العقائد الإسلامية الجزء ١

العقائد الإسلامية10%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 371

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 371 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135616 / تحميل: 7632
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

- كا: عن علي، عن أبيه ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعاً، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل:صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ، قال: الإسلام.

بيان: قيل على هذه الأخبار يحتمل أن تكون (صبغة) منصوبة على المصدر من مسلمون في قوله تعالى قبل ذلك: لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. ثم يحتمل أن يكون معناها وموردها مختصاً بالخواص والخلص المخاطبين ب- (قولوا) في صدر الآيات حيث قال:قولا آمنا بالله وما أنزل إلينا ، دون سائر أفراد بني آدم، بل يتعين هذا المعنى إن فسر الإسلام بالخضوع والإنقياد للأوامر والنواهي كما فعلوه، وإن فسر بالمعنى العرفي فتوجيه التعميم فيه كتوجيه التعميم في فطرة الله....

وقيل: صبغة الله إبداع الممكنات وإخراجها من العدم إلى الوجود وإعطاء كل ما يليق به من الصفات والغايات وغيرهما....

وقيل: معناه كل مولود يولد على معرفة الله والإقرار به، فلا تجد أحداً إلا وهو يقر بأن الله صانعه، وإن سماه بغير اسمه أو عبد معه غيره، ومنه حديث حذيفة (على غير فطرة محمد) أراد دين الإسلام الذي هو منسوب إليه. انتهى.

وقال بعضهم: المراد بالفطرة كونه خلقاً قابلاً للهداية ومتهيئاً لها، لما أوجد فيه من القوة القابلة لها، لأن فطرة الإسلام وصوابها موضوع في العقول، وإنما يدفع العقول عن إدراكها تغيير الأبوين، أو غيرهما.

وأجيب عنه بأن حمل الفطرة على الإسلام لا يأباه العقل، وظاهر الروايات يدل عليه. وحملها على خلاف الظاهر لا وجه له من غير مستند.

....لا تبديل لخلق الله : أي بأن يكونوا كلهم أو بعضهم عند الخلق مشركين، بل كان كلهم مسلمين مقرين به أو قابلين للمعرفة، وأراهم نفسه: أي بالرؤية العقلية الشبيهة بالرؤية العينية في الظهور ليرسخ فيهم معرفته، ويعرفوه في دار التكليف، ولولا تلك المعرفة الميثاقية لم يحصل لهم تلك القابلية، وفسرعليه‌السلام الفطرة في

١٠١

الحديث بالمجبولية على معرفة الصانع والإذغان به. كذلك قوله في هذه الآية أيضاً محمولة على هذا المعنى:ولئن سألتهم ، أي كفار مكة كما ذكره المفسرون، أو الأعم كما هو الأظهر من الخبر، ليقولن الله، لفطرتهم على المعرفة. وقال البيضاوي: لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره، بحيث اضطروا إلى إذعانه.

والمشهور أنه مبنى على أن كفار قريش لم يكونوا ينكرون أن الصانع هو الله، بل كانوا يعبدون الأصنام لزعمهم أنها شفعاء عند الله، وظاهر الخبر أن كل كافر لو خلي وطبعه وترك العصبية ومتابعة الأهواء وتقليد الأسلاف والآباء، لأقر بذلك، كما ورد ذلك الأخبار الكثيرة.

قال بعض المحققين: الدليل على ذلك ما ترى أن الناس يتوكلون بحسب الجبلة على الله ويتوجهون توجهاً غريزياً إلى مسبب الأسباب ومسهل الأمور الصعاب، وإن لم يتفطنوا لذلك، ويشهد لهذا قول الله عز وجل قال: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ .

وفي تفسير مولانا العسكريعليه‌السلام أنه سئل مولانا الصادق عن الله فقال للسائل: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال: بلى، قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال بلى، قال: فهل تعلق قلبك هناك أن شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: بلى، قال الصادق: فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حين لا منجي، وعلى الإغاثة حين لا مغيث.

ولهذا جعلت الناس معذورين في تركهم اكتساب المعرفة بالله عز وجل متروكين على ما فطروا عليه، مرضياً عنهم بمجرد الإقرار بالقول، ولم يكلفوا الإستدلالات العلمية في ذلك، وإنما التعمق لزيادة البصيرة ولطائفة مخصوصة. وأما الإستدلال فللرد على أهل الضلال.

ثم إن أفهام الناس وعقولهم متفاوتة في قبول مراتب العرفان، وتحصيل

١٠٢

الإطمينان كماً وكيفاً شدةً وضعفاً سرعةً وبطئاً حالاً وعلماً وكشفاً وعياناً، وإن كان أصل المعرفة فطرياً، إما ضروري أو يهتدي إليه بأدنى تنبيه، فلكل طريقة هداه الله عز وجل إليها إن كان من أهل الهداية، والطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، وهم درجات عند الله، يرفع الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.

قال بعض المنسوبين إلى العلم: إعلم أن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله عز وجل، فكأن هذا يقتضي أن يكون معرفته أول المعارف، وأسبقها إلى الأفهام وأسهلها على العقول، ونرى الأمر بالضد من ذلك، فلا بد من بيان السبب فيه.

وإنما قلنا إن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله فمعنى لا تفهمه إلا بمثال، هو: أنا إذا رأينا إنساناً يكتب أو يخيط مثلاً، فإن كونه حياً من أظهر الموجودات فحياته وعلمه وقدرته للخياطة أجلى عندنا من سائر صفاته الظاهرة والباطنة، إذ صفاته الباطنة كشهوته وغضبه وخلقه وصحته ومرضه، وكل ذلك لا نعرفه، وصفاته الظاهرة لا نعرف بعضها، وبعضها نشك فيه، كمقدار طوله، واختلاف لون بشرته وغير ذلك من صفاته. أما حياته وقدرته وإرادته وعلمه وكونه حيواناً فإنه جلي عندنا من غير أن يتعلق حس البصر بحياته وقدرته وإرادته، فإن هذه الصفات لا تحس بشيء من الحواس الخمس، ثم لا يمكن أن يعرف حياته وقدرته وإرادته إلا بخياطته وحركته، فلو نظرنا إلى كل ما في العالم سواء لم نعرف به صفاته، فما عليه إلا دليل واحد، وهو مع ذلك جلي واضح.

ووجود الله وقدرته وعلمه وسائر صفاته يشهد له بالضرورة كل ما نشاهده وندركه بالحواس الظاهرة والباطنة من حجر ومدر، ونبات وشجر، وحيوان وسماء، وأرض وكوكب، وبر وبحر، ونار وهواء، وجوهر وعرض، بل أول شاهد عليه أنفسنا، وأجسامنا وأصنافنا، وتقلب أحوالنا، وتغير قلوبنا، وجميع أطوارنا، في حركاتنا وسكناتنا.

وأظهر الأشياء في علمنا أنفسنا، ثم محسوساتنا بالحواس الخمس، ثم مدركاتنا

١٠٣

بالبصيرة والعقل، وكل واحد من هذه المدركات له مدرك واحد، وشاهد ودليل واحد، وجميع ما في العالم شواهد ناطقة، وأدلة شاهدة بوجود خالقها ومدبرها ومصرفها ومحركها، ودالة على علمه وقدرته ولطفه وحكمته. والموجودات المدركة لا حصر لها.

فإن كانت حياة الكاتب ظاهرة عندنا وليس يشهد له إلا شاهد واحد، وهو ما أحسسنا من حركة يده، فكيف لا يتصور في الوجود داخل نفوسنا وخارجها إلا وهو شاهد عليه وعلى عظمته وجلاله، إذ كل ذرة فإنها تنادي بلسان حالها أنه ليس وجودها بنفسها، ولا حركتها بذاتها وإنما يحتاج إلى موجد ومحرك لها، يشهد بذلك أولاً تركيب أعضائنا وائتلاف عظامنا، ولحومنا وأعصابنا ونبات شعورنا، وتشكل أطرافنا، وسائر أجزائنا الظاهرة والباطنة، فإنا نعلم أنها لم تأتلف بنفسها، كما نعلم أن يد الكاتب لم تتحرك بنفسها. ولكن لما لم يبق في الوجود مدرك، ومحسوس ومعقول، وحاضر وغائب إلا وهو شاهد ومعرف عظم ظهوره، فانبهرت العقول، ودهشت عن إدراكه.

فإذن ما يقصر عن فهمه عقولنا له سببان: أحدهما خفاؤه في نفسه وغموضه، وذلك لا يخفى مثاله، والآخر ما يتناهى وضوحه. وهذا كما أن الخفاش يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار، لا لخفاء النهار واستتاره، ولكن لشدة ظهوره، فإن بصر الخفاش ضعيف يبهره نور الشمس إذا أشرق، فيكون قوة ظهوره مع ضعف بصره سبباً لامتناع أبصاره فلا يرى شيئاً إلا إذا امتزج الظلام بالضوء، وضعف ظهوره. فكذلك عقولنا ضعيفة، وجمال الحضرة الإلهية في نهاية الإشراق والإستنارة وفي غاية الإستغراق والشمول، حتى لا يشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السماوات والأرض، فصار ظهوره سبب خفائه، فسبحان من احتجب بإشراق نوره، واختفى عن البصائر والأبصار بظهوره. ولا تتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور، فإن الأشياء تستبان بأضدادها وما عم وجوده حتى لا ضد له عسر إدراكه، فلو اختلفت الأشياء فدل

١٠٤

بعضها دون البعض أدركت التفرقة على قرب، ولما اشتركت في الدلالة على نسق واحد أشكل الأمر. ومثاله نور الشمس المشرق على الأرض، فإنا نعلم أنه عرض من الأعراض يحدث في الأرض، ويزول عند غيبة الشمس....

- الدر المنثور ج ٥ ص ١٥٥

فأقم وجهك .... الآية. أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهدرضي‌الله‌عنه قوله:فطرت الله التي فطر الناس عليها ، قال: الدين الإسلام، لا تبديل لخلق الله، قال لدين الله.

- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما في قوله:لا تبديل لخلق الله ، قال: دين الله. ذلك الدين القيم، قال: القضاء القيم.

دور الفطرة في المعرفة والثقافة والحضارة

- تفسير نور الثقلين ج ٤ ص ١٧٥

- في توحيد المفضل بن عمر المنقول عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في الرد على الدهرية:

تأمل يا مفضل ما أنعم الله تقدست أسماؤه به على الإنسان من هذا النطق الذي يعبر به عما في ضميره وما يخطر بقلبه ونتيجة فكره، به يفهم غيره ما في نفسه، ولولا ذلك كان بمنزلة البهائم المهملة التي لا تخبر عن نفسها بشيء، ولا تفهم عن مخبر شيئاً، وكذلك الكتابة التي بها تقيد أخبار الماضين للباقين وأخبار الباقين للآتين وبها تجلد الكتب في العلوم والآداب وغيرها، وبها يحفظ الإنسان ذكر ما يجري بينه وبين غيره من المعاملات والحساب، ولولاها لا نقطع أخبار بعض الأزمنة عن بعض وأخبار الغائبين عن أوطانهم، ودرست العلوم وضاعت الآداب، وعظم ما يدخل على الناس من الخلل في أمورهم ومعاملاتهم، وما يحتاجون إلى النظر فيه من أمر دينهم وما روي لهم مما لايسعهم جهله.

