الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٥

الغدير في الكتاب والسنة والأدب16%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 461

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 461 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 129345 / تحميل: 6901
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٥

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

١٠ - روى إبن الجوزي في « صفة الصفوة » ٤ ص ٢٩٣ عن موسى بن هارون قال: رأيت الحسن بن الخليل مرَّةً بعرفات وكلّمته، ثمَّ رأيته يطوف بالبيت فقلت: ادع الله لي أن يقبل حجّي.فبكا ودعا لي ثمَّ أتيت مصر فقلت: إنَّ الحسن كان معنا بمكّة فقالوا: ما حجَّ العام وقد كان يبلغني أنَّه يمرّ إلى مكّة في كلِّ ليلة فما كنت اُصدِّق حتّى رأيته فعاتبني وقال: شهرتني ما كنت اُحبّ أن تحدِّث بها عنّي، فلا تعد بحقّي عليك.

قال الأميني: في وسع الباحث أن يؤلِّف من أمثال هذه القصص المبثوثة في طيِّ الكتب والمعاجم تأليفاً حافلاً ونحن اقتصرنا بالمذكور روماً للإختصار، ويستفاد منها انَّ الوليَّ الذي مُنَّ عليه بطيِّ الأرض له أن يأخذ معه من شاء وأراد من أخلّاءه وخدمه، فتطوى لصاحبه الأرضْ أيضا كرامةً لذلك الوليِّ الصالح فضلاً عن نفسه، وهذه كلّها لاُ يناقش فيها مهما لم يكن الوليُّ الموصوف من العترة الطاهرة وإلّا فهناك كلُّ الجدال والمناقشة، وكلُّ الهوس والهياج.

٢١

ما عشت أراك الدهر عجباً

لم يكن هذا النَّكير بِدعاً ممّا جاء به القوم في كثير من فضائل مولانا أمير المؤمنين وآله العترة الطاهرة عليهم السَّلام

فإنّ هناك شنشنة مطَّردةٌ في واحدٍ واحدٍ منها بالتهكّم تارةً، وبالتَّفنيد اُخرى، وبالوقيعة في السند طوراً، وبالإستبعاد المجرَّد

آونة، وبالمناقشة في الدَّلالة مرَّة، ففي كلِّ يوم يطرق سمعك هتاف معتوه، أو عقيرة متعصِّب، أو ضوضاء من حانق، أو

لغطٌ مِن مُعربد، وهم يحسبون أنَّهم يحسنون صُنعاً. مع أنَّ القوم يُثبتون أمثال هاتيك الفضايل لغير رجالات أهل البيت عليهم السَّلام،

من غير أن يضطرب لهم بال، أو تغلي عليها مراجل الأحقاد، أو تمدَّ إليها يد الجرح والتعديل، أو تتبعها كلمة

الغمز بالرَّمي بالغلوِّ أو الإفتعال، وإليك نبذاً منها.

٢٢

١

حديث ردّ الشمس

مرَّت في الجزء الثالث ص ١٢٦ - ١٤١ طرفٌ من أسانيد حديث ردِّ الشمس لمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام بدعاء النبيّ الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشواهد صَّحته وكلمات العلماء في ذلك وهي أربعون كلمة، فإنَّك تجد هناك طنيناً وهمهمة في صحّة الحديث، وعدم وقوع الواقعة، وعدم إمكانها، ولكن السبكي، واليافعي، وإبن حجر، وصاحب شذرات الذهب وغيرهم ذكروا مثل هذه المأثرة لإسماعيل بن محمّد الحضرمي المتوفّى ٦٧٦ من دون أيِّ غمز ونكير.

قال السبكي في « طبقات الشافعيين » ج ٥ ص ٥١: ممّا حكي من كرامات الحضرمي واستفاض: انّه قال يوماً لخادمه وهو في سفر: قل للشمس تقف حتّى نصل إلى المنزل.

وكان في مكان بعيد وقد قرب غروبها فقال لها الخادم: قال لكِ الفقيه إسماعيل قفي.

فوقفت حتّى بلغ مكانه ثمّ قال للخادم: أما تطلق ذلك المحبوس؟ فأمرها الخادم بالغروب فغربت، وأظلم الليل في الحال.

وقال اليافعي في « مرآة الجنان » ٤ ص ١٧٨: من كرامات إسماعيل الحضرمي وقوف الشمس له حتّى بلغ مقصده لما أشار إليها بالوقوف في آخر النهار، وهذه الكرامة ممّا شاع في بلاد اليمن وكثر فيها الإنتشار، ومنها: انَّه نادته سدرةٌ والتمست منه أن يأكل هو وأصحابه من ثمرها، وإليه أشرت بقولي:

هو الحضرمي نجل الوليِّ محمّد

إمام الهدي نجل الإمام الممجَّدِ

ومِن جاهه أومى إلى الشمس أن قفي

فلم تمش حتّى أنزلوه بمقصدِ

ومن بعض قصائد اليافعي ايضاً قوله في الحضرمي:

هو الحضرمي المشهور من وقفت له

بقول قفي شمس لأبلغ منزلي

وقال إبن العماد في « شذرات الذهب » ٥ ص ٣٦٢: له [ للشيخ إسماعيل الحضرمي ] كرامات قال المطري: كادت تبلغ التواتر « إلى أن قال » : ومنها: انَّه قصد بلدة زبيد

٢٣

فكادت الشمس تغرب وهو بعيدٌ عنها فخاف أن تغلق أبوابها فأشار إلى الشمس فوقفت حتّى دخل المدينة وإليه أشار الإمام اليافعي بقوله:

هو الحضرمي نجل النبيِّ محمّد

إلى آخر البيتين المذكورين

وقال إبن حجر في « الفتاوى الحديثيَّة » ص ٢٣٢: ومن كراماته « يعني الحضرمي » : انَّه كان داخلاً لزبيد وقد دنت الشمس للغروب فقال لها: لا تغربي حتّى ندخلها فوقفت ساعةً طويلةً فلمّا دخلها أشار إليها فإذا الدنيا مظلمةٌ والنجوم ظاهرةٌ ظهوراً تامّاً.

قال العلّامة السّماوي في « العجب اللزومي » :

واعجباً من فرقةٍ قد غلت

من دغلٍ في جوفها مضرمِ

تنكر ردَّ الشمس للمرتضى

بأمر طاها العيلم الخضرمِ

وتدَّعي أن ردَّها خادمٌ

لأمر إسماعيلٍ الخضرمي

وللباحث أن يستنتج من هذه القضيَّة إن أخبت بها أنّ إسماعيل الحضرمي أعظم عند الله تعالى من النبيِّ الأعظم ووصيِّه أمير المؤمنين، لأنَّ ردّ الشمس لعليٍّ كان بدعائه تارةً وبدعاء النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طوراً، وأمّا إسماعيل فقد أمر خادمه أن يأمرها بالوقوف ثمَّ أمره بأن يفكَّ قيد أسارها بأمرها بالإنصراف، أو: أشار هو إليها بالوقوف فوقفت، هذه هي العظمة والزلفة إن صحَّت الأحلام لكن العقلاء يدرون ورواة القصَّة ايضاً يعلمون بأنّها متى صيغت، ومهما لُفِّقت، ولِماذا نُسجت.

يُرِيدُونَ أنْ يُطفئوا نورَ اللهِ بِأَفواهِهمْ

ويأبى اللهُ إلّا أنْ يُتمَّ نورَهُ

« ألتوبة ٣٢ »

٢٤

-٢ -

صلاة ألف ركعة

لقد تضافر النقل بأنَّ كُلّاً من مولانا أمير المؤمنين، والإمام السبط الشهيد الحسين، وولده الطاهر عليِّ زين العابدين كان يُصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة(١) ولم تزل العقايد متطامنةً على ذلك، والعلماء متسالمين عليه، حتّى جاء إبن تيميَّة بهوسه وهياجه، فحسب تارةً كراهة هذا العمل البارّ، وانَّه ليس بفضيلة، وانَّ القول بأنّها فضيلةٌ يدلّ على جهل قائله، لأنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لا يزيد في الليل على ثلاث عشرة ركعة، وفي النهار على عدَّة ركعات معيَّنة، وانَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لا يقوم تمام الليل كما كان لا يصوم كلَّ يوم فقال: فالمداومة على قيام جميع الليل ليس بمستحبّ بل مكروهٌ، وليس من سنَّة النبيِّ الثابتة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهكذا مداومة صيام النهار.

وزعم تارةً انَّه خارجٌ عن نطاق الإمكان فقال: وعليُّ رضي الله عنه أعلم بسنَّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأتبع لهديه، وأبعد من أن يخالف هذه المخالفة، لو كان ذلك ممكناً فكيف وصلاة ألف ركعة في اليوم والليلة مع القيام بسائر الواجبات غير ممكن، فإنّه لا بد من أكل ونوم. إلخ.

ويرى آونة أنَّ طبع عمل مثله مبنيُّ على المسارعة والإستعجال، يستدعي أن يكون عريّاً عن الخضوع، نقراً كنقر الغراب، فلا يكون فيه كثير جدوا، ثمَّ ختم كلامه بقوله، ثمَّ إحياء الليل بالتهجد وقراءة القرآن في ركعةٍ هو ثابت عن عثمان رضي الله عنه، فتهجّده وتلاوة القرآن أظهر من غيره(٢) .

ج - أمّا حسبان كراهة ذلك العمل ومخالفته السنَّة النبويَّة وخروجه بذلك عن

____________________

١ - العقد الفريد ٢ ص ٣٠٩ و ج ٣ ص ٣٩، تاريخ ابن خلكان ١ ص ٣٥٠، صفة الصفوة لابن الجوزى ٢ ص ٥٦، طبقات الذهبى ١ ص ٧١ نقلا عن الامام مالك، تهذيب التهذيب لابن حجر ٧ ص ٣٠٦ نقلا عن مالك، طبقات الشعرانى ١ ص ٣٧، روض الرياحين لليافعى ص ٥٥، مشارق الانوار للحمزاوى ص ٩٤، اسعاف الراغبين لابن الصبان في هامش المشارق ص ١٩٦، وغيرها.

٢ - راجع منها ج السنة ٢: ١١٩.

٢٥

الفضيلة فيعرب عن جهله المطبق بشئون العبادات وفقه السنَّة، وتمويهه على الحقايق الراهنة جهلاً أو عناداً، فإنَّ صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث عشرة ركعة، وكذلك صلاة نهاره وإنَّما هي صلاة الليل والشفع والوتر ونافلة الصبح ونافلة الصَّلوات اليوميَّة كما فُصِّل في غير واحد من الأخبار، وهي النوافل المرتَّبة المعيَّنة في الليل والنهار لا ترتبط بإستحباب مطلق الصَّلاة ومطلولبيَّة نفسها، ولا تنافي ما صحَّ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله: ألصَّلاة خير موضوع، إستكثر أو إستقل(١)

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألصَّلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر(٢)

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألصَّلاة خير موضوع، مَن شاء أقلّ، ومَن شاء أكثر(٣)

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس أكثر الصَّلاة بالليل والنهار تحفظك حفظتك(٤)

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لأنس في حديث طويل: إن استطعتَ أن لا تزال تصلّي فإنَّ الملائكة تصلّي عليك ما دمت مصلّياً(٥)

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أكثر صلاته [ أو من كثرت صلاته ] بالليل حسن وجهه بالنهار(٦) .

وما روي عن نصر بن علي الجهضمي قال: رأيت الحافظ يزيد بن زريع في النوم فقلت: ما فعل الله لك؟ قال: دخلت الجنَّة. قلت، بماذا؟ قال: بكثرة الصَّلاة(٧) .

وصحَّ عن البخاري ومسلم: انَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول من الليل حتّى تنفطر قدماه.

وفي رواية لهما والترمذي: إن كان النبيّ ليقوم أو ليصلّي حتّى ترم قدماه أو ساقاه، وفي رواية عن عايشة: حتّى تفطرت قدماه.

وفي رواية عن أبي هريرة: حتّى تزلع قدماه. وفي « المواهب اللدنيَّة » : كان يصلّي « بعد كبره » بعض ورده جالساً بعد أن كان يقوم حتّى تفطّرت قدماه.

____________________

١ - أخرجه الحافظ أبو نعيم في الحلية ج ١ ص ١٦٦ بستة طرق.

٢ - أخرجه الطبراني في الاوسط كما في « الترغيب والترهيب » ١ ص ١٠٩ و « كشف الخفاء » ٢ ص ٣٠.

٣ - مستدرك الحاكم ٢ ص ٥٩٧، مجمع الزوائد ١ ص ١٦٠، كشف الخفاء للعجلوني ٢ ص ٣٠ وقال: رواه الطبراني وأحمد وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي ذر.

٤ - تاريخ ابن عساكر ٣ ص ١٤٢.

٥ - تاريخ ابن عساكر ٣ ص ١٤٢.

٦ - سنن ابن ماجة ١ ص ٤٠٠، تاريخ الخطيب ١ ص ٣٤١ و ج ٧ ص ٣٩٠.

٧ - شذرات الذهب ١ ص ٢٩٨.

٢٦

وقد جرت السنَّة المطَّردة بين العاملين في النسك والعبادات من الصَّلاة و الصوم والحجِّ وقراءة القرآن وغيرها ممّا يقرِّب إلى الله زلفى أن يأتي كلُّ منهم بما تيسَّر له منها غير مقتصر بما أتى به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس متفاوتون في القدر والله تعالى يقول: فاتَّقوا الله ما استطعتم. ولا يكلّف الله نفسا إلا وسعها. فترى هذا يصلّي كلّ يوم مائة ركعة(١) والآخر يصلّي مائتي ركعة مثل القاضي الفقيه أبي يوسف الكوفي المتوفّى ١٨٢(٢) . و

القاضي أبي عبد الله محمّد بن سماغة البغدادي المتوفّى ٢٣٣(٣) . و

بشر بن الوليد الكندى المتوفّى ٢٣٨(٤) .

ومنهم مَن كان يصلّي ثلاثمائة ركعة نظير:

إمام الحنابلة أحمد بن حنبل المتوفّى ٢٤١(٥) . و

أبي القاسم الجنيد القواريري المتوفّى ٢٩٨(٦) . و

الحافظ عبد الغني المقدسي المتوفّى ٦٠٠(٧) .

ومنهم مَن كان يصلّي أربعمائة ركعة نظراء:

بشر بن المفضّل الرقاشي المتوفّى ١٨٧(٨) . و

إمام الحنفيَّة أبو حنيفة نعمان المتوفّى ١٥٠(٩) . و

أبي قلابة عبد الملك بن محمَّد المتوفّى ٢٧٦(١٠) . و

ضيغم بن مالك أبو مالك [ صف ٣ ص ٢٧٠ ]. و

____________________

١ - راجع مناقب ابي حنيفة للقارى فى هامش « الجواهر المضية » ٢ ص ٥٢٣، ل ١ ص ٩٤، طب ١٤ ص ٦، يه ١٠ ص ٢١٤ و ج ١٤ ص ٧٧.

٢ - بق ١ ص ٢٧٠، هب ١ ص ٢٩٨.

٣ - طب ٥ ص ٣٤٣، جم ٢ ص ٥٨، هب ٢ ص ٧٨.

٤ - طب ٧ ص ٨٢، م ١ ص ١٥٢.

٥ - يه ١٣ ص ٣٩، كر ٢ ص ٣٦، طش ١ ص ٤٧.

٦ - ظم ٦ ص ١٠٦، يه ١١ ص ١١٤، وفي صف ٢ ص ٢٣٦: أربعمائة ركعة.

٧ - يه ١٣ ص ٣٩.

٨ - بق ١ ص ٢٨٥، هب ١ ص ٣١٠، يب ١ ص ٤٥٩

٩ - مناقب احمد للخوارزمى ١ ص ٢٤٧، مناقب الكردرى ١ ص ٢٤٦.

١٠ - ظم ٥ ص ١٠٣، يه ١١ ص ٥٧، يب ٦ ص ٤٢٠.

٢٧

اُمّ طلق كانت تصلّي أربعمائة ركعة وتقرأ من القرآن ما شاء الله [ صف ٤ ص ٢٤ ] و

أحمد بن مهلهل الحنبلي المتوفّى ٥٥٤(١) .

ومنهم مَن كان يصلّي خمسمائة ركعة، أشباه:

بشر بن منصور البصري المتوفّى ١٨٠(٢) و

سمنون بن حمزة المتوفّى ٢٩٨ [ طب ٩ ص ٢٣٦، ظم ٦ ص ١٠٨ ]

ومنهم مَن كان يصلّي ستمائة ركعة، أمثال:

ألحارث بن يزيد الحضرمي المتوفّى ١٣٠ [ صه ٥٩. يب ٢ ص ١٦٣ ] و

ألحسين بن الفضل الكوفي المتوفّى ٢٨٢(٣) و

عليِّ بن عليِّ بن النجاد أبي إسماعيل البصري [ صه ٢٣٤ ] و

اُمّ الصهباء معاذة العدويّة [ صف ٤ ص ١٤ ]

ومنهم مَن كان يصلّي سبعمائة ركعة مثيل:

الأسود بن يزيد « زيد » النخعي المتوفّى ٧٥(٤) و

عبد الرَّحمن بن الأسود المتوفّى ٩٨ [ بق ١ ص ٤٨ ]

وقد ذكروا في ترجمة غير واحد من رجال أهل السنَّة وعدّوا من فضائلهم انّهم كانوا يصلّون في اليوم والليلة أو في اليوم فقط ألف ركعة منهم:

١ - مرَّة بن شراحيل الهمداني المتوفّى ٧٦ على ما قيل، كان يصلّي كلَّ يوم وليلة ألف ركعة [حل ٤ ص ١٦٢، يه ٨ ص ٧٠، صف ٣ ص ١٧ ].

م ٢ - عبد الرَّحمن بن أبان بن عثمان بن عفان. كان يصلّي في كلّ يوم ألف ركعة. أنساب البلاذري ٥ ص ١٢٠، رسائل الجاحظ ص ٩٨]

م ٣ - عمير بن هانئ أبو الوليد الدمشقي التابعي. قال الترمذي: كان يصلّي كلّ يوم ألف ركعة، ويسبِّح مائة ألف تسبيحة.

كذا حكاه الشيخ محمَّد عبد الحيِّ الأنصاري الحنفي

____________________

١ - هب ٤ ص ١٧٠.

٢ - يب ١ ص ٤٦٠، هب ١ ص ٢٩٣.

٣ - مرآة الجنان ٢ ص ١٩٥، هب ٢ ص ١٧٨، لم ٢ ص ٣٠٨.

٤ - طرح التثريب ١ ص ٣٤، هب ١ ص ٨٢، وفي ل ١ ص ٣٩ ستمائة ركعة.

٢٨

في « إقامة الحجَّة » ص ٧ وفي « تهذيب التهذيب » ٨: ١٥٠: كان يصلّي كلّ يوم ألف سجدة، ويسبِّح مائة ألف تسبيحة].

٤ - عليّ بن عبد الله العباسي المتوفّى ١١٧، كان يصلّي كلّ يوم ألف ركعة، و قيل: في الليل والنهار [ كامل المبرد ٢ ص ١٥٧، يه ٨ ص ٣٠٦، يب ٧ ص ٣٥٨، هب ١ ص ١٤٨ ].

٥ - ميمون بن مهران الرقي المتوفّى ١١٧ عالم أهل الجزيرة صلّى سبعة عشر يوماً سبعة عشر ألف ركعة [ بق ٩٣١ ].

٦ - بلال بن سعد الأشعري المتوفّى ح ١٢٠ كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة [ صه ص ٤٥، كر ٣ ص ٣١٥، يه ٩ ص ٣٤٨، يب ١ ص ٥٠٣ ].

٧ - عامر بن عبد الله الأسدي المدني، كان قد فرض على نفسه كلّ يوم ألف ركعة.

« حل ٢: ٨٩، صف ٣ ص ١٢٨، كر ٧ ص ١٦٩ طش ١ ص ٢٤ »

٨ - مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير المتوفّى سنة ١٥٧، كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة « الترغيب والترهيب ٤ ص ٢٢٧، صف ٢ ص ٩٩، ١١١، م ٣ ص ١٧٢، يب ١٠ ص ١٥٩ »

م ٩ - أبو السائب المخزومي: كان يصلِّي في كلِّ يوم وليلة ألف ركعة. الأغاني ١ ص ١٠٩].

١٠ - سليمانان قال القيسي: كان يصلِّي كلّ يوم وليلة ألف ركعة حتى أقعد من رجليه فكان يصلّي جالساً ألف ركعة « حل ٦ ص ١٩٥ »

١١ - كهمس بن الحسن أبو عبد الله الدعّاء، كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة « حل ٦ ص ٢١١. صف ٣ ص ٢٣٤ »

م ١٢ - محمّد بن حفيف الشيرازي أبو عبد الله المتوفّى ٣٧١. ربما كان يصلّي من الغداة إلى العصر ألف ركعة « مفتاح السّعادة ٢ ص ١٧٧ ].

م ١٣ - أبو حنيفة إمام الحنفيَّة كان يصلّي في كلّ ليلة ثلثمائة ركعة ومرّ يوماً في بعض الطرق فقالت امرأة لإمرأة: هذا الرَّجل يصلّي في كلّ ليلة خمسمائة ركعة. فسمع الإمام ذلك فجعل يصلّي بعد ذلك في كلِّ ليلة خمسمائة ركعة، ومرَّ يوماً على جمعٍ

٢٩

من الصبيان قال بعضهم لبعض: هذا يصلّي في كلِّ ليلة ألف ركعة ولا ينام بالليل. فقال أبو حنيفة: نويت أن أصلّي في كلِّ ليلة ألف ركعة وأن لا أنام بالليل. « إقامة الحجَّة » للشيخ محمَّد عبد الحيِّ الحنفي ص ٩ ].

م ١٤ - رابعة كانت تصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة. « روض الأخبار » المنتخب من ربيع الأبرار ١ ص ٥ ].

ونحن نعرف من أصحابنا اليوم من يأتي بها في اللّيل تارة، وفي اللّيل والنهار اُخرى، في أقلّ من سبع ساعات يصلّيها صلاةً تامّة مع سورة التوحيد بالرغم من حسبان إبن تيميَّة استحالتها في اليوم والليلة، فإتيان ألف ركعة في الليل والنهار لا يستوعب كلَّ الليل ولا يحتاج إلى قيام تمامه ولا إلى قيام نصفه، ولا تخالف السنَّة، بل هي السنَّة النبويَّة المعتضدة بعمل العلماء والأولياء، فمَن شاء إستكثر، ومَن شاء إستقلّ.

والمداومة على قيام جميع الليل إن لم تكن مستحبّاً وكانت من المكروه المخالف للسنة الثابتة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما زعمه إبن تيميَّة فكيف تعدّ في طيَّات الكتب فضيلةً لأعلام قومه، منهم:

١ - سعيد بن المسيّب التابعي المتوفّى ٩٣، صلّى الغداة بوضوء العتمة خمسين سنة « صف ٢ ص ٤٤ »

٢ - ألحسن البصري التابعي المتوفّى ١١٠، صلّى الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة « روضة الناظرين ص ٤ »

٣ - إمام الحنفيَّة نعمان، صلّى أربعين سنة صلاة الغداة على طهارة العشاء، وقال ابن المبارك: خمساً وأربعين سنة « مناقب أبي حنيفة للخوارزمي ١ ص ٢٣٦، ٢٤٠، مناقب الكردري ١ ص ٢٤٢ »

٤ - أبو جعفر عبد الرَّحمن بن الأسود النخعي المتوفّى ٩٨، صلّى الفجر بوضوء العشاء « صف ٣ ص ٥٣ »

٥ - أبو بكر النيسابوري الرحّال الفقيه، صلّى أربعين سنة صلاة الصبح على طهارة العشاء قال: إنّه قام أربعين سنة لم ينم الليل، ويتقوَّت كلَّ يوم بخمس حبَّات، يصلّي صلاة الغداة على طهارة العشاء الآخرة « طب ١٠ ص ١٢٢، بق ٣ ص ٣٨، هب ٢ ص ٣٠٢ »

٣٠

٦ - محمَّد بن عبد الرَّحمن أبو الحارث المتوفّى ١٥٩، كان يصلّي اللّيل أجمع « صف ٢ ص ٩٨ »

٧ - هاشم « صف: هشيم » بن بشير أبو معاوية المتوفّى ١٨٣ » صلّى عشرين سنة الصبح بوضوء العشاء « ل ١ ص ٩١، صف ٣ ص ٦، يه ١٠ ص ١٨٤ »

٨ - أبو غياث منصور بن المعتمر السلمي المتوفّى ١٣٢، كان يحيي الليل كلّه في ركعة لا يسجد فيها ولا يركع « صف ٣ ص ٦٣ »

٩ - أبو الحسن الأشعري مكثَ عشرين سنة يصلِّي الصّبح بوضوء العشاء « طش ٢ ص ١٧٢ »

١٠ - أبو الحسين بن بكار البصري المتوفّى ١٩٩ كان يصلّي الغداة بوضوء العتمة « صف ٤ ص ٢٤٠ »

١١ - ألحافظ سليمان بن طرخان التيمي، صلّى أربعين سنة صلاة الصّبح والعشاء بوضوء واحد « حل ٣ ص ٢٩، صف ٣ ص ٢١٨، بق ١ ص ١٤٢ »

١٢ - أبو خالد يزيد بن هارون الحافظ، صلَّى نيفاً وأربعين سنة صلاة الصّبح بوضوء العشاء « بق ١ ص ٢٩٢، صف ٣ ص ٨ »

١٣ - عبد الواحد بن زيد، صلّى الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة « صف ٣ ص ٤٣، طش ١ ص ٤٠ »

على أنَّ ثبوت السنَّة عند القوم لا يستلزم فعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحسب، بل: هي تثبت بفعل أيّ أحد سنَّ سنَّة من أفراد الاُمَّة، فليكن أمير المؤمنينعليه‌السلام أوَّل مَن سنَّ صلاة ألف ركعة في اليوم والليلة، كما نصَّ الباجي والسيوطي والسكتواري وغيرهم على أنَّ أوَّل مَن سنَّ التراويح عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة أربع عشرة(١) وعلى أنَّ أوَّل من جمع النَّاس على التراويح عمر(٢) وعلى أنَّ إقامة النوافل بالجماعات في شهر رمضان من محدثات عمر رضي الله عنه وأنَّها بدعة حسنة(٣) وعلى أنَّ أوَّل

____________________

١ - محاضرة الاوائل ص ١٤٩ طبع سنة ١٣١١، وص ٩٨ ط ١٣٠٠.

٢ - محاضرة الأوائل ط سنة ١٣٠٠ ص ٩٨، شرح المواهب للزرقانى ٧ ص ١٤٩.

٣ - راجع طرح التثريب ج ٣ ص ٩٢.

٣١

من جلد في الخمر ثمانين عمر رضي الله عنه(١) وأمثال ذلك بكثير ممّا سنّه عمر بن الخطاب وصيَّر بدعة حسنة، وسنَّة متّبعة.

وكما قال الحافظ أبو نعيم الإصبهاني والخازن وغيرهما من: أنَّ أوَّل من سنَّ لكلّ مسلم قُتل صبراً ألصَّلاة خبيب بن عديّ الأنصاري [ حل ١ ص ١١٣، تفسير الخازن ١ ص ١٤١ ].

وكما قال المؤرِّخون فيما سنَّ معاوية بن أبي سفيان في الإرث والدية خلاف سنَّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخلفاء الأربعة من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وانَّه يُسمّى بسنَّة الخلفاء لاتِّباعهم أثره بعده، وإتِّخاذهم ذلك سنِّةً [ يه ٩ ص ٢٣٢ و ج ٨ ص ١٣٩ ]

وكما اُخذت سنَّة التبريك في الأعياد من عمر بن عبد العزيز كما قاله الحافظ إبن عساكر في تاريخه ٢ ص ٣٦٥.

وهلّا صحّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله: عليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديّين؟(٢) أو صحَّ ذلك غير أنّ بينه وبين عليّ أمير المؤمنين حجزٌ وَحددٌ يخصّانه بِغيره؟.

م - ولدفع مزعمة إبن تيميّة هذه ومَن لفَّ لفَّه ألّف الشيخ محمّد عبد الحيّ الحنفي رسالةً أسماها ب‍ [ إقامة الحجَّة على أنّ الإكثار في التعبّد ليس ببدعة ] و ذكر جماعة من الصحابة والتابعين الذين اجتهدوا في العبادة وصرفوا فيها أعمارهم، والرِّسالة فيها فوائد جمَّة لا يُستهان بها طبعت بالهند سنة ١٣١١. قال في ص ١٨: خلاصة المرام في هذا المقام وهو الذي أختاره تبعاً للعلماء الكرام: انّ قيام الليل كلّه، وقرائة القرآن في يوم وليلة مرَّة أو مرّات، وأداء ألف ركعات أو أزيد من ذلك، ونحو ذلك من المجاهدات والرياضات ليس ببدعة، وليس بمنهيٍّ عنه في الشرع بل هو أمر حسنٌ مرغوب إليه. الخ ].

وأما دعوى عدم الإمكان منشأها تثاقل الطبع والكسل عن الإكثار من العبادة فإنّ مَن لم يتنشَّط في كلِّ عمره لأمثال ذلك، البعيد عن عمل العاملين وعادات العباد يحسب خروج ذلك عن حيِّز الإمكان، لكن مَن تذوَّق حلاوة الطاعة ولذَّة العبادة يرى أمثال هذه من العاديّات المطَّردة.

____________________

١ - محاضرة الاوائل ١١١ ط سنة ١٣٠٠.

٢ - مستدرك الحاكم ١ ص ٩٦.

_٢_

٣٢

مشكلة الأوراد والختمات

يجد الباحث في طيّات الكتب والمعاجم أعمالاً كبيرةً باهظةً تستوعب من الوقب أكثر من ألف ركعة صلاة معزوَّة إلى اُناس عاديِّين لم ينكرها عليهم ولا على رواتها أحدٌ لا ابن تيميَّة ولا غيره، لأنَّ بواعث الإنكار على أئمَّة أهل البيت عليهم السَّلام لا توجد هنالك، وإليك نبذاً من تلك الأعمال:

١ - كان عُويمر بن زيد أبو الدرداء الصحابيُّ المتوفّى ٣٢ يسبِّح كلَّ يوم مائة ألف تسبيحة « هب ١ ص ١٧٣ »

٢ - كان أبو هريرة الدوسي الصحابي المتوفّى ٥٧ / ٨ / ٩ يسبِّح كلَّ ليلة اثنتي عشر ألف تسبيحة قبل أن ينام ويستغفر الله ويتوب إليه كلّ يوم اثنتي عشرة ألف مرّة « يه ٨ ص ١١٠، ١١٢، هب ١ ص ١٧٣ »

٣ - كان خالد بن معدان المتوفّى ١٠٣ / ٤ / ٨، يسبِّح في اليوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ من القرآن « حل ٥ ص ٢١٠، صه ص ٨٨، ل ١ ص ٥٤ »

٤ - كان عُمير بن هاني المتوفّى ١٢٧، يسبِّح كلّ يوم مائة ألف تسبيحة « صف ٤ ص ١٦٣، م ٢ ص ٣٠٥، يب ٨ ص ١٥٠، هب ١ ص ١٧٣ »

٥ - كان أبو حنيفة إمام الحنفيّة المتوفَّى ١٥٠، يأتي إلى الجمعة ويصلّي قبل صلاتها عشرين ركعة يختم فيهنَّ القرآن « مناقب أبي حنيفة للخوارزمي ١ ص ٢٤٠، مناقب الكردري ١ ص ٢٤٤ »

٦ - كان يعقوب بن يوسف أبو بكر المطوعي المتوفّى ٢٨٧، يقرأ كلَّ يوم « وفي نسخة: وليلة » سورة التوحيد إحدى وثلاثين ألف مرَّة، أو: إحدى وأربعين ألف شكَّ جعفر الراوي عنه « طب ١٤ ص ٢٨٩، يه ١١ ص ٨٤، ظم ٦ ص ٢٦ »

٧ - كان الجنيد القواريري المتوفّى ٢٩٨ ورده كلّ يوم ثلثمائة ركعة « قال إبن الجوزي: أربعمائة » وثلاثين ألف تسبيحة « ظم ٦ ص ١٠٦، صف ٢ ص ٢٣٥، يه ١١ ص ١١٤، طب ٧ ص ٢٤٢ »

٣٣

٨ - كان فقيه الحرم الإمام محمّد يقرأ كلّ يوم ستَّة آلاف قل هو أحد، وهي من جملة أوراده « طش ٢ ص ١٧٠ »

٩ - كان الشيخ أحمد الزواوي المتوفّى ٩٢٢ يقرأ كلَّ يوم وليلة عشرين ألف تسبيحة، وأربعين ألف صلاة على النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « هب ٨ ص ١٠٧ »

١٠ - كان محمّد بن سليمان الجزولي يقرأ نهاراً أربعة عشر ألف بسملة وسلكتين من تأليفه « دلائل الخيرات » في الصَّلاة على النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « نيل الابتهاج ص ٣١٧ »

١١ - كان عبد العزيز المقدسي يقول: حاسبت نفسي من يوم بلوغي إلى يوم هذا فإذا زّلاتي لا تجاوز ستة وثلاثين زلّة، ولقد استغفرت الله لكلّ زلّة مائة ألف مرَّة، وصلّيت لكلِّ زلَّة ألف ركعة، ختمت في كلِّ ركعة منها ختمة « صف ٤ ص ٢١٩ » وأنت تعلم أنَّ ألف ركعة صلاة تكون ثلاث وثمانين ألف كلمة، إذ الركعة الأولى من تكبيرة الأحرام إلى السجدة الأخيرة تعدّ كلماتها « ٦٩ » كلمة وتكون إذا صلّيتها ألفاً تسعاً وستّين ألفاً، ويخرج من الركعة الثانية ألف كلمة عن تكبيرة الأحرام غير الموجودة فيها فتبقى ثمان وستين ألفاً، وإذا أضفت إليها كلمات التشهد على طريقة الشيعة والسَّلام بصيغة « ألسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته » وهي خمسة عشر ألف كلمة، يكون المجموع ثلثاً وثمانين ألف كلمة تربو على كلمات القرآن الشريف بخمسة آلاف وسبع وخمسين كلمة، فقس الأعمال المذكورة إلى هذه تجدها تزيد عليها بكثير، لكن الولاء لصاحب الأوراد المذكورة يمكّنه منها، والبغضاء لصاحب الصَّلاة من العترة الطاهرة تُقعد به عن العمل.

وأمّا ما ختم به إبن تيميّة كلامه من قراءة عثمان القرآن في ركعة واحدة فهو خارجٌ عن موضوع البحث، غير أنَّه راقه أن يقابل تلك المأثرة بفضيلة لعثمان ذاهلاً عن أنَّ ما أورده على صلاة الأئمَّة من الإشكال واردٌ فيها، فهي تخالف السنَّة على زعمه أوَّلاً إذ لم يثبت عن رسول الله قراءة القرآن في ركعةٍ واحدة، وإنّها خارجةٌ عن نطاق الإمكان ثانياً إذ كلمات القرآن سبعة وسبعون ألف وتسعمائة وأربع وثلاثون كلمة وفي قول عطاء بن يسار سبعة وسبعون ألف وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة(١) وتلك الركعة

____________________

١ - تفسير القرطبى ١ ص ٥٧، الاتقان للسيوطى ١ ص ١٢٠.

٣٤

الواحدة لا بدَّ إمّا أن تقع بين المغرب والعشاء، وإمّا بعد العشاء الآخرة إلى صلاة الصّبح، فإتيانها على كلِّ حال في ركعة غير ممكن الوقوع.

على أنَّ الشيخين « البخاري ومسلم » قد أخرجا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انَّه قال لعبد الله بن عمر: واقرأ في سبع ولا تزد على ذلك. وصحَّ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث لم يفقه.

ثمَّ إنَّ عثمان عُدَّ ممّن كان يختم في كلّ اسبوع من الصّحابة(١) .

ومشكلة الختمة في كتب القوم جاءت باُذني عناق، أثقل من شمام، تنتهي إلى شجنةٍ من العَتَه، فذكروا أنَّ منهم من كان يختم القرآن في ركعة ما بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، أو في غيرهما، وُعدّ من أولئك:

١ - عثمان بن عفّان الأموي.كان يختم في ركعة ليلاً « حلية الأولياء ١: ٥٧ »

٢ - تميم بن اوس الداري الصّحابي. كان يختم في ركعة « صف ١ ص ٣١٠.

٣ - سعيد بن جبير التابعي المتوفّى ٩٥ « حل ٤ ص ٧٣ »

٤ - منصور بن زاذان المتوفّى ١٣١ كان يختمه مرَّة فيما بين الظهر والعصر، واُخرى فيما بين المغرب والعشاء، قال هشام: صليَّت إلى جنب منصور فقرأ القرآن فيما بين المغرب والعشاء ختمتين، ثمَّ قرأ إلى الطواسين قبل أن تقام الصَّلاة، وكانوا إذ ذاك يؤخِّرون العشاء في شهر رمضان إلى أن يذهب ربع الليل، وكان يختم فيما بين الظهر والعصر، وفي خلاصة التهذيب: وكان يختم في الضّحى. « حل ٣ ص ٥٧، صف ٣ ص ٤، بق ١ ص ١٣٤، ل ١ ص ٩٧، هب ١ ص ٣٥٥ »

٥ - أبو الحجّاج مجاهد المتوفّى ١٣٢، ذكره إبن أبي داود كما في « الفتاوى الحديثيَّة » ص ٤٤.

٦ - أبو حنيفة النعمان بن ثابت إمام المذهب، كان يحيي الليل بقراءة القرآن ثلاثين سنة في ركعة « مناقب أبي حنيفة للقاري ص ٤٩٤ »

٧ - يحيى بن سعيد القطّان المتوفّى ١٩٨ « طب ١٤ ص ١٤١ »

٨ - ألحافظ أبو أحمد محمّد بن أحمد العسّال المتوفّى ٣٤٩ « بق ٣ ص ٩٧ »

م ٩ - أبو عبد الله محمّد بن حفيف الشيرازي المتوفّى ٣٧١، كان ربما يقرأ القرآن

____________________

١ - ألتذكار للقرطبي ص ٧٦، احياء العلوم ١ ص ٢٦١، خزينة الاسرار ص ٧٧.

٣٥

كلّه في ركعة واحدة. « مفتاح السّعادة » ٢ ص ١٧٧ »

م ١٠ - جعفر بن الحسن الدرزيجاني المتوفّى ٥٠٦، له ختمات كثيرة جّداً كلّ ختمة منها في ركعة واحدة. هب ٤ ص ١٦ ].

ومنهم مَن كان يختم في كلِّ يوم ختمة، وعُدّ من أُولئك:

١ - سعد بن إبراهيم الزهري المتوفّى ١٢٧ « ل ١ ص ٦٦ » وفي صه ص ١١٣: في كلِّ يوم وليلة.

٢ - أبو بكر إبن عيّاش الأسدي الكوفي المتوفّى ١٩٣ « يه ١٠ ص ٢٢٤، يب ١٢ ص ٣٦ »

٣ - أبو العبّاس محمّد بن شاذل النيسابوري المتوفّى ٣١١ « هب ٢ ص ٢٦٣.

٤ - أبو جعفر الكتاني كان يختمها مع الزَّوال « حل ١٠ ص ٣٤٣ »

٥ - أبو العبّاس الآدمي المتوفّى ٣٩٠، كان يختم في غير شهر رمضان كلّ يوم ختمة « ظم ٦ ص ١٦٠، صف ٢ ص ٢٥١، هب ٢ ص ٢٥٧ »

٦ - أحمد بن حنبل إمام مذهبه المتوفّى ٢٤١ « مناقب أحمد لابن الجوزي ص ٢٨٧ »

٧ - ألبخاري صاحب الصحيح المتوفّى ٢٥٦، طب ٢ ص ١٢.

٨ - ألشافعي إمام الشافعيّة المتوفّى ٢٠٤، في غير شهر رمضان « صف ٢ ص ١٤٥، طش ١ ص ٣٣ »

٩ - محمّد بن يوسف أبو عبد الله البناء المتوفّى ٢٨٦ « ظم ٦ ص ٢٤ »

١٠ محمّد بن علي الكرخي المتوفّى ٣٤٣ « يه ١١ ص ٢٢٨، ظم ٦ ص ٣٧٦ »

١١ - أبو بكر بن الحدّاد المصري الشافعي المتوفّى ٣٤٥ / ٤ « ل ١ ص ١٦٧، بق ٣ ص ١٠٨ » وفي بعض المصادر: في اليوم والليلة.

١٢ - ألحافظ إبن عساكر المتوفّى ٣٧١، كان له ذلك في شهر رمضان، هب ٤ ص ٢٣٩.

١٣ - الخطيب البغدادي صاحب التاريخ المتوفّى ٤٦٣ « كر ١ ص ٤١٠ »

١٤ - أحمد بن أحمد إبن السيبي أبو عبد الله القصري المتوفّى ٤٣٩. « طب ٤ ص ٤ »

١٥ - ألشيخ أحمد البخاري له كلّ يوم ختمة وثلث « طش ٤ ص ١٧٠ »(١)

____________________

١ - وقفنا على جمع كثير ممن كان له كل يوم ختمة واقتصرنا بذلك روماً للاختصار.

٣٦

ومنهم مَن كان يختمه في الليلة مرَّة ومن أولئك:

١ - عليّ بن عبد الله الأزدي التابعي، كان له ذلك في شهر رمضان « يب ٧ ص ٣٥٨ »

٢ - قتادة أبو الخطّاب البصري المتوفّى ١١٧، كان له ذلك في عشرة شهر رمضان « صف ٣ ص ١٨٢ »

٣ - وكيع بن الجراح المتوفّى ١٩٧ « ل ١ ص ٩٦، طب ١٣ ص ٤٧٠، يب ١١ ص ١٢٩ »

٤ - ألبخاري صاحب الصحيح المتوفّى ٢٥٦، كان له ذلك في شهر رمضان « يه ١١ ص ٢٦ »

٥ - عطاء بن السائب الثقفي المتوفّى ١٣٦ « صه ص ٢٢٥ »

٦ - عليّ بن عيسى الحميري كان له ذلك في كلِّ ليلة « طبقات القرّاء ١ ص ٥٦٠ »

٧ - أبو نصر عبد الملك بن أحمد المتوفّى ٤٧٢ « ظم ٨ ص ٣٢٤ »

٨ - ألحافظ أبو عبد الرَّحمن القرطبي المتوفّى ٢٠٦، كان يختم كلّ ليلة في ثلاث عشر ركعة « بق ٢ ص ١٨٥ »

٩ - ألشافعي إمام الشافعيَّة كان له ذلك في غير شهر رمضان « طب ٢ ص ٦٣ »

١٠ - حسين بن صالح بن حيّ المتوفّى ١٦٧ « طش ١ ص ٥٠ »

١١ - زبيد بن الحارث « حل ٥ ص ١٨ »

م ١٢ أبو بكر بن عيّاش، كان يختم القرآن كلّ ليلة أربعين سنة. طب ١ ص ٤٠٧ »

ومنهم من كان يختمه في كلِّ يوم وليلة مرّة وُعدّ من أولئك:

١ - سعد بن إبراهيم أبو إسحاق المدني المتوفّى ١٢٧ « صف ٣ ص ٨٢ »

٢ - ثابت بن أسلم البنائي المتوفّى ١٢٧ « حل ٢ ص ٣٢١، بق ١ ص ١١٨ »

٣ - جعفر بن المغيرة التابعي « كر ٤ ص ٧٩ »

٤ - عمر بن الحسين الجمحي « يب ٧ ص ٤٣٤ »

٥ - أبو محمّد عبد الرَّحمن اللخمي الشافعي المتوفّى ٥٨٧ « هب ٤ ص ٢٨٩ »

٦ - أبو الفرج إبن الجوزي المتوفّى ٥٩٠ « يه ١٣ ص ٩ »

٧ - أبو على عبد الرَّحيم المصري القاضي الفاضل المتوفّى ٥٩٦ « يه ١٣ ص ٢٤ »

٣٧

٨ - أبو الحسن المرتضى المتوفّى ٦٣٤ « هب ٥ ١٦٨ »

٩ - محمود بن عثمان الحنبلي المتوفّى ٦٠٩ « هب ٥ ص ٢٩ »

١٠ اُم حبّان السلميَّة « صف ٤ ص ٢٥ »

ومنهم مَن كان يختم في الليل والنهار ختمتين مثل:

١ - سعيد بن جبير التابعي، ختم ختمتين ونصفاً في الصَّلاة في الكعبة « يه ٩ ص ٩٨، صف ٣ ص ٤٣ »

٢ - منصور بن زاذان المتوفّى ١٣١، كان يختم في الليل والنهار مرّتين كما مرَّ « صف ٣ ص ٤ » م - وقال القسطلاني في إرشاد الساري ٣ ص ٣٦٥: كان يختم بين المغرب والعشاء ختمتين ويبلغ في الختمة الثلاثة إلى الطواسين ].

٣ - أبي حنيفة إمام الحنفيَّة، كان له ذلك في شهر رمضان « التذكار ص ٧٤، مناقب أبي حنيفة للقاري ص ٤٩٣، ٤٩٤ »

٤ - ألشافعي إمام الشافعيَّة كان له ذلك في شهر رمضان ما منها إلّا في الصَّلاة « المواهب اللدنيَّة » وفي صف ٢ ص ١٤٥: كان يختم في رمضان ستِّين ختمة سوى ما يقرأه في الصَّلاة.

٥ - ألحافظ العراقي كان يختم في الجماعة في شهر رمضان ختمتين « شرح المواهب للزرقاني ٧ ص ٤٢١ »

٦ - أبي عبد الله محمّد بن عمر القرطبي « الديباج المذهب ص ٢٤٥ »

٧ - ألسيد محمَّد المنير المتوفّى نيف و ٩٣٠ « طش ٢ ص ١١٨ »

٨ - الشيخ عبد الحليم المنزلاوي المتوفّى نيف و ٩٣٠ « طش ٢ ص ١٢١ »

م - ومنهم مَن كان يختم في الليلة ختمتين.

١ - تقيُّ الدين أبو بكر بن محمّد البلاطنسي الشافعي الحافظ المتوفّى ٩٣٦ كان يختم في شهر رمضان في كلّ ليلة ختمتين « هب ٨ ص ٢١٣ »

٢ - أحمد بن رضوان بن جالينوس المتوفى ٤٢٣ ختم في الليلة ختمتين قبل أن يطلع الفجر طب ٤ ص ٢٦١ ].

ومنهم من يختم في اليوم والليلة ثلاث ختمات وعُدّ من أُولئك:

٣٨

١ - كرز بن وبرة الكوفي، كان يختم في كلِّ يوم وليلة ثلاث ختمات « صف ٢ ص ١٢٣ و ج ٣ ص ٦٧، ألاصابة ٣ ص ٣٢١ »

٢ - زُهير بن محمّد بن قُمير الحافظ البغدادي المتوفّى ٢٦٨، كان له ذلك في شهر رمضان « طب ٨ ص ٤٨٥، ظم ٥ ص ٤ »

٣ - أبو العبّاس بن عطاء الآدمي المتوفّى ٣٠٩، كان له ذلك في شهر رمضان « طب ٥ ص ٢٧، ظم ٦ ص ١٦٠، يه ١١ ص ١٤٤ »

م ٤ - سليم بن عنز التجيبي القاضي المصري.قال العيني في « عمدة القاري » ٩ ص ٣٤٩. كان يختم القرآن في كل ليلة ثلث مرّات، وذكر ذلك أبو عبيد. وقال إبن كثير في تاريخه ٩ ص ١١٨: كان يختم القرآن في كلِّ ليلة ثلاث ختمات في الصَّلاة وغيرها.

٥ - عبد الرَّحمن بن هبة الله اليماني المتوفّى ٨٢١، قرأ في الشتاء في يوم ثلاث ختمات وثلث ختمة هب ٧ ص ١٥١ ].

ومنهم مَن كان يختم في اليوم أربع ختمات ومن أُولئك:

١ - أبو قبيصة محمّد بن عبد الرَّحمن الضبي المتوفّى ٢٨٢، قال: قرأت في اليوم أربع ختمات وبلغت في الخامسة إلى سورة البراءة وأذّن المؤذِّن العصر « طب ٢ ص ٣١٥، ظم ٥ ص ١٥٦ »

٢ - عليّ بن الأزهر أبو الحسن اللّاحمي البغدادي المقرئ المتوفّى ٧٠٧، قرأ في يوم واحد بمحضر جماعة من القرَّاء أخذت خطوطهم بتلاوته أربع ختمات إلّا سبع « طبقات القرّاء ج ١ ص ٥٢٦ »

م - ومنهم من ختم بين المغرب والعشاء خمس ختمات قال الشعراوي:(١) دخل سيِّدي أبو العبّاس المصري الحريثي المتوفَّى ٩٤٥ يوماً فجلس عندي بعد المغرب إلى أن دخل وقت العشاء فقرأ خمس ختمات وأنا أسمع فذكرت ذلك لسيِّدي عليّ المرصفي المتوفَّى ٩٣٠ فقال: يا ولدي! أنا قرأت مرَّة حال سلوكي ثلثمائة ركعة وستِّين ختمة في اليوم والليلة كلّ درجة ختمة « هب ٨ ص ٧٥ ].

ومنهم من كان يختم في اليوم والليلة ثمان ختمات أو أكثر. منهم:

____________________

١ - الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراوى الشافعى الامام الفقيه المحدث الاصولى المتوفى ٩٧٣.

٣٩

١ - أ لسيَّد ابن الكاتب، قال النووي: إنَّ بعضهم كان يقرأ أربع ختمات بالليل وأربعاً في النَّهار، ومنهم السيِّد ابن الكاتب الصوفي رضي الله عنه(١) وعدَّه من أُولئك صاحب « خزينة الأسرار » ص ٧٨ وقال: كان يختم بالنهار أربعاً وبالليل أربعاً، ويمكن حمله على مبادئ طيِّ اللّسان وبسط الزمان.

م - وقال صاحب « التوضيح » : أكثر ما بلغنا قراءةً ثمان ختمات في اليوم واللّيلة، وقال السَّلمي: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول: إنَّ ابن الكاتب يختم بالنهار أربع ختمات، وباللّيل أربع ختمات. قاله العيني في « عمدة القاري » ٩ ص ٣٤٩.

٢ - قال الشيخ عبد الحيِّ الحنفي في « إقامة الحجَّة » ص ٧: ومنهم: عليّ بن أبي طالب فإنّه كان يختم في اليوم ثمان ختمات كما ذكره بعض شرَّاح البخاري ].

٣ - بكر بن سهيل الدمياطي المتوفّى ٢٨٩ قال: هجرت أي بكرت يوم الجمعة فقرأت إلى العصر ثمان ختمات. حكاه عنه الذهبي في « ميزان الإعتدال » ج ١ في ترجمته.

وقال القسطلاني(٢) : رأيت أبا الطاهر ( المقدسي ) بالقدس سنة ٨٦٧ وسمعت عنه إذ ذاك انّه كان يقرأ فيهما « في اليوم واللّيلة » أكثر من عشر ختمات: بل قال لي شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف أدام الله النفع بعلومه عنه: انَّه كان يقرأ خمس عشرة في اليوم واللّيلة، وهذا بابٌ لا سبيل إلى إدراكه إلّا بالفيض الربَّاني.

وقال: وقرأت في « الإرشاد » : انَّ الشيخ نجم الدين الاصبهاني رأى رجلاً من اليمن بالطواف ختم في شوط أو في أسبوع شكٌ. وهذا لا سبيل إلى إدراكه إلّا بالفيض الربَّاني والمدد الرَّحماني. « إرشاد الساري ٧ ص ١٩٩ »

وقال الغزالي في « إحياء العلوم » ١ ص ٣١٩: كان كرز بن وبرة مقيماً بمكّة فكان يطوف في كلِّ يوم سبعين اسبوعاً، وفي كلِّ ليلةٍ سبعين اسبوعاً، وكان مع ذلك يختم القرآن في اليوم والليلة مرَّتين(٣) ، فحسب ذلك فكان عشرة فراسخ، ويكون مع كلّ اسبوع ركعتان فهو مائتان وثمانون ركعة وختمتان وعشرة فراسخ.

____________________

١ - ارشاد السارى: ٧ ص ١٩٩، و ج ٨ ص ٣٦٩، الفتاوى الحديثية ص ٤٣.

٢ - ارشاد السارى ٧ ص ١٩٩، و ج ٨ ص ٣٩٦.

٣ - مر في صحيفة ٣٩: انه كان يختم في اليوم والليلة ثلاث ختمات.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

والكمال! لأنّ معرفة الله رمز تكاملهم.

أجل ، إنّ على العباد أن يعرفوا أنّ ذات الله هي منبع جميع الكمالات ، ويسترفدوا لأنفسهم من كمالاته ويستلهموا منه في وجودهم ليشرق في وجودهم ومض من صفات كماله وجلاله ، فالتكامل والقرب من الله لا يتحقّقان إلّا عن طريق التخلّق بأخلاقه ، وهذا التخلّق فرع معرفته «فلاحظوا بدقّة».

٥ ـ وبملاحظة ما ذكرناه آنفا فإنّنا نقترب من النتائج فنقول : إنّ عبادة الله والعبودية له يعينان السير في ما يرتضيه وأن نستودعه أرواحنا ونعشقه بقلوبنا وأن نتخلّق بأخلاقه!

وإذا كانت الآيات المتقدّمة قد ذكرت «العبادة» على أنّها الهدف النهائي فمفهومها هو هذا ، أي أنّه بتعبير آخر هو «التكامل الإنساني»!

أجل إنّ «الإنسان الكامل» هو العبد المخلص لله.

٥ ـ الرّوايات الإسلامية وفلسفة خلق الإنسان

ذكرنا آنفا مسألة الهدف من خلق الإنسان ، وعالجنا هذه المسألة عن طريقين : أحدهما عن طريق تفسير آيات القرآن ، والآخر عن طريق الفلسفة ، وقد أوصلنا كلّ منهما إلى نقطة واحدة.

والآن علينا أن نتابع هذه المسألة في المسير الثالث ، أي عن طريق الرّوايات الإسلامية لنعرف نتيجتها من هذه الرّوايات.

والتدقيق أو التأمّل في الرّوايات التالية التي هي بعض ما ورد في هذا الباب يمنحنا العمق في النظر!

ففي حديث عن الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام أنّه لمّا سئل ما معنى قول النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له. قالعليه‌السلام : إنّ اللهعزوجل خلق الجنّ والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه وذلك قولهعزوجل :( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا

١٤١

لِيَعْبُدُونِ ) فيسّر كلا لما خلق له ، فويل لمن استحبّ العمى على الهدى»(١) .

وهذا الحديث إشارة ذات معنى غزير إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ الله لمّا خلق الناس لهدف تكاملي هيّأ له وسائله التكوينية والتشريعية وجعلها في إختياره.

ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّ الإمام الحسين خطب أصحابه فقال : «إنّ اللهعزوجل ما خلق العباد إلّا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه»(٢) .

٦ ـ الإجابة على سؤال

ويرد هنا سؤال آخر ، وهو إذا كان الله قد خلق العباد ليعبدوه ، فعلام يختار قسم منهم طريق الكفر؟ وهل يمكن أن تتخلّف إرادة الله عن هدفه؟!

وفي الحقيقة إنّ الذين يوردون هذا الإشكال خلطوا بين الإرادة التكوينية والإرادة التشريعيّة. لأنّ الهدف من العبادة لم يكن إجباريا ، بل العبادة توأم الإرادة والإختيار. وبهذا يتجلّى الهدف بصورة تهيأة الأرضية أو المجال فمثلا لو قلت إنّي بنيت هذا المسجد ليصلّي الناس فيه ، فمفهومه أنّني هيّأته لهذا العمل! لا أنّني أجبر الناس على الصلاة فيه! وكذلك في الموارد الاخر كبناء المدرسة للدرس ، والمستشفى للتداوي ، والمكتبة للمطالعة!

وهكذا فإنّ الله هيّأ هذا الإنسان للطاعة والعبادة ، ووفّر له كلّ وسائل المساعدة من قبيل والعقل والعواطف والقوى المختلفة في الداخل ، وإرسال الأنبياء والكتب السماوية والمناهج التشريعية في الخارج إلخ.

ومن المسلّم به أنّ هذا المعنى في المؤمن والكافر واحد ، إلّا أنّ المؤمن أفاد من هذه الإمكانات ، والكافر لم يفد!

__________________

(١) توحيد الصدوق طبقا لما نقل في الميزان ، ج ١٨ ، ص ٤٢٣.

(٢) علل الشرائع للصدوق ـ طبقا للمصدر الآنف.

١٤٢

لذلك فقد ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه حين سئل عن الآية( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) قالعليه‌السلام : «خلقهم للعبادة».

قال الراوي : فسألته : خاصّة أم عامّة؟!

فقالعليه‌السلام : «عامّة»(١) .

وفي حديث آخر عن الإمام نفسهعليه‌السلام أنّه لمّا سئل عن تفسير هذه الآية قال : «خلقهم ليأمرهم بالعبادة»(٢) .

وهي إشارة إلى أنّ الهدف لم يكن الإجبار على العبادة بل الإعداد والتهيأة له ، وهذا المعنى يصدق في حقّ عموم الناس(٣) .

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٥ ، ص ٣١٤ الحديث ٧.

(٢) المصدر السابق.

(٣) يتّضح ممّا ذكرنا آنفا أنّ الألف واللام في «الجنّ والإنس» للاستغراق ، وتشمل الآية جميع الأفراد ، لا أنّ الألف واللام للجنس ، بحيث تشمل جماعة منهم كما ورد في بعض التفاسير والله العالم.

١٤٣

الآيتان

( فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠) )

التّفسير

هؤلاء يشاركون أصحابهم في عذاب الله :

الآيتان آنفتا الذكر اللتان هما آخر سورة الذاريات ، وهما في الحقيقة نوع من الاستنتاج للآيات المختلفة الواردة في السورة ذاتها ولا سيّما الآيات التي تتحدّث عن الأمم السالفة كقوم فرعون وقوم لوط وثمود وعاد ، وكذلك الآيات السابقة التي كانت تتحدّث عن الهدف من الخلق والإيجاد.

فالآية الاولى تقول أنّه بعد أن أصبح معلوما أنّ هؤلاء المشركين قد انحرفوا عن الهدف الحقيقي للخلقة ، فليعلموا أنّ لهم قسطا وافرا من العذاب الإلهي كما كان للأقوام السالفة :( فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ ) (١)

__________________

(١) الفعل فلا يستعجلون مجزوم بلا الناهية كما هو واضح ، والنون هنا للوقاية وقد كسرت للدلالة على أنّ ياء المتكلّم محذوفة لفظا أو رسما ومقدرة معنى

١٤٤

ويقولوا إن كان عذاب الله حقّا فلم لا يصيبنا؟!

والتعبير بـ «الظلم» في شأن هذه الجماعة هو لأنّ الشرك والكفر من أكبر الظلم ، ولأنّ حقيقة الظلم هي وضع الشيء في غير موضعه المناسب ، ومن المعلوم أنّ عبادة الأصنام مكان عبادة الله تعدّ أهمّ مصداق للظلم ، ولذلك فهم يستحقّون العاقبة التي نالها الأقدمون من المشركين.

«الذنوب» : ـ على وزن قبول ـ في الأصل معناه «الفرس التي لها ذنب طويل» ، كما تطلق الكلمة ذاتها على الدلو الكبير التي لها ذنب.

وكان العرب في السابق ينزحون ماء البئر بواسطة الحيوانات بأن يهيّئوا دلاء عظيمة متّصلة بحبال تعين على سحب الدلاء المملوءة بالماء.

وحيث كانت هذه الدلاء تقسّم أحيانا على الجماعات حول البئر ، فتنال كلّ مجموعة دلوا أو أكثر ، فقد استعملت هذه الكلمة بمعنى النصيب والسهم أيضا ، وهي في الآية محل البحث بهذا المعنى أيضا ، غاية ما في الأمر أنّها هنا تشير إلى السهم الكبير(١) .

وهل المراد من هذه الكلمة في هذه الآية التهديد بعذاب الدنيا أو عذاب الآخرة؟ قال جماعة من المفسّرين بالمعنى الأوّل ، وقال آخرون بالمعنى الثاني.

ونرى أنّ القرائن تدلّ على أنّ هذا العذاب هو العذاب الدنيوي ، لأن العجلة لدى بعض الكفّار هي أنّهم كانوا يقولون للنبي : متى هذا الوعد وأين عذاب الله

ولم لا يأتينا إلخ. فمن الواضح أنّه إشارة إلى عذاب الدنيا(٢) هذا أوّلا.

وثانيا إنّ التعبير بـ( مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ ) الظاهر أنّه إشارة إلى عاقبة الأمم

__________________

(١) يقول بعض الشعراء العرب :

لنا ذنوب ولكم ذنوب

فإن أبيتم فلنا القليب.

(٢) تراجع الآيتان (٥٧) و٥٨) من سورة الأنعام ، والآية (٧٢) من سورة النمل وأمثالها ، وهذا التعبير في القرآن قد يستعمل في شأن القيامة أيضا.

١٤٥

المتقدّم ذكرها في هذه السورة كقوم لوط وقوم فرعون وعاد وثمود الذين نال كلّا منهم نوع من العذاب في الدنيا وهلكوا به جميعا.

وهنا ينقدح هذا السؤال ، وهو إذا كانت الآية تشير إلى عذاب الدنيا فلم لا يتحقّق الوعد الإلهي في شأنهم؟!

وهذا السؤال له جوابان :

١ ـ إنّ هذا الوعد تحقّق في شأن كثير منهم كأبي جهل وجماعة آخرين في غزوة بدر وغيرها.

٢ ـ نزول العذاب على جميعهم مشروط بعدم الرجوع نحو الله وعدم التوبة من الشرك ، ولمّا آمن معظمهم في فتح مكّة فإنّ هذا الشرط أصبح منتفيا فلم ينزل عذاب الله.

وفي الآية الأخيرة استكمال لعذاب الدنيا بعذاب الآخرة إذ تقول :( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) .

وكما أنّ هذه السورة بدئت بمسألة المعاد والقيامة ، فإنّها انتهت بالتأكيد عليها كذلك(١) !.

كلمة «الويل» تستعمل في لغة العرب عند ما يقع فرد ما أو أفراد في الهلاك كما تعني العذاب والشقاء ، وقال بعضهم في الويل معنى أشدّ من العذاب.

وكلمات الويل والويس ، والويح تستعمل في لغة العرب لإظهار التأسّف والتأثّر ، غاية ما في الأمر تستعمل كلمة «ويل» لمن يعمل أعمالا قبيحة ، أمّا «ويس» فتستعمل في مقام التحقير ، وكلمة «ويح» تستعمل في موضع الترحّم.

قال بعضهم أنّ «ويلا» بئر من آبار جهنّم أو باب من أبوابها ، غير أنّ مراد القائلين لا يعني بأنّ هذه الكلمة جاءت في اللغة بهذا المعنى فحسب ، بل هي في

__________________

(١) يرى بعض المفسّرين أنّ هذه الآية تشير إلى عذاب الدنيا. مع أنّ مثل هذا التعبير في القرآن يكون ليوم القيامة غالبا

١٤٦

الحقيقة بيان لمصداق من المصاديق.

وقد استعملت هذه الكلمة في القرآن بكثرة ، منها في شأن الكفّار والمشركين والكاذبين والمكذّبين والمجرمين ، والمطفّفين والمصلّين الذين هم عن صلاتهم ساهون ، إلّا أنّ أكثر استعمالها في القرآن في شأن المكذّبين ، وقد تكرّرت الآية( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) في سورة المرسلات وحدها عشر مرّات!.

ربّنا ، نجّنا من عذاب ذلك اليوم العظيم ومن خزيه.

اللهمّ ارزقنا قبول الطاعة والتوفيق للعبودية والفخر بأن نكون عبيدك!

اللهمّ لا تبتلنا بعاقبة المكذّبين المؤلمة الذين كذّبوا رسلك وآياتك وأيقظنا من نومة الغافلين برحمتك يا أرحم الراحمين.

آمين ربّ العالمين

انتهاء سورة الذّاريات

* * *

١٤٧
١٤٨

سورة

الطّور

مكّية

وعدد آياتها تسع وأربعون آية

١٤٩
١٥٠

«سورة الطور»

محتوى السورة :

تتركز بحوث هذه السورة ـ أيضا ـ على مسألة المعاد وعاقبة الصالحين والمتّقين من جهة ، والمجرمين والمفسدين في ذلك اليوم العظيم من جهة اخرى رغم أنّ فيها مواضيع أخر في مجالات مختلفة من الأمور العقائدية أيضا ـ.

ويمكن على الإجمال ـ أن يقسّم محتوى هذه السورة إلى ستّة أقسام.

١ ـ الآيات الاولى من السورة التي تبدأ بالقسم تلو القسم ، وهي تبحث في عذاب الله. ودلائل القيامة وعلاماتها ـ وعن النار وعقاب الكافرين [من الآية ١ إلى ١٦].

٢ ـ القسم الآخر من هذه السورة يذكر بتفصيل نعم الجنّة ومواهب الله في القيامة وما اعدّ للمتّقين ، وينبّه على ذلك على نحو متتابع! وفي الحقيقة أنّ في هذه السورة إشارة إلى أغلب نعم الجنّة من الآية ١٧ ـ ٢٨.

٣ ـ وفي القسم الثّالث من هذه السورة يقع الكلام عن نبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما وجّه إليه الأعداء من التّهم ، ويردّ عليها بنحو موجز من الآية ٢٩ إلى ٣٤.

٤ ـ وفي القسم الرّابع بحث عن التوحيد باستدلالات واضحة من الآية ٣٥ ـ ٤٣.

٥ ـ وفي القسم الخامس من هذه السورة عود على مسألة المعاد وبعض أوصاف يوم القيامة من الآية ٤٤ ـ ٤٧.

١٥١

٦ ـ وأخيرا فإنّ القسم الأخير من هذه السورة الذي لا يتجاوز الآيتين يختتم الأمور المذكورة آنفا بأمر نبي الإسلام بالصبر والاستقامة والتسبيح والحمد لله ووعده بأنّ الله حاميه وناصره.

وهكذا تتشكّل السورة من مجموعة منسجمة منطقية وعاطفية تنشدّ إليها قلوب السامعين.

وتسمية هذه السورة بـ «الطور» تناسبا لما ورد في الآية الاولى من ذكر كلمة الطور فيها.

فضيلة تلاوة هذه السورة :

ورد عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ سورة الطور كان حقّا على الله أن يؤمنه من عذابه وأن ينعّمه في جنّته»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «من قرأ سورة الطور جمع الله له خير الدنيا والآخرة»(٢) !

وواضح أنّ كلّ هذا الأجر والثواب العظيم في الدنيا والآخرة هو لأولئك الذين يجعلون هذه التلاوة وسيلة للتفكّر والتفكّر بدوره وسيلة للعمل.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ١٦٢ ـ تفسير البرهان ، ص ٢٤٠

(٢) المصدر السابق.

١٥٢

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( وَالطُّورِ (١) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨) )

التّفسير

هذه السورة ـ هي الاخرى ـ من السور التي تبدأ بالقسم القسم الذي يهدف لبيان حقيقة مهمّة ، وهي مسألة القيامة والمعاد ومحاسبة أعمال الناس.

وأهميّة هذه المسألة إلى درجة بحيث إنّ الله أقسم في آيات مختلفة من القرآن بأنواع كثيرة من المقدّسات لتتجلّى عظمة ذلك اليوم ووقوعه حتما.

وتلوح في بداية السورة خمسة آيات تبدأ بالقسم ، وفيها معاني مغلقة تدعو إلى التفكير ممّا جعلت المفسّرين يبحثون فيها من جميع الوجوه.

يقول سبحانه وتعالى :

( وَالطُّورِ ) .

«الطور» ـ في اللغة معناه الجبل ـ ولكن مع ملاحظة أنّ هذه الكلمة تكرّرت

١٥٣

في عشر آيات من القرآن الكريم ، تسع منها كانت في الكلام على «طور سيناء» وهو الطور أو الجبل الذي نزل الوحي عنده على موسى ، فيعلم أنّ المراد منه هنا في الآية محلّ البحث (الطور ذاته) خاصّة لو أنّنا لا حظنا أنّ الألف واللام في هذه الكلمة هي للعهد.

فبناء على ذلك ، فإنّ الله يقسم في أوّل مرحلة بواحد من الأمكنة المقدّسة في الأرض حيث نزل عليها الوحي.

وفي تفسير قوله تعالى :( وَكِتابٍ مَسْطُورٍ ) احتمالات متعدّدة أيضا ، إذ قال بعضهم : المراد به اللوح المحفوظ. وقال آخرون : بل هو القرآن الكريم ، ومضى بعض إلى أنّه «صحيفة الأعمال» ، وذهب آخر إلى أنّه «كتاب التوراة» النازل على موسىعليه‌السلام .

ولكن بتناسب القسم المذكور آنفا فإنّ الآية تشير هنا إلى «كتاب موسى» أو كلّ كتاب سماوي.

( فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ ) .

كلمة «الرقّ» مشتقّة من الرقّة ، وهي في الأصل الدقّة واللطافة ، كما تطلق هذه الكلمة على الورق أو الجلد الخفيف الذي يكتب عليه و «المنشور» : معناه الواسع ، ويعتقد بعضهم أنّ هذه الكلمة تحمل في مفهومها معنى اللمعان أيضا.

فبناء على ذلك وقع القسم على كتاب نشر على صفحاته أحسن ما يكتب وهو في الوقت ذاته مفتوح وواسع غير ملتو.

( وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ) .

هناك تفاسير مختلفة في «البيت المعمور» كذلك إذ قال بعضهم المراد منه البيت الذي في السماء محاذيا للكعبة ، وهو معمور بطواف الملائكة وزيارتهم إيّاه ،

١٥٤

ويلاحظ هذا المعنى في روايات إسلامية مختلفة وردت في مصادر متعدّدة(١) . وطبقا لبعض الرّوايات فإنّ سبعين ألف ملك يزورون ذلك البيت كلّ يوم ولا يعودون إليه أبدا.

وذهب البعض أنّ المراد منه «الكعبة» وهي بيت الله في الأرض المعمور بالحجّاج والزوّار ، وهو أوّل بيت وضع للعبادة على الأرض.

وقال بعضهم المراد من البيت المعمور هو «قلب المؤمن» الذي يعمره الإيمان وذكر الله.

إلّا أنّ ظاهر الآية هو واحد من المعنيين الأوّلين المذكورين آنفا ، وبملاحظة التعابير المختلفة في القرآن عن الكعبة بالبيت يكون المعنى الثاني أكثر انسجاما.

أمّا المقصود بـ( السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ) فهو «السماء» لأنّنا نقرأ في الآية (٣٢) من سورة الأنبياء :( وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً ) .

كما نقرأ في الآيتين (٢٧) و٢٨) من سورة النازعات( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها ) فالله هو الذي أعلى سقفها وجعلها متّسقة ومنتظمة.

ولعلّ الوجه ـ في التعبير ـ بالسقف هو أنّ النجوم والكرات السماوية إلى درجة من الكثرة بحيث غطّت السماء فصارت كأنّها السقف ، ويمكن أن يكون إشارة إلى الجوّ الذي يحيط بالأرض أو ما يسمّى بالغلاف الجوّي ، وهو بمثابة السقف الذي يمنع النيازك والشهب أن تهوي إلى الأرض وتصدّ الأشعّة الضارّة من الوصول إلى الأرض.

( وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ) .

«للمسجور» : في اللغة معنيان : الأوّل الملتهب ، والثّاني المملوء. ويقول

__________________

(١) ورد في بحار الأنوار أكثر من عشر روايات في هذا المجال ، ج ٥٨ ، ص ٥٥ وما بعدها.

١٥٥

الراغب في مفرداته : سجر على وزن فجر معناه إشعال النار ، ويعتقد أنّ الآية تعطي هذا المعنى ولم يتحدّث عن المعنى الثاني ، إلّا أنّ العلّامة الطبرسي يذكر أنّ المعنى الأوّل هو ما تقدّم ، وكذلك تشير بعض كتب اللغة إلى ذلك.

والآيات الاخر في القرآن تؤيّد المعنى الأوّل أيضا كما هي الحال في الآيتين (٧١) و٧٢) إذ قال سبحانه :( يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ، ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ) .

ونقرأ في نهج البلاغة عن «أمير المؤمنين» في شأن «الحديدة المحماة» إذ يقول لأخيه «عقيل» : «أتئنّ من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرّني إلى نار سجّرها جبّارها لغضبه ...»(١) .

ولكن أين هو هذا «البحر المسجور»؟ قال بعضهم هو البحر المحيط بالأرض «أو البحار المحيطة بها» وسيلتهب قبل يوم القيامة ، ثمّ ينفجر كما نقرأ ذلك في الآية (٦) من سورة التكوير( وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ ) ونقرأ في الآية (٣) من سورة الإنفطار( وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ ) .

إلّا أنّ بعضهم فسّر ذلك بالبحر الذي في باطن الأرض وهو مؤلّف من مواد منصهرة مذابة ، وما ورد في حديث عن الإمام الباقر الذي نقله «العياشي» شاهد على هذا المعنى ، وقد ورد في هذا الحديث أنّ قارون يعذّب في البحر المسجور(٢) مع أنّ القرآن يقول في شأنه :( فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ ) (٣) .

وهذان التّفسيران لا يتنافيان ، ويمكن أن تكون الآية قسما بهما معا ، إذ كلاهما من آيات الله ومن عجائب هذا العالم الكبرى.

وممّا يلفت النظر أنّ المفسّرين لم يتناولوا بالبحث علاقة هذه الأقسام الخمسة فيما بينها ، إلّا أنّ الظاهر أنّ الأقسام الثلاثة الاوّل بينها ارتباط وعلاقة ،

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٢٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٣٨.

(٣) سورة القصص ، الآية ٨١.

١٥٦

لأنّها جميعا تتحدّث عن الوحي وخصوصياته ، فالطور محلّ نزول الوحي ، والكتاب المسطور إشارة إلى الكتاب السماوي أيضا ، سواء كان التوراة أو القرآن ، والبيت المعمور هو محلّ ذهاب وإيّاب الملائكة ورسل وحي الله.

أمّا القسمان الآخران فيتحدّثان عن الآيات التكوينية «في مقابل الأقسام الثلاثة التي كانت تتحدّث عن الآيات التشريعيّة».

وهذان القسمان واحد منهما يشير إلى أهمّ دلائل التوحيد وعلائمه وهو «السماء» بعظمتها ، والآخر يشير واحد من علائم المعاد المهمّة ودلائله ، وهو الواقع بين يدي القيامة!.

فبناء على هذا فإنّ التوحيد والنبوّة والمعاد جمعت في هذه الأقسام [أو الأيمان] الخمسة.

وبعض المفسّرين يرون أنّ هذه الآيات جميعها تشير إلى موسى وسيرة تأريخه وحياته ، وذكروا ارتباط الآيات على النحو التالي :

الطور هو الجبل الذي نزل الوحي على موسى عنده.

والكتاب المسطور : هو التوراة.

والبيت المعمور : مركز مجيء وإيّاب الملائكة ويحتمل أن يكون بيت المقدس.

والسقف المرفوع هو ما ذكر في قصّة بني إسرائيل( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ) .(١)

والبحر المسجور هو البحر الملتهب الذي عوقب قارون به لأنّه خالف موسى فهوى فيه.

إلّا أنّ هذا التّفسير يبدو بعيدا ، ولا ينسجم مع الرّوايات المنقولة في المصادر

__________________

(١) الأعراف ، الآية ١٧١.

١٥٧

الإسلامية ، وكما قلنا فإنّ السقف المرفوع بشهادة آيات القرآن الاخر والرّوايات المذكورة فيه هو السماء.

تبقى لطيفة دقيقة هنا وهي ما العلاقة بين هذه الأقسام والمقسم به.

ويتّضح الجواب على هذا السؤال ـ مع ملاحظة ما بيّناه آنفا ـ وهو أنّ هذه الأقسام والتي تدور حول محور قدرة الله في عالم التكوين والتشريع تدلّ على أنّ الله قادر على إعادة الحياة وبعث الموتى من قبورهم مرّة اخرى. وهذا هو غاية الأقسام المذكورة كما قرأنا في الآيات الأخيرة من ـ الآيات محلّ البحث ـ( إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ ) .

* * *

١٥٨

الآيات

( يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦) )

التّفسير

كانت في الآيات السابقة إشارة وتلميح عن عذاب الله في يوم القيامة ـ بصورة مغلقة ـ أمّا الآيات ـ محلّ البحث ـ ففيها توضيح وتفسير لما مرّ ، فتتحدّث أوّلا عن بعض حالات يوم القيامة وخصائصه ، ثمّ عن كيفية تعذيب المكذّبين فتقول :( يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً ) (١) .

«المور» : على وزن قول ـ له معان عديدة في اللغة. يقول الراغب في مفرداته :

__________________

(١) كلمة «يوم» منصوبة على أنّها ظرف وهي متعلّقة باسم الفاعل «واقع» الواردة في الآيات المتقدّمة.

١٥٩

المور معناه الجريان السريع. كما قال إنّ المور يطلق على الغبار الذي تجري به الريح لكلّ جهة أيضا.

وقد ورد في «لسان العرب» أنّ «المور» معناه الحركة والذهاب والإيّاب ، كما يطلق على «الموج» ومنهم من قال : المور هو الحركة الدائرة. ومن مجموع هذه التفاسير يستفاد أنّ «المور» هو الحركة السريعة والدوران المقترن بالذهاب والإيّاب والاضطراب والتموّج ، وعلى هذا فإنّ النظام الحاكم على الكرات يضطرب بين يدي يوم القيامة وتنحرف عن مداراتها وتتّجه إلى كلّ جهة ذهابا وإيّابا ، ثمّ تتبدّل وتولّد سماء جديدة بأمر الله كما تقول الآية (١٠٤) من سورة الأنبياء :( يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) .

ونقرأ في الآية (٤٨) من سورة إبراهيم :( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ ) .

ثمّ يضيف القرآن في آية اخرى :( وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً ) .

أجل ، الجبال تنقلع من أمكنتها وتتحرّك وتسير ثمّ تندكّ وتتلاشى كما تشهد بذلك آيات القرآن الاخر فتغدو( كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ) ،(١) ثمّ تكون قاعا خالية من كلّ شيء كما يقول القرآن :( فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً ) (٢) .

كلّ ذلك هو إشارة إلى أنّ هذه الدنيا وما فيها وما عليها تندكّ ويحدث مكانها عالم جديد بأنظمة جديدة ويكون الإنسان أمام نتائج أعماله وجها لوجه.

لذا فإنّ القرآن يضيف في الآية التالية قائلا :( فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) (٣) .

أجل ، حين تعمّ الوحشة والاضطراب جميع الخلق لتغيّر العالم ، تهيمن على المكذّبين وحشة عظيمة وهي العذاب الإلهي لأنّ «الويل» : إظهار التأسّف

__________________

(١) سورة القارعة ، الآية ٥.

(٢) لمزيد التوضيح يراجع التّفسير الأمثل ذيل الآية (١٠٥) من سورة طه.

(٣) إلقاء هنا للتفريع ، أي حيث تكون الأرض قاعا صفصفا ولا ملجأ من الله فويل يومئذ للمكذّبين.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461