الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٥

الغدير في الكتاب والسنة والأدب12%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 461

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 461 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 129358 / تحميل: 6909
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٥

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

٣٥ - ألحسين بن حميد التميمي « أحد رجالات الحديث » توفّي ٥٣١ ودُفن في داره بباب البريد ثمَّ نُقل إلى جبل قاسيون « كر ٤ ص ٢٨٤ »

م ٣٦ - أحمد بن جعفر أبو العبّاس الحربي المتوفَّى ٥٣٤، دُفن بالحربيَّة ثمَّ نُقل بعد ذلك إلى مقبرة باب الحرب. « ظم ١٠ ص ٨٦ » ].

٣٧ - ألشيخ أبو يعقوب يوسف الهمداني، توفّي ٥٣٥ ودُفن بيامن على طريق مرو مدَّة ثمَّ حُملت جثّته إلى مرو ودُفن بها « خل ٢ ص ٥٢٤، طش ١ ص ١١٧ »

م ٣٨ - أحمد بن محمَّد بن علي أبو جعفر العدل البغدادي المتوفَّى ٥٣٦، كان يسرد الصوم إلّا الأيّام المحرَّم صومها، دُفن في داره بخرابة الهراس ثمَّ نُقل بعد مدَّة إلى مقبرة باب الحرب، ظم ١٠ ص ٩٧ ].

م ٣٩ - عليّ بن طراد أبو القاسم الزينبي البغدادي المتوفَّى ٥٣٨ دُفن بداره الشاطئيَّة بباب الراتب ثمَّ نُقل إلى تربته بالحربيَّة ليلة الثلثاء سادس عشر رجب سنة أربع وأربعين(١) وجمع على نقله الوعّاظ فوعظوا في داره إلى وقت السحر، ثمَّ أخرج والقرّاء معه والعلماء و الشموع الزائدة في الحدِّ. ظم ١٠ ص ١٠٩، ١٦٦ ].

٤٠ - شيخ الأسلام محمَّد بن محمَّد الخلمي المفتي الحنفي، إنتهت إليه الرِّياسة في المذهب توفّي ٥٤٤، ودفن ببلخ ثمَّ نُقل إلى ناحية خلم فقبر بها « جم ٢ ص ١٣٠ »

٤١ - عليّ بن محمَّد أبو الحسن الدريني توفّي ٥٤٩ ودُفن في داره برحبة الجامع ثمَّ نُقل إلى باب أبرد قريباً من المدرسة الناجية سنة ٥٧٤ « خل ١ ص ٢٤٥ »

٤٢ - جمال الدين محمَّد بن عليِّ بن أبي منصور، توفّي ٥٥٩ ودُفن بالموصل ثمَّ حمل إلى مكّة وطيف به حول الكعبة وكان بعد أن صعدوا به ليلة الوقفة إلى جبل عرفات وكانوا يطوفون به كلّ يوم مراراً مدَّة مقامهم بمكّة ثمَّ حُمل إلى المدينة المنوَّرة ودُفن بها في رباط بناه في شرقي مسجد النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) بعد أن طيف به حول حجرة الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مراراً « مل ١١ ص ١٢٤، خل ٢ ص ١٨٨، يه ١٢ ص ٢٤٩ »

م ٤٣ - عمر بن بهليقا الطحَّان المتوفَّى ٥٦٠، دُفن على باب جامع عمَّره بعيداً من

____________________

م ١ - كذا فى المنتظم ١٠ ص ١٠٩. وقال فى صحيفة ١٦٦: ان حله كان في رجب سنة ٥٥١ »

٢ - فى تاريخ ابن خلكان: دفن بالبقيع.

٨١

حائطه ثمَّ نبش بعد أيّام واُخرج فدفن ملاصقاً لحائط الجامع ليشتهر ذكره بأنَّه بنى الجامع. ظم ١٠ ص ٢١٢ ].

٤٤ - محمَّد بن إبراهيم أبو عبد الله الكناني الشافعي المصري « الورع الزاهد » توفّي بمصر ٥٦٢، ودُفن بالقرب من قبَّة الإمام الشافعي بالقرافة الصغرى، ثمَّ نُقل إلى سفح المقطم بقرب الحوض المعروف باُمِّ مودود وقبره مشهورٌ هناك يزار وزرته مراراً « خل ٢ ص ١٢١ »

م ٤٥ - جعفر بن عبد الواحد أبو البركات الثقفي المتوفَّى ٥٦٣، كان أبوه قد أقام في القضاء أشهراً ثمَّ مات فدفن بدار بدرب بهروز فلمّا مات الولد اُخرجا فدفنا عند رباط الزوزني المقابل لجامع المنصور. ظم ١٠ ص ٢٢٤ ].

٤٦ - مهذَّب الدين سعد الله بن نصر بن الدجاجي الفقيه الحنبلي توفّي ٥٦٤ و دُفن بمقبرة الرباط ثمَّ نُقل بعد خمسة أيّام فدفن عند والديه بمقبرة الإمام أحمد « يه ١٢ ص ٢٥٩، هب ٤ ص ٢١٣ » م قال إبن الجوزي في المنتظم ١٠ ص ٢٢٨: دُفن إلى جانب رباط الزوزني في إرضاء الصوفيَّة لأنَّه أقام عندهم مدَّة حياته فبقي على هذا خمسة أيّام، وما زال الحنابلة يلومون ولده على هذا ويقولون: مثل هذا الرَّجل الحنبلي أيّ شئ يصنع عند الصوفيَّة؟ فنبشه بعد خمسة أيّام بالليل وقال: كان قد أوصى أن يدفن عند والديه ودفنه عندهما. قال الأميني: انظر لأيِّ غايات تنبش القبور عند القوم وتنقل الجنائز من مدفن إلى مدفن ].

٤٧ - ألخليفة المستنجد بالله، توفّي ٥٦٦ في ثامن ربيع الآخر ودفن بدار الخلافة ثمَّ نُقل إلى الترب من الرّصافة في عشيَّة الإثنين ثامن وعشرين من شعبان سنة وفاته « ظم ١٠ ص ٢٣٥، ٢٣٦، يه ١٢ ص ٢٦١ »

٤٨ - الأمير نجم الدين أيّوب الدويني، توفّي ٥٦٨ ودُفن عند أخيه بالقاهرة ثمَّ نقلا سنة ٥٧٩ / ٥٨٠ إلى المدينة المنوَّرة « يه ١٢ ص ٢٧٢، هب ٤ ص ٢١١، ٢٢٧ »

٤٩ - ألملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، توفّي ٥٦٩ ودُفن في بيته بقلعة دمشق ثمَّ نُقل إلى مدرسته « خل ٢ ص ٢٠٦، جم ٢ ص ١٥٨، هب ٤ ص ٢٣١ »

م ٥٠ - أحمد بن عليّ بن المعمّر أبو عبد الله الطاهر الحسيني المتوفَّى ٥٦٩ دفن بداره

٨٢

من الحريم الطاهري مدَّة ثمَّ نُقل إلى مشهد الصبيان بالمدائن. ظم ١٠ ص ٢٤٧ ].

٥١ - جلال الدين بن جمال الدين الأصبهاني، توفّي ٥٧٤ بمدينة دنيسر(١) و حُمل إلى الموصل ودفن بها ثمَّ نُقل إلى المدينة ودُفن في تربة والده « خل ٢ ص ١٨٨ »

م ٥٢ - ألخليفة الناصر لدين الله أبو العبّاس أحمد بن المستضيء بأمر الله المتوفَّى يوم الأحد آخر يوم من شهر رمضان سنة ٦٢٢، دفن في دار الخلافة ثمَّ نُقل إلى الترب من الرّصافة في ثاني ذي الحجَّة سنة ٦٢٢ وكان يوماً مشهوداً. يه ١٣ ص ١٠٦ ].

م ٥٣ - ألخليفة الظاهر بأمر الله العبّاسي المتوفَّى ٦٢٣، دُفن في دار الخلافة ثمَّ نُقل إلى الترب من الرّصافة وكان يوماً مشهوداً. يه ١٣ ص ١١٣، ١١٤.

٥٤ - شرف الدين عيسى الحنفي « المتصلّب في مذهبه » مؤلِّف « السهم المصيب » في الردِّ على الخطيب البغدادي، توفّي سنة ٦٢٤ بدمشق ودُفن بقلعتها ثمَّ نُقل إلى جبل الصالحيَّة ودُفن في مدرسته وكان نقله سنة ٦٢٧ « جم ١ ص ٤٠٢، مج ٤ ص ٥٨ »

٥٥ - أبو سعيد كوكبوري بن أبي الحسن مظفَّر الدين صاحب إربل، توفّي ٦٣٠ ونُقل إلى قلعة إربل ودفن بها ثمَّ حُمل بوصيَّة منه إلى مكّة شرَّفها الله تعالى وكان قد أعدَّ له بها قبَّة تحت الجبل يُدفن فيها، فلمّا توجَّه الرَّكب إلى الحجاز سنة ٦٣١ سيَّروه في الصحبة فاتَّفق أن رجع الحاجّ تلك السنة من لينة ولم يصلوا إلى مكّة فردّوه ودفنوه بالكوفة بالقرب من المشهد « خل ٢ ص ٩ »

٥٦ - أبو العبّاس أحمد بن عبد السيِّد الأربلي، توفّي ٦٣١ ودُفن بظاهر الرها بمقبرة باب حرّان ثمَّ نقله ولده إلى الديار المصريَّة فدفنه في تربته بالقرافة الصغرى سنة ٦٣٧ « خل ١ ص ٦٣ »

م ٥٧ - ألأشرف موسى بن العادل المتوفّى ٦٤٥، توفّي يوم الخميس رابع محرَّم بالقلعة المنصورة ودفن بها حتّى نجزت تربته التي بُنيت له شمالي الكلاسة، ثمَّ حوّل إليها في جمادى الأولى. يه ١٣ ص ١٤٦ ].

م ٥٨ - ألكامل محمَّد بن العادل المتوفَّى ٦٣٥، توفّي ٢٢ من رجب، ودفن بالقلعة حتّى كملت تربته التي بالحائط الشمالي من الجامع ذات الشبّاك الذي هناك قريباً من

____________________

١ - مدينة بالجزيرة الفراتية.

٨٣

مقصورة إبن سنان ونُقل إليها ليلة الجمعة الحادي والعشرين من رمضان من سنة وفاته. يه ١٣ ص ١٤٩ ].

م ٥٩ - ألخليفة المستنصر بالله العبّاسي المتوفّى ٦٤٠، دُفن بدار الخلافة ثمَّ نُقل إلى الترب من الرَّصافة. يه ١٣ ص ١٥٩ ].

٦٠ - ألأمير عزّ الدين، توفّي ٦٤٥ في مصر ودفن بباب النصر ثمَّ نُقل إلى تربته التي فوق الورّاقة « يه ١٣ ص ١٧٤ »

م ٦١ - ألملك الصّالح نجم الدين أيّوب المتوفَّى ٦٤٧ توفّي ليلة النصف من شعبان ودفن بالمنصور ونُقل إلى تربته بمدرسته سنة ٦٤٩ يه ١٣ ص ١٨١ ].