١٠٥

ولعلك تظن أنها مما يخلص إليه بالحيلة والفطنة، وليست مما أعطيه الإنسان من خلقه وطباعه. وكذلك الكلام إنما هو شيء يصطلح عليه الناس فيجري بينهم، ولهذا صار يختلف في الأمم المختلفة بألسن مختلفة، وكذلك الكتابة ككتابة العربي والسرياني والعبراني والرومي وغيرها من ساير الكتابة التي هي متفرقة في الأمم، إنما اصطلحوا عليها كما اصطلحوا على الكلام.

فيقال لمن ادعى ذلك إن الإنسان وإن كان له في الأمرين جميعاً فعل أو حيلة، فإن الشيء الذي يبلغ به ذلك الفعل والحيلة عطية وهبة من الله عز وجل في خلقه، فإنه لو لم يكن له لسان مهيأ للكلام وذهن يهتدي به للأمور، لم يكن ليتكلم أبداً، ولو لم يكن له كف مهيأة وأصابع للكتابة لم يكن ليكتب أبداً، واعتبر ذلك من البهائم التي لا كلام لها ولا كتابة. فأصل ذلك فطرة الباري عز وجل، وما تفضل به على خلقه، فمن شكر أثيب، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين.

بحث في دور الفطرة والنبوة في الحياة الإنسانية

- تفسير الميزان ج ١٠ ص ١٢٨

قوله تعالى:وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .

قد مر أن المراد به الإختلاف الواقع في نفس الدين من حملته، وحيث كان الدين من الفطرة كما يدل عليه قوله تعالى:فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها . الروم - ٣٠....

على أن الفطرة لا تنافي الغفلة والشبهة ولكن تنافي التعمد والبغي، ولذلك خص البغي بالعلماء ومن استبانت له الآيات الإلهية، قال تعالى:وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . البقرة - ٣٩، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقد قيد الكفر في جميعها بتكذيب آيات الله ثم أوقع عليه الوعيد. وبالجملة فالمراد بالآية أن هذا الإختلاف ينتهي إلى بغي حملة الكتاب من بعد علم....

١٠٦

وقد تبين من الآية:

أولاً : حد الدين ومعرفته وهو أنه نحو سلوك في الحياة الدنيا يتضمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي والحياة الدائمة الحقيقية عند الله سبحانه، فلابد في الشريعة من قوانين تتعرض لحال المعاش على قدر الإحتياج.

وثانياً : أن الدين أول ما ظهر ظهر رافعاً للإختلاف الناشيء عن الفطرة، ثم استكمل رافعاً للإختلاف الفطري وغير الفطري معاً.

وثالثاً : أن الدين لا يزال يستكمل حتى تستوعب قوانينه جهات الإحتياج في الحياة فإذا استوعبها ختم ختماً فلا دين بعده، وبالعكس إذا كان دين من الأديان خاتماً كان مستوعباً لرفع جميع جهات الإحتياج، قال تعالى:مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ . الأحزاب - ٤٠ وقال تعالى:وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ . النحل - ٨٩ وقال تعالى:وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ . فصلت ٤١ - ٤٢.

ورابعاً : أن كل شريعة لاحقة أكمل من سابقتها.

وخامساً : السبب في بعث الأنبياء وإنزال الكتب، وبعبارة أخرى العلة في الدعوة الدينية هو أن الإنسان بحسب طبعه وفطرته سائر نحو الإختلاف، كما أنه سالك نحو الإجتماع المدني، وإذا كانت الفطرة هي الهادية إلى الإختلاف لم تتمكن من رفع الإختلاف، وكيف يدفع شيء ما يجذبه إليه نفسه، فرفع الله سبحانه هذا الإختلاف بالنبوة والتشريع بهداية النوع إلى كماله اللائق بحالهم المصلح لشأنهم.

وهذا الكمال كمال حقيقي داخل في الصنع والإيجاد، فما هو مقدمته كذلك، وقد قال تعالى:الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى . طه - ٥٠، فبين أن من شأنه وأمره تعالى أن يهدي كل شيء إلى ما يتم به خلقه، ومن تمام خلقة الإنسان أن يهتدي إلى كمال وجوده في الدنيا والآخرة، وقد قال تعالى أيضاً:كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا . الإسراء - ٢٠ وهذه الآية تفيد أن شأنه تعالى

١٠٧

هو الإمداد بالعطاء يمد كل من يحتاج إلى إمداده في طريق حياته ووجوده ويعطيه ما يستحقه، وأن عطاءه غير محظور ولا ممنوع من قبله تعالى إلا أن يمتنع ممتنع بسوء حظ نفسه من قبل نفسه لا من قبله تعالى.

ومن المعلوم أن الإنسان غير متمكن من تتميم هذه النقيصة من قبل نفسه، فإن فطرته هي المؤدية إلى هذه النقيصة، فكيف يقدر على تتميمها وتسوية طريق السعادة والكمال في حياته الإجتماعية.

وإذا كانت الطبيعة الإنسانية هي المؤدية إلى هذا الإختلاف العائق للإنسان عن الوصول إلى كماله الحري به، وهي قاصرة عن تدارك ما أدت إليه وإصلاح ما أفسدته فالإصلاح لو كان يجب أن يكون من جهة غير جهة الطبيعة وهي الجهة الإلهية التي هي النبوة بالوحي، ولذا عبر تعالى عن قيام الأنبياء بهذا الإصلاح ورفع الإختلاف بالبعث، ولم ينسبه في القرآن كله إلا إلى نفسه، مع أن قيام الأنبياء كسائر الأمور له ارتباطات بالمادة بالروابط الزمانية والمكانية.

فالنبوة حالة إلهية، وإن شئت قل غيبية، نسبتها إلى هذه الحالة العمومية من الإدراك والفعل نسبة اليقظة إلى النوم بها يدرك الإنسان المعارف التي بها يرتفع الإختلاف والتناقض في حياة الإنسان، وهذا الإدراك والتلقي من الغيب هو المسمى في لسان القرآن بالوحي، والحالة التي يتخذها الإنسان منه لنفسه بالنبوة.

ومن هنا يظهر أن هذا أعني تأدية الفطرة إلى الإجتماع المدني من جهة وإلى الإختلاف من جهة أخرى وعنايته تعالى بالهداية إلى تمام الخلقة، مبدأ حجة على وجود النبوة، وبعبارة أخرى دليل النبوة العامة.

تقريره: أن نوع الإنسان مستخدم بالطبع وهذا الإستخدام الفطري يؤديه إلى الإجتماع المدني وإلى الإختلاف والفساد في جميع شئون حياته الذي يقضي التكوين والإيجاد برفعه، ولا يرتفع إلا بقوانين تصلح الحياة الإجتماعية برفع الإختلاف عنها. وهداية الإنسان إلى كماله وسعادته بأحد أمرين، إما بفطرته وإما

١٠٨

بأمر وراءه، لكن الفطرة غير كافية فإنها هي المؤدية إلى الإختلاف فكيف ترفعه، فوجب أن يكون بهداية من غير طريق الفطرة والطبيعة وهو التفهيم الإلهي غير الطبيعي المسمى بالنبوة والوحي، وهذه الحجة مؤلفة من مقدمات مصرح بها في كتاب الله تعالى كما عرفت فيما تقدم، وكل واحدة من هذه المقدمات تجربية بينتها التجربة للإنسان تاريخ حياته واجتماعاته المتنوعة التي ظهرت وانقرضت في طي القرون المتراكمة الماضية إلى أقدم أعصار الحياة الإنسانية التي يذكرها التاريخ. فلا الإنسان انصرف في حين من أحيان حياته عن حكم الإستخدام ولا استخدامه لم يؤد إلى الإجتماع وقضى بحياة فردية، ولا اجتماعه المكون خلا عن الإختلاف، ولا الإختلاف ارتفع بغير قوانين اجتماعية، ولا أن فطرته وعقله الذي يعده عقلاً سليماً قدرت على وضع قوانين تقطع منابت الإختلاف وتقلع مادة الفساد.

وناهيك في ذلك ما تشاهده من جريان الحوادث الإجتماعية وما هو نصب عينيك من انحطاط الأخلاق وفساد عالم الإنسانية والحروب المهلكة للحرث والنسل والمقاتل المبيدة للملايين بعد الملايين من الناس، وسلطان التحكم ونفوذ الإستعباد في نفوس البشر وأعراضهم وأموالهم في هذا القرن الذي يسمى عصر المدنية والرقي والثقافة والعلم، فما ظنك بالقرون الخالية أعصار الجهل والظلمة.

وأما أن الصنع والإيجاد يسوق كل موجود إلى كماله اللائق به فأمر جار في كل موجود بحسب التجربة والبحث، وكذا كون الخلقة والتكوين إذا اقتضى أثراً لم يقتض خلافه بعينه أمر مسلم تثبته التجربة والبحث، وأما أن التعليم والتربية الدينيين الصادرين من مصدر النبوة والوحي يقدران على دفع هذا الإختلاف والفساد، فأمر يصدقه البحث والتجربة معاً، أما البحث فلأن الدين يدعو إلى حقائق المعارف وفواضل الأخلاق ومحاسن الأفعال، فصلاح العالم الإنساني مفروض فيه، وأما التجربة فالإسلام أثبت ذلك في اليسير من الزمان الذي كان الحاكم فيه على الإجتماع بين المسلمين هو الدين، وأثبت ذلك بتربية أفراد من الإنسان صلحت نفوسهم

١٠٩

وأصلحوا نفوس غيرهم من الناس على أن جهات الكمال والعروق النابضة في هيكل الإجتماع المدني اليوم التي تضمن حياة الحضارة والرقي مرهونة للتقدم الإسلامي وسريانه في العالم الدنيوي على ما تعطيه التجزية والتحليل من غير شك. انتهى.

وأنت تلاحظ أن صاحب الميزانرحمه‌الله فسر الفطرة بالغرائز الخيرة والشريرة معاً، ولكن والذي يظهر من الأحاديث الشريفة اختصاصها ببعض الغرائز الخيرة.

