الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٥

الغدير في الكتاب والسنة والأدب12%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 461

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 461 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 129357 / تحميل: 6909
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٥

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

بنو الحارث بن فهر بن مالك

بنو عامر بن لؤى

بنو سهم بن عمرو

بنو جمح بن عمرو

بنو أنمار بن بغيض

بنو تيم بن مرة بن كعب

بنو عدي بن كعب الخ.

ولكن الفعل والتأثير كان للقبائل المهمة، والزعماء المهمين، وهم بضع قبائل، والباقون تبعٌ لهم الى حد كبير فقد وصف ابن هشام اجتماع دار الندوة الذي بحث فيه قادة القبائل ( مشكلة نبوة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ) فقال في 2 / 331: وقد اجتمع فيها أشراف قريش:

من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب.

ومن بني نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم، والحارث بن عامر بن نوفل.

ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة.

ومن بني أسد بن عبد العزى: أبوالبختري بن هشام، وزمعة بن الأسود بن المطلب، وحكيم بن حزام.

ومن بني مخزوم: أبو جهل ابن هشام.

ومن بني سهم: نبيه ومنبه ابنا الحجاج.

ومن بني جمح: أمية بن خلف.

ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش، فقال بعضهم لبعض:

إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم، فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأياً.

١٤١

قال: فتشاوروا ثم قال قائل منهم: إحبسوه في الحديد، وأغلقوا عليه باباً، ثم تربصوا به...الخ.

- وقال في: 2 / 488 مسمياً المنفقين على جيش المشركين في بدر:

وكان المطعمون من قريش ثم من بني هاشم بن عبد مناف: العباس بن عبد المطلب بن هاشم.

ومن بني عبد شمس بن عبد مناف: عتبة بن ربيعة بن عبد شمس.

ومن بني نوفل بن عبد مناف: الحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل، يعتقبان ذلك.

ومن بني أسد بن عبد العزى: أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد، وحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد، يعتقبان ذلك.

ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار. انتهى.

واليك هذا الترتيب الذي رتبه الخليفة عمر لقبائل قريش، في سجل الدولة لتوزيع العطاءات، فإنه يدل على تركيبة قبائلها، وتميز بني هاشم عليهم:

- قال البيهقي في سننه: 6 / 364:

عن الشافعي وغيره، أن عمر رضي‌الله‌عنه لما دوَّن الدواوين قال: إبدأ ببني هاشم، ثم قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم وبني المطلب فوضع الديوان على ذلك، وأعطاهم عطاء القبيلة الواحدة.

ثم استوت له عبد شمس ونوفل في جذم النسب، فقال: عبد شمس إخوة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه وأمه دون نوفل، فقدمهم، ثم دعا بني نوفل يتلونهم.

ثم استوت له عبد العزى وعبد الدار، فقال في بني أسد بن عبد العزى أصهار النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهم أنهم من المطيبين فقدمهم على بني عبد الدار، ثم دعا بني عبد الدار يتلونهم.

١٤٢

ثم انفردت له زهرة فدعاها تلو عبد الدار.

ثم استوت له تيمٌ ومخزوم، فقال في بني تيم إنهم من حلف الفضول والمطيبين وفيهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل ذكر سابقةً، وقيل ذكر صهراً فقدمهم على مخزوم.

ثم دعا مخزوم يتلونهم.

ثم استوت له سهمٌ وجمحٌ وعديُّ بن كعب، فقيل له إبدأ بعدي فقال بل أقر نفسي حيث كنت، فإن الاسلام دخل وأمرنا وأمر بني سهم واحد، ولكن انظروا بني جمح وسهم، فقيل قدم بني جمح.

ثم دعا بني سهم، وكان ديوان عدي وسهم مختلطاً كالدعوة الواحدة، فلما خلصت اليه دعوته كبر تكبيرة عالية، ثم قال: الحمد لله الذى أوصل اليَّ حظي من رسوله.

ثم دعا بني عامر بن لؤي، قال الشافعي: فقال بعضهم إن أبا عبيدة بن عبد الله بن الجراح الفهري لما رأى من تقدم عليه قال: أكل هؤلاء تدعو أمامي؟!

فقال: يا أبا عبيدة، إصبر كما صبرتُ أو كلم قومك فمن قدمك منهم على نفسه لم أمنعه، فأما أنا وبنو عدي فنقدمك إن أحببت على أنفسنا.

قال فقدم معاوية بعدُ بني الحارث بن فهر، فصل بهم بين بني عبد مناف وأسد بن عبد العزى.

وشجر بين بني سهم وعدي شيء في زمان المهدي فافترقوا، فأمر المهدي ببني عدي فقدموا على سهم وجمح، للسابقة فيهم.

* *

وقد اعترف الجميع بأن فرع هاشم كانوا متميزين على بقية الفروع في فكرهم وسلوكهم، متفوقين في فعاليتهم وقيمهم وأن جمهور القبائل والملوك كانوا

١٤٣

يحترمونهم احتراماً خاصاً حتى حسدهم زعماء قريش، وتحالفوا ضدهم من أيام هاشم وعبد المطلب.

فقد رتب هاشم ( رحلة الصيف ) الى الشام وفلسطين ومصر لقبائل قريش كلها، فسافر في الصحاري والدول، وفاوض رؤساء القبائل، والملوك، الذين تمر في مناطقهم قوافل قريش، وعقد معهم جميعاً معاهداتٍ بعدم الغارة على قوافل قريش وضمان سلامتها.

وقد فرحت قبائل قريش بهذا الإنجاز، وبادرت الى الإستفادة منه، ولكنها حسدت هاشماً، وتمنى زعماؤها لو أن ذلك تم على يدهم، وكان فخره لهم.

وقد توفي هاشم مبكراً في إحدى سفراته في أرض غزة، في ظروف من حق الباحث أن يشك فيها!

ولكن بيت هاشم لم ينطفئ بعده، فسرعان ماظهر ولده عبد المطلب، وساد في قومه، وواصل مآثر أبيه، فرتب لقريش رحلة الشتاء الى اليمن، وعقد معاهداتٍ لحماية قوافلها مع كل القبائل التي تمر عليها ومع ملك اليمن، وفاز بفخرها كما فاز أبوه بفخر رحلة الصيف.

* *

وعلى الصعيد المعنوي، كانت قبائل قريش ترى أن بني هاشم وعبد المطلب يباهون دائماً بانتمائهم الى إسماعيل، واتباعهم لملة ابراهيم، كأنهم وحدهم أبناء إسماعيل وابراهيم عليهما‌السلام .

وتفاقم الأمر عندما أخذ عبد المطلب يدعي الإلهام عن طريق الرؤيا الصادقة، وأخبرهم بأن الله تعالى أمره بحفر زمزم التي جفت وانقرضت من قديم، فحفرها ونبع ماؤها بإذن الله تعالى، ووجد فيها غزالين من ذهب، فزين بذهبهما باب الكعبة ففاز بمأثرةٍ جديدة وصار - بسبب شحة الماء في مكة - ساقي الحرم والحجيح!

١٤٤

ثم طمأن الناس عند غزو الحبشة للكعبة، بأن الجيش لن يصل اليها، وأن الله تعالى سيتولى دفعهم، فصدقت نبوءته، وأرسل الله عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول.

ثم وضع عبد المطلب للناس مراسم وسنناً، كأنه نبي أو ممهد لنبي، فجعل الطواف سبعاً وكان بعض العرب يطوفون بالبيت عريانين لأن ثيابهم ليست حلالاً، فحرم عبد المطلب ذلك. ونهى عن قتل الموؤودة. وأوجب الوفاء بالنذر، وتعظيم الاشهر الحرم. وحرم الخمر. وحرم الزنا ووضع الحد عليه، ونفى البغايا ذوات الرايات الى خارج مكة. وحرم نكاح المحارم. وأوجب قطع يد السارق. وشدد على القتل، وجعل ديته مئة من الإبل.

وقد عظمت مكانة عبد المطلب في قريش وفي قبائل العرب، وكان زعماء قريش يأكلهم الحسد منه! حتى جروه مرتين الى المنافرة والإحتكام الى الكهان فنصره الله عليهم بكرامة جديدة، وتعاظمت مكانته أكثر!

ولعل أكثر ما أثار زعماء قريش في آخر أيام عبد المطلب، أنه ادعى أنه مثل جده ابراهيم عليه‌السلام ، ونذر أن يذبح أحد أولاده قرباناً لرب الكعبة الخ.

وما أن استراح زعماء قريش من عبد المطلب، حتى ظهر ولده أبو طالب وساد في قومه وفي قريش والعرب، وأخذ مكانة أبيه وجده، وواصل سيرة أبيه عبد المطلب ومقولاته.

وفي أيام أبي طالب وقعت المصيبة على زعماء قريش عندما ادعى ابن أخيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النبوة، وطلب منهم الإيمان به وإطاعته!

وزاد من خوفهم أن عدداً من بني هاشم وبني المطلب آمنوا بنبوته، وأعلن عمه أبو طالب حمايته لابن أخيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليبلغ رسالة ربه بكامل حريته، وهدد قريشاً بالحرب إن هي مست منه شعرة، ووقف في وجه مؤامراتها، وأطلق قصائده في

١٤٥

فضح زعماءها فسارت بشعره الركبان يمدح فيه محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويهجو زعماء قريش حتى أنه سمى زعيم مخزوم أبا الحكم ( أحيمق مخزوم ) كما سماه ابن أخيه محمد ( أبا جهل )!!

ونشط الزعماء القرشيون في مقاومة النبوة بأنواع الإغراءات والتهديدات لأبي طالب وابن أخيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففشلوا!

ثم اتخذوا قراراً باضطهاد المسلمين الذين تطالهم أيديهم، فهرب أكثرهم الى الحبشة وفشل زعماء قريش!

ثم اتخذوا قراراً بالإجماع وضموا اليهم بني كنانة، بعزل كل بني هاشم ومقاطعتهم مقاطعة تامة شاملة، وحصروهم في شعبهم ثلاث سنوات أو أربع فأفشل الله محاصرتهم بمعجزة!

وما أن فقد بنو هاشم رئيسهم أبا طالب، حتى اتحد زعماء قريش قراراً بالإجماع بقتل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي بقي بزعمهم بلا حامٍ ولا ناصر فأفشل الله كيدهم ونقل رسوله الى المدينة التي أسلم أكثر أهلها!

وحاول القرشيون أن يضغطوا على أهل المدينة بالإغراء والوعيد، واليهود ولكنهم فشلوا، لأن المدينة صارت في يد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي تقع على طريق شريانهم التجاري، وتهددهم بقطع تجارتهم مع الشام ومنطقتها!

فقرروا دخول الحرب مع ابن بني هاشم، وحاربوه في بدر، وأحد، والخندق ففشلوا!

وحاربوه باليهود، واستنصروا عليه بالفرس والروم ففشلوا!

وما هو إلا أن فاجأهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السنة الثامنة من هجرته ودخل عليهم عاصمتهم مكة، بجيش من جنود الله لا قبل لهم به. فاضطروا أن يعلنوا إلقاء سلاحهم، والتسليم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

١٤٦

وقام أهل مكة سماطين ينظرون الى دخول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والى جيشه ..