٦٢ - ألشيخ الحسن بن محمَّد بن الحسن العدوي العمري الإمام الحنفي من ولد عمر بن الخطاب، توفّي ٦٥٠ ببغداد ودُفن بداره في الحريم الطاهري ثمَّ نُقل إلى مكّة ودُفن بها وكان أوصى بذلك وجعل لمن يحمله ويدفنه بمكة خمسين ديناراً « جم ١ ص ٢٠٢ »

٦٣ - ألشيخ أبو بكر بن قوام البالسي، توفّي ٦٥٨ ببلاد حلب ودُفن بها ثمَّ نُقل تابوته ودُفن بجبل قاسيون في أوَّل سنة ٦٧٠ « هب ٥ ص ٦٩٥ »

٦٤ - ألملك السعيد بن الملك الطاهر أبو المعالي المتوفّى ٦٧٨ دُفن أوَّلاً عند قبر جعفر ثمّ نُقل إلى دمشق فدفن في تربة أبيه سنة ٦٨٠ « يه ١٣ ص ٢٩٠ »

م ٦٥ - سعد الدين التفتازاني المتوفِّى ٧٩١ / ٢ توفِّي يوم الإثنين الثاني والعشرين من المحرّم بسمرقند، ثمَّ نُقل إلى سرخس ودفن بها يوم الأربعاء التاسع من جمادى الأولى سنة ٧٩٢ « مفتاح السَّعادة ج ١ ص ١٧٧ »

م ٦٦ - ألشيخ زين الدين الخافي المتوفّى ٧٣٨، دُفن بقرية مالين من أعمال خراسان ثمَّ نُقل بأمر منه إلى درويش آباد ودفن هناك ومقامه معمورٌ. روضة الناظرين ص ١٣٥ »

٦٧ - ألشيخ محمّد بن سليمان الجزولي المالكي توفّي ٨٧٠ ونقل تابوته بعد سبع وسبعين سنة ولم يتغيّر منه شيءٌ « نيل الإبتهاج ص ٣١٧ »

م ٦٨ - عبد الرَّحمن بن أحمد الجامي المتوفّى ٨٩٨، توفي بهراة ودُفن بها ولما توجّهت الطائفة الأردبيليّة إلى خراسان، أخذه إبنه من قبره ودفنه في ولاية اُخرى،

٨٤

فأتت الطائفة إلى قبره وفتَّشوه فلم يجدوا جسده فأحرقوا ما فيه من الأخشاب « هب ٧ ص ٣٦١ »

م ٦٩ - ألشيخ حسين بن أحمد الخوارزمي العابد المتوفّى ٩٥٨، توفّي بحلب في عشر شعبان ودُفن بها في تابوت ثمَّ نُقل بعد أربعة أشهر إلى دمشق ولم يتغيّر أصلاً ودفن بها « هب ٨ ص ٣٢١ »

٧٠ - يأتي في بيان البناء على قبر أبي حنيفة إمام الحنفيَّة عن إبن الجوزي: أنَّهم كانوا يطلبون الأرض الصلبة لأساس القبَّة فلم يبلغوا إليها إلّا بعد حفر سبعة عشر ذراعاً في ستَّة عشر ذراعاً فخرج من هذا الحفر عظام الأموات الذين كانوا يطلبون جوار النعمان أربعمائة صَنّ(١) ونُقلت جميعها إلى بقعة كانت ملكاً لقوم فحفر لها ودُفنت.

مِنهُمْ مَنْ قَصَصنا عَليكَ وَمِنهمْ مَنْ لَمْ نَقصصْ عَليكَ

____________________

١ - ألصَنّ: شبه السلّة ج صِنان

٨٥

٦

زيارة مشاهد العترة الطاهرة

ألدُّعاء عندها. ألصِّلاة فيها. ألتوسّل والتبرُّك بها

قد جرت السيرة المطَّردة من صدر الإسلام منذ عصر الصحابة الأوَّلين والتابعين لهم باحسان على زيارة قبور ضمنت في كنفها نبيّاً مرسلاً، أو إماماً طاهراً، أو وليّاً صالحاً أو عظيماً من عظماء الدين، وفي مقدَّمها قبر النبيِّ الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكانت الصّلاة لديها، والدُّعاء عندها، والتبرُّك والتوسّل بها، والتقرُّب إلى الله، وابتغاء الزلفة لديه بإتيان تلك المشاهد من المتسالم عليه بين فرق المسلمين، من دون أيِّ نكير من آحادهم، وأيّ غميزةٍ من أحد منهم على اختلاف مذاهبهم، حتِّى ولد الدهر إبن تيميَّة الحرّاني فجاء كالمغمور مستهتراً يهذي ولا يبالي، فترِه وأنكر تلكم السنّة الجارية سنّة الله التي لا تبديل لها، ولن تجد لسنّة الله تحويلاً، وخالف هاتيك السيرة المتَّبعة وشذَّ عن تلكم الآداب الإسلاميَّة الحميدة، وشدّد النكير عليها بلسانٍ بذيّ، وبيانٍ تافه، ووجوهٍ خارجة عن نطاق العقل السليم، بعيداً عن أدب العلم. أدب الكتابة. أدب العفَّة، وأفتى بحرمة شدِّ الرِّحال لزيارة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعدَّ السفر لأجل ذلك سفر معصية لا تقصر فيه الصّلاة، فخالفه أعلام عصره ورجالات قومه فقابلوه بالطعن والردّ الشديد، فأفرد هذا بالوقيعة عليه تأليفاً حافلاً(١) وجاء ذلك يزيِّف آراءه ومعتقداته في طيِّ تآليفه القيِّمة(٢) .

وهناك ثالثٌ يترجمه بعُجره وبُجره، ويعرِّفه للملأ ببدعه وضلالاته.

____________________

١ - كشفاء السقام في زيارة خير الأنام لتقي الدين السبكى، والدرة المضية فى الرد على ابن تيمية للسبكى أيضاً، والمقالة المرضية لقاضى قضاة المالكية تقي الدين أبي عبد الله الاخنائى، ونجم المهتدى ورجم المقتدى للفخر ابن المعلم القرشى، ودفع الشبه لتقي الدين الحصنى، والتحفة المختارة فى الرد على منكر الزيارة لتاج الدين الفاكهانى المتوفى ٨٣٤، وتأليف أبي عبد الله محمد بن عبد المجيد الفاسى المتوفى ١٢٢٩.

٢ - كالصواعق الالهية فى الرد على الوهابية للشيخ سليمان بن عبد الوهاب فى الرد على أخيه محمد بن عبد الوهاب النجدي، والفتاوى الحديثية لابن حجر، والمواهب اللدنية للقسطلانى وشرح المواهب للزرقاني، وكتب أخرى كثيرة.

٨٦

وقد أصدر الشاميّون فتيا وكتب عليها البرهان إبن الفركاخ الفزاري نحو أربعين سطراً بأشياء إلى أن قال بتكفيره، ووافقه على ذلك الشهاب بن جهبل، وكتب تحت خطّه كذلك المالكي، ثمَّ عرضت الفتيا لقاضي القضاة الشافعيّة بمصر البدر بن جماعة فكتب على ظاهر الفتوى: ألحمد لِلَّه هذا المنقول باطنها جوابٌ عن السؤال عن قوله: إنَّ زيارة الأنبياء والصّالحين بدعةٌ.

وما ذكره من نحو ذلك ومن أنّه لا يرخَّص بالسفر لزيارة الأنبياء باطلٌ مردودٌ عليه، وقد نقل جماعةٌ من العلماء انَّ زيارة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضيلةٌ وسنّةٌ مجمعٌ عليها، وهذا المفتي المذكور - يعني إبن تيميَّة - ينبغي أن يُزجر عن مثل هذه الفتاوى الباطلة عند الأئمّة والعلماء، ويُمنع من الفتاوى الغريبة، ويُحبس إذا لم يمتنع من ذلك، ويُشهر أمره ليحتفظ الناس من الإقتداء به.

وكتبه محمّد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي.

وكذلك يقول محمَّد بن الجريري الأنصاري الحنفي، لكنْ يُحبس الآن جزماً مطلقاً.

وكذلك يقول محمَّد بن أبي بكر المالكي ويبالغ في زجره حسبما تندفع تلك المفسدة وغيرها من المفاسد.

وكذلك يقول أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي.

راجع دفع الشبه ص ٤٥ - ٤٧ وهؤلاء الأربعة هم قضاة قضاة المذاهب الأربعة بمصر أيّام تلك الفتنة في سنة ٧٢٦(١) .

وكان من معاصريه من ينهاه عن غيِّه كالذهبي فإنَّه كتب إليه ينصحه، وإليك نصَّ خطابه إيّاه: ألحمد لِلَّه على ذلَّتي، يا ربّ ارحمني وأقلني عثرتي، واحفظ عليَّ إيماني، واحُزناه على قلّة حزني، وواأسفاه على السنّة وأهلها، واشوقاه إلى إخوان مؤمنين يعاونونني على البكاء، واحزناه على فقد اُناس كانوا مصابيح العلم وأهل التقوى وكنوز الخيرات، آه على وجود درهم حلال وأخ مؤنس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وتبّاً لمن شغله عيوب الناس عن عيبه، إلى كم ترى القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينيك؟ إلى كم تمدح

____________________

١ - راجع تكملة السيف الصقيل للشيخ محمد زاهد الكوثرى ص ١٥٥.

٨٧

نفسك وشقاشقك وعباراتك وتذمّ العلماء وتتَّبع عورات الناس؟ مع علمك بنهي الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تذكروا موتاكم إلّا بخير فإنَّهم قد أفضوا إلى ما قدموا » بل أعرف انَّك تقول لي لتنصر نفسك: إنَّما الوقيعة في هؤلاء الذين ما شمّوا رائحة الاسلام، ولا عرفوا ما جاء به محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو جهاد، بل والله عرفوا خيراً كثيراً ممّا إذا عُمل به فقد فاز، وجهلوا شيئاً كثيراً ممّا لا يعنيهم، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، يا رجل! بالله عليك كفَّ عنّا، فإنَّك محجاج عليم اللسان لا تقرُّ ولا تنام، إيّاكم والغلوطات في الدين، كره نبيّكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسائل وعابها ونهى عن كثرة السؤال وقال: « إنَّ أخوف ما أخاف على اُمّتي كلّ منافق عليم اللسان » وكثرة الكلام بغير زلل تقسي القلب إذا كان في الحلال والحرام، فكيف إذا كان في عبارات اليونسيَّة والفلاسفة وتلك الكفريّات التي تعمي القلوب، والله قد صرنا ضحكةً في الوجود، فإلى كم تنبش دقائق الكفريّات الفلسفيّة؟ لنردَّ عليها بعقولنا، يا رجل! قد بلعت « سموم » الفلاسفة وتصنيفاتهم مرّات، وكثرة إستعمال السموم يدمن عليه الجسم وتكمن والله في البدن، واشوقاه إلى مجلس يُذكر فيه الأبرار فعند ذكر الصّالحين تنزل الرَّحمة، بل عند ذكر الصّالحين يذكرون بالازدراء واللعنة، كان سيف الحجّاج ولسان إبن حزم شقيقين فواخيتهما، بالله خلّونا من ذكر بدعة الخميس وأكل الحبوب، وجدّوا في ذكر بدعٍ كنّا نعدّها من أساس الضّلال، قد صارت هي محض السنَّة وأساس التوحيد، ومن لم يعرفها فهو كافرٌ أو حمارٌ، ومن لم يكفر فهو أكفر من فرعون وتعدّ النَّصارى مثلنا، والله في القلوب شكوكٌ، إن سلم لك إيمانك بالشهادتين فأنت سعيدٌ، يا خيبة من اتّبعك فإنَّه معرضٌ للزندقة والإنحلال، لا سيّما إذا كان قليل العلم والدين باطوليّاً شهوانيّاً، لكنّه ينفعك ويجاهد عندك بيده ولسانه وفي الباطن عدوُّ لك بحاله وقلبه، فهل معظم أتباعك إلّا قعيدٌ مربوطٌ خفيف العقل؟ أو عاميُّ كذّابُ بليد الذِّهن؟ أو غريبٌ واجمٌ قويُّ المكر؟ أو ناشفٌ صالحٌ عديم الفهم، فإن لم تصدِّقني ففتِّشهم وزنهم بالعدل، يا مسلم! أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك، إلى كم تصادقها وتعادي الأخيار؟! إلى كم تصادقها وتزدري الأبرار؟! إلى كم تعظِّمها وتصغِّر العباد؟! إلى متى تخاللها وتمقت الزهّاد؟! إلى متى تمدح كلامك بكيفيَّة لا تمدح - والله - بها أحاديث الصحيحين يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك. بل في كلِّ وقت تغير عليها بالتضعيف والأهدار، أو بالتأويل

٨٨

والأنكار، أما آن لك أن ترعوي؟! أما حان لك أن تتوب وتنيب؟! أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل؟! بلى - والله - ما أدَّكر انَّك تذكر الموت بل تزدري بمن يذكر الموت، فما أظنّك تقبل على قولي ولا تصغي إلى وعظي، بل لك همَّةٌ كبيرةٌ في نقض هذه الورقة بمجلّدات، وتقطع لي أذناب الكلام، ولا تزال تنتصر حتّى أقول: ألبتَّة سكت.

