الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه16%

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه مؤلف:
تصنيف: دواوين
الصفحات: 345

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه
  • البداية
  • السابق
  • 345 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 81482 / تحميل: 8117
الحجم الحجم الحجم
الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

هكذا كالنور تفنى

كل أحلامك لبنى

فخذي حظك من دنياك قبل الارتحال(١)

وهكذا كانت بدايات الشاعر. أشعار عاطفية وأبيات في الوجد والحب تفصح عن شعور صادق ، أحاسيس جياشة تبثها نفس الشاعر الشاب في فترة هي من أجمل فترات العمر المفعمة بالحركة والنشاط والحيوية.

وبدأ الوعي الفكري ينمو في شعور الشاعر ، وأخذت الأفكار تستحوذ على أدبه ، فبدأ ينظم قصائد رصينة المعنى ، محكمة البناء ، قويمة المحتوى والمضمون وهو في سن التاسعة عشرة من عمره. وتستوقفنا أربع قصائد نظمها الشاعر في هذه السن ، الاولى : قصيدة « التقاليد » التي قال في مطلعها :

تقاليدٌ تجرّ لك الشجونا

واوضاع تجرعك المنونا(٢)

وقد نقد الشاعر في هذه القصيدة التقاليد السقيمة التي كانت تجور على نظم الاصلاح الدينية والاجتماعية وتحول دون تقدم المجتمع ورقيّه.

أمّا القصيدة الثانية فهي قصيدة « وادي السلام » ، وفيها وصف رائع ودقيق لمقبرة النجف الشهيرة. وتعد هذه القصيدة من أروع قصائد الشاعر التي قالها وهو في هذه السن لما تحمل من أوصاف رائعة وأفكار فلسفية تفصح عن نضج فكري مبكر تمتع به الشاعر ولما يزل في نضارة العمر. ومن أبيات هذه القصيدة :

__________________

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ١٩ ، ٢٠.

٢ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٢٨.

١٠١

على الذكوت البيض من جانب الوادي

قفا ساعةً واستنطقا الأثَر البادي

فكم فيه معنىً لا يفي ببيانه

لسان فصيح أو يراعةُ نُقّاد

وكم عبرة خرسا بها نطق البلى

فأفصح تبياناً على غير معتاد

الى ان يقول :

فيا صفحة الوادي وأنت سجله

أتدرين كم مرّت قرون على الوادي

وكم قد تلاشت في ثراه مفارق

وكم طويت فيه أكاليل أسياد

وكم صولجان قد تداعى كيانه

به وعروش دكها الزمن العادي

ورب لسان مفصح عاد أخرساً

وخانتهُ للتعبير قوّة ايجاد

وكان محالاً عنده الصمت فاغتدى

لسلطانه الجبار أطوع منقاد

فهل طويت منه الفصاحة في الثرى

وهل أخمدت في أثرها روعة النادي(١)

والقصيدة الثالثة قصيدة « العقل » وهي كسابقتها من حيث متانة الأفكار ، وقوة المعاني والمضامين. يقول الشاعر في بعض أبياته :

وازِن بعقلك فالحجى ميزان

وزنت به عرفانها الأذهان

وانهج على منهاجه كيما ترى

حججاً عليها ينهض الوجدان

فيه فلاسفةُ الوجود تمكنوا

من حد مالا يدركُ الأنسان

عرفوا به كنه الأثير فحللوا

ذّراته في ذاتها وأبانوا

واستخرجوا روح النبات وماله

من جوهر ينمو به الحيوان

حتى أرونا للذوات حقائقاً

كشف الغطا عن نورها البرهان(٢)

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٩٧ ، ٢٩٨.

٢ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٨٤.

١٠٢

أمّا القصيدة الرابعة فهي بعنوان « بلبل الروض » وقد بث فيها الشاعر حسراته على أيام الطفولة التي كان ينعم بهنائها وصفائها مبتعداً عن الأحزان والآلام :

والهفتاهُ على عصر مضى هدراً

عصر الطفولة أنت اليوم مفقود

اذ كنت فيك عن الآلام مبتعداً

واليوم قلبي من الآلام محشود

فلا أرى سولة لي عنك تنعشنى

وكيف يسلو معنّىً وهو معمود(١)

وأول قصيدة بدأ يسطع نجم الشاعر من أفقها هي قصيدة « الحقيقة » التي نظمها عام ١٩٣٨ م ، وألقاها في الحفلة التي عقدها السيد محمد رضا الصافي(٢) في بيته احتفاءً بزفاف الأديب السيد محمد علي البلاغي صاحب مجلة الاعتدال. وقد نالت تشجيعاً أدبياً قيماً في حفل محتشد برجال العلم والادب. وفي القصيدة اشارة الى مواطن التخلف والجهل التي شقي بها الشرق ، ودعوة الى النهوض واليقظة لمسايرة ركب المدنية والحضارة :

أما آن عن وجه الحقيقة ينجاب

سجاف عليها قد أذيل وجلباب

ألا ينجلي هذا الظلامُ بمشعلٍ

لتهدى عقول تائهاتٌ وألباب

الى كم بهذا الجهل تشقى عقولنا

ويخدعنا من خلّب الغي جذاب

وحتامَ نبقى والقشور نصيبنا

وقد اوصدت فوق الحقيقة أبواب

لقد ضللت تلك العقول فلم تجد

سناً تهتدي فيه اذا هي تنتاب

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٣٢٢.

٢ - السيد محمد رضا الصافي ( ١٢٩٨ - ١٣٦١ ه ). سياسي قدير ، وأديب رقيق الروح. كانت له مساهمات فعالة في العمل السياسي والوطني. ( شعراء الغري ، ج ٨ ، ص ٣٩٢ ).

١٠٣

وكيف ترى نهج الحقيقة والهدى

وقد جللته للأضاليل أثواب

وحتى متى تنجو من الجهل أمة

بها علقت من آفة الجهل أنياب(١)

أما عن طريقة النظم التي تَميّز بها الشاعر عن سائر شعراء عصره ، فيقول عنها : « نظمت الشعر في العقد الثاني من عمري ، وطريقتي في نظم الشعر نادرة إذ اني أنظم القصيدة الطويلة على لوحة خاطري وتبقى أياماً مرتسمة في حافظتي ثم اكبتها واصلح ما يلزم إصلاحه منها. وبسبب هذه المنحة التي منّ بها المنعم أصبح من السهل على إلقاء قصائدي في الاحتفالات بدون ورق شبه المرتجل وإعادة مواردها مراراً من أي موضع يطلبه المستعيد وإن كنت في آخر القصيدة كأنها مرسومة في ورقة أمام ناظري(٢) ».

__________________

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٢٢٦.

٢ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٨

١٠٤

ثانياً : المؤثرات

لا يخفى أنّ الشاعر بحكم احساسه المرهف وروحه الرقيقة يتأثر بعوامل عديدة تنعكس على عواطفه وخواطره وتلقي بظلالها على شعره وأدبه. وتشكل هذه العوامل الحدر الاساس في بناء أدب الشاعر وتكوين هيكليته وأساسه. والشيخ الفرطوسي وهو الشاعر الذي حمل بين حنايا ضلوعه قلباً حساساً وروحاً شاعرة وعاطفة ثائرة كان لا بد ان يتأثر بالعوامل المحيطة به وأن يعكسها على مرآة شعره وأدبه. ومن هذه العوامل :

١ - المحيط* :

لا شك أنّ للمحيط الأثر الأكبر في بلورة شاعرية الشاعر وتحديد معالم أدبه وشعره. وكما قال الفرطوسي : « إنّ للمحيط الذي يتشبع ذهن الانسان بخواطره وتملأ عينه بمناظره. والحياة التي يعيش في رغد نعيمها أو نكد جحيمها. والنكبات التي تفاجئه بها الحوادت فيتلقاها بالثبات او يستسلم لسلطانها. والاتجاهات العاطفية التي تسير بالنفس الى شواطيء رغباتها. كل هذه العوامل لها أثر واقعي في توجيه أدب الشاعر وتكييفه لان الأدب موهبة من مواهب النفس ، والنفس تتأثر بهذه الدواعي فلابد وأن يظهر لونها على الأدب(١) ».

ولون الأدب عند الفرطوسي هو لون الحزن والألم بل قل لون العذاب

__________________

* - ليس المقصود من الميحط هنا البيئة التي عاشها الشاعر وتأثر بأجوائها. فهذا موضوع سبق أن بحث في الباب الأول من هذه الدراسة. وانما المقصود من المحيط هو العوامل غير البيئية التي حدقت بالشاعر وأثّرت عليه وشاركت في حوك نسيجه الشعري المتميز.

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٢٦.

١٠٥

والشقاء فقلما أحس الشاعر ساعة هناء أو استساغ فمه طعم نعيم خلال العقود السبعة التي عاشها وما أصعبها من عقود. وعن أسباب هذا الحزن يقول الشاعر : « أعيش في زوايا مظلمة من بيت قديم متداعي لا تجد الشمس فيه مدخلاً سهلاً لأشعتها ومتى ضاقت النفس من سجن هذا القفص وطلبت التمتع بالفضاء الرحب والنسيم الطلق ذهبت الى « وادي السلام » وماذا بالوادي غير قبور بالية ومناظر حزينة باكية تستعرضها فتمر في ذهنك ذكريات عشرات من القرون الغابرة طويت أجيالها في صفحاتها ويهيمن على نفسك وأنت تستطلع الطريق بين أرمالها سكون ذلك الوادي الرهيب وروعته وجلاله. كما أني أرتاد في كل عام بعض المناطق القروية وهي طافحة بصور الفقر والبأساء متحشدة بمناظر الحزن والألم فتطبع في القروية وهي طافحة بصور الفقر والبأساء محتشدة بمناظر الحزن والألم فتطبع في نفسي من هذه وتلك ألوان من الصور الكئيبة وتحز في قلبي مدى من آلامها(١) ».