- تفسير الميزان ج ١١ ص ١٥١

فلو كان في الدنيا خير مرجو وسعادة لوجب أن ينسب إلى الدين وتربيته. ويشهد بذلك ما نشاهده من أمر الأمم التي بنت اجتماعها على كمال الطبيعة وأهملت أمر الدين والأخلاق فإنهم لم يلبثوا دون أن افتقدوا الصلاح والرحمة والمحبة وصفاء القلب وسائر الفضائل الخلقية والفطرية، مع وجود أصل الفطرة فيهم، ولو كانت أصل الفطرة كافية ولم تكن هذه الصفات بين البشر من البقايا الموروثة من الدين، لما افتقدوا شيئاً من ذلك.

على أن التاريخ أصدق شاهد على الإقتباسات التي عملتها الأمم المسيحية بعد الحروب الصليبية فاقتبسوا مهمات النكات من القوانين العامة الإسلامية فتقلدوها وتقدموا بها، والحال أن المسلمين اتخذوها وراءهم ظهرياً فتأخر هؤلاء وتقدم أولئك.. والكلام طويل الذيل.

وبالجملة الأصلان المذكوران أعني السراية والوراثة وهما التقليد الغريزي في الإنسان والتحفظ على السيرة المألوفة، يوجبان نفوذ الروح الديني في الإجتماعات كما يوجبان في غيره ذلك وهو تأثير فعلي.

فإن قلت: فعلى هذه فما فائدة الفطرة فإنها لا تغني طائلاً، وإنما أمر السعادة بيد النبوة، وما فائدة بناء التشريع على أساس الفطرة على ما تدعيه النبوة.

قلت: ما قدمناه في بيان ما للفطرة من الإرتباط بسعادة الإنسان وكماله يكفي في حل هذه الشبهة، فإن السعادة والكمال الذي تجلبه النبوة إلى الإنسان ليس أمراً

١١٠

خارجاً عن هذا النوع ولا غريباً عن الفطرة، فإن الفطرة هي التي تهتدي إليه لكن هذا الإهتداء لا يتم لها بالفعل وحدها من غير معين يعينها على ذلك، وهذا المعين الذي يعينها على ذلك وهو حقيقة النبوة ليس أيضاً أمراً خارجاً عن الإنسانية وكمالها منضماً إلى الإنسان كالحجر الموضوع في جنب الإنسان مثلاً، وإلا كان ما يعود منه إلى الإنسان أمراً غير كماله وسعادته كالثقل الذي يضيفه الحجر إلى ثقل الإنسان في وزنه، بل هو أيضاً كمال فطري للإنسان مذخور في هذا النوع وهو شعور خاص وإدراك مخصوص مكمون في حقيقته لا يهتدي إليه بالفعل إلا آحاد من النوع أخذتهم العناية الإلهية، كما أن للبالغ من الإنسان شعوراً خاصاً بلذة النكاح لا تهتدي إليه بالفعل بقية الأفراد غير البالغين بالفعل، وإن كان الجميع من البالغ وغير البالغ مشتركين في الفطرة الإنسانية والشعور شعور مرتبط بالفطرة. وبالجملة لا حقيقة النبوة أمر زائد على إنسانية الإنسان الذي يسمى نبياً وخارج عن فطرته، ولا السعادة التي تهتدي سائر الأمة إليها أمر خارج عن إنسانيتهم وفطرتهم غريب عما يستأنسه وجودهم الإنساني، وإلا لم تكن كمالاً وسعادة بالنسبة إليهم.

فإن قلت : فيعود الإشكال على هذا التقرير إلى النبوة فإن الفطرة على هذا كافية وحدها والنبوة غير خارجة عن الفطرة. فإن المتحصل من هذا الكلام هو أن النوع الإنساني المتمدن بفطرته والمختلف في اجتماعه يتميز من بين أفراده آحاد من الصلحاء فطرتهم مستقيمة وعقولهم سليمة عن الأوهام والتهوسات ورذائل الصفات، فيهتدون باستقامة فطرتهم وسلامة عقولهم إلى ما فيه صلاح الإجتماع وسعادة الإنسان فيضعون قوانين فيها مصلحة الناس وعمران الدنيا والآخرة، فإن النبي هو الإنسان الصالح الذي له نبوغ اجتماعي.

قلت : كلا وإنما هو تفسير لا ينطبق على حقيقة النبوة ولا ما تستتبعه.

أما أولاً، فلان ذلك فرض افترضه بعض علماء الإجتماع ممن لا قدم له في البحث الديني والفحص عن حقائق المبدأ والمعاد. فذكر أن النبوة نبوغ خاص

١١١

اجتماعي استتبعته استقامة الفطرة وسلامة العقل، وهذا النبوغ يدعو إلى الفكر في حال الإجتماع وما يصلح به هذا الإجتماع المختل وما يسعد به الإنسان الإجتماعي فهذا النابغة الإجتماعي هوالنبي والفكر الصالح المترشح من قواه الفكرية هو الوحي، والقوانين التي يجعلها لصلاح الإجتماع هو الدين، وروحه الطاهر الذي يفيض هذه الأفكار إلى قواه الفكرية ولا يخون العالم الإنساني باتباع الهوى هو الروح الأمين وهو جبرائيل، والموحى الحقيقي هو الله سبحانه والكتاب الذي يتضمن أفكاره العالية الطاهرة هو الكتاب السماوي، والملائكة هي القوى الطبيعية أو الجهات الداعية إلى الخير، والشيطان هي النفس الأمارة بالسوء أو القوى أو الجهات الداعية إلى الشر والفساد، وعلى هذا القياس. وهذا فرض فاسد وقد مر في البحث عن الإعجاز، وأن النبوة بهذا المعنى لأن تسمى لعبة سياسية أولى بها من أن تسمى نبوة إلهية.

وقد تقدم أن هذا الفكر الذي يسمى هؤلاء الباحثون نبوغه الخاص نبوة، من خواص العقل العملي الذي يميز بين خير الأفعال وشرها بالمصلحة والمفسدة، وهو أمر مشترك بين العقلاء من أفراد الإنسان ومن هداية الفطرة المشتركة، وتقدم أيضاً إن هذا العقل بعينه هو الداعي إلى الإختلاف، وإذا كان هذا شأنه لم يقدر من حيث هو كذلك على رفع الإختلاف واحتاج فيه إلى متمم يتمم أمره، وقد عرفت أنه يجب أن يكون هذا المتمم نوعاً خاصاً من الشعور يختص به بحسب الفعلية بعض الآحاد من الإنسان، وتهتدي به الفطرة إلى سعادة الإنسان الحقيقية في معاشه ومعاده.

ومن هنا يظهر أن هذا الشعور من غير سنخ الشعور الفكري، بمعنى أن ما يجده الإنسان من النتائج الفكرية من طريق مقدماتها العقلية، غير ما يجده من طريق الشعور النبوي والطريق غير الطريق.

ولا يشك الباحثون في خواص النفس في أن في الإنسان شعوراً نفسياً باطنياً، ربما يظهر في بعض الآحاد من أفراده يفتح له باباً إلى عالم وراء هذا العالم، ويعطيه عجائب من المعارف والمعلومات وراء ما يناله العقل والفكر، صرح به جميع علماء

١١٢

النفس من قدمائنا وجمع من علماء النفس من أوروبا مثل جمز الإنجليزي وغيره.

فقد تحصل أن باب الوحي النبوي غير باب الفكر العقلي، وأن النبوة وكذا الشريعة والدين والكتاب والملك والشيطان لا ينطبق عليها ما اختلقوه من المعاني.

أمور ورد أنها من الفطرة

- من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ١٣٠

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن المجوس جزوا لحاهم ووفروا شواربهم، وإنا نجز الشوارب ونعفي اللحى، وهي الفطرة. انتهى. ورواه في وسائل الشيعة ج ١ ص ٤٢٣

- الخصال ص ٣١٠

حدثنا أبو أحمد محمد بن جعفر البندار، قال حدثنا جعفر بن محمد بن نوح، قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حماد من أهل قومس، قال حدثنا أبومحمد الحسن بن علي الحلواني، قال حدثنا بشر بن عمر، قال حدثنا مالك بن أنس، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خمس من الفطرة: تقليم الأظفار: وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، والإختتان. انتهى. ورواه في وسائل الشيعة ج ١ ص ٤٣٤

- مستدرك الوسائل ج ٢ ص ١٢٠

دعائم الإسلام: عن أمير المؤمنين أنه قال: من الفطرة أن يستقبل بالعليل القبلة إذا احتضر. انتهى. ورواه في بحار الأنوار ج ٨٥ ص ٢٤٣ وروى نحوه الحاكم في المستدرك ج ١ ص ٣٥٣ والبيهقى في سننه ج ٣ ص ٣٨٤

- الكافي ج ٥ ص ٤٩٦

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن مسمع أبي سيار، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحب أن يكون على فطرتي فليستن بسنتي وإن من سنتي النكاح.

١١٣

- بحار الأنوار ج ٢٢ ص ٢٦٣

كا: العدة، عن سهل، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت: يا رسول الله إن عثمان يصوم النهار ويقوم الليل، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مغضباً يحمل نعليه حتى جاء إلى عثمان فوجده يصلي، فانصرف عثمان حين رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له: يا عثمان لم يرسلني الله بالرهبانية، ولكن بعثني بالحنيفية السهلة السمحة، أصوم وأصلي وألمس أهلي، فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح.

- بحار الأنوار ج ١٠٣ ص ٢٢٠

جع: قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : النكاح سنتي فمن رغب، عن سنتي فليس مني.

وقال: تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط.

- وروى البخاري في صحيحه ج ٧ ص ٥٦

.... عن ابن عمررضي‌الله‌عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: من الفطرة قص الشارب.... عن أبي هريرة رواية الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان، والإستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب.

.... عن نافع عن ابن عمررضي‌الله‌عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: من الفطرة حلق العانة، وتقليم الأظفار، وقص الشارب.

.... عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه سمعت النبي صلّى الله عليه وسلم يقول: الفطرة خمس: الختان، والإستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإباط.

.... عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: خالفوا المشركين، ووفروا اللحى واحفوا الشوارب.انتهى. وروى نحوه في ج ٧ ص ١٤٣ ورواه النسائي ج ١ ص ١٤

- وروى مسلم في ج ١ ص ١٥٣:

عن عائشة.... قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم عشر من الفطرة: قص

١١٤

الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء. قال زكريا قال مصعب ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة، زاد قتيبة قال وكيع. انتقاص الماء، يعني الإستنجاء. انتهى. ورواه النسائي ج ٨ ص ١٢٦ ونحوه في سنن ابن ماجة ج ١ ص ١٠٧ والبيهقي في سننه ج ١ ص ٣

- وروى في كنز العمال ج ٩ ص ٥٢٠: عن مجاهد قال: غسل الدبر من الفطرة.

أمور ورد أنها تضر بالفطرة

- الكافي ج ٢ ص ٤٠٠

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن رجل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من شك في الله بعد مولده على الفطرة لم يفىء إلى خير أبداً.

