الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٥

الغدير في الكتاب والسنة والأدب8%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 461

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 461 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 129367 / تحميل: 6910
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٥

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

هذا الإنسان حاضر لديّ :( وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ ) فيكشف الستار عن كلّ صغيرة وكبيرة صدرت منه.

ولكن ما المراد من «قرينه»؟ للمفسّرين أقوال كثيرة ، إلّا أنّ أغلبهم يرى أنّ المراد منه هو الملك الذي يرافق الإنسان في الدنيا والذي كان مأمورا بتسجيل أعماله وضبطها ليشهد عليه هناك في محكمة عدل الله.

والآيات السابقة التي كانت تشير إلى أنّ من يرد عرصات المحشر فإنّ معه سائقا يسوقه وشهيدا يشهد عليه ، تدلّ على هذا المعنى أيضا. زد على ذلك لحن الآية نفسها والآية التي تليها تتناسبان مع هذا المعنى أيضا [فلاحظوا بدقّة].

إلّا أنّ بعض المفسّرين ذكر أنّ المراد من قرينه هو «الشيطان» ، لأنّ كلمة «قرين» أطلقت في كثير من آيات القرآن على الشيطان الذي يصطحب الإنسان فيكون معنى الآية على هذا التقدير هكذا : «وقال الشيطان قرين الإنسان : «إنّني أعددت هذا المجرم لجهنّم وبذلت أقصى ما في وسعي من جهد في هذا السبيل».

إلّا أنّ هذا المعنى لا أنّه لا يتناسب مع الآيات السابقة واللاحقة فحسب ، بل لا ينسجم مع تبرئة الشيطان نفسه من إغوائه الإنسان على الذنب كما تصرّح بذلك الآية الواردة بعد عدّة آيات من هذه الآية محلّ البحث.

فطبقا لهذا التّفسير للآية فإنّ الشيطان يعترف بمسؤوليته في إغواء الإنسان ، والحال أنّ الآيات المقبلة نقرأ فيها قوله :( قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ) فيقع التضادّ بين القولين كما تلاحظون.

وهناك تفسير ثالث وهو أبعد ممّا ذكر آنفا ولا قرينة عليه أبدا ، وهو أنّ المراد من «قرينه» هو من رافق الإنسان في حياته من البشر!!

ثمّ يخاطب الله الملكين المأمورين بتسجيل أعمال الإنسان فيقول لهما :( أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ) .

كلمة «عنيد» مشتقّة من العناد ، ومعناها التكبّر وحبّ الذات وعدم الخضوع

٤١

للحقّ!

ومن هم المخاطبين هنا؟ هناك تفاسير متعدّدة أيضا ، فمنهم من اختار التّفسير آنف الذكر ، ومنهم من قال بأنّهما خازنا النيران.

وقال بعضهم ـ أيضا ـ من المحتمل أن يكون المخاطب واحدا فحسب ، وهو الشاهد الذي يرد عرصة القيامة مع المجرم ، وصرّحت به الآيات آنفة الذكر ، وتثنية الفعل هو من أجل التأكيد ، فكأنّه يؤكّد مرتين : «الق ، الق» واستعمال التثنية في خطاب المفرد وارد في لغة العرب ، إلّا أنّ هذا التّفسير بعيد جدّا. وخير التفاسير وأنسبها هو التّفسير الأوّل.

وفي الآية التالية إشارة إلى بعض الأوصاف التي يتّصف بها هؤلاء الكفّار ـ الذميمة المنحطّة إذ تقول الآية :( مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ) .

«المنّاع» بحكم كونه صيغة مبالغة فإنّه يطلق على الشخص الذي يمنع كثيرا من الأمور ، فيكون التعبير بـ «منّاع للخير» يقصد به من يمنع كلّ عمل صالح فيه خير وبأيّة صورة كانت.

وقد ورد في بعض الرّوايات أنّ الآية نزلت في «الوليد بن المغيرة» حيث أنّه كان يمنع أبناء أخيه عن الإسلام ويقول لهم : طالما كنت حيّا فلن أعينكم في حياتكم(١) .

وكلمة «معتد» معناها المتجاوز على الحدود ، سواء أكان متجاوزا لحقوق الآخرين أو لحدود الله وأحكامه!

وكلمة «مريب» مشتقّة من الريب ، وتعني من هو في شكّ ، الشكّ المقرون بسوء الظنّ ، أو من يخدع الآخرين فيجعلهم بما يقول أو يعمل في شكّ من أمرهم فيضلّوا عن سواء السبيل.

__________________

(١) روح المعاني ، ج ٢٦ ، ص ١٦٨.

٤٢

ثمّ تضيف الآية التالية لتذكر وصفا ذميما لمن كان من طائفة الكفّار فتقول :( الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ) .

أجل :( فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ ) .

وفي هذه الآيات بيان ستّة أوصاف لأهل النار ، فالأوصاف الخمسة المتقدّمة بعضها لبعض بمثابة العلّة والمعلول ، أمّا الوصف السادس فإيضاح للجذر الأصيل لهذه الأوصاف.

لأنّ معنى الكفّار هو من أصرّ على كفره كثيرا ، وينتهي هذا الأمر إلى العناد.

والمعاند أو العنيد يصرّ على منع الخير أيضا ، ومثل هذا الشخص بالطبع يكون معتديا متجاوزا على حقوق الآخرين وحدود الله.

والمعتدون يصرّون على إيقاع الآخرين في الشّك والريب وسلب الإيمان عنهم.

وهكذا تبيّن أنّ هذه الأوصاف الخمسة أي «الكفّار والعنيد والمنّاع للخير والمعتدي والمريب» يرتبط بعضها ببعض ارتباطا وثيقا ، وبعضها لبعض يشكّل علاقة اللازم بالملزوم.

وفي الوصف السادس أي( الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ) يكمن الجذر الأصيل والأساس لجميع الانحرافات الآنف ذكرها ، والمراد من هذا الوصف هو الشرك ، لأنّ التدقيق فيه يكشف أنّ الشرك هو الباعث على جميع هذه الأمور المتقدّمة!

وفي الآية التالية يكشف الستار عن مشهد آخر وصورة اخرى ممّا يجري على هؤلاء الكفّار وعاقبتهم ، وهو المجادلة بينهم وبين الشيطان الغويّ في يوم القيامة ، فكلّ من الكفّار يلقي التبعات على الشياطين ، إلّا أنّ قرينه «الشيطان» يردّ عليه ويقول كما يحكي عنه القرآن :( قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ) . فلم أجبره على سلوك طريق الغواية والضلالة ، بل هو الذي سلكه باختياره

٤٣

وإرادته واختار هذا الطريق.

وهذا التعبير يشبه ما ورد في سورة إبراهيم الآية (٢٢) إذ يتبرّأ الشيطان من أتباعه فيقول :( ... وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ) !!

وبالطبع فإنّ الشيطان لا يريد أن ينكر أثره في إغواء الإنسان إنكارا كليّا ، بل يريد أن يثبت أنّه لم يجبر أحدا على إغوائه ، بل الإنسان بمحض استجابته ورغبته قبل وساوس الشيطان ، فعلى هذا الأساس لا تضادّ بين هذه الآية والآية (٨٢) من سورة (ص) :( لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) .

وبالرغم من أنّ هذه الآيات تتحدّث عن دفاع الشيطان عن نفسه فحسب ، ولا يظهر فيها كلام على اعتراض الكفّار وردّهم على الشيطان ، إلّا أنّه وبقرينة سائر الآيات التي تتحدّث عن مخاصمتهم في يوم القيامة وبقرينة الآية التالية يتّضح جدال الطرفين إجمالا ، لأنّها تقول حاكية عن ربّ العزّة :( قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ) وأخبرتكم عن هذا المصير.

إشارة إلى قوله تعالى للشيطان من جهة :( اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً ) (١) .

ومن جهة اخرى فقد أنذر سبحانه من تبعه من الناس( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) .(٢) وهذا التهديد والوعيد واردة في سائر آيات القرآن ، وهي حاكية جميعا عن أنّ الله أتمّ الحجّة على الشياطين والإنس كلّهم وحذّر كلا الفريقين من الإغواء والغواية والإضلال والضلال.

ولمزيد التأكيد تقول الآية التالية حاكية عن لسان ربّ العزّة :( ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ

__________________

(١) الإسراء ، الآية ٦٣.

(٢) سورة ص ، الآية ٨٥.

٤٤

لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) (١) .

والمراد من «القول» هنا هو التهديد أو الوعيد الذي أشار إليه الله سبحانه مرارا في آيات متعدّدة وذكرنا آنفا أمثلة منها.

والتعبير بـ «ظلّام» وهو صيغة مبالغة معناه كثير الظلم ، مع أنّ الله لا يصدر منه أقل ظلم ، ولعلّ هذا التعبير هو إيذان بأنّ مقام عدل الله وعلمه في درجة بحيث لو صدر منه أصغر ظلم لكان يعدّ كبيرا جدّا ولكان مصداقا للظلّام ، فعلى هذا فإنّ الله بعيد عن أي أنواع الظلم.

أو أنّ هذا التعبير ناظر إلى الأفراد والمصاديق ، إذ لو نال عبدا ظلم من الله فهناك نظراء لهذا العبد ، وفي المجموع يكون الظلم كثيرا.

وعلى كلّ حال ، فإنّ هذا التعبير دليل على أنّ العباد مخيّرون ولديهم الحريّة «في الإرادة» فلا الشيطان مجبور على شيطنته وعمله ، ولا الكفّار مجبورون على الكفر وأتباع طريق الشيطان ، ولا العاقبة والمصير القطعي الخارج عن الإرادة قد تقرّرا لأحد أبدا.

وهنا ينقدح هذا السؤال! وهو :

كيف يقول سبحانه( ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ ) ؟ مع أنّ جماعة من العباد يشملهم عفوه وغفرانه؟

والجواب على هذا السؤال : أنّ العفو أيضا وفقا لمنهج دقيق وفرع على عمل أدّاه الإنسان بحيث أنّه على رغم جرمه فهو جدير بالعفو ، وهذا بنفسه أحد السنن الإلهيّة ، وهو أنّ من يستحقّ العفو يشمله عفوه ، وهذا أيضا لا يتغيّر.

وفي آخر آية من الآيات محلّ البحث إشارة إلى جانب قصير ومثير من مشاهد يوم القيامة إذ تقول الآية :( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ

__________________

(١) لدي ظرف متعلق بـ «يبدل» واحتمل بعض المفسرين أنه متعلق بالقول ، إلا أن المعنى الأول أنسب

٤٥

مَزِيدٍ) (١) .

والمراد من( هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) ما هو؟ هناك تفسيران :

الأوّل : أنّه استفهام إنكاري ، أي أنّ جهنّم تقول لا مجال للزيادة ، وبهذا فينسجم هذا المعنى مع الآية ١٣ من سورة السجدة :( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) وهو تأكيد على أنّ تهديد الله يتحقّق في ذلك اليوم تماما وأنّ جهنّم تمتلئ في يوم القيامة من الكفّار والمجرمين.