ويستشف من شعر الفرطوسي الكثير الكثير من ضروب البؤس والشقاء التي تقاطرت على الشاعر من كل حدب وصوب وبحلقات متسلسلة ومتواصلة :

حياتُك واليأس صُنوٌ لها

ومنها الرّدى فَرقاً يفزع

حياة الجحيم على ما بها

الى جنبها رغدٌ ممتع

حياةٌ ترقُ لها الحادثات

ويرثي لها الألم الموجع

عجبت لقلبك يحيى بها

وفي كلّ آن له مصرع

حياتُك يا منبعَ العاطفات

ضروبُ الشقاء بها تنبع

له ألفُ مطلع حزن يُرى

وما للسرور بها مطلع

وأنت على ما بها من عناً

يقض له الجنب والمضجع

أراك ولوعاً بآلامها

فرفقاً بنفسك يا مولع

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٦ ، ٢٧.

١٠٦

فهل عندك الألم الموجع

هو الأملُ الباسم الممرع(١)

وقصيدة « قلبي » التي نظمها الشاعر عام ١٩٥٢ م تصور وبكل وضوح وشفافية حياة البؤس والنكد التي واكبت مسيرة الشاعر في مختلف أدوار حياته :

قلبي لمستك جمرة في أضلعي

صعّدتها لفمي فكانت مطلعي

ولمحت نورك موجة في ناظري

طفحت فسالت في شقائق أدمعي

ولقد عهدتك بلبلاً يهفو على

نغم بقيثار الشعور موقع

يهتز للألم الحزين كأنه

أملٌ يسامره بلحن ممتع

ويطير من اُفق خصيب كيفما

يهوى الى افق خصيب المرتع

وأراك في افق الخيال وقد دجا

شبحاً ضئيلاً هامداً في بلقع

فعلمت انك من جمودك جثة

اضحى لها قفص هامداً كمصرع(٢)

واضافة الى القصيدة ذاتها فأنّ تعبير الشاعر في مقدمة القصيدة يفصح عن عمق الحزن الذي تخلل قلب الشاعر ولم يترك فيه فسحة للنعيم والهناء :

« غارس يزرع الأمل ويحصد الألم ، حقل ينبت الورد ويجتني الشوك. جدول يروي الظماء من معين الحياة ويموت ملتهباً ظامئاً. بلبل سجين في قفص مظلم يطرب السامع من الحانه الكئيبة وهو باك حزين. روح يوحي السعادة ويعيش بشقاء. هذا هو قلبي فأين السعادة والنعيم من هذا الشقي المعذب ».

ولم يحن لمسلسل البؤس ان ينتهي. فقد نكب الشاعر بحشد من النوائب وافواج من المصائب بددت أعز أفراد أسرته ، وأجهزت على خيرة أهله وأحبائه.

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٢٣ ، ١٢٤.

٢ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ١٣٣ ، ١٣٤.

١٠٧

ففي عام ١٣٦١ ه نكب الشاعر بمصرع أخيه الشاب « جبار » إثر عملية جراحية فاشلة. ولم تمض سنة حتى نعي بوفاة ولده « عبدالرزاق » وذلك عام ١٣٦٢ ه وما هي الاّ سنوات ويفقد الشاعر طفله « علي » عندما كان يمرح مع أترابه في ملعب الطفولة. ثم يأتي عام ١٣٧٢ ه ليفجعه بأخيه الأكبر الشيخ عبدالزهراء.

وعلى الرغم من كل ما قاسى الشاعر من مصاعب وآلام ، وما تحمل من شقاء وعذاب ، فانه بقي صلب العود ، قوي الايمان ، راضياً بقضاء الله ، غير قانط من رحمته ، متحلياً بالصبر في كل حال من احواله :

لقد شهد الدهر المحددُ نابهُ

علي بأني قد أبنت به الكسرا

وما أنكرت مني الصروف صلابة

تعودتها ما اقبلت زمراً تترى

وكنت اذا جازت مساحة اصبع

إلي صروف الدهر جاوزتها شبرا

تتوق لانغام الخطوب صبابة

وتهتز نفسي من تقاطيعها بشرا

وتنعم عيني بالظلام كأنما

سواد الدجى كحل لمقلتها العبرى

تأملت في هذي الحياة فلم أجد

بها لي الاّ مسلكاً موحشاً وعرا

كأن خطوب الدهر آلت وأقسمت

على نفسها أن ترغم الفطن الحرا

رضيً بقضاء الله إن كان قد قضى

علي بأن اشقى وطوعاً لما اجرى

وصبراً يراعَ الحر انّك مثلُهُ

غريب فلا تستعظم الخطب والأمرا

تروم بأن تحيا من الدهر مطلقاً

ويحكم إلاّ أن تموت به أسرا(١)

ولا ننسى ونحن نستعرض ألوان الشقاء التي اصطبغت بها حياة الشاعر أن نذكر نكبته ببصره حيث حرم النور ولما يبلغ الخمسين من عمره. وقد كان وقع هذا الخطب على نفسه عظيماً حيث أثار لواعج احزانه وجدد قديم آلامه وأشجانه.

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٥٦ ، ٢٥٧.

١٠٨

ومن أليم قوله في هذا الشأن : « أفق حزين أطبقت عليه ظلمة اليأس وهو منبع النور والأمل يقتات من بقايا الصور الخيالية المرتسمة على مرآة الذهن فهو مصباحه ، ويستاف من زفرات قلبه المحترقة عبيره ونفحاته ، فهو حقله ومجمره. ويستمد من وعي الروح المنطلق قوته ونشاطه فهو حياته يحدق في النجم فلا يرى غير الضئيل من شعاعه ويرمق الزهرة فلا يدرك سوى اللون الواضح من جمالها يرنو للوجه الحسن فلا يحس بغيرالروعة البارزة من قسماته. هذا هو بصري وهذه صور من الألم أرسمها على صفحات هذا اللوح الكئيب :

ربيعَ العمر والآمال تجلى

وأنت الخصب قد أجدبت محلا

ويا أفق الحياة ظلمت نجما

أشاب اليأس من عينيه طفلا

أهذا الجو للغربان ملك

فحيث تحل منه لها أحلا

وأقفاص البلابل وهي تشدو

لها قد أصبحت سجناً وغلا

أحدق بالنجوم دجى فتخفى

على طرف بداج الاُفق ضلا

كأن الليل مدّ عليه سجفاً

وألقاه على عيني ظلا

فلا نجم يلوح ولا شعاع

لعين بافتقاد النور ثكلى

أرى الوجه الجميل ولا أراه

وأسلوه وكيف الحسن يُسلى

وأمتع بالشذى الفياح شوقاً

الى النفحات حين أرود حقلا

وألمس ورده بيديّ لما

حُرمت جماله لوناً وشكلا »(١)

ومن هنا أصبح لون الحزن والألم مميزاً في شعر الفرطوسي يتجلى في معظم نظمه ويشيع في أغلب قصائده. ولا غرو في ذلك فمن يمّر بمثل ما مّر به الفرطوسي ، ويتجرع الغصص التي تجرعها لحقيق بأن تظهر عليه آثار الحزن ومظاهر الألم.

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ١٣٠ ، ١٣١.

١٠٩

٢ - العقيدة :

للعقيدة الدينية مكانتها الخاصة في شعر الفرطوسي. فقد اهتم الشاعر في منهجه الأدبي بالجانب العقائدي اهتماماً كبيراً هيمن على جلّ نتاجه الشعري. ويشكل هذا الأهتمام اتجاهاً واضحاً في مسيرة الشاعر. فقد دأب الشيخ في الألتزام وحرص على توظيف أدبه في خدمة الدين ونشر الثقافة الاسلامية المتمثلة بمبادىء الرسالة المحمدية ، ومعارف أهل البيتعليهم‌السلام .

ومن المعروف أنّ التزام الشيخ الفرطوسي هو التزام ديني قبل ان يكون التزاماً أدبياً. فقد عرف الشيخ في الأوساط الدينية ب « الانسان التقي الذي تعيش التقوى في كل مواقع حياته وفي كل دوائر علاقاته وفي حسن العبادة وخشوعها وابتهالها ، وفي كل آفاق الالتزام الديني الذي يجعله يحتاط فيه ، ويحتاط له حتى يشتدد على نفسه ليتأكد انّه قد أدّى واجبه امام الله بشكل كامل غير منقوص(١) ».

ويبرز الالتزام العقائدي عند الشاعر اكثر فأكثر حين ينظم قصائد المديح والرثاء في النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وأهل بيتهعليهم‌السلام . وقد اكثر الشاعر النظم في هذا المجال حتى شمل ثلث ديوانه ، هذا بالاضافة الى موسوعته الشعرية الكبرى - ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام - التي تجاوزت الأربعين ألف بيت.

ومرجع هذا التفاني في احياء الفكر الاسلامي ونشر معارف أهل البيتعليهم‌السلام انما يعود الى التربية الاسلامية التي نشأ عليها الشاعر وتربى في احضانها وترعرع في ظلها الوارف.

وتتجسد العقيدة الدينية في شعر الفرطوسي من خلال رؤيته الواضحة

__________________

١ - محمد حسين فضل الله ، من كلمة له في تقديم الجزء الثامن من ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ص ٣.

١١٠

ومعرفته الدقيقة للدين الاسلامي. فهو من هذا المنظار يعرف جيداً كيف يلقي الضوء على العقائد الاسلامية ، ويصورها في شعره من الزاوية التي يجب أن تصور وفي الاتجاه الصحيح والسليم.

ومن مميزات الصورة التي يرسمها الشاعر في شعره العقائدي انّه عندما يتناول موضوعاً في هذا المجال يمهد له في باديء الأمر بمقدمات تكون ضرورية في الغالب لبسط الموضوع ودرك فحواه. وبعد أن يستوفي الغرض في المقدمات يعرج على ذكر البراهين والحجج التي يمكن عن طريقها التوصل الى الحقيقة المنشودة ، والغاية التي من اجلها أنشد قصيده. وفي مثل هذه المواضع يكثر الشاعر من ايراد الشواهد والأمثلة التي من شأنها أن تساعد على استيعاب الموضوع بأسهل صورة ممكنة.