- شرح الأسماء الحسنى ج ٢ ص ٤٣

اللهم إن الطاعة تسرك والمعصية لا تضرك، فهب لي ما يسرك، واغفر لي ما لا يضرك، يا أرحم الراحمين.

أي: لو خليتني يا إلهي ونفسي الخائنة الجانية وأوهامي المؤملة المرجية، فمن يزيل آثار زلاتي الجمة الكثيرة، كما هو مقتضى الجمع المضاف المفيد للعموم، لأن إمهال العظيم الصبور مديد موفور، فإذا استحكمت الملكات الرذيلة وتجوهرت العادات السيئة صارت طبيعة ثانية مخالفة للفطرة الأولى الإسلامية (المحكمة الراسخة كيفاً) والذاتي لا يتبدل، والنفس موضوع بسيط ولا ضد له.

- تهذيب الأحكام ج ٣ ص ٢٦٩

.... عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا: قال أبو جعفرعليه‌السلام : كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة.

١١٥

- كنز العمال ج ٨ ص ٢٨٦

عن علي قال: من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة. ليس من الفطرة القراءة مع الإمام.

- كنز العمال ج ٣ ص ٦٢

لن تزال أمتي على الفطرة ما لم يتخذوا الأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً. ص، عن ثوبان.

- صحيح البخاري ج ١ ص ١٩٢

شعبة عن سليمان، قال سمعت زيد بن وهب قال رأى حذيفة رجلاً لا يتم الركوع والسجود قال: ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمداً صلّى الله عليه وسلم. انتهى. ونحوه في سنن البيهقي ج ٢ ص ٣٨٦ وكنز العمال ج ٨ ص ٢٠٠ ومسند أحمد ج ٥ ص ٣٨٤

تقوية الفطرة وتضعيفها وإساءة استعمالها

- بحار الأنوار ج ٧٣ ص ٢٦٩

... ثم الناس في هذه القوة على درجات ثلاث في أول الفطرة وبحسب ما يطرأ عليها من الأمور الخارجة من التفريط والإفراط والإعتدال، أما التفريط فيفقد هذه القوة أو يضعفها بأن لا يستعملها فيما هو محمود عقلاً وشرعاً مثل دفع الضرر عن نفسه على وجه سائغ، والجهاد مع أعدائه والبطش عليهم، وإقامة الحدود على الوجه المعتبر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتحصل فيه ملكة الجبن بل ينتهي إلى عدم الغيرة على حرمه وأشباه ذلك. انتهى. أقول: ويدل عليه أيضاً قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله (ولكن أبواه يهودانه أو ينصرانه).

- بحار الأنوار ج ٦٠ ص ٣٧٢

الإقبال: عن الحسين بن عليعليهما‌السلام في دعاء يوم عرفة:

١١٦

ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئاً مذكوراً وخلقتني من التراب، ثم أسكنتني الأصلاب، آمناً لريب المنون واختلاف الدهور، فلم أزل ظاعناً من صلب إلى رحم في تقادم الأيام الماضية والقرون الخالية، لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك إلي في دولة أئمة الكفرة الذين نقضوا عهدك، وكذبوا رسلك، لكنك أخرجتني رأفةً منك وتحنناً علي للذي سبق لي من الهدى الذي يسرتني وفيه أنشأتني، ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك، وسوابغ نعمتك، فابتدعت خلقي، من مني يمني، ثم اسكنتني في ظلمات ثلاث بين لحم وجلد ودم، لم تشهرني بخلقي، ولم تجعل إليَّ شيئاً من أمري، ثم أخرجتني إلى الدنيا تاماً سوياً، وحفظتني في المهد طفلاً صبياً، ورزقتني من الغذاء لبناً مرياً، وعطفت على قلوب الحواضن، وكفلتني الأمهات الرحائم، وكلأتني من طوارق الجان، وسلمتني من الزيادة والنقصان، فتعاليت يا رحيم يا رحمان.

حتى إذا استهللت ناطقاً بالكلام، أتممت على سوابغ الأنعام، فربيتني زائداً في كل عام حتى إذا كملت فطرتي، واعتدلت سريرتي، أوجبت عليَّ حجتك بأن ألهمتني معرفتك، وروعتني بعجائب فطرتك، وأنطقتني لما ذرأت لي في سمائك وأرضك من بدائع خلقك، ونبهتني لذكرك وشكرك، وواجب طاعتك وعبادتك، وفهمتني ما جاءت به رسلك.. إلخ. انتهى.

قال المجلسيرحمه‌الله الفطرة إشارة إلى قوة الأعضاء والقوى الظاهرة، واعتدال السريرة إلى كمال القوى الباطنة.... ألقيت في روعي أي قلبي عجائب الفطرة، لكنه بعيد عن الشائع في إطلاق هذا اللفظ بحسب اللغة. انتهى.

أقول: الظاهر أن معناه: جعلتني أدرك روائع وعجائب ما فطرته من مخلوقاتك.

- تفسير الميزان ج ١٦ ص ١٧٨

الفطرة بناء نوع من الفطر بمعنى الإيجاد والإبداع، وفطرة الله منصوب على الاغراء أي إلزم الفطرة، ففيه إشارة إلى أن هذا الدين الذي يجب إقامة الوجه له، هو

١١٧

الذي تهتف به الخلقة وتهدي إليه الفطرة الإلهية التي لا تبديل لها.

وذلك أنه ليس الدين إلا سنة الحياة والسبيل التي يجب على الإنسان أن يسلكها حتى يسعد في حياته، فلا غاية للانسان يتبعها إلا السعادة، وقد هدى كل نوع من أنواع الخليقة إلى سعادته التي هي بغية حياته بفطرته ونوع خلقته، وجهزه في وجوده بما يناسب غايته من التجهيز، قال تعالى:رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى. طه - ٥٠ وقال: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى . الأعلى ٢ - ٣.

فالإنسان كسائر الأنواع المخلوقة مفطور بفطرة تهديه إلى تتميم نواقصه ورفع حوائجه وتهتف له بما ينفعه وما يضره في حياته، قال تعالى:وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا : الشمس ٧ - ٨ وهو مع ذلك مجهز بما يتم له به ما يجب له أن يقصده من العمل، قال تعالى:ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ : عبس - ٢٠.

فللإنسان فطرة خاصة تهديه إلى سنة خاصة في الحياة وسبيل معينة ذات غاية مشخصة ليس له إلا أن يسلكها خاصة، وهو قوله:فطرت الله التي فطر الناس عليها ، وليس الإنسان العائش في هذه النشأة إلا نوعاً واحداً لا يختلف ما ينفعه وما يضره بالنظر إلى هذه البنية المؤلفة من روح وبدن، فما للإنسان من جهة أنه إنسان إلا سعادة واحدة وشقاء واحد، فمن الضروري حينئذ أن يكون تجاه عمله سنة واحدة ثابتة يهديه اليها هاد واحد ثابت، وليكن ذاك الهادي هو الفطرة ونوع الخلقة، ولذلك عقب قوله:فطرت الله التي فطر الناس عليها ، بقوله:لا تبديل لخلق الله ، فلو اختلفت سعادة الإنسان باختلاف أفراده لم ينعقد مجتمع واحد صالح يضمن سعادة الأفراد المجتمعين، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأقطار التي تعيش فيها الأمم المختلفة بمعنى أن يكون الأساس الوحيد للسنة الإجتماعية، أعني الدين هو ما يقتضيه حكم المنطقة، كان الإنسان أنواعاً مختلفة باختلاف الأقطار، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأزمنة بمعنى أن تكون الأعصار والقرون هي الأساس الوحيد للسنة الدينية، اختلفت نوعية كل قرن وجيل مع من ورثوا من آبائهم أو أخلفوا من أبنائهم،

١١٨

ولم يسر الإجتماع الإنساني سير التكامل، ولم تكن الإنسانية متوجهة من النقص إلى الكمال، إذ لا يتحقق النقص والكمال إلا مع أمر مشترك ثابت محفوظ بينهما.

وليس المراد بهذا إنكار أن يكون لاختلاف الأفراد أو الأمكنة أو الأزمنة بعض التأثير في انتظام السنة الدينية في الجملة، بل إثبات أن الأساس للسنة الدينية هو البنية الإنسانية التي هي حقيقة واحدة ثابتة مشتركة بين الأفراد، فللإنسانية سنة واحدة ثابتة بثبات أساسها الذي هو الإنسان، وهي التي تدير رحى الإنسانية مع ما يلحق بها من السنن الجزئية المختلفة باختلاف الأفراد أو الأمكنة أو الأزمنة. وهذا هو الذي يشير إلى قوله بعد ذلك: الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون....

وللقوم في مفردات الآية ومعناها أقوال أخر متفرقة، منها: أن المراد بإقامة الوجه تسديد العمل، فإن الوجه هو ما يتوجه إليه وهو العمل وإقامته تسديده. وفيه أن وجه العمل هو غايته المقصودة منه وهي غير العمل، والذي في الآية هو: فأقم وجهك، ولم يقل فأقم وجه عملك....

ومنها، أن لا في قوله:لا تبديل لخلق الله ، تفيد النهي أي لا تبدلوا خلق الله أي دينه الذي أمرتم بالتمسك به، أولا تبدلوا خلق الله بإنكار دلالتة على التوحيد، ومنه من نسب إلى ابن عباس أن المراد به النهي عن الخصاء.

وفيه، أن لا دليل على أخذ الخلق بمعنى الدين ولا موجب لتسمية الإعراض عن دلالة الخلقة أو إنكارها تبديلاً لخلق الله، وأما ما نسب إلى ابن عباس ففساده ظاهر.

ومنها، ما ذكره الرازي في التفسير الكبير قال: ويحتمل أن يقال خلق الله الخلق لعبادته وهم كلهم عبيده لا تبديل لخلق الله، أي ليس كونهم عبيداً مثل كون المملوك عبداً للإنسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره ويخرج عن ملكه بالعتق، بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودية. وهذا لبيان فساد قول من يقول العبادة لتحصيل الكمال والعبد يكمل بالعبادة فلا يبقى عليه تكليف، وقول المشركين إن الناقص لا يصلح لعبادة الله، وإنما الإنسان عبد الكواكب والكواكب عبيد الله، وقول النصارى إن عيسى كان

١١٩

يحل الله فيه وصار إلها، فقال: لا تبديل لخلق الله بل كلهم عبيد لا خروج لهم عن ذلك. إنتهى.