والثّاني : إنّ هذه الجملة فيها طلب للزيادة! أي هل يوجد غير هؤلاء ليدخلوا النار ، وأساسا فإنّ طبيعة كلّ شيء أن يبحث عن سنخه دائما ، فلا النار تشبع من الكفّار ولا الجنّة تشبع من المؤمنين الصالحين.

إلّا أنّ هذا السؤال سيبقى بلا جواب ، وهو أنّ مفهوم هذا الطلب أنّ جهنّم ما تزال غير ممتلئة ، فلا تنسجم مع الآية ١٣ من سورة السجدة آنفة الذكر التي تقول :( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) .

ولكن ينبغي الالتفات إلى أنّ طلب المزيد لا يدلّ على عدم الامتلاء لأنّه :

أوّلا : قد يكون إناء مليء بالطعام مثلا ، إلّا أنّ شخصا ما يزال يتمنّى أن لو أضيف إليه فيكون متراكما أكثر! ثانيا : هذا الطلب يمكن أن يكون طلبا لتضييق المكان على أهل جهنّم وعقابهم الأليم أو تمنّي السعة لاستيعاب أنفار آخرين أكثر.

وعلى كلّ حال ، فإنّ هذه الآية تدلّ دلالة واضحة أنّ أهل جهنّم كثيرون ، وأنّ صورة جهنّم مرعبة وموحشة وأنّ تهديد الله جدّي وحقّ يربك الفكر في كلّ إنسان فيهزّه ويحذّره ألّا يكون واحدا من أهلها! وهذا التفكير يمكن أن يصيّره ورعا ملتزما فلا يقدم على الذنوب الكبيرة والصغيرة!

__________________

(١) بأي كلمة متعلّق لفظ «يوم»؟ هناك ثلاثة وجوه ـ الوجه الأوّل أنّه متعلّق بمحذوف وتقديره اذكروا. والوجه الثاني أنّه متعلّق بيبدّل. والوجه الثالث أنّه متعلّق بظلّام ، إلّا أنّ الأوّل أولى.

٤٦

وينقدح سؤال آخر ، وهو كيف تخاطب النار وهي موجود غير عاقل فتردّ وتجيب على الخطاب!

ولهذا السؤال توجد إجابات ثلاث :

الاولى : إنّ هذا التعبير نوع من التشبيه وبيان لسان الحال! أي أنّ الله يسأل بلسان التكوين جهنّم وهي تجيب بلسان الحال ، ونظير هذا التعبير كثير في اللغات المختلفة!

الثّانية : إنّ الدار الآخرة دار حياة واقعية ، فحتّى الموجودات المادية كالجنّة والنار يكون لها نوع من الإدراك ، والحياة والشعور ، فالجنّة تشتاق إلى المؤمنين ، وجهنّم تنتظر المجرمين.

وكما أنّ أعضاء جسم الإنسان تنطق في ذلك اليوم وتشهد على الإنسان ، فلا عجب أن تكون الجنّة والنار كذلك!

بل وحسب إعتقاد بعض المفسّرين إنّ ذرّات هذا العالم جميعها لها إدراك وإحساس خاصّ ، ولذلك فهي تسبّح الله وتحمده ، وقد أشارت إليه بعض آيات القرآن كالآية (٤٤) من سورة الإسراء(١) .

والثّالثة : إنّ المخاطبين هم خزنة النار وهم الذين يردون على هذا السؤال.

وجميع هذه التفاسير يمكن قبولها ، إلّا أنّ التّفسير الأوّل أنسب كما يبدو!

* * *

__________________

(١) يراجع ذيل الآية ٤٤ من سورة الإسراء.

٤٧

الآيات

( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) )

التّفسير

ادخلوا الجنّة أيّها المتّقون!

مع الالتفات إلى أنّ أبحاث هذه السورة يدور أغلبها حول محور المعاد والأمور التي تتعلّق به ، ومع ملاحظة أنّ الآيات آنفة الذكر تتحدّث عن كيفية إلقاء الكفّار المعاندين في نار جهنّم وما يلاقونه من عذاب شديد وبيان صفاتهم التي جرّتهم وساقتهم إلى نار جهنّم! ففي هذه الآيات محلّ البحث تصوير لمشهد آخر ، وهو دخول المتّقين الجنّة بمنتهى التكريم والتجلّة وإشارة إلى أنواع النعم في

٤٨

الجنّة ، كما أنّ هذه الآيات تبيّن صفات أهل الجنّة لتتّضح الحقائق أكثر بهذه المقارنة ما بين أهل النار وأهل الجنّة.

فتبدأ الآيات بالقول :( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ) .

«أزلفت» : من مادّة زلفى ـ على زنة كبرى ـ ومعناها القرب ، أي قرّبت.

والطريف هنا أنّ القرآن لا يقول : وقرّب المتّقين إلى الجنّة ، بل يقول وأزلفت أي وقرّبت الجنّة للمتّقين ، وهذا أمر لا يمكن أن يتصوّر تبعا للظروف الدنيوية وشروطها ، ولكن حيث إنّ الأصول الحاكمة على العالم الآخر تختلف اختلافا بالغا عمّا هي في هذه الدنيا ، فلا ينبغي التعجّب إطلاقا أن يقرّب الله الجنّة للمتّقين بمنتهى التكريم بدلا من أن يذهبوا هم إليها.

كما أنّنا نقرأ في الآيتين (٩٠) و٩١) من سورة الشعراء :( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ ) .

وهذا منتهى اللطف الإلهي لعباده المؤمنين حيث لا يتصوّر فوقه لطف آخر!.

والتعبير بـ( غَيْرَ بَعِيدٍ ) (١) تأكيد على هذا المعنى أيضا.

وعلى كلّ حال ، فمفهوم الآية أنّ هذه القضيّة تقع في القيامة رغم أنّه عبّر عنها بالماضي «أزلفت» لكن الحوادث المستقبلية القطعية كثيرا ما يعبّر عنها بالماضي ـ لأنّ وقوعها سيتحقّق حتما ـ.

وقيل : إنّ إزلاف الجنّة للمتّقين يتحقّق في الدنيا ، لأنّه لا يفصلهم شيء عن الجنّة والتعبير بالماضي يراد به الماضي حقيقة. وعند الموت سيجدون أنفسهم في الجنّة. لكن مع ملاحظة الآيات السابقة واللاحقة التي تتحدّث عن مشاهد القيامة يبدو أنّ هذا المعنى بعيد ، والمناسب هو التّفسير الأوّل.

ثمّ تبيّن الآيات أوصاف أهل الجنّة فتقول :( هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ

__________________

(١) غير بعيد فيها ثلاثة أوجه إعرابية ، فيحتمل أن تكون ظرفا ، كما يحتمل أن تكون حالا ، ويحتمل أن تكون صفة لمحذوف تقديره إزلافا غير بعيد.

٤٩

حَفِيظٍ ) .

وقد أشير في هذه الآية إلى وصفين من أوصافهم وهما «أوّاب» «وحفيظ».

وكلمة «الأوّاب» : من مادّة [أوب] ـ على زنة ذوب ـ ومعناها العودة ، ولعلّها تعني التوبة عن الذنوب الكبيرة والصغيرة.

أو أنّها تعني العودة إلى الطاعة ، ومع ملاحظة أنّ هذه الصيغة هي للمبالغة فإنّها تدلّ على أنّ أهل الجنّة رجال متّقون بحيث إنّ أيّ عامل أو مؤثّر أراد أن يبعدهم عن طاعة الله فهم يلتفتون ويتذكّرون فيرجعون إلى طاعته فورا ، ويتوبون عن معاصيهم وغفلاتهم ليبلغوا مقام «النفس المطمئنة».

«الحفيظ» معناه الحافظ ، فما المراد منه؟ هل هو الحافظ لعهد الله إذ أخذه من بني آدم ألّا يعبدوا الشيطان كما ورد في الآية (٦٠) من سورة يس ، أم هو الحافظ لحدود الله وقوانينه أو الحافظ لذنوبه والمتذكّر لها ممّا يستلزم التوبة والجبران ، أو يعني جميع ما تقدّم من احتمالات؟

ومع ملاحظة أنّ هذا الحكم ورد بصورة مطلقة ، فإنّ التّفسير الأخير الجامع لهذه المعاني يبدو أقرب.

واستدامة لبيان هذه الأوصاف فإنّ الآية التالية تشير إلى وصفين آخرين منها ، وهما في الحقيقة بمثابة التوضيح والتّفسير لما سبق ذكره ، إذ تقول الآية :( مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ) .

عبارة( مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ ) إشارة إلى أنّهم رغم عدم رؤيتهم الله بأعينهم ، إلّا أنّهم يؤمنون به عن طريق آثاره والاستدلال بها. فيؤمنون إيمانا مقرونا بالإحساس بتحمّل المسؤولية.

ويحتمل أنّ المراد من «الغيب» هو ما غاب عن أعين الناس ، أي أنّهم لا يرتكبون الإثم لا بمرأى من الناس ولا في خلوتهم وابتعادهم عنهم.

وهذا الخوف «أو الخشية» يكون سببا للإنابة ، فيكون قلبهم متوجّها إلى الله

٥٠

ويقبل على طاعته دائما ويتوب من كلّ ذنب ، وأن يواصلوا هذه الحالة حتّى نهاية العمر ويردّوا عرصات المحشر على هذه الكيفية!.

ثمّ تضيف الآية الاخرى بأنّ أولئك الذين يتمتّعون بالصفات الأربع هذه حين تتلقّاهم الملائكة عند أبواب الجنّة يقولون لهم بنهاية التجلّة والإكرام( ادْخُلُوها بِسَلامٍ ) .

«السلام» من كلّ أنواع الأذى والسوء والعذاب والمعاقبة ، السلامة الكاملة في لباس الصحّة والعافية.

ولطمأنتهم يضاف أنّ ذلك اليوم يوم الدعّة و( ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ) .

وإضافة لهاتين البشارتين بشرى الدخول بسلام ، وبشرى الخلود في الجنّة ، يبشّرهم الله بشريين أخريين بحيث تكون مجموع البشريات أربعا كما أنّهم يتّصفون بأربع صفات يقول :( لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها ) .

وإضافة إلى كلّ ذلك فإنّه( لَدَيْنا مَزِيدٌ ) من النعم التي لم تخطر ببال أحد.

ولا يمكن أن يتصوّر تعبير أبلغ من هذا التعبير وأوقع منه في النفس ، إذ يقول القرآن أوّلا :( لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها ) على سعة معنى العبارة وما تحمله من مفهوم إذ لا استثناء فيها ، ثمّ يضاف عليها المزيد من قبل الله ما لم يخطر بقلب أحد ، حيث أنّ الله الذي أنعم على المتّقين فشملهم بألطافه الخاصّة وهم يتنعمّون فيها ، وهكذا فإنّ نعم الجنّة ومواهبها ذات أبعاد واسعة لا يمكن أن توصف بأيّ بيان.

كما يستفاد من هذا التعبير ضمنا أنّه لا مقايسة بين أعمال المؤمنين وثواب الله ، بل هو أعلى وأسمى منها كثيرا ، والجميع في يوم القيامة يواجهون فضله أو عدله! ونجازى بعدله!

وبعد الانتهاء من بيان الحديث حول أهل الجنّة وأهل النار ودرجاتهما ، فإنّ القرآن يلفت أنظار المجرمين للعبرة والاستنتاج فيقول :( وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ ) فكانت تلك الأقوام أقوى من هؤلاء

٥١

وكانوا يفتحون البلدان ويتسلّطون عليها ، إلّا أنّهم وبسبب كفرهم وظلمهم أهلكناهم فهل وجدوا منفذا ومخرجا للخلاص من الموت والعذاب الإلهي( هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ) ؟!

«القرن» و «الاقتران» في الأصل هو «القرب» أو «الاقتراب» ما بين الشيئين أو الأشياء ، ويطلق لفظ «القرن» على الجماعة المتزامنة في فترة واحدة ، ويجمع على «قرون» ثمّ أطلق هذا اللفظ على فترة من الزمن حيث يطلق على ثلاثين سنة أحيانا كما يطلق على مائة سنة أيضا ، فإهلاك القرون معناه إهلاك الأمم السابقة.

و «البطش» معناه حمل الشيء وأخذه بالقوّة والقدرة ، كما يستعمل هذا اللفظ بمعنى الفتك والحرب.

و «نقّبوا» : فعل من مادّة نقب ، ومعناه الثقب في الجدار أو الجلد ، غير أنّ الثقب يطلق على ما يقع في الخشب ، والنقب معناه أعمّ وأوسع.

وهذه المفردة إذا استعملت كفعل كما هو في الآية فيعني ذلك الحركة والسير وشقّ الطريق ، كما يعني السيطرة على البلدان والنفوذ فيها أيضا.

«المنقبة» : من المادّة ذاتها ، وتطلق على الصفات البارزة في الشخص وأفعاله الكريمة التي لها تأثير ونفوذ في نفوس الآخرين ، أو أنّها تشقّ له الطريق في الارتفاء والسمو!

و «النقيب» : هو من يبحث عن أحوال جماعة ما ويطّلع على أخبارهم وينفذ في أنفسهم.

و «المحيص» : كلمة مشتقّة من الحيص على زنة «الحيف» ، ومعناها الانحراف والعدول عن الشيء ، ومن هنا فقد استعملت هذه الكلمة في الفرار من المشاكل والهزيمة عن المعركة!.

وعلى كلّ حال فإنّ الآية تنذر الكفّار المعاصرين للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يستقرئوا تاريخ الماضين وأن ينظروا في قصصهم للاعتبار ، ليروا ما صنع بهؤلاء المعاندين

٥٢

.. الذين كانوا امما وأقواما أشدّ من هؤلاء «وليفكّروا بعاقبتهم أيضا» وهذا المعنى ورد مرارا في القرآن منها الآية ٨ من سورة الزخرف إذ نقرأ قوله تعالى :( فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً ) .

ويرى بعض المفسّرين أنّ الآية محلّ البحث تشير إلى «ثمود» هذه الطائفة التي كانت تسكن مناطق جبلية تدعى «بالحجر» وتقع شمال الحجاز ، فكانت تقطنها وتنقّب في الجبال وتحفر صخورها فتصنع منها القصور الرائعة ، غير أنّ ظاهر النصّ أنّ هذه الآية مفهومها واسع ، فيشمل هؤلاء وغيرهم أيضا.

أمّا جملة( هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ) فيحتمل أن تكون سؤالا على لسان الكفّار السابقين حين أحدق بهم العذاب ، فكانوا يسألون : هل من فرار ومحيص عنه ، كما يحتمل أن يكون سؤالا من قبل الله للكفّار المعاصرين للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أي هل استطاع من كان قبلكم من الكفرة الفرار من قبضة العذاب؟ أو هل يستطيع من يعاند النّبي أن يهرب من مثل هذا لو أحدق به؟!

ويضيف القرآن في آخر آية من الآيات محل البحث مؤكّدا أكثر فيقول :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) .

والمراد بـ «القلب» هنا وفي الآيات الآخر من القرآن التي تتكلّم على إدراك المسائل هو العقل والشعور والإدراك ، كما أنّ كتب اللغة تشير إلى أنّ واحدا من معاني القلب هو العقل ، أمّا الراغب فقد فسّر القلب في الآية محلّ البحث بالعلم والفهم ، كما نقرأ في لسان العرب أنّ القلب قد يطلق على العقل أيضا(١) .

كما ورد في تفسير عن الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام لهذه الآية أنّه قال : إنّ القلب هو العقل(٢) .

والجذر اللغوي لكلمة «قلب» في الأصل : التغيير والتحوّل ، واصطلاحا معناه

__________________

(١) لسان العرب مادّة القلب. [ق لـ ب].

(٢) أصول الكافي ، ج ١ ـ كتاب العقل والجهل ، الحديث ١١.

٥٣

الانقلاب ، وحيث أنّ فكر الإنسان أو عقله في تقلّب دائم وفي حال مختلفة فقد أطلقت عليه كلمة «القلب» ولذلك فإنّ القرآن يعوّل على اطمئنان القلب والسكينة فيقول :( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ) (١) كما يقول في آية اخرى :( أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) ،(٢) أجل إنّما يهدّئ هذا الموجود المضطرب ذكر الله فحسب.

أمّا( أَلْقَى السَّمْعَ ) فكناية عن الإصغاء ومنتهى الاستماع بدقّة ، وهناك تعبير في العرف يشبه هذا التعبير يقول «اذني معك» أي إنّني أصغي إليك بدقّة! و «الشهيد» يطلق على من هو حاضر القلب ، أو كما يقال قلبه في المجلس وهو يتابع المسائل بدقّة!.

وهكذا فإنّ مضمون الآية بمجموعة يعني ما يلي : إنّ هناك فريقين ينتفعان بهذه المواعظ والنصيحة فالفريق الأوّل من يتمتّع بالذكاء والعقل ويستطيع بنفسه أن يحلّل المسائل بفكره!

أمّا الفريق الآخر فليس بهذا المستوى ، إلّا أنّه يمكن أن يلقي السمع للعلماء ويصغي لكلماتهم بحضور القلب ويعرف الحقائق عن طريق الإرشاد.

ويشبه هذا التعبير ما نقرؤه في الآية ١٠ من سورة الملك على لسان أهل النار ، إذ ورد هكذا :( وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ ) !

لأنّ علائم الحقّ واضحة ، فأهل التحقيق يعرفونها جيّدا ومن لم يكن كذلك فيستطيع أن يعرفها عن طريق إرشاد المخلصين من العلماء.

فعلى هذا يجب أن يتمتّع الإنسان بعقل كاف وعلم واف أو يتمتّع بإذن واعية(٣) .

* * *

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية ٤.

(٢) سورة الرعد ، الآية ٢٨.

(٣) لاحظوا أنّ الآيتين عطفت الموضوعين «بأو» وهذا يدلّ على أنّ واحدا منهما على الأقل ضروري للإنسان!

٥٤

الآيات

( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠) )

التّفسير

خالق السموات والأرض قادر على إحياء الموتى :

تعقيبا على ما ورد في الآيات آنفة الذكر ودلائلها المتعدّدة في شأن المعاد ، تشير الآيات محلّ البحث إلى دليل آخر من دلائل إمكان المعاد ثمّ تأمر النّبي بالصبر والاستقامة والتسبيح بحمد الله ليبطل دسائس المتآمرين وما يحيكونه ضدّه ، فتقول الآية الاولى من هذه الآيات :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ ) .

«اللغوب» بمعنى «التعب» وبديهي أنّ من لديه قدرة محدودة وأراد أن يعمل عملا فوق طاقته وقدرته فإنّه يتعب ويناله اللغوب والنصب ، إلا أنّ من كان ذا قدرة لا نهاية لها ، وقوّة لا حدّ لها فإنّ التعب والنصب واللغوب لا تعني شيئا لديه فعلى

٥٥

هذا من كان قادرا على إيجاد السماوات والأرض وخلق الكواكب والمجرّات وأفلاكها جميعا ، قادر على إعادة الإنسان بعد موته وأن يلبسه ثوبا جديدا من الحياة.

بعض المفسّرين ذكر في شأن نزول الآية أنّ اليهود كانوا يتصوّرون أنّ الله خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام «ستّة أيّام من أيّام الأسبوع»! ثمّ استراح في اليوم السابع «السبت» فوضع رجلا على رجل اخرى!! وهكذا فإنّهم يرون أنّ الجلوس على هذه الشاكلة غير لائق ، وأنّه خاصّ بالله ، فنزلت الآية آنفة الذكر وحسمت الكلام في مثل هذه الخرافات المضحكة(١) !

إلّا أنّ هذا الشأن لا يمنع من أن يتابع مسألة إمكان المعاد في الوقت الذي هو دليل على توحيد الله وقدرته وعلمه ، إذ خلق السماوات والأرض بما فيهما من عجائب و (ملايين) الأحياء والأسرار المذهلة ونظمها الخاصّة بحيث أنّ التفكّر في زاوية واحدة من هذا الخلق يسوقنا إلى الخالق الذي حرّكت يد قدرته هذه الكواكب ونثرت نور الحياة في كلّ مكان ليكون دليلا عليه.

وقد تكرّر موضوع خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام في آيات متعدّدة من القرآن(٢) .

وكلمة «يوم» يراد منها الفترة الزمنية لا بمعنى أربع وعشرين ساعة أو اثنتي عشرة ساعة ، كأن نقول «كان الناس يعيشون في ظلّ النّبي يوما ، وسلّط عليهم بنو اميّة يوما وبنو العبّاس يوما آخر! إلخ».

وواضح أنّ كلمة «اليوم» في هذه التعبيرات وأمثالها يراد منها الفترة الزمانية سواء كانت سنّة أو شهرا أو جيلا أو آلاف السنين فنقول مثلا : كانت الكرة

__________________

(١) راجع تفسير الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ١١٠.

(٢) راجع سورة الأعراف الآية ٥٤ ، سورة يونس الآية ٣ ، سورة هود الآية ٧ ، سورة السجدة الآية ٤ ، الحديد الآية ٤ ، الفرقان الآية ٥٩.

٥٦

الأرضية قطعة متلهّبة يوما ، وبردت يوما فغدت مهيّأة للحياة ، فجميع هذه التعبيرات تشير إلى الفترات الزمنية.

فيستفاد من التعبيرات الواردة في الآية آنفة الذكر أنّ الله خلق جميع السماوات والأرض والموجودات الاخرى في ستّ مراحل أو ستّ فترات زمانية. «وتفصيل هذا الكلام مبيّن في ذيل الآية ٥٤ من سورة الأعراف فلا بأس بمراجعته».

إذا ، لا يبقى مجال للسّؤال بأنّه لم يكن قبل خلق السماء والأرض ليل أو نهار فكيف خلقتهما في ستّة أيّام؟!

وبعد ذكر دلائل المعاد المختلفة وتصوير مشاهد المعاد ويوم القيامة المتعدّدة فإنّ القرآن يخاطب النّبي ويأمره بالصبر ـ لأنّ هناك طائفة لا تذعن للحقّ وتصرّ على الباطل فيقول :( فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ ) إذ بالصبر والاستقامة ـ وحدهما ـ يستطاع التغلّب على مثل هذه المشاكل.

وحيث أنّ الصبر والاستقامة يحتاجان إلى دعامة ومعتمد ، فخير دعامة لهما ذكر الله والارتباط بالمبدأ ـ مبدأ العلم القادر على إيجاد العالم ـ لذلك فإنّ القرآن يضيف تعقيبا على الأمر بالصبر قائلا :( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ).

وكذلك :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) .

فهذا الذكر والتسبيح والمستمر ينصبّ على صعيد قلبك كانصباب الغيث على الأرض ليهبها الحياة ويسقيها الرواء ، فالتسبيح أيضا يلهم قلبك النشاط والاستقامة بوجه الأعداء المعاندين.

وهناك أقوال مختلفة بين المفسّرين في المراد من «التسبيح» في الأوقات الأربعة «قبل طلوع الشمس وبعد الغروب ومن الليل وأدبار السجود!».

فبعضهم يعتقد أنّ المراد من هذه التعبيرات هو الصلوات الخمس اليومية

٥٧

وبعضا من النوافل الفضلى على الترتيب والنحو التالي.

فـ( قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ) إشارة إلى صلاة الصبح ، لأنّ في آخر وقتها تطلع الشمس فينبغي أداؤها قبل طلوع الشمس.

وقبل الغروب إشارة إلى صلاتي الظهر والعصر لأنّ الشمس تغرب آخر وقتيهما.

أمّا قوله :( وَمِنَ اللَّيْلِ ) فيشير إلى صلاتي المغرب والعشاء وقوله :( وَأَدْبارَ السُّجُودِ ) ناظر إلى النوافل بعد صلاة المغرب ، وقال ابن عبّاس بهذا التّفسير ـ مع هذا القيد ـ وهو أنّ المراد من إدبار السجود هو جميع النوافل التي تؤدّى بعد الفرائض ولكن حيث أنّا نعتقد بأنّ ما يؤدّى من النوافل اليومية بعد الفرائض هما نافلة المغرب ونافلة العشاء فحسب ، فلا يصحّ هذا التعميم آنفا.

كما فسّر بعضهم قوله «قبل طلوع الشمس» بصلاة الصبح ، «وقبل الغروب» بصلاة العصر ، «ومن الليل فسبّحه» بصلاتي المغرب والعشاء ، فلم يذكروا شيئا عن صلاة الظهر هنا ، وهذا دليل على ضعف هذا التّفسير.

ونقرأ في بعض الرّوايات المنقولة عن الإمام الصادق أنّه حين سئل عن الآية :( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ) قالعليه‌السلام : «تقول حين تصبح وتمسي عشر مرّات لا إله إلّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير»(١) .

ولا يتنافى هذا التّفسير مع التّفسير الأوّل ويمكن أن يجتمعا في الآية معا.

وممّا ينبغي الالتفات إليه هو ورود نظير هذا المعنى باختلاف يسير في الآية (١٣٠) من سورة طه أيضا إذ تقول الآية :( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى ) .

__________________

(١) مجمع البيان ـ ذيل الآيات محلّ البحث ـ.

٥٨

جملة «لعلّك ترضى» ـ تدلّ على أنّ لهذا التسبيح والذكر في هذه الأوقات أثرا مهمّا في اطمئنان القلب ورضا الخاطر ، إذ يمنح القلب قوّة وشدّة بوجه الحوادث.

وهناك لطيفة تسترعي النظر وهي أنّ الآية (٤٩) من سورة الطور تقول هكذا :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ ) (١) .

وقد ورد في حديث عن الإمام عليعليه‌السلام أنّه قال : «المراد بـ( أَدْبارَ السُّجُودِ ) ركعتا نافلة تؤدّيان بعد صلاة المغرب «ينبغي الالتفات إلى أنّ نافلة المغرب أربع ركعات وقد أشير إلى إثنين منهما هنا فحسب» وإدبار النجوم ركعتا نافلة الصبح إذ تؤدّيان عند غروب النجوم وتفرّقها وقبل صلاة الصبح»(٢) .

كما ورد في رواية اخرى أنّ المراد من «ادبار السجود» هو نافلة الوتر التي تؤدّى آخر الليل(٣) .

وعلى كلّ حال فإنّ التّفسير الأوّل أقرب من الجميع وأكثر تناسبا وإن كان مفهوم التسبيح وسعته شاملا لكثير من التفاسير المشار إليها في الرّوايات آنفا.

* * *

ملاحظة

الصبر مفتاح لكلّ فلاح :

لم يكن تعويل القرآن واعتماده على الصبر بوجه المشاكل لأوّل مرّة هنا فحسب ، فطالما أمر النّبي والمؤمنون عامّة في الآيات مرارا بالصبر وأكّد على هذا

__________________

(١) ينبغي الالتفات إلى أنّ إدبار هنا جاءت بالكسر على زنة «إقبال» أمّا في الآية محلّ البحث فجاءت أدبار بفتح الهمزة على زنة أفكار ، وهي هنا جمع دبر ومعناه العقب ، فيكون المعنى في أدبار السجود أي بعد كلّ سجدة ، وأمّا معنى إدبار النجوم أي عند تفرّق النجوم.

(٢) مجمع البيان ، ذيل الآية محلّ البحث ـ.

(٣) المصدر آنف الذكر.

٥٩

الموضوع كما أنّ التجارب تدلّ على أنّ النصر والغلبة من نصيب أولئك الذين تمتّعوا بالصبر والاستقامة.

ففي حديث عن الإمام الصادق أنّه أمر بعض أصحابه «ولعلّه كان لا يطيق بعض الظروف الصعبة في ذلك الزمان» : «عليك بالصبر في جميع أمورك. ثمّ قالعليه‌السلام إنّ الله بعث محمّدا وأمره بالصبر والمداراة فصبر حتّى نسبوا إليه ما لا يليق فضاق صدره فأنزل الله عليه الآية :( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ) .

فصبر فكذّبوه أيضا ، ورشقوه بنبال التّهم من كلّ جانب فحزن وتأثّر لذلك ، فأنزل الله عليه تسلية قوله :( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا ) .

ثمّ يضيف الإمامعليه‌السلام أنّ النّبي واصل صبره إلّا أنّهم تجاوزوا الحدّ فكذّبوا الله فقال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكر إلهي فأنزل اللهعزوجل :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ ) أي خلقنا السماوات والأرض في عدّة فترات ولم نعجل ولم يمسّنا تعب ونصب ، فعليك أن تصبر ، فصبر النّبي في جميع أحواله ما كان يواجهه حتّى انتصر على أعدائه»(١) .

* * *

__________________

(١) راجع اصول الكافي ، طبقا لما ورد في تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١١٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

وحمِّل ما اُطيق به نهوضاً

فإنّ الرّفق أنسب بالصَّديقِ

فقد صيّرتني لعلاك رقّاً

ببرِّك بل أرقَّ من الرقيقِ

وكتب بعدها نثراً توجد جملةٌ منه في الإجازات.

لم نقف على تاريخي ولادة شيخنا شمس الدين ووفاته غير أنَّا نقطع بحياته إلى سنة ٦٨٠، وقد قرَّب العلّامة السَّماوي وفاته سنة تسعين بعد الستمائة، وللباحث أن يقف على مواقفه العظيمة في الفضايل بالقصائد التي رثاه بها أعلام عصره منها رثاء العلّامة الحجَّة الفقيه الصالح صفيِّ الدين محمّد بن الحسن أبي الرِّضا العلوي البغدادي يقول في قصيدته:

مصابٌ أصاب القلب منه وجيبُ

وصابت لجفن العين فيه غروبُ

يعزُّ علينا فقد مولىً لفقده

غدت زهرة الأيّام وهي شحوبُ

وطاب له في النّاس ذكرٌ ومحتدٌ

كما طاب منه مشهدٌ ومغيبُ

ألا ليت شمس الدين بالشمس يقتدي

فيصبح فينا طالعاً ويغيبُ

فمن ذا يحلُّ المشكلات ومن إذا

رمى غرض المعنى الدقيق تصيبُ؟

ومَن يكشف الغمّاء عنّا ومَن له

نوال إذا ضنَّ الغمام يصوبُ؟

فلا قام جنح الليل بعدك خاشعٌ

ولا صام في حرِّ الهجير منيبُ

ولو سال فوق الطرس من كفِّ كاتب

يراع عن السمر الطوال ينوبُ

وبعدك لا سحَّ الغمام ولا شدا

الحمام ولا هبَّت صباً وجنوبُ

ومنها قصيدة الفقيه الحجَّة الشيخ مهذَّب الدين محمود بن يحيى بن محمّد الشيباني الحلّي:

عزَّ العزاء ولات حين عزاءِ

من بعد فرقة سيِّد الشعراءِ

ألعالم الحَبر الإمام المرتضى

علم الشَّريعة قدوة العلماءِ

أكذا المنون تهدّ أطواد الحجا

ويفيض منها بحر كلّ عطاءِ؟

ما للفتاوى لا يردّ جوابها؟

ما للدّعاوي غطّيت بغطاءِ؟

ما ذاك إلّا حين مات فقيهنا

شمس المعالي أوحد الفضلاءِ

ذهب الذي كنّا نصول بعزِّه

ولسانه الماضي على الأعداءِ

٤٤١

مَن للفتاوى المشكلات يحلّها

ويُبينها بالكشف والإمضاءِ؟

مَن للكلام يبين من أسراره

معنى جلالة خالق الأشياءِ؟

مَن ذا لعلم النحو واللغة التي

جاءت غرائبها عن الفصحاءِ؟

ما خلت قبل يحطُّ في قلب الثرى

إنَّ البدور تغيب في الغبراءِ

أيموت محفوظٌ وأبقى بعده؟

غدرٌ لعمرك موته وبقائي

مولاي شمس الدين يا فخر العلا!

مالي اُنادي لا تجيب ندائي؟

ومنها: قصيدة العلّامة المحقّق الشيخ تقيّ الدين ابن داود الحلّي أحد شعراء الغدير الآتي ذكره في القرن الثامن:

لك الله أيَّ بناء تَداعى

وقد كان فوق النجوم ارتفاعا؟

وأيَّ علاءٍ دعاه الخطوب

فلبَّى ولولا الرِّدى ما أطاعا؟

وأيَّ ضياءٍ ثوى في الثرى

وقد كان يخفي النّجوم التماعا؟

لقد كان شمس الدين كاسمه

فأرخى الكسوف عليه قناعا؟

فوا أسفا أين ذاك اللسان

إذا رام معناً أجاب إتِّباعا؟

وتلك البحوث التي ما تمل

إذا ملَّ صاحب بحثٍ سماعا؟

فمن ذا يُجيب سؤال الوفود

إذا عرضوا أو تعاطوا نزاعا؟

ومَن لليتامى ولابن السبيل

إذا قصدوه عراةً جياعا؟

ومَن للوفاء وحفظ الإخاء

وراعي العهود إذا الغدر شاعا؟

سقى الله مضجعه رحمةً

تروّي ثراه وتأبى انقطاعا؟(١)

وولد المترجَم أبو علي محمّد الشهير بتاج الدين بن وشاح كان قاضي الحلّة، ولصفيّ الدين الحلّي الآتي ذكره في الجزء السّادس قصيدة يرثيه بها توجد في ديوانه ٢٥٦ مطلعها:

لو أفادتنا العزائم حالا

لم نجد حسن العزاء محالا

ويقول فيها:

أسدٌ خلف شبلي عرين

شيدا مجداً له لن ينالا

____________________

١ - راجع أمل الآمل، بحار الانوار ج ٢٥، مستدرك الوسائل، تتميم الأمل لابن أبي شبانة، روضات الجنات.

٤٤٢

ظلّ زين الدين للدهر زيناً

وجمال الدين فيها جمالا

فأرانا الله أقصى الأماني

فيهما إن جار دهرٌ ومالا ٤٩ بيتاً

ولصفيّ الدين قصيدة اُخرى ذات ٥٣ بيتاً توجد في ديوانه ص ٤١٠ يعتذر بها إلى القاضي تاج الدِّين بن وشاح عن قيلٍ فيه وعزوه إليه أوَّلها:

حذراً عليك من الفعال الجافي

اُدنيك مجتهداً إلى الإنصافِ

ويقول في آخرها:

شكراً لواشٍ أوجبت أقواله

حجِّي لكعبة ربعكم وطوافي

بُعدٌ جنيت القرب من أغصانه

وسكينةٌ حصلت من الإرجافِ

ولربَّما عوت الكلاب فأرشدت

نحو الكرام شوارد الأضيافِ

دع عنك ما اختلف الورى في نقله

عنِّي وخذ مدحاً بغير خلافِ

مدحاً أتاك ولا يروم إجازةً

إلّا المودَّة والضمير الصّافي

ولآل محفوظ بقيَّةٌ صالحةٌ في سوريا والعراق، وللاُستاذ الحسين بن الشيخ علي ابن الشيخ محمّد الجواد بن الشيخ موسى آل محفوظ الكاظمي رسالةٌ في تراجم أعلام اُسرته الكريمة، وتوجد ذكرى عُمد هذا البيت الرَّفيع في تكملة أمل الآمل لسيِّدنا الصَّدر الكاظمي، وفي وفيات الأعلام لشيخنا الرازي صاحب « الذريعة »

توجد في أمل الآمل وغيره ترجمة باسم سديد الدين سالم بن محفوظ بن عزيزة بن وشاح السوراني، قرأ عليه المحقّق الحلّي المتوفّى ٦٦٧، ويروي عنه السيِّد بن طاوس المتوفّى ٦٦٤، ووالد العلّامة الحلّي وقد ولد العلّامة ٦٤٨، واستظهر صاحب « روضات الجنات » في ص ٣٠١ انَّه ولد شاعرنا شمس الدين محفوظ وهذا الإستظهار ليس في محلّه لأنَّ المترجم نفسه أحد الرُّواة عن المحقِّق الحلّي فكيف يكون سالم الذي قرأ عليه المحقّق الحلّي ابنه؟ ثمَّ طبقة الرُّواة عن سالم هي طبقة مشايخ شمس الدين المترجم فيستدعي ذلك أن يكون متقدِّماً على والده بطبقة غير طبقة والده.

ويويِّد ما ذكرناه أنّ ولد المترجم أبا علي محمَّداً تاج الدين بن محفوظ المترجم في أمل الآمل يروي عنه السيِّد تاج الدين ابن معيَّة المتوفّى ٧٧٦، ورثاه صفيُّ الدين المتوفّى ٧٥٢، فلو كان سالم أخاه لوجب أن يكون الرُّواة عنه من أهل هذه الطبقة لا قبلها بقرن.

٤٤٣

ألقرن السّابع

٦٤

بهاء الدين الاربلي

المتوفّى: ٦٩٢ / ٣

وإلى أمير المؤمنين بعثتها

مثل السفاينُ غمن في تيَّارِ(١)

تحكي السّهام إذا قطعن مفازةً

وكأنَّها في دقَّة الأوتار

حمّال أثقال ومُسعف طالب

وملاذ ملهوف وموئل جارِ

شرفٌ أقرَّ به الحسود وسوددٌ

شاد العلاء ليَعربٍ ونزارِ

وسماحةٌ كالماء طاب لواردٍ

ظامٍ إليه وسطوةٌ كالنّارِ

ومآثرٌ شهد العدوُّ بفضلها

والحقُّ أبلج والسّيوف عواري

سل عنه بدراً إذ جلا هبواتها

بشباة خطيٍّ وحدِّ غرارِ(٢)

حيث الأسنَّة كالنجوم منيرة

تخفى وتبدو في سماء غبارِ

واسأل بخيبر إن عرتك جهالةٌ

بصحايح الأخبار والآثارِ

واسأل جموع هوازنٍ عن حيدر

وحذار من اسد العرين حَذارِ

واسأل بخمّ عن علاه فانّها

تقضي بمجد واعتلاء منارِ

بولائه يرجو النّجاة مقصِّرٌ

وتحطّ عنه عظايم الأوزارَ

ويقول فيها:

عرِّج على أرض الغريِّ وقف به

والثم ثراه وزره خير مزارِ

واخلع بمشهده الشرّيف معظّماً

تعظيم بيت الله ذي الأستارِ

وقل: السَّلام عليك يا خير الورى

وأبا الهداة السَّادة الأبرارِ

يا آل طاها الأكرمين أليَّةً

بكمُ وما دهري يمين فجارِ

____________________

١ - غم الشئ: غطاه. التيار: موج البحر الهائج.

٢ - الهبوة: الغبرة ج: الهبوات. الشبات: من السيف قدر ما يقطع به، وحدّ كل شئ الغرار: حدّ السيف.

٤٤٤

إنّي منحتكم المودَّة راجياً

نيل المنى في الخمسة الأشبارِ

فعليكم مُنِّي السَّلام فأنتمُ

أقصى رجايَ ومنتهى إيثاري(١)

وله من قصيدة في كتابه « كشف الغمَّة » ص ١٩٧ قوله:

وتعرّض إلى ولاءِ اُناس

حبل معروفهم قويٌّ مريرُ(٢)

خيرة الله في الأنام ومَن

وجه مُواليهمُ بهيٌّ منيرُ

اُمناء الله الكرام وأرباب

المعالي فضلهم مشهورٌ

ألمفيدون حين يخفق سعيٌ

والمجيرون حين عزَّ المجيرُ

كرموا مولداً وطابوا اُصولاً

فبطونٌ زكيَّةٌ وظهورُ

عترة المصطفى وحسبك فخراً

أيّها السائلي البشير النذيرُ

بعلىّ شيدت معالم دين الله

والأرض بالعناد تمورُ

وبه أيَّد الإ~له رسول الله

إذ ليس في الأنام نصيرُ

وبأولاده الهداة إلى الحقِّ

أضاء المستبهم الديجورُ

سل حُنيناً عنه وبدراً فما

يخبر عمّا سألت إلّا الخبيرُ

إذ جلا هبوة الخطوب وللحرب

زنادٌ يشبُّ منها سعيرُ

حسدوه على مآثر شتّى

وكفاهم حقداً عليه الغديرُ

أسدٌ ماله إذا استفحل الياس

سوى رنَّة السِّلاح زئيرُ

ثابت الجأش لا يروِّعه الخطب

ولا يعتريه فيه فتورُ

أعرب السَّيف منه إذ أعجم الرُّمح

لأنَّ العدى لديه سطورُ

عزمات أمضى من القدر المحتوم

يجري بحكم-ه المقدورُ

ومزايا مفاخرٍ عطَّر الاُفق

شذاها يُخال فيها عبيرُ

( ألشاعر )

بهاء الدين أبو الحسن عليُّ بن فخر الدين عيسى بن أبي الفتح الأربلي نزيل

____________________

١ - كشف الغمة ص ٧٨ وقال: قصيدة طويلة انشدتها بحضرته في مشهده المقدس صلوات الله عليه.'

٢ - المرير من الحبال: ما اشتد فتله. ويقال، أمر مرير: أى محكم. ورجل مرير قوى ذو عزم.

٤٤٥

بغداد ودفينها. فذُّ من أفذاذ الاُمَّة، وأوحديُّ من نياقد علمائها، بعلمه الناجع وأدبه الناصع يتبلّج القرن السّابع، وهو في أعاظم العلماء قبله في أئمَّة الأدب، وإن كان به ينضّد جمان الكتابة، وتنظَّم عقود القريض، وبعد ذلك كلّه هو أحد ساسة عصره الزّاهي، ترنَّحت به أعطاف الوزارة وأضاء دستها، كما ابتسم به ثغر الفقه والحديث، وحميت به ثغور المذهب، وسفره القيِّم - كشف الغمَّة - خير كتاب اُخرج للناس في تاريخ أئمَّة الدين، وسرد فضايلهم، والدِّفاع عنهم، والدَّعوة إليهم. وهو حجَّةٌ قاطعةٌ على علمه الغزير، وتضلّعه في الحديث، وثباته في المذهب، ونبوغه في الأدب، وتبريزه في الشعر، حشره الله مع العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، قال الشيخ جمال الدين أحمد بن منبع الحلّي مقرّظاً الكتاب:

ألا قل لجامع هذا الكتاب

يميناً لقد نلت أقصى المرادِ

وأظهرت من فضل آل الرَّسول

بتأليفه ما يسوء الأعادي

مشايخ روايته والرواة عنه:

يروي بهاء الدين المترجم عن جمع من أعلام الفريقين منهم:

١ - سيِّدنا رضيُّ الدين جمال الملّة السيِّد عليّ بن طاوس المتوفّى ٦٦٤.

٢ - سيِّدنا جلال الدين عليّ بن عبد الحميد بن فخار الموسوي أجاز له سنة ٦٧٦.

٣ - ألشيخ تاج الدين أبو طالب عليّ بن أنجب بن عثمان الشهير بابن السّاعي البغدادي السّلامي المتوفّى ٦٧٤.

يروي عنه كتاب - معالم العترة النبويَّة العليَّة - تأليف الحافظ أبي محمّد عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي المتوفّى ٦١١ كما في كشف الغمَّة ص ١٣٥.

٤ - ألحافظ أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي المتوفّى سنة ٦٥٨، قرأ عليه كتابيه: كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب. والبيان في أخبار صاحب الزَّمان. وذلك باربل سنة ٦٤٨، وله منه إجازة بخطّه(١) وينقل عن كتابه « الكفاية » كثيراً في كشف الغمَّة.

٥ - كمال الدين أبو الحسن عليُّ بن محمّد بن محمّد بن وضاح نزيل بغداد الفقيه

____________________

١ - كشف الغمة ص ٣١، ٣٢٤.

٤٤٦

الحنبلي المتوفّى ٦٧٢، يروي عنه بالإجازة وممّا يروي عنه كتاب - الذريَّة الطاهرة - تأليف أبي بشر محمّد بن أحمد الأنصاري الدولابي المتوفّى سنة ٣٢٠، وكان مخطوطاً بخطِّ شيخه إبن وضاح المذكور، كشف الغمّة ١٠٩.

٦ - ألشيخ رشيد الدين أبو عبد الله محمّد بن أبي القاسم بن عمر بن أبي القاسم قرأ كتاب - المستغيثين -(١) « في كشف الظنون المستعين بالله » تأليف أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال الأنصاري القرطبي المتوفّى ٥٧٨، والشيخ رشيد الدين قرأ - المستغيثين - على محيي الدين أبي محمّد يوسف بن الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي وهو يرويه عن مؤلِّفه إجازةً. قال المترجَم في « كشف الغمّة » ص ٢٢٤: كانت قراءتي عليه في شعبان من سنة ستّ وثمانين وستمائة بداري المطلّة على دجلة ببغداد.

وينقل كثيراً عن عدَّة من تأليف معاصره منها: تفسير الحافظ أبي محمّد عبد الرزّاق عزّ الدين الرسعني الحنبلي المتوفّى ٦٦١، كانت بينه وبين المترجم صداقة وصلة، راجع الجزء الأوَّل من كتابنا هذا ص ٢٢٠.

ومنها: مطالب السؤول تأليف أبي سالم كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي كما أسلفناه في ترجمته ص ٤١٥ من هذا الجزء.

ومنها: تآليف شيخنا الأوحد قطب الدين الراوندي المترجَم فيما مرَّ ص ٣٨٠، ويروي عنه جمعٌ من أعلام الفريقين منهم:

١ - جمال الدين العلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهَّر كما في إجازة شيخنا الحرِّ العاملي صاحب « الوسائل »

٢ - ألشيخ رضيُّ الدين عليّ بن المطهَّر كما في إجازة السيِّد محمّد بن القاسم بن معيَّة الحسيني للسيِّد شمس الدين.

٣ - ألسيِّد شمس الدين محمَّد بن فضل العلوي الحسني.

٤ - ولده الشيخ تاج الدين محمّد بن علي.

٥ - ألشيخ تقيّ الدين بن إبراهيم بن محمّد بن سالم.

____________________

١ - قال ابن خلكان في تاريخه ١ ص ١٩٠: كتاب المستغيثين بالله تعالى عند المهمات والحاجات مجلد لطيف. فما ذكرناه في المتن عن كشف الظنون تصحيف.

٤٤٧

٦ - ألشيخ محمود بن علي بن أبي القاسم.

٧ - حفيده ألشيخ شرف الدين أحمد بن الصَّدر تاج الدين محمّد بن علي.

٨ - حفيده الآخر ألشيخ عيسى بن محمّد بن عليّ أخو الشَّرف المذكور.

٩ - ألشيخ شرف الدين أحمد بن عثمان النصيبي الفقيه المدرِّس المالكي.

١٠ - مجد الدين أبو الفضل يحيى بن عليِّ بن المظفّر الطيبي الكاتب بواسط العراق قرأ على المترجم شطراً من كتابه « كشف الغمَّة » وأجاز له ولجمع من الأعلام المذكورين سنة ٦٩١.

وممّن قرأ عليه:

١١ - عماد الدين عبد الله بن محمّد بن مكّي.

١٢ - ألصَّدر الكبير عزُّ الدِّين أبو علي الحسن بن أبي الهيجا الإربلي.

١٣ - تاج الدين أبو الفتح بن الحسين بن أبي بكر الإربلي.

١٤ - ألمولى أمين الدين عبد الرَّحمن بن عليّ بن أبي الحسن الجزري الموصلي.

١٥ - ألشيخ حسن بن إسحاق بن إبراهيم بن عبّاس الموصلي.

له ذكره الجميل في أمل الآمل. ورياض العلماء. ورياض الجنَّة في الرّوضة الرابعة. وروضات الجنّات. والأعلام للزركلي. وتتميم الأمل لابن أبي شبانة. والكنى والألقاب. والطليعة في شعراء الشيعة.

قال إبن الفوطي في « الحوادث الجامعة » ص ٣٤١: وفي سنة ٦٥٧ وصل بهاء الدين عليّ بن الفخر عيسى الإربلي إلى بغداد، ورتَّب كاتب الإنشاء بالديوان وأقام بها إلى أن مات وقال في ص ٤٨٠: إنَّه توفِّي ببغداد سنة ٦٩٣. وقال في ص ٢٧٨: إنَّه تولَّى تعمير مسجد معروف سنة ٦٧٨. وذكر له ص ٣٨ من قصيدته التي يرثي بها معلّم الاُمّة شيخنا خواجه نصير الدين الطوسي والملك عزّ الدين عبد العزيز:

ولما قضى عبد العزيز بن جعفر

وأردفه رزء النَّصير محمَّدِ

جزعت لفقدان الأخلّاء وانبرت

شؤوني كمرفضِّ الجمان المبدَّدِ

وجاشت إليَّ النفس حزناً ولوعةً

فقلت: تعزِّي واصبري فكأن قدِ

وقال في صحيفة ٣٦٦: وفي خامس عشرين جمادى الآخرة ركب علاء الدين صاحب

_٢٨_

٤٤٨

الديوان لصلاة الجمعة فلمّا وصل المسجد الذي عند عقد مشرعة الأبريّين، نهض عليه رجلٌ وضربه بسكّين عدَّة ضربات، فانهزم كلُّ من كان بين يديه من السَّرهنكيَّة وهرب الرَّجل أيضاً فعرض له رجلٌ حمّالٌ كان قاعداً بباب غلّة ابن تومه وألقى عليه كساؤه ولحقه السَّرهنكيَّة فضربوه بالدبابيس وقبضوه، وأمّا الصاحب فانَّه اُدخل دار بهاء الدين - المترجم - إبن الفخر عيسى وكان يومئذ يسكن في الدار المعروفة بديوان الشرابي لما عرف بذلك خرج حافياً وتلقّاه ودخل بين يديه وأحضر الطبيب فسبر الجرح ومصَّه فوجده سليماً من السمِّ.

وذكر في ص ٣٦٩ من إنشاءه كتاب صداق كتبه في تزويج الخواجة شرف الدين هارون بن شمس الدين الجويني بابنة أبي العبّاس أحمد بن الخليفة المستعصم في جمادى الآخرة سنة ٦٧٠.

وترجمه الكتبي في - فوات الوفيات - ٢ ص ٨٣ وقال: له شعرٌ وترسّلٌ وكان رئيساً كتب لمتولّي أربل من صلايا، ثمَّ خدم ببغداد في ديوان الإنشاء أيّام علاء الدين صاحب الديوان، ثمَّ إنَّه فتر سوقه في دولة اليهود، ثمَّ تراجع بعدهم وسلم ولم ينكب إلى أن مات سنة ٦٩٢، وكان صاحب تجمّل وحشمة ومكارم أخلاق وفيه تشيّع، وكان أبوه والياً باربل، ولبهاء الدين مصنَّفات أدبيَّة مثل: المقالات الأربع.

ورسالة الطيف: المشهورة وغير ذلك، وخلف لما مات تركةً عظيمةً ألفي ألف درهم تسلّمها ابنه أبو الفتح ومحقها ومات صعلوكا ومن شعر بهاء الدين رحمه الله:

أيا حاجري من غير جرمٍ جنيته

ومن دأبه ظلمي وهجري فديتهُ

أجرني رعاك الله من نار جفوةٍ

وحرّ غرام في العباد اصطليتهُ

وكن مُسعفي فيما اُلاقي من الأسى

فهجرك ياكلّ المنايا نؤيتهُ

أأظمأ غراماً في هواك ولوعةً

ولي دمع عين كالسّحاب بكيتهُ؟

وحقِّك لا أنسى العهود التي مضت

قديماً ولا أسلو زماناً قضيتهُ

ومن شعره أيضاً:

كيف خلاصي من هوى شادنٍ

حكَّمه الحسن على مهجتي؟

بعاده ناري التي تُتَّقى

وقربه لو زارني جنَّتي

٤٤٩

ما اتَّسعت طرف الهوى فيه لي

إلّا وضاقت في الجفا حيلتي

ليت ليالي وصله عدنَ لي

يا حسرتاً أين الليالي التي؟

وقال ايضاً رحمه الله تعالى:

وجهه والقوام والشَّعر الأسـ

ـود في بهجة الجبين النَّضيرِ

بدر تمٍّ على قضيبٍ عليه

ليل دُجن من فوق صبحٍ منيرِ

وقال ايضاً:

جنّه سابق الغرام فجنّا

وجفا منزلاً وخلّف مغنى

ودعاه الهوى فلبَّى سريعاً

وكذا شيمة المحبِّ المعنّى

رام صبراً فلم يُطعه غرامٌ

غادر القلب بالصَّبابة رهنا

وجفا لذَّة الكرى في رضا الحبِّ

فأرضي قلباً وأسخط جفنا

أسهرت مقلتاه في طاعة الو

جد عيوناً على المخضَّب وسنا

كلّ ظامي الوشاح ريّان من ما

ء التَّصابي أضنى المحبَّ وعنىّ

ما على الدَّهر لو أعاد زماناً

سلبته أيدي الحوادث منّا

وعلى مَن أحبَّ لو شفع الحسن

الذي قيَّد العيون بحسنى

وبروحي أفدي رشيق قوام

لاح بدراً وماس إذ ماس غصنا

يتجنّى ظلماً فيحدث لي وجد

اً إذا صدَّ عاتباً أو تجنّى

ما ثنانا عنه العذول وهل

ينسى غرامي وقدّه يتثنّى؟

كيف أسلو بدراً يشابهه البدر

سنا يسبي الحليم وأسنى؟

ليَ معنى فيه وفي صاحب الديوا

ن إذ رُمت مدحه ألف معنى

وقال ايضاً رحمه الله تعالى:

طاف بها واللّيل وَحف الجناح(١)

بدر الدُّجى يحمل شمس الصَّباحْ

وفاز بالرّاحة عشّاقه

لما بدا في كفِّه كاس راحْ

ظبيٌ من الترك له قامة

يُزري تثنِّيها بسمر الرِّماحْ

عارضه آسٌ وفي خدِّه

وردٌ نضيرٌ والثنايا إقاحْ

____________________

١ - الوحف: الشعر الكثير الاسود الحسن. والواحف من الاجنحة: الكثير الريش.

٤٥٠

عاطيته سهباء مشمولة

تجلي سنا الصّبح إذا الصّبح لاحْ

فسكّنت سورته وانثنى

فظلَّ طوعي بعد طول الجماحْ

فبتُّ لا أعرف طيب الكرى

وبات لا ينكر طيب المزاحْ

فهل على من بات صبّاً به

وإن نضا ثوب وقار جُناحْ

وقال ايضاً رحمه الله تعالى:

غزال النقا لولا ثناياك واللّما

لما بتُّ صبّاً مستهاماً متيَّما

ولولا معان فيك أو جبن صبوتي

لما كنت من بع-د الثمانين مغرما

أيا جنَّة الحسن الذي غادر الحشا

بفرط التجافي والصدود جهنَّما

جريت على رسم من الجور واضحٍ

أما آن يوماً أن ترقَّ وترحما؟

أمالك رقّي! كيف حلّلت جفوتي

وعدت لقتلي بالبعاد متمّما؟

وحرَّمت من حلو الوصال محلّلا

وحلّلت من مرِّ الجفاء محرَّما

بحسن التثنِّي رقَّ لي من صبابةٍ

أسلت بها دمعي علي وجنتي دما

ورفقاً بمن غادرته غرض الرَّدى

إذا زار عن سخط بلادك مسلما

كأنت بساجي الطرف أحوى مهفهف

يميس فينسيك القضيب المنعَّما

يفوق الظبا والغصن حسناً وقامةً

وبدر الدُّجى والبرق وجهاً ومبسما

فناظره في قصَّتي ليس ناظراً

وحاجبه في قتلتي قد تحكّما

ومشرف صدغ ظلَّ في الحكم جائراً

وعامل قدّ بان أعدى وأظلما

وعارضه لم يرث لي من شكاية

فنمَّت دموعي حين لاح منمنما

وترجمه صاحب « شذرات الذهب » ج ٥: ٣٨٣ بعنوان بهاء الدين ابن الفخر عيسى الأربلي وعدَّه من المتوفِّين في سنة ٦٨٣ وأحسبه تصحيف ٦٩٣. وجعلوه في فهرست الكتاب: عيسى بن الفخر الأربلي. زعماً منهم بأنّ عيسى في كلام المصنِّف بدل من قوله بهاء الدين. وذكر له في الشذرات قوله:

أيّ عذر وقد تبدّى العذارُ

إن ثناني تجلّدٌ واصطبارُ؟

فأقلّا إن شئتما أو فزيدا

ليس لي عن هوى الملاح قرارُ

هل مجيرٌ من الغرام؟ وهيها

ت أسير الغرام ليسُ يجارُ

٤٥١

يا بديع الجمال قد كثرت فيـ

ـك اللواحي وقلّت الأنصارُ

وذكره سيِّدنا صاحب « رياض الجنَّة » وقال: إنّه كان وزيراً لبعض الملوك وكان ذا ثروة وشوكة عظيمة فترك الوزارة واشتغل بالتأليف والتصنيف والعبادة والرَّياضة في آخر أمره، وقد نظم بسبب تركه المولى عبد الرَّحمن الجامي في بعض قصائده بقوله.

ثمَّ ذكر خمسة عشر بيتاً باللغة الفارسيّة ضربنا عنها صفحاً. والقصيدة على انّها خاليةٌ من اسم المترجم ومن الايعاز إليه بشئ يعرِّفه، تُعرب عن أنَّ الممدوح بها غادر بيئة وزارته إلى الحرم الأقدس وأقام هناك إلى أن مات.

ومرَّ عن إبن الفوطي: أنَّ المترجم كان كاتباً إلى أن مات، وكون وفاته في بغداد ودفنه بداره المطلّة على دجلة في قرب الجسر الحديث من المتسالم عليه ولم يختلف فيه اثنان، وكان قبره معروفاً يزار إلى أن ملك تلك الدار في هذه الآونة الأخيرة مَن قطع سبيل الوصول إليه وإلى زيارته، والناس مجزيّون بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ.

توجد جملةٌ كبيرةٌ من شعره في العترة الطاهرة صلوات الله عليهم في كتابه « كشف الغمَّة » منها في ص ٧٩ من قصيدة مدح بها أمير المؤمنينعليه‌السلام وأنشدها في حضرته قوله:

سل عن عليّ مقامات عُرفن به

شدّت عرى الدين في حلّ ومرتحلِ

بدراً واُحداً وسل عنه هوازن

في أوطاس واسئل به في وقعة الجملِ

واسئل به إذ أتى الأحزاب يقدمهم

عمرو وصفِّين سل إن كنت لم تسلِ

مآثرٌ صافحت شهب النّجومُ علاً

مشيدة قد سمت قدراً على زحلِ

وسنّة شرعت سبل الهدى وندى

أقام للطالب الجدوى على السبلِ

كم من يد لك فينا يا أبا حسن!

يفوق نائلها صوب الحيا الهطلِ؟

وكم كشفت عن الإسلام فادحة

أبدت لتفرس عن أنيابها العضلِ؟

وكم نصرت رسول الله منصلتاً

كالسَّيف عُرّي متناه من الخللِ؟

ورُبَّ يوم كظلِّ الرّمح ما سكنت

نفس الشجاع به من شدَّة الوهلِ(١)

ومأزق الحرب ضنكٌ لا مجال به

ومنهل الموت لا يُغني على النهلِ

____________________

١ - الوهل والوهلة: الفزع والفزعة.

٤٥٢

والنَّقع قد ملأ الأرجاء عثيره(١)

فصار كالجبل الموفي على الجبلِ

جلوته بشبا البيض القواضب

والجرد السّلاهب والعسّالة الذبلِ(٢)

بذلت نفسك في نصر النبيِّ ولم

تبخل وما كنت ف-ي حال أخا بخلِ

وقمت منفرداً كالرّمح منتصباً

لنصره غير هيّاب ولا وكلِ(٣)

تردي الجيوش بعزم لو صدمت به

صمّ الصَّفا لهوى من شامخ القللِ

يا أشرف الناس من عُرب ومن عجم!

وأفضل الناس في قول وفي عملِ!

يا مَن! به عرف الناس الهدى وبه

تُرجى السّلامة عند الحادث الجللِ

يا مَن! أعاد رسوم العدل جالية

وطال ما سترتها وحشة العطلِ

يا فارس الخيل! والأبطال خاضعة

يا مَن! له كلُّ خلق الله كالخولِ(٤)

يا سيِّد الناس! يا من لا مثيل له!

يا من! مناقبه تسريُ سرى المثلِ

خذ من مديحي ما أسطيعه كرماً

فإن عجزت فإنَّ العجز من قِبلي

وسوف أهدي لكم مدحاً اُحبِّره

إن كنت ذا قدرةٍ أو مُدّ في أجلي

وله يمدح الإمام الصّادقعليه‌السلام قوله:

مناقب الصّادق مشهورةٌ

ينقلها عن صادقٍ صادقُ

سما إلى نيل العلى وادعاً

وكلَّ عن إدراكه اللّاحقُ

جرى إلى المجد كآبائه

كما جرى في الحلبة السّابقُ

وفاق أهل الأرض في عصره

وهو على حالاته فايقُ

سماؤه بالجود هطّالةٌ

وسيبه هامي الحيا دافقُ

وكلّ ذي فضل بأفضاله

وفضله معترفٌ ناطقُ

____________________

١ - النقع: الغبار. عثير: التراب والعجاج.

٢ - البيض: السيف. القواضب جمع قاضب يقال: سيف قاضب وقضاب وقضابة ومقضب شديد القطع. رجل قضابة: قطاع للامور مقتدر عليها. الجرد: الترس: السلاهب جمع السلهب: الطويل. العسالة من الرمح: ما يهتز لينا. الذبل جمع الذابل: الدقيق: المهزول. توصف بها الرماح.

٣ - الوكل: الجبان. العاجز.

٤ - الخول: العبيد والاماء.

٤٥٣

له مكانٌ في العلى شامخٌ

وطود مجد صاعدٌ شاهقُ

من دوحة العزِّ التي فرعها

سامٍ على أوج السّها سامقُ(١)

نايله صوبُ حياً مُسبلٌ

وبشره في صوبه بارقُ

صواب رأي إن عدا جاهلٌ

وصوب غيث إن عرا طارقُ

كأنَّما طلعته ما بدا

لناظريه القمر الشّارق

له من الأفضال حادٍ على

البذل ومن أخلاقه سائقُ

يروقه بذل النّدى واللها

وهو لهم أجمعهم رايقُ

خلائقٌ طابت وطالت علاً

أبدع في إيجادها الخالقُ

شاد المعالي وسعى للعلى

فهي له وهو لها عاشقُ

إن أعضل الأمر فلا يهتدى

إليه فهو الفاتق الراتقُ

يشوقه المجد ولا غرو أن

يشوقهُ وهو له شايقُ

مولاي إنّي فيكمُ مخلصٌ

إن شاب بالحبِّ لكم ماذقُ(٢)

لكم موال وإلى بابكم

أنضى(٣) المطايا وبكم واثقُ

أرجو بكم نيل الأماني إذا

نجا مطيعُ وهوى مارقُ

وله يمدح الإمام الكاظم موسى بن جعفر صلوات الله عليهما قوله:

مدايحي وقفٌ على الكاظم

فما على العاذل واللائمِ؟

وكيف لا أمدح مولىً غدا

في عصره خير بني آدمِ؟

ومن كموسى أو كآبائه

أو كعليّ وإلى القائمٍ؟

إمام حقٍّ يقتضي عدله

لو سُلّم الحكم إلى الحاكمِ

إفاضة العدل وبذل النَّدى

والكفّ عن عادية الظالمِ

يبسم للسائل مستبشراً

أفديه من مستبشرٍ باسمِ

ليث وغى في الحرب دامي الشبا

وغيث جودٍ كالحيا الساجمِ

____________________

١ - فاعل من سمق سمقاً وسموقاً: علا وطال فهو سامق وسمق.

٢ - ماذق فلاناً في الود: لم يخلص له الود.

٣ - أنضى انضاء البعير: هزله.

٤٥٤

مآثرٌ تعجز عن وصفها

بلاغةُ الناثر والناظمِ

في العلم بحرٌ ذاخرٌ مدُّه

وفي الوغى أمضى من الصّارمِ

يعفو عن الجاني ويولى الندى

ويحمل الغرم عن الغارمِ

ألقائم الصّائم أكرم به

من قائم مجتهد صائمِ

من معشر سنّوا الندى والقرى

وشُرِّفوا في الزَّمن القادمِ

وأحرزوا خصل العلى فاغتدوا

أشرف خلق الله في العالمِ

يروي المعالي عالمٌ منهمُ

مُصدَّق في النقل عن عالمِ

قد إستووا في شرف المرتقى

كما تساوت حلقة الخاتمِ

مَن ذا يجاريهم إذا ما اعتزوا

إلى عليٍّ وإلى فاطمِ؟

ومَن يناويهم إذا عُدّدوا

خير بني الطّهر أبي القاسمِ؟

صلّى عليه الله من مرسَلٍ

لما أتى من قبله خاتمِ

يا آل طه! أنا عبدٌ لكم

باقٍ على حبّكم اللازمِ

أرجو بكم نيل الأماني غداً

إذا استبانت حسرة النادمِ

معتصمٌ منكم بودٍّ إذا

ما ظلّ شانيكم بلا عاصمِ

وله قوله وهو خاتمة كتابه « كشف الغمَّة » ص ٣٥٠:

أيّها السّادة الأئمَّة أنتم

خيرة الله أوَّلاً وأخيرا

قد سموتم إلى العلى فافترعتم

بمزاياكمُ المحلِّ الخطيرا

أنزل الله فيكمُ هل أتى نصّاً

جليّاً في فضلكم مسطورا

من يجاريكمُ؟ وقد طهّر الله

تعالى أخلاقكم تطهيرا

لكمُ سؤددٌ يقررِّه القرآن

لمن أسمع التقريرا

إن جرى البرق في مداكم كبا من

دون غاياتكم كليلاً حسيرا

وإذا أزمة عرت واستمرَّت

فترى للعصاة فيها صريرا

بسطوا للنَّدى أكفّاً سباطاً

ووجوهاً تحكي الصباح المنيرا

وأفاضوا على البرايا عطايا

خلَّفت فيهم السحاب المطيرا

فتراهم عند الأعادي ليوثاً

وتراهم عند العفاة بحوراً

٤٥٥

يمنحون الوليّ جنَّة عدن

والعدوَّ الشقيِّ يَصلى سعيرا

يطعمون الطعام في العسر واليسر

يتيماً وبائساً وأسيرا

لا يُريدون بالعطاء جزاءً

محبطاً أجر برَّهم أو شكورا

فكفاهم يوماً عبوساً وأعطا

هم الله على البرِّ نضرة وسرورا

وجزاهم بصبرهم وهو أولى

من جزى الخير جنَّة وحريرا

وإذا ما ابتدوا لفصل خطابٍ

شرَّفوا منبراً وزانوا سريرا

بخلوا الغيث نائلاً وعطاءً

واستخفّوا يلملماً وثبيرا

يخلفون الشموس نوراً وإشراقاً

وفي اللّيل يخجلون البدورا

أنا عبدٌ لكم أدين بحبّي

لكم الله ذا الجلال الكبيرا

عالمٌ إنَّني أصبت وإنَّ الله

يؤلي لطفاً وطرفاً قريرا

مال قلبي إليكم في الصبى الغـ

ـضّ وأحببتكم وكنت صغيرا

وتولّيتكم وما كان في أهلي

وليٌّ مثلي فجئت شهيرا

أظهر الله نوركم فأضاء الـ

اُفق لما بدا وكنت بصيرا

فهداني إليكم الله لطفاً بي

وما زال لي وليّاً نصيرا

كم أياد أولى؟ وكم نعمة أسدى؟

فلي أن أكون عبداً شكورا

أمطرتني منه سحائب جود

عاد حالي بهنَّ غضّاً نضيرا

وحماني من حادثاتٍ عظامٍ

عُدت فيها مؤيِّداً منصورا

لو قطعت الزمان في شكر أدنى

ما حباني به لكنت جديرا

فله الحمد دائماً مستمرّاً

وله الشكر أوَّلاً وأخيرا

وقفنا على قصائد غديريَّة في المجاميع المخطوطة ومعاجم الأدب تعزى إلى اُناس نحسبهم من رجال القرن السّادس والسّابع، غير أنّا لم نعثر على تراجم ناظمي عقودها ولم نجد لهم ذكراً في التآليف والكتب فضربنا عنها صفحاً.

انتهى الجزء الخامس من كتاب الغدير

ويليه السادس انشاء الله

وما توفيقى الا بالله عليه توكلت واليه اُنيب

٤٥٦

تقاريظ منضّدة

لجمع من شعراء الغدير في القرن الحاضر تأتي تراجمهم

١

للعلّامة الجليل الشيخ محمّد السمَّاوي صاحب التآليف الممتعة:

إنَّ الأمينيَّ وافى

بروضةٍ وغديرِ

أدار كأس ولاءٍ

فديته من مُديرِ

في مُرتقى خمِّ لا في

خورنقٍ وسديرِ

وراح يصدح فيها

بنغمةٍ وهديرِ

بالنصِّ من روح وحي

من القديم القديرِ

وقول خير نبيّ

أو نظم حبر جديرِ

حتّى تولّى فأرِّخ

: ابهاج حقِّ الغديرِ ١٣٦٥

ولشيخنا السَّماوي مقالٌ حول الكتاب ننشره في مستقبل الأجزاء مشفوعاً بالشكر.

٢

للخطيب المفوَّه ألشيخ محمّد علي اليعقوبي النجفي صاحب « البابليات » :

لأحمد يوم خمّ في عليّ

نصوصٌ جأنَ بالذكر المبينِ

أتى الروح الأمين بها متوناً

فأوضح شرحها قلم الأميني

٣

للخطيب الشاعر الشيخ حسن السبتي النجفي صاحب « الكلم الطيِّب » :

أبدى الأمينيُّ لنا كتاباً

سفراً فما الانجيلُ والزبورُ؟

آيات فضل فيه محكمات

في حيدر عنوانها الغديرُ

أتى بهنَّ للنبيِّ نصُّ

جبريل في تبليغه بشيرُ

فضيلةُ من فضله براه

وفضله كعلمه غزيرُ

لنا أفاض منهلاً نميراً

عذباً رويّاً ما له نظيرُ

أودع في أوراقه علوماً

باهرةً منها يشعُّ نورُ

٤٥٧

٤

للشاعر المفلق ألحاج محمَّد الشيخ بندر - عفك -:

أعبد الحسين بلغت المنى

بتأليف هذا الغدير الأغرْ

جمعت فأوعيت مستقصياً

فضمّنته غاليات الدُّررْ

وأثبت بيعة يوم الغدير

لزوج البتول أبي المنتظرْ

بنصِّ النبيِّ بآي الكتاب

بأجلى بيانٍ وأهدى أثرْ

فجاء كشمس الضحى مشرقاً

وهل تنكر الشمس بين البشر؟

فما عذر جاحد نصِّ الغدير

وقد أيَّد النصَّ أهل السير؟

لئن خالفونا وهم يعلمون؟

فقد خالفوا الله فيما أمر

٦

لشاعر أهل البيت المكثر ألشيخ محمَّد رضا الخالصي الكاظمي:(١)

أيهّا المرتقى سنام الفخار!

أنت مولايَ آية الجبّارِ

أغديراً أريتنا؟ أم محيطاً

ليس فيه لسايرٍ من فرار؟

أم رياضاً تزهو بزهر نضير؟

أم سماءً تشعُّ فيها الدَّراري؟

أم جناناً أشجارها مثقلات

بثمار من أطيب الأثمارِ؟

أنت في الكون قد نشرت علوماً

كنَّ قبل ( الغدير ) تحت ستارِ

أنت مهَّدت للأنام سبيلاً

مهيعاً يستنير بالأنوارِ

أنت ألبستنا ملابس عزٍّ

ووقارٍ وسؤددٍ وافتخارِ

أنت أودعت في غديركُ درّاً

حسنه يزدري لئالي البحارِ

أنت أحرى بأن تنادي بصوت

تُسمع العالمين في الأمصارِ

[ تلك آثارنا تدلُّ علينا

فانظروا بعدنا إلى الآثارِ ]

دُم لك الخير بالغدير مهّناً

وسيجزيك حيدر الكّرارِ

وله من كتاب نفضَّل به علينا:

____________________

١ - توفي طاب ثراه يوم الجمعة ٢٩ شوال سنة ١٣٧٠ وحملت جنازته الى النجف الاشرف بوصية منه ودفن في وادى السلام جزاه الله عن اهل البيت خيرا.

٤٥٨

يوم الغدير لم يزل

إلى المعادِ عيدهُ

في كلِّ عام واجبٌ

على الورى تجديدهُ

قل للّذي يجحده

: قد ظهرت شهودهُ

أظهرنا مَن قد غدا

يهدي الورى وجودهُ

ذاك « الأمينيّ » الذي

ليس يُرى نديدهُ

عبد الحسين ذو الّتقى

من أشرقت سعودهُ

من منهل أرَّخته

: [ ساغ لنا ورودهُ ]

وله من كتاب آخر كتبه إلينا:

قل للأمينيّ حليف التقى

: بلّغك اللهُ أمانيكا

غديرك الطافح سلسالُه

برَّد أكباد محبّيكا

ما نظرت عيني إلى ما حوى

إلاّ وأكبرت أياديكا

لو أنصف السابر أغواره

لحار في وصف معاليكا

أوضحت للناس طريق الهدى

إذ فاضت الحكمة من فيكا

دمت مدى الايّام في غبطة

وأرغم اللهُ أعاديكا

ويقول فيها بعد عشرة أبيات:

ويا غديراً ساغ سلساله

أخجلت البحر لئاليكا

دمت مدى الَّدهر لنا مورداً

حيَّا إ~له الخلق منشيكا

تلقَّينا منه رحمه الله تعالى عدّة قصايد حول كتابنا تُعرب عن ولائه الخالص للعترة الطاهرة صلوات الله عليهم جزاه الله عن ولائه وعنّا خيراً.

٤٥٩

الفهرس

بقّية شعراء الغدير ٣

في القرن السّادس ٣

ألسيد محمد الاقساسي ٣

حديث ردّ الشمس ٢٣

-٢- ٢٥

صلاة ألف ركعة ٢٥

مشكلة الأوراد والختمات ٣٣

ألمحدَّث فى الاسلام ٤٢

علم أئمة الشيعة بالغيب ٥٢

نقل الجنائز الي المشاهد ٦٦

زيارة مشاهد العترة الطاهرة ٨٦

كلمات ١٠٩

أعلام المذاهب الأربعة ١٠٩

أدب الزائر عند الجمهور ١٣٠

ألحث على زيارة القبور ١٦٦

ألقبور المقصودة بالزيارة ١٨٤

نظرة التنقيب في الحديث ٢٠٨

سلسلة الكذّابين والوضّاعين ٢٠٩

قائمة الموضوعات والمقلوبات ٢٨٨

سلسلة الموضوعات ٢٩٧

سلسلة الموضوعات ٣٣٣

غثيثة التزوير ٣٥٧

قطب الدين الراوندى ٣٧٩

سبط ابن التعاويذي ٣٨٥

٤٦٠

461