فمثلاً عندما يتناول الشاعر موضوع ولاية الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، يذكر في البداية مقدمات في مناقب الامام وفضله وكذلك مواقفهعليه‌السلام التي حفظت للدين الاسلامي عزته وكرامته :

لك بالامامة واضحات دلائل

بنهارها يُمحى ظلام الباطل

كالسيف تشهر وهي أعظم سطوة

في وجه كل معاند ومجادل

يا واحدَ الدنيا المخّلدَ ذكرُه

بخلائق قدسيَّةٍ وشمائل

خلّدت للاسلام مجداً باذخاً

يربو على افق السما المتطاول

وأشدت للدين الحنيف منازلاً

لولا حسامُك لم تكن بأواهل

وبنور نهجك وهو منبع حكمة

متدفق اوضحت ايَّ مشاكل

أوردتنا فيه نميراً صافياً

يمنى لخير موارد ومناهل

أحكمته بقواعد حكمية

كفلت بيان اصول كل مسائل

١١١

تقف العقولُ أمامه مسحورة

ببيانه وبنسقه المتواصل

انت المحيطُ معارفاً لكنما

لم تحوِ غيرَ جواهر وفضائل

ومن ثم ينتقل الشاعر الى اثبات ولاية الامامعليه‌السلام بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة مستشهداً بأحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الخصوص :

عيد الغدير وأنت أعظم شاهد

بانت به للحق خيرُ دلائل

يومٌ به قام النبيّ مبلغاً

من ربّه نصّ البلاغ النازل

والناس بعضهم غدا متواصلاً

بالبعض في حشد عظيم حافل

نادى بهم والحق يشهد انّه

لولا الحقيقة لم يكن بالقائل

من كنت مولاه فهذا حيدر

مولاهُ بالنص الجليّ الكامل

هذا اميرُ المؤمنينَ اميرُكم

وخليفتي فيكم بقول شامل

لكنما غشيت عميً وضلالة

تلك البصائر بالضلال الحائل

نبذوا الكتاب وراءهم وتنكبوا

عن منهج الحق الصريح الفاصل

عدلوا عن الحبل المتين غواية

وتمسكوا من غيّهم بحبائل

ويواصل الشعر ردّه على شبهات المعاندين بكثير من المناقب والفضائل التي خص بها الامام دون غيره من الصحابة والتابعين :

قل للمعاند قد ضللت جهالة

سفهاً لعقلك من عنود جاهل

أعماك غيك أن ترى نور الهدى

فتسير في نهج البصير العاقل

أمن العدالة أن يؤخرَ سابقٌ

ويقدَم المفضولُ دون الفاضل

هذي فضائله وذي آثاره

سطعت بآفاق الهدى كمشاعل

فتصفح التأريخ فهي بوجهه

غرر صباح نظّمت كسلاسل

١١٢

ينبئك من واسى النبيّ محمداً

بمواقف مشهورة وغوائل

وفداه عند مبيته بفراشه

في نفسه فوقاه شر الباطل

ومن الذي اردى الوليد وشيبة

في يوم بدر بالحمام العاجل

وبيوم احد من طغت عزماته

فرست جبالاً في الزحام الهائل

من فرق الأحزاب حين تجمعت

فرقاً وما في القوم غير الناكل

ورمى على وجه الثرى اصنامها

لما رقى من فوق أشرف كاهل

وبكفه حصن اليهود قد اغتدى

متلاطماً كالموج فوق الساحل

ومن الذي ردت له شمس الضحى

لما أشار لها ارجعي في بابل

وفضائل ليست تعد و« هل اتى »

و« النجم » و« النبأ العظيم » دلائلي

عميت عيون لا ترى شمس الضحى

عند استقامة كلِ ظل مائل

عيد الغدير وأنت اكرم وافد

وافى من البشرية بخير رسائل

عيد به الاسلام اضحى حافلاً

فرحاً بتتويج الامام العادل

عيدٌ به شمس الحقيقة أشرقت

والحق اطلق من شباك الباطل

ما جادت الدنيا لنا في مثله

أبداً ولا تأتي له بمماثل

حقّاً يُخلَّد ذكرهُ وعلاؤهُ

وبه يُخلَّد ما تخط أناملي(١)

وعلى هذا النحو تتمثل العقيدة الاسلامية في شعر الفرطوسي بأوضح صورها وأتم معالمها ، مما لا تدع مجالاً للشك في اخلاص الشاعر تجاه دينه ومعتقده الذي حرص على أدائه بأكمل ما يمكن من وجوه الدقة والكمال.

__________________

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ١١٧ - ١١٩.

١١٣

٣ - التاريخ :

لم يغفل الشيخ الفرطوسي عن مكانة التاريخ في التعبير الشعري ومدى تأثيره في حياة الناس. فقد استخدم الشاعر هذا العامل المحفز للإشادة بأمجاد السلف وتذكار تراثهم العريق الحافل بالمفاخر والبطولات ليستنهض همم أبناء جلدته ، ويثير في نفوسهم الحماس والحمية من أجل الدفاع عن مبادئ الدين القويم ، والحفاظ على سيادة الوطن واستقلاله.

وكثيراً ما أشاد الشاعر بالماضي القديم ليستعيد من وهجه المضيء قبساً ينير درب المستقبل الذي اظلمته الحروب والويلات وعكّرت صفوه النوائب والأزمات :

عزائم العرب ثوري وانضي فينا

الى الوغى وأعيدي مجد ماضينا

ورفرفي يا بنودَ الحقِّ خافقةً

بالنصر واستقبلي دنيا أمانينا

قد آن أن تملأ الدنيا عزائمنا

ناراً موقدة تُصلي أعادينا

فتلك أوطاننا أضحت بها علناً

بشائرُ النهضة الكبرى تحيّينا

ثارت فلم يبق في دنيا الفخار فمٌ

للعرب إلاّ ولبّاها تلاحينا

وطاف في الشرق صوت الحق فابتهجت

له النفوسُ ولبّته مواضينا

واستنهض المجد من أبناء نجدته

عزائماً بعثت روح الإبا فينا(١)

ويلح الشاعر على تصفح التأريخ المجيد ليقرأ في صحائفه الوضّاءة أمجاد أمّته الخالدة التي حققت النصر والغلبة تحت راية الأسلام وبنصر من الله مؤزّر :

يا أمة خانها في الشرق طالعها

فعاد في صفقة الخسران مغبونا

سلي الحوادث عن تأريخ نهضتنا

«واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا»

____________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢١٧.

١١٤

كم نهضة في سبيل المجد خالدةٍ

جبارة قد أقامتها مواضينا

هاتيك « أندلس » للآن ما برحت

آثارنا في ضواحيها تنادينا

غداة سرنا ونصر الله يصحبنا

وراية الحق والاسلام تعلونا

« فما انثنينا ولا فلت عزائُمنا »

حتى فتحنا وأمست طوع أيدينا

وكيف نثنى ولم يُرفع لنا علمٌ

إلاّ وعاد بنصر الله مقرونا(١)

ولم يكتف الشاعر بتذكار الماضي البعيد ، بل راح يشيد بأحداث قريبة العهد من مثل ثورة العشرين التي فجرها الشعب ضد المحتل الأنجليزي في مطلع هذا القرن :

يا ثورة العشرين يوُمكِ غُرةٌ

في جبهة التاريخ لا تتغير

ميلاد نجمك بين أحضان الضحى

والشمس مولدها الصباح المسفر

أفق الفرات ومهده قد أنجبا

فية وها هو بالارومة يفخر

حملته وهو المجد بين ضلوعها

اُمٌ ولودٌ كالعفرنى تزأر(٢)

حتى اذا وضعته في لجج الدِما

كرها وعاصفة المنية تجأر

حضنته جارتُها وأضحت تدعي

فيه وهل تلد العقيمُ وتثمر

وتفيأت منه الظلالَ وامّه

تصلى برابعة الهجير وتُصهر

واستثمرته كأنما هو غرسةٌ

منها اجتناها الغارس المستثمر(٣)

وهكذا ينفذ التاريخ إلى شعر الفرطوسي عبر أحداثه المتفاوتة وأزمانه المختلفة ليشكل منعطفاً هاماً وجزءاً كبيراً من نتاج الشاعر وخاصة نتاجه في حقل السياسة والعمل الوطني.

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢١٩.

٢ - أسد عَفرنى ، أي شديد قوي. ( لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٢٨٥ ).

٣ - ديوان الفرطوسي ، ج ٢ ، ص ٧٣.

١١٥

ثالثاً : الخصائص

١ - التوظيف والألتزام :

لعل من أهم الخصائص التي امتاز بها الشاعر الفرطوسي في منظوماته وأشعاره ، الهدفية والألتزام التي واكبت مسيرة شعره اكثر من خمسة عقود. ونعني بالألتزام هنا ، الألتزام بمعنييه العام والخاص. فالاول وهو أن يتناول الشاعر مشكلة اقتصادية أو سياسية تتصل بالهموم العامة للأنسان في محاولة منه لمعالجتها وايجاد سبل لحلها من خلال المعيار الاجتماعي والفردي(١) .

أمّا الألتزام بالمعنى الخاص فنقصد به الأدب الذي جسّد الاسلام في حقيقته وتناول في أغراضه المختلفة سيرة ومعارف أهل البيتعليهم‌السلام (٢) .

وفي كلا المعنيين نجد الفرطوسي يوظف شعره في الاتجاهين المذكورين سواء الاتجاه الاجتماعي والسياسي أو الاتجاه الديني المتمثل بنشر حقيقة الاسلام ومعارف وعلوم أهل البيتعليهم‌السلام .

ففي المعنى الاول يتجه الفرطوسي اتجاهاً واضحاً لا غبار عليه محاولاً من خلاله معالجة قضايا المجتمع والأخذ بعين الاعتبار سبل الأصلاح والتوعية. ولا تمضي سنة من عمر الشاعر إلاّ ونقرأ له شعراً في هذا الخصوص. ففي سن التاسعة عشرة مثلاً ينظم الشاعر قصيدة « التقاليد » التي دعا فيها أبناء جلدته الى اليقظة والنهوض من أجل الاصلاح والتعليم وخاصة تعليم الجنسين وتربيتهما ترتبية صالحة وسليمة :

__________________

١ - محمود البستاني : الاسلام والفن ، ص ٩.