وفيه، أنه مغالطة بين الملك والعبادة التكوينيين والملك والعبادة التشريعيين، فإن ملكه تعالى الذي لا يقبل الإنتقال والبطلان ملك تكويني بمعنى قيام وجود الأشياء به تعالى، والعبادة التي بإزائه عبادة تكوينية وهو خضوع ذوات الأشياء له تعالى، ولا تقبل التبديل والترك كما في قوله:وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ : الإسراء - ٤٤. وأماالعبادة الدينية التي تقبل التبديل والترك فهي عبادة تشريعية بإزاء الملك التشريعي المعتبر له تعالى، فافهمه. ولو دل قوله لا تبديل لخلق الله على عدم تبديل الملك والعبادة والعبودية لدل على التكويني منهما، والذي يبدله القائلون بارتفاع التكليف عن الإنسان الكامل أو بعبادة الكواكب أو المسيح، فإنما يعنون به التشريعي منهما.

- تفسير الميزان ج ٥ ص ٣١٢

البيانات القرآنية تجري في بث المعارف الدينية وتعليم الناس العلم النافع هذا المجرى، وتراعي الطرق المتقدمة التي عينتها للحصول على المعلومات، فما كان من الجزئيات التي لها خواص تقبل الإحساس فإنها تصريح فيها إلى الحواس كالآيات المشتملة على قوله: ألم تر، أفلا يرون، أفرأيتم، أفلا تبصرون، وغير ذلك.

وما كان من الكليات العقلية مما يتعلق بالأمور الكلية المادية، أو التي هي وراء عالم الشهادة، فإنها تعتبر فيها العقل اعتباراً جازماً وإن كانت غائبة عن الحس خارجة عن محيط المادة والماديات كغالب الآيات الراجعة إلى المبدأ والمعاد المشتملة على أمثال قوله: لقوم يعقلون، لقوم يتفكرون، لقوم يتذكرون، يفقهون، وغيرها.

وما كان من القضايا العملية التي لها مساس بالخير والشر والنافع والضار في العمل والتقوى والفجور، فإنها تستند فيها إلى الإلهام الإلهي بذكر ما بتذكره يشعر الإنسان بإلهامه الباطني كالآيات المشتملة على مثل قوله: ذلكم خير لكم، فإنه آثم قلبه،

١٢٠

والإثم والبغي بغير الحق، إن الله لا يهدي، وغيرها، وعليك بالتدبر فيها.

ومن هنا يظهر أولاً أن القرآن الكريم يخطيء طريق الحسيين وهم المعتمدون على الحس والتجربة النافون للأحكام العقلية الصرفة في الأبحاث العلمية، وذلك أن أول ما يهتم القرآن به في بيانه هو أمر توحيد الله عز اسمه، ثم يرجع إليه ويبني عليه جميع المعارف الحقيقية التي يبينها ويدعو إليها.

ومن المعلوم أن التوحيد أشد المسائل ابتعاداً من الحس وبينونة للمادة وارتباطاً بالأحكام العقلية الصرفة. والقرآن يبين أن هذه المعارف الحقيقية من الفطرة، قال:فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ . الروم - ٣٠ أي أن الخلقة الإنسانية نوع من الإيجاد يستتبع هذه العلوم والإدراكات، ولا معنى لتبديل خلق إلا أن يكون نفس التبديل أيضاً من الخلق والإيجاد، وأما تبديل الإيجاد المطلق أي إبطال حكم الواقع فلا يتصور له معنى، فلن يستطيع الإنسان وحاشا ذلك أن يبطل علومه الفطرية ويسلك في الحياة سبيلاً آخر غير سبيلها البتة.

وأما الإنحراف المشهود عن أحكام الفطرة فليس إبطالاً لحكمها بل استعمالاً لها غير ما ينبغي من نحو الإستعمال، نظير ما ربما يتفق أن الرامي لا يصيب الهدف في رميته، فإن آلة الرمي وسائر شرائطه موضوعة بالطبع للإصابة، إلا أن الإستعمال يوقعها في الغلط، والسكاكين والمناشير والمثاقب والابر وأمثالها إذا عبئت في الماكينات تعبئة معوجة تعمل عملها الذي فطرت عليه بعينه من قطع أو نشر أو ثقب وغير ذلك، لكن لا على الوجه المقصود، وأما الإنحراف عن العمل الفطري كأن يخاط بنشر المنشار بأن يعوض المنشار فعل الإبرة من فعل نفسه فيضع الخياطة موضع النشر، فمن المحال ذلك.

وهذا ظاهر لمن تأمل عامة ما استدل به القوم على صحة طريقهم، كقولهم إن الأبحاث العقلية المحضة والقياسات المؤلفة من مقدمات بعيدة من الحس يكثر وقوع الخطأ فيها، كما يدل عليه كثرة الإختلافات في المسائل العقلية المحضة، فلا

١٢١

ينبغي الإعتماد عليها لعدم اطمئنان النفس إليها. وقولهم في الاستدلال على صحة طريق الحس والتجربة إن الحس آلة لنيل خواص الأشياء بالضرورة وإذا أحس بأثر في موضوع من الموضوعات على شرائط مخصوصة ثم تكرر مشاهدة الأثر معه مع حفظ تلك الشرائط بعينها من غير تخلف واختلاف، كشف ذلك عن أن هذا الأثر خاصة الموضوع من غير اتفاق، لأن الإتفاق (الصدفة) لا يدوم البتة.

والدليلان كما ترى سيقا لإثبات وجوب الإعتماد على الحس والتجربة ورفض السلوك العقلي المحض، مع كون المقدمات المأخوذة فيهما جميعاً مقدمات عقلية خارجة عن الحس والتجربة، ثم أريد بالأخذ بهذه المقدمات العقلية إبطال الأخذ بها، وهذا هو الذي تقدم أن الفطرة لن تبطل البتة، وإنما يغلط الإنسان في كيفية استعمالها.

قدوات البشرية في فطرتهم المستقيمة

آدمعليه‌السلام فطرة الله تعالى

- الصحيفة السجادية ج ٢ ص ٣٩

في الصلاة على آدمعليه‌السلام : اللهم وآدم بديع فطرتك، وأول معترف من الطين بربوبيتك، وبكر حجتك على عبادك وبريتك.

- بحار الأنوار ج ١٠١ ص ٢٣٠

(زيارة أخرى) رواها الكفعمي في البلد الأمين عن الصادقعليه‌السلام قال: إذا وصلت إلى الفرات فاغتسل والبس أنظف ثوب تقدر عليه، ثم صر إلى القبر حافياً وعليك السكينة والوقار، وقف بالباب وكبر أربعاً وثلاثين تكبيرة وقل: السلام عليك يا وارث آدم فطرة الله، السلام عليك يا وارث نوح صفوة الله.

١٢٢

إبراهيمعليه‌السلام إمام الإستقامة على الفطرة

- الصحيفة السجادية ج ٢ ص ٢٥٦

يا موضع كل شكوى، ويا شاهد كل نجوى، ويا عالم كل خفية، ويادافع كل بلية، يا كريم العفو، يا حسن التجاوز، توفني على ملة إبراهيم وفطرته، وعلى دين محمد وسنته، وعلى خير الوفادة فتوفني، موالياً لأوليائك ومعادياً لأعدائك. اللهم إني أسألك التوفيق لكل عمل أو قول أو فعل يقربني إليك زلفى، يا أرحم الراحمين.

- الكافي ج ٨ ص ٣٦٦

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان عن حجر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: خالف إبراهيمعليه‌السلام قومه وعاب آلهتهم حتى أدخل على نمرود فخاصمه، فقال إبراهيمعليه‌السلام : ربي الذي يحيي ويميت قال: أنا أحيي وأميت. قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين.

وقال أبو جعفرعليه‌السلام : عاب آلهتهم فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم، قال أبو جعفرعليه‌السلام : والله ما كان سقيماً وما كذب، فلما تولوا عنه مدبرين إلى عيد لهم دخل إبراهيمعليه‌السلام إلى آلهتهم بقدوم فكسرها إلا كبيراً لهم ووضع القدوم في عنقه، فرجعوا إلى آلهتهم فنظروا إلى ما صنع بها فقالوا: لا والله ما اجترأ عليها ولا كسرها إلا الفتى الذي كان يعيبها ويبرأ منها، فلم يجدوا له قتلةً أعظم من النار، فجمعوا له الحطب واستجادوه، حتى إذا كان اليوم الذي يحرق فيه برز له نمرود وجنوده وقد بنى له بناء لينظر إليه كيف تأخذه النار، ووضع إبراهيمعليه‌السلام في منجنيق، وقالت الأرض: يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره يحرق بالنار؟ قال الرب: إن دعاني كفيته.

فذكر أبان عن محمد بن مروان، عمن رواه عن أبي جعفرعليه‌السلام أن دعاء إبراهيمعليه‌السلام يومئذ كان (يا أحد يا أحد، يا صمد يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً

١٢٣

احد. ثم قال: توكلت على الله) فقال الرب تبارك وتعالى: كفيت، فقال للنار: كوني برداً. قال فاضطربت أسنان إبراهيمعليه‌السلام من البرد حتى قال الله عز وجل: وسلاماً على إبراهيم. وانحط جبرئيلعليه‌السلام وإذا هو جالس مع إبراهيمعليه‌السلام يحدثه في النار، قال نمرود: من اتخذ إلهاً فليتخذ مثل إله إبراهيم! قال: فقال عظيم من عظمائهم: إني عزمت على النار أن لا تحرقه، قال فأخذ عنق من النار نحوه حتى أحرقه!

قال: فآمن له لوط، وخرج مهاجراً إلى الشام هو وسارة ولوط.

- علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: ان إبراهيمعليه‌السلام كان مولده بكوثى رباً، وكان أبوه من أهلها وكانت أم إبراهيم وأم لوط سارة ورقة وفي نسخة رقية أختين، وهما ابنتان للاحج، وكان لاحج نبياً منذراً ولم يكن رسولاً، وكان إبراهيمعليه‌السلام في شبيبته على الفطرة التي فطر الله عز وجل الخلق عليها، حتى هداه الله تبارك وتعالى إلى دينه واجتباه، وإنه تزوج سارة ابنة لاحج وهي ابنة خالته، وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة، وكانت قد ملكت إبراهيمعليه‌السلام جميع ما كانت تملكه، فقام فيه وأصلحه وكثرت الماشية والزرع، حتى لم يكن بأرض كوثى ربا رجل أحسن حالاً منه.

وإن إبراهيمعليه‌السلام لما كسر أصنام نمرود أمر به نمرود فأوثق، وعمل له حيراً وجمع له فيه الحطب وألهب فيه النار، ثم قذف إبراهيمعليه‌السلام في النار لتحرقه، ثم اعتزلوها حتى خمدت النار، ثم أشرفوا على الحير فإذا هم بإبراهيمعليه‌السلام سليماً مطلقاً من وثاقه فأخبر نمرود خبره، فأمرهم أن ينفوا إبراهيمعليه‌السلام من بلاده وأن يمنعوه من الخروج بماشيته وماله، فحاجهم إبراهيمعليه‌السلام عند ذلك فقال: إن أخذتم ماشيتي ومالي فإن حقي عليكم أن تردوا عليَّ ما ذهب من عمري في بلادكم، واختصموا إلى قاضي نمرود فقضى على إبراهيمعليه‌السلام أن يسلم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم، وقضى على أصحاب نمرود أن يردوا على إبراهيمعليه‌السلام ما ذهب من عمره في بلادهم!