فإذا كان هذا حالك عندي وأنا الشفوق المحبّ الوادّ فكيف حالك عند أعدائك؟! وأعداؤك - والله - فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء، كما انَّ أولياءك فيهم فجرةٌ وكذبةٌ وجهلةٌ وبطلةٌ وعورٌ وبقر، قد رضيت منك بأن تسبَّني علانية وتنتفع بمقالتي سرّاً [ فرحم الله امرءاً اهدى إلى عيوبي ] فإنّي كثير العيوب غزير الذنوب، ألويل لي إن أنا لا أتوب، ووافضيحتي من علّام الغيوب، ودوائي عفو الله ومسامحته وتوفيقه وهدايته، والحمد لِلَّه ربِّ العالمين، وصلّى الله على سيِّدنا محمَّد خاتم النبيِّين وعلى آله وصحبه أجمعين(١) .

فمن هنا وهناك بادوا عليه ما أبدعته يده الأثيمة من المخاريق التافهة والآراء المحدثة الشاذَّة عن الكتاب والسنَّة والإجماع والقياس ونودي عليه بدمشق: من إعتقد عقيدة إبن تيميَّة حلَّ دمه وماله(٢) . فذهبت تلكم البدع السخيفة إدراج الرِّياح، كذلك يضرب الله الحقّ والباطل، فأمّا الزَّبد فيذهب جفاء، وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

ثمَّ قيَّض المولى سبحانه في كلِّ قرن وفي كلِّ قطر رجالاً نصروا الحقيقة، وأحيوا كلمة الحقِّ، وأماتوا بذرة الضَّلال، وقابلوا تلكم الأضاليل المحدثة بحجج قويَّة، وبراهين ساطعة، فجاءت الاُمة الإسلاميَّة تتبع الطريق المهيع.

وتسلك جَدد السبيل، تباعاً وراء الكتاب والسنَّة، تعظِّم شعائر الله ومن يعظِّم شعائر الله فإنَّها من تقوى القلوب، إلى أن ألقى الشرّ جرانه، وجاد الدهر بولائد الجهل، وربَّتهم أيدي الهوى، وأرضعتهم امَّهات الضَّلال، وشاخلتهم رجالات الفساد، وتمثَّلوا في الملأ بشراً سويّاً، وسجيَّتهم الضَّلال، فجاسوا خلال الديار وضلّوا وأضلّوا واتَّبعوا سبيل الغيِّ وصدّوا عن سبيل الله،

____________________

١ - تكملة السيف الصقيل للكوثرى ص ١٩٠ كتبه من خط قاضي القضاة برهان الدين ابن جماعة، وكتبه هو من خط الشيخ الحافظ ابي سعيد ابن العلائى، وقد كتبه من خط الذهبى. وذكر شطراً منه العزامى فى الفرقان ص ١٢٩.

٢ - الدرر الكامنة لابن حجر العسقلانى ج ١ ص ١٤٧.

٨٩

ومن أولئك الجماهير « القصيمي » صاحب [ الصِّراع ] حذا حذو إبن تيميَّة واتَّخذ وتيرته واتَّبع هواه فجاء في القرن العشرين كشيخه يموِّه، ويدجِّل، ويتسدَّج، ويتحرَّش بالسباب المقذع، ويقذف مخالفيه بالكفر والردَّة، ويرميهم بكلِّ معرَّة ومسبَّة، ويُري المجتمع انَّ هاتيك الأعمال من الزِّيارة والدعاء عند القبور المشرَّفة والصَّلاة لديها والتبرُّك والتوسّل والإستشفاع بها كلّها من آفات الشيعة، وهم بذلك ملعونون خارجون عن ربقة الإسلام، وبسط القول في هذه كلّها بألسنة حداد مقذعاً مستهتراً خارجاً عن أدب المناظرة والجدال، قال في « الصِّراع » ج ١ ص ٥٤:

وبهذا الغلوّ الذي رأيت من طائفة الشيعة في أئمَّتهم، وبهذا التأليه الذي سمعت منهم لعليّ وولده، عبدوا القبور وأصحاب القبور، وأشادوا المشاهد، وأتوها من كلِّ مكانٍ سحيق وفجٍّ عميق، وقدّموا لها النذور والهدايا والقرابين، وأراقوا فوقها الدماء والدموع، ورفعوا لها خالص الخضوع والخشوع، وأخلصوا لها ذلك وخصّوها به دون الله ربِّ الموحِّدين.

وقال في ج ١ ص ١٧٨: ألأشياء المشروعة كالصَّلاة والسَّلام على الرَّسول الكريم لا فرق فيها بين القرب والنأي، فإنَّها حاصلةٌ في الحالتين، وأمّا مشاهدة القبر الشريف نفسه، ومشاهدة الأحجار نفسها، فلا فضل فيها ولا ثواب بلا خلاف بين علماء الإسلام، بل إنَّ مشاهدته عليه الصَّلاة والسَّلام حينما كان حيّاً لا فضل لها بذاتها، وإنَّما الفضل في الإيمان به والتعلّم منه والإقتداء به والنهج منهجه ومناصرته، وبالإجمال انَّ أحداً من الناس لن يستطيع أن يثبت لزيارة القبر الشريف فضلاً ما، وهذا واضحٌ من سيرة المسلمين الأوَّلين. إلى آخر خرافاته ومخاريقه.ا ه.

لعلَّ القارئ يزعم من شدَّة الرَّجل هذه وحدَّته في النكير، والجلبة واللغط في القول - التي هي شنشنةٌ يُعرف بها ابن تيميَّة شيخ البدع والضلال والمرجع الوحيد في هذه الخزايات والخزعبلات - انَّ لكلامه مقيلاً من الحقيقة ورمزاً من الصِّدق، ذاهلاً عن أنَّ أعلام المذاهب الأسلاميَّة في القرون الخالية، منذ القرن الثامن من يوم إبن تيميَّة، وبعده يوم محمَّد بن عبد الوهاب الذي أعاد لتلكم الدوارس جدَّتها وحتّى العصر الحاضر، أنكروا على هذه السفسطات والسفاسف وحكموا من ذهب إلى هذه الآراء

٩٠

المضلّة والمعتقدات الشاذَّة عن سيرة المسلمين، وشنّوا عليه الغارة وبالغوا في الردِّ عليه.

والقارئ جِدُّ عليم بأنَّ هذه اللهجة القارصة ليست من شأن من أسلم وجهه لِلَّه وهو محسن، وآمن بالنبيِّ الطاهر، واعتنق بما جاء به من كتاب وسنَّة، ولا تُسوِّغها مكارم الأخلاق ومبادئ الإنسانيَّة، ولا يُحبِّذها أدب الأسلام المقدَّس، أيجوز لمسلم أن يُسويّ بين مشاهدة الأحجار وبين رؤية النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حال حياته؟ أيسوغ له أن لا يرى لزيارته حيّاً وميِّتاً قيمةً ولا كرامةً؟ ولا يعتبر لها فضلاً ما، وينعق بذلك في الملأ الديني؟ أليست من السيرة المطَّردة بين البشر أنَّ كلَّ ملّة من الملل تستعظم زيارة كبرائها وزعمائها، وتراها فضلاً وشرفاً وتعدُّها للزائر مفخرةً ومحمدةً، وتكثر إليها رغبات أفرادها لما يرون فيها من الكرامة؟ وقد جرت على هذه سيرة العقلاء من الملل والنحل، وعليه تصافقت الأجيال في أدوار الدنيا، وكان يقدِّر الناس سلفاً وخلفاً أعلام الدين بالزِّيارة والتبرُّك بهم، قال أبو حاتم: كان أبو مسهر عبد الأعلى الدمشقي الغسّاني المتوفّى ٢١٨: إذا خرج إلى المسجد اصطفَّ الناس يُسلّمون عليه ويُقبِّلون يده(١) .

وقال أبو سعد: كان أبو القاسم سعد بن علي شيخ الحرم الزنجاني المتوفّى ٤٧١، إذا خرج إلى الحرم يخلو المطاف ويقبِّلون يده أكثر مما يقبِّلون الحجر الأسود(٢) وقال ابن كثير في تاريخه ١٢ ص ١٢٠: كان الناس يتبركون به ويقبِّلون يده أكثر مما يقبلون الحجر الأسود.

وكان أبو إسحاق إبراهيم بن عليّ الشيرازي المتوفّى ٤٧٦ كلّما مرَّ على بلدة خرج أهلها يتلقّونه بأولادهم ونساءهم يتبرَّكون به، ويتمسَّحون بركابه، وربما أخَذوا من تراب حافر بغلته، ولما وصل إلى ساوة خرج إليه أهلها وما مرَّ بسوق منها إلّا نثروا عليه من لطيف ما عندهم(٣) .

وكان الشريف أبو جعفر الحنبلي المتوفّى؟ ٤٧ يدخل عليه فقهاء وغيرهم و

____________________

١ - تاريخ الخطيب البغدادى ١١ ص ٧٣.

٢ - تذكرة الحفاظ للذهبى ٣ ص ٣٤٦، صفة الصفوة لابن الجوزى ٢ ص ١٥١.

٣ - البداية والنهاية لابن كثير ١٢ ص ١٢٣، شذرات الذهب ٣ ص ٣٥٠.

٩١

يقبِّلون يده ورأسه(١) .

م وكان الحافظ أبو محمَّد عبد الغني المقدسي الحنبلي المتوفّى ٦٠٠ إذا خرج في مصر يوم الجمعة إلى الجامع لا يقدر يمشي من كثرة الخلق يتبرَّكون به ويجتمعون حوله. هب ٤ ص ٣٤٦.

وكان أبو بكر عبد الكريم بن عبد الله الحنبلي المتوفّى ٦٣٥ منقطعاً عن النّاس في قريته يقصده الناس لزيارته والتبرُّك به. هب ٥ ص ١٧١.

وقال الحافظ أبو عبد الله محمّد بن أبي الحسين اليونيني الحنبلي المتوفّى ٦٥٨ من الحرمة والتقدُّم ما لم ينله أحدٌ، وكانت الملوك تقبِّل يده وتقدِّم مداسه. هب ٥ ص ٢٩٤.

وكان الجزري محمَّد بن محمَّد المتوفّى ٨٣٢، توفّي بشيراز وكانت جنازته مشهودة تبادر الأشراف والخواصّ والعوام إلى حملها وتقبيلها ومسّها تبرُّكاً بها ومن لم يمكنه الوصول إلى ذلك كان يتبرَّك بمن تبرَّك بها.

مفتاح السَّعادة ١ ص ٣٩٤، وكان لأهل دمشق في الشيخ مسعود بن عبد الله المغربي المتوفّى ٩٨٥ كبير إعتقاد يتبرَّكون به ويقبِّلون يديه، قال النجم الغزِّي: ولقد دعا لي ومسح على رأسي، وأنا أجد بركة دعائه الآن. هب ٨ ص ٤٠٩ ].

فما ظنّك بزيارة سيِّد ولد آدم ومن نيطت به سعادة البشر ورقيّه وتقدُّمه؟ وهذه ملائكة السَّماوات تزور ذلك القبر الشريف كلَّ يوم، فما من يوم يطلع إلّا نزل سبعون ألفاً من الملائكة حتّى يحفوا بقبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويصلّون عليه حتّى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك حتّى إذا انشقَّت عنه الأرض(٢) .

وشتّان بين هذا الرأي [ القصيمي ] الفاسد وبين قول الشيخ تقيِّ الدين السبكي في « الشفاء » ص ٩٦: إنَّ من المعلوم من الدين وسير السَّلف الصالحين التبرّك ببعض

____________________

١ - البداية والنهاية ١٢ ص ١١٩.

٢ - اخرجه الدارمى فى سننه ١ ص ٤٤، وذكره القسطلانى فى « المواهب اللدنية » ، وابن حجر في « الجوهر المنظم » عن الدارمى. وابن المبارك. واسماعيل القاضي. والبيهقي، وذكر الزرقاني في « شرح المواهب » ٥ ص ٣٤٠ ما اسقط منه القسطلانى، وذكره الحمزاوى فى « كنز المطالب » ٢٢٣.

٩٢

الموتى من الصّالحين فكيف بالأنبياء والمرسلين، ومن ادَّعى انَّ قبور الأنبياء وغيرهم من أموات المسلمين سواء فقد أتى أمراً عظيماً نقطع ببطلانه وخطائه فيه، وفيه حطٌّ لدرجة النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى درجة من سواه من المسلمين وذلك كفرٌ متيقَّنٌ، فإنَّ من حطَّ رتبة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّا يجب له فقد كفر؟.

والخطب الفظيع وقل الفاحشة المبيَّنة انَّ الرجل يحذو حذو إبن تيميَّة، و يرى ما يهذو به من البدع والضَّلالات من سيرة المسلمين الأوَّلين، كأنَّ القرون الإسلاميَّة تدهورت وتقلّبت على سيرتها الأولى، وشذَّت الاُمّة عنها، فلم يبق عاملاً بتلك السيرة إلّا الرَّجل [ القصيمي ] وشيخه في ضلاله [ إبن تيميَّة ].

وانظر إلى الرَّجل كيف يرى زيارة القبور وإتيانها والدعاء عندها من الرَّدة والكفر عند جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم ناشئةً عن الغلوِّ في التشيّع والتأليه لعليٍّ وولده؟! وقد مرَّ عنه في صفحة ٤٥: انَّ الشيعة يرون عليّاً وولده أنبياء يوحى إليهم.

إنْ كلّها إلّا شنشنة الرعونة وصبغة الإحن والشحناء في كلِّ أمويّ لفَّ عجاجته على الشيعة وعلى أئمتَّها، فها نحن نقدَّم بين يدي القارئ سيرة المسلمين في زيارة النبيِّ الأقدس وغيره منذ عصر الصحابة الأوَّلين والتابعين لهم بإحسان حتّى اليوم، ليهلك من هلك عن بيِّنة، ويحيى من حيَّ عن بيِّنة.

ألحثّ على زيارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أخرج أئمَّة المذاهب الأربعة وحفّاظها في الصِّحاح والمسانيد أحاديث جمَّة في زيارة قبر النبيِّ الأعظم صلوات الله عليه وآله ونحن نذكر شطراً منها:

( ١ )

عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: من زار قبري وجبت له شفاعتي.

أخرجه اُمَّةٌ من الحفّاظ وأئمَّة الحديث منهم:

١ - عُبيد بن محمّد أبو محمَّد الورَّاق النيسابوري المتوفّى ٢٥٥.

٢ - إبن أبي الدنيا أبو بكر عبد الله بن محمَّد القرشي المتوفّى ٢٨١.

٣ - ألدولابي أبو بشر محمَّد الرازي المتوفّى ٣١٠ في « الكنى والأسماء » ٢: ٦٤.

٩٣

٤ - محمَّد بن إسحاق أبو بكر النيسابوري المتوفّى ٣١١ الشهير بابن خزيمة، أخرجه في صحيحه.

٥ - ألحافظ محمَّد بن عمرو أبو جعفر العقيلي المتوفّى ٣٢٢ في كتابه.

٦ - ألقاضي المحاملي أبو عبد الله الحسين البغدادي المتوفّى ٣٣٠.

٧ - ألحافظ أبو أحمد بن عدي المتوفّى ٣٦٥ في « الكامل »

٨ - ألحافظ أبو الشيخ أبو محمَّد عبد الله بن محمَّد الأنصاري المتوفّى ٣٦٩.

٩ - ألحافظ أبو الحسن عليّ بن عمر الدارقطني المتوفّى ٣٨٥ في سننه.

١٠ - أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي المتوفّى ٤٥٠ في « الأحكام السلطانيَّة » ص ١٠٥.

١١ - ألحافظ أبو بكر البيهقي المتوفّى ٤٥٨ في « السنن » وغيره.

١٢ - ألقاضي أبو الحسن عليّ بن الحسن الخلعي الشافعي المتوفّى ٤٩٢ في فوائده.

١٣ - ألحافظ إسماعيل بن محمَّد بن الفضل القرشي الأصبهاني المتوفّى ٥٣٥.

١٤ - ألقاضي عياض المالكي المتوفّى ٥٤٤ في « الشفاء »

١٥ - ألحافظ أبو القاسم عليّ بن عساكر المتوفّى ٥٧١، في تاريخه في [ باب من زار قبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] وهذا الباب أسقطه المهذِّب من الكتاب في طبعه، والله يعلم سرّ تحريفه هذا وما أضمرته سريرته.

١٦ - ألحافظ أبو طاهر أحمد بن السلفي المتوفّى ٥٧٦.

١٧ - أبو محمَّد عبد الحقّ بن عبد الرَّحمن الاندلسي المتوفّى ٥٨١ في الأحكام الوسطى والصغرى(١) .

١٨ - ألحافظ إبن الجوزي المتوفّى ٥٩٧ في [ مثير الغرام الساكن ].

١٩ - ألحافظ عليّ بن المفضَّل المقدسي الإسكندراني المالكي المتوفّى ٦١١.

٢٠ - ألحافظ أبو الحجّاج يوسف بن خليل الدمشقي المتوفّى ٦٤٨.

____________________

١ - قال فى خطبة الاحكام الصغرى: انه تخيرها صحيح الاسناد معروفة عند النقاد، قد نقلها الاثبات وتداولها الثقات. وقال فى خطبة الوسطى: ان سكوته عن الحديث دليل على صحته... الخ.

راجع « شفاء السقام » ص ٩.

٩٤

٢١ - ألحافظ أبو محمَّد عبد العظيم المنذري المتوفّى ٦٥٦.

٢٢ - ألحافظ أبو الحسين يحيى بن علي القرشي الأموي المالكي المتوفّى ٦٦٢ في كتابه « الدلائل المبينة في فضائل المدينة »

٢٣ - ألحافظ أبو محمَّد عبد المؤمن الدمياطي المتوفّى ٧٠٥.

٢٤ - ألحافظ أبو الحسين هبة الله بن الحسن.

٢٥ - أبو الحسين يحيى بن الحسن الحسيني في كتاب « أخبار المدينة »

٢٦ - أبو عبد الله محمَّد بن محمَّد العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاجّ المتوفّى ٧٣٧، في « المدخل » ١ ص ٢٦١.

٢٧ - تقيُّ الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي المتوفّى ٧٥٦، بسط القول في ذكر طرقه في « شفاء السقام » ص ٣ - ١١ وقال في ص ٨: والرُّواة جميعهم إلى موسى بن هلال ثقاتٌ لا ريبة فيهم، وموسى بن هلال قال إبن عدي: أرجو أنَّه لا بأس به، و هو من مشايخ أحمد وأحمد لم يكن يروي إلّا عن ثقة، وقد صرَّح الخصم بذلك في الردِّ على البكري. ثمَّ ذكر شواهد لقوَّة سنده فقال: وبذلك تبيَّن انَّ أقل درجات هذا الحديث أن يكون حسناً إن نوزع في دعوى صحَّته. إلى أن قال: وبهذا بل بأقلَّ منه يتبيَّن افتراء من ادَّعى: أن جميع الأحاديث الواردة في الزِّيارة موضوعةٌ. فسبحان الله أما استحى من الله ومن رسوله في هذه المقالة التي لم يسبقه إليها عالمٌ ولا جاهلٌ لا من أهل الحديث ولا من غيرهم؟! ولا ذكر أحدٌ موسى بن هلال ولا غيره من رواة حديثه هذا بالوضع ولا اتَّهمه به فيما علمنا، فكيف يستجيز مسلمٌ أن يطلق على كلِّ الأحاديث التي هو واحدٌ منها انَّها موضوعةٌ؟! ولم ينقل إليه ذلك عن عالم نقله، ولا ظهر على هذا الحديث شئُ من الأسباب المقتضية للمحدِّثين للحكم بالوضع، ولا حكم متنه ممّا يخالف الشريعة، فمن أيِّ وجهٍ يحكم بالوضع عليه لو كان ضعيفاً؟ فكيف وهو حسنٌ وصحيحٌ.

٢٨ - ألشيخ شعيب عبد الله بن سعد المصري ثمَّ المكي الشهير بالحريفيش المتوفّى ٨٠١، في « الروض الفائق » ٢ ص ١٣٧.

٢٩ - ألسيِّد نور الدين عليُّ بن عبد الله الشافعي القاهري السمهودي(١) المتوفّى

____________________

١ - السمهود قرية كبيرة غربى نيل مصر.

٩٥

٩١١، في « وفاء الوفاء » ٢ ص ٣٩٤.

٣٠ - ألحافظ جلال الدين عبد الرَّحمن السيوطي المتوفّى ٩١١، في « الجامع الكبير » كما في ترتيبه ٨ ص ٩٩.

٣١ - ألحافظ أبو العبّاس شهاب الدين القسطلاني(١) المتوفّى ٩٢٣، في « المواهب اللدنيه » من طريق الدارقطني، وقال: رواه عبد الحقّ في أحكامه الوسطى والصغرى وسكت عنه، وسكوته عن الحديث فيها دليلٌ على صحَّته.

٣٢ - ألحافظ إبن الدبيع أبو محمَّد الشيباني المتوفّى ٩٤٤، في « تمييز الطيب من الخبيث » ص ١٦٢.

٣٣ - ألشيخ شمس الدّين محمَّد الخطيب الشربيني المتوفّى ٩٧٧، في « المغني » ج ١ ص ٤٩٤ عن صحيح إبن خزيمة.

٣٤ - زين الدين عبد الرؤوف المناوي المتوفّى ١٠٣١، في « كنوز الحقائق » ص ١٤١، وشرح الجامع الصغير للسيوطي ٦ ص ١٤٠.

٣٥ - ألشيخ عبد الرَّحمن شيخ زاده المتوفّى ١٠٧٨، في « مجمع الأنهر » ١ ص ١٥٧

٣٦ - أبو عبد الله محمَّد بن عبد الباقي الزرقاني المصري المالكي المتوفّى ١١٢٢، في « شرح المواهب » ٨ ص ٢٩٨ نقلاً عن أبي الشيخ وإبن أبي الدنيا.

٣٧ - ألشيخ إسماعيل بن محمّد الجراحي العجلوني المتوفّى ١١٦٢، في « كشف الخفاء » ٢ ص ٢٥٠ نقلاً عن أبي الشيخ، وابن أبي الدنيا، وابن خزيمة.

٣٨ - ألشيخ محمَّد بن علي الشوكاني المتوفّى ١٢٥٠، في « نيل الأوطار » ٤ ص ٣٢٥ نقلاً عن غير واحد من أئمَّة الحديث.

٣٩ - ألشيخ محمّد بن السيِّد درويش الحوت البيروتي المتوفّى ١٢٧٦، في « حسن الأثر » ص ٢٤٦.

٤٠ - ألسيّد محمّد بن عبد الله الدمياطي الشافعي المتوفّى ١٣٠٧، في « مصباح الظلام » ٢ ص ١٤٤.

٤١ - عدَّةٌ من فقهاء المذاهب الأربعة في مصر اليوم في الفقه على المذاهب الأربعة

____________________

١ - نسبة الى قسطلة بلدة باندلس.

_٦_

٩٦

( ٢ )

عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: من جاءني زائراً لا تعمله إلّا زيارتي كان حقّاً عليَّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة.

وفي لفظ: لا تحمله إلّا زيارتي.

وفي آخر: لم تنزعه حاجةٌ إلّا زيارتي.

وفي رابع: لا ينزعه إلّا زيارتي كان حقّاً على الله عزَّ وجلَّ.

وفي خامس للغزالي: لا يهمّه إلّا زيارتي.

أخرجه جمعٌ من الحفّاظ لا يُستهان بهم وبعدَّتهم منهم:

١ - ألحافظ أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن البغدادي المتوفّى بمصر ٣٥٣، في كتابه « السنن الصِّحاح » جعل في آخر كتاب الحجّ « باب ثواب من زار قبر النبيّ » ولم يذكر في الباب غير هذا الحديث. قال السبكي في « شفاء السقام » ص ١٦: وذلك منه حكمٌ بأنَّه مجمعٌ على صحَّته بمقتضى الشّرط الذي شرطه في الخطبة، وابن السكن هذا إمامٌ حافظٌ ثقةٌ كثير الحديث واسع الرِّحلة... إلخ.

قال في خطبة كتابه: أمّا بعد: فانَّك سألتني أن أجمع لك ما صحَّ عندي من السنن المأثورة التي نقلها الأئمَّة من أهل البلدان الذين لا يطعن عليهم طاعن فيما نقلوه فتدبَّرت ما سألتني عنه فوجدت جماعة من الأئمّة قد تكلّفوا ما سألتني من ذلك و قد وعيت جميع ما ذكروه، وحفظت عنهم أكثر ما نقلوه، واقتديت بهم وأجبتك إلى ما سألتني من ذلك، وجعلته أبواباً في جميع ما يحتاج إليه من أحكام المسلمين، فأوَّل من نصب نفسه لطلب صحيح الآثار: ألبخاري وتابعه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وقد تصفَّحت ما ذكروه وتدبَّرت ما نقلوه فوجدتهم مجتهدين فيما طلبوه، فما ذكرته في كتابي هذا مجملاً فهو ممّا أجمعوا على صحَّته، وما ذكرته بعد ذلك ممّا يختاره أحدٌ من الأئمَّة الذين سمَّيتهم، فقد بيَّنت حجَّته في قبول ما ذكره، ونسبته إلى اختياره دون غيره، وما ذكرته مما يتفرَّد به أحدٌ من أهل النقل للحديث فقد بيِّنت علّته ودللت على انفراده دون غيره وبالله التوفيق.

٢ - ألحافظ أبو القاسم الطبراني المتوفَّى ٣٦٠، أخرجه في معجمه الكبير.

٣ - ألحافظ أبو بكر محمّد بن إبراهيم المقري الاصبهاني المتوفّى ٣٨١، في معجمه.

٤ - ألحافظ أبو الحسن الدارقطني المتوفّى ٣٨٥، أخرجه في أماليه.

٥ - ألحافظ أبو نعيم الإصبهاني المتوفّى ٤٠٢.

٩٧

٦ - ألقاضي أبو الحسن عليَّ بن الحسن الخلعي الشافعي المتوفّى ٤٩٢ صاحب « الفوائد »

٧ - حجَّة الإسلام أبو حامد الغزالي الشافعي المتوفَّى ٥٠٥، في « إحياء العلوم » ١ ص ٢٤٦.

٨ - ألحافظ إبن عساكر المتوفَّى ٥٧١، صاحب « تاريخ الشام »

٩ - ألحافظ أبو الحجّاج يوسف بن خليل الدمشقي المتوفَّى ٦٤٨.

١٠ - ألحافظ يحيى بن علي القرشي الأموي المالكي المتوفّى ٦٦٢.

١١ - ألحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد في كتابه.

١٢ - تقيُّ الدين السبكي الشافعي المتوفَّى ٧٥٦، فصَّل القول في طرق هذا الحديث وأخرجه من طرق شتَّى وصحَّحه في « شفاء السِّقام » ص ١٣ - ١٦.

١٣ - ألسيِّد نور الدين علي بن عبد الله الشافعي القاهري السمهودي المتوفّى ٩١١، في « وفاء الوفاء » ج ٢ ص ٣٩٦، ذكره من طرق شتّى منها طريق الحافظ إبن السكن فقال: ومقتضى ما شرطه في خطبته أن يكون هذا الحديث ممّا أجمع على صحَّته. ثمَّ قال: قلتُ: ولهذا نقل عنه جماعةٌ منهم الحافظ زين الدّين العراقي: انّه صحّحه... إلخ.

١٤ - أبو العبّاس شهاب الدين القسطلاني المتوفّى ٩٢٣، في « المواهب اللدنيّة » وقال: صحّحه إبن السكن.

١٥ - ألشيخ محمّد الخطيب الشربيني المتوفّى ٩٧٧، في « مغني المحتاج » شرح المنهاج ١ ص ٤٩٤ وقال: رواه إبن السكن في سننه الصّحاح المأثورة.

١٦ - ألشيخ عبد الرَّحمن شيخ زاده المتوفّى ١٠٧٨، في « مجمع الأنهر » ١ ص ١٥٧.

( ٣ )

عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: من حجّ فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي.

وفي غير واحد من طرقه زيادة: وصحبني. أخرجه جمعٌ من الحفّاظ منهم:

١ - ألحافظ عبد الرزّاق أبو بكر الصنعاني المتوفّى ٢١١.

٢ - ألحافظ أبو العبّاس الحسن بن سفيان الشيباني المتوفّى ٣٠٣.

٣ - ألحافظ أبو يعلى أحمد بن عليّ الموصلي المتوفَّى ٣٠٧ في مسنده.

٩٨

٤ - ألحافظ أبو القاسم عبد الله بن محمِّد البغوي المتوفّى ٣١٧.

٥ - ألحافظ أبو القاسم الطبراني المتوفّى ٣٦٠.

٦ - ألحافظ أبو أحمد ابن عدي المتوفّى ٣٦٥ في « الكامل »

٧ - ألحافظ أبو بكر محمّد بن إبراهيم المقري المتوفّى ٣٨١.

٨ - ألحافظ أبو الحسن الدارقطني المتوفّى ٣٨٥، في سننه وغيرها.

٩ - ألحافظ أبو بكر البيهقي المتوفّى ٤٥٨، في سننه ٥ ص ٢٤٦.

١٠ - ألحافظ إبن عساكر الدمشقي المتوفّى ٥٧١ في تاريخه.

١١ - ألحافظ إبن الجوزي المتوفّى ٥٩٧ في « مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن »

١٢ - ألحافظ أبو عبد الله ابن النجّار البغدادي المتوفّى ٦٤٣، في كتابه « الدرَّة الثمينة في أخبار المدينة »

١٣ - ألحافظ أبو الحجّاج يوسف بن خليل الدمشقي المتوفّى ٦٤٨.

١٤ - ألحافظ أبو محمَّد عبد المؤمن الدمياطي المتوفّى ٧٠٥.

١٥ - أبو الفتح أحمد بن محمَّد بن أحمد الحدّاد في كتابه.

١٦ - ألحافظ أبو الحسين المصري.

١٧ - وليُّ الدين الخطيب التبريزي في « مشكاة المصابيح » المؤلَّف ٧٣٧، في باب حرم المدينة في الفصل الثالث.

١٨ - تقيّ الدين السبكي المتوفّى ٧٥٦، بسط القول في طرقه في « شفاء السِّقام » ص ١٦ - ٢١ ورواه عن كثير من هؤلاء الحفّاظ المذكورين وغيرهم.

١٩ - ألشيخ شعيب عبد الله المصري الحريفيش المتوفّى ٨٠١، في « الرّوض الفائق » ج ٢ ص ١٣٧.

٢٠ - ألسيِّد نور الدّين السمهودي المتوفّى ٩١١، فصَّل القول في طرقه في « وفاء الوفاء » ج ٢ ص ٣٩٧.

٢١ - ألحافظ جلال الدين السيوطي المتوفّى ٩١١، في « الجامع الكبير » كما في ترتيبه ٨ ص ٩٩.

٩٩

٢٢ - قاضي القضاء شهاب الدين الخفاجي الحنفي المتوفّى ١٠٦٩، في « شرح الشفاء » للقاضي عياض ٣ ص ٥٦٧.

٢٣ - ألشيخ عبد الرَّحمن شيخ زاده المتوفّى ١٠٧٨، في « مجمع الأنهر » ١ ص ١٥٧.

٢٤ - ألشيخ محمّد الشوكاني المتوفّى ١٢٥٠، في « نيل الأوطار » ٤ ص ٣٢٥.

م ٢٥ - ألسيّد محمّد بن عبد الله الدمياطي الشافعي المتوفّى ١٣٠٧، في « مصباح الظلام » ٢ ص ١٤٤.

( ٤ )

عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: من حجَّ البيت ولم يزرني فقد جفاني. أخرجه جمعٌ منهم:

١ - ألحافظ أبو حاتم محمّد بن حبّان التميمي البستي المتوفّى ٣٥٤، في « الضعفاء »

٢ - ألحافظ إبن عدي المتوفّى ٣٦٥، في « الكامل »

٣ - ألحافظ الدارقطني المتوفّى ٣٨٥، في كتابه أحاديث مالك التي ليست في الموطَّأ.

٤ - تقيُّ الدين السبكي المتوفّى ٧٦٥، من غير طريق في « شفاء السقام » ص ٢٢، وردَّ حكم إبن الجوزي على الحديث بالوضع.

٥ - ألسيِّد نور الدين السمهودي المتوفّى ٩١١، في « وفاء الوفاء » ٢ ص ٣٩٨.

٦ - أبو العبّاس شهاب الدين القسطلاني المتوفّى ٩٢٣، في « المواهب اللدنيَّة » نقلاً عن إبن عدي، و إبن حبّان، والدارقطني.

٧ - ألشيخ إسماعيل الجراحي العجلوني المتوفّى ١١٦٢، في « كشف الخفاء » ج ٢ ص ٢٧٨ نقلاً عن إبن عدي، وإبن حبّان، والدارقطني.

م ٨ - ألسيِّد المرتضى الزبيدي الحنفي المتوفّى ١٢٠٥، في « تاج العروس » ج ١٠ ص ٧٤.

٩ - ألشيخ محمَّد الشوكاني المتوفّى ١٢٥٠، في « نيل الأوطار » ٤ ص ٣٢٥.

( ٥ )

عن عمر مرفوعاً: من زار قبري « أو من زارني » كنت له شفيعاً « أو شهيداً » و من مات في أحد الحرمين بعثه الله عزَّ وجلَّ في الآمنين يوم القيامة. أخرجه.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

بنو الحارث بن فهر بن مالك

بنو عامر بن لؤى

بنو سهم بن عمرو

بنو جمح بن عمرو

بنو أنمار بن بغيض

بنو تيم بن مرة بن كعب

بنو عدي بن كعب الخ.

ولكن الفعل والتأثير كان للقبائل المهمة، والزعماء المهمين، وهم بضع قبائل، والباقون تبعٌ لهم الى حد كبير فقد وصف ابن هشام اجتماع دار الندوة الذي بحث فيه قادة القبائل ( مشكلة نبوة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ) فقال في 2 / 331: وقد اجتمع فيها أشراف قريش:

من بني عبد شمس: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب.

ومن بني نوفل بن عبد مناف: طعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم، والحارث بن عامر بن نوفل.

ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة.

ومن بني أسد بن عبد العزى: أبوالبختري بن هشام، وزمعة بن الأسود بن المطلب، وحكيم بن حزام.

ومن بني مخزوم: أبو جهل ابن هشام.

ومن بني سهم: نبيه ومنبه ابنا الحجاج.

ومن بني جمح: أمية بن خلف.

ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش، فقال بعضهم لبعض:

إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم، فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا، فأجمعوا فيه رأياً.

١٤١

قال: فتشاوروا ثم قال قائل منهم: إحبسوه في الحديد، وأغلقوا عليه باباً، ثم تربصوا به...الخ.

- وقال في: 2 / 488 مسمياً المنفقين على جيش المشركين في بدر:

وكان المطعمون من قريش ثم من بني هاشم بن عبد مناف: العباس بن عبد المطلب بن هاشم.

ومن بني عبد شمس بن عبد مناف: عتبة بن ربيعة بن عبد شمس.

ومن بني نوفل بن عبد مناف: الحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل، يعتقبان ذلك.

ومن بني أسد بن عبد العزى: أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد، وحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد، يعتقبان ذلك.

ومن بني عبد الدار بن قصي: النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار. انتهى.

واليك هذا الترتيب الذي رتبه الخليفة عمر لقبائل قريش، في سجل الدولة لتوزيع العطاءات، فإنه يدل على تركيبة قبائلها، وتميز بني هاشم عليهم:

- قال البيهقي في سننه: 6 / 364:

عن الشافعي وغيره، أن عمر رضي‌الله‌عنه لما دوَّن الدواوين قال: إبدأ ببني هاشم، ثم قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم وبني المطلب فوضع الديوان على ذلك، وأعطاهم عطاء القبيلة الواحدة.

ثم استوت له عبد شمس ونوفل في جذم النسب، فقال: عبد شمس إخوة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه وأمه دون نوفل، فقدمهم، ثم دعا بني نوفل يتلونهم.

ثم استوت له عبد العزى وعبد الدار، فقال في بني أسد بن عبد العزى أصهار النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهم أنهم من المطيبين فقدمهم على بني عبد الدار، ثم دعا بني عبد الدار يتلونهم.

١٤٢

ثم انفردت له زهرة فدعاها تلو عبد الدار.

ثم استوت له تيمٌ ومخزوم، فقال في بني تيم إنهم من حلف الفضول والمطيبين وفيهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل ذكر سابقةً، وقيل ذكر صهراً فقدمهم على مخزوم.

ثم دعا مخزوم يتلونهم.

ثم استوت له سهمٌ وجمحٌ وعديُّ بن كعب، فقيل له إبدأ بعدي فقال بل أقر نفسي حيث كنت، فإن الاسلام دخل وأمرنا وأمر بني سهم واحد، ولكن انظروا بني جمح وسهم، فقيل قدم بني جمح.

ثم دعا بني سهم، وكان ديوان عدي وسهم مختلطاً كالدعوة الواحدة، فلما خلصت اليه دعوته كبر تكبيرة عالية، ثم قال: الحمد لله الذى أوصل اليَّ حظي من رسوله.

ثم دعا بني عامر بن لؤي، قال الشافعي: فقال بعضهم إن أبا عبيدة بن عبد الله بن الجراح الفهري لما رأى من تقدم عليه قال: أكل هؤلاء تدعو أمامي؟!

فقال: يا أبا عبيدة، إصبر كما صبرتُ أو كلم قومك فمن قدمك منهم على نفسه لم أمنعه، فأما أنا وبنو عدي فنقدمك إن أحببت على أنفسنا.

قال فقدم معاوية بعدُ بني الحارث بن فهر، فصل بهم بين بني عبد مناف وأسد بن عبد العزى.

وشجر بين بني سهم وعدي شيء في زمان المهدي فافترقوا، فأمر المهدي ببني عدي فقدموا على سهم وجمح، للسابقة فيهم.

* *

وقد اعترف الجميع بأن فرع هاشم كانوا متميزين على بقية الفروع في فكرهم وسلوكهم، متفوقين في فعاليتهم وقيمهم وأن جمهور القبائل والملوك كانوا

١٤٣

يحترمونهم احتراماً خاصاً حتى حسدهم زعماء قريش، وتحالفوا ضدهم من أيام هاشم وعبد المطلب.

فقد رتب هاشم ( رحلة الصيف ) الى الشام وفلسطين ومصر لقبائل قريش كلها، فسافر في الصحاري والدول، وفاوض رؤساء القبائل، والملوك، الذين تمر في مناطقهم قوافل قريش، وعقد معهم جميعاً معاهداتٍ بعدم الغارة على قوافل قريش وضمان سلامتها.

وقد فرحت قبائل قريش بهذا الإنجاز، وبادرت الى الإستفادة منه، ولكنها حسدت هاشماً، وتمنى زعماؤها لو أن ذلك تم على يدهم، وكان فخره لهم.

وقد توفي هاشم مبكراً في إحدى سفراته في أرض غزة، في ظروف من حق الباحث أن يشك فيها!

ولكن بيت هاشم لم ينطفئ بعده، فسرعان ماظهر ولده عبد المطلب، وساد في قومه، وواصل مآثر أبيه، فرتب لقريش رحلة الشتاء الى اليمن، وعقد معاهداتٍ لحماية قوافلها مع كل القبائل التي تمر عليها ومع ملك اليمن، وفاز بفخرها كما فاز أبوه بفخر رحلة الصيف.

* *

وعلى الصعيد المعنوي، كانت قبائل قريش ترى أن بني هاشم وعبد المطلب يباهون دائماً بانتمائهم الى إسماعيل، واتباعهم لملة ابراهيم، كأنهم وحدهم أبناء إسماعيل وابراهيم عليهما‌السلام .

وتفاقم الأمر عندما أخذ عبد المطلب يدعي الإلهام عن طريق الرؤيا الصادقة، وأخبرهم بأن الله تعالى أمره بحفر زمزم التي جفت وانقرضت من قديم، فحفرها ونبع ماؤها بإذن الله تعالى، ووجد فيها غزالين من ذهب، فزين بذهبهما باب الكعبة ففاز بمأثرةٍ جديدة وصار - بسبب شحة الماء في مكة - ساقي الحرم والحجيح!

١٤٤

ثم طمأن الناس عند غزو الحبشة للكعبة، بأن الجيش لن يصل اليها، وأن الله تعالى سيتولى دفعهم، فصدقت نبوءته، وأرسل الله عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول.

ثم وضع عبد المطلب للناس مراسم وسنناً، كأنه نبي أو ممهد لنبي، فجعل الطواف سبعاً وكان بعض العرب يطوفون بالبيت عريانين لأن ثيابهم ليست حلالاً، فحرم عبد المطلب ذلك. ونهى عن قتل الموؤودة. وأوجب الوفاء بالنذر، وتعظيم الاشهر الحرم. وحرم الخمر. وحرم الزنا ووضع الحد عليه، ونفى البغايا ذوات الرايات الى خارج مكة. وحرم نكاح المحارم. وأوجب قطع يد السارق. وشدد على القتل، وجعل ديته مئة من الإبل.

وقد عظمت مكانة عبد المطلب في قريش وفي قبائل العرب، وكان زعماء قريش يأكلهم الحسد منه! حتى جروه مرتين الى المنافرة والإحتكام الى الكهان فنصره الله عليهم بكرامة جديدة، وتعاظمت مكانته أكثر!

ولعل أكثر ما أثار زعماء قريش في آخر أيام عبد المطلب، أنه ادعى أنه مثل جده ابراهيم عليه‌السلام ، ونذر أن يذبح أحد أولاده قرباناً لرب الكعبة الخ.

وما أن استراح زعماء قريش من عبد المطلب، حتى ظهر ولده أبو طالب وساد في قومه وفي قريش والعرب، وأخذ مكانة أبيه وجده، وواصل سيرة أبيه عبد المطلب ومقولاته.

وفي أيام أبي طالب وقعت المصيبة على زعماء قريش عندما ادعى ابن أخيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النبوة، وطلب منهم الإيمان به وإطاعته!

وزاد من خوفهم أن عدداً من بني هاشم وبني المطلب آمنوا بنبوته، وأعلن عمه أبو طالب حمايته لابن أخيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليبلغ رسالة ربه بكامل حريته، وهدد قريشاً بالحرب إن هي مست منه شعرة، ووقف في وجه مؤامراتها، وأطلق قصائده في

١٤٥

فضح زعماءها فسارت بشعره الركبان يمدح فيه محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويهجو زعماء قريش حتى أنه سمى زعيم مخزوم أبا الحكم ( أحيمق مخزوم ) كما سماه ابن أخيه محمد ( أبا جهل )!!

ونشط الزعماء القرشيون في مقاومة النبوة بأنواع الإغراءات والتهديدات لأبي طالب وابن أخيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففشلوا!

ثم اتخذوا قراراً باضطهاد المسلمين الذين تطالهم أيديهم، فهرب أكثرهم الى الحبشة وفشل زعماء قريش!

ثم اتخذوا قراراً بالإجماع وضموا اليهم بني كنانة، بعزل كل بني هاشم ومقاطعتهم مقاطعة تامة شاملة، وحصروهم في شعبهم ثلاث سنوات أو أربع فأفشل الله محاصرتهم بمعجزة!

وما أن فقد بنو هاشم رئيسهم أبا طالب، حتى اتحد زعماء قريش قراراً بالإجماع بقتل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي بقي بزعمهم بلا حامٍ ولا ناصر فأفشل الله كيدهم ونقل رسوله الى المدينة التي أسلم أكثر أهلها!

وحاول القرشيون أن يضغطوا على أهل المدينة بالإغراء والوعيد، واليهود ولكنهم فشلوا، لأن المدينة صارت في يد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي تقع على طريق شريانهم التجاري، وتهددهم بقطع تجارتهم مع الشام ومنطقتها!

فقرروا دخول الحرب مع ابن بني هاشم، وحاربوه في بدر، وأحد، والخندق ففشلوا!

وحاربوه باليهود، واستنصروا عليه بالفرس والروم ففشلوا!

وما هو إلا أن فاجأهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السنة الثامنة من هجرته ودخل عليهم عاصمتهم مكة، بجيش من جنود الله لا قبل لهم به. فاضطروا أن يعلنوا إلقاء سلاحهم، والتسليم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

١٤٦

وقام أهل مكة سماطين ينظرون الى دخول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والى جيشه ..

وتقدم براية الفتح بين يديه شابٌّ أنصاري من قبيلة الخزرج اليمانية، هو عبد الله بن رواحة، وهو يقول للفراعنة:

خلُّوا بني الكفار عن سبيلِهِ

فاليوم نضربْكم على تنزيلهِ

ضرباً يزيل الهام عن مَقِيلِهِ

ويذهلُ الخليلَ عن خليله

تالله لا يحكم فينا ابن الدعي (2)

فقال عمر بن الخطاب: يابن رواحة، أفي حرم الله وبين يدي رسول الله، تقول الشعر!!

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مهْ يا عمر، فو الذي نفسي بيده، لكلامه هذا أشد عليهم من وقع النبل )! ( البيهقي في سننه: 10 / 228، ونحوه الترمذي: 4 / 217، والذهبي في سير أعلام النبلاء: 1 / 235 )

فعمر يريد أن يخفف على زعماء قريش وقع هزيمتهم، ولا يتحداهم في عاصمتهم ولا ننسى أن عمر من قبيلة عدي الصغيرة، وأنه نشأ على احترام زعماء قريش وإكبارهم.

ولكن الرؤية النبوية أن هؤلاء الفراعنة لا يفهمون إلا لغة السيوف والسهام، وأن عمل عبد الله بن رواحة عملٌ صحيحٌ، وقيمته عاليةٌ عند الله تعالى، لأنه أشد على أعداء الله من وقع النبل!!

* *

وأعلن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمان لقريش، وجمع زعماءهم في المسجد الحرام وسيوف جنود الله فوق رؤوسهم وشرح لهم تكبرهم وتجبرهم وتكذيبهم لآيات الله ومعجزاته، وعداءهم لله ورسوله، واضطهادهم لبني هاشم والمسلمين، وحروبهم ومكائدهم ضد الإسلام ورسوله ..

١٤٧

- قال الطبري في تاريخه: 2 / 337:

عن قتادة السدوسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام قائماً حين وقف على باب الكعبة ثم قال:

لا إله الا إلله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.

ألا كل مأثرةٍ أو دمٍ أو مالٍ يدَّعى، فهو تحت قدميَّ هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ...

يا معشر قريش: إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء. الناس من آدم وآدم خلق من تراب. ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الآية.

يا معشر قريش ويا أهل مكة: ماترون أني فاعلٌ بكم؟!

قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم.

ثم قال: إذهبوا فأنتم الطلقاء.

فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوةً، وكانوا له فَيْأً، فبذلك يسمى أهل مكة الطلقاء. انتهى.

لقد خيرهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين إعلان إسلامهم أو القتل: فأعلنوا إسلامهم، فقال لهم: إذهبوا فأنتم الطلقاء، وذلك يعني أنه منَّ عليهم بحياتهم، مع أنهم يستحقون أن يتخذهم عبيداً، أو يقتلهم!!

ويعني أن إعلان إسلامهم الشكلي، لم يرفع جواز استرقاقهم أو قتلهم!

* *

ومما صادفته في تصفحي، ما ارتكبه الشيخ ناصر الدين الألباني من تعصبٍ مفضوح للقرشيين، حيث ضعف هذا الحديث! فقال في سلسلة أحاديثه الضعيفة

١٤٨

3 / 307 برقم 1163: ضعيف. رواه ابن إسحاق في السيرة 4 / 31 - 32، وعنه الطبري في التاريخ 3 / 120، ونقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 4 / 300 - 301، ساكتاً عليه. وهذا سندٌ ضعيف مرسل، لأن شيخ ابن إسحاق فيه لم يسمَّ، فهو مجهول. ثم هو ليس صحابياً، لأن ابن إسحاق لم يدرك أحداً من الصحابة، بل هو يروي عن التابعين وأقرانه، فهو مرسل، أو معضل. انتهى.

وكأن هذا المحدث لم يطلع على وجود هذا الحديث ومؤيداته في المصادر الأخرى، ولم ير المحدثين والفقهاء وهم يرسلونه إرسال المسلمات ..

وما أدري هل هو جهلٌ بالتاريخ والحديث الى هذا الحد أم حبٌّ للقرشيين ومحاولةٌ لتخليصهم من صفة الرق الشرعية للرسول وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

فإن مسألة الطلقاء ثابتة مشهورة عند جميع الفرق، واسم ( الطلقاء ) كالعلم لأكثر قريش، وهو كثيرٌ في مصادر الحديث، وقد دخلت أحكامه في فقه المذاهب.

- فقد روى البخارى في صحيحه: 5 / 105 - 106

قال لما كان يوم حنين التقى هوازن ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف والطلقاء، فأدبروا ...

- وفي مسلم: 3 / 106: ومعه الطلقاء فأدبروا عنه حتى بقي وحده!!

ونحوه في: 5 / 196 ونحوه في مسند أحمد: 3 / 190 و 279

والصحيح أنه لم يثبت معه إلا بنو هاشم.

- وفي مسند أحمد: 4 / 363: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهاجرون والأنصار أولياء بعضهم لبعض، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض، الى يوم القيامة.

وقد صححه الحاكم في المستدرك: 4 / 80، وقال عنه في مجمع الزوائد: 10 / 15:

رواه أحمد والطبراني بأسانيد، وأحد أسانيد الطبراني رجاله رجال الصحيح، وقد جوده رضي‌الله‌عنه وعنا، فإنه رواه عن الأعمش عن موسى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الرحمن بن هلال العبسي، عن جرير وموسى بن عبد الله بن هلال العبسي.

١٤٩

- وقال الشافعي في كتاب الأم: 7 / 382

قال الأوزاعي: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة، فخلى بين المهاجرين وأرضهم ودورهم بمكة، ولم يجعلها فيئاً.

قال أبو يوسف رحمه‌الله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا عن مكة وأهلها وقال:

من أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ونهى عن القتل إلا نفراً قد سماهم، إلا أن يقاتل أحدٌ فيقتل، وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد: ما ترون أني صانعٌ بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم.

قال: إذهبوا فأنتم الطلقاء. ولم يجعل شيئاً قليلاً ولا كثيراً من متاعهم فيئاً. وقد أخبرتك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في هذا كغيره، فهذا من ذلك، وتفهَّم فيما أتاك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لذلك وجوهاً ومعاني. انتهى.

وراجع أيضاً مغني ابن قدامة: 7 / 321، ومبسوط السرخسي: 10 / 39، ومسند أحمد: 3 / 279، وسنن البيهقي: 6 / 306، و: 8 / 266 و: 9 / 118، وكنز العمال: 12 / 86.

- وفي كنز العمال: 5 / 735: قال لهم عمر: إن هذا الأمر لا يصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء، فإن اختلفتم فلا تظنوا عبد الله بن أبي ربيعة عنكم غافلاً - ابن سعد. انتهى.

وكذلك الأمر في مصادرنا:

- ففي نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده: 3 / 30 في جواب علي عليه‌السلام لمعاوية:

وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلانٌ وفلانٌ، فذكرت أمراً إن تم اعتزلك كله، وإن نقص لم تلحقك ثلمته.

وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس؟! وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين، وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم.

هيهات، لقد حنَّ قدحٌ ليس منها، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها.

ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك، وتعرف قصور ذرعك، وتتأخر حيث أخرك

١٥٠

القدر، فما عليك غلبة المغلوب، ولا لك ظفر الظافر وإنك لذهاب في التيه رواغ عن القصد.

- وفي الكافي: 3 / 512

من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده وما أخذ بالسيف فذلك الى الإمام يقبِّله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر وقال: إن أهل الطائف أسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف العشر، وإن أهل مكة دخلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنوةً فكانوا أسراء في يده، فأعتقهم وقال: إذهبوا فأنتم الطلقاء.

قريش بعد فتح مكة

ماذا فعلت قريش بعد أن اضطر بقية فراعنتها وألوف الطلقاء من أتباعهم الى الدخول في الإسلام؟؟

من الطبيعي أن مشاعر الغيظ والكبرياء القرشي بقيت محتدمةً في قلوب أكثرهم إن لم نقل كلهم ولكن في المقابل ظهر فيهم منطقٌ يقول: إن دولة محمد دولتنا فمحمد أخٌ كريمٌ، وابن أخٍ كريم، ودولته دولة قريش، وعزه عزها وفخره فخرها، فهو مهما كان ابن قريش الرحيم، ودولته أوسعُ من دولة قريش وأقوى، والمجال أمام زعمائها مفتوحٌ من داخل هذه الدولة، فلماذا نحاربها، ولماذا نتركها بأيدي الغرباء من الأوس والخزرج اليمانيين!.

أما مسألة من يرث دولة محمد بعده، فهي مسألةٌ قابلةٌ للعلاج، وهي على كل حال مسألةٌ قرشيةٌ داخلية!!

من البديهي عند الباحث أن يفهم أن قريشاً وجهت جهودها لمرحلة ما بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن الهدف الأهم عندها كان: منع محمد أن يرتب الأمر من بعده لبني هاشم، ويجمع لهم بين النبوة والخلافة على حد تعبير قريش!

فالنبوة لبني هاشم، ولكن خلافة محمد يجب أن تكون لقريش غير بني هاشم!

١٥١

لكن رغم وجود هذا المنطق، فإن النصوص واعترافات بعض زعمائهم تدل على أنهم كانوا يعملون على كل الجبهات الممكنة! وأن أكثريتهم كانوا يائسين من أن يشركهم محمد في حكم دولته، لأنه يعمل بجدٍّ لتركيز حكم عترته من بعده ..

لذلك اتجه تفكيرهم بعد فتح مكة الى اغتيال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسرعان ما حاولوا تنفيذ ذلك في حنين ..!!

إن فراعنة قريش كفراعنة اليهود أبناء عمهم، فهم لا يعرفون الوفاء، بل كأنهم إذا لم يغدروا بمن عفا عنهم وأحسن اليهم، يصابون بالصداع!!

لقد اعلنوا إسلامهم، وادعوا أنهم ذهبوا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليساعدوه في حربه مع قبيلتي هوازن وغطفان، وكان عدد جيشهم ألفين، وعدد جيش النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي فتح مكة عشرة آلاف، وعندما التقوا بهوازن في حنين انهزموا من أول رشق سهام، وسببوا الهزيمة في صفوف المسلمين فانهزموا جميعاً، كما حدث في أحد!

وثبت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه بنو هاشم فقط، كالعادة، وقاتلوا بشدةٍ مع مئة رجعوا اليهم مئة من الفارين حتى ردوا الحملة، ثم رجع المسلمون الفارون وكتب الله النصر.

وفي أثناء هزيمة المسلمين، قامت قريش بعدة محاولاتٍ لقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

نكتفي منها بذكر ما نقله زعيم بني عبد الدار النضير بن الحارث، الذي سيأتي ذكره في تفسير الآية الثالثة! ونقله عنه محب له ولقريش ولبني أمية هو ابن كثير فقال في سيرته: 3 / 691:

كان النضير بن الحارث بن كلدة من أجمل الناس، فكان يقول: الحمد لله الذي من علينا بالإسلام، ومن علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولم نمت على ما مات عليه الآباء، وقتل عليه الإخوة وبنو العم.

ثم ذكر عداوته للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه خرج مع قومه من قريش الى حنين، وهم على دينهم بعد، قال: ونحن نريد إن كانت دائرة على محمد أن نغير عليه، فلم يمكنا ذلك.

١٥٢

فلما صار بالجعرانة فوالله إني لعلى ما أنا عليه، إن شعرت إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنضير؟

قلت: لبيك.

قال: هل لك الى خير مما أردت يوم حنين مما حال الله بينك وبينه؟

قال: فأقبلت إليه سريعاً.

فقال: قد آن لك أن تبصر ما كنت فيه توضع!

قلت: قد أدري أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئاً، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم زده ثباتاً.

قال النضير: فوالذي بعثه بالحق لكأن قلبي حجرٌ ثباتاً في الدين، وتبصرة بالحق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي هداه. انتهى.

وأنت تلاحظ أن هذه الكلام يتضمن إقراراً من هذا الزعيم القرشي على نفسه، وإقرار الإنسان على نفسه حجة وأنه يتضمن ادعاء منه بإيمانه بالله تعالى، فقد ذكر أنه تشهده الشهادة الأولى فقط، ولم يذكر الثانية!

ولكن الدعوى لا تثبت بادعاء صاحبها بدون شهادة غيره!

ومهما يكن فقد اعترف زعيم بني عبد الدار أصحاب راية قريش التي يصدر حاملها الأوامر لألفي مسلح في حنين، بأن إعلان إسلامهم في مكة كان كاذباً، وبأنه كل زعماء قريش كانوا متفقين على قتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنهم حاولوا محاولاتٍ في حنين ولم يتوفقوا فقد أحبط الله تعالى خططهم، وكشف لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نواياهم!!

بل تدل أحاديث السيرة، على أن زعماء قريش لم يملكوا أنفسهم عند انهزام المسلمين في حنين في أول الأمر، فأظهروا كفرهم الراسخ، وفضحوا أنفسهم!

- ففي سيرة ابن هشام: 4 / 46

قال ابن اسحاق: فلما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه

١٥٣

وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجالٌ منهم بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن الأزلام لَمَعَهُ في كنانته! وصرخ جبلة بن الحنبل - قال ابن هشام كلدة بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشركٌ في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا بطل السحر اليوم!

قال ابن اسحاق: وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار: قلت اليوم أدرك ثأري من محمد، وكان أبوه قتل يوم أحد، اليوم أقتل محمداً، قال:

فأدرت برسول الله لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي فلم أطلق ذاك، وعلمت أنه ممنوعٌ مني!! انتهى.

وهذا آخر من أصحاب راية جيش قريش المسلمة، يعترف بأنه في حنين عند الهزيمة أو بعدها ( دار ) مرة أو مراتٍ حول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليقتله!

إن الناظر في مقومات شخصيات زعماء قريش، وتفكيرهم واهتماماتهم، يصل الى أن قناعة بأن عنادهم بلغ حداً أنهم اتخذوا قراراً بأن يكذبوا بكل الآيات والمعجزات التي يأتيهم بها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويكفروا بكل القيم والأعراف الإنسانية التي يدعو اليها ويعاملهم بها وأن لا يدخلوا في دينه إلا في حالتين لا ثالثة لهما:

إذا كان السيف فوق رؤوسهم!

أو صارت دولة محمد وسلطانه بأيديهم!

لقد حاربوا هذا الدين ونبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكل الوسائل حتى عجزوا وانهزموا ..

ثم واصلوا تآمرهم ومحاولاتهم اغتيال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى عجزوا ..

ثم جاؤوا يشترطون الشروط مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليأخذوا سهماً من دولته فعجزوا ..

ثم جاؤوا يدعون أنهم أصحاب الحق في دولة نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه من قبائل قريش!!!

- قال في مناقب آل أبي طالب: 2 / 239

قال الشريف المرتضى في تنزيه الأنبياء: إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نص على أمير المؤمنين

١٥٤

بالإمامة في ابتداء الأمر، جاءه قوم من قريش وقالوا له: يا رسول الله إن الناس قريبوا عهد بالإسلام لا يرضون أن تكون النبوة فيك والإمامة في ابن عمك علي بن أبي طالب فلو عدلت به الى غيره، لكان أولى!

فقال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما فعلت ذلك لرأيي فأتخير فيه، لكن الله تعالى أمرني به وفرضه عليَّ.

فقالوا له: فإذا لم تفعل ذلك مخافة الخلاف على ربك، فأشرك معه في الخلافة رجلاً من قريش تركن الناس اليه، ليتم لك أمرك، ولا تخالف الناس عليك. فنزلت الآية: لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين .

عبد العظيم الحسني عن الصادق عليه‌السلام في خبر: قال رجل من بني عدي اجتمعت اليَّ قريش، فأتينا النبي فقالوا: يا رسول الله إنا تركنا عبادة الأوثان واتبعناك، فأشركنا في ولاية علي فنكون شركاء، فهبط جبرئيل على النبي فقال: يا محمد لئن أشركت ليحبطن عملك الآية. انتهى. ( والحديث الأول في تنزيه الأنبياء/ 167 )

* *

قريش تتمحور حول زعامة سهيل بن عمرو

رغم خيانات زعماء قريش بعد فتح مكة وتآمرهم، فقد حاول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يستقطبهم، فأكرمهم وتألفهم وأعطاهم أكثر غنائم المعركة، وأطمعهم بالمستقبل إن هم أسلموا وحسن إسلامهم الخ.

لقد أمر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقاوم عُقَدهم بنور الحلم، وظلماتهم بنور الإحسان ..!!

وفي هذه الفترة تراجعت زعامة أبي سفيان، ولم يبق منها إلا ( أمجاد ) حربه مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فشخصية أبي سفيان تصلح للزعامة في الحرب فقط وفي التجارة، ولا تصلح في السلم للزعامة والعمل السياسي، لذلك تراه بعد أن انكسر في فتح مكة ذهب الى المدينة وطلب منصباً من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعينه جابياً للزكاة من بعض القبائل!!

١٥٥

أما الزعيم الذي يجيد العمل لمصلحة قريش المنكسرة عسكرياً فقد وجدته قريش في سهيل بن عمرو، العقل السياسي المفكر والمخطط ..

وسرعان ما صار سهيل محوراً لقريش، ووارثاً لقيادة زعمائها الذين قتلهم محمد أو أماتهم رب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وسهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود، هو في نظر قريش: قرشي أصيل. ولئن كان من بني عامر بن لؤي، الذين هم أقل درجة من بني كعب بن لؤي ( سيرة ابن هشام: 2 / 489 ) ، ولكنه صاحب تاريخ مع محمد، فهو من الزعماء الذين فاوضوا أبا طالب بشأنه.

وهو من أعضاء دار الندوة الذين قرروا مقاطعة بني هاشم.

وهو من الذين ائتمروا على قتله عندما ذهب الى الطائف، وقرروا نفيه من مكة، وهددوه بالقتل إن هو دخلها، ورفضوا أن يجيروه حتى يستطيع الدخول الى مكة وتبليغ رسالة ربه ففي تاريخ الطبري: 2 / 82 : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للأخنس بن شريق: ائت سهيل بن عمرو فقل له إن محمداً يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربي؟ فأتاه فقال له ذلك، قال فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب! انتهى.

وهو من الزعماء الذين واصلوا العمل لقتل محمد بعد وفاة أبي طالب، حتى أنجاه الله منهم بالهجرة.

وهو أحد الذين حبسوا المسلمين وعذبوهم على إسلامهم، ومن المعذبين على يده ولده أبو جندل.

وهو أحد قادة المشركين في بدر، وأحد أثريائهم الذين كانوا يطعمون الجيش.

وهو أحد الذين كانوا يؤلمون قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفعالياتهم الخبيثة، فلعنهم الله تعالى وطردهم من رحمته، وأمر رسوله أن يلعنهم، ويدعو عليهم في صلاته.

وهو أحد المنفقين أموالهم على تجهيز الناس لحرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحد والخندق وغيرهما.

١٥٦

- قال في سير أعلام النبلاء: 1 / 194

يكنى أبا يزيد، وكان خطيب قريش وفصيحهم ومن أشرافهم وكان قد أسر يوم بدر وتخلص. قام بمكة وحض على النفير، وقال: يال غالب أتاركون أنتم محمداً والصباة يأخذون عيركم! من أراد مالاً فهذا مال، ومن أراد قوة فهذه قوة.

وكان سمحاً جواداً مفوهاً.

وقد قام بمكة خطيباً عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنحو من خطبة الصديق بالمدينة فسكنهم!! وعظم الإسلام. انتهى.

وهو الذي انتدبته قريش لمفاوضة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديبية، وقد أجاد المفاوضة وشدد عليه بالشروط، ولم يقبل أن يكتب في المعاهدة ( رسول الله ) ووقع الصلح معه نيابة عن كل قريش.

وهو المعروف عند قريش بأنه سياسي حكيم، أكثر من غيره من فراعنتها.

وهو أخيراً من أئمة الكفر الذين أمر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتالهم! وإعلانه الإسلام تحت السيف لا يغير من آيات الله شيئاً! ففي تفسير الصنعاني: 1 / 242 : عن قتادة في قوله ( وقاتلوا أئمة الكفر ) هو أبو سفيان بن حرب، وأمية بن خلف، وعتبه بن ربيعة، وأبو جهل، وسهيل بن عمرو. انتهى.

وقد اختار سهيل بن عمرو البقاء في مكة بعد فتحها ودخولها تحت حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يهاجر الى المدينة كبعض الطلقاء، ولم يطلب من محمد منصباً، لأن كبرباءه القرشي وتاريخه في الصراع مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأبيان عليه ذلك!!

ولكنه قبل هدية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حنين وكانت مئة بعير، بينما كان رفضها في أيام القحط والسنوات العجاف التي حدثت على قريش بدعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أشفق عليهم وأرسل اليهم مساعدة، وكانت أحمالاً من المواد الغذائية، فقبلها أكثرهم وكان سهيل ممن رفضوها!

١٥٧

إنه تاريخٌ طويلٌ مشرقٌ عند القرشييين، وإن كان أسود عند الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !! ومن أجل هذا النسب وهذا التاريخ والصفات، اجتمعت حوله قريش بعد فتح مكة، وانضوت تحت زعامته!

* *

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عين حاكماً لمكة بعد فتحها، هو عتاب بن أسيد الأموي وحعل معه أنصارياً، ولكن قريشاً كانت تفضل عليه سهيلاً، وتسمع كلامه أكثر منه!

والدليل على ذلك أنه بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارتدت قريش عن الإسلام، وخاف حاكمها عتاب أن يقتلوه فاختبأ مع أنه قرشي أموي وبعد أيام وصلهم خبر يطمئنهم ببيعة أبي بكر التيمي، وأن أحداً من بني هاشم لن يحكم بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمأن سهيل بن عمرو، وخطب في قريش بنفس خطبة أبي بكر في المدينة، والتي مفادها أنه من كان يعبد محمداً فإن إلهه قد مات، ونحن لا نعبد محمداً، بل هو رسولٌ بلغ رسالته ومات، وهو ابن قريش وسلطانه سلطان قريش، وقد اختارت قريش حاكماً لنفسها بعده وهو أبو بكر، فاسمعوا له وأطيعوا.

لقد طمأنهم سهيل بأن الأمر بيد قريش، وليس بيد بني هاشم والأنصار اليمانية الذين ( يعبدون ) محمداً، فلماذا الرجوع عن الإسلام!

فأطاعته قريش وانتهى مشروع الردة!

وأصدر سهيل أمره لعتاب الحاكم من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخرج من مخبئك، واحكم مكة باسم الزعيم القرشي غير الهاشمي أبي بكر بن أبي قحافة التيمي!

( راجع سيرة ابن هشام: 4 / 1079، وفيها: فتراجع الناس وكفوا عما هموا به، وظهر عتاب بن أسيد ).

سهيل بن عمرو يحاول الإستقلال!

اقتنعت قريش بعد فتح مكة أن العمل العلني ضد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محكوم بالفشل ..

١٥٨

فركزت جهودها على العمل السياسي المتقن، والعمل السري الصامت، لإبعاد عترته عن الحكم، وجعله في قريش ..

ولكن المشكلة عندها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسير قدماً في ترتيب الأمر من بعده لعلي ومن بعده للحسن والحسين، أولاد بنته فاطمة وقريش لا تطيق علياً ولا أحداً من بني هاشم لذلك قرر قادتها وفي مقدمتهم سهيل بن عمرو أن يقوموا بأنشطة متعددة، منها محاولة جريئة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد كتبوا اليه ثم جاؤوه وفداً برئاسة سهيل بن عمرو، طالبين اليه أن يرد ( اليهم ) عدداً من أبنائهم وعبيدهم، الذين تركوا مكة أو مزارعهم في الطائف، وهاجروا الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتفقهوا في الدين، كما تنص الآية القرآنية!

قال سهيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحن اليوم حلفاؤك، وقد انتهت الحرب بيننا وتصالحنا، وأنا الذي وقعت الصلح السابق معك في الحديبية!

وهؤلاء أولادنا وعبيدنا هربوا منا وجاؤوك، ولم يأتوك ليتفقهوا في الدين كما زعموا، ثم إن كانت هذه حجتهم فنحن نفقههم في الدين، فأرجعهم الينا!!

ومعنى هذا الطلب البسيط من زعيم قريش الجديد: أن قريشاً حتى بعد فتح مكة واضطرارها الى خلع سلاحها وإسلامها تحت السيف تريد من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإعتراف بأنها وجودٌ سياسيٌّ مستقل، في مقابل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودينه ودولته!!

- روى الترمذي في: 5 / 298

عن ربعي بن حراش قال: أخبرنا علي بن أبي طالب بالرحبة فقال: لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا يا رسول الله: خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا، وليس لهم فقه في الدين، وإنما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا، فارددهم إلينا فإن لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم.

١٥٩

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين، قد امتحن الله قلوبهم على الإيمان! قالوا من هو يا رسول الله؟

فقال له أبو بكر: من هو يا رسول الله؟

وقال عمر: من هو يا رسول الله؟

قال هو خاصف النعل، وكان أعطى علياً نعله يخصفها. هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي.

- وروى أبو داود: 1 / 611

عن ربعي بن حراش عن علي بن أبي طالب قال: خرج عبدانٌ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني يوم الحديبية قبل الصلح، فكتب إليه مواليهم فقالوا: يا محمد والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هرباً من الرق!

فقال ناسٌ: صدقوا يا رسول الله ردهم إليهم!

فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا!

وأبى أن يردهم وقال: هم عتقاء الله عز وجل. انتهى.

ولا يغرك ذكر الحديبية في الحديث، فهذا من أساليب الرواة القرشيين في التزوير فالحادثة وقعت بعد فتح مكة، ولو كانت قبله لطالب سهيلٌ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالوفاء لهم بشرطهم، لأنهم شرطوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلح الحديبية أن يرد اليهم من يأتيه منهم، ولا يردون اليه من يأتيهم من المسلمين!

ولو كانت قبل فتح مكة، لكانت مطالبةً بشرطهم، وما استحقت هذا الغضب النبوي الشديد، وهو لا يغضب إلا بحق، ولا يغضب إلا لغضب الله تعالى، ولا يرضى إلا بما يرضي الله تعالى!

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461