٢ - محمود البستاني : تاريخ الأدب العربي ، ص ٤٤٢.

١١٦

أفيقوا يابني وطني عجالا

فما يجدي الرقادُ النائمينا

وهبّوا فيه للاصلاح كيما

نراكم للتمدن ناهضينا

أليس ثقافة الجنسين فرضاً

تقوم به الرجال المصلحونا

وفي نور المعارف خير هادٍ

طريق يقتفيه السالكونا

جمال الشعب يوماً أن نراه

يسير الى الثقافة مستبينا

وان ثقافة الأحلام نورٌ

به يُهدى الشبابُ الواثبونا(١)

وفي سن العشرين ينشد قصيدة « غارس الورد » التي أشار فيها الى مآسي الفلاحين وما يعانون من شظف في العيش وضيق في الحياة :

يا غارس الورد حاول أن تنسّقه

في خير سلك من التنظيم موزون

ايّاك ايّاك أن تسعى بتفرقة

بين الشقيقين من تلك الرياحين

فضمّ ما عشت ورد الاقحوان الى

ورد الشقيق خدود الخرد العين

واشفق على النرجس الذاوي بجنبهما

اني لأخشى عليه ساعة الهون

هذي الازاهير وهي الحسن أجمعه

فيها تمتع من حين الى حين

وخلّ عنك أعاصير الهموم فقد

أفنيت عمرك في تلك الميادين

ما أنصفت أممٌ جبارةٌ غصبت

منك الحياة بظلم غير مسنون

هل العدالة تقضي أن تضام بها

أم تلك حكمة هاتيك القوانين(٢)

وهكذا دواليك في باقي قصائده الاجتماعية والسياسية الكثيرة من مثل « الحقيقة » و« فلسطين » ، و« الى الاغنياء » ، و« مآسي الحرب » ، و« اليتيم » ، و« السعادة ». وهذه الأخيرة تعد من خيرة قصائد الشاعر الاجتماعية التي تناول فيها الفوارق الكبيرة بين طبقتي الاغنياء والفقراء مصوراً فيها حياة البؤس والشقاء

__________________

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٢٢٩.

٢ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٣١٧ ، ٣١٨.

١١٧

التي كان يحياها معظم الناس دون الاقلية من الاغنياء.

هذا على الصعيد الأجتماعي والسياسي ، أمّا على الصعيد الديني فقد اهتم الشاعر بهذا الجانب اهتماماً كبيراً بلغ فيه أن خصص قسماً كبيراً من نتاجه الأدبي لهذا الغرض. فثلث ديوانه المكوّن من جزئين يختص بذكر أهل البيتعليهم‌السلام ، وموسوعته الشعرية الكبرى - ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام - التي جاوزت الأربعين الف بيت تندرج في الإطار ذاته. ولهذا عرف الشيخ الفرطوسي في الأوساط الادبية والدينية بشاعر أهل البيت لغزارة شعره وكثرة نظمه فيهمعليهم‌السلام .

ومنشأ هذا الألتزام بشعر وأدب أهل البيتعليهم‌السلام انّما يعود الى التربية الاسلامية المبتنية على حب أهل البيتعليهم‌السلام والتي ترعرع الشاعر في ظلها واستضاء بقبس نورها وضياء هدايتها. وقد عبر الشاعر عن هذا الحب المتأصل في ذاته في مواقع كثيرة ، منها قوله:

على حبّكم يا آل بيت محمدٍ

ترعرعت في مهد الطُفولة ناشيا

وعندي من وحي الولاء عواطف

عرفت بها حبّي لكم وولائيا

صهرت بها روحي هدى وعقيدة

وأفعمت بالايمان منها فؤاديا

فؤادٌ بكم غالى هوىً وصبابةً

فأصبح فيكم مغرماً متفانيا

أغذيه عذباً من غدير ولائكم

يعب به عباً ويصدر ظاميا

وأعجبُ من قلب يعب معينه

ويصدر ريّاناً من الحب راويا(١)

ومهما يكن من أمر فأن الشاعر من جهة حرص كل الحرص على أن يوظف شعره وأدبه في خدمة المجتمع ليعالج من خلاله شؤونه الاقتصادية والسياسية والثقافية. ومن جهة اخرى تبنى موقفاً دينياً واضحاً يهدف الى خدمة الدين الاسلامي ونشر معارف أهل البيتعليهم‌السلام .

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٥٢.

١١٨

٢ - الواقعية والموضوعية :

سيطر الواقع الاجتماعي والسياسي على شعر الفرطوسي سيطرة بعثت فيه روح الاندفاع نحو الأصلاح والنهوض بوجه الأمر الواقع الذي يفرضه المستعمر الغاشم بشتى حيله الاقتصادية والسياسية والثقافية. فكان الشاعر يدرك هذا الواقع المر من خلال حسه الشعوري المرهف وتواجده الفاعل والمستمر في الساحة. وكان مواظباً في تصويره للواقع الاجتماعي والسياسي مبتعداً عن حالة الغموض والرمزية مستخدماً الطريقة المباشرة في التعبير ليتسنى لعامة الشعب فهم رسالته واستيعابها بسهولة.

وكان الشاعر يعيش مع الأحداث ويواكب مسيرتها خطوة بخطوة ، ويحاول الالتفات الى منعطفاتها الخطيرة التي تذهب بالأمة الى هاوية الانزلاق والسقوط. فنلحظه مثلاً عندما نشبت الحرب العالمية الثانية يصرخ مندداً بهذه الطامة العظمى التي أضرمتها نار الأحقاد والضغينة لتحيل نعمة الأرض وخيرها نقمة وشقاءً :

إنّها الحرب أضرمتها سعيراً

بلظاها الأحقاد والبغضاء

قد أشابت حتى الجمادات هولاً

وهي بكرٌ فتيّةٌ عذراء

تخذوها الى المطامع جسراً

كونته الأغراض والأهواء

ظلموا العالَم الوديعَ اغتصاباً

ليفوزوا بها فخاب الرجاء

ألقحوها وهم شقوا بلظاها

ويظنّون أنّهم سعداء

كم أساؤا الى الحضارة فيها

ليتهم أحسنوا كما قد أساؤا(١)

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٥٩.

١١٩

وما ان وضعت الحرب أوزارها حتى بدأ التأزم الاقتصادي يتفاقم ، وبدأت المشاكل تتوالى الواحدة بعد الاُخرى ، وبدأ الفساد يدب في المجتمع دون رادع ومانع. فعزّ على الشاعر أن يرى أبناء شعبه وهم يتخبطون في البؤس والشقاء ، فأشاد بالاصلاح ودعا المصلحين إلى العمل من أجل خلاص الشعب من ربقة العناء والألم :

رُحماك يا مصلح الأخلاق بالبشر

لم يبق فيه لقوس الصبر من وتر

انّ الفضيلةَ لم نبصر لها وضحاً

وهل تُحسُّ بلا عين ولا أثر(١)

ومنبتُ الخير قد غاضت منابعهُ

وموقد الشر يطغى من لظى الشرر

والكون مجزرةٌ تبدو لناظرها

من الضحايا بها آلاف محتضر

ومعرض حاشد بالبؤس قد مثلت

به الفضائعُ أشكالاً على صور

ضاعت مقاييس إصلاح منظمة

لكلّ وضعٍ من الإفساد منتثر

فأختلّ منّا نظامُ الاجتماعِ لها

حتى بدا فيه نقصٌ غيرُ مستتر

وأُبعد النبلُ عن قوم به عرفوا

وقرّبوا بعد عرف الحق للنكر

وكل شيء على عكس المرام بدا

مشوه الشكل بعد المنظر النضر

ولا نحسّ لهذا النقص من سببٍ

سوى اختلال نظام العالم البشري(٢)

ولم تقتصر نداءات الشاعر ومناشداته الاصلاحية على عصر أو حكم. فكما طالب بالاصلاحات في العهد الملكي نراه يطالب بها وباندفاع أكبر في العهد الجمهوري. ومواقفه في هذا الخصوص كثيرة ، منها قصيدته اللاذعة التي ألقاها في المهرجان الكبير الذي اُقيم في مدينة النجف عام ١٩٦٣ م بمناسبة مولد الامام الحسينعليه‌السلام والتي قال فيها :

__________________

١ - الوَضَح : الضَّوء. ( لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ٣٢٣ ).

٢ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ١٤٤ ، ١٤٥.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

التي تحدث بها في الرقاق قال: وضعناها لنقوي بها قلوب العامة، قال: وكان يتزهد ويهجر شهوات الدنيا ويتقوت الباقلاء صرفاً، وغلقت الأسواق ببغداد يوم موته!... وقد نص السلف على أن القصص بدعة، وأن التزهد والتقشف الخارج عن السنة بدعة أيضاً. انتهى.

لكن ذكرت مصادر إخواننا أن أول من فتح الباب للقصاصين وأعطاهم الشرعية هو الخليفة عمر.. قال أحمد في مسنده ج ٣ ص ٤٤٩: عن السائب بن يزيد: أنه لم يكن يقص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر، وكان أول من قص تميماً الداري، استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائماً فأذن له عمر!

وقال في كنز العمّال ج ١٠ ص ٢٨٠: عن ثابت البناني قال: أول من قص عبيد بن عمير على عهد عمر بن الخطاب ابن سعد والعسكري في المواعظ.

العامل الثاني: الخوف من أن يؤدّي التنزيه إلى التعطيل

أفرط بعضهم في التأكيد على الصفات السلبية وتنزيه الله تعالى، فسبب ذلك عند الآخرين الخوف من سلب فاعليته تعالى وتأثيره في الوجود.

ولكن هؤلاء المتخوفين وقعوا في الإفراط من الجهة الأخرى في الصفات الثبوتية، فتصوروا أن فاعلية الله تعالى وتدبيره للكون يتوقف على أن يكون وجوداً محدوداً، يتجول في سماواته وينزل إلى أرضه ويتجسد في صورة إنسان.. إلخ. ونلاحظ أن هذين الخطين من الإفراط والتفريط موجودان عند المتكلمين والفلاسفة من الأمم السابقة كما هما في هذه الأمة!