وتقدم براية الفتح بين يديه شابٌّ أنصاري من قبيلة الخزرج اليمانية، هو عبد الله بن رواحة، وهو يقول للفراعنة:

خلُّوا بني الكفار عن سبيلِهِ

فاليوم نضربْكم على تنزيلهِ

ضرباً يزيل الهام عن مَقِيلِهِ

ويذهلُ الخليلَ عن خليله

تالله لا يحكم فينا ابن الدعي (2)

فقال عمر بن الخطاب: يابن رواحة، أفي حرم الله وبين يدي رسول الله، تقول الشعر!!

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مهْ يا عمر، فو الذي نفسي بيده، لكلامه هذا أشد عليهم من وقع النبل )! ( البيهقي في سننه: 10 / 228، ونحوه الترمذي: 4 / 217، والذهبي في سير أعلام النبلاء: 1 / 235 )

فعمر يريد أن يخفف على زعماء قريش وقع هزيمتهم، ولا يتحداهم في عاصمتهم ولا ننسى أن عمر من قبيلة عدي الصغيرة، وأنه نشأ على احترام زعماء قريش وإكبارهم.

ولكن الرؤية النبوية أن هؤلاء الفراعنة لا يفهمون إلا لغة السيوف والسهام، وأن عمل عبد الله بن رواحة عملٌ صحيحٌ، وقيمته عاليةٌ عند الله تعالى، لأنه أشد على أعداء الله من وقع النبل!!

* *

وأعلن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمان لقريش، وجمع زعماءهم في المسجد الحرام وسيوف جنود الله فوق رؤوسهم وشرح لهم تكبرهم وتجبرهم وتكذيبهم لآيات الله ومعجزاته، وعداءهم لله ورسوله، واضطهادهم لبني هاشم والمسلمين، وحروبهم ومكائدهم ضد الإسلام ورسوله ..

١٤٧

- قال الطبري في تاريخه: 2 / 337:

عن قتادة السدوسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام قائماً حين وقف على باب الكعبة ثم قال:

لا إله الا إلله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.

ألا كل مأثرةٍ أو دمٍ أو مالٍ يدَّعى، فهو تحت قدميَّ هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ...

يا معشر قريش: إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء. الناس من آدم وآدم خلق من تراب. ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الآية.

يا معشر قريش ويا أهل مكة: ماترون أني فاعلٌ بكم؟!

قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم.

ثم قال: إذهبوا فأنتم الطلقاء.

فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوةً، وكانوا له فَيْأً، فبذلك يسمى أهل مكة الطلقاء. انتهى.

لقد خيرهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين إعلان إسلامهم أو القتل: فأعلنوا إسلامهم، فقال لهم: إذهبوا فأنتم الطلقاء، وذلك يعني أنه منَّ عليهم بحياتهم، مع أنهم يستحقون أن يتخذهم عبيداً، أو يقتلهم!!

ويعني أن إعلان إسلامهم الشكلي، لم يرفع جواز استرقاقهم أو قتلهم!

* *

ومما صادفته في تصفحي، ما ارتكبه الشيخ ناصر الدين الألباني من تعصبٍ مفضوح للقرشيين، حيث ضعف هذا الحديث! فقال في سلسلة أحاديثه الضعيفة

١٤٨

3 / 307 برقم 1163: ضعيف. رواه ابن إسحاق في السيرة 4 / 31 - 32، وعنه الطبري في التاريخ 3 / 120، ونقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 4 / 300 - 301، ساكتاً عليه. وهذا سندٌ ضعيف مرسل، لأن شيخ ابن إسحاق فيه لم يسمَّ، فهو مجهول. ثم هو ليس صحابياً، لأن ابن إسحاق لم يدرك أحداً من الصحابة، بل هو يروي عن التابعين وأقرانه، فهو مرسل، أو معضل. انتهى.

وكأن هذا المحدث لم يطلع على وجود هذا الحديث ومؤيداته في المصادر الأخرى، ولم ير المحدثين والفقهاء وهم يرسلونه إرسال المسلمات ..

وما أدري هل هو جهلٌ بالتاريخ والحديث الى هذا الحد أم حبٌّ للقرشيين ومحاولةٌ لتخليصهم من صفة الرق الشرعية للرسول وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

فإن مسألة الطلقاء ثابتة مشهورة عند جميع الفرق، واسم ( الطلقاء ) كالعلم لأكثر قريش، وهو كثيرٌ في مصادر الحديث، وقد دخلت أحكامه في فقه المذاهب.

- فقد روى البخارى في صحيحه: 5 / 105 - 106

قال لما كان يوم حنين التقى هوازن ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف والطلقاء، فأدبروا ...

- وفي مسلم: 3 / 106: ومعه الطلقاء فأدبروا عنه حتى بقي وحده!!

ونحوه في: 5 / 196 ونحوه في مسند أحمد: 3 / 190 و 279

والصحيح أنه لم يثبت معه إلا بنو هاشم.

- وفي مسند أحمد: 4 / 363: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهاجرون والأنصار أولياء بعضهم لبعض، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض، الى يوم القيامة.

وقد صححه الحاكم في المستدرك: 4 / 80، وقال عنه في مجمع الزوائد: 10 / 15:

رواه أحمد والطبراني بأسانيد، وأحد أسانيد الطبراني رجاله رجال الصحيح، وقد جوده رضي‌الله‌عنه وعنا، فإنه رواه عن الأعمش عن موسى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الرحمن بن هلال العبسي، عن جرير وموسى بن عبد الله بن هلال العبسي.

١٤٩

- وقال الشافعي في كتاب الأم: 7 / 382

قال الأوزاعي: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة، فخلى بين المهاجرين وأرضهم ودورهم بمكة، ولم يجعلها فيئاً.

قال أبو يوسف رحمه‌الله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا عن مكة وأهلها وقال:

من أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ونهى عن القتل إلا نفراً قد سماهم، إلا أن يقاتل أحدٌ فيقتل، وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد: ما ترون أني صانعٌ بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم.

قال: إذهبوا فأنتم الطلقاء. ولم يجعل شيئاً قليلاً ولا كثيراً من متاعهم فيئاً. وقد أخبرتك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في هذا كغيره، فهذا من ذلك، وتفهَّم فيما أتاك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لذلك وجوهاً ومعاني. انتهى.

وراجع أيضاً مغني ابن قدامة: 7 / 321، ومبسوط السرخسي: 10 / 39، ومسند أحمد: 3 / 279، وسنن البيهقي: 6 / 306، و: 8 / 266 و: 9 / 118، وكنز العمال: 12 / 86.

- وفي كنز العمال: 5 / 735: قال لهم عمر: إن هذا الأمر لا يصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء، فإن اختلفتم فلا تظنوا عبد الله بن أبي ربيعة عنكم غافلاً - ابن سعد. انتهى.

وكذلك الأمر في مصادرنا:

- ففي نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده: 3 / 30 في جواب علي عليه‌السلام لمعاوية:

وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلانٌ وفلانٌ، فذكرت أمراً إن تم اعتزلك كله، وإن نقص لم تلحقك ثلمته.

وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس؟! وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين، وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم.

هيهات، لقد حنَّ قدحٌ ليس منها، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها.

ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك، وتعرف قصور ذرعك، وتتأخر حيث أخرك

١٥٠

القدر، فما عليك غلبة المغلوب، ولا لك ظفر الظافر وإنك لذهاب في التيه رواغ عن القصد.

- وفي الكافي: 3 / 512

من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده وما أخذ بالسيف فذلك الى الإمام يقبِّله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر وقال: إن أهل الطائف أسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف العشر، وإن أهل مكة دخلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنوةً فكانوا أسراء في يده، فأعتقهم وقال: إذهبوا فأنتم الطلقاء.

قريش بعد فتح مكة

ماذا فعلت قريش بعد أن اضطر بقية فراعنتها وألوف الطلقاء من أتباعهم الى الدخول في الإسلام؟؟

من الطبيعي أن مشاعر الغيظ والكبرياء القرشي بقيت محتدمةً في قلوب أكثرهم إن لم نقل كلهم ولكن في المقابل ظهر فيهم منطقٌ يقول: إن دولة محمد دولتنا فمحمد أخٌ كريمٌ، وابن أخٍ كريم، ودولته دولة قريش، وعزه عزها وفخره فخرها، فهو مهما كان ابن قريش الرحيم، ودولته أوسعُ من دولة قريش وأقوى، والمجال أمام زعمائها مفتوحٌ من داخل هذه الدولة، فلماذا نحاربها، ولماذا نتركها بأيدي الغرباء من الأوس والخزرج اليمانيين!.

أما مسألة من يرث دولة محمد بعده، فهي مسألةٌ قابلةٌ للعلاج، وهي على كل حال مسألةٌ قرشيةٌ داخلية!!

من البديهي عند الباحث أن يفهم أن قريشاً وجهت جهودها لمرحلة ما بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن الهدف الأهم عندها كان: منع محمد أن يرتب الأمر من بعده لبني هاشم، ويجمع لهم بين النبوة والخلافة على حد تعبير قريش!

فالنبوة لبني هاشم، ولكن خلافة محمد يجب أن تكون لقريش غير بني هاشم!

١٥١

لكن رغم وجود هذا المنطق، فإن النصوص واعترافات بعض زعمائهم تدل على أنهم كانوا يعملون على كل الجبهات الممكنة! وأن أكثريتهم كانوا يائسين من أن يشركهم محمد في حكم دولته، لأنه يعمل بجدٍّ لتركيز حكم عترته من بعده ..

لذلك اتجه تفكيرهم بعد فتح مكة الى اغتيال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسرعان ما حاولوا تنفيذ ذلك في حنين ..!!

إن فراعنة قريش كفراعنة اليهود أبناء عمهم، فهم لا يعرفون الوفاء، بل كأنهم إذا لم يغدروا بمن عفا عنهم وأحسن اليهم، يصابون بالصداع!!

لقد اعلنوا إسلامهم، وادعوا أنهم ذهبوا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليساعدوه في حربه مع قبيلتي هوازن وغطفان، وكان عدد جيشهم ألفين، وعدد جيش النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي فتح مكة عشرة آلاف، وعندما التقوا بهوازن في حنين انهزموا من أول رشق سهام، وسببوا الهزيمة في صفوف المسلمين فانهزموا جميعاً، كما حدث في أحد!

وثبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه بنو هاشم فقط، كالعادة، وقاتلوا بشدةٍ مع مئة رجعوا اليهم مئة من الفارين حتى ردوا الحملة، ثم رجع المسلمون الفارون وكتب الله النصر.

وفي أثناء هزيمة المسلمين، قامت قريش بعدة محاولاتٍ لقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

نكتفي منها بذكر ما نقله زعيم بني عبد الدار النضير بن الحارث، الذي سيأتي ذكره في تفسير الآية الثالثة! ونقله عنه محب له ولقريش ولبني أمية هو ابن كثير فقال في سيرته: 3 / 691:

كان النضير بن الحارث بن كلدة من أجمل الناس، فكان يقول: الحمد لله الذي من علينا بالإسلام، ومن علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولم نمت على ما مات عليه الآباء، وقتل عليه الإخوة وبنو العم.

