّ الإرث.

وكذلك نتيجة سعي كلّ شخص تعود عليه أو إليه ، هذا هو الأصل ، إلّا أنّه لا مانع من أن يعطي مقدار من المال للآخر طبقا لقرار الإجارة بين الطرفين ، وهو أصل قرآني(١) كذلك ، أو أن ينتقل المال عن طريق النذر أو الوصية ، كما صرّح به القرآن الكريم.

٣ ـ الجواب على سؤالين

يرد هنا سؤالان وينبغي أن نجيب عليها :

أوّلا : إذا كان ما يناله الإنسان يوم القيامة هو نتيجة سعيه ، فما معنى الشفاعة إذا؟!

والثّاني : إنّنا نقرأ في الآية (٢١) من سورة الطور في شأن أهل الجنّة :( أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ! مع أنّ الذريّة لم تسع في هذا المضمار ، ثمّ إنّنا نجد في الرّوايات الإسلامية أنّ الإنسان إذا عمل عملا صالحا فإنّ نتيجة ذلك تنعكس على أبنائه أيضا.

والجواب على هذه الأسئلة جملة واحدة وهي أنّ القرآن يقول أنّ الإنسان

__________________

(١) جاء هذا الأصل في قصّة موسى وشعيب في سورة القصص الآية (٢٧).

٢٦٤

ليس له أن يأخذ أكثر من سعيه وعمله ، إلّا أنّه لا يمنع أن ينال بعض الناس اللائقين نعما أخر عن طريق اللطف والتفضّل الإلهي.

فالاستحقاق شيء ، والتفضّل شيء آخر! كما أنّ الله يضاعف الحسنات عشرات المرّات بل مئات المرّات وآلافها أحيانا.

ثمّ ـ الشفاعة ـ كما ذكرنا في محلّه ـ ليست اعتباطا ـ بل هي بحاجة إلى السعي والجدّ وإيجاد العلاقة بالشافع أيضا ، وكذلك الأمر في شأن ذريّة الأشخاص الصالحين ، فإنّ القرآن يقول أيضا :( وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ ) !.

٤ ـ صحف إبراهيم وموسى

«الصحف» جمع صحيفة ، وتطلق هذه الكلمة على كلّ شيء واسع كما يقال مثلا صحيفة الوجه ، ثمّ استعملوا هذه الكلمة على صفحات الكتاب.

فالمراد من صحف موسى هي التوراة النازلة عليه وأمّا صحف إبراهيم فما نزل عليه من كتاب سماوي أيضا.

ينقل المرحوم الطبرسي في مجمع البيان حديثا عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير سورة الأعلى وخلاصته ما يلي.

يسأل أبو ذرّ النّبي : يا رسول الله كم عدد الأنبياء؟

فيجيبه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّهم مائة الف نبي وأربعة وعشرون ألفا.

فيسأله ثانية عن الرسل منهم : كم المرسلون؟

فيجيبه النبي : ثلاثمائة وثلاثة عشر وبقيّتهم أنبياء «والرّسول هو المأمور بالإنذار والإبلاغ في حين أنّ النّبي أعمّ منه مفهوما».

ويسأل أبو ذرّ مرّة اخرى : كان آدم نبيّا؟!

فيجيب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم ، كلّمه الله وخلقه بيده.

فيسأله أبو ذرّ : كم أنزل الله من كتاب؟ فيجيب النبي : مائة وأربعة كتب أنزل الله

٢٦٥

منها على آدم عشر صحف ، وعلى شيث خمسين صحيفة وعلى أخنوخ وهو «إدريس» ثلاثين صحيفة ، وهو أوّل من خطّ بالقلم ، وعلى إبراهيم عشر صحائف ، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان»(١) .

٥ ـ المسؤولية عن الأعمال في كتب السابقين

الذي يلفت النظر أنّ التّوراة الحالية أوردت المضمون الذي ذكرته الآيات محلّ البحث في كتاب حزقيل إذ جاء فيه :

«الجاني الذي يذنب سيموت ، والابن لا يحمل عبء أبيه والأب لا يحمل ذنب ابنه»(٢) .

وجاء هذا المعنى ذاته أيضا في مورد القتل في سفر التثنية من التوراة.

«لا يقتل الآباء عوضا عن الأبناء ولا يقتل الأبناء عوضا عن الآباء ، فكلّ يقتل بذنبه»(٣) .

وبالطبع فإنّ كتب الأنبياء الأصلية ليست في متناول اليد ، وإلّا لكان من الممكن أن نعثر على موارد أكثر في شأن هذا الأصل وأمثاله.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٤٧٦ وذكر هذا الحديث في روح البيان أيضا ، ج ٩ ، ص ٢٤٦.

(٢) كتاب حزقيل ، الفصل ١٨ ص ٢٠.

(٣) التوراة ، سفر التثنية ، باب ٢٤ الرقم ١٦.

٢٦٦

الآيات

( وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (٤٢) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (٤٤) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (٤٦) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (٤٧) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (٤٨) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (٤٩) )

التّفسير

كلّ شيء ينتهى إليه :

في هذه الآيات تتجلّى بعض صفات الله التي ترشد الإنسان إلى مسألة التوحيد وكذلك المعاد أيضا.

ففي هذه الآيات وإكمالا للبحوث الواردة في شأن جزاء الأعمال يقول القرآن :( وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى ) .

وليس الحساب والثواب والجزاء في الآخرة بيد قدرته فحسب ، فإنّ الأسباب والعلل جميعها تنتهي سلسلتها إلى ذاته المقدّسة ، وجميع تدبيرات هذا العالم تنشأ من تدبيراته ، وأخيرا فإنّ ابتداء هذا العالم والموجودات وانتهاؤها كلّها

٢٦٧

منه وإليه ، وتعود إلى ذاته المقدّسة.

ونقرأ في بعض الرّوايات في تفسير هذه الآية عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «إذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا»(١) .

أي لا تتكلّموا في ذات الله فإنّ العقول تحار فيه ولا تصل إلى حدّ فإنّه لا يمكن للعقول المحدودة أن تفكّر في ما هو غير محدود لأنّه مهما فكّرت العقول فتفكيرها محدود وحاشا لله أن يكون محدودا.

وبالطبع فإنّ هذا التّفسير يبيّن مفهوما آخر لهذه الآية ولا ينافي ما ذكرناه آنفا ويمكن الجمع بين المفهومين في الآية.

ثمّ يضيف القرآن في الآية التالية مبيّنا حاكمية الله في أمر ربوبيته وانتهاء امور هذا العالم إليه فيقول :( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ) (٢) ( مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى ) !

وهذه الآيات الأربع وما قبلها في الحقيقة هي بيان جامع وتوضيح طريف لمسألة انتهاء الأمور إليه وتدبيره وربوبيته ، لأنّها تقول : إنّ موتكم وحياتكم بيده واستمرار النسل عن طريق الزوجين بيده ، وكلّ ما يحدث في الحياة فبأمره ، فهو يضحك ، وهو يبكي ، وهو يميت ، وهو يحيي ، وهكذا فإنّ أساس الحياة والمعوّل عليه من البداية حتّى النهاية هو ذاته المقدّسة.

وقد جاء في بعض الأحاديث ما يوسع مفهوم الضحك والبكاء في هذه الآية ففسّرت بأنّه سبحانه : أبكى السماء بالمطر وأضحك الأرض بالنبات(٣) .

وقد أورد بعض الشعراء هذا المضمون في شعره فقال :

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم طبقا لما جاء في نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٧٠.

(٢) هذه الأفعال وإن جاءت بصيغة الماضي إلّا أنّها تعطي معنى الفعل المضارع أيضا والدلالة على الدوام (فلاحظوا بدقّة).

(٣) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٧٢.

٢٦٨

انّ فصل الربيع فصل جميل

تضحك الأرض من بكاء السماء

وما يسترعي النظر أنّ القرآن أشار إلى صفتي الضحك والبكاء دون سائر أفعال الإنسان ، لأنّ هاتين الصفتين خاصّتان بالإنسان وغير موجودتين في الحيوانات الاخر أو نادرتان جدّا.

أمّا تصوير انفعالات الإنسان عند الضحك أو البكاء وعلاقتهما بالتغيّرات في نفس الإنسان وروحه فانّها غريبة وعجيبة جدّا ، وكلّ هذه الأمور في مجموعها يمكن أن تكون آية واضحة من آيات المدبّر الحقّ ، بالإضافة إلى التناسب الموجود بين الضحك والبكاء والحياة والفناء!

وعلى كلّ حال ، فانتهاء جميع الأمور إلى تدبير الله وربوبيته لا ينافي أصل الإختيار وحرية إرادة الإنسان ، لأنّ الإختيار وحرية الإرادة في الإنسان أيضا من قبل الله وتدبيره وتنتهي إليه!.

وبعد ذكر الأمور المتعلّقة بالربوبية والتدبير من قبل الله يتحدّث القرآن عن موضوع المعاد فيقول :( وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى ) .

«النشأة» : معناها الإيجاد والتربية ، و «النشأة الاخرى» ليست شيئا سوى القيامة!

والتعبير بـ «عليه» من جهة أنّ الله لمّا خلق الناس وحمّلهم الوظائف والمسؤوليات وأعطاهم الحرية وكان بينهم المطيعون وغير المطيعون والظلمة والمظلومون ولم يبلغ أي من هؤلاء جزاءه النهائي في هذا العالم ، اقتضت حكمته أن تكون نشأة اخرى للتحقّق العدالة.

أضف إلى ذلك فإنّ الحكيم لا يخلق هذا العالم الواسع لأيّام أو سنوات محدودة بما فيها من مسائل غير منسجمة ، فلا بدّ أن يكون مقدّمة لحياة أوسع تكمن فيها قيمة هذا الخلق الواسع ، وبتعبير آخر إذا لم تكن هناك نشأة اخرى فإيجاد هذا العالم لا يبلغ هدفه النهائي!

٢٦٩

وممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ الله سبحانه جعل هذا الوعد لعباده وعدا محتوما على نفسه ، وصدق كلام الله يوجب أن لا يخلف وعده.