وقد أخذ الأشاعرة موقع الدفاع عن التحميد ومقاومة التعطيل، وأخذ المعتزلة موقع الدفاع عن التنزيه ومقاومة التشبيه.

ونفس الكلام يرد أيضاً في أفعال الإنسان، أوالجبر والإختيار، أو القضاء والقدر، فقال الأشاعرة بالجبر للدفاع عن فاعلية الله تعالى في الوجود.. بينما قال المعتزلة بحرية الإنسان ومسؤوليته عن أعماله للدفاع عن عدل الله تعالى وتنزيهه عن الظلم.

١٨١

أما أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم فكان لهم موقف ثالث يمثل أصالة الدين الإلهي من آدمعليه‌السلام إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في تنزيه الله تعالى وتحميده في آن واحد، فنفوا عنه التشبيه والتجسيم والرؤية، كما نفوا عنه الظلم والإجبار، وأثبتوا فاعليته تعالى وهيمنته الشاملة على الوجود، ومسؤولية الإنسان عن عمله، كما سترى إن شاء الله تعالى.

وقد اشتبه الأمر على بعض الباحثين فتخيلوا أن موقف أهل البيتعليهم‌السلام حل وسط بين الإتجاهين، بينما هو مذهب ثالث أقدم من مذهبي الأشاعرة والمعتزلة، وهو يختلف عنهما في أساسه وعدد من تفاصيله، وإن أخذ منه الطرفان بعض الأسس والتفاصيل.

العامل الثالث: مضاهاة بعض المسلمين لليهود

كان الجدل بين المسلمين واليهود كثيراً في عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي صدر الإسلام، ومن أبرز مسائله المفاضلة بين نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين النبي موسىعليه‌السلام .

وقد حاول بعض المسلمين مضاهاة اليهود بمعارضة كل فضيلة يذكرونها لموسىعليه‌السلام بإثبات فضيلة مقابلها لنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكأن المسألة مغالبة بين نبيين، وكأن أذهان البشر هي التي تزن فضائل الأنبياءوتعطي أحدهم درجة الأفضلية أو المساواة!

وقد عارض هؤلاء فضيلة تكليم الله تعالى لموسىعليه‌السلام التي نص عليها القرآن، باختراع حديث رؤية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لربه، لكي يتم بذلك تقسيم الفضائل بين الأنبياءعليهم‌السلام ، ويكون الترجيح لفضائل نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن ادعاء هذه الفضيلة المستحيلة بنص القرآن جاء على حساب تنزيه الله تعالى! وفيما يلي عدد من الأحاديث التي رووها في ذلك:

- روى النسائي في تفسيره ج ٢ ص ٣٤٨

عن ابن عباس: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد (ص).

١٨٢

- وقال النووي في شرح مسلم ج ٢ جزء ٣ ص ٥

... والحجج في هذه المسألة.... حديث ابن عباس (رض) أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد (ص)..

- وروى الحاكم في المستدرك ج ١ ص ٦٥

... عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما قال: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله . هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وله شاهد صحيح عن ابن عباس في الرؤية.... قال رأى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه. وله شاهد ثالث صحيح الإسناد.... عن ابن عباس قال قد رأى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه.... وهذه الأخبار التي ذكرتها صحيحة كلها، والله اعلم. انتهى. ورواه الحاكم أيضاً في ج ٢ ص ٢٨٢، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.وروى نحوه في ج ٢ ص ٣١٦ وص ٤٦٩

- وروى الديلمي في فردوس الأخبار ج ١ ص ٢١٧

جابر: إن الله أعطى موسى الكلام فأعطاني الرؤية.. وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود. انتهى. وروى نحوه الدميري في حياة الحيوان ج ٢ ص ٧٢

- وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١ ص ٧٨

وعن ابن عباس قال: نظر محمد صلى الله عليه وسلم إلى ربه تبارك وتعالى، قال عكرمة: فقلت لابن عباس نظر محمد إلى ربه! قال نعم، جعل الكلام لموسى والخلة لإبراهيم والنظر لمحمد صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه حفص بن عمر العدني روى ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي عبد الله الطهراني، وقد ضعفه النسائي وغيره.

- وروى الذهبي في سيره ج ١٤ ص ٤٥ عن عكرمة حديث ابن عباس، وقال الناشر في هامشه: أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص ١٩٩ من طريق عبد الوهاب بن الحكم

١٨٣

الوراق، حدثنا هاشم بن القاسم، عن قيس بن الربيع، عن عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إن الله.. الخ. وأخرجه أيضاً ص ١٩٧ من طريق محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس.... وهذا رأي لا دليل عليه، وهو مخالف للأدلة الكثيرة الوفيرة في أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في تلك الليلة. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على ذلك. أنظر التفصيل في زاد المعاد ج ٣ ص٣٦-٣٧. انتهى.

هذا، ولكن المعروف عن ابن عباس أنه كان ينفي التشبيه والرؤية كما تقدم، فلا يبعد أن يكون الحديث مكذوباً عليه من عكرمة غلامه، فقد كان عكرمة معروفاً بالكذب على ابن عباس في حياته وبعد وفاته، حتى ضربه ابن عباس وولده وحبسوه لهذا السبب في المرحاض، كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل. وكان عكرمة يروي الإسرائيليات عن وهب وكعب وغيرهما من اليهود.

ويؤيد ذلك أن السهيلي روى هذا الحديث في الروض الأنف ج ٢ ص ١٥٦ عن كعب وليس عن ابن عباس. وغرض كعب من هذه الرواية أن يثبت تجسم الله تعالى ورؤيته بالعين، فقد كان ذلك مطلباً مهماً يسعى إليه، وكثرت عنه وعن جماعته نسبة ذلك إلى ابن عباس وبني هاشم! كالذي رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص ٢٢٥ - ٢٣٠. عن الشعبي عن عبد الله بن الحرث قال: اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول: إن محمداً رأى ربه مرتين، قال فكبر كعب حتى جاوبته الجبال! فقال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى صلى الله عليهما وسلم! انتهى. والمطلع على أحاديث ابن عباس وبني هاشم يعرف ان رأيهم يخالف كعباً وجماعته، ومن أجل هذا رووا تكبير كعب المزعوم!!

١٨٤

العامل الرابع: تأثير ثقافة اليهود

اعتقاد اليهود والنصارى بتشبيه الله تعالى ورؤيته بالعين

بلغ من تحريف اليهود لدينهم أنهم قالوا بتشبيه الله تعالى بخلقه وأنه محدود بشكل مادي، ثم جعلوا له ولداً فقالوا عزير ابن الله، بل قالوا إن كل اليهود أبناء الله وأحباؤه وشعبه المختار.. إلى آخر ما حكى الله تعالى عنهم في القرآن.

وفيما يلي نصوص ننقلها من توراتهم الموجودة المطبوعة باسم العهد القديم والجديد، طبعة مجمع الكنائس الشرقية في بيروت:

جاء في ص ٤: ٢٧ فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم.

وجاء في ص ٦: ٨ وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. ٩ فنادى الرب الإله آدم وقال له أين أنت. ١٠ فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت. ١١ فقال من أعلمك أنك عريان. هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها. ١٢ فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت.

وجاء في ص ٢٤: ١ ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لأبرام وقال له أنا الله القدير. سر أمامي وكن كاملاً. ٢ فأجعل عهدي بيني وبينك وأكثرك كثيراً جداً. ٣ فسقط أبرام على وجهه وتكلم الله معه قائلاً. ٤ أما أنا فهو ذا عهدي معك وتكون أبا الجمهور من الأمم.

وجاء في ص ١٦٩: ٣ وكلم بني إسرائيل قائلاً خذواً تيساً من المعز لذبيحة خطية وعجلاً وخروفاً حوليين صحيحين لمحرقة ٤ وثوراً وكبشاً لذبيحة سلامة للذبح أمام الرب وتقدمة ملتوتة بزيت. لأن الرب اليوم يتراءى لكم. ٥ فأخذوا ما أمر به موسى إلى قدام خيمة الإجتماع وتقدم كل الجماعة ووقفوا أمام الرب.

١٨٥

وجاء في ص ١٨٣: ٢ وقال الرب لموسى كلم هرون أخاك أن لا يدخل كل وقت إلى القدس داخل الحجاب أمام الغطاء الذي على التابوت لئلا يموت، لأني في السحاب أتراءى على الغطاء.

وجاء في ص ٣٣٠: فانطلق موسى ويشوع ووقفا في خيمة الإجتماع ١٥ فتراءى الرب في الخيمة في عمود سحاب ووقف عمود السحاب على باب الخيمة. ١٦ وقال الرب لموسى ها أنت ترقد مع آبائك فيقوم هذا الشعب ويفجر وراء آلهة الأجنبيين في الأرض التي هو داخل إليها في ما بينهم، ويتركني وينكث عهدي الذي قطعته معه.

وجاء في ص ٤٠٤: ٢٢ فقال منوح لامرأته نموت موتاً لأننا قد رأينا الله. ٢٣ فقالت له امرأته لو أراد الرب أن يميتنا لما أخذ من يدنا محرقة وتقدمة، ولما أرانا كل هذه ولما كان في مثل هذا الوقت أسمعنا مثل هذه.

وجاء في ص ٥٤٩: ٢ إن الرب تراءى لسليمان ثانية كما تراءى له في جبعون. ٣ وقال له الرب قد سمعت صلاتك وتضرعك الذي تضرعت به أمامي.

وجاء في ص ٤٣١: ٢١ وعاد الرب يتراءى في شيلوه، لأن الرب استعلن لصموئيل في شيلوه بكلمة الرب. ٤ فأرسل الشعب إلى شيلوه وحملوا من هناك تابوت عهد رب الجنود الجالس على الكروبيم....

وجاء في ص ٤٩١: ٢ وقام داود وذهب هو وجميع الشعب الذي معه من بعلة يهوذا ليصعدوا من هناك تابوت الله الذي يدعى عليه بالإسم إسم رب الجنود الجالس على الكروبيم.