١٢٤

فأخبر بذلك نمرود فأمرهم أن يخلوا سبيله وسبيل ماشيته وما له وأن يخرجوه، وقال: إنه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضر بآلهتكم، فأخرجوا إبراهيم ولوطاً معه صلّى الله عليهما من بلادهم إلى الشام، فخرج إبراهيم ومعه لوط لا يفارقه وسارة وقال لهم: إني ذاهب إلى ربي سيهدين، يعني بيت المقدس.

فتحمل إبراهيمعليه‌السلام بماشيته وماله وعمل تابوتاً وجعل فيه سارة وشد عليها الأغلاق غيرةً منه عليها، ومضى حتى خرج من سلطان نمرود وصار إلى سلطان رجل من القبط يقال له عرارة، فمر بعاشر له فاعترضه العاشر ليعشر ما معه، فلما انتهى إلى العاشر ومعه التابوت.

قال العاشر لإبراهيمعليه‌السلام : إفتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه.

فقال له إبراهيمعليه‌السلام : قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطي عشره ولا نفتحه.

قال فأبى العاشر إلا فتحه، قال وغضب إبراهيمعليه‌السلام على فتحه، فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال، قال له العاشر: ما هذه المرأة منك؟

قال إبراهيمعليه‌السلام : هي حرمتي وابنة خالتي.

فقال له العاشر: فما دعاك إلى أن خبيتها في هذا التابوت؟

فقال إبراهيمعليه‌السلام : الغيرة عليها أن يراها أحد.

فقال له العاشر: لست أدعك تبرح حتى أعلم الملك حالها وحالك، قال: فبعث رسولاً إلى الملك فأعلمه فبعث الملك رسولاً من قبله ليأتوه بالتابوت فأتوا ليذهبوا به. فقال لهم إبراهيمعليه‌السلام : إني لست أفارق التابوت حتى تفارق روحي جسدي، فأخبروا الملك بذلك فأرسل الملك أن احملوه والتابوت معه، فحملوا إبراهيمعليه‌السلام والتابوت وجميع ما كان معه حتى أدخل على الملك فقال له الملك: إفتح التابوت.

فقال إبراهيمعليه‌السلام : أيها الملك إن فيه حرمتي وابنة خالتي وأنا مفتد فتحه بجميع ما معي.

١٢٥

قال: فغضب الملك وأجبر إبراهيمعليه‌السلام على فتحه، فلما رأى سارة لم يملك حلمه سفهه أن مد يده إليها فأعرض إبراهيمعليه‌السلام بوجهه عنها وعنه غيرة منه وقال: اللهم احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي، فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه!

فقال له الملك: إن إلهك الذي فعل بي هذا؟

فقال له: نعم، إن إلهي غيور يكره الحرام وهو الذي حال بينك وبين ما أردت من الحرام.

فقال له الملك: فادع إلهك يرد عليَّ يدي فإن أجابك فلم أعرض لها.

فقال إبراهيمعليه‌السلام : إلهي رد عليه يده ليكف عن حرمتي.

قال: فرد الله عز وجل عليه يده فأقبل الملك نحوها ببصره، ثم أعاد بيده نحوها فأعرض إبراهيمعليه‌السلام عنه بوجهه غيرة منه وقال: اللهم احبس يده عنها، قال فيبست يده ولم تصل إليها!

فقال الملك لإبراهيمعليه‌السلام : ان إلهك لغيور وإنك لغيور فادع إلهك يرد علي يدي فإنه إن فعل لم أعد.

فقال له إبراهيمعليه‌السلام : أسأله ذلك على أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله.

فقال الملك: نعم.

فقال إبراهيمعليه‌السلام : اللهم إن كان صادقاً فرد عليه يده، فرجعت إليه يده!

فلما رأى ذلك الملك من الغيرة ما رأى ورأى الآية في يده، عظم إبراهيمعليه‌السلام وهابه وأكرمه واتقاه، وقال له: قد أمنت من أن أعرض لها أو لشيء مما معك، فانطلق حيث شئت ولكن لي إليك حاجة.

فقال إبراهيمعليه‌السلام : ما هي؟

فقال له: أحب ان تأذن لي أن أخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادماً.

قال: فأذن له إبراهيمعليه‌السلام فدعا بها فوهبها لسارة وهي هاجر أم إسماعيلعليه‌السلام .

فسار إبراهيمعليه‌السلام بجميع ما معه وخرج الملك معه يمشي خلف إبراهيمعليه‌السلام

١٢٦

إعظاماً لإبراهيمعليه‌السلام وهيبة له، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى إبراهيم أن قف ولا تمش قدام الجبار المتسلط ويمشي هو خلفك، ولكن اجعله أمامك وامش خلفه وعظمه وهبه، فإنه مسلط ولابد من إمرة في الأرض برة أو فاجرة، فوقف إبراهيمعليه‌السلام وقال للملك: إمض فإن إلهي أوحى إليَّ الساعة أن أعظمك وأهابك وأن أقدمك أمامي وأمشي خلفك إجلالاً لك.

فقال له الملك: أوحى إليك بهذا؟ فقال له إبراهيمعليه‌السلام : نعم.

فقال له الملك: أشهد أن إلهك لرفيق حليم كريم، وإنك ترغبني في دينك.

قال: وودعه الملك فسار إبراهيمعليه‌السلام حتى نزل بأعلى الشامات وخلف لوطاًعليه‌السلام في أدنى الشامات.

ثم إن إبراهيمعليه‌السلام لما أبطأ عليه الولد قال لسارة: لو شئت لبعتني هاجر لعل الله أن يرزقنا منها ولداً فيكون لنا خلفاً، فابتاع إبراهيمعليه‌السلام هاجر من سارة فوقع عليها فولدت اسماعيل. انتهى. ورواه في تفسير نور الثقلين ج ٤ ص ٤١٦ ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ١٢ ص ٤٨

وفي هذا الحديث من الحقائق والأضواء على حياة سيدنا إبراهيمصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يرد كثيراً من الشبه الواردة في الإسرائيليات، والتهم التي اتهمه بها اليهود، وقلدهم بعض المسلمين!!

نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله رائد العارفين ورائد سعادتنا

- نهج البلاغة ج ٣ ص ٤٤

... والرسول قد عرف عن الله وأخبرنا، فهو رائد سعادتنا.

- مروج الذهب للمسعودي ج ١ ص ٣٢

فهذا ما روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:

١٢٧

إن الله حين شاء تقدير الخليقة وذرأ البرية وإبداع المبدعات، نصب الخلق في صور كالهباء قبل دحو الأرض ورفع السماء، وهو في انفراد ملكوته وتوحد جبروته فأتاح (فأساح) نوراً من نوره فلمع، و [ نزع ] قبساً من ضيائه فسطع، ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية فوافق ذلك صورة نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم، فقال الله عز من قائل: أنت المختار المنتخب، وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك أسطح البطحاء، وأمرج الماء، وارفع السماء، وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار، وأنصب أهل بيتك للهداية، وأوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق ولا يعييهم خفي، وأجعلهم حجتي على بريتي، والمنبهين على قدرتي ووحدانيتي، ثم أخذ الله الشهادة عليهم بالربوبية والإخلاص بالوحدانية. فبعد أخذ ما أخذ من ذلك شاب ببصائر الخلق انتخاب محمد وآله (فقبل أخذ ما أخذ جل شأنه ببصائر الخلق انتخب محمد وآله) وأراهم أن الهداية معه والنور له والإمامة في آله، تقديماً لسنة العدل، وليكون الإعذار متقدماً.

ثم أخفى الله الخليقة في غيبه، وغيبها في مكنون علمه، ثم نصب العوامل وبسط الزمان، ومرج الماء، وأثار الزبد، وأهاج الدخان، فطفا عرشه على الماء، فسطح الأرض على ظهر الماء [ وأخرج من الماء دخاناً فجعله السماء ] ثم استجلبهما إلى الطاعة فأذعنتا بالإستجابة.

ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها، وأرواح اخترعها، وقرن بتوحيده نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم، فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض، فلما خلق آدم أبان فضله للملائكة، وأراهم ما خصه به من سابق العلم من حيث عرفه عند استنبائه إياه أسماء الأشياء، فجعل الله آدم محراباً وكعبة وباباً وقبلة أسجد إليها الأبرار والروحانيين الأنوار، ثم نبه آدم على مستودعه، وكشف له [ عن ] خطر ما ائتمنه عليه، بعد ما سماه إماماً عند الملائكة، فكان حظ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا، ولم يزل الله تعالى يخبىء النور تحت الزمان إلى أن فضل محمداً صلّى الله عليه وسلم في ظاهر الفترات، فدعا الناس ظاهراً وباطناً، وندبهم سراً وإعلاناً، واستدعىعليه‌السلام التنبيه على العهد الذي قدمه إلى الذر قبل النسل، فمن

١٢٨

وافقه وقبس من مصباح النور المقدم اهتدى إلى سره، واستبان واضح أمره، ومن أبلسته الغفلة استحق السخط.

ثم انتقل النور إلى غرائزنا، ولمع في أئمتنا، فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض، فبنا النجاء، ومنا مكنون العلم، والينا مصير الأمور، وبمهدينا تنقطع الحجج، خاتمة الائمة، ومنقذ الأمة، وغاية النور، ومصدر الأمور، فنحن أفضل المخلوقين، وأشرف الموحدين، وحجج رب العالمين، فليهنأ بالنعمة من تمسك بولايتنا، وقبض على عروتنا.انتهى.وروى شبيهاً به ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص١٢٨ - ١٣٠

- علل الشرائع ج ١ ص ٥

حدثنا الحسن بن محمد سعيد الهاشمي قال: حدثنا فرات بن إبراهيم ابن فرات الكوفي قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علي الهمداني، قال حدثني أبوالفضل العباس بن عبد الله البخاري، قال حدثنا محمد بن القاسم بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال حدثنا عبدالسلام بن صالح الهروي، عن علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني، قال عليعليه‌السلام فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟ فقال: يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا. يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة، وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه، لأن أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا

١٢٩

نوراً واحداً استعظموا أمرنا، فسبحنا لتعلم الملائكة إنا خلق مخلوقون، وإنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وأنَّا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلا الله، فلما شاهدوا كبر محلنا كبرَّنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به، فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز والقوة قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله لتعلم الملائكة أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله، فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد الله لتعلم الملائكة ما يحق الله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته، فقالت الملائكة الحمد لله.

فبنا اهتدي إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده، ثم أن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً.