ثمّ يضيف القرآن في الآية التالية قائلا :( وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى ) فالله سبحانه لم يرفع حاجات الإنسان المادية عنه بلطفه العميم فحسب ، بل أولاده غنى يرفع عنه حاجاته المعنوية من امور التربية والتعليم والتكامل عن طريق إرسال الرسل إليه وإنزال الكتب السماوية وإعطائه المواهب العديدة.

«وأغنى» : فعل مشتق من غني ومعناه عدم الحاجة.

«وأقنى» : فعل مشتقّ من قنية على وزن جزية ، ومعناها الأموال التي يدّخرها الإنسان(١) .

فيكون معنى الآية على هذا النحو : هو أغنى أي رفع الحاجات الفعلية ، وأقنى معناه إيلاء المواهب التي تدخّر سواء في الأمور المادية كالحائط أو البستان والأملاك وما شاكلها ، أو الأمور المعنوية كرضا الله سبحانه الذي يعدّ أكبر «رأس مال» دائم!

وهناك تفسير آخر لأقنى ، وهو أنّه ما يقابل أغنى ، أي أنّ الغنى والفقر بيد قدرته ، نظير ذلك ما جاء في الآية (٢٦) من سورة الرعد :( اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ ) .

إلّا أنّ هذا التّفسير لا ينسجم مع ما ورد عن «أقنى» من معنى في كتب اللغة والآية المذكورة في هذا الصدد لا يمكن أن تكون «شاهدا» على هذا التّفسير.

أمّا آخر آية من الآيات محلّ البحث فتقول :( وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى ) .

والتعويل في القرآن على «الشعرى» النجم المعروف في السماء بالإضافة إلى أنّه أكثر النجوم لمعانا ويطّلع عند السحر في مقربة من الجوزاء ممّا يلفت النظر

__________________

(١) راجع المفردات للراغب ، مادّة قني.

٢٧٠

تماما هذا التعويل والتصريح به لأنّ طائفة من المشركين العرب كانت تعبده ، فالقرآن يشير إلى أنّ الأولى بالعبادة هو الله لأنّه ربّ الشعرى «وربّكم».

وينبغي الالتفات ـ ضمنا ـ أنّ هناك نجمين معروفين باسم الشعرى أحدهما إلى الجنوب ويدعى بنجم الشعرى اليماني «لأنّ اليمن جنوب الجزيرة العربية» والآخر نجم الشعرى الشامي الواقع في الجهة الشمالية «والشام شمال الجزيرة أيضا» إلّا أنّ المعروف والمشهور هو الشعرى اليماني.

وهناك لطائف ومسائل خاصّة في هذا النجم «الشعرى» سنتحدّث عنه بعد قليل.

* * *

بحوث

١ ـ كلّ الدلائل تشير إليه

إنّ ما تثيره هذه الآيات في الحقيقة إشارة إلى هذا المعنى ، وهو أنّ أي نوع من أنواع التدبير في هذا العالم إنّما يعود إلى ذات الله المقدّسة ، بدءا من مسألة الموت والحياة ، إلى خلق الإنسان من نطفة لا قيمة لها ، وكذلك الحوادث المختلفة التي تقع في حياة الإنسان فتضحكه تارة وتبكيه اخرى ، كلّ ذلك من تدبير الله سبحانه.

والنجوم والكواكب المشرقة في السماء تطلع وتغيب بأمره وتحت ربوبيته.

وفي الأرض الغنى وعدم الحاجة وما يقتنيه الإنسان كلّ ذلك يعود إلى ذاته المقدّسة.

وبالطبع فإنّ النشأة الاخرى بأمره أيضا ، لأنّها حياة جديدة وامتداد لهذه الحياة واستمرارها.

هذا البيان ـ يبرز خطّ التوحيد من جهة ومن ـ جهة اخرى ـ خطّ المعاد ، لأنّ خالق الإنسان من نطفة لا قيمة لها في الرحم قادر على تجديد حياته أيضا.

٢٧١

وبتعبير آخر ، إنّ جميع هذه الأمور كاشفة عن توحيد أفعال الله وتوحيد ربوبيته أجل كلّ هذي الأصداء من إيحائه!

٢ ـ عجائب نجم الشعرى :

«نجم الشعرى» كما أشرنا إليه آنفا من أشدّ النجوم في السماء لمعانا وإشراقا وهو معروف بنجم الشعرى اليماني ، لأنّه يقع في جهة جنوب الجزيرة العربية ، وحيث أنّ اليمن في جنوب الجزيرة أيضا فقد أطلق عليه «باليماني»!

وكانت طائفة من العرب كقبيلة «خزاعة» تقدّس هذا النجم وتعبده وتعتقد أنّه مبدأ الموجودات على الأرض فتأكيد القرآن على أنّ الله ربّ الشعرى هو لإيقاظ هذه القبيلة وأمثالها من غفوتها ، لئلّا يشتبه المخلوق بالخالق ويجعل المربوب مكان الربّ كما كانت القبيلة آنفة الذكر عليه.

هذا النجم العجيب الخلقة لإشراقه الكثير عدّ ملك النجوم وله أسرار وعجائب نشير إليها في هذا البحث مع ملاحظة أنّ هذه الحقائق كانت في ذلك العصر مجهولة عند العرب وغيرهم عن الشعرى فإنّ تأكيد القرآن على هذا الموضوع ذو معنى غزير!

أ ـ طبقا للتحقيقات التي أجريت في المراصد المعروفة في العالم عن «الشعرى» ظهر أنّ حرارة هذا النجم تبلغ ١٢٠ ألف درجة سانتيغراد!.

مع العلم أنّ حرارة سطح الشمس لا تتجاوز ٦٥٠٠ درجة سانتيغراد وهذا التفاوت بين الحرارتين يبيّن مدى حرارة الشعرى بالنسبة إلى الشمس.

ب ـ الجرم المخصوص لهذا النجم أثقل وزنا من الماء بمقدار خمسين ألف مرّة تقريبا ، أي أنّ وزن الليتر من الماء على الشعرى يعادل خمسين طنّا على سطح الأرض! مع أنّ من بين مجموع المنظومة الشمسية يعدّ كوكب عطارد أكثر الأجرام في وزنه النوعي ولا يتجاوز وزنه النوعي ستّة أضعاف الوزن النوعي للماء!

٢٧٢

فينبغي أن نعرف بهذا الوصف كم هذا النجم مثير للدهشة والعجب ، ومن أي عنصر يتألّف حتّى صار مضغوطا بهذا المستوى؟!

ج ـ يظهر نجم الشعرى ـ في قرننا ـ عند فصل الشتاء إلّا أنّ هذا النجم أو الكوكب كان يظهر في عصر منجمّي مصر في الصيف! وهو كوكب كبير يعادل عشرين ضعفا من كوكب الشمس ، ومسافته تبعد عن الأرض أكثر من مسافة الشمس بمقدار كبير وقد ذكروا أنّ مسافة بين الشعرى والأرض تعادل مليون مرّة المسافة بيننا وبين الشمس.

ونعرف أنّ سرعة النور في الثانية ٣٠٠ ألف ألف متر (ثلاثمائة ألف كيلومتر) وأنّ نور الشمس يصل إلينا خلال ثماني دقائق وثلاث عشرة ثانية مع أنّها تبعد عنّا مسافة خمسة عشر مليون كيلو «مترا» في حين أنّ شعاع الشعرى لا يصلنا إلّا بعد عشر سنين ، والآن قدّروا كم هي الفاصلة بين الشعرى والأرض!

د ـ لكوكب الشعرى نجم تابع له يدور حوله وهو من نجوم السماء الغامضة.

وأوّل من اكتشفه عالم يدعى بسل Besell عام ١٨٤٤ م إلّا أنّه رؤي عام ١٨٦٢ بالمجهر «التلسكوب» ويكمل هذا النجم دورته حول الشعرى في ٥٠ عاما(١) .

كلّ هذا يدلّ أنّ تعابير القرآن إلى أيّ مدى عميقة وذات معنى غزير ، وفي طيّات تعابيره حقائق كامنة إذا لم يقدّر لها أن تعرف في عصر نزولها فإنّها تتجلّى بمرور الزمان.

٣ ـ حديث عميق المحتوى عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

جاء في بعض الأحاديث أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّ بقوم يضحكون فقال : لو تعلمون

__________________

(١) دائرة المعارف الإسلامية مادّة ، شعرى.

٢٧٣

ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا فنزل عليه جبرئيل فقال : إنّ الله هو أضحك وأبكى فرجع النّبي إليهم وقال ما خطوت أربعين خطوة حتّى أتاني جبرئيل فقال : ائت هؤلاء ، فقل لهم : إنّ الله أضحك وأبكى(١) .

وفي ذلك إشارة إلى أنّ المؤمن لا يلزمه أن يبكي دائما ، فالبكاء من خوف الله في محلّه مطلوب ، والضحك في محلّه مطلوب أيضا ، لأنّهما من الله!

وعلى كلّ حال ، فإنّ هذه التعابير لا تنافي أصل الإختيار وحرية الإرادة في الإنسان ، لأنّ الهدف هو بيان علّة العلل وخالق هذه الغرائز والإحساسات!

وعند ما نقرأ في الآية ٨٢ من سورة التوبة قوله تعالى :( فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) فهذا الأمر وارد في المنافقين ، لأنّ الآيات التي قبل هذه الآية وبعدها تشهد بذلك!

الذي يلفت النظر أنّ القرآن يقسم في بداية السورة بالنجم فيقول :( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) وفي الآية محلّ البحث يقول في بيان صفات الله :( وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى ) فإذا جمعنا الآيتين جنبا إلى جنب فهمنا لم لا يصحّ عبادة الشعرى ، لأنّ كوكب الشعرى يأفل أيضا ، وهو أسير في قبضة قوانين الخلق!

* * *

__________________

(١) تفسير الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ١٣٠.