وجاء في ص ٥٣٤: ٥ في جبعون تراءى الرب لسليمان في حلم ليلاً، وقال الله إسأل ماذا أعطيك.

وجاء في ص ٥٥٤: ٩ فغضب الرب على سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءى له مرتين ١٠ وأوصاه في هذا الأمر أن لا يتبع آلهة أخرى فلم

١٨٦

يحفظ ما أوصى به الرب. ١١ فقال الرب لسليمان من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاً وأعطيها لعبدك.

وجاء في ص ٥٦٩: ١٥ فقال إيليا حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه، إني اليوم أتراءى له.

وجاء في ص ٥٧٩: ١٧ فقال رأيت كل إسرائيل مشتتين على الجبال كخراف لا راعي لها. فقال الرب ليس لهؤلاء أصحاب فليرجعوا كل واحد إلى بيته بسلام. ١٨ فقال ملك إسرائيل ليهوشافاط أما قلت لك إنه لا يتنبأ علي خيراً بل شراً. ١٩ وقال فاسمع إذاً كلام الرب. قد رأيت الرب جالساً على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. ٢٠ فقال الرب من يغوي أخآب فيصعد ويسقط في راموت جلعاد. فقال هذا هكذا وقال ذاك هكذا.

وجاء في ص ٥٨٦: ١٤ فقال أليشع حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه إنه لولا أني رافع وجه يهوشافاط ملك يهوذا لما كنت أنظر إليك ولا أراك. ١٥ والآن فأتوني بعواد. ولما ضرب العواد بالعود كانت عليه يد الرب ١٦ فقال هكذا قال الرب إجعلوا هذا الوادي جباباً جباباً.

وجاء في ص ٦٨٣: ١ وشرع سليمان في بناء بيت الرب في أورشليم في جبل المريا حيث تراءى لداود أبيه حيث هيأ داود مكاناً في بيدر أرنان اليبوسي.

وجاء في ص ٦٩٠: ١٢ وتراءى الرب لسليمان ليلاً وقال له. قد سمعت صلاتك واخترت هذا المكان لي بيت ذبيحة.

وجاء في ص ٨٤٨: ٨ من هو هذا ملك المجد. الرب القدير الجبار الرب الجبار في القتال. ٩ إرفعن أيتها الأرتاج رؤوسكن وارفعنها أيتها الأبواب الدهريات فيدخل ملك المجد. ١٠ من هو هذا ملك المجد رب الجنود هو ملك المجد.

وجاء في ص ٧٩٩: ١ يا راعي إسرائيل إصغ، يا قائد يوسف كالضأن، يا جالساً على الكروبيم أشرق. ٢ قدام أفرايم وبنيامين ومنسي أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا.

١٨٧

وجاء في ص ٨٤٠: ٤ الرب في هيكل قدسه، الرب في السماء كرسيه، عيناه تنظران، أجفانه تمتحن بني آدم. ٥ الرب يمتحن الصديق، أما الشرير ومحب الظلم فتبغضه نفسه. ٦ يمطر على الأشرار فخاخاً ناراً وكبريتا، وريح السموم نصيب كأسهم.

وجاء في ص ٩٩٨: ١ في سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل. ٢ السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة. باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير. ٣ وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملأ كل الأرض. ٤ فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخاناً ٥ فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود.

وجاء في ص ١١٨٦: ٨ وكان بينما هم يقتلون وأبقيت أنا أني خررت على وجهي وصرخت وقلت: آه يا سيد الرب. هل أنت مهلك بقية إسرائيل كلها بصب رجزك على أورشليم ٩ فقال لي: إن إثم بيت إسرائيل ويهوذا عظيم جداً جداً، وقد امتلأت الأرض دماء وامتلأت المدينة جنفاً. لأنهم يقولون الرب قد ترك الأرض والرب لا يرى.

وجاء في الإنجيل ص ٤٢: ٢٠ فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه. ٢١ ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه. ٢٢ ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه.

وجاء في ص ٢٨٠: ٧ فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده. وأما المرأة فهي مجد الرجل. ٨ لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل. ٩ ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة، بل المرأة من أجل الرجل.

وجاء في ص ٣٢١: ٥ فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً ٦ الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله ٧ لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس.

١٨٨

وجاء في ص ٣٢٥: ١٤ الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا. ١٥ الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة.

وجاء في ص ٣٦٦: ٢ ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً، بالخزي، فجلس في يمين عرش الله.

وجاء في ص ٣٩٩: ٢١ من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضاً وجلست مع أبي في عرشه. ٢٢ من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس.

وجاء في ص ٣٩٩ - ٤٠٠: ١ بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلاً إصعد إلى هنا فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا. ٢ وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع في السماء وعلى العرش جالس ٣ وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرد. ٤ وحول العرش أربعة وعشرون عرشاً. ورأيت على العروش أربعة وعشرين شيخاً جالسين متسربلين بثياب بيض وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب. ٥ ومن العرش يخرج بروق ورعود وأصوات. وأمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله.

وجاء في ص ٤٠٠: وشكراً للجالس على العرش الحي إلى أبد الآبدين.

وجاء في ص ٤٠١: ١١ ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف.... ١٣ وكل خليقة مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة: للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين.

وجاء في ص ٤٠٣: ١٥ من أجل ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، والجالس على العرش يحل فوقهم.

وجاء في ص ٤١٧: ٤ وخر الاربعة والعشرون شيخاً والأربعة الحيوانات وسجدوا لله الجالس على العرش.

١٨٩

وجاء في ص ٤١٩: ٥ وقال الجالس على العرش: ها أنا أصنع كل شيء جديداً. وقال لي: أكتب فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة.

- وقال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة الأديان ج ٢ ص ٢٤٣ طبعة مكتبة النهضة المصرية ١٩٧٣ تحت عنوان (الله عند اليهود):

لم يستطع بنو إسرائيل في أي فترة من فترات تاريخهم أن يستقروا على عبادة الله الواحد الذي دعا له الأنبياء، وكان اتجاههم إلى التجسيم والتعدد والنقيصة واضحاً في جميع مراحل تاريخهم، وعلى الرغم من ارتباط وجودهم بإبراهيم إلا أن البدائية الدينية كانت طابعهم، وكثرة أنبيائهم دليل على تجدد الشرك فيهم، وبالتالي تجدد الحاجة إلى أنبياء يجددون الدعوة إلى التوحيد، وكانت هذه الدعوات قليلة الجدوى على أي حال، فظهروا للتاريخ بدائيين يعبدون الأرواح والأحجار، وأحياناً مقلدين يعبدون معبودات الأمم المجاورة التي كانت لها حضارة وفكر قلدهما اليهود ويقول: إن اليهود كانوا في مطلع ظهورهم على مسرح التاريخ بدواً رحلاً تسيطر عليهم الأفكار البدائية كالخوف من الشياطين، والإعتقاد في الأرواح، وكانوا يعبدون الحجارة والأغنام والأشجار، ويقول: إن اليهود اتخذوا في بيوتهم أصناماً صغيرة كانوا يعبدونها ويتنقلون بها من مكان إلى مكان (١) وقد ظل بنو إسرائيل على هذا الإعتقاد حتى جاء موسى وخرج بهم من مصر.

ولكن بني إسرائيل كما يقول ول ديورانت (٢) لم يتخلوا قط عن عبادة العجل والكبش والحمل، ولم يستطع موسى أن يمنع قطيعه من عبادة العجل الذهبي. عبادة العجول كانت لا تزال حية في ذاكرتهم منذ كانوا في مصر، وظلوا زمناً طويلاً يتخذون هذا الحيوان القوي آكل العشب رمزاً لإلههم. وتقرر التوراة قصة العجل الذي عمله لهم هارون فعبدوه بعد أن تأخر موسى في العودة إليهم، وكيف خلعوا ملابسهم وأخذوا يرقصون عراة أمام هذا الرب، وقد أعدم موسى ثلاثة آلاف منهم عقاباً لهم على عبادة هذا الوثن (٣) وقد بقيت عبادة العجل تتجدد في حياة بني

١٩٠

إسرائيل من حين إلى حين، فقد عمل يربعام بن سليمان عجلي ذهب ليعبدهما أتباعه حتى لا يحتاجوا إلى الذهاب إلى الهيكل (٤) وقد عبد أهاب ملك إسرائيل الابقار بعد سليمان بقرن واحد (٥).

وقال في هوامشه: (١) ١٧٦. (٢) قصة الحضارة ج ٢ ص ٣٣٨. (٣) خروج ٣٢: ١٨ ٢٦ والقرآن الكريم يقرر أن السامري هو الذي عمل العجل. (٤) الملوك الأول ١٢: ٢٦ ٢٨. (٥) ول ديورانت ج ٢ ص ٣٣٩.

- وقال الدكتور شلبي في ج ١ ص ١٧٤:

وبعد موسى وفي عهد القضاة، تأثر بنو إسرائيل بمعبودات الكنعانيين تأثراً كبيراً، ويوضح أن إله الكنعانيين (بعل) أصبح معبوداً لبني اسرائيل في كثير من قراهم، وفي أحوال كثيرة أصبح للطائفتين معبد واحد به تمثال يهوه وتمثال بعل، بل أصبح يهوه ينادى بعل، وقد ظل ذلك إلى عهد يوشع(١).

وقال في هامشه: the heprew popel p. ٩٤ charles foster: histery of - (١)

- وقال الدكتور شلبي في ج ١ ص ١٨٧

ويوضح الكتاب المقدس أن بني اسرائيل عبدوا أنواعاً من هذه الآلهة، وقد ندد بها أرميا في سفره، ومنه نقتبس بعض النصوص:

اسمعوا كلمة الرب يا بنات يعقوب وكل عشائر بيت إسرائيل، هكذا قال الرب: ماذا وجد في آباؤكم من جور حتى ابتعدوا عني وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً (١).

وحين تقولون لماذا صنع الرب إلهنا كل هذه أقول لكم: كما أنكم تركتموني وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم(٢).

