العقائد الإسلامية الجزء ٢

العقائد الإسلامية13%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 434

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 231588 / تحميل: 6007
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله عز وجل فيقول أنا ربكم.

فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم.

فيقولون: أنت ربنا؟!

فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل و كلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم. وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟

قالوا: نعم.

قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يخردل ثم ينجو، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل!

ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة مقبلاً بوجهه قبل النار، فيقول: يا رب إصرف وجهي عن النار قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها.

فيقول: هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟

فيقول: لا وعزتك، فيعطي الله ما يشاء من عهد و ميثاق فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم قال: يا رب قدمني عند باب الجنة.

فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت:

فيقول: يا رب لا أكون أشقى خلقك.

١٠١

فيقول: فما عسيت أن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره.

فيقول: لا وعزتك لا أسأل غير ذلك، فيعطي ربه ما شاء من عهد و ميثاق فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول:

يا رب أدخلني الجنة.

فيقول الله تعالى: ويحك يا ابن آدم ما أغدرك، أليس قد أعطيت العهد والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟

فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك الله عز وجل منه ثم يأذن له في دخول الجنة فيقول له: تمنَّ، فيتمنى، حتى إذا انقطع أمنيته قال الله عز وجل: زد من كذا وكذا، وأقبل يذكره ربه عز وجل، حتى إذا انتهت به الأماني، قال الله تعالى: لك ذلك ومثله معه.

قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرةرضي‌الله‌عنهما : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل لك ذلك و عشرة أمثاله.

قال أبو هريرة: لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا قوله لك ذلك ومثله معه.

قال أبو سعيد الخدري: إني سمعته يقول ذلك لك وعشرة أمثاله.

وروى نحوه في ج ٧ ص ٢٠٥ وفيه (فلا يزال يدعو حتى يضحك، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها فإذا دخل فيها، قيل تمن من كذا فيتمنى، ثم يقال له تمن من كذا فيتمنى، حتى تنقطع به الأماني فيقول: هذا لك ومثله معه.

قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولاً. قال عطاء وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة لا يغير عليه شيئاً من حديثه حتى انتهى إلى قوله هذا لك ومثله معه، قال أبو سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هذا لك وعشرة أمثاله، قال أبو هريرة: حفظت مثله معه.

١٠٢

وروى البخاري نحوه أيضاً في عدة مواضع من صحيحه كما في ج ١ جزء ١ ص ١٣٨ و ١٤٣ و ١٩٥ وجزء ٢ ص ١١٣ - ١١٤ وج ٣ جزء ٦ ص ٤٨، ٥٦ و ٧٢ وج ٤ جزء ٧ ص ١٩٨، ٢٠٣، ٢٠٤، ٢٠٥ و ٢٠٦ وج ٤ جزء ٨ ص ١٧٩، ١٨١، ١٨٤، ٢٠٣ وج ٥ ص ١٧٩ وج ٦ ص٤٨ وج ٨، ص ١٦٧، ١٧٩ و ١٨٦!!

وقالوا يكشف عن ساقه بل عن ساقيه ويعفو عن المنافقين

زاد مسلم على البخاري إضافات وتفصيلات عن تجسد الله تعالى وعن شمول شفاعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للمنافقين والمشركين حتى لا يكاد يبقى في النار أحد! فقال في ج١ ص ١١٢:

عن أبي سعيد الخدري أن ناساً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم.

قال هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحواً ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحواً ليس فيها سحاب؟

قالوا: لا يا رسول الله.

قال: ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما.

إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، وغير أهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيراً بن الله، فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا عطشنا يا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم ألا تردون، فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون في النار.

١٠٣

ثم يدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم ماذا تبغون؟ فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا، قال فيشار إليهم ألا تردون، فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون في النار.

حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى من بر وفاجر أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها.

قال فما تنتظرون، تتبع كل أمة ما كانت تعبد!

قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم.

فيقول أنا ربكم.

فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئاً، مرتين أو ثلاثاً!

حتى أن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟

فيقولون نعم، فيكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء، إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، ثم يرفعون رؤسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فقال: أنا ربكم.

فيقولون أنت ربنا.

ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون اللهم سلم سلم.

قيل يا رسول الله وما الجسر؟ قال دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم، حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد منا شدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال

١٠٤

لهم أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول إرجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا، ثم يقول إرجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحداً، ثم يقول إرجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيراً.

وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً، فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لن يعملوا خيراً قط، قد عادوا حمماً فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض، فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية، قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، ثم يقول أدخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون ربنا أعطيتنا مالم تعط أحداً من العالمين، فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبداً.

- وروى مسلم عدداً من أحاديث الرؤية أيضاً في ج ٢ ص ١١٣

- وروى أبو داود في سننه نحو حديث البخاري المتقدم في ج ٢ ص ٤١٩

- وروى أحمد في مسنده ج ٣ ص ٣٨٣:

... أخبرني أبوالزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود قال: نحن يوم

١٠٥

القيامة على كذا وكذا أنظر أي ذلك فوق البأس، قال فتدعي الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنظرون؟ فيقولون ننتظر ربنا عز وجل، فيقول أنا ربكم، يقولون حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: فينطلق بهم ويتبعونه ويعطي كل إنسان منافق أو مؤمن نوراً، ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافق ثم ينجو المؤمنون فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفاً لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ أنجم في السماء، ثم كذلك، ثم تحل الشفاعة حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء أهل الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتون نبات الشيء في السيل، ثم يسأل حتى يجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها.

- ورواه ابن ماجه في سننه ج ١ ص ٦٣، ٦٦، ٥٩٠ وج ٢ ص ٧٣١ و ١٤٥٠ وفيه (ويتبدي لهم في روضة من رياض الجنة... ويجلس أدناهم).