ثم ذكر عداوته للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه خرج مع قومه من قريش الى حنين، وهم على دينهم بعد، قال: ونحن نريد إن كانت دائرة على محمد أن نغير عليه، فلم يمكنا ذلك.

١٥٢

فلما صار بالجعرانة فوالله إني لعلى ما أنا عليه، إن شعرت إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنضير؟

قلت: لبيك.

قال: هل لك الى خير مما أردت يوم حنين مما حال الله بينك وبينه؟

قال: فأقبلت إليه سريعاً.

فقال: قد آن لك أن تبصر ما كنت فيه توضع!

قلت: قد أدري أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئاً، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم زده ثباتاً.

قال النضير: فوالذي بعثه بالحق لكأن قلبي حجرٌ ثباتاً في الدين، وتبصرة بالحق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي هداه. انتهى.

وأنت تلاحظ أن هذه الكلام يتضمن إقراراً من هذا الزعيم القرشي على نفسه، وإقرار الإنسان على نفسه حجة وأنه يتضمن ادعاء منه بإيمانه بالله تعالى، فقد ذكر أنه تشهده الشهادة الأولى فقط، ولم يذكر الثانية!

ولكن الدعوى لا تثبت بادعاء صاحبها بدون شهادة غيره!

ومهما يكن فقد اعترف زعيم بني عبد الدار أصحاب راية قريش التي يصدر حاملها الأوامر لألفي مسلح في حنين، بأن إعلان إسلامهم في مكة كان كاذباً، وبأنه كل زعماء قريش كانوا متفقين على قتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنهم حاولوا محاولاتٍ في حنين ولم يتوفقوا فقد أحبط الله تعالى خططهم، وكشف لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نواياهم!!

بل تدل أحاديث السيرة، على أن زعماء قريش لم يملكوا أنفسهم عند انهزام المسلمين في حنين في أول الأمر، فأظهروا كفرهم الراسخ، وفضحوا أنفسهم!

- ففي سيرة ابن هشام: 4 / 46

قال ابن اسحاق: فلما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه

١٥٣

وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجالٌ منهم بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن الأزلام لَمَعَهُ في كنانته! وصرخ جبلة بن الحنبل - قال ابن هشام كلدة بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشركٌ في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا بطل السحر اليوم!

قال ابن اسحاق: وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار: قلت اليوم أدرك ثأري من محمد، وكان أبوه قتل يوم أحد، اليوم أقتل محمداً، قال:

فأدرت برسول الله لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي فلم أطلق ذاك، وعلمت أنه ممنوعٌ مني!! انتهى.

وهذا آخر من أصحاب راية جيش قريش المسلمة، يعترف بأنه في حنين عند الهزيمة أو بعدها ( دار ) مرة أو مراتٍ حول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليقتله!

إن الناظر في مقومات شخصيات زعماء قريش، وتفكيرهم واهتماماتهم، يصل الى أن قناعة بأن عنادهم بلغ حداً أنهم اتخذوا قراراً بأن يكذبوا بكل الآيات والمعجزات التي يأتيهم بها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويكفروا بكل القيم والأعراف الإنسانية التي يدعو اليها ويعاملهم بها وأن لا يدخلوا في دينه إلا في حالتين لا ثالثة لهما:

إذا كان السيف فوق رؤوسهم!

أو صارت دولة محمد وسلطانه بأيديهم!

لقد حاربوا هذا الدين ونبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكل الوسائل حتى عجزوا وانهزموا ..

ثم واصلوا تآمرهم ومحاولاتهم اغتيال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى عجزوا ..

ثم جاؤوا يشترطون الشروط مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليأخذوا سهماً من دولته فعجزوا ..

ثم جاؤوا يدعون أنهم أصحاب الحق في دولة نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه من قبائل قريش!!!

- قال في مناقب آل أبي طالب: 2 / 239

قال الشريف المرتضى في تنزيه الأنبياء: إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نص على أمير المؤمنين

١٥٤

بالإمامة في ابتداء الأمر، جاءه قوم من قريش وقالوا له: يا رسول الله إن الناس قريبوا عهد بالإسلام لا يرضون أن تكون النبوة فيك والإمامة في ابن عمك علي بن أبي طالب فلو عدلت به الى غيره، لكان أولى!

فقال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما فعلت ذلك لرأيي فأتخير فيه، لكن الله تعالى أمرني به وفرضه عليَّ.

فقالوا له: فإذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربك، فأشرك معه في الخلافة رجلاً من قريش تركن الناس اليه، ليتم لك أمرك، ولا تخالف الناس عليك. فنزلت الآية: لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين .

عبد العظيم الحسني عن الصادق عليه‌السلام في خبر: قال رجل من بني عدي اجتمعت اليَّ قريش، فأتينا النبي فقالوا: يا رسول الله إنا تركنا عبادة الأوثان واتبعناك، فأشركنا في ولاية علي فنكون شركاء، فهبط جبرئيل على النبي فقال: يا محمد لئن أشركت ليحبطن عملك الآية. انتهى. ( والحديث الأول في تنزيه الأنبياء/ 167 )

* *

قريش تتمحور حول زعامة سهيل بن عمرو

رغم خيانات زعماء قريش بعد فتح مكة وتآمرهم، فقد حاول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يستقطبهم، فأكرمهم وتألفهم وأعطاهم أكثر غنائم المعركة، وأطمعهم بالمستقبل إن هم أسلموا وحسن إسلامهم الخ.

لقد أمر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقاوم عُقَدهم بنور الحلم، وظلماتهم بنور الإحسان ..!!

وفي هذه الفترة تراجعت زعامة أبي سفيان، ولم يبق منها إلا ( أمجاد ) حربه مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فشخصية أبي سفيان تصلح للزعامة في الحرب فقط وفي التجارة، ولا تصلح في السلم للزعامة والعمل السياسي، لذلك تراه بعد أن انكسر في فتح مكة ذهب الى المدينة وطلب منصباً من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعينه جابياً للزكاة من بعض القبائل!!

١٥٥

أما الزعيم الذي يجيد العمل لمصلحة قريش المنكسرة عسكرياً فقد وجدته قريش في سهيل بن عمرو، العقل السياسي المفكر والمخطط ..

وسرعان ما صار سهيل محوراً لقريش، ووارثاً لقيادة زعمائها الذين قتلهم محمد أو أماتهم رب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وسهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود، هو في نظر قريش: قرشي أصيل. ولئن كان من بني عامر بن لؤي، الذين هم أقل درجة من بني كعب بن لؤي ( سيرة ابن هشام: 2 / 489 ) ، ولكنه صاحب تاريخ مع محمد، فهو من الزعماء الذين فاوضوا أبا طالب بشأنه.

وهو من أعضاء دار الندوة الذين قرروا مقاطعة بني هاشم.

وهو من الذين ائتمروا على قتله عندما ذهب الى الطائف، وقرروا نفيه من مكة، وهددوه بالقتل إن هو دخلها، ورفضوا أن يجيروه حتى يستطيع الدخول الى مكة وتبليغ رسالة ربه ففي تاريخ الطبري: 2 / 82 : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للأخنس بن شريق: ائت سهيل بن عمرو فقل له إن محمداً يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربي؟ فأتاه فقال له ذلك، قال فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب! انتهى.

وهو من الزعماء الذين واصلوا العمل لقتل محمد بعد وفاة أبي طالب، حتى أنجاه الله منهم بالهجرة.

وهو أحد الذين حبسوا المسلمين وعذبوهم على إسلامهم، ومن المعذبين على يده ولده أبو جندل.

وهو أحد قادة المشركين في بدر، وأحد أثريائهم الذين كانوا يطعمون الجيش.

وهو أحد الذين كانوا يؤلمون قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفعالياتهم الخبيثة، فلعنهم الله تعالى وطردهم من رحمته، وأمر رسوله أن يلعنهم، ويدعو عليهم في صلاته.

وهو أحد المنفقين أموالهم على تجهيز الناس لحرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحد والخندق وغيرهما.

١٥٦

- قال في سير أعلام النبلاء: 1 / 194

يكنى أبا يزيد، وكان خطيب قريش وفصيحهم ومن أشرافهم وكان قد أسر يوم بدر وتخلص. قام بمكة وحض على النفير، وقال: يال غالب أتاركون أنتم محمداً والصباة يأخذون عيركم! من أراد مالاً فهذا مال، ومن أراد قوة فهذه قوة.

وكان سمحاً جواداً مفوهاً.

وقد قام بمكة خطيباً عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنحو من خطبة الصديق بالمدينة فسكنهم!! وعظم الإسلام. انتهى.

وهو الذي انتدبته قريش لمفاوضة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديبية، وقد أجاد المفاوضة وشدد عليه بالشروط، ولم يقبل أن يكتب في المعاهدة ( رسول الله ) ووقع الصلح معه نيابة عن كل قريش.

وهو المعروف عند قريش بأنه سياسي حكيم، أكثر من غيره من فراعنتها.

وهو أخيراً من أئمة الكفر الذين أمر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتالهم! وإعلانه الإسلام تحت السيف لا يغير من آيات الله شيئاً! ففي تفسير الصنعاني: 1 / 242 : عن قتادة في قوله ( وقاتلوا أئمة الكفر ) هو أبو سفيان بن حرب، وأمية بن خلف، وعتبه بن ربيعة، وأبو جهل، وسهيل بن عمرو. انتهى.

وقد اختار سهيل بن عمرو البقاء في مكة بعد فتحها ودخولها تحت حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يهاجر الى المدينة كبعض الطلقاء، ولم يطلب من محمد منصباً، لأن كبرباءه القرشي وتاريخه في الصراع مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأبيان عليه ذلك!!

ولكنه قبل هدية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حنين وكانت مئة بعير، بينما كان رفضها في أيام القحط والسنوات العجاف التي حدثت على قريش بدعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أشفق عليهم وأرسل اليهم مساعدة، وكانت أحمالاً من المواد الغذائية، فقبلها أكثرهم وكان سهيل ممن رفضوها!

١٥٧

إنه تاريخٌ طويلٌ مشرقٌ عند القرشييين، وإن كان أسود عند الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !! ومن أجل هذا النسب وهذا التاريخ والصفات، اجتمعت حوله قريش بعد فتح مكة، وانضوت تحت زعامته!

* *

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عين حاكماً لمكة بعد فتحها، هو عتاب بن أسيد الأموي وحعل معه أنصارياً، ولكن قريشاً كانت تفضل عليه سهيلاً، وتسمع كلامه أكثر منه!