يقول الرب أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذباً، وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة أخرى(٣)....

- يقول الرب: إن آباءكم قد تركوني وذهبوا وراء آلهة أخرى، وعبدوها وسجدوا لها، وإياي تركوا وشريعتي لم يحفظوها، وأنتم أسأتم في عملكم أكثر من آبائكم،

١٩١

وها أنتم ذاهبون كل واحد وراء عناد قلبه الشرير حتى لا تسمعوا لي(٤).

وعلى هذا فمع وجود الهيكل في عهد سليمان كانت عبادة آلهة الأجانب منتشرة، وينسب العهد القديم لسليمان نفسه أنه أقام مذابح للآلهة الخارجية التي كانت تعبدها زوجاته الأجنبيات، فبنى مذبحاً لعشتروت رجاسة الصيدونيين، ولكموش رجاسة المؤابيين، ولملكوم إلهة بني عمون(٥) وعقب موت سليمان انقسم ملكه بين ابنيه يربعام ورحبعام، وهذا التغيير في تاريخ العبرانيين صحبه تغير في عقيدتهم، فإسرائيل في الشمال كانت دولة غنية حظى سكانها بالإستقرار، وقبلوا عادات الكنعانيين وعبدوا آلهتهم (بعل) أما دولة يهوذا في الجنوب فكانت دولة فقيرة يشتغل سكانها بالزراعة والرعي وظلوا على تبعيتهم لإلهم يهوه، إله الفقراء، وإلى هذه الفترة ينسب الأنبياء(٦) وقد صنع يربعام عجلين من ذهب ووضع أحدهما في بيت إبل وثانيهما في دان، وبنى عندهما مذابح وقال لشعبه: هذه آلهتكم التي أصعدتكم من مصر، فاذبحوا وعيدوا عندها ولا تصعدوا إلى أورشليم، فاستجاب له الشعب(٧).

وقال في هامشه: ١ أرميا: ٢: ٤ ٥. ٢ أرميا ٥: ١٩ ٢٠. ٣ أرميا ٧: ٩ ١٠. ٤ أرميا: ١٦: ١١ ١٣. ٥ الملوك الثاني ٣٣: ١٢

.berry: relirins of the werled pp ٣٢ - ٣٣ إقرأ الصحاح الثالث والعشرين من سفر الملوك الثاني.

- وقال الدكتور شلبي في ج ١ ص ٢٦٧

يروى التلمود أن الله ندم لما أنزله باليهود وبالهيكل، ومما يرويه التلمود على لسان الله قوله: تب لي لأني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي. وليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود، لأنه غضب مرة على بني إسرائيل فاستولى عليه الطيش، فحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية، ولكنه ندم على ذلك بعد أن هدأ غضبه، ولم ينفذ قسمه، لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة.

١٩٢

ويقرر التلمود أن الله هو مصدر الشر كما أنه مصدر الخير، وأنه أعطى الإنسان طبيعة رديئة وسن له شريعة لم يستطع بطبيعته الرديئة أن يسير على نهجها، فوقف الإنسان حائراً بين اتجاه الشر في نفسه، وبين الشريعة المرسومة إليه، وعلى هذا فإن داود الملك لم يرتكب خطيئة بقتله أوريا واتصاله بامرأته، لأن الله هو السبب في كل ذلك (التلمود شريعة إسرائيل ص ١٧ - ١٩).

- وقال في ص ١٩٢ تحت عنوان: اليهود والألوهية عموماً:

على أن مسألة الألوهية كلها، سواء اتجهت للوحدانية أو للتعدد، لم تكن عميقة الجذور في نفوس بني اسرائيل، فقد كانت المادية والتطلع إلى أسلوب نفعي في الحياة من أكثر ما يشغلهم، وإذا تخطينا عدة قرون فإننا نجد الفكر اليهودي الحديث يجعل لليهود رباً جديداً نفعياً كذلك، ذلك هو تربة فلسطين وزهر برتقالها، والذي يقرأ رواية (طوبى للخائفين) للكاتبة اليهودية يائيل ديان ابنة القائد الصهيوني العسكري موشى ديان، يجد أحد أبطالها (إيفرى) ينصح ابنه الطفل بأن يتخلى عن الذهاب للكنيسة، وأن يحول اهتمامه لإلهه الجديد: تراب فلسطين. ونقتبس فيما يلي سطوراً من هذه الرواية:

...الصبي يحب أن يذهب إلى الكنيس مع أمه، ولكنه عندما عاد مرة من المعبد الذي لا يذهب إليه إلا القليلون، ثار أبوه في وجهه بحديث له مغزى عميق قال له: أيام زمان حين كنا يهوداً في روسيا وغيرها كان من الضروري بالنسبة لنا أن نطيع التعليمات ونحافظ على ديننا، فقد كان الدين اليهودي لنا وسيلتنا لنتعاون ونتعاطف ونذود عنا الردى، أما الآن فقد أصبح لدينا شيء أهم هو الأرض، أنت الآن إسرائيلي ولست مجرد يهودي، إني قد تركت في روسيا كل شيء، ملابسي ومتاعي وأقاربي وإلهي، وعثرت هنا على رب جديد، هذا الرب الجديد هو خصب الأرض وزهر البرتقال، ألا تحس بذلك؟.... وأخذ إيفرى حفنة من تراب الأرض وسكبها في

١٩٣

كف ابنه، وقال له: إمسك هذا التراب، إقبض عليه، تحسسه، تذوقه، هذا هو ربك الوحيد، إذا أردت أن تصلي للسماء فلا تصل لها لكي تسكب الفضيلة في أرواحنا، ولكن قل لها أن تنزل المطر على أرضنا، هذا هو المهم، إياك أن تذهب مرة أخرى إلى المعبد.

- وقال ابن حزم في الفصل في الملل ج ١ جزء ١ ص ١٦

قال في التوراة: إن الله عز وجل قال لبني إسرائيل: لقد رأيتموني كلكم من السماء فلا تتخذوا معي آلهة الفضة، ثم قال بعد ذلك ثم صعد موسى وهارون.. ونظروا إلى إله إسرائيل.

- وقال في ص ١٤١

ذكر في هذا المكان (من التوراة) أن يعقوب صارع الله عز وجل.. حتى قالوا إن الله عز وجل عجز عن أن يصرع يعقوب.. وفيه أن يعقوب قال: رأيت الله مواجهة وسلمت عليه.

- وقال في ص ٢١٢

ونقل في توراتهم وكتب الأنبياء بأن رجلاً اسمه إسماعيل كان إثر خراب البيت المقدس سمع الله يئن كما تئن الحمامة ويبكي وهو يقول: الويل الويل لمن أخرب بيته.... ويلي على ما أخربت من بيتي ويلي على ما فرقت من بيتي، وبناتي.

- وقال في ص ٢١٨

وفي بعض كتبهم: إن الله تعالى قال لبني إسرائيل: من تعرض لكم فقد تعرض حدقة عيني.

- وقال في ص ٢٢١

وفي كتاب لهم يسمى شعر توما من كتاب التلمود.. ففي الكتاب المذكور أن تكسير جبهة خالقهم من أعلاها إلى أنفه خمسة آلاف ذراع.

١٩٤

محاولة بعض اليهود أن يتبرؤوا من التشبيه والتجسيم

جاء في هامش المطالب العالية ج جزء ٢ ص ٢٥:

في التوراة أن الله إله واحد. وفي التوراة أن الله ليس كمثله شيء. ففي الإصحاح السادس من سفر التثنية: إسمع يا إسرائيل. إن الرب إلهنا رب واحد. فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قدرتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا آمرك بها اليوم في قلبك، وكررها على بنيك وكلمهم بها إذا جلست في بيتك وإذا مشيت في الطريق وإذا نمت وإذا قمت، واعقدها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك واكتبها على عضائد أبواب بيتك وعلى أبوابك. تثنية ٦: ٤ ٩ ترجمة اليسوعيين. وفي الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية: لا كفء لله. وفي ترجمة البروتستانت: ليس مثل الله. تثنية ٣٣: ٢٦.

وقال موسى بن ميمون في دلالة الحائرين: إن ما ورد في التوراة مما يوحي بأن الله شبه إنسان بأعضائه وبصفاته، فذلك مؤول على معنى: أن الله يقرب ذاته إلى عقول الخلق، حديثه عن نفسه كأنه واحد منهم. أما هو فليس مثل إنسان وليس كمثله شيء، وذلك ليفهم الخلق ذات الله على نحو قريب من تصوراتهم. وما جاء عن مشبهة اليهود أن الله يبكي على خراب هيكل سليمان ويلعب مع الحيتان، فهو قول قال به سفهاء من اليهود لا وزن لهم عند الله ولا عند الناس. انتهى.

والمتأمل في التوراة يقبل مقولة هذا الباحث اليهودي القديم بأنها تشتمل على عبارات في التوحيد شبيهة بالتوحيد الخالص الذي يقدمه القرآن، ولكن نصوص التشبيه والتجسيم فيها أكثر من نصوص التوحيد. وهذا من الأدلة على وقوع التحريف فيها، وأن أيدي سفهاء اليهود الذين ذكرهم وصلت إلى نصوص التوراة وملؤوها من تجسيمهم وتشبيههم. وقد وجدنا في نسخة التوراة المذكورة النصوص التالية في التوحيد: جاء في العهد القديم ص ٩٨: ٩ فقال موسى لفرعون عين لي متى

١٩٥

أصلي لأجلك ولأجل عبيدك وشعبك لقطع الضفادع عنك وعن بيوتك، ولكنها تبقي في النهر. ١٠ فقال غداً فقال كقولك لكي تعرف أن ليس مثل الرب إلهنا. ١١ فترتفع الضفادع عنك وعن بيوتك وعبيدك وشعبك.

وجاء في ص ١٠٠: ١٤ لأني هذه المرة أرسل جميع ضرباتي إلى قلبك وعلى عبيدك وشعبك، لكي تعرف أن ليس مثلي في كل الأرض.

وجاء في ص ٤٩٣: ٢٢ لذلك قد عظمت أيها الرب الإله، لأنه ليس مثلك وليس إله غيرك حسب كل ما سمعناه بآذاننا....