- وأبو داود في سننه ج ٢ ص ٤٢٠ وج ٤ ص ٢٣٣ - والترمذي ج ٤ ص ٩٠ وج ٤ ص ٩٢، ٩٣، ٩٥ - والبغوي في المصابيح ج ٣ ص ٥٣٣ وص ٥٤٢ وص ٥٦٩ - وروى من أحاديث الرؤية في الآخرة ابن أبي شيبة في المصنف ج ٢ ص ٥٨ - والهيثمي في مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٤٣ - وابن الأثير في أُسد الغابة ج ١ ص ٣٣٤ - والهندي في كنز العمّال ج ١٤ ص ٤٣٦ و٤٤٦ و٤٩٣ - والبيهقي في سننه ج ١٠ ص ٤١ وفي البعث والنشور ص ٢٦٢ وفي شعب الإيمان ج ٣ ص ٢٠٢ ، - وقال في شعب الإيمان ج ٣ ص ٩٩:

عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله أن الناس يجلسون يوم القيامة من الله على قدر رواحهم إلى الجمعة، الأول ثم الثاني ثم الثالث. انتهى. ورواه الحاكم في المستدرك ج ٤ ص ٥٦٠ و ص ٥٨٢ مع تفاوت في التفاصيل. ورواه الطبري في تفسيره ج ٢٥ ص ٩٤ وفي ج ٢٩ ص ٢٦ وج ٣٠ ص ١١٩، - وقال في ج ٢٩ ص ٢٤

- قال أبو الزهراء عن عبد الله يتمثل الله للخلق يوم القيامة..

١٠٦

-وأورد السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٩٠ عدداً وفيراً من أحاديث الرؤية قال:

وأخرج عبدالرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي والدارقطني في الرؤية والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال قال الناس يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تضارون الشمس... الخ.

وأخرج الدار قطني في الرؤية عن أبي هريرة قال: سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تضارون... الخ. وفيه تفصيلات لا توجد في غيره.

وأخرج الدارقطني في الرؤية عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء الرب عز وجل إلى المؤمنين فوقف عليهم والمؤمنون على كوم فيقول هل تعرفون ربكم عز وجل فيقولون إن عرفنا نفسه عرفناه فيقول لهم الثانية هل تعرفون ربكم فيقولون إن عرفنا نفسه عرفناه فيتجلى لهم عز وجل فيضحك في وجوههم فيخرون له سجداً.

وأخرج النسائي والدار قطني وصححه عن أبي هريرة قال قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا... الخ.

وأخرج الدار قطني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ترون الله عز وجل يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر... الخ.

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والدار قطني والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة... الخ.

- وقال البخاري في ج ٦ ص ٧٢

عن أبي سعيدرضي‌الله‌عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً. انتهى. ورواه في ج ٨ ص ١٨١ وهو يشبه ما تقدم عن رؤية الله تعالى وفيه:

١٠٧

(فيقال لهم ما يحبسكم وقد ذهب الناس... وإنما ننتظر ربنا قال فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً). وروى نحوه في ج ٣ جزء ٦ ص ٧٢ وروى نحوه الدارمي في سننه ج ٢ ص ٣٢٦ والحاكم في المستدرك ج ٤ ص ٥٩٠ وج ٤ ص ٥٩٩ وأحمد في ج ٣ ص١٧ والهيثمي في مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٢٩ وج ١٠ ص ٣٤٠ والهندي في كنز العمّال ج١٤ ص ٢٩٨ وص ٤٤١ والسيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٩٢ - وقال الصنعاني في تفسيره ج ٢ ص ٢٤٨ - عن ابن مسعود في قوله تعالى: يوم يكشف عن ساق قال: يعني ساقيه تبارك وتعالى! وقال المنذري في الترغيب والترهيب ج ٤ ص ٣٩١:عن عبد الله ابن مسعود قال النبي (ص)... أن أمة محمد تبقى يوم القيامة تنتظر خروج ربها فلا يعرفونه إلا بكشف ساقه. انتهى. وقال في ج ٥ ص ٣٦٩: ابن مسعود: يكشف ربنا عز وجل عن ساقه يوم القيامة.

- وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٤٠

وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يجمع الله الأولين الآخرين لميقات يوم معلوم قياماً أربعين سنة شاخصة أبصارهم ينتظرون فصل القضاء، قال وينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي، ثم ينادي مناد أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً أن يولي كل أناس منكم ما كانوا يعبدون في الدنيا، أليس ذلك عدلاً من ربكم؟ قالوا بلى، قال فينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويقولون في الدنيا قال فينطلقون ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون فمنهم من ينطلق إلى الشمس ومنهم من ينطلق إلى القمر والأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون، قال ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ويمثل لمن كان يعبد عزيراً شيطان عزير.

١٠٨

ويبقى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، قال فيتمثل الرب تبارك وتعالى فيأتيهم فيقول: ما لكم لا تنطلقون كانطلاق الناس؟ فيقولون إن لنا لإلهاً ما رأيناه، فيقول هل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون إن بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناها، قال فيقول ما هي؟ فنقول يكشف عن ساقه، قال فعند ذلك يكشف عن ساقه فيخر كل من كان نظره، ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون، وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون، ثم يقول ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك، ومنهم من يعطى مثل النخلة بيده، ومنهم من يعطى أصغر من ذلك، حتى يكون آخرهم رجلاً يعطى نوره على إبهام قدميه يضىء مرة ويطفأ مرة، فإذا أضاء قدم قدمه وإذا طفىء قام، قال والرب تبارك وتعالى أمامهم حتى يمر في النار فيبقى أثره كحد السيف، قال فيقول مروا فيمرون على قدر نورهم، منهم من يمر كطرفة العين، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالسحاب، ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الفرس، ومنهم من يمر كشد الرحل، حتى يمر الذي يعطى نوره على ظهر قدميه يجثو على وجهه ويديه ورجليه تخرُّ يدٌ وتعلق يد، وتخر رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار، فلا يزال كذلك حتى يخلص فإذا خلص وقف عليها فقال الحمد لله فقد أعطاني الله ما لم يعط أحداً إذ نجاني منها بعد إذ رأيتها، قال فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم، فيرى ما في الجنة من خلل الباب فيقول رب أدخلني الجنة فيقول الله أتسأل الجنة وقد نجيتك من النار، فيقول رب اجعل بيني وبينها حجاباً لا أسمع حسيسها، قال فيدخل الجنة ويرى أو يرفع له منزل أمام ذلك كأن ما هو فيه إليه حلم، فيقول رب أعطني ذلك المنزل فيقول له لعلك إن أعطيتكه تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره، وأنى منزل أحسن منه، فيعطي فينزله ويرى أمام ذلك منزلاً كأن ما هو فيه إليه حلم، قال رب أعطني ذلك المنزل، فيقول الله تبارك وتعالى له فلعلك إن

١٠٩

أعطيتكه تسأل غيره، فيقول وعزتك يا رب وأنى منزل يكون أحسن منه فيعطاه وينزله ثم يسكت، فيقول الله جل ذكره مالك لا تسأل، فيقول رب قد سألتك حتى قد استحييتك وأقسمت حتى استحييتك، فيقول الله جل ذكره ألم ترض أن أعطيك مثل الدنيا منذ خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافه، فيقول أتهزأ بي وأنت رب العزة؟ فيضحك الرب تبارك وتعالى من قوله!

قال فرأيت عبد الله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك، فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن قد سمعتك تحدث هذا الحديث مراراً كلما بلغت هذا المكان ضحكت، قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث هذا الحديث مراراً كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى تبدو أضراسه، قال فيقول الرب جل ذكره لا ولكني على ذلك قادر، سل فيقول ألحقني بالناس، فيقول الحق بالناس، قال فينطلق يرمل في الجنة حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجداً، فيقال له إرفع رأسك مالك، فيقول رأيت ربي أو تراءى لي ربي، فيقال له إنما هو منزل من منازلك، قال ثم يلقى رجلاً فيتهيأ للسجود له فيقال له مه، فيقول رأيت أنك ملك من الملائكة، فيقول إنما أنا خازن من خزانك وعبد من عبيدك تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه، قال فينطلق أمامه حتى يفتح له القصر قال وهو من درة مجوفة سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها تستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء فيها سبعون باباً كل باب يفضى إلى جوهرة خضراء مبطنة كل جوهرة تفضى إلى جوهرة على غير لون الأخرى في كل جوهرة سرر وأزواج ووصائف، أدناهن حوراء عيناء عليها سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء حللها، كبدها مرآته وكبده مرآتها، إذا أعرض عنها إعراضة ازدادت في عينه سبعين ضعفاً عما كانت قبل ذلك، فيقول لها والله لقد أزددت في عيني سبعين ضعفاً، وتقول له وأنت ازددت في عيني سبعين ضعفاً، يقال له أشرف فيشرف فيقال له ملكك مسيرة مائة عام ينفذه بصرك.

١١٠

قال فقال عمر ألا تسمع ما يحدثنا ابن أم عبد يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلاً فكيف أعلاهم؟ قال يا أمير المؤمنين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، إن الله جل ذكره خلق داراً جعل فيها ما شاء من الأزواج والثمرات والأشربة ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه لا جبريل ولا غيره من الملائكة، ثم قال كعب: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءاً بما كانوا يعملون، قال وخلق دون ذلك جنتين وزينهما بما شاء وأراهما من شاء من خلقه، ثم قال من كان كتابه في عليين نزل في تلك الدار التي لم يرها أحد، حتى أن الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فلا تبقى خيمة من خيم الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه، فيستبشرون لريحه فيقولون واهاً لهذا الريح هذا ريح رجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكه.

قال ويحك يا كعب إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها، فقال كعب إن لجهنم يوم القيامة لزفرة ما من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خرَّ لركبتيه، حتى أن إبراهيم خليل الله ليقول: رب نفسي نفسي حتى لو كان لك عمل سبعين نبياً إلى عملك لظننت أن لا تنجو... رواه كله الطبراني من طرق ورجال أحدها رجال الصحيح غير أبي خالد الدالاني وهو ثقة). انتهى.

ويدل هذا الحديث الذي وثقه الطبراني على أن دار الخلافة بحضور الخليفة عمر كانت عامرة بمثل هذه الأحاديث، وأن كعب الأحبار كان المرجع الذي يؤخذ برأيه! وتفصيل ذلك في الفصل الخامس.

- وقال البغوي في مصابيحه ج ٣ ص ٥٢٩

وقال (ص): يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنه. انتهى. ورواه الديلمي في فردوس الأخبار ج ٥ ص ٣٦٩ ورواه السهمي في تاريخ جرجان ص ٣٩١

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٥٤

قوله تعالى(يوم يكشف عن ساق) الآية.. أخرج البخاري وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد....

١١١

وأخرج ابن مندة في الرد على الجهمية عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:يوم يكشف عن ساق ، قال يكشف الله عز وجل عن ساقه.

وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مندة عن ابن مسعود في قوله:يوم يكشف عن ساق ، قال عن ساقيه تبارك وتعالى، قال ابن مندة: لعله في قراءة ابن مسعودي كشف بفتح الياء وكسر الشين.

وأخرج ابن مردويه عن كعب الحبر قال: والذي أنزل التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود والفرقان على محمد أنزلت هذه الآيات في الصلوات المكتوبات حيث ينادى بهن يوم يكشف عن ساق إلى قوله وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون الصلوات الخمس إذا نودي بها.

وأخرج إسحق بن راهويه في مسنده وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا والطبراني والآجري في الشريعة والدارقطني في الرؤية والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال... الخ. ونحوه في الدر المنثور ج ٥ ص ٣٤١

وحاول الصنعاني والنووي تخليص الله تعالى من كشف ساقه

- تفسير الصنعاني ج ٢ ص ٢٤٧

عن إبراهيم في قوله تعالى:يوم يكشف عن ساق قال: عن أمر عظيم وقال: قد قامت الحرب على ساق. وقال إبراهيم... قال ابن عباس: يكشف عن ساق فيسجد كل مؤمن ويقسو ظهر الكافر فيكون عظماً واحداً.

- وقال النووي في شرح مسلم ج ٢ جزء ٣ ص ٢٧:

قوله (ص) فيكشف عن ساق... أي يكشف عن شدة وأمر مهول... وكشف عن ساقه للإهتمام به. قال القاضي: وقيل المراد بالساق هنا نور عظيم.. وقيل قد يكون الساق علامة بينه وبين المؤمنين. انتهى.

١١٢

وسوف نورد في تفسير آية: يوم يكشف عن ساق، أن كشفت الحرب عن ساقها، أو كشف الأمر عن ساقه، في اللغة العربية تعبير عن حلول الأمر الشديد، وسنورد عدداً من الأحاديث التي فسرت الآية بذلك.

وقالوا إنّه يجلس على الجسر ويضع رجله على الأخرى

- روى ابن أبي شيبة في المصنف ج ٦ ص ١١٢

عن الحكم قال: سألت أبا مجلز عن الرجل يجلس ويضع إحدى رجليه على الأخرى فقال: لا بأس به إنما هو شيء كرهته اليهود، قالوا إنه خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوى يوم السبت فجلس تلك الجلسة.

- روى الديلمي في فردوس الأخبار ج ٥ ص ٣٦٩

عن ثوبان مولى النبي (ص): يقبل الجبار عز وجل يوم القيامة فيثني رجله على الجسر!

- وروى الذهبي في تاريخ الإسلام ج ٩ ص ٥٢٠

عثمان بن أبي عاتكة... روى عن أبي أمامة عن رسول الله (ص): إن الله يجلس يوم القيامة على القنطرة الوسطى بين الجنة والنار.

الإمام الصادق يقول إنّها رواية يهودية

- تفسير العياشي ج ١ ص ١٣٧

... عن حماد عنه (الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ) قال: رأيته جالساً متوركاً برجله على فخذه فقال له رجل عنده: جعلت فداك هذه جلسة مكروهة، فقال: لا، إن اليهود قالت: إن الرب لما فرغ من خلق السموات والأرض جلس على الكرسي هذه الجلسة ليستريح، فأنزل الله:الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم .

١١٣

وقالوا لا تمتليء النار حتى يضع رجله فيها

- صحيح البخاري ج ٣ جزء ٦ ص ٤٧

... عن أنسرضي‌الله‌عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يلقى في النار وتقول هل من مزيد حتى يضع قدمه فتقول قط قط.

... عن أبي هريرة... يقال لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد، فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط.. إلى آخر الرواية وفيها من مناظرة بين الجنة والنار.

... عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم، قال الله تبارك وتعالى للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار فلا تمتليء حتى يضع رجله فتقول قط قط، فهنالك تمتليء ويزوى بعضها إلى بعض.

- صحيح البخاري ج ٤ جزء ٧ ص ٢٢٤

عن أنس بن مالك: قال النبي (ص) لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط قط.

- صحيح البخاري ج ٤ جزء ٨ ص ١٦٦

وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم تقول جهنم قط قط وعزتك.

- صحيح البخاري ج ٤ جزء ٨ ص ١٦٧

عن أنس عن النبي (ص) قال: لا يزال يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع فيها رب العزة قدمه فينزوي بعضها إلى بعض ثم تقول قد قد بعزتك.

١١٤

صحيح البخاري ج ٤ جزء ٨ ص ١٨٦

عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال.. وإنه ينشأ للنار من يشاء فيلقون فيها، فتقول هل من مزيد ثلاثاً، حتى يضع قومه فتمتليء ويرد بعضها إلى بعض وتقول قط قط قط.

- صحيح مسلم ج ٨ ص ١٥١

فأما النار فلا تمتليء فيضع قدمه عليها فتقول قط قط فهنالك تمتليء ويزوى بعضها إلى بعض... فأما النار فلا تمتليء حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله تقول قط قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحداً. وأما الجنة فإن الله ينشىء لها خلقاً.

- صحيح مسلم ج ٨ ص ١٥٢

... جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع فيها رب العزة تبارك وتعالى قدمه فتقول قط قط وعزتك، ويزوى بعضها إلى بعض...

... عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوى بعضها إلى بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك. ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله لها خلقاً فيسكنهم فضل الجنة.

- سنن الترمذي ج ٤ ص ٩٥

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب العالمين فيقول: ألا يتبع كل إنسان ما كانوا يعبدون فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطلع عليهم رب العالمين فيقول: ألا تتبعون الناس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك نعوذ بالله منك، الله ربنا وهذا مكاننا حتى نرى ربنا، وهو يأمرهم ويثبتهم! قالوا: وهل نراه يا رسول الله قال: وهل

١١٥

تضارون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا: لا يا رسول الله قال: فإنكم لا تضارون في رؤيته تلك الساعة ثم يتوارى، ثم يطلع فيعرفهم نفسه ثم يقول: أنا ربكم فاتبعوني، فيقوم المسلمون ويوضع الصراط فيمر عليه مثل جياد الخيل والركاب وقولهم عليه سلم سلم، ويبقى أهل النار فيطرح منهم فيها فوج فيقال هل امتلأت، فتقول هل من مزيد، ثم يطرح فيها فوج فيقال هل امتلأت، فتقول هل من مزيد، حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها وأزوى بعضها إلى بعض، ثم قال: قط. قالت: قط قط... هذا حديث حسن صحيح.

- الطبري في تفسيره ج ٢٦ ص ١٠٥

إن الله الملك قد سبقت منه كلمة لأملأن جهنم، لا يلقى فيها شيء إلا ذهب فيها لا يملؤها شيء حتى إذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها، وهي لا يملؤها شيء، أتاها الرب فوضع قدمه عليها ثم قال لها: هل امتلأت يا جهنم؟ فتقول قط قط قد امتلأت، ملأتني من الجن والإنس، فليس فيَّ مزيد! قال ابن عباس ولم يكن يملؤها شيء حتى وجدت مس قدم الله تعالى ذكره. فتضايقت فما فيها موضع إبرة!!. انتهى. وروى نحوه الدارمي في سننه ج ٢ ص ٣٤١ والبيهقي في سننه ج ص ٤٢ وروى نحوه أحمد في ج ٢ ص ٢٧٦ بأربع قطات وفي ص ٣١٤ وص ٣٦٩ بثلاث قطات.

وفي ص ٥٠٧ وفي ج ٣ ص ١٣٤ وص ١٤١ وص ٢٣٠ وص ٢٣٤ وص ٢٧٩ بقطين ورواه الصنعاني في المصنف ج ١١ ص ٤٢٢ بثلاث قطات، والديلمي في فردوس الأخبار ج ٥ ص٢٣٧ بقطين، والبغوي في معالم التنزيل ج ٤ ص ٢٢٤ بقطين، وفي مصابيح السنة ج ٤ ص ١٤ و ص ١٥ بدون قط، والبيهقي في البعث والنشور ص ١٣٦ بقطين، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بإصبهان ج ١ ص ٢٣٨ بقطين، وابن القيم في زاد المعاد ج ١ ص ٣٣٧، ورواه الهندي في كنز العمّال ج ١ ص ٢٣٤ وج ١٤ ص ٤٢٨ وص ٥٢١ وص ٤٣٦ وص ٥٤٤ وج ١٦ ص ٢٠٨ بروايات كثيرة عن مصادر متعددة.

١١٦

وادّعوا أنّ رؤيته بالعين من أكبر اللذّات

- قال القسطلاني في إرشاد الساري ج ١٠ ص ٤١٠

... الأشعري في كتابه الإبانة فقال أفضل لذات الجنة رؤية الله تعالى ثم رؤية نبيه (ص) فلذلك لم يحرم الله أنبياءه المرسلين وملائكته المقربين وجماعة المؤمنين (...) النظر إلى وجهه الكريم ووافقه البيهقي وابن القيم والجلال البلقيني.

- فتاوى الألباني ص ١٤٢

... المعتزلة وغيرهم ينكرون هذه النعمة ويضللون من يؤمن بها وينسبونهم إلى التشبيه والتجسيم... ونحن أهل السنة نؤمن بأن من نعم الله على عباده أن يتجلى لهم يوم القيامة ويرونه كما نرى القمر ليلة البدر. انتهى.

وستأتي بقية الروايات المشابهة لعقائد اليهود في تفسير الآيات المتشابهة.

لكن اختلفوا هل تراه النساء في الجنّة!

- إرشاد الساري ج ١٠ ص ٤٠٩

(قوله (ص) قال جنتان من فضة... وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم رداء الكبر) والحاصل أن رؤية الله تعالى واقعة يوم القيامة في الموقف لكل أحد من الرجال والنساء وقال قوم من أهل السنة تقع أيضاً للمنافقين... وأما الرؤية في الجنة فأجمع أهل السنة على أنها حاصلة للأنبياء والرسل والصديقين من كل أمة ورجال المؤمنين من البشر، واختلف في نساء هذه الأمة.

- السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٩٣

وأخرج الدار قطني عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة رأى المؤمنون ربهم عز وجل فأحدثهم عهداً بالنظر إليه في كل جمعة، ويراه المؤمنات يوم الفطر ويوم النحر. انتهى. وكأن فى الجنة صوم وحج!

١١٧

- زاد المعاد ج ١ ص ٣١١

عن أنس ابن مالك: قال: رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة رأى المؤمنون ربهم فأحدثهم عهداً بالنظر إليه... من بكر في كل جمعة، وتراه المؤمنات يوم الفطر ويوم النحر...

- إرشاد الساري ج ١٠ ص ٤١٠:

.. الأشعري في كتابه الإبانة فقال: أفضل لذات الجنة رؤية الله تعالى ثم رؤية نبيه (ص) فلذلك لم يحرم الله أنبياءه المرسلين وملائكته المقربين وجماعة المؤمنين (...) النظر إلى وجهه الكريم، ووافقه البيهقي وابن القيم والجلال البلقيني.

بازار أحاديث النزولات

قالوا: إنّ الله تعالى جسم ينزل إلى الأرض كل ليلة

- روى البخاري في صحيحه ج ١ جزء ٢ ص ٤٧

... عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له. انتهى. ونحوه في ج٤ جزء ٧ ص ١٤٩ - ١٥٠ وج ٤ جزء ٨ ص ١٩٧ ورواه في الأدب المفرد ص ٢٠٧ ورواه مسلم في صحيحه ج ٢ ص ١٧٥ وأبو داود في سننه ج ٢ جزء ٣ ص ٣٤ وج ٤ ص ٢٣٤ وابن ماجة في سننه ج ١ ص ٤٣٥ ومالك في كليات الموطأ ج ١ ص ١٤٢ وأحمد في مسنده ج ١ ص ١٢٠ و ٤٠٣ و ٤٤٦ والصنعاني في تفسيره ج ١ ص ٢٥٩ وفي مصنفه ج ٢ ص ١٦٠ وج ١٠ ص٤٤٤ ورواه في عارضةالأحوذي ج١ جزء١ ص٢ وص٢٣٢ والبغوي في معالم التنزيل ج١ ص٤٣١ ج٣ ص٢٢ ومصابيح السنة ج ١ ص ٤٣١ وابن الأثير في أسد الغابة ج٢ ص٢٣١ وج ٦ ص ٩١ والديلمي في فردوس الأخبار ج ١ ص ٣٢١ وج ٥ ص ٣٥٨ - ٣٦٥ والأبشيهي في المستطرف ج ٢ ص ٢٥٠ والمنذري في الترغيب والترهيب ج ٢ ص ٤٨٩ والشوكاني في نيل الأوطار ج٣

١١٨

ص ٥٧ والنويري في نهاية الإرب ج ٣ جزء ٥ ص ٢٩٠ وابو الشيخ في طبقات المحدثين ج ٢ ص ٥٤٠ وجامع الأحاديث القدسية من الصحاح ج ١ ص ٧٢ و ٧٥ والثعالبي في الجواهر الحسان ج ١ ص ٢٨٦ والنويري في نهاية الإرب ج ٣ جزء ٥ ص٢٩٠ والخطيب في تاريخ بغداد ١٧ ص ٢٤٢ والمزي في تهذيب الكمال ج ٩ ص ٢٠٧ والهيثمي في مجمع الزوائد ج ٨ ص ١٢٥ وج ١٠ ص ٢٣٦ وص ٦٢١ وص ٧٦٠ وص ٩.. وروته مصادر كثيرة أخرى.

- وروى الطبري في تفسيره ج ١٣ ص ١١٤:

عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله (ص) إن الله ينزل في ثلاث ساعات يبقين من الليل.. وروى في ج ١٥ ص ٩٤

عن أبي الدرداء قال قال رسول الله (ص): إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل، في الساعة الأولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت، ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنة عدن وهو داره التي لم ترها عين.. وهي مسكنه ولا يسكن معه من بني آدم غير ثلاثة النبيين والصديقين والشهداء.. ثم ينزل في الساعة الثالثة إلى السماء الدنيا بروحه وملائكته..

- وقال ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص ١٢٥

باب ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب جل وعلا إلى سماء الدنيا كل ليلة. نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب من غير أن نصف الكيفية، لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا وأعلمنا أنه ينزل والله جل وعلا لم يترك ولا نبيهعليه‌السلام بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم، فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذاك النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية النزول، وفي هذه الأخبار مابان وثبت وصح أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا

١١٩

الذي أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه ينزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول ينزل من أسفل إلى أعلا ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلا إلى أسفل...

- وقال الذهبي في سيره ج ١٧ ص ٦٥٦

قال أبونصر السجزي في كتاب الإبانة: وأئمتنا كسفيان ومالك والحمادين وابن عيينة والفضيل وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق، متفقون على أن الله سبحانه فوق العرش، وعلمه بكل مكان، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا وأنه يغضب ويرضى ويتكلم بما شاء.

- وقال الديلمي في فردوس الأخبار ج ٥ ص ٣٦١

ينزل ربنا عز وجل في ظلل من الغمام والملائكة ويضع عرشه حيث يشاء من الأرض.!

- نقل ابن بطوطة في رحلته ص ٩٠ تمثيل ابن تيمية لنزول اللّه تعالى، فقال:

وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيميه كبير الشام يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً.. وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ونزل ربعة من ربع المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتى سقطت عمامته!

وقالوا لو دلّى رجل حبلاً لهبط على الله

- تفسير الصنعاني ج ٢ ص ١٣٩

- عن قتادة قال: بينما النبي (ص) جالس مع أصحابه إذ مر سحاب فقال النبي (ص) أتدرون ما هذه العنان؟ هذه روايا أهل الأرض، يسوقها الله إلى قوم لا يعبدونه. ثم قال: أتدرون ما هذه السماء؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فوق ذلك سماء أخرى... ثم

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

قتلُ مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتُنا، فمن أحبَّ منكم الانصراف فلينصرفْ في غير حرج ليس معه ذمام).

فتفرّق الناس عنه وأخذوا يميناً وشمالا، حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه، وإنَّما فعل ذلك لأنّهعليه‌السلام علم أنّ الأعراب الذين اتّبعوه إنّما اتّبعوه وهم يظنّون أنَّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعةُ أهله، فكره أن يسيروا معه إلاّ وهم يعلمون على ما يقدمون(1) . فلمّا كان السَحَر أمر أصحابَه فاستقَوْا ماءً وأكثروا، ثم ساروا.

لقاء الإمام الحسينعليه‌السلام مع الحرّ:

وبينما كان الإمامعليه‌السلام يسير بمن بقي معه من أصحابه المخلصين وأهل بيته وبني عمومته; إذا بهم يرون أشباحاً مقبلة من مسافات بعيدة، وظنّها بعضهم أشباح نخيل، ولكن لم يكن الذي شاهدوه أشجار النخيل، ولكنّها جيوش زاحفة، فبعد قليل تبيّن لهم أنّ تلك الأشباح المقبلة عليهم هي ألف فارس من جند ابن زياد بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي، أرسلها ابن زياد لتقطع الطريق على الحسينعليه‌السلام وتسيّره كما يريد، ولمّا اقتربوا من ركب الحسينعليه‌السلام سألهم عن المهمّة التي جاءوا من أجلها، فقال لهم الحرّ: لقد أمرنا أن نلازمكم ونجعجع بكم حتى ننزلكم على غير ماء ولا حصن، أو تدخلوا في حكم يزيد وعبيدالله بن زياد(2) .

____________________

(1) الإرشاد: 2/ 75 - 76، والبداية والنهاية: 8 / 182، وأعيان الشيعة: 1 / 595.

(2) تأريخ الطبري: 3 / 305، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 229، والبداية والنهاية: 8 / 186، وبحار الأنوار: 44 / 375.

١٨١

وجرى حوار طويل بين الطرفين وجدال لم يتوصّلا فيه إلى نتيجة حاسمة ترضي الطرفين، فلقد أبى الحرّ أن يمكِّنَ الحسينَ من الرجوع إلى الحجاز أو سلوك الطريق المؤدّية إلى الكوفة، وأبى الحسينعليه‌السلام أن يستسلم ليزيد وابن زياد(1) ، وكان ممّا قاله الحسين وهو واقف بينهم خطيباً: (أيّها الناس! إنّي لم آتِكم حتى أتتني كتبُكم وقدمِتْ عليّ رُسُلُكُم، أنِ أقدم علينا، فإنه ليس لنا إمام، لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهُدى والحقِّ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئنُ إليه من عهودكم ومواثيقكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين اِنْصَرَفْتُ عنكم إلى المكانِ الذي جئتُ مِنه إليكم). فسكتوا عنه ولم يتكلّم أحد منهم بكلمة، فقال للحرّ: (أتريد أن تصلّيَ بأصحابك؟) قال: لا، بل تُصلّي أنت ونصلّي بصلاتك، فصلّى بهم الحسينعليه‌السلام (2) .

وبعد أن صلّى الإمامعليه‌السلام بهم العصر خاطبهم بقوله: (أمّا بعد، فإنّكم إنْ تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله تكونوا أرضى لله عنكم، ونحن أهل بيت محمّد وأولى بولاية هذا الأَمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرينَ فيكم بالجوْرِ والعدوانِ، وإنْ أبيتم إلاّ الكراهية لنا والجهل بحقّنا، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت به عليَّ رُسُلُكُم انصرفت عنكم)(3) ، فقال له الحرّ: أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر، فقال الحسينعليه‌السلام لبعض أصحابه: (يا عقبة بن سمعان، أخرج الخرجين اللّذين فيهما كتبهم إليَّ) فأخرجَ خرجين مملوءين صُحُفاً فنثرت بين يديه. فقال له الحرّ: إنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أُمِرْنا إذا نحن لقيناك ألاّ

____________________

(1) تأريخ الطبري: 3 / 305، مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: 1 / 229، البداية والنهاية: 8 / 186، بحار الأنوار: 44 / 375.

(2) الإرشاد: 2 / 79، والفتوح لابن أعثم: 5 / 85، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 596.

(3) الفتوح لابن أعثم: 5 / 87، وتأريخ الطبري: 3 / 206، ومقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 332.

١٨٢

نفارقك حتى نُقدِمَكَ الكوفة على عبيد الله.

فقال له الحسينعليه‌السلام : (الموت أدنى إليك من ذلك) ثم قال لأَصحابه: (قوموا فاركبوا)، فركبوا وانتظروا حتى ركبت نساؤهم، فقال لأصحابه: (انصرفوا)، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسينعليه‌السلام للحرّ: (ثَكَلَتْكَ أمك ما تريد؟)، قال له الحرّ: أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائناً مَنْ كان، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلاّ بأحسن ما نقدر عليه(1) .

النزول في أرض الميعاد:

أقلقت الأخبار عن تقدّم الإمام الحسينعليه‌السلام نحو الكوفة ابن زياد وأعوان السلطة الأُموية، فأسرع بكتابه إلى الحرّ بن يزيد الرياحي يطلب فيه أن لا يسمح بتقدّم الإمام حتى تلتحق به جيوش بني أُمية وتلتقي به بعيداً عن الكوفة خشية أن يستنهض أهلها ثانية، وليستغل ابن زياد ظروف المنطقه الصعبة للضغط على الإمامعليه‌السلام واستسلامه.

وبغباء المنحرف الساذج وجهالته ردّ حامل كتاب ابن زياد على أحد أصحاب الحسينعليه‌السلام - يزيد بن مهاجر - مدافعاً عمّا جاء به قائلا: أطعت إمامي ووفيت ببيعتي، فقال له ابن مهاجر: بل عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك وكسبت العار والنار، وبئس الإمام إمامك، قال الله تعالى:

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 80، تاريخ الطبري: 3 /306.

١٨٣

( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ ) (1) .

وحالت جنود ابن زياد قافلة الإمام الحسينعليه‌السلام دون الاستمرار في المسير، فقد منعهم جيش الحرّ بن يزيد وأصرّوا على أن يدفعوا الإمامعليه‌السلام نحو عراء لا خضرة فيها ولا ماء.

وكان زهير بن القين متحمّساً لقتال جيش الحرّ قبل أن يأتيهم المدد من قوات بني أُمية، فقال للحسينعليه‌السلام : (إنّ قتالهم الآن أيسر علينا عن قتال غيرهم)، ولكنّ الإمامعليه‌السلام رفض هذا الرأي لأنّ القوم لم يعلنوا حرباً عليه بعد، وما كان ذلك الموقف النبيل إلاّ لما كان يحمله الإمام من روح تتسع للأمة جمعاء، وأيضاً لعظيم رسالته التي يدافع عنها وقِيَمهِ التي كان يسعى إلى بنائها في الأمة رغم أنّها بدت تظهر العداء سافراً ضدّه، فقالعليه‌السلام : (ما كنت لأبدأهم بقتال).

وكان نزول الإمام في كربلاء في يوم الخميس الثاني من محرم سنة إحدى وستين(2) ، ثم اقترح زهير على الإمامعليه‌السلام أن يلجأوا إلى منطقة قريبة يبدو فيها بعض ملامح التحصين لمواجهة الجيش الأموي لو نشبت المعركة.

وسأل الإمامعليه‌السلام عن اسم هذه المنطقة فقيل له: كربلاء، عندها دمعت عيناه وهو يقول: (اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء)، ثم قال: (ذات كرب وبلاء، ولقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفّين وأنا معه فوقف، فسأل عنه فاُخبر باسمه فقال: ها هنا محطّ ركابهم، وهاهنا مهراق دمائهم، فسئل عن ذلك فقال: ثقل لآل بيت محمد

____________________

(1) القصص (28): 41.

(2) تأريخ الطبري: 3 / 309، ومعجم البلدان: 4 / 444، وإعلام الورى: 1 / 451، والأخبار الطوال: 252، وبحار الأنوار: 44 / 380.

١٨٤

ينزلون هاهنا)(1) .

قبض الإمام الحسينعليه‌السلام قبضةً من ترابها فشمّها وقال: (هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول الله أننّي اُقتل فيها، أخبرتني أم سلمة)(2) .

فأمر الإمامعليه‌السلام بالنزول ونصب الخيام إلى حين يتّضح الأمر ويتّخذ القرار النهائي لمسيرته.

جيش الكوفة ينطلق بقيادة عمر بن سعد:

وفي تلك الأثناء خرج عمر بن سعد من الكوفة في جيش قدّرته بعض المصادر بثلاثين ألفاً، وبعضها بأكثر من ذلك، وفي رواية ثالثة: إنّ ابن زياد قد استنفر الكوفة وضواحيها لحرب الحسين و توعّد كلَّ مَنْ يقدر على حمل السلاح بالقتل والحبس إن لم يخرجْ لحرب الحسين.

وكان من نتائج ذلك أن امتلأت السجونُ بالشيعة واختفى منهم جماعة، وخرج مَنْ خرج لحرب الحسين من أنصار الأمويين وأهل الأطماع والمصالح الذين كانوا يشكّلون أكبر عدد في الكوفة، أمّا رواية الخمسة آلاف مقاتل التي تبنّاها بعض المؤرّخين فمع أنّها من المراسيل، لا تؤيّدها الظروف والملابسات التي تحيط بحادث من هذا النوع الذي لا يمكن لأحد أن يقدِمَ عليه إلاّ بعد أن يُعِدَّ العُدَّة لكلّ الاحتمالات، ويتّخذ جميع الاحتياطات، وبخاصة إذا كان خبيراً بأهل الكوفة وتقلّباتهم وعدم ثباتهم

____________________

(1) مجمع الزوائد: 9 / 192، والأخبار الطوال: 253، وحياة الحيوان للدميري: 1 / 60.

(2) تذكرة الخواص: 260، ونفس المهموم: 205، وناسخ التواريخ: 2 / 168، وينابيع المودة: 406.

١٨٥

على أمر من الأُمور(1) .

وتوالت قطعات الجيش الأموي بزعامة عمر بن سعد فأحاطت بالحسينعليه‌السلام وأهله وأصحابه، وحالت بينهم وبين ماء الفرات القريب منهم. وقد جرت مفاوضات محدودة بين عمر بن سعد والإمام الحسينعليه‌السلام أوضح فيها الإمامعليه‌السلام لهم عن موقفه وموقفهم ودعوتهم له، وألقى عليهم كل الحجج في سبيل إظهار الحق، وبيّن لهم سوء فعلهم هذا وغدرهم ونقضهم للوعود التي وعدوه بها من نصرته وتأييده، وضرورة القضاء على الفساد.

ولكن عمر بن سعد كان أداة الشرّ المنفّذة للفساد والظلم الأموي، فكانت غاية همّته هي تنفيذ أوامر ابن زياد بانتزاع البيعة من الإمامعليه‌السلام ليزيد أو قتله وأهل بيته وأصحابه(2) ، متجاهلاً حرمة البيت النبوي بل وحاقداً عليه كما جاء في رسالته لعمر: أن حُلْ بين الحسين وأصحابه وبين الماء، فلا يذوقوا قطرة كما صُنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان(3) .

____________________

(1) سيرة الأئمة الاثني عشر القسم الثاني: 68.

(2) الإرشاد للمفيد: 2 / 85، الفتوح: 5 / 97، بحار الأنوار: 44 / 284، إعلام الورى: 1 / 451، البداية والنهاية: 8 / 189، مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 245.

(3) إعلام الورى: 1 / 452.

١٨٦

البحث السادس: ماذا جرى في كربلاء؟

ليلة عاشوراء:

نهض عمر بن سعد إلى الحسينعليه‌السلام عشية يوم الخميس لتسع مضين من المحّرم، وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسينعليه‌السلام فقال: أين بنو أُختنا؟ يعني العباس وجعفر وعبد الله وعثمان أبناء عليّعليه‌السلام . فقال الحسينعليه‌السلام : أجيبوه وإن كان فاسقاً فإنّه بعض أخوالكم؛ وذلك أنّ أمهم أم البنين كانت من بني كلاب وشمر بن ذي الجوشن من بني كلاب أيضاً.

فقالوا له: ما تريد؟ فقال لهم: أنتم يا بني أختي آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين والزموا طاعة يزيد. فقالوا له: لعنك الله ولعن أمانك! أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟

وناداه العباس بن أمير المؤمنين تبّت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدوّ الله! أتأمرنا أن نترك أخانا وسيّدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء؟!

ثم نادى عمر بن سعد يا خيل الله! اركبي وبالجنة أبشري. فركب الناس ثم زحف ابن سعد نحوهم بعد العصر والحسينعليه‌السلام جالس أمام بيته محتب بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبتيه، فسمعت أخته زينب الصيحة، فدنت من أخيها وقالت: يا أخي! أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت؟ فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه فقال: إني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الساعة في المنام فقال إنّك تروح إلينا، فلطمت أخته وجهها، ونادت بالويل، فقال لها الحسينعليه‌السلام : ليس لكِ الويل، يا أُخيّة اسكتي، رحمك الله.

١٨٧

وقال له العباس: يا أخي أتاك القوم فنهض ثم قال: يا عباس