والدليل على ذلك أنه بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارتدت قريش عن الإسلام، وخاف حاكمها عتاب أن يقتلوه فاختبأ مع أنه قرشي أموي وبعد أيام وصلهم خبر يطمئنهم ببيعة أبي بكر التيمي، وأن أحداً من بني هاشم لن يحكم بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمأن سهيل بن عمرو، وخطب في قريش بنفس خطبة أبي بكر في المدينة، والتي مفادها أنه من كان يعبد محمداً فإن إلهه قد مات، ونحن لا نعبد محمداً، بل هو رسولٌ بلغ رسالته ومات، وهو ابن قريش وسلطانه سلطان قريش، وقد اختارت قريش حاكماً لنفسها بعده وهو أبو بكر، فاسمعوا له وأطيعوا.

لقد طمأنهم سهيل بأن الأمر بيد قريش، وليس بيد بني هاشم والأنصار اليمانية الذين ( يعبدون ) محمداً، فلماذا الرجوع عن الإسلام!

فأطاعته قريش وانتهى مشروع الردة!

وأصدر سهيل أمره لعتاب الحاكم من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخرج من مخبئك، واحكم مكة باسم الزعيم القرشي غير الهاشمي أبي بكر بن أبي قحافة التيمي!

( راجع سيرة ابن هشام: 4 / 1079، وفيها: فتراجع الناس وكفوا عما هموا به، وظهر عتاب بن أسيد ).

سهيل بن عمرو يحاول الإستقلال!

اقتنعت قريش بعد فتح مكة أن العمل العلني ضد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محكوم بالفشل ..

١٥٨

فركزت جهودها على العمل السياسي المتقن، والعمل السري الصامت، لإبعاد عترته عن الحكم، وجعله في قريش ..

ولكن المشكلة عندها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسير قدماً في ترتيب الأمر من بعده لعلي ومن بعده للحسن والحسين، أولاد بنته فاطمة وقريش لا تطيق علياً ولا أحداً من بني هاشم لذلك قرر قادتها وفي مقدمتهم سهيل بن عمرو أن يقوموا بأنشطة متعددة، منها محاولة جريئة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد كتبوا اليه ثم جاؤوه وفداً برئاسة سهيل بن عمرو، طالبين اليه أن يرد ( اليهم ) عدداً من أبنائهم وعبيدهم، الذين تركوا مكة أو مزارعهم في الطائف، وهاجروا الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتفقهوا في الدين، كما تنص الآية القرآنية!

قال سهيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحن اليوم حلفاؤك، وقد انتهت الحرب بيننا وتصالحنا، وأنا الذي وقعت الصلح السابق معك في الحديبية!

وهؤلاء أولادنا وعبيدنا هربوا منا وجاؤوك، ولم يأتوك ليتفقهوا في الدين كما زعموا، ثم إن كانت هذه حجتهم فنحن نفقههم في الدين، فأرجعهم الينا!!

ومعنى هذا الطلب البسيط من زعيم قريش الجديد: أن قريشاً حتى بعد فتح مكة واضطرارها الى خلع سلاحها وإسلامها تحت السيف تريد من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإعتراف بأنها وجودٌ سياسيٌّ مستقل، في مقابل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودينه ودولته!!

- روى الترمذي في: 5 / 298

عن ربعي بن حراش قال: أخبرنا علي بن أبي طالب بالرحبة فقال: لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا يا رسول الله: خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا، وليس لهم فقه في الدين، وإنما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا، فارددهم إلينا فإن لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم.

١٥٩

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين، قد امتحن الله قلوبهم على الإيمان! قالوا من هو يا رسول الله؟

فقال له أبو بكر: من هو يا رسول الله؟

وقال عمر: من هو يا رسول الله؟

قال هو خاصف النعل، وكان أعطى علياً نعله يخصفها. هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي.

- وروى أبو داود: 1 / 611

عن ربعي بن حراش عن علي بن أبي طالب قال: خرج عبدانٌ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني يوم الحديبية قبل الصلح، فكتب إليه مواليهم فقالوا: يا محمد والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هرباً من الرق!

فقال ناسٌ: صدقوا يا رسول الله ردهم إليهم!

فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا!

وأبى أن يردهم وقال: هم عتقاء الله عز وجل. انتهى.

ولا يغرك ذكر الحديبية في الحديث، فهذا من أساليب الرواة القرشيين في التزوير فالحادثة وقعت بعد فتح مكة، ولو كانت قبله لطالب سهيلٌ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالوفاء لهم بشرطهم، لأنهم شرطوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلح الحديبية أن يرد اليهم من يأتيه منهم، ولا يردون اليه من يأتيهم من المسلمين!

ولو كانت قبل فتح مكة، لكانت مطالبةً بشرطهم، وما استحقت هذا الغضب النبوي الشديد، وهو لا يغضب إلا بحق، ولا يغضب إلا لغضب الله تعالى، ولا يرضى إلا بما يرضي الله تعالى!

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

ألقرن السّابع

٥٧

مجد الدين ابن جميل

ألمتوفّى: ٦١٦

ألمت وهي حاسرةٌ لثاما

وقد ملأت ذوائبها الظلاما

وأجرت أدمعاً كالطلِّ هبَّت

له ريح الصَّبا فجرى تواما

وقالت: أقصدتك يد الليالي

وكنت لخائف منها عصاما

وأعوزك اليسير وكنت فينا

ثمالاً للأرامل واليتاما

فقلت لها: كذاك الدَّهر يجني

فقرِّي وارقبي الشَّهر الحراما

فأنِّي سوف أدعو الله فيه

وأجعل مدح ( حيدرة ) إماما

وأبعثها إليه منِّقحات

يفوح المسك منها والخزامى

تزور فتى كأنَّ أبا قبيس

تسنّم منكبيه أو شماما

أغرّ له إذا ذكرت أياد

عطاءٌ وابلٌ يشفي الأواما

وأبلج لو ألمَّ به ابن هند

لأوسعه حباءاً وابتساما

ولو رمق السَّماء وليس فيها

حياً لاستمطرت غيثاً ركاما

وتلثم من تراب أبي تراب

تراباً يُبرئ الدّاء العقاما

فتحظى عنده وتؤُب عنه

وقد فازت وأدركت المراما

بقصد أخي النبيِّ ومن حباه

بأوصاف يفوق بها الأناما

ومَن أعطاه يوم ( غدير خمِّ )

صريح المجد والشرف القدامى

ومن رُدَّت ذكاءُ له فصلّى

أداءاً بعد ما ثنت اللثاما(١)

وآثر بالطَّعام وقد توالت

ثلاثٌ لم يذق فيها طعاما

بقرص من شعير ليس يرضى

سوى الملح الجريش له إداما

____________________

١ - أداء بعد ما كست الظلاما. كذا في بعض النسخ.

٤٠١

فردَّ عليه ذاك القرص قرصاً

وزاد عليه ذاك القرص جاما

أبا حسن وأنت فتى إذا ما

دعاه المستجير حمى وحاما

أزرتك يقظةً غرر القوافي

فزرني يا بن فاطمة مناما

وبشِّرني بأنَّك لي مجيرٌ

وإنَّك مانعي من أن اُضاما

فكيف يخاف حادثة الليالي

فتىً يعطيه ( حيدرةٌ ) ذماما؟

سقتك سحائب الرضوان سحّا

كفيض يديك ينسجم انسجاما

وزار ضريحك الأملاك صفّا

على معناك تزدحم ازدحاما

ولا زالت روايا المزن تهدي

إلى النجف التحيّة والسّلاما

(ما يتبع الشعر)

وقفت في غير واحد من المجاميع العتيقة المخطوطة على أنَّ مجد الدين إبن جميل كان صاحب المخزن في زمن الناصر فنقم عليه وأودعه السِّجن فسأله رجال الدَّولة من الأكابر فلم يقبل فيه شفاعة أحد وتركه في الحجرة مدَّة عشرين سنة فخطر على قلبه أن يمدح الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فمدحه بهذه الأبيات ونام فرآه في ما يراه النائم وهو يقول: ألسّاعة تخرج. فانتبه فرحاً وجعل يجمع رحله فقال له الحاضرون: ما الخبر؟ فقال لهم: ألسّاعة أخرج. فجعل أهل السِّجن يتغامزون ويقولون: تغيّر عقله، وأمّا الناصر فإنّه أيضاً رأى أمير المؤمنين في الطيف فقال لهعليه‌السلام : أخرج إبن جميل في هذه السّاعة. فانتبه مذعوراً وتعوَّذ من الشيطان ونام فأتاهعليه‌السلام ثانياً وقال له مثل الأوَّل فقال: ما هذا الوسواس؟ فأتاه ثالثة وأمره بإخراجه، فانتبه وأنفذ في الحال مَن يطلقه فلمّا طرق الباب قال: والله وذا أنا متهيِّئٌ فلمّا مثل بين يدي الناصر عرَّفوه انّهم وجدوه متهيِّئاً للخروج فقال له: بلغني أنّك كنت متهيِّئاً للخروج، فممّاذا؟ قال: إنّه جاء إليَّ مَن جاءك قبل أن يجيئ إليك. قال: فبماذا؟ قال: عملت فيه قصيدة، فقال الناصر: أنشدنيها فأنشد القصيدة.

(الشاعر)

مجد الدين أبو عبد الله محمّد بن منصور بن جميل الجبائي ويقال: الجبي. المعروف بابن جميل الفزاري، كاتبٌ شاعرٌ، وأديبٌ متضلّع، له في النحو واللغة والأدب وقرض

٤٠٢

الشعر خطوات واسعة، وفي ( معجم الاُدباء ) صحيفة بيضاء، وفي ( طبقات النحاة ) ذكرى خالدة، وقد جمع شوارد تاريخ ذلك الشاعر الفحل المنسيِّ الدكتور مصطفى جواد البغدادي في ترجمة نشرتها [ مجلّة الغري ] النجفيّة الغرّاء في عددها ال‍ ١٦ من السنة السّابعة ص ٢ ونحن نذكرها برمّتها متناً وتعليقاً قال:

وُلد بقرية من نواحي هيت تُعرف بجبا، وقدم بغداد في أوّل عمره وقرأ بها الأدب ولازم مصدّق بن شبيب الواسطي النحوي حتّى برع في النحو واللغة والفقه والفرائض والحساب بعد قراءة القرآن الكريم، وسمع الحديث من جماعة من الشيوخ منهم: أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهّاب بن كليب، والقاضي أبو الفتح محمّد بن أحمد المندائي الواسطي سمعه حين قدومه بغداد، وعالج النثر والنظم فبلغ منهما مرتبة عاليةً، قال القفطي: « وقد كان أنشأ مقامات ظهر منها قطعة رأيتها في جملة أجزاء أحضرت من بغداد إلى حلب للبيع بخطِّه وكان خطّاً متوسّطاً صحيح الوضع فيه تلتبس نقط ثابتة لا تكاد تتغيَّر ( كذا ) وشعره جيِّدٌ مشهورٌ مصنوعٌ لا مطبوع »(١) ، ووصفه ياقوت الحموي بأنَّه نحويُّ لغويُّ أديبٌ من أفاضل العصر، قال: وكان بليغاً مليح الخطِّ غزير الفضل متواضعاً مليح الصّورة طيِّب الأخلاق(٢) . وكان من شعراء الديوان العبّاسي، ومدح الخليفة الناصر لدين الله بقصائد كثيرة كان يوردها في المواسم والهناءات(٣) فعرف واشتهر ورتّب كاتباً في ديوان الترَّكات الحشريَّة وناظراً فيه، وهي تركات مَن يتوفَّى وتحشر إلى بيت المال لعدم الوارث المستحقّ بحسب مذهب الشافعي، وكان ببغداد رجلٌ تاجرٌ يُعرف بابن العنيبري، وكان صديقاً له فلمّا حضرته الوفاة سأله الحضور إليه فلمّا حضر قال له: أنا طيِّب النفس بموتي في زمان ولايتك ليكون جاهك ( على ) أطفالي وعيالي. فوعده بهم جميلاً، فلمّا مات حضر إلى تركته وباشرها فرأى فيها ألف دينار عيناً فأخذها وحملها إلى الإمام الناصر وأصحبها مطالعة منه يقول فيها: مات ابن العنيبري - ورث الله الشَّريعة أعمار الخلايق - وقد حمل المملوك من المال الحلال الصّالح للمخزن ألف دينار

____________________

١ - أصول التاريخ والأدب ١٩ ص ١٦٦، ج ٩ ص ٦٧ - ٨، من مجموعاتنا الخطية وعدتها ثلاثة وثلاثون مجلدا وهي في ازدياد.

٢ - معجم الأدباء ٧ ص ١١٠.

٣ - أصول التاريخ والأدب ج ١٩ ص ١٦٦.

٤٠٣

وهو في عهدة تبقيها دنياً وآخرةً. قال القفطي: كان ظالم النفس عسوفاً فيما يتوّلاه قال لبعض العاقلين: خف عذابي فإنَّه أليمٌ شديدٌ. فقال له الرَّجل: فإذا أنت الله لا إ~له إلّا هو. فخجل ولم يمنعه ذلك ولم يردعه عمّا أراده من ظلمه. قال: وكان يظنُّ بنفسه الكثير حتّى لا يرى أحداً مثله(١) .

ثمَّ توصَّل مجد الدِّين إلى أن يكون كاتباً في المخزن، وهو كوزارة الماليَّة في عصرنا، وكانت توقيعات التعيينات مسندةً كتابتها إليه، ثمَّ ترقَّى حتَّى صار صدراً في المخزن، أي صاحب المخزن كوزير الماليَّة في عصرنا، وكان ذلك في ليلة عاشر ذي القعدة سنة ٦٠٥ مضافاً إلى ولاية دُجيل وطريق خراسان أي لواء ديالى والخالص والخزانة والعقار وغير ذلك من أعمال الحضرة ببغداد(٢) .

ولما كان كاتباً عدلاً في المخزن كان له من الجراية أي الجامكيَّة خمسة دنانير في الشهر، فلمّا ولي الصدريَّة قرّر له عشرة دنانير، وقد ذكر القفطي حكاية وقعت للمترجم أيّام توليّه صدريَّة المخزن إلّا أنَّ سقم الخطّ الذي كتبت به أحالها، قال: سأله بعض التجّار والغرباء العناية بشخص في إيصال حقّه إليه من المخزن فوعده ومطّله، فقال التاجر الشافع - وكان يدلُّ عليه -: فدفعت إليه في كلِّ يوم بدانق. قال له: وكيف؟ قال: لأنَّك كنت عدلاً أقرب منه حالاً اليوم. وأشار إلى أنَّه لما زيد رزقه ورفعت مرتبته تجبر دصر - كذا - زيادة وهي سدس درهم في كلِّ يوم وهو الدانق حتّى أخجله الله وصرف عن ذلك وسجن مدَّة(٣) ، وكان عزله عن تلك الولايات كلّها يوم السبت الثالث والعشرين من شهر ربيع الأوَّل سنة ٦١١ هج‍، ثمَّ اُطلق من السِّجن وجُعل وكيلاً كاتباً بباب دار الأمير عدَّة الدين أبي نصر محمّد بن الناصر لدين الله ومات وهو على ذلك في منتصف شعبان من سنة ٦١٦ هج‍، وكان كهلاً ودُفن في مقابر قريش أي أرض المشهد الكاظمي(٤) .

____________________

١ - أصول التاريخ والادب ٩ ص ٦٧، ٦٨.

٢ - أصول التاريخ والادب ١٩ ص ١٦٦، والجامع المختصر ٩ ص ٢٦٥ - ٦.

٣ - أصول التاريخ والادب ٩ ص ٦٨.

٤ - الاصول المذكورة ١٩ ص ١٦٦، ومعجم الادباء ٧ ص ١١٠، ومن معجم الادباء نقل السيوطى كما في البغية ص ١٠٧، وترجمه الذهبى نقلا عن مجد الدين ابن النجار، أصول التاريخ ٢٤ ص ٢٤٧.

٤٠٤

وكان له من الأولاد إبنٌ اسمه صفيُّ الدين عبد الله كان مقدَّم شعراء الديوان في أيّام المستعصم بالله وتوفِّي سنة ٦٦٩ هج(١) .

وكان له أخٌ يلقَّب بقطب الدّين فقد ذكر إبن واصل الحموي المؤرِّخ المشهور: انَّ جدّه تاج الدين نصر الله بن سالم بن واصل صاحب القاضي ضياء الدين القاسم بن الشهرزوري إنحدر من الموصل إلى بغداد مع القاضي المذكور في ثامن عشر شعبان سنة ٥٩٥ ولما وصلا إلى بغداد أمر الخليفة الناصر لدين الله بإنزالهم في درب الخبّازين(٢) من سوق الثلاثاء ثمّ أنزل تاج الدين في دار صاحب المخزن، قال والد المؤرِّخ المذكور: وكان بين والدي - يعني تاج الدين - والصّاحب شمس الدولة محمّد بن جميل الفزاري مودّة نسجتها الصَّداقة بين والدي وأخيه قطب الدين في سفرات عديدة إلى دمشق المحروسة فلمّا طال المزار وأقمنا بدار الخلافة، على وجه الإيثار، صار الخبر عياناً وأصبح المعارف خلاناً فبقي شمس الدَّولة ووالدي - رح - يتزاوران ليلاً طرحاً للكلفة(٣) .

أدب مجد الدين ابن جميل

لا ريب في أنَّ ضياع أدب الأديب من إمارات ضياع ترجمته أو استبهامها، وقد غبرنا دهراً نبحث عن ترجمة هذا الأديب الكبير فلم نعثر إلّا على ما ذكرنا من الأخبار والسيرة المختصرة، فأين مجموع نثره وديوان شعره والمقامات التي أنشأها؟ إنَّها في ضمير الغيب، ولم يصل إليَّ منها إلّا ما أنا ناشره بعد هذا، كتب مجد الدين محمّد بن جميل إلى جدِّه إبن واصل المذكور:

إن أخذ الخادم في شكر الإنعام الزيني(٤) قصر عن غايته وقصر دون نهايته، وإن تعرَّض لوصف تلك الخلال الشريفة، والأخلاق اللطيفة، والألفاظ المستعذبة المألوفة مكنوناً من عيِّه، ولكنَّه نشر ما لعلّه كان مطويّاً من حصره وفيها هنة لكنَّه يقول على ثقة من مسامحته:

____________________

١ - الحوادث الجامعة ص ١٨٤، ٣٦٨.

٢ - هو محلة العاقولية الحالية وفيها مدرسة التفيض الاهلية

٣ - أصول التاريخ والادب ٢٣ ص ٥٧.

٤ - كذا ورد وقد قدمنا ان لقبه تاج الدين فلعله بدل لقبه بعد ذلك كما كان جارياً في الدولة العباسية.

٤٠٥

قصدت ربعي فتعالى به

قدري فدتك النفس من قاصدِ

فما رأى العالم من قبلها

بحراً مشى قطُّ إلى واردِ

فللّه هو من بحر خضم عذب ماؤه وسرى نسيماً هواؤه فأمن سالكوه من خطره ورأوا عجائبه وفازوا بدرره، وإن كنت في هذا المقام كالمنافس على قول ابن قلاقس(١) :

قبِّل بنانَ يمينه

وقل: ألسَّلام عليك بحراً

وغلطتُ في تشبيهه

بالبحر أللهمَّ غفرا

والله تعالى يسبغ الظلّ الظليل، ويبقي ذلك المجد الأثيل، ويستخدم الدَّهر لخدمه ومحبّيه، ويمتِّعهم ببلوغ الآمال منه وفيه بمنّه وكرمه(٢) .

هذه هي الرِّسالة الأخوانيَّة الوحيدة التي عثرت عليها لمجد الدين ابن جميل، وله توقيعٌ كتبه في سنة ٦٠٤ أيّام كان كاتباً في المخزن في تولية ضياء الدين أحمد بن مسعود التركستاني الحنفي التدريس بمدرسة الإمام أبي حنيفة المجاورة لقبره يومذاك قال فيه:

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، ألحمد لله المعروف بفنون المعروف والكرم، ألموصوف بصنوف الإحسان والنعم، ألمتفرِّد بالعظمة والكبرياء والبقاء والقدم، الذي اختصَّ الدار العزيزة - شيّد الله بناها، وأشاد مجدها وعلاها - بالمحلِّ الأعظم والشَّرف الأقدم، وجمع لها شرف البيت العتيق ذي الحرم، إلى شرف بيت هاشم الذي هشم، جاعل هذه الأيّام الزاهرة الناظرة، والدولة القاهرة الناصرة، عقداً في جيد مناقبها وحليّاً يجول على ترائبها - أدامها الله تعالى ما انحدر لثام الصَّباح، وبرح خفاء براح - أحمده حمد معترفٍ بتقصيره عن واجب حمده، مغترفٍ من بحر عجزه مع بذل وسعه وجهده، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وهو الغنيُّ عن شهادة عبده، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله الذي صدع بأمره، وجاء بالحقِّ من عنده، صلّى الله عليه صلاةً تتعدَّى

____________________

١ - هو أبو الفتح نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن على بن عبد القوى بن قلاقس الاديب الشاعر المجيد، ولد سنة ٥٣٢، وتوفى بعيذاب سنة ٥٦٣. وقصر عمره يدل على نبوغه، وله الديوان المطبوع.

٢ - أصول التاريخ والادب ٢٣ ص ٥٧.

٤٠٦

إلى أدنى ولده وأبعد جدِّه، حتّى يصل عقبها إلى أقصى قصيّه ونزاره ومعده. وبعد: فلمّا كان الأجلُّ السيّد الأوحد العالم ضياء الدين شمس الاسلام رضيّ الدولة عزّ الشريعة علم الهدى رئيس الفريقين تاج الملك فخر العلماء أحمد بن مسعود التركستاني - أدام الله علوّه - ممّن أعرق في الدّين منسبه، وتحلّى بعلوم الشريعة أدبه، واستوى في الصحّة مغيبه ومشهده وشهد له بالأمانة لسانه ويده، وكشف الاختبار منه عفّةً وسداداً، وأبت مقاصده إلّا أناة واقتصاداً، رأى الإحسان إليه والتعويل عليه في التدريس ب‍ [مشهد أبي حنيفة] - رحمة الله عليه - ومدرسته وأسند إليه النظر في وقف ذلك أجمع لاستقبال حادي عشري ذي القعدة سنة أربع وستمائة الهلاليَّة وما بعدها وبعدها. وأمر بتقوى الله - جلّت آلاؤه وتقدَّست أسماءه - الّتي هي أزكى قربات الأولياء، وأنمى خدمات النّصحاء، وأبهى ما استشعره أرباب الولايات، وأدلّ الأدلّة على سُبُل الصّالحات، وفاعلها بثبوت القدم خليقٌ، وبالتقديم جديرٌ قال الله تعالى: إِنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم إنَّ اللّه عليمٌ خبير.

وأن يذكر الدرس على أكمل شرائط وأجمل ضوابط، مواظباً على ذلك سالكاً فيه أوضح المسالك مقدِّماً عليه تلاوة القرآن المجيد على عادة الختمات في البكر و الغدوات، متِّبعاً ذلك بتمجيد آلاء الله وتعظيمها والصَّلاة على نبيِّه - صلّى الله عليه صلاة يضوع أرج نسيمها - شافعاً ذلك بالثناء على الخلفاء الراشدين والأئمَّة المهديِّين - صلوات الله عليهم أجمعين - والإعلان بالدعاء للمواقف الشَّريفة المقدَّسة النبويّة الإماميّة الطاهرة الزكيّة المعظمّة المكرمّة الممجّدة الناصرة لدين الله تعالى - لا زالت منصورة الكتب والكتائب، منشورة المناقب، مسعودة الكواكب والمواكب، مسودَّة الأهب، مبيضَّة المواهب، ما خطب إلى جموع الأكابر وعلى فروع المنابر خطيب وخاطب - وأن يذكر من الاُصول فصلاً يكون من سهام الشّبه جُنَّة. ولنصر اليقين مظنَّة، متبعاً من المذهب ومفرداته ونكته ومشكلاته ما ينتفع به المتوسِّط والمبتدي، ويتبيّنه ويستضئ به المنتهي، وليذكر من المسائل الخلافيّة ما يكون داعياّ إلى وفاق المعاني والعبارات، هادياً لشوارد الأفكار إلى موارد المنافسات ناظماً عقود التحقيق في سلوك المحاققات(١) مصوباً أسنَّة البديهة إلى ثغر الأناة، معتصماً في جميع أمره بخشية الله

____________________

١ - كذا ورد بفك الادغام والصواب الادغام وشذ قولهم ( تجانن فلان ) أي اظهر الجنون وليس به.

٤٠٧

وطاعته، مستشعراً ذلك في علنه وسريرته.

والمفروض له عن هذه الخدمة في كلِّ شهر للإستقبال المقدَّم ذكره من حاصل الوقف المذكور لسنة تسع وتسعين الخراجيّة وما يجري مجراها من هلاليّة وما بعدها اُسوةً بما كان لعبد اللطيف ابن الكيال من الحنطة كيل البيع - ثلاثون قفيزاً - ومن العين الإماميّة - عشرة دنانير - يتناول ذلك شهراً فشهراً مع الوجوب والإستحقاق للاستقبال المقدَّم ذكره من حاصل الوقف المعيَّن للسنة المبَّينة الخراجيَّة وما بعدها بموجب ما استؤمر فيه من المخزن المعمور - أجلّه الله تعالى - وإذن: فليجر على عادته المذكورة وقاعدته، ولتكن صلاته وجماعته في جامع القصر الشريف(١) في الضفَّة التي لأصحاب أبي حنيفة - رحمة الله عليه - وليصرف حاصل الوقوف المذكورة في سبلها بمقتضى شرط الواقف المذكور في كتاب الوقفيَّة من غير زيادة فيها ولا عدول عنها ولا حذف شيء منها، عالماً انّه مسؤول في غده عن يومه وأمسه، وإنَّ أفعال المرء صحيفةٌ له في رمسه وليبذل جهده في عمارة الوقوف المذكورة واستنمائها واستثمار حاصلها وارتفاعها مستخيراً من يستخدمه فيها من الأجلاد الاُمناء ذوي العفّة والغناء متطلّعاً إلى حركاتهم و سكناتهم، مؤاخذاً لهم على ما لعلّه يتّصل به من فرطاتهم، لتكون الأحوال متّسقة النظام، والمال محروساً من الانثلام، وليبتدئ بعمارة المشهد والمدرسة المذكورين وإصلاح فرشها ومصابيحها، وأخذ القوام على الخدمة بها، وإلزام المتفقَهة بملازمة الدروس و تكرارها، وإتقان المحفوظات وإحكامها، وليثبت بخزانة الكتب من المجلّدات وغيرها معارضاً ذلك بفرسته متطلّبا ما عساه قد شذَّ منها، وليأمر خازنها بعد استصلاحه بمراعاتها و نفضها في كلِّ وقت ومرمّة شعثها، وأن لا يخرج منها إلّا إلى ذي أمانة مستظهر بالرَّهن عن ذلك، وليتلقَّ هذه الموهبة بشكر يرتبطها ويدبِّر اخلافها واجتهاد يضبطها ويؤمن إخلافها وليعمل بالمحدود له في هذا المثال من غير توقّف فيه بحال - إن شاء الله تعالى - وكتب لسبع بقين من ذي القعدة من سنة أربع وستمائة، وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلّى الله على نبيِّنا محمّد وآله الطاهرين الأكرمين وسلّم(٢) .

____________________

١ - هو جامع سوق الغزل الحالى ولكنه كان أوسع اقطاراً وأوعب للناس.

٢ - الجامع المختصر ٩ ص ٢٣٣ - ٦.

٤٠٨

ألقرن السابع

٥٨

اُلشواء الكوفي الحلي

ولد: ٥٦٢ تقريباً

توفّي: ٦٣٥

ضمنت لمن يخاف من العقابِ

إذا والى الوصيَّ أبا ترابِ

يرى في حشره ربّاً غفوراً

ومولىً شافعاً يوم الحسابِ

فتىً فاق الورى كرماً وبأساً

عزيز الجار مخضرَّ الجنابِ

يُرى في السِّلم منه غيث جود

وفي يوم الكريهة ليث غابِ

إذا ما سلَّ صارمه لحربٍ

أراك البرق في متن السِّحابِ

وصيُّ المصطفى وأبو بنيه

وزوج الطّهر من بين الصّحابِ

أخو النصِّ الجليِّ بيوم خمّ

وذو الفضل المرتَّل في الكتابِ(١)

( ألشاعر )

أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل بن عليّ بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم المعروف بالشواء الملقَّب بشهاب الدين الكوفي الحلبي مولداً ومنشئاً ووفاتاً.

هو من بواقع الشعر والأدب، ولقد أتته الفضيلة من هنا وهناك، فرأيٌ مسدَّد، وهوًى محبوب، ونزعةٌ شريفة، وقريضٌ رائق، وأدبٌ فائق، وقوافٍ ذهبيّة، وعروضٌ متقن، فأيُّ أخي فضل يتسنَّم ذروة مجده؟ وتلك نزعته وهذه صنعته، ترجمه زميله إبن خلكان في تاريخه ٢ ص ٥٩٧، وله ذكره الجميل في شذرات الذهب ٥ ص ١٧٨، و تاريخ حلب ٤: ٣٩٧، وتتميم أمل الآمل للسيِّد إبن شبانة، ونسمة السحر فيمن تشيّع

____________________

١ - الطليعة فى شعراء الشيعة ج ٢ مخطوط للعلامة السماوى: وتوجد منها ثلاثة ابيات فى تاريخ ابن خلكان.

٤٠٩

وشعر، والكنى والألقاب ١: ١٤٦، والطليعة في شعراء الشيعة، ونحن نذكر ما في تاريخ إبن خلكان ملخّصاً قال:

كان أديباً فاضلاً متقناً لعلم العروض والقوافي، شاعراً يقع له في النظم معان بديعة في البيتين والثلاثة، وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلّدات، وكان زيّه زيّ الحلبيِّين الأوائل في اللباس والعمامة المشقوقة، وكان كثير الملازمة لحلقة الشيخ تاج الدين أبي القاسم أحمد بن هبة الله بن سعد بن سعيد بن المقلّد المعروف بابن الجبراني النحوي اللغوي، وأكثر ما أخذ الأدب منه وبصحبته انتفع. كان بيني وبين الشهاب الشواء مودَّة أكيدة وموانسة كثيرة ولنا اجتماعات في مجالس نتذاكر فيها الأدب، و أنشدني كثيراً من شعره، وما زال صاحبي منذ أواخر سنة ثلاث وثلاثين وستمائة إلى حين وفاته، وقبل ذلك كنت أراه قاعداً عند إبن الجبراني المذكور في موضع تصدّره في جامع حلب، وكان يكثر التمشِّي في الجامع ايضاً على جري عادتهم في ذلك كما يعملون في جامع دمشق، وكان حسن المحاورة مليح الإيراد مع السكون والتأنّي، وأوَّل شيءٍ أنشدني من شعره قوله:

هاتيك يا صاح ربا لعلع

ناشدتك الله فعرِّج معي

وانزل بنا بين بيوت النقا

فقد غدت آهلة المربعِ

حتّى نطيل اليوم وقفاً على الـ

ـ ساكن أو عطفاً على الموضعِ

وكان كثيراً ما يستعمل العربيّة في شعره فمن ذلك قوله:

وكنّا خمس عشرة في التئام

على رغم الحسود بغير آفه

فقد أصبحت تنويناً وأضحى

حبيبي لا تفارقه الإضافه

وله في غلام أرسل أحد صدغيه وعقد الآخر:

أرسل صدغاً ولوى قاتلي

صدغاً فأعيا بهما واصفه

فخلت ذا في خدِّه حيّةً

تسعى وهذا عقرباً واقفه

ذا ألفٌ ليست لوصل وذا

واوٌ ولكن ليست العاطفه

وله في شخص لا يكتم السرَّ:

لي صديقٌ غدا وإن كان لا

ينطق إلّا بغيبةٍ أو محالِ

٤١٠

أشبه الناس بالصّدى إن تحدِّ

ثه حديثاً أعاده في الحالِ(١)

وله قوله:

قالوا حبيبك قد تضوًع نشره

حتّى غدا منه الفضاء معطَّرا

فاجبتهم والخال يعلو خدّه

أوَ ما ترون النار تحرق عنبرا؟

وله قوله:

هواك يا من له اختيالُ

مالي على مثله احتيالُ

قسمة أفعاله لحيني

ثلاثةٌ مالها انتقالُ

وعدك مستقبلٌ وصبري

ماضٍ وشوقي إليك حالُ

وله ايضاً:

إن كان قد حجبوه عنّي غيرة

منهم عليه فقد قنعت بذكرهِ

كالمسك ضاع لنا وضاع مكانه

عنّا فأغنى نشره عن نشرهِ

وله ايضاً في غلام قد ختن:

هنّأت مَن أهواه عند ختانه

فرحاً وقلبي قد عراه وجومُ

يفديك من ألم ألمَّ بك امرؤٌ

يخشى عليك إذا ثناك نسيمُ

أمعذبي كيف استطعت على الأذى

جلداً وأجزع ما يكون الريمُ؟

لو لم تكن هذي الطّهارة سنَّةُ

قد سنّها من قبلُ إبراهيمُ

لفتكت جهدي بالمزيِّن إذ غدا

في كفِّه موسى وأنت كليمُ

ومعظم شعره على هذا الاُسلوب. وكان من المغالين في التشيّع وأكثر أهل حلب ما كانوا يعرفونه إلّا بمحاسن الشواء والصّواب فيه هو الذي ذكرته هاهنا وأنَّ اسمه يوسف وكنيته أبو المحاسن. ورأيت ترجمته في كتاب ( عقود الجمان ) الذي وضعه صاحبنا الكمال إبن الشعار الموصلي، وكان صاحبه وأخذ عنه كثيراً من شعره وهو من أخبر الناس بحاله، كان مولده تقريباً في سنة اثنين وستِّين وخمسمائة فانّه كان لا يتحقّق مولده، وتوفّي يوم الجمعة تاسع عشر المحرَّم سنة خمس وثلاثين وستمائة بحلب، ودفن ظاهرها بمقبرة باب أنطاكّية غربي البلد، ولم أحضر الصّلاة عليه لعذر

____________________

١ - الصدى: طير معروف. ما يرده الجبل أو غيره الى المصوت مثل صوته.

٤١١

عرض لي في ذلك الوقت - رحمه الله تعالى - فلقد كان نعم الصاحب.

وأمّا شيخه إبن الجبراني المذكور فهو طاءيٌّ بحتريٌّ من قرية جبرين من أعمال عزاز، وكان متضلّعاً من علم الأدب خصوصاً اللغة فإنّها كانت غالبة عليه وكان متبحِّراً فيها، وكان له تصدّر في جامع حلب في المقصورة الشرقيّة المشرفة على صحن الجامع، وكان مولده يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شوّال سنة إحدى وستِّين وخمسمائة، وتوفّي يوم الأثنين سابع رجب من سنة ثمان وعشرين وستمائة بحلب، ودفن في سفح جبل جوشن رحمه الله تعالى. ه‍.

قال الأميني: في معجم البلدان ٣: ١٧٢ نقلاً عن عبد الله بن محمّد بن سعيد بن سنان الخفاجي في ديوانه عند أبيات في جوشن قال: جوشن جبل في غربي حلب ومنه كان يُحمل النحاس الأحمر وهو معدنه، ويقال: إنّه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي رضي الله عنه ونساؤه، وكانت زوجة الحسين حاملاً فأسقطت هناك فطلبت من الصناّع في ذلك الجبل خبزاً أو ماءً فشتموها ومنعوها، فدعت عليهم فمن الآن من عمل فيه لا يربح، وفي قبلي الجبل مشهدٌ يُعرف بمشهد السِّقط، ويسمىّ مشهد الدكّة، والسِّقط يسمَّى محسن بن الحسين رضي الله عنه. ه‍.

٤١٢

ألقرن السّابع

٥٩

كمال الدين الشافعي

ألمتوفّى: ٦٥٢

أضح واستمع آيات وحي تنزَّلت

بمدح إمام بالهدى خصّه اللهُ

ففي آل عمران المباهلة التي

بانزالها أولاه بعض مزاياهُ

وأحزاب حاميم وتحريم هل أتى

شهودٌ بها أثنى عليه فزكّاهُ

وإحسانه لما تصدَّق راكعاً

بخاتمه يكفيه في نيل حسناهُ

وفي آية النجوى التي لم يفز بها

سواه سنا رشد به تمَّ معناهُ

وأزلفه حتى تبوَّأ منزلاً

من الشّرف الأعلى وآتاه تقواهُ

وأكنفه لطفاً به من رسوله

بوارق أشفاق عليه فربّاهُ

وأرضعه أخلاف أخلاقه التي

هداه بها نهج الهدى فتوخّاهُ

وأنكحه الطّهر البتول وزاده

بأنّك منّي يا عليُّ وآخاهُ

وشرَّفه يوم « الغدير » فخصّه

بأنّك مولى كلِّ من كنت مولاهُ

ولو لم يكن إلاّ قضيّة خيبر

كفت شرفاً في مأثرات سجاياهُ(١)

( ألشاعر )

أبو سالم كمال الدين محمّد بن طلحة بن محمّد بن الحسن القرشي العدوي النصيبيني الشافعي المفتي الرحّال، أحد الصّدور والرؤساء المعظّمين، كان إماماً في الفقه الشافعي، بارعاً في الحديث والاُصول والخلاف، مقدَّماً في القضاء والخطابة، متضلّعاً في الأدب والكتابة، موصوفاً بالزهد.

سمع الحديث بنيسابور عن أبي الحسن المؤيّد بن عليِّ الطوسي، وزينب الشعريّة(٢)

____________________

١ - مطالب السؤول لناظمها - الصراط المستقيم للبياضى. التهاب مثير الأحزان.

٢ - بنت عبد الرحمن بن الحسن الجرجانى ام المؤيد توفيت سنة ٦١٥ فقيهة اشتغلت بالحديث واخذت عن جماعة من كبار العلماء رواية واجازة، مولدها ووفاتها بنيسابور.

٤١٣

وحدّث بحلب ودمشق وبلاد كثيرة. وروى عنه الحافظ الدمياطي(١) ومجد الدين ابن العديم(٢) وفقيه الحرمين الكنجي(٣) في « كفاية الطالب » قال في الكتاب ص ١٠٨: فمن ذلك ما أخبرنا شيخنا حجّة الإسلام شافعيُّ الزمان أبو سالم محمّد بن طلحة القاضي بمدينة حلب.

أقام بدمشق في المدرسة الأمينيّة وترسّل عن الملوك وساد وتقدَّم، وفي سنة ٦٤٨ كتب الملك الناصر - المتوفّى ٦٥٥ - صاحب دمشق تقليده بالوزارة فاعتذر وتنصّل فلم يقبل منه، فتولّاها بدمشق يومين كما في طبقات السبكي ٥: ٢٦، وتركها وانسلَّ خفية وترك الأموال والموجود وخرج عمّا يملك من ملبوس ومملوك وغيره، ولبس ثوباً قطنيّاً وذهب فلمُ يعرف موضعه، وقد نسب إلى الاشتغال بعلم الحروف والأوفاق وانّه يستخرج أشياء من المغيّبات. وقيل: إنّه رجع ويؤيِّد ذلك قوله في المنجِّم:

إذا حكم المنجِّم في القضايا

بحكم حازمٍ فاردد عليهِ

فليس بعالم ما الله قاض

فقلِّدني ولا تركن إليهِ

وقال فيه:

ولا تركننَّ إلى مقال منجِّم

وكل الاُمور إلى الإ~له سلِّمِ

واعلم بانّك إن جعلت لكوكب

تدبير حادثة، فلست بمسلمِ

وتولىّ في ابتداء أمره القضاء بنصيبين، ثمَّ قضاء مدينة حلب، ثمَّ ولي خطابة دمشق، ثمَّ لَمّا زهد حجَّ فلمّا رجع أقام بدمشق قليلاً، ثمَّ سار إلى حلب فتوفّي بها.

تآليفه

١ - ألعقد الفريد للملك السعيد. ألَّفه لنجم الدين غازي بن أرتق من ملوك ماردين طبع بمصر.

٢ - ألدّر المنظّم في اسم الله الأعظم. توجد منه نسخةٌ في مكتبة حسين باشا

____________________

١ - أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن ابى الحسن الدمياطى شيخ المحدثين المولود فى آخر سنة ٦١٣ والمتوفى ٧٠٥ كان كثير المشايخ يزيدون على ألف وثلثمائة شيخ، ألف كتابا فى تراجمهم فى مجلدين.

٢ - قاضى القضاة عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن العديم الحلى ثم الدمشقى الحنفى توفى سنة ٦٧٧.

٣ - أبو عبد الله محمد بن يوسف القرشى الشافعى المتوفى ٦٥٨.

٤١٤

بآستانة رقمها: ٣٤٦. وذكر شطراً منه الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة ص ٤٠٣، ٤٧١.

٣ - مفتاح الفلاح في اعتقاد أهل الصّلاح.

٤ - كتاب دائرة الحروف.

٥ - مطالب السؤول في مناقب آل الرّسول. طبع غير مرَّة. قال معاصره الأربلي في « كشف الغمَّة » ص ١٧: مطالب السؤول في مناقب آل الرَّسول تصنيف الشيخ العالم كمال الدين محمّد بن طلحة، وكان شيخاً مشهوراً وفاضلاً مذكوراً أظنّه مات سنة أربع وخمسين وستمائة، وحاله في ترفّعه وزهده وتركه وزارة الشام وانقطاعه ورفضه الدنيا حالٌ معلومةٌ قرب العهد بها، وفي إنقطاعه عمل هذا الكتاب وكتاب الدائرة، وكان شافعيَّ المذهب من أعيانهم ورؤسائهم. ا ه.

وينقل عنه السيِّد هبة الدين أبي محمَّد الحسن الموسوي مصرِّحاً بنسبة الكتاب إليه في كتابه [ ألمجموع الرائق ] الذي ألَّفه سنة ٧٠٣.

ونسبه إليه إبن الصبّاغ المالكي المتوفَّى ٨٥٥ وينقل عنه كثيراً في « الفصول المهمّة » وتوجد منه نسخةٌ مخطوطةٌ مورَّخة بسنة ٨٩٦ منقولة عن نسخة بخطِّ المؤلِّف سنة ٦٥٠ في نحو ٢٥ كرَّاسة في مكتبة المدرسة الأحمديَّة بحلب.

وينقل عنه السيِّد الشبلنجي في « نور الأبصار » في مناقب آل النبيِّ المختار.

وُلدَ المترجَم سنة ٥٨٢ كما في طبقات السبكي، وشذرات الذهب، وتوفِّي بحلب في ١٧ رجب سنة ٦٥٢ كما في الكتابين: ألطبقات والشذرات، وفي الوافي بالوفيات للصفدي والتاريخ له، والبداية والنهاية لابن كثير، ومرآة الجنان لليافعي، والأعلام للزركلي، وغيرها وقد سمعت ظنَّ الاربلي بأنَّه توفِّي سنة ٦٥٤.

توجد جملةٌ من شعره في أهل البيت عليهم السّلام في كتابه « مطلب السؤول » منها قوله ختم به الكتاب:

رويدك إن أحببت نيل المطالب؟

فلا تعدُ عن ترتيل آي المناقبِ

مناقب آل المصطفى المهتدى بهم

إلى نعم التقوى ورغبى الرَّغائبِ

مناقب آل المصطفى قدوة الورى

بهم يبتغي مطلوبه كلّ طالبِ

٤١٥

مناقب تجلى سافرات وجوهها

ويجلو سناها مدلهمّ الغياهبِ

عليك بها سرّاً وجهراً فإنّها

يحلّك عند الله أعلى المراتبِ

وخذ عند ما يتلو لسانك آيها

بدعوة قلبٍ حاضرٍ غير غائبِ

لمن قام في تأليفها واعتنى به

ليقضي من مفروضها كلَّ واجبِ

عسى دعوةً يزكو بها حسناته

فيحظى من الحسنى بأسنى المواهبِ

فمن سأل الله الكريم أجابه

وجاوره الإقبال من كلِّ جانبِ

ومنها قوله في ص ٨:

هم العروة الوثقى لمعتصم بها

مناقبهم جاءت بوحي وإنزالِ

مناقب في الشورى وسورة هل أتى

وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي

وهم أهل بيت المصطفى فودادهم

على النّاس مفروضٌ بحكم وإسجالِ

فضايلهم تعلو طريقة متنها

رواة علوا فيها بشدٍّ وترحالِ

أشار بهذه الأبيات إلى عدَّة من فضايل العترة الطاهرة ممّا نزل به القرآن الكريم في سورة الشورى وهل أتى والأحزاب. أمّا الشورى ففيها قوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودَّة في القربى. ومَن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا - ٢٣ - وقد أسلفنا في الجزء الثاني ص ٣٠٦ - ٣١٠، والجزء الثالث ص ١٧١ ما ورد في الآية الكريمة من أنَّها نزلت في العترة الطاهرة صلوات الله عليهم.

وأمّا هل أتى ففيها قوله النازل فيهم: يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرُّه مستطيراً - ٧ - ويُطعمون الطعام على‏ حبِّه مسكيناً ويتيماً وأسيرا - ٨ -، وقد بسطنا القول في أنَّها نزلت فيهم صلوات الله عليهم في الجزء الثالث ص ١٠٧ - ١١١.

وأمّا الأحزاب ففيها قوله تعالى: من المؤمنين رجالٌ صدقوا. ما عاهدوا الله عليه فمنهم مَن قضى‏ نحبه ومنهم مَن ينتظر وما بدَّلوا تبديلا -٢٣ -، وقوله تعالى: إِنَّما يريد الله ليذهب عنكم الرِّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا - ٣٣ - وقد مرَّ في الجزء الثاني ص ٥١ نزول الآية الأولى في عليّ أمير المؤمنين وعمِّه حمزة وابن عمِّه عُبيدة. وقد تسالمت الاُمّة الإسلاميّة على نزول آية التطهير في صاحب الرِّسالة الخاتمة ووصيّه الطاهر وابنيهما الإمامين واُمِّهما الصدِّيقة الكبرى، وأخرج الحفّاظ وأئمَّة

_٢٦_

٤١٦

الحديث فيها أحاديث صحيحة متواترة في الصِّحاح والمسانيد لعلّنا نوقف القارئ عليها في بقيَّة أجزاء كتابنا. وما توفيقي إلّا بالله.

ومن شعره في العترة الطاهرة قوله:

يا ربّ بالخمسة أهل العبا

ذوي الهدى والعمل الصّالحِ

ومَن همُ سفن نجاةٍ ومَن

وإليهمُ ذو متجرٍ رابحِ

ومَن لهم مقعد صدقٍ إذا

قام الورى في الموقف الفاضحِ

لا تُخزني واغفر ذنوبي عسى

أسلم من حرِّ لظى اللّافحِ

فإنَّني أرجو بحبِّي لهم

تجاوزاً عن ذنبي الفادحِ

فهم لمن والاهمُ جُنّةٌ

تنجيه من طائرة البارحِ

وقد توسّلت بهم راجياً

نجح سؤال المذنب الطالحِ

لعلّه يحظى بتوفيقه

فيهتدي بالمنهج الواضحِ

ومن شعره في قتلة الإمام السبطعليه‌السلام قوله:

ألا أيّها العادون إنَّ أمامكم

مقام سؤال والرَّسول سؤولُ

وموقف حكم والخصوم محمّد

وفاطمة الزَّهراء وهي ثكولُ

وإنَّ عليّاً في الخصام مؤيِّدٌ

له الحقُّ فيما يدَّعي ويقولُ

فماذا تردّون الجواب عليهمُ؟

وليس إلى ترك الجواب سبيلُ

وقد سُؤتموهم في بنيهم بقتلهم

ووزر الذي أحدثتموه ثقيلُ

ولا يرتجى في ذلك اليوم شافعٌ

سوى خصمكم والشرح فيه يطولُ

ومن كان في الحشر الرسول خصيمه

فإنَّ له نار الجحيم مقيلُ

وكان عليكم واجباً في اعتمادكم

رعايتهم أن تحسنوا وتنيلوا

فإنَّهم آل النبيّ وأهله

ونهج هداهم بالنجاة كفيلُ

مناقبهم بين الورى مستنيرةٌ

لها غررٌ مجلوّةٌ وحُجولُ

مناقب جلّت أن تحاط بحصرها

فمنها فروعٌ قد زكت واُصولُ

مناقب من خلق النبيّ وخُلقه

ظهرن فما يغتالهنَّ اُفولُ

٤١٧

ألقرن السّابع

٦٠

أبو محمد المنصور بالله

وُلد: ٥٩٦

توفِّي: ٦٧٠

ألحمدُ للمهيمن الجبّارِ

مكوّر الليل على النّهار

ومنشئ الغمام والأمطارِ

على جميع النِّعم الغزارِ

ثمَّ صلاة الله خُصّت أحمدا

أبا البتول وأخاه السيِّدا

وفاطماً وابنيهما سمَّ العدى

وآلهم سفن النجاة والهدى

يا سائلي عمَّن له الإمامه

بعد رسول الله والزَّعامه

ومَن أقام بعده مقامه

ومَن له الأمر إلى القيامه

خذ نفثاتي عن فؤادٍ منصدعْ

يكاد من بثٍّ وحزنٍ ينقطعْ

لحادثٍ بعد النبيِّ متَّسعْ

شتَّت شمل المسلمين المجتمعْ

ألأمر من بعد النبيِّ المرسلِ

من غير فصلٍ لابن عمِّه علي

كان بنصِّ الواحد الفرد العلي

وحكمه على العدوِّ والولي

والأمر فيه ظاهرٌ مشهورُ

في النَّاس لا مُلغى ولا مستورُ

وكيف يخفى من صباح نورُ؟

لكن يزلّ الخطل المحسورُ

ويقول فيها:

وكان في البيت العتيق مولدهْ

واُمّه إذ دخلت لا تقصدهْ

وإنَّما إل~هه مؤيّدهْ

فمن تلاه فالجحيم موعدهْ

ثمَّ أبوه كافل الرَّسولِ

ومؤمنٌ بالله والتنزيلِ

في قول أهل العلم والتحصيلِ

فهات في آبائهم كقيليِ

وأمّه ربَّت أخاه أحمدا

واتَّبعته إذ دعا إلى الهدى

٤١٨

فكم دعاها اُمّه عند الندا

وقام في جهازها ممجّدا

ألبسها قميصه إكراماً

ونام في حفيرها إعظاما

ومدّ للملائك القياما

حتّى قضوا صلاتها تماما

وهو الذي كان أخاً للمصطفى

بحكم ربِّ العالمين وكفى

واقتسما نورهما المشرِّفا

فاعدد لهم كمثل هذا شرفا

وزوجة سيِّدة النساء

خامسة الخمسة في الكساءِ

أنكحها الصدِّيق في السَّماء

فهل لهم كهذه العلياءِ؟

الله في إنكاحها هو الولي

وجبرئيل مستنابٌ عن علي

والشهداء حاملوا العرش العلي

فهل لهم كمثل ذا فاقصصه لي؟

حوريَّةٌ إنسيَّةٌ سيَّاحه

خلقها الله من التفّاحه

وأكرم الأصل بها لقاحه

فهل ترى إنكاحهم إنكاحه؟

وابناه منها سيِّدا الشَّبابِ

وابنا رسول الله عن صوابِ

مرتضعا السَّنة والكتابِ

فهل لهم كهذه الأسبابِ؟

هما إمامان بنصِّ أحمدا

إذ قال: قاما هكذا أو قعدا

وخصّ في نسلهما أهل الهدى

أئمَّة الحقِّ إلى يوم الندا

ثمَّ أخوه جعفر الطّيارُ

إخوانه الملائك الأبرارُ

وعمّه المرابط الصبّارُ

حمزة سيف الملّة البتّارُ

وربّنا شقَّ اسمه من اسمهِ

فمن له سهمٌ كمثل سهمهِ؟

وهو اختيار الله دون خصمهِ

وهو أذانُ ربِّنا في حكمهِ

بلّغ عن ربِّ السَّما براءه

واختير للتبليغ والقراءه

وكان للإسلام كالمراءه

فاجعل هديت خصمه وراءه

إختار ذو العرش عليّاً نفسه

جهراً وخلّى جنَّه وإنسه

فرفضوا اختياره لا لبسه

وبدَّلوه باختيار خمسه

وهو الوليُّ أيّهذا السّامعُ

مؤتي الزَّكاةِ المرء وهو راكعُ

والشّاهد التالي فأين الجامعُ

للقوم؟ هل ثمَّ دليلٌ قاطعُ؟

٤١٩

وهو وليُّ الحلِّ والابرامِ

والأمر والنهي على الأنامِ

بحكم ذي الجلال والإكرامِ

وما قضاه في اولي الأرحامِ

وآيةٌ قاضيةٌ بالطَّاعة

لِلّه والرَّسول ذي الشّفاعة

ثمَّ أولي الأمر من الجماعه

فهي له قد فاز من أطاعه

والمصطفى المنذر وهو الهادي

وهو له الفادي ونعم الفادي

في ليلة الغار من الأعادي

تحت ظلال القضب الحدادِ

يرمونه في الليل بالحجاره

لعلّها تبدو لهم إماره

فاتَّخذ الصَّبر لها دثاره

والموت إذ ذاك يشبُّ ناره

حتّى بدا وجه الصَّباح طالعا

وقام فيهم ضيغماً مسارعا

فانهزموا يمعر(١) كلُّ راجعا

فاستقبل الأزواج والودايعا

فأنزل الرَّحمن يشري نفسه

لما ابتغى رضاءه وقدسه

أما يزيل مثل هذا لبسه؟

وقد أراه جنَّه وإنسه

ويقول فيها:

ألم يقل فيه النبيُّ المنتجبْ

قولاً صريحاً: أنت فارس العربْ

وكم وكم جلا به الله الكربْ؟

فاعجب ومهما عشت عاينت العجبْ

واسمع أحاديث بلفظ البابِ

في العلم والحكمة والصَّوابِ

ولا تلمني بعدُ في الإطنابِ

في حبِّ مولاي أبي ترابِ

وقال ايضاً فيه: أقضاكم علي

ومثله: أعلمكم عن النبي

ومثله: عيبة علمي والملي

أنّى يكون هكذا غير الوصي؟

ألم يكن فوق الرِّجال حجَّه

نيِّرة واضحة المحجَّه؟

وعلمهم في علمه كالمجَّه

فما تكون مجَّة في لجَّه؟

أحاط بالتوراة والإنجيلِ

وبالزَّبور يا ذوي التفضيل

علماً وبالقرآن ذي التنزيلِ

في قوله المصدِّق المقبولِ

بل أيّهم قال له: الحقّ معه

وهو مع الحقِّ الذي قد شرعه؟

____________________

١ - تمعر وجه: تغير وعلته صفرة. الممغور: المقطب غضبا.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461