وجاء في ص ٥٣٠: ٢٠ يا رب ليس مثلك، ولا إله غيرك، حسب كل ما سمعناه بآذاننا.

وجاء في ج ٢ ص ٤٣: ٩ أذكروا الأوليات منذ القديم، لأني أنا الله وليس آخر. الإله وليس مثلي.

وجاء في ج ٢ ص ٨٤: ٦ لا مثل لك يا رب، عظيم أنت، وعظيم اسمك في الجبروت. ٧ من لا يخافك ياملك الشعوب، لأنه بك يليق، لأنه في جميع حكماء الشعوب وفي كل ممالكهم ليس مثلك.

- العهد القديم والجديد ج ١ ص ٢٥٣-

الإصحاح الثاني ١ يا ابني إن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك ٢ حتى تميل أذنك إلى الحكمة وتعطف قلبك على الفهم ٣ إن دعوت المعرفة ورفعت صوتك إلى الفهم ٤ إن طلبتها كالفضة وبحثت عنها كالكنوز ٥ فحينئذ تفهم مخافة الرب وتجد معرفة الله. ٦ لأن الرب يعطي حكمة من فمه المعرفة والفهم. ٧ يذخر معونة للمستقيمين. هو مجن السالكين بالكمال. ٨ لنصر مسالك الحق وحفظ طريق أتقيائه. ٩ حينئذ تفهم العدل والحق والإستقامة. كل سبيل صالح ١٠ إذا دخلت الحكمة قلبك ولذت المعرفة لنفسك.

١٩٦

لكن البابا في عصرنا يصر على التجسيم وينتقد التوحيد عند المسلمين

- كتاب العبور إلى الرجاء للبابا يوحنا بولس الثاني:

والعبور إلى الرجاء هو التسجيل الكامل لأول وأشمل حوار مع البابا للصحافي الإيطالي الكبير فيتوري ميسوري، لمناسبة ذكرى مرور خمس عشرة سنة على اعتلائه السدة البابوية.... كان الأول بين (خلفاء القديس بطرس) يظهر أمام آلات التصوير والتسجيل ليجيب على أسئلة ترك اختيارها لمبادرة حرة من قبل صحافي. وبعد ما حصر البث بالمحطة الأولى ليلة الذكرى، عرضت تلك المقابلة في كبريات المحطات العالمية.

ويروي فيتوري ميسوري قصة المقابلة التي تمت بعد ما قدم عشرين سؤالاً خطياً تشمل مختلف الموضوعات والقضايا الكبرى، وتلقى مخطوطة الأجوبة عليها من مكتب البابا في نهاية شهر نيسان ١٩٩٤. كما أن البابا وضع عنوان هذا الكتاب بنفسه من هذا الحوار الوثيقة نقتطف هنا جواب الحبر الأعظم على سؤالين، يتصل أولهما بالعلاقة مع الدين الإسلامي، في حين يتصل الثاني بعلاقة المسيحية بالدين اليهودي، وقد رأينا فيهما أكمل رأي للبابا في هذا المجال خصوصاً وأنه بقلمه مباشرة:

السؤال الأول: ما الفرق بين إله المسلمين وإله المسيحيين؟

الجواب: لا شك في أن القارية مختلفة عندما يتعلق الأمر بالكنيس والمسجد حيث مجتمع الذين يعبدون الإله الواحد. نعم، صحيح ما تقوله، فالأمر يختلف في ما يتعلق بهاتين الديانتين التوحيديتين، بدءً بإسلام. ففي الإعلان المجمعي (في عصرنا) الآنف الذكر، يمكننا أن نقرأ ما يأتي (وتنظر الكنيسة أيضاً بتقدير إلى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد، الحي القيوم، الرحمن القدير، الذي خلق السماء والأرض) إن المؤمنين بالتوحيد هم بنوع خاص الأقرب إلينا. أتذكر حدثاً من أحداث شبابي يوم كنا نزور دير القديس مرقس في فلورنسا، فقد وقفنا مندهشين

١٩٧

معجبين أمام جدرانيات فردا انجليكو.. في تلك الأثناء انضم إلينا رجل راح يشاطرنا إعجابنا بأعمال ذلك الراهب والفنان العظيم، غير أنه ما لبث أن أضاف: ولكن ما من شيء هنا يبلغ مدى جمال توحيدنا الإسلامي! لم يمنعنا ذلك التصريح من أن نكمل زيارتنا برفقة ذلك الرجل، وأن نتابع معه نقاشاً ودياً. لقد تذوقت سلفاً في تلك المناسبة ما يمكن أن يكون عليه الحوار بين المسيحية والإسلام. والذي حاولنا أن نطوره منهجياً منذ المجمع.

من يطالع القرآن، وكان ملماً بالعهدين القديم والجديد يتبين له جلياً ما وقع فيه للوحي الإلهي من اختزال. ومن المستجبل ألا يلحظ عدم مقاربة ما قاله الله عن ذاته بلسان الأنبياء أولاً في العهد القديم، ثم وبشكل نهائي بواسطة ابنه في العهد الجديد. إن الغنى الذي يتجلى في كشف الله لذاته والذي يشكل تراث العهدين القديم والجديد، كل ذلك قد تغاضى عنه الإسلام بالفعل(!).

إن القرآن يصف الله بأجمل ما عرفه اللسان البشري من الأسماء الحسنى، ولكنه في النهاية، إله متعال عن العالم، ذو جلال، لا (إلهنا معنا) عمانوئيل.

ليس الإسلام دين فداء فلا مجال فيه للصلب! يذكر عيسى، ولكن ليس إلا بوصفه نبياً، يمهد لخاتمة جميع الأنبياء محمد. كذلك ورد ذكر السيدة مريم البتول، ولكن لا ذكر لمأساة الفداء.

لذلك تختلف نظرة الإسلام عن المسيحية، لا على الصعيد اللاهوتي فحسب، بل أيضاً على الصعيد الانتروبولوجي.

بيد أن التدين الإسلامي يستحق كل تقدير، فلا يمكننا مثلاً إلا نعجب بالأمانة على الصلاة. إذ أن الذي يسمي الرب (الله) يجثو على ركبته غير آبه بالزمان أو بالمكان، مستغرقاً في الصلاة مرات عديدة في النهار. هذه الصورة تبقى نموذجاً لمن يعترفون بالله الحق، وبخاصة لأولئك المسيحيين الذين يهجرون كاتدرائياتهم الرائعة ويصلون قليلاً أو لا يصلون مطلقاً....) انتهى.

١٩٨

أقول: السبب في تهمة البابا للدين الإسلامي بأنه اختزل التصور الذي قدمته كتب اليهود والنصارى عن الله تعالى، وبيت القصيد عنده وإشكاله الأساسي على الإسلام: أن القرآن يقرر أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وأنه غير متجسد في وجود مادي في السماء أو الأرض، وبتعبيره (لكنه في النهاية إله متعال عن العالم، ذو جلال، لا (إلهنا معنا عمانوئيل).

ولكن الظاهر أن البابا لم يقرأ الصحاح الستة ليرى أن ما يريده من نزول الله تعالى وصعوده وتجسده موجود فيها، وأن هذا البلاء الذي ابتلى به اليهود والنصارى قد سرى إلى إخواننا السنة وصحاحهم!!

كما أنه لو تأمل في تاريخ المسيحية لتوصل إلى أن دعوة المسيحعليه‌السلام كانت دعوة إلى التوحيد ولم يكن فيها تجسيم، وأن تجسم الله تعالى في المسيح إنما هو فكرة (بولسية) وليست مسيحية..

قال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة بين الأديان ج ٢ ص٢٤٥ تحت عنوان: الله في التفكير المسيحي:

عندما نصل إلى الحديث عن الله في التفكير المسيحي نحتاج إلى مزيد من الصبر لنرى التحول الخطير الذي أصاب الفكر المسيحي في هذه القضية الهامة: تقرر الأناجيل المسيحية وأعمال الرسل ثلاث قضايا مهمة:

أولاها: أن الله واحد لا شريك له.

والثانية: أن عيسى رسول الله وليس أكثر من رسول.

والثالثة: أن عيسى رسول لبني إسرائيل فقط.

وعن القضية الأولى نورد النصوص التالية من هذه الأناجيل:

- يروي متى عن عيسى قوله: إن أباكم واحد الذي في السموات (إصحاح ٢٣ الفقرة ٨)

- ويروي مرقص قول عيسى: الرب إلهنا إله واحد وليس آخر سواء(١٢: ٣٠ ٣١).

- ويروي يوحنا عن عيسى قوله: إني أصمد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم (٢٠:١٨)

١٩٩

وعن القضية الثانية من الأناجيل النصوص التالية:

- جاء في إنجيل متى قوله: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل (٢١: ١١).

- وجاء في لوقا: قد خرج نبي عظيم (٧: ١٦).

- ويروي يوحنا: إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم (٤: ١٤ و ٧: ٤٠).

- ويروي يوحنا كذلك عن عيسى قوله: وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله (٨: ٤٠).

- ويروي لوقا عن عيسى قوله عندما أحس بقرب نهايته بسبب مؤامرات اليهود عليه: ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه، لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارج أورشليم، يا أورشليم، يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين.

وعن القضية الثالثة نورد النصوص التالية:

- جاء في متى ما نصه: ثم خرج يسوع من هناك، وانصرف إلى نواحي صور وصيدا، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت قائلة: إرحمني يا سيد يا ابن داود، ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: إصرفها لأنها تصيح وراءنا، فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة (متى ١٥: ٢١ ٢٤).

- وفي متى كذلك أن عيسى عند ما حدد الحواريين الإثني عشر أوصاهم قائلاً: إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بني اسرائيل الضالة (١٠: ٥ ٦).

- وقد خاصم اليهود بطرس لأنه دخل على غير اليهود وتكلم معهم (أعمال الرسل ١١ الفقرة الأولى).

- وورد في عبارات بطرس قوله لغير اليهود: أنتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه (أعمال الرسل ١٠: ٢٨).

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345