- علل الشرائع ج ١ ص ١١٧

- حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عبدالرحمان بن كثير، عن داود الرقي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: لما أراد الله عز وجل أن يخلق الخلق خلقهم ونشرهم بين يديه، ثم قال لهم: من ربكم؟ فأول من نطق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين فقالوا: أنت ربنا، فحمَّلهم العلم والدين، ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة ديني وعلمي وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون، ثم قيل لبني آدم أقروا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة والولاية، فقالوا نعم ربنا أقررنا، فقال الله جل جلاله للملائكة: إشهدوا، فقالت الملائكة شهدنا... على أن لا يقولوا غداً إنا كنا عن هذا غافلين، أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعد هم أفتهلكنا بما فعل المبطلون، يا داود الأنبياء مؤكدة عليهم في الميثاق.

١٣٠

- الإعتقادات للصدوق ص ٦٧

... وأن محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله سيدهم وأفضلهم، وأنه جاء بالحق وصدق المرسلين، وأن الذين كذبوه لذائقوا العذاب الأليم. وأن الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون الفائزون. ويجب أن يعتقد أن الله عز وجل لم يخلق خلقاً أفضل من محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام ، وأنهم أحب الخلق إلى الله وأكرمهم، وأولهم إقراراً به لما أخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى. وأن الله بعث نبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله للأنبياء في الذر. وأن الله عز وجل أعطى ما أعطى كل نبي على قدر معرفته، ومعرفة نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسبقه إلى الإقرار به. ونعتقد: أن الله تبارك وتعالى خلق جميع الخلق له ولأهل بيتهعليهم‌السلام ، وأنه لولاهم ما خلق الله سبحانه السماء والأرض ولا الجنة ولا النار ولا آدم ولا حواء ولا الملائكة، ولا شيئاً مما خلق، صلوات الله عليهم أجمعين. انتهى.

وقد أوردنا في فصل الفطرة تحت عنوان: عوالم وجود الإنسان، عدداً من أحاديث خلق نور النبي وآله صلّى الله عليه وعليهم قبل الخلق.

خطّ الفطرة لم ينقطع من ذرّيّة إبراهيم

- بحار الأنوار ج ١٥ ص ١١٧

بيان: اتفقت الإمامية رضوان الله عليهم على أن والدي الرسول وكل أجداده إلى آدمعليه‌السلام كانوا مسلمين، بل كانوا من الصديقين: إما أنبياء مرسلين، أو أوصياء معصومين، ولعل بعضهم لم يظهر الإسلام لتقية أو لمصلحة دينية....

ورووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات، حتى أخرجني في عالمكم هذا، لم يدنسني بدنس الجاهلية. ولو كان من آبائهعليه‌السلام كافر لم يصف جميعهم بالطهارة، مع قوله سبحانه: إنما المشركون نجس....

وهذا المسلك ذهبت إليه طائفة، منهم الإمام فخر الدين الرازي فقال في كتابه

١٣١

أسرار التنزيل ما نصه: قيل: إن آزر لم يكن والد إبراهيم بل كان عمه واحتجوا عليه بوجوه:

منها، أن آباء الأنبياء ما كانوا كفاراً، ويدل عليه وجوه:

منها : قوله تعالى:الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ....

الثانية: أن الأحاديث والآثار دلت على أنه لم تخل الأرض من عهد نوحعليه‌السلام إلى بعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن تقوم الساعة من ناس على الفطرة يعبدون الله ويوحدونه ويصلون له، وبهم تحفظ الأرض، ولولاهم لهلكت الأرض ومن عليها....

وأما المخالفون: فذهب أكثرهم إلى كفر والدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكثير من أجداده كعبد المطلب وهاشم وعبد مناف صلوات الله عليهم اجمعين، وإجماعنا وأخبارنا متظافرة.... وقال في هامشه:

وذهب بعضهم إلى إيمان والديهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأجداده، واستدلوا عليه بالكتاب والسنة، منهم السيوطي، قال في كتاب مسالك الحنفاء: المسلك الثاني أنهما أي عبد الله وآمنة لم يثبت عنهما شرك، بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام....

ثم قال (السيوطي) وعندي في نصرة هذا المسلك وما ذهب إليه الإمام فخر الدين أمور: أحدها دليل استنبطه مركب من مقدمتين.

الأولى: أن الأحاديث الصحيحة دلت على أن كل أصل من أصول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من آدمعليه‌السلام إلى أبيه عبد الله، فهو خير أهل قرنه وأفضلهم، ولا أحد في قرنه ذلك خير منه ولا أفضل.

الثانية: إن الأحاديث والآثار دلت على أنه لم تخل الأرض من عهد نوحعليه‌السلام أو آدمعليه‌السلام إلى بعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن تقوم الساعة من ناس على الفطرة يعبدون الله ويوحدونه ويصلون له، وبهم تحفظ الأرض ولولا هم لهلكت الأرض ومن عليها،

١٣٢

وإذا قرنت بين هاتين المقدمتين أنتج منهما قطعاً أن آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن فيهم مشرك، لأنه ثبت في كل منهم أنه خير قرنه.... (ثم ذكر عن السيوطي آيات وأحاديث لإثبات ذلك منها): ما ورد في تفسير قوله تعالى:وجعلها كلمة باقية في عقبه ، تدل على أن التوحيد كان باقياً في ذرية إبراهيمعليه‌السلام ولم يزل ناس من ذريته على الفطرة يعبدون الله تعالى حتى تقوم الساعة....

فحصل مما أوردناه أن آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من عهد إبراهيم إلى كعب بن لؤي كانوا كلهم على دين إبراهيمعليه‌السلام ....

- الدر المنثور ج ٣ ص ٣٤١

وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن عليرضي‌الله‌عنه قال قالت سارةرضي‌الله‌عنه ا لما بشرتها الملائكةعليهم‌السلام يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب، فقالت الملائكة ترد على سارة: أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد، قال فهو كقوله:وجعلها كلمة باقية في عقبه ، بمحمد صلّى الله عليه وسلم من عقب إبراهيم.

- الدر المنثور ج ٤ ص ٨٧

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريجرضي‌الله‌عنه في قوله: رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي، قال فلن يزال من ذرية إبراهيمعليه‌السلام ناس على الفطرة يعبدون الله تعالى حتى تقوم الساعة.

- الدر المنثور ج ٦ ص ١٦

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة: وجعلها كلمة باقية في عقبه، قال: في الإسلام أوصى بها ولده.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد:وجعلها كلمة باقية في عقبه ، قال: الإخلاص والتوحيد لا يزال في ذريته من يقولها من بعده.

١٣٣

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس:وجعلها كلمة باقية في عقبه ، قال: لا إله إلا الله، في عقبه: قال عقب إبراهيم ولده.

عمّار علم الثابتين على الفطرة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

- بحار الأنوار ج ٢٢ ص ٣٢٠

لي: بهذا الإسناد عن إبراهيم بن الحكم، عن عبيدالله بن موسى، عن سعد بن أوس، عن بلال بن يحيى العبسي قال: لما قتل عمار (كذا والصحيح عثمان) أتوا حذيفة فقالوا: يا عبد الله قتل هذا الرجل وقد اختلف الناس، فما تقول؟ قال إذا أتيتم فأجلسوني، قال: فأسندوه إلى صدر رجل منهم فقال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أبو اليقظان على الفطرة ثلاث مرات، لن يدعها حتى يموت. انتهى. ورواه في بحار الأنوار ج ٣٣ ص ٩

- شرح الأخبار ج ١ ص ٤١٢

أبو أحمد بإسناده عن حذيفة بن اليمان، أنه لما احتضر قيل له أوصنا، فقال: أما إذا قلتم ذلك فأسندوني، فأسندوه فقال: سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول: أبو اليقظان على الفطرة لا يدعها ثلاث مرات، لا يدعها حتى يموت.

- روضة الواعظين للنيسابوري ص ٢٨٦

.... وقال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: أبواليقظان على الفطرة ثلاث مرات لن يدعها حتى يموت، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أشدهما.

- مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٩٣

... عن عائشة أنها قالت: أنظروا عمار بن ياسر فإنه يموت على الفطرة، إلا أن تدركه هفوة من كبر. صحيح الإسناد.

.... عن قيس بن أبي حازم قال قال عبد الله: ما أعلم أحداً خرج في الفتنة يريد به وجه الله تعالى والدار الآخرة إلا عمار بن ياسر. صحيح الإسناد.

١٣٤

- مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٩٥

وعن بلال بن يحيى قال لما قتل عثمانرضي‌الله‌عنه أتى حذيفة فقيل له يا أبا عبد الله قتل هذا الرجل، وقد اختلف الناس فما تقول؟ قال أسندوني فأسندوه إلى ظهر رجل فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: أبو اليقظان على الفطرة لا يدعها حتى يموت أو يمسه الهرم. رواه البزار والطبراني في الأوسط باختصار، ورجالهما ثقات.

- كنز العمال ج ١١ ص ٧٢٣

أبو اليقظان على الفطرة، أبواليقظان على الفطرة، أبو اليقظان على الفطرة، لا يدعها حتى يموت أو يمسه الهرم. ن، وابن سعد، عد وضعفه، عن حذيفة.

- كنز العمال ج ١٣ ص ٥٣٢ و ٥٣٧

عن حذيفة قال: إن عماراً لا تصيبه الفتنة حتى يخرف، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: أبواليقظان على الفطرة لم يدعها حتى يموت، أو ينسيه الهرم. كر. انتهى.

ملاحظة: من واضحات تاريخنا الإسلامي أن عمار بن ياسررضي‌الله‌عنه وقف بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع عليعليه‌السلام في مواجهة بيعة السقيفة، ثم في عهد أبي بكر وعمر، وأحداث خلافة عثمان، وكان عمار من قادة جيش عليعليه‌السلام في حرب الجمل وله فيها مواقف سجلها التاريخ، ومنها مواقف مع عائشة، ثم ختم الله له بالشهادة تحت راية علي في صفين، وقتلته فئة معاوية الباغية كما أخبر بذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .. ولذلك لا يشك الإنسان بأن جعل النبي عماراً علماً على خط الفطرة من بعده، يعني جعله علياًعليه‌السلام علماً للأمة، وتأكيده بأن خط علي من بعده هو خط الفطرة.

ومن الطبيعي أن تكون مواقف عمار إلى جانب علي ثقيلة على عائشة وعلى قريش، وأن لا يرووا في حقه مثل هذه الشهادة النبوية التي تدينهم، ولكنها كانت شهادة معروفة بين المسلمين، ومن هنا أدخل خصوم عليعليه‌السلام في روايتها غمغمة

١٣٥

واستثناءات وشروطاً لغرض إحباط مفعولها!

ويدل على بطلان هذه الإضافات أن الشهادة النبوية وردت في حق عمار مطلقة بنصوص صحيحة عندنا وعند إخواننا وليس فيها تلك الإستثناءات. مضافاً إلى أن طبيعة مثل هذه الشهادة لا تقبل الإستثناء، لأنه يؤدي إلى نسبة التناقض إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث يشهد لشخص بأنه على الفطرة حتى يموت، ويجعله علماً لأمته من بعده ويأمرهم بأن يكونوا في خطه، ثم يستثني من ذلك ويشترط شرطاً مبهماً يبطل كلامه الأول، ويوقع الأمة في الشك والريب!!

- وقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٧ ص ٢٤٣ حديثاً يدل على مدى تأثير هذه الشهادة النبوية ومدى حسد قريش لعليعليه‌السلام قال:

وعن سيار أبي الحكم قال: قالت بنو عبس لحذيفة: إن أمير المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال آمركم أن تلزموا عماراً. قالوا إن عماراً لا يفارق علياً! قال إن الحسد هو أهلك الجسد وإنما ينفركم من عمار قربه من علي؟! فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عماراً لمن الأحباب. وهو يعلم أنهم إن لزموا عماراً كانوا مع علي. رواه الطبراني ورجاله ثقات، إلا أني لم أعرف الرجل المبهم. انتهى. ولا يبعد أن يكون إسم بني عبس وضع في هذه الرواية بدل قريش لأن حسدة بني هاشم الذين عناهم حذيفة والذين تحدث عنهم القرآن هم قبائل قريش، وليسوا بني عبس أو تميم.

عليعليه‌السلام إمام الثابتين على الفطرة

- نهج البلاغة ج ١ ص ١٠٥

ومن كلام لهعليه‌السلام لأصحابه: أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه ولن تقتلوه، ألا وإنه سيأمركم

١٣٦

بسبي والبراءة مني، فأما السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تتبرؤوا مني فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة.

- شرح الأخبار ج ١ ص ١٥٩

عن الشعبي أنه كان يقول: سمعت رشيد الهجري والحارث الأعور الهمداني وصعصعة بن صوحان العبدي وسالم بن دينار الأزدي، كلهم يذكرون أنهم سمعوا علي بن أبي طالبعليه‌السلام على منبر الكوفة يقول في خطبته: يا معشر أهل الكوفة، والله لتصبرن على قتال عدوكم أو ليسلطن الله عليكم أقواماً أنتم أولى بالحق منهم، فيعذبكم الله بهم ثم يعذبهم بما شاء من عنده، أَوَ من قتلة بالسيف تفرون إلى الموت على الفراش. فإني أشهد إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إن معالجة ملك الموت لأشد من ضربة ألف سيف، أخبرني جبرئيل يا علي إنه يصيبكم بعدي أَثَرةٌ وزلزال، فعليكم بالصبر الجميل.

وقال لي أيضاً: قضاء مقضي على لسان النبي الأمي: إنه لا يبغضك يا علي مؤمن ولا يحبك كافر، وقد خاب من حمل ظلماً وافترى. ثم جعل يقول لنفسه: يا علي إنك ميت مقتول، بل مقتول إن شاء الله، فما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من هذا، ثم أمرَّ يده اليمنى على لحيته، ثم وضعها على رأسه، ثم قال: أما لقد رأيت في منامي أنه يهلك في اثنان ولا ذنب لي: محب غالٍ، ومبغض قالٍ. ثم قال: إلا أنكم ستعرضون على البراءة مني فلا تتبرأوا مني، فإن صاحبكم والله على فطرة الله التي فطر الناس عليها. ثم نزل عن المنبر.

- شرح الأخبار ج ١ ص ١٦٩

....ثم قال: سيظهر عليكم بعدي رجل وإنه سيعرضكم على سبي والبراءة مني، فإن خفتموه فسبوني فإنما هي زكاة ونجاة، وإن سألكم البراءة مني فلا تبرؤوا مني فإني على الفطرة.

١٣٧

ثم قال: يكون بعدي أئمة يأمرونكم بسبي والبراءة مني، أما السب فسبوني، ولا تتبرؤوا مني فإني ولدت على الفطرة وأموت على الفطرة إن شاء الله.

- بحار الأنوار ج ٣٦ ص ٣٥٠

عن سعيد بن المسيب قال: سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن علي بن أبي طالب فقال له ابن عباس: إن علي بن أبي طالب صلى القبلتين وبايع البيعتين، ولم يعبد صنماً ولا وثناً، ولم يضرب على رأسه بزلم ولا قدح، ولد على الفطرة ولم يشرك بالله طرفة عين. فقال الرجل: إني لم أسألك عن هذا إنما أسألك عن حمله سيفه على عاتقه يختال به حتى أتى البصرة فقتل بها أربعين ألفاً، ثم سار إلى الشام فلقي حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتى قتلهم، ثم أتى النهروان وهم مسلمون فقتلهم عن آخرهم!

فقال له ابن عباس: أعليٌّ أعلم عندك أم أنا؟ فقال: لو كان علي أعلم عندي منك ما سألتك!

قال: فغضب ابن عباس حتى اشتد غضبه ثم قال: ثكلتك أمك عليٌّ علمني، وكان علمه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول الله علمه الله من فوق عرشه، فعلم النبي من علم الله وعلم علي من علم النبي وعلمي من علم علي، وعلم أصحاب محمد كلهم في علم علي كالقطرة الواحدة في سبعة أبحر!!

- بحار الأنوار ج ٤٣ ص ٣١٦

ما: بإسناد أخي دعبل عن الرضا عن آبائهعليهم‌السلام عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أنه قال: إلا أنكم ستعرضون على سبي، فإن خفتم على أنفسكم فسبوني، إلا وأنكم ستعرضون على البراءة مني فلا تفعلوا فإني على الفطرة....

فإن قيل : كيف علل نهيه لهم من البراءة منه بقوله: فإني ولدت على الفطرة، فإن هذا التعليل لا يختص به لأن كل ولد يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه؟

والجواب : أنه علل نهيه لهم عن البراءة منه بمجموع أمور وهو كونه ولد على

١٣٨

الفطرة وسبق إلى الإيمان والهجرة، ولم يعلل بآحاد هذا المجموع. ومراده هنا بالولادة على الفطرة أنه لم يولد في الجاهلية لأنه ولد لثلاثين عاماً مضت من عام الفيل، والنبي أرسل لأربعين مضت من عام الفيل، وقد جاء في الأخبار الصحيحة أنه مكث قبل الرسالة سنين عشراً يسمع الصوت ويرى الضوء ولا يخاطبه أحد، وكان ذلك إرهاصاً لرسالته، فحكم تلك السنين العشر حكم أيام رسالتهصلى‌الله‌عليه‌وآله فالمولود فيها إذا كان في حجره وهو المتولي لتربيته مولود في أيام كأيام النبوة، وليس بمولود في جاهلية محضة، ففارقت حاله حال من يدعى له من الصحابة مماثلته في الفضل.

وقد روي أن السنة التي ولد فيها هذه السنة التي بديَ فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأسمع الهتاف من الأحجار والأشجار وكشف عن بصره، فشاهد أنواراً وأشخاصاً ولم يخاطب منها بشيء، وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتل والإنقطاع والعزلة في جبل حراء، فلم يزل به حتى كوشف بالرسالة وأنزل عليه الوحي، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتيمن بتلك السنة وبولادة عليعليه‌السلام فيها، ويسميها سنة الخير وسنة البركة، وقال لأهله ليلة ولادته وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الإلهية ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئاً: لقد ولد لنا مولود يفتح الله علينا به أبواباً كثيرة من النعمة والرحمة. وكان كما قال صلوات الله عليه، فإنه كان ناصره والمحامي عنه وكاشف الغم عن وجهه، وبسيفه ثبت دين الإسلام ورست دعائمه وتمهدت قواعده.

وفي المسألة تفصيل آخر، وهو أن يعني بقوله: فإني ولدت على الفطرة التي لم تتغير ولم تحل، وذلك أن معنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : كل مولود يولد على الفطرة، أن كل مولود فإن الله تعالى قد هيأه بالعقل الذي خلقه فيه وبصحة الحواس والمشاعر لأن يتعلم التوحيد والعدل، ولم يجعل فيه مانعاً يمنعه من ذلك، ولكن التربية والعقيدة في الوالدين والألف لاعتقادهما وحسن الظن فيهما يصده عما فطر عليه، وأمير المؤمنينعليه‌السلام دون غيره ولد على الفطرة التي لم تحل، ولم يصد عن مقتضاها مانع،

١٣٩

لا من جانب الأبوين ولا من جهة غيرهما.

وغيره ولد على الفطرة ولكنه حال عن مقتضاها وزال عن موجبها.

ويمكن أن يفسر أنه أراد بالفطرة العصمة، وأنه منذ ولد لم يواقع قبيحاً ولا كان كافراً طرفة عين، ولا مخطئاً ولا غالطاً في شيء من الأشياء المتعلقة بالدين وهذا تفسير الإمامية. انتهى.

أقول: التفسيران الأخيران اللذان ذكرهما المجلسيرحمه‌الله متحدان، لأن قصد أمير المؤمنينعليه‌السلام والله أعلم، إني ولدت على فطرة الله الصافية ولم أدنسها بعبادة وثن ولا بارتكاب ذنب، وسبقت إلى الإيمان بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والوقوف معه والهجرة معه..

ولا شك أن فطرة الله تعالى التي خلق عليها وليه ووزير رسوله صلّى الله عليهما أرقى من الفطرة العادية التي يولد عليها كل مولود، فالنبي وآله خيرة الله تعالى وفطرتهم خيرة الفطر، وقد ورد في الدعاء: يا دائم الفضل على البرية، يا باسط اليدين بالعطية، يا صاحب المواهب السنية، صل على محمد وآله خير الورى سجية، واغفر لنا ياذا العلى في هذه العشية.

وتوجد هنا مسألتان في هذا الحديث يناسب التعرض لهما، وإن كان محلهما باب الإمامة.

المسألة الأولى : أن الفرق بين السب والبراءة من وجهين:

أوّلهما: أن البعد السياسي في السب أقوى وأظهر منه في البراءة، والبعد العقائدي في البراءة أقوى وأظهر. فالخطر العقائدي على المسلمين في البراءة أكثر، بينما سب السلطة لهعليه‌السلام وإجبارها المسلمين على ذلك لاتصل خطورته إلى خطورة البراءة، وإن كان فيه خطر كبير على أجيال المسلمين.

ولعل هذا هو مقصود الفقهاء الذين اعتبروا أن البراءة شهادة بالكفر بعكس السب واللعن، قال السيد الگلپايگانيرحمه‌الله في الدر النضيد ج ٢ ص ٢٥٣: ولعل الفرق بين السب والبراءة حيث أمر بالأول ونهى عن الثاني، أن السب صادر بالنسبة إلى المسلم

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371