٢٧٤

الآيات

( وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (٥٠) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (٥٢) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (٥٣) فَغَشَّاها ما غَشَّى (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (٥٥) )

التّفسير

ألا تكفي دروس العبرة هذه؟!

هذه الآيات ـ كالآيات المتقدّمة ـ تستكمل المسائل المذكورة في الصحف الاولى وما جاء في صحف إبراهيم وموسى.

وكانت الآيات المتقدّمة قد ذكرت عشر مسائل ضمن فصلين :

الأوّل : كان ناظرا إلى مسئولية كلّ إنسان عن أعماله.

الثاني : ناظر إلى انتهاء جميع الخطوط والحوادث إلى الله سبحانه! أمّا الآيات محلّ البحث فتتحدّث عن مسألة واحدة ـ وإن شئت قلت ـ تتحدّث عن موضوع واحد ذلك هو مجازاة أربع امم من الأمم المنحرفة الظالمة وإهلاكهم ، وفي ذلك إنذار لأولئك الذين يلوون رؤوسهم عن طاعة الله ولا يؤمنون بالمبدأ والمعاد(١) .

__________________

(١) ينبغي الالتفات بأنّ هذه المسائل أو المواضيع المشار إليها في القرآن في أحد عشر فصلا ، كلّها بدأت بأنّ : فأوّلها جاء

٢٧٥

فتبدأ الآية الاولى من الآيات محلّ البحث فتقول :( وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى ) وصف عاد بـ «الاولى» إمّا لقدمها حتّى أنّ العرب تطلق على كلّ قديم أنّه «عاديّ» أو لوجود امّتين في التاريخ باسم «عاد» والامّة المعروفة التي كانت نبيّها هودعليه‌السلام تدعى بـ «عاد الاولى»(١) .

ويضيف القرآن في الآية التالية قائلا :( وَثَمُودَ فَما أَبْقى ) .

ويقول في شأن قوم نوح :( وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى ) .

لأنّ نبيّهم نوحا عاش معهم زمانا طويلا ، وبذل قصارى جهده في إبلاغهم ونصحهم ، فلم يستجب لدعوته إلّا قليل منهم ، وأصرّوا على شركهم وكفرهم وعتوّهم واستكبار هم وإيذائهم نبيّهم نوحا وتكذيبهم إيّاه وعبادة الأوثان بشكل فظيع كما سنعرض تفصيل ذلك في تفسير سورة نوح إن شاء الله.

وأمّا رابعة الأمم فهي «قوم لوط» المشار إليهم بقوله تعالى :( وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى ) .

والظاهر أنّ زلزلة شديدة أصابت حيّهم وقريتهم فقذفت عماراتهم نحو السماء بعد اقتلاعها من الأرض وقلبتها على الأرض ، وطبقا لبعض الرّوايات كان جبرئيل قد اقتلعها بإذن الله وجعل عاليها سافلها ودمّرها تدميرا( فَغَشَّاها ما غَشَّى ) (٢) .

أجل لقد أمطروا بحجارة من السماء ، فغشّت حيّهم وعماراتهم المنقلبة ودفنتها عن آخرها.

وبالرغم من أنّ التعبير في هذه الآية والآية السابقة لم يصرّح بقوم لوط ، إلّا

__________________

في الآية ٣٨ ألا تزر وازرة وزر اخرى وآخرها وأنّه أهلك عادا الاولى.

(١) مجمع البيان وروح المعاني ، وتفسير الرازي.

(٢) «ما» في ما غشّى يمكن أن تكون مفعولا به أو فاعلا نظير والسماء وما بناها إلّا أنّ الاحتمال الأوّل أكثر انسجاما مع ظاهر الآية وعلى كلّ حال فإنّ هذا التعبير يأتي للتهويل!

٢٧٦

أنّ المفسّرين فهموا منه كما فهموا من الآية ٧٠ من سورة التوبة والآية ٩ من سورة الحاقة هذا المعنى من عبارة المؤتفكات ، وقد احتمل بعضهم أنّه هذا التعبير يشمل كلّ المدن المقلوبة والنازل عليها العذاب من السماء ، إلّا أنّ آيات القرآن الاخر تؤيّد ما ذهب إليه المشهور بين المفسّرين!.

وقد جاء في الآية (٨٢) من سورة هود :( فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ) !

وجاء في تفسير علي بن إبراهيم أنّ المؤتفكة «المدينة المقلوبة» هي «البصرة»! لأنّه ورد في رواية أنّ أمير المؤمنين عليا خاطب أهلها بالقول : يا أهل البصرة ويا أهل المؤتفكة ويا جند المرأة وأتباع البهيمة!

غير أنّه من المعلوم أنّ هذا التعبير في كلام الإمام عليعليه‌السلام هو من باب التطبيق والمصداق ، لا التّفسير ، لاحتمال أن يكون أهل البصرة يومئذ فيهم شبه بأهل المؤتفكة من الناحية الأخلاقية وما ابتلي به قوم لوط من عذاب الله!

وفي ختام هذا البحث يشير القرآن إلى مجموع النعم الوارد ذكرها في الآيات المتقدّمة ويلمح إليها بصورة استفهام إنكاري قائلا :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى ) ؟

فهل تشّك وتتردّد بنعم الله ، كنعمة الحياة أو أصل نعمة الخلق والإيجاد ، أو نعمة أنّ الله هذه لا يأخذ أحدا بوزر أحد ، وما جاء في الصحف الاولى وأكّده القرآن؟!

وهل من شاكّ بهذه النعمة ، وهي أنّ الله أبعدكم عن البلاء الذي عمّ الأمم السابقة بكفرهم وشملكم بعفوه ورحمته؟!

أو هل هناك شكّ في نعمة نزول القرآن وموضوع الرسالة والهداية؟

صحيح أنّ المخاطب بالآية هو شخص النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا أنّ مفهومها شامل لجميع المسلمين ، بل الهدف الأصلي من هذه الآية إفهام الآخرين.

٢٧٧

«تتمارى»(١) مشتقّ من تماري ومعناه المحاجة والمجادلة المقرونة بالشكّ والتردّد!

«آلاء» جمع : ألأ ، أو إلي ـ على وزن فعل ـ والألئ معناها النعمة وبالرغم من أنّ بعض ما جاء في الآيات المتقدّمة ومن ضمنها إهلاك الأمم السابقة وتعذيبهم ليس مصداقا للنعمة إلّا أنّه من جهة كونه درسا للعبرة «للآخرين» ولأنّ الله لم يعذّب المسلمين وحتّى الكفّار المعاصرين لهم بذلك العذاب يمكن اعتبار ذلك نعمة عظيمة.

* * *

__________________

(١) بالرغم من أنّ باب التفاعل في اللغة العربية يدلّ على اشتراك طرفين في الفعل ، إلّا أن تتمارى هنا مخاطب به شخص واحد ، وهو أمّا لتعدّد الحالات أو للتأكيد «فلاحظوا بدقّة».

٢٧٨

الآيات

( هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ (٥٨) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢) )

التّفسير

اسجدوا له جميعا

تعقيبا على الآيات المتقدّمة التي كانت تتحدث عن إهلاك الأمم السالفة لظلمهم ، تتوجّه هذه الآيات ـ محلّ البحث ـ إلى المشركين ، والكفّار ومنكري دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتخاطبهم بالقول :( هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى ) أي النّبي أو القرآن نذير كمن سبقه من المنذرين.

وقوله عن «القرآن أو النّبي «هذا نذير من النذر الاولى» يعني أنّ رسالة محمّد وكتابه السماوي لم يكن (أي منهما) موضوعا لم يسبق إليه ، فقد أنذر الله أمما بمثله في ما مضى من القرون ، فعلام يكون ذلك مثار تعجّبكم؟

وقال بعض المفسّرين إنّ المراد من( هذا نَذِيرٌ ) هو الإشارة إلى الإخبار

٢٧٩

الوارد في الآيات المتقدّمة عن نهاية الأمم السالفة ، لأنّ هذا الإخبار بنفسه نذير أيضا ، إلّا أنّ التّفسيرين السابقين أنسب كما يبدو.

ومن أجل أن يلتفت المشركون والكفّار إلى الخطر المحدق بهم ويهتّموا به أكثر يضيف القرآن قائلا :( أَزِفَتِ الْآزِفَةُ ) .

أجل ، فقد اقترب وعد القيامة فأعدّوا أنفسكم للحساب ، والتعبير بـ «الآزفة» عن القيامة هو لاقترابها وضيق وقتها ، لأنّ الكلمة هذه مأخوذة من الأزف على وزن نجف. ومعناه ضيق الوقت ، وبالطبع فإنّ مفهومه يحمل الاقتراب أيضا

وتسمية القيامة بالآزفة في القرآن بالإضافة إلى هذه الآية محلّ البحث ، واردة في الآية ١٨ من سورة غافر أيضا وهو تعبير بليغ وموقظ ، وهذا المعنى جاء بتعبير آخر في سورة القمر (الآية الاولى)( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ) ، وعلى كلّ حال فإنّ اقتراب القيامة مع الأخذ بنظر الإعتبار عمر الدنيا المحدود والقصير يمكن إدراكه بوضوح ، خاصّة ما ورد أنّ من يموت تقوم قيامته الصغرى.

ثمّ يضيف القرآن قائلا : أنّ المهمّ هو أنّه لا أحد غير الله بإمكانه إغاثة الناس في ذلك اليوم والكشف عمّا بهم من شدائد :( لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ ) (١) .

«الكاشفة» هنا معناه مزيحة الشدائد. إلّا أنّ بعضهم فسّرها بأنّها العامل لتأخير القيامة ، وبعضهم فسّرها بأنّها الكاشفة عن تاريخ وقوع يوم القيامة ، إلّا أنّ المعنى الأوّل أنسب ظاهرا.

وعلى كلّ حال ، فالحاكم والمالك وصاحب القدرة في ذلك الحين وكلّ حين هو الله سبحانه ، فإذا أردت النجاة فالتجئوا إليه وإلى لطفه وإذا طلبتم الدّعة والأمان فاستظلّوا بالإيمان به.

ويضيف القرآن في الآية التالية قائلا :( أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ) .

__________________

(١) الضمير في لها يعود على الآزفة وتأنيث الكاشفة ، لأنّها صفة للنفس المحذوفة ، وقال آخرون هي تاء المبالغة كالتاء في العلامة.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

٢٧ - أبو الحسين بن بشران العدل أخذ عنه الحديث ببغداد.

٢٨ - ألمبارك بن محمّد الشعطي.

٢٩ - ركن الأئمَّة عبد الحميد بن ميكائيل.

٣٠ - أبو القاسم منصور بن نوح الشهرستاني أخذ منه الحديث في رجوعه من حجِّه سنة ٥٤٤ بشهرستان.

٣١ - أبو الفضل عبد الرَّحمن بن محمّد الكرماني.

٣٢ - أبو داود محمود بن سليمان بن محمّد الهمداني، يروي عنه وبينهما مكاتبة.

٣٣ - سديد الدين محمّد بن منصور بن علي المقري المعروف بالديواني.

٣٤ - أبو الحسن عليُّ بن أحمد الكرباسي يروي عنه إملاء.

٣٥ - ألإمام مسعود بن أحمد الدهستاني يروي عنه بالمكاتبة.

تلامذته والرواة عنه

١ - برهان الدين أبو المكارم ناصر بن أبي المكارم عبد السيِّد المطرزي الخوارزمي الحنفي المولود ٥٣٨ والمتوفّى ٦١٠، قرأ على المترجم وأخذ منه كما في ( بغية الوعاة ) ص ٤٠٢ و ( مفتاح السعادة ) ١ ص ١٠٨ ويروي عنه كما في ( فرائد السمطين ) وفي إجازة العلّامة الحلّي الكبيرة لبني زهرة، والإجازة الكبيرة لصاحب المعالم.

٢ - مسلم بن علي بن الاُخت يروي عنه كتابه ( المناقب ) كما في إجازة أحد تلامذة الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي المتوفّى ٦٨٩ للسيِّد شمس الدين محمّد بن جمال الدين أحمد اُستاد الشهيد الأوَّل(١) .

٣ - ألشيخ أبو الرِّضا طاهر بن أبي المكارم عبد السيِّد بن علي الخوارزمي يروي عنه كتابه ( المناقب ) كما في الإجازة المذكورة الأخيرة.

٤ - ألشيخ أبو محمّد عبد الله بن جعفر بن محمّد الحسيني يروي عنه كتابه ( المناقب ) كما في الإجازة التي أوعزنا إليها.

٥ - أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني المتوفّى ٥٨٨

____________________

١ - استظهر العلامة المجلسي في كتاب اجازات البحار ص ٣٠:ان الاجازة المذكورة للسيد محمد بن الحسن بن محمد بن أبي الرضا العلوى.

٤٠١

كما في ( المقابيس ) وكانت بينه وبين المترجم مكاتبة كما في أوَّل مناقبه.

٦ - جمال الدين إبن معين يروي عنه كتاب مقتله كما ذكره الحموي في ( فرائد السمطين ).

٧ - أبو القاسم ناصر بن أحمد بن بكر النحوي المتوفّى سنة ٦٠٧ قرأ على المترجم كما في ( بغية الوعاة ) ص ٤٠٢.

تآليفه

إنَّ تضلّع الرجل في الفقه والحديث والتاريخ والأدب إلى علوم متنوِّعة اُخرى وكثرة شهرته في عصره ومكاتبته مع أساتذة الفنون تستدعي له تآليف كثيرة، وأحسب أنَّ الأمر كان كذلك لكن ما اشتهر منها إلّا كتبه السبعة التي قضت على أكثرها الأيّام وهي:

١ - كتاب مناقب الإمام أبي حنيفة المطبوع في حيدر آباد سنة ١٣٢١ في مجلّدين.

٢ - كتاب ردّ الشمس لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام ذكره له معاصره والرّاوي عنه أبو جعفر ابن شهر آشوب في ( المناقب) ج ١ ص ٤٨٤.

٣ - كتاب الأربعين في مناقب النبيَّ الأمين ووصيِّه أمير المؤمنين [ صلوات الله عليهما وآلهما ] كما في مقتله يرويه عنه أبو جعفر ابن شهر اشوب وقال:كاتبني به مؤلِّفه الخوارزمي، وينقل عنه كثيراً في ( المناقب )، ونحن راجعنا الأحاديث المنقولة عنه في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام كتاب مناقبه الدائر السائر وما وجدناها فيه فاحتمال إتِّحاد كتابه هذا مع مناقبه في غير محلّه.

٤ - كتاب قضايا أمير المؤمنينعليه‌السلام ذكره له إبن شهر اشوب في مناقبه ج ١ ص ٤٨٤.

٥ - كتاب مقتل الإمام السبط الشهيد سلام الله عليه يرويه عنه جمال الدين إبن معين كما في الإجازات رتَّبه على خمسة عشر فصلاً في مجلّدين وإليك فهرست فصوله:

١ - في ذكر شيءٍ من فضائل النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم

٢ - في فضائل اُم المؤمنين خديجة بنت خويلد.

٣ - في فضائل فاطمة بنت أسد اُم أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٤٠٢

٤ - نماذج من فضائل أمير المؤمنين وذريَّته الطاهرة صلوات الله عليهم.

٥ - في فضائل الصّديقة فاطمة بنت النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم

٦ - في فضائل الحسن والحسين عليهما الصلاة والسَّلام.

٧ - في فضائل الحسين خاصَّة.

٨ - في إخبار النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الحسين وأحواله.

٩ - في ما جرى بينه وبين الوليد ومروان حال حياة معاوية وبعد وفاته.

١٠ - في أحواله مدَّة مقامه بمكّة وبيان ما ورد عليه من كتب أهل الكوفة وإرساله مسلم بن عقيل إلى الكوفة ومقتله بها.

١١ - في خروجه من مكّة إلى العراق وما جرى عليه في طريقه ونزوله بالطفِّ ومقتله بها.

١٢ - في عقوبة قاتله وخاذله صلى الله عليه ولعن قاتله.

١٣ - في ذكر المصيبة به ومرثيتهعليه‌السلام .

١٤ - في ذكر زيارة تربته.

١٥ - في انتقام مختار بن أبي عبيد الثقفي من قاتليه وخاذليه.

٦ - ديوان شعره قال الچلبي في كشف الظنون ج ١ ص ٥٢٤:ديوانه جيِّدٌ وكان في الشعر في طبقة معاصريه.

٧ - كتاب فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام المعروف بالمناقب المطبوع سنة ١٢٢٤.

وهذا الكتاب يرويه عن المؤلّف غير واحد من أئمَّة الحديث كما مرّ الإيعاز إليه، منهم:

١ - ألشيخ مسلم بن علي بن الاُخت.

٢ - ألشيخ أبو الرِّضا طاهر بن أبي المكارم عبد السيِّد الخوارزمي.

٣ - ألسيِّد أبو محمّد عبد الله بن جعفر الحسيني.

٤ - ألشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي المتوفّى ٦٨٩ قال:قرأت كتاب المناقب للخوارزمي على الشيخ أبي محمّد عبد الله بن جعفر بن محمّد الحسيني في سنة ٥٩٣.

٥ - برهان الدين أبي المكارم ناصر بن أبي المكارم المطرزي.

٤٠٣

٦ - قال الأميني:وأنا أروي هذا الكتاب عن فقيه الطائفة في علويَّة الشيعة آية الله الحاج آقا حسين القمي(١) المتوفّى ١٤ ربيع الأوَّل ١٣٦٦، عن العلّامة الأكبر السيِّد مرتضى الكشميري المتوفّى ١٣٢٣، عن السيّد مهدي القزويني المتوفّى ١٣٠٠، عن عمِّه السيِّد محمَّد باقر بن أحمد القزويني المتوفّى ١٢٤٦، عن خاله السيِّد محمَّد المهدي بحر العلوم المتوفّى ١٢١٢، عن الاُستاذ الأكبر البهبهاني المتوفّى ١٢٠٨، عن والده الأكمل البهبهاني، عن جمال الدين الخوانساري المتوفّى ١١٢٥، عن العلّامة التقي المجلسي المتوفّى ١٠٧٠، عن الشيخ جابر بن عبّاس النجفي عن المحقق الكركي الشهيد ٩٤٠، عن الشيخ زين الدين علي بن هلال الجزائري، عن الشيخ أبي العبّاس أحمد بن فهد الحلّي المتوفّى ٨٤١، عن الشيخ شرف الدين أبي عبد الله الحلّي الأسدي المتوفّى ٨٢٦، عن شيخنا الشهيد الأوَّل المستشهد ٧٨٦، عن رضي الدين أبي الحسن علي المزيدي الحلّي المتوفَّى ٧٥٧، عن آية الله العلّامة الحلّي المتوفّى ٧٢٦، عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد الحلّي المتوفّى ٦٨٩، عن السيِّد أبي محمَّد عبد الله بن جعفر الحسيني عن المؤلّف الخوارزمي.

____________________

١ - هو الفقيه من آل محمد، وجماع الفضل الكثار من مآثر أولئك الصفوة، بطل المسلمين والفقيه المقدم الورع الزاهد والمجاهد الناهض الداعي الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ومنبثق مكارم الاخلاق الى فضائل جمة يفوتها حد الاحصاء، وقصارى القول:انه لو كانت لهذه المناقب شخصية ماثلة لما عدته، أنا لا احاول سرد القول عن فقاهته وتقواه وزهادته وقداسته وكرامته على الدين وعند المؤمنين فانها حقايق جلية وأنما أنوّه بكلمة لا أكثر منها عن بطولته وشجاعته وشممه وإباءه، وهو ذلك البطل الناهض المدافع عن الدين وعن شرعة جده الامين من دون أن تأخذه في الله لومة لائم، هذه حقيقة عرفها الملاء الديني السابر صحيفته البيضاء في مناوئته جبابرة الوقت و طواغيت الزمن بجاش طامن، وقلب مطمأن، وجنان ثابت، وروح قوية، ومثابرة جبارة، نعم يقابل هذا اليفن الكبير بعزمه الفتىّ أقوى العوامل الفعالة، يقابل عدتها والعتاد، يقابل غلوائها بشخصية عزلاء الا عن الشجاعة الدينية، وقوة الايمان. وابهة العلم والتقوى، وعز المجد و الشرف، ومنعة السودد والخطر، فكانت من جراء هاتيك كلها أعمال مبرورة ومساع مشكورة حتى انتهت الى هجرته من خراسان لبثّ المعروف واكتساح المنكر واقامة عمد الدين حتّى ألقى عصا السير في كربلاء المشرفة وهو رابض فيها بحمى عمه الامام الشهيد ينتظر آونة الوثبة مرة أخرى الى أن اتيحت له بعد أن كبت بمناوئه بطنته، وأجهز عليه أمله، ولم يبق منه الا البدع والمخازي، فقفل سيدنا المترجم الى ايران ولم يبرح بها حتّى اكتسح تلكم المعرات، ولقي من حفاوة المؤمنين به ما لا يوصف، وعرج على العراق تعريجه الفاتح الظافر، ولم يزل بها حتى أهاب به داعي ربه فأجابه.

٤٠٤

وبطريق آخر للعلّامة الحلّي عن برهان الدين أبي المكارم ناصر بن أبي المكارم عن أبي المؤيَّد المؤلِّف الخوارزمي.

وهذا الكتاب [ المناقب ] نسبه إليه الذهبي في ( ميزان الإعتدال ) ج ٣ ص ٢٠ في ترجمة محمَّد بن أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان وقال:لقد ساق خطيب خوارزم من طريق هذا الدجّال إبن شاذان أحاديث كثيرة باطلة سمجة ركيكة في مناقب السيِّد عليّ رضي الله عنه(١) .

وذكره له الچلبي في ( كشف الظنون ) ٢ ص ٥٣٢ وقال:مناقب عليّ بن أبي طالب لأبي المؤيّد موفّق بن أحمد الخوارزمي.

وينقل عنه من عصره حتّى اليوم جمعٌ من حملة الحديث منهم:

١ - ألحافظ مفتي الحرمين صاحب [ كفاية الطالب المطبوع في مصر والعراق و ايران ] الكنجي الشافعي المتوفّى ٦٥٨، ينقل عنه في الكتاب ص ١٢٠، ١٢٤ و ١٤٨ و ١٨٢ و ١٩١ و ١٥٢ ط النجف الأشرف ونصَّ بنسبة الكتاب إلى المترجم في غير واحد من تلكم المواضع.

٢ - سيِّد الأصحاب رضيُّ الدين إبن طاووس المتوفّى ٦٦٤ ينقل عن الكتاب في تأليفه [ اليقين في أن عليّاً أمير المؤمنين ] في غير واحد من أبوابه، وقال في الباب السادس والعشرين:ألخوارزمي صاحب ( المناقب ) من أعظم علماء الأربعة المذاهب وقد أثنوا عليه وذكروا ما كان عليه من المناقب. وقال في موضع آخر:هو الذي أثني عليه ومدحه محمَّد بن النجّار شيخ المحدِّثين ببغداد وزكّاه.

٣ - ألعلّامة يوسف بن أبي حاتم الشامي ينقل عنه كثيراً في [ الدرِّ النظيم في الأئمَّة اللهاميم ] مصرِّحاً بنسبة الكتاب إليه.

____________________

١ - لقد اندفع الذهبي في قيله هذا الى ما هو شنشنة كثير من قومه ( وهو بمقربة منه ) من تحري الوقيعة في الصالحين والسباب من غير سبب والتحكم بالباطل لا عن موجب له، فحسب ابن شاذان دجالا وهو ذلك العبد الصالح، والعالم المتبحر، والراوية النيقد، وحسب أحاديثه أباطيل سمجة ركيكة على حين انه لم ينفرد بروايتها إنما خرجها قبله محدثوا أهل السنة في مسانيدهم وهي مما أطبق على روايته الفريقان. نعم:التصقت بها الركة والسماجة في مزعمة الذهبي لانها فضايل مولانا امير المؤمنين عليه‌ السلام.

٤٠٥

٤ - بهاء الدين عليّ بن عيسى الأربلي المتوفّى ٦٩٢ نقل عنه كثيراً في كتابه ( كشف الغمَّة ) مصرِّحاً بنسبة الكتاب إليه.

٥ - شيخ الإسلام أبو إسحاق الشيخ إبراهيم الحمويي المتوفّى ٧٢٢ ; يروي عنه في كتابه ( فرايد السمطين ) مصرِّحاً بنسبة الكتاب إليه.

٦ - آية الله العلّامة الحلّي المتوفّى ٧٢٦، ينقل عنه في كتابه ( كشف اليقين )

٧ - نور الدين إبن الصبّاغ المكّي المالكي المتوفّى ٨٥٥، قد أكثر النقل عنه قائلاً بأنَّ الخوارزمي روى في ( المناقب ).

٨ - ألشيخ عليّ بن يونس العاملي النباطي البياضي المتوفّى ٨٧٧ ; ينقل عنه في كتابه [ الصراط المستقيم ].

٩ - إبن حجر العسقلاني المتوفّى ٩٧٣، روى عن الخوارزمي حديث زفاف الزهراء سلام الله عليها والحديث موجود في [ المناقب ].

١٠ - ألسيِّد هاشم بن سليمان التوبلي البحراني المتوفّى ١١٠٧، ينقل عنه في [ غاية المرام ] وغيره.

١١ - شيخنا أبو الحسن الشريف المتوفّى ١١٣٨، ينقل عنه كثيراً في كتابه [ ضياء العالمين ] في الإمامة الموجود عندنا قائلاً في بعض مواضعه:رواه الخطيب الخوارزمي المشهور الموثوق به عندهم بنصِّ جماعة منهم في كتاب مناقبه.

٢ - ألسيِّد الشبلنجي الشافعي نصَّ في كتابه [ نور الأبصار ] على نسبة الكتاب إلى الخوارزمي وينقل عنه.

١٣ - ألقاضي القندوزي الشافعي ينقل عنه في كتابه [ ينابيع المودَّة ] معبِّراً عن الكتاب بفضائل أهل البيت.

١٤ - ألسيِّد أبو بكر بن شهاب الدين الحضرمي الشافعي، ينقل عنه في ( رشفة الصادي ) معبِّراً عنه بكتاب المناقب.

شعره وخطبه ولادته و وفاته

قال الصفدي كما في ( بغية الوعاة ):إنَّ للمترجم خطبٌ وشعرٌ. ولم نقف على شيءٍ من خطبه وكلمه وشعره غير ما في كتابيه:( ألمناقب ) و ( مقتل الإمام السبط )

٤٠٦

إلّا القليل، مع أنَّ له ديوان شعر كما ذكره الچلبي ; ويوجد شطر من شعره في ( المناقب ) لابن شهر اشوب، و (الصِّراط المستقيم ) للبياضي، و ( معجم الاُدباء ) للحموي ج ٣ ص ٤١ في ترجمة أبي العلاء الهمداني المتوفّى ٥٦٧.

وُلد المترجم في حدود سنة ٤٨٤ كما في ( بغية الوعاة ) و ( طبقات الحنفيَّة ) لمحيي الدين الحنفي، وديباجة كتابه مناقب أبي حنيفة عن القفطي، و ( الوافي بالوفيات ) للصفدي، وفي ( الفوايد البهيَّة ) إنّ مولده سنة ٤٨٤.

وتوفي سنة ٥٦٧ كما في ( بغية الوعاة ) عن القفطي، وفي ( الفوايد البهيَّة ) عن الصفدي، والتقيّ الفارسي مؤلّف (العقد الثمين ) في تاريخ البلد الأمين عن الذهبي في ( تاريخ الإسلام ) وهكذا أرَّخها الچلبي في كشف الظنون، والخوانساري في روضات الجنات، فما في الفوايد البهيَّة عن القفطي:انَّه توفي سنة ٥٩٦ تصحيفٌ واضحٌ، وقد نقله عنه صحيحاً السيوطي وغيره، كما انَّ ما في الفوائد من ٥٦٩. وما في تاريخ آداب اللغة من انَّه توفي سنة ٥٦٧ بعيدان عن الصَّواب ( والله العالم ).

٤٠٧

ألقرن السّادس

٥٢

الفقيه عماره

ولد ٥١٣

قتل ٥٦٩

ولاءك مفروضٌ على كلِّ مسلمٍ

وحّبك مفروطٌ وأفضل مغنمِ

إذا المرء لم يُكرم بحبِّك نفسه

غدا وهو عند الله غير مُكرَّمِ

ورثت الهدى عن نصّ عيسى بن حيدر

وفاطمةٍ لا نصَّ عيسى بن مريمِ

وقال:أطيعوا لإبن عمّي فإنَّه

أميني على سرِّ الإ~له المكتَّمِ

كذلك وصّى المصطفى وابن عمّه

إلى منجد يوم ( الغدير ) ومتهمِ

على مُستوىً فيه قديمٌ وحادثٌ

وإن كان فضل السبق للمتقدِّمِ

ملكت قلوب المسلمين ببيعةٍ

أمدَّت بعقدٍ من ولائك مبرمِ

واوتيت ميراث البسيطة عن أبٍ

وجدّ مضى عنها ولم يتقسَّمِ

لك الحقّ فيها دون كلِّ مُنازعٍ

ولو أنَّه نال السّماك بُسلّمِ

ولو حفظوا فيك الوصيَّة لم يكن

لغيرك في أقطارها دون درهمِ(١)

وله من قصيدة تأتي يرثي بها أهل القصر قوله:

والأرض تهتزُّ في يوم ( الغدير ) كما

يهتزُّ ما بين قصريكم من الأسلِ

( ألشاعر )

ألفقيه نجم الدين أبو محمَّد عمارة بن أبي الحسن علّي بن زيدان بن أحمد الحكمي اليمني، من فقهاء الشيعة الإماميَّة ومدرِّسيهم ومؤلِّفيهم ومن شهداء أعلامهم علي التشيّع، وقد زان علمه الكامل وفضله الباهر أدبه الناصع المتقارب من شعره المتألق،

____________________

١ - يمدح بها الخليفة الفائز بن الظافر.

٤٠٨

وإنّك لا تدري إذا نظم شعراً هل هو يُنضِّد درّاً ؟ أو يفرغ في بوتقة القريض تبراً ؟ فقد ضمَّ شعره إلى الجزالة قوّةً، وإلى السَّلاسة رونقاً، وفوق كلِّ ذلك مودّته المتواصلة لعترة الوحي وقوله بإمامتهم عليهم السَّلام حتّى لفظ نفسه الأخير ضحيّة ذلك المذهب الفاضل ; وقد أبقت تآليفه القيّمة وآثاره العلميّة والأدبيّة له ذكراً خالداً مع الأبد منها:النكت العصريّة في أخبار الوزراء المصريّة. وتاريخ اليمن. وكتاب في الفرايض وديوان شعره، وقصيدة ٌكتبها إلى صلاح الدين سمّاها:[ شكاية المتظلّم ونكاية المتألِّم ].

قال في كتابه ( النكت العصريَّة )(١) ص ٧ عند ذكر نسبه:فأمّا جرثومة النسب فقحطان ثمَّ الحكم بن سعد العشيرة المذحجي، وأمّا الوطن فمن تهامة باليمن مدينة مرطان من وادي وساع وبُعدها من مكّة في مهبِّ الجنوب أحد عشر يوماً، وبها المولد المربى وأهلها بقيّة العرب في تهامة، وكانت رئاستهم وسياستهم تنتهي إلى المشيب بن سليمان وهو جدّي من جهة الوالدة، وإلى زيدان بن أحمد وهو جدّي لأبي، وهما إبنا عم، وكان زيدان يقول:أنا أعدّ أسلافي أحد عشر جدّاً ما منهم إلّا عالمٌ مصنِّف في عدَّة علوم، ولقد أدركت عمِّي عليّ بن زيدان، وخالي محمّد بن المشيب، ورئاسة حكم بن سعد العشيرة تقف عليهما وتنتهي إليهما. إلى أن قال:قلتُ لأخي يحيى يوماً:من القائل في جدّيك:المشيب بن سليمان وزيدان بن أحمد:

إذا طرقتك أحداث الليالي

ولم يوجد لعلّتها طبيبُ

وأعوز من يجيرك من سطاها

فزيدان يجيرها والمشيبُ

هما ردّا عليَّ شتيت ملكي

ووجه الدّهر من رغم قطوبُ

وقاما عنه خذلاني بنصري

قياماً تستكين به الخطوبُ

فقال:هو السلطان عليّ بن حبابة الفرودي كان قومه قد أخرجوه من ملكه وأفقروه من ملكه وولّوا عليهم أخاه سلامة فنزل بهما فسارا معه في جموع من قومهما حتّى عزلا سلامة وولّيا عليّاً وأصلحا له قومه، وكان الذي وصل إليه من برِّهما وأنفقاه

____________________

١ - طبع مع مختار ديوانه في ٣٩٩ صحيفة في ( شالون ) على نهر ( سون ) بمطبع مرسو سنة ١٨٩٧ المسيحية.

٤٠٩

على الجيش في نصرته، وحملا إليه من خيل ومن إبل ما ينيف على خمسين ألفاً من الذهب، قال يحيى:وفي أبي وخالي يقول مدبِّر الشاعر الحكمي من قصيدة طويلة:

أبواكما ردّا على ابن حبابةٍ

ملكاً تبدَّد شمله تبديدا

كفل المشيب على الحسام بعوده

مُذْ صال زيدانٌ به فاُعيدا

وبنيتما ما شيّدا من سؤددٍ

قدماً فأشبه والدٌ مولودا

وحدَّثني أبي قال:مرض عمّك عليّ مرضاً أشرف فيه على الموت ثمَّ أبلَّ منه فأنشدته لرجل من بني الحارث يُدعى سلم بن شافع كان قد وفد عليه يستعينه في دية قتيل لزمته فلمّا شغلنا بمرض صاحبنا إرتحل الحارثي إلى قومه وأرسل إلى بقصيدة منها:

إذا أودى ابن زيدانٍ عليُّ

فلا طلعتْ نجومُك يا سماءُ

ولا اشتمل النساء على جنين

ولا روّى الثرى للسحب ماءُ

على الدنيا وساكنها جميعاً

إذا أردى أبو الحسن العفاءُ

قال فبكى عمّك وأمرني باحضار الحارثي ودفع له ألف دينار وساق عنه الدية بعد ستة أشهر، وكان إذا رآه أكرمه ورفع مجلسه، وبسط القول في جودِ عمِّه عليّ ابن زيدان وسعة ثروته وعظم شجاعته. ثمَّ قال ما ملخصه:أدركتُ الحلمَ سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وفي سنة إحدى وثلاثين بعثني والدي إلى زبيد مع الوزير مسلم ابن سخت فنزلت فيها ولازمت الطلب فأقمت أربع سنين لا أخرج عن المدرسة إلّا لصلاة يوم الجمعة، وفي السنة الخامسة زرت الوالدين وأقمت في زبيد ثلاث سنين وجماعة من الطلبة يقرؤون عندي مذهب الشافعي والفرائض في المواريث، ولي في الفرائض مصنَّف يُقرأ في اليمن، وفي سنة تسع وثلاثين زارني والدي وخمسة من اُخوتي إلى زبيد وأنشدت والدي شيئاً من شعري فاستحسنه ثمَّ قال:تعلم والله إنَّ الأدب نعمةٌ من نعم الله عليك فلا تكفرها بذمِّ الناس واستحلفني أن لا أهجو مسلماً قط ببيت شعر فحلفت له على ذلك، وحججت مع الملكة الحرَّة اُم فاتك ملك زبيد، وخرجت مرَّة اُخرى إلى مكّة سنة تسع وأربعين وخمس مائة وفي موسم هذه السنة مات أمير الحرمين هاشم بن فليتة وولّي الحرمين ولده قاسم بن هاشم فألزمني السفارة عنه والرسالة المصريَّة فَقَدمتها في شهر ربّيع الأوَّل سنة خمسين وخمسمائة والخليفة بها يومئذٍ الإمام الفائز بن الظافر، والوزير

٤١٠

له الملك الصّالح طلايع بن رُزّيك فلمّا أحضرت للسّلام عليهما في قاعة الذهب في قصر الخليفة أنشدتهما قصيدة أوَّلها:

ألحمد للعيس بعد العزم والهممِ

حمداً يقوم بما أولت من النعمِ

لا أجحد الحقّ عندي للركاب يد

تمنَّت اللجم فيها رتبة الخطمِ

قرَّبن بُعد مزار العزِّ من نظري

حتَّى رأيت إمام العصر من أممِ

ورُحن من كعبة البطحاء والحرم

وفداً إلى كعبة المعروف والكرمِ

فهل درى البيت إنّي بعد فرقته

ما سرتُ من حرمٍ إلّا إلى حرمِ ؟!

حيث الخلافة مضروبٌ سُرادقها

بين النقيضين من عفوٍ ومن نقمٍ

وللإمامة أنوارٌ مقدَّسةٌ

تجلو البغيضين من ظلمٍ ومن ظلمِ

وللنبوَّة أبيات ينصُّ لنا

على الخفيَّين من حُكم ومن حِكمِ

وللمكارم أعلامٌ تُعلّمنا

مدح الجزيلين من بأسٍ ومن كرمِ

وللعُلى ألسن تثنى محامدها

على الحميدين من فعلٍ ومن شيمِ

وراية الشرف البذّاخ ترفعها

يد الرفيعين من مجدٍ ومن هممِ

أقسمت بالفائز المعصوم معتقداً

فوز النجاة وأجر البرِّ في القسمِ

لقد حمى الدين والدنيا وأهلهما

وزيره الصّالح الفرّاج للغممِ

أللابس الفخر لم تنسج غلائله

إلّا يداً لصنيع السيف والقلمِ

وجوده أوجد الأيّام ما اقترحت

وجوده أعدم الشاكين للعدمِ

قد ملّكته العوالي رقَّ مملكة

تعير أنف الثريّا عزَّة الشممِ

أرى مقاماً عظيم الشأن أوهمني

في يقظتي انَّها من جملة الحلمِ

يومٌ من العمر لم يخطر على أملي

ولا ترقَّت إليه رغبة الهممِ

ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها

عقود مدحٍ فما أرضى لكم كلمي

ترى الوزارة فيه وهي باذلةٌ

عند الخلافة نصحاً غير متَّهمِ

عواطفٌ علّمتنا أنَّ بينهما

قرابة من جميل الرأي لا الرّحمِ

خليفةٌ ووزيرٌ مدَّ عدلهما

ظلّاً على مفرق الإسلام والاُممِ

زيادة النيل نقصٌ عند فيضهما

فما عسى يتعاطى مُنّة الديمِ

٤١١

وعهدي بالصالح وهو يستعيدها في حال النشيد مراراً والاُستاذون وأعيان الاُمراء والكبراء يذهبون في الأستحسان كلَّ مذهب، ثمَّ اُفيضت علىَّ خلع من ثياب الخلافة المذهَّبة ودفع لي الصالح خمسمائة دينار، وإذا بعض الاُستاذين قد أخرج لي من عند السيِّدة الشريفة بنت الأمام الحافظ خمسمائة دينار اُخرى، وحمل المال معي إلى منزلي، واُطلقت لي من دار الضيافة رسومٌ لم تطلق لأحد من قبلي، و تهادتني اُمراء الدولة إلى منازلهم للولائم، واستحضرني الصّالح للمجالسة، ونظمني في سلك أهل المؤانسة، وانثالت عليَّ صلاته وغمرني برُّه، ووجدت بحضرته من أعيان أهل الأدب الشيخ الجليس أبا المعالي ابن الحباب(١) والموفَّق ابن الخلّال صاحب ديوان الأنشاء، وأبا الفتح محمود بن قادوس(٢) والمهذَّب أبا محمَّد الحسن بن الزبير، وما من هذه الحلبة أحدٌ إلا ويضرب في الفضائل النفسانيَّة والرئاسة الأنسانيَّة بأوفر نصيب ويرمي شاكلة الأشكال فيصيب.

وقال في ص ٦٩:لمّا جلس شاور في دار الذهب قام الشعراء والخطباء ولفيفٌ من الناس إلّا الأقلّ ينالون من بني رُزِّيك وضرغام نائب الباب ويحيى بن الخيّاط اسفهسلّار(٣) العساكر وكانت بيني وبين شاور أنسة تامَّة مستحكمة فأنشدته في اليوم الثاني من جلوسه والجمع حافلٌ قصيدة أوَّلها:

صحَّت بدولتك الأيّام من سقمِ

وزال ما يشتكيه الدَّهر من ألمِ

زالت ليالي بني رُزِّيك وانصرمت

والحمد والذُّم فيها غير مُنصرمِ

كأنَّ صالحهم يوماً وعادلهم

في صدر ذاك الدست لم يقعد ولم يقمِ

هم حرَّكوها عليهم وهي ساكنةٌ

والسِّلم قد تنبت الأوراق في السّلمِ

كنّا نظنُّ وبعض الظنِّ مأثمةٌ

بأنَّ ذلك جمعٌ غير منهزمِ

فمذ وقعتَ وقوع النسر خانهمُ

من كان مجتمعاً من ذلك الرخم

كان ضرغام ينقم عليَّ هذا البيت وبقول:أنا عندك من الرخم.

____________________

١ - أحد شعراء الغدير قد مرت ترجمته في هذا الجزء ص ٣٨٧.

٢ - أحد شعراء الغدير اسلفنا ترجمته في هذا الجزء ص ٣٣٨.

٣ - معرب سپهسالار ( قائد الجيش ).

٤١٢

ولم يكونوا عدوّ أزلَّ جانبه

وإنَّما غرقوا في سيلك العرمِ

وما قصدت بتعظيمي سواك سوى

تعظيم شأنك فاعذرني ولا تلمِ

ولو شكرتُ لياليهم محافظةً

لعهدها لم يكن بالعهد من قدمِ

ولو فتحت فمي يوماً بذمِّهمُ

لم يرض فضلك إلّا أن يسدَّ فمي

والله يأمر بالاحسان عارفة

منه وينهى عن الفحشاء في الكلمِ

فشكرني شاور وإبناه في الوفاء لبني رُزّيك. ا ه‍.

كان يحمي الذمار بالذمارة، ويوفي بعهد من صاحبه ونادمه ويدافع عنه بصراحة اللهجة، وله مواقف مشكورة تنمُّ عن أنَّه ذو حفاظ وذو محافظة، حضر يوماً هو والرضي أبو سالم يحيى الأحدب بن أبي حصيبة الشاعر في قصر اللؤلؤ بعد موت الخليفة العاضد عند نجم الدين أيّوب بن شادي فأنشد إبن أبي حصيبة نجم الدين أيوب فقال:

يا مالك الأرض لا أرضى له طرفا

منها وما كان منها لم يكن طرفا

قد عجَّل الله هذي الدار تسكنها

وقد أعدَّ لك الجنّات والغرفا

تشرَّفت بك عمَّن كان يسكنها

فالبس بها العزّ ولتلبس بك الشرفا

كانوا بها صدفاً والدار لؤلؤة

وأنت لؤلؤة صارت لها صدفا

فقال الفقيه عمارة يردُّ عليه:

أثِمتَ يا من هجا السادات والخلفا

وقلت ما قلته في ثلبهم سخفا

جعلتهم صدفاً حلوّا بلؤلؤةٍ

والعرف ما زال سكنى اللؤلؤ الصدفا

وإنَّما هي دارٌ حلَّ جوهرهم

فيها وشفَّ فأسناها الذي وصفا

فقال:لؤلؤة عجباً ببهجتها

وكونها حوت الأشراف والشرفا

فهم بسكناهم الآيات إذ سكنوا

فيها ومن قبلها قد أسكنوا الصحفا

والجوهر الفرد نورٌ ليس يعرفه

من البريَّة إلّا كلّ مَن عرفا

لولا تجسّمهم فيه لكان على

ضعف البصائر للأبصار مختطفا

فالكلب يا كلب أسنى منك مكرمة(١)

لأنَّ فيه حفاظاً دائماً و وفا

قال المقريزي:فللّه درُّ عمارة لقد قام بحقِّ الوفاء ووفي بحسن الحفاظ كما هي عادته،

____________________

١ - في منتخب ديوانه ص ٢٩٢:معرفة.

٤١٣

لا جرم انَّه قُتل في واجب من يهوي كما هي سنَّة المحبين، فالله يرحمه ويتجاوز عنه.

وله قصائد يرثي أهل القصر من الملوك الفاطميِّين بعد انقراض دولتهم وفاءً بعهدهم منها قصيدةٌ أوَّلها:

لا تندبنْ ليلى ولا أطلالها

يوماً وإن ظعنت بها أجمالها

واندب هديت قصور سادات عفت

قد نالهم ريب الزمان ونالها

درست معالمهم لدرس ملوكهم

وتغيَّرت من بعدهم أحوالها

ومنها:

رميتَ يا دهر كفَّ المجد بالشللِ

وجيده بعد حسن الحلي بالعطلِ

سعيتَ في منهج الرأي العثور فإن

قدرتَ من عثرات الدهر فاستقلِ

جدعت مارنك الاقنى فأنفك لا

ينفكُّ ما بين قرع السنِّ والخجلِ

هدمتَ قاعدة المعروف عن عجلٍ

سعيتَ مهلاً أما تمشي على مهلِ ؟!

لهفي ولهف بني الآمال قاطبةً

على فجيعتها في أكرم الدوَّلِ

قدمتُ مصر فأولتني خلائفها

من المكارم ما أربى على الأملِ

قومٌ عرفتُ بهم كسب الاُلوف و من

كمالها انَّها جاءت ولم أسلِ

وكنتُ من وزراء الدست حين سما

رأس الحصان يُهاديه على الكفلِ

ونلتُ من عظماء الجيش مكرمة

وخلّة حرست من عارض الخللِ

يا عاذلي في هوى إبناء فاطمةٍ

لك الملامة إن قصَّرت في عذلي

بالله دُر ساحة القصرين وابك معي

عليها لا على صفِّين والجملِ

وقل لأهليهما والله ما التحمتْ

فيكم جراحي ولا قرحي بمندملِ

ماذا عسى كانت الإفرنج فاعلة

في نسل آل أمير المؤمنين علي ؟!

هل كان في الأمر شيئٌ غير قسمة ما

ملكتمُ بين حكم السبي والنقلِ ؟!

وقد حصلتم عليها واسم جدّكمُ

( محمَّد ) وأبوكم غير منتقلِ

مررت بالقصر والأركان خاليةٌ

من الوفود وكانت قبلة القبلِ

فملت عنها بوجهي خوف منتقدٍ

من الأعادي ووجه الودِّ لم يملِ

أسلت من أسفي دمعي غداة خلت

رحابكم وغدت مهجورة السبلِ

٤١٤

أبكي على ما تراءت من مكارمكم

حال الزمان عليها وهي لم تحلِ

دار الضيافة كانت انس وافدكم

واليوم أوحش من رسم ومن طللِ

وفطرة الصوم إذ أضحت مكارمكم

تشكو من الدهر حيفاً غير محتملِ

وكسوة الناس في الفصلين قد درست

ورثَّ منها جديدٌ عندهم وبُلي

وموسمٌ كان في يوم الخليج لكم

يأتي تجمّلكم فيه على الجملِ

وأوَّل العام والعيدين كم لكمُ

فيهنَّ من وَبل جود ليس بالوشلِ

والأرض تهتزُّ في يوم ( الغدير ) كما

يهتزّ ما بين قصريكم من الأسلِ

والخيل تعرض في وشي وفي شية

مثل العرائس في حُليٍ وفي حللِ

ولا حملتم قِرى الأضياف من سعة

الأطباق الّا على الأكتاف والعجلِ

وما خصصتم ببرٍّ أهل ملّتكم

حتّى عممتم به الأقصى من المللِ

كانت رواتبكم للذمَّتين وللـ

ـضيف المقيم وللطاري من الرُّسلِ

ثمَّ الطراز بتنّيس الذي عظمت

منه الصِّلات لأهل الأرض والدُّولِ

وللجوامع من إحسانكم نعمٌ

لمن تصدَّر في علم وفي عملِ

وربَّما عادت الدنيا فمعقلها

منكم وأضحت بكم محلولة العقلِ

والله لا فاز يوم الحشر مبغضكم

ولا نجا من عذاب الله غير ولي

ولا سقى الماء من حرٍّ ومن ظمأٍ

من كفِّ خير البرايا خاتم الرُّسلِ

ولا رأى جنَّة الله التي خُلقت

من خان عهد الإمام العاضد بن علي

أئمَّتي وهُداتي والذخيرة لي

إذا ارتهنت بما قدَّمت من عملي

تالله لم أو فهم في المدح حقَّهم

لأنَّ فضلهمُ كالوابل الهطلِ

ولو تضاعفت الأقوال واتَّسعتْ

ما كنتُ فيهم بحمد الله بالخجلِ

باب النجاة همُ دنيا وآخرة

وحبّهم فهو أصل الدين والعملِ

نور الهدى ومصابيح الدُّجى ومحـ

ـلُّ الغيث إن ربّت الأنواء في المحلِ

أئمَّةٌ خُلقوا نوراً فنورهمُ

من محض خالص نور الله لم يفلِ

والله ما زلت عن حبّي لهم أبداً

ما أخَّر الله لي في مدَّة الأجلِ

قُتل المترجم بسبب هذه القصيدة مع جمع نسب إليهم التدبير على صلاح الدين

٤١٥

ومكاتبة الفرنج واستدعاؤهم إليه حتّى يجلسوا ولداً للعاضد وكانوا أدخلوا معهم رجلاً من الأجناد ليس من أهل مصر فحضر عند صلاح الدين وأخبره بما جرى فأحضرهم فلم ينكروا الأمر ولم يروه منكراً فأمر بصلبهم وصلبوا يوم السبت في شهر رمضان سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالقاهرة، وقد قبض عليهم يوم الأحد الثالث والعشرين من شعبان، وصلب مع الفقيه عمارة قاضي القضاة ابو القاسم هبة الله بن عبد الله بن الكامل، وابن عبد القوي داعي الدعاة، كان يعلم بدفائن القصر فعوقب ليدلَّ عليها فامتنع من ذلك فمات واندرست، والعويرس ناظر الديوان، وشبريا كاتب السرّ، وعبد الصَّمد الكاتب أحد اُمراء مصر، ونجاح الحمامي، ومنجِّمُ نصرانيُّ كان قد بشَّرهم بأنَّ هذا الأمر يتمُّ لهم.

قال الصفدي في [ الغيث المنسجم ]:انَّه لا يبعد أن يكون القاضي الفاضل سعى في هلاكه وحرَّض عليه لأنَّ صلاح الدين لمّا استشاره في أمره قال:يُنفى. قال:يُرجى رجوعه. قال يؤدَّب. قال:ألكلب يسكت ثمَّ ينبح. قال:يُقتل. قال:الملوك إذا ارادوا فعلوا. وقام من فوره، فأمر بصلبه مع القاضي العويرس وجماعة معه من شيعتهم، ولَمّا اُخذ ليشنق قال:مرّوا بي على باب القاضي الفاضل. لحسن ظنَّه فيه، فلمّا رآه قام وأغلق بابه فقال عمارة:

عبد العزيز قد احتجبْ

إنَّ الخلاص من العجبْ

وذكر عماد الدين الكاتب في ( الخريدة ) لتاج الدين الكندي أبي اليمن بعد صلب المترجم:

عُمارة في الإسلام أبدى خيانةً

وبايع فيها بيعة وصليبا

وأمسى شريك الشرك في بغض أحمد

وأصبح في حبِّ الصليب صليبا

وكان خبيث الملتقى إن عجمته

تجد منه عوداً في النِّفاق صليبا

سيلقى غداً ما كان يسعى لنفسه

ويُسقى صديداً في لظىّ وصليبا

كان للمترجم مكانةٌ عاليةٌ عند بني رزّيك وله فيهم شعرٌ كثير يوجد في ديوانه وكتابه [ النكت العصرية ] وفي الثاني:انَّ الملك الصّالح طلايع بعث إليه بثلاثة آلاف دينار في ثلاثة أكياس وكتب فيها بخطِّه:

_٢٦_

٤١٦

قل للفقيه عمارة:يا خير مَن

قد حاز فهماً ثاقباً وخطابا

اقبل نصيحة من دعاك إلى الهدى

قل:حطَّة وادخل إلينا البابا

تجد الأئمَّة شافعين ولا تجد

إلّا لدينا سنَّة وكتابا

وعليَّ أنْ أعلي محلّك في الورى

وإذا شفعت إليَّ كنت مجابا

وتعجَّل الآلاف وهي ثلاثة

ذهباً وقلَّ لك النضار مذابا

فراجعه عمارة بقوله:

حاشاك من هذا الخطاب خطابا

يا خير أملاك الزَّمان نصابا

لكنْ إذا ما أفسدت علماؤكم

معمور معت-قدي وصار خرابا

ودعوتمُ فكري إلى أقوالكم

من بعد ذاك أطاعكم وأجابا

فاشدد يديك على صفاء محبَّتي

وامنن عليَّ وسد هذا البابا

توفّي للفقيه المترجم في حياته ستّة أولاد ذكور ورثاهم ألا وهم:عبد الله ويحيى ومحمّد وعطيّة وإسماعيل وحسين، وتوفّي أوَّلا ولداه عبد الله ويحيى ثمَّ بعدهما محمَّد في سنة ٥٦. ليلة الإثنين ٤ جمادى الأولى بمصر ورثاهم بقصيدة أوَّلها:

أحببت في خير أعضائي وأعضادي

وخير أهلي إذا عدُّوا و أولادي

بأبلج الوجه من سعد العشيرة لم

يعرف بغير الندى والبشر في النادي

وله في رثاء محمّد قصيدة مطلعها:

سأبكي على ابني مدَّتي وحياتي

ويبكيه عنّي الشعر بعد مماتي

ومنها:

أتبلى المنايا مهجة ابن ذخرته

لدهري ويُبلوني بخمس بنات

وتوفّي بعدهم عطيَّة ورثاه بقصيدة منها:

عطيَّة إن صادفت روح محمَّد

أخيك وصنويك العليَّين من قبلِ

فسلّم عليهم لا شفيت وقل لهم:

سقيتُ أباكم بعد كم جرعة الثكلِ

وقال في رثائه:

عطيّة إن ذقتَ طعم الحِمام

فإنَّ فراقك عندي أمرّْ

هوى كوكبٌ منك بعد الطلوع

ذوي غصنٌ منك بعد الثمرْ

٤١٧

ولو لم تكن قمراً زاهراً

لما متَّ عند خسوف القمر

وتوفّي بعدهم ولده إسماعيل سنة ٥٦١ في ربيع الآخر ورثاه بقصيدةٍ أوَّلها:

ما كنتُ آلف منزلي إلّا به

ولقد كرهتُ الدار بعد مصابه

وقال يرثيه:

أأرجو بقاءاً أم صفاء حياة

وقد بدّدت شملي النوى بشتاتِ ؟!

يقول فيها:

أتُبلي الليالي لي بُنيّاً ذخرته

وتُبقي لي الأيّام شر بناتي ؟!

ومنها:

وما عشتَ إلّا سبعة من سني الورى

سقى عهدهنَّ الله من سنواتِ

وقال في رثائه:

حسبت الدهر في ولدي

يساعدني و يسعدني

ويقول فيها:

لاسماعيل أشواقي

تزيد على مدى الزمنِ

وإسماعيل لي شغلٌ

عن اللذات يشغلني

وإسماعيل لا أسلو

ه حتّى الموت يصرعني

سأبكيه و اُندبه

بنوحٍ زائد الشجنِ

كما قمريَّةٌ ناحت

ببغداد على غصنِ

وأبقى بعده أسفاً

مدى الأيّام والزمنِ

وتوفِّي حسين سنة ٥٦٣ ورثاه بقوله:

أترى يكون لي الخلاص قريبُ ؟

فالموت بعدك يا بُنيَّ يطيب

علّلت فيك الحزن كلّ تعلّةٍ

لم تنفعنِّي شربةٌ وطبيبُ

ورثاه بقصيدة أوَّلها:

داويت ما نفع العليل دوائي

بل زاد سقماً في خلال ضنائي

يقول فيها:

ما عاش إلّا سبعة من عمره

ونأى إلى دار البلى لبلائي

٤١٨

وله في رثائه من قصيدة مستهلّها:

قل للمنيَّة لا شوى

لم يخط سهمك إذ رمى

ومنها:

ما كان إلا سبعة

وثلاثة ثمَّ انقضى

وقال في رثائه:

خطبتني الخطوب بالهمِّ لمَّا

حدَّثتني بألسن الحدثانِ

ومنها:

يا لها نكبة على نكبة جا

ءت وجرحاً يبكي بجرحٍ ثان

ومصابٌ على مصابٍ وثكلٍ

بعد ثكلٍ اُصيب منه جناني

ويقول فيها:

كلّ عامٍ للموت عندي نصيبٌ

في سراة البنين والأخوانِ

ونختم الترجمة وهي ختام هذا الجزء من الكتاب بقول المترجم يدعو ربَّه:

يا ربّ هيِّئ لنا من أمرنا رشَداً

واجعل معونتك الحسنى لنا مَددا

ولا تكلنا إلى تدبير أنفسنا

فالنفس تعجز عن إصلاح ما فسدا

أنت الكريم وقد جهَّزت من أملي

إلى أياديك وجهاً سائلاً ويدا

وللرَّجاء ثوابٌ أنت تعلمه

فاجعل ثوابي دوام الستر لي أبدا(١)

انتهى الجزء الرابع من كتاب الغدير

ويتلوه الخامس إن شاء الله

وآخر دعوانا

ان الحمد لله رب العالمين

____________________

١ - أخذنا الترجمة من النكت العصرية، الخريدة لعماد الكاتب، الكامل لابن الاثير ١١ ص ١٦٣، تاريخ ابن خلكان ١ ص ٤٠٩، تاريخ ابن كثير ١٢ ص ٢٧٥، مرآة الجنان ٣ ص ٣٩٠ وتوجد في غير واحد من كتب المتأخرين ومعاجمهم.

٤١٩

الفهرس

بقية شعراء الغدير في لقرن الرابع ٣

أبو الفتح كشاجم ٣

ادبه وشعره ٥

هجاؤه ٩

كشاجم والرياسة ١٠

حكمه ودرر كلمه: ١١

رحلة كشاجم ١٣

عقيدته ١٥

مشايخه وتآليفه ١٩

ولادته ووفاته ٢٠

ولده ٢١

ألناشي الصغير ٢٤

( مصادر ترجمة الناشي ) ٣٣

ألبشنوي الكردى ٣٤

( ألبشنويَّة ) ٣٦

نبذة من شعره ٣٧

ألصاحب بن عباد ٤٠

وزارته صِلاته مادحوه ٤٧

شعره في المذهب ٥٥

ألصاحب ومذهبه ٦٢

نوادر فيها المكارم ٦٩

غرر كلم للصاحب ٧٢

وفاته ٧٤

مصادر ترجمة الصاحب ٨٠

ألجوهري الجرجاني ٨٢

ابن الحجاج البغدادي ٨٨

٤٢٠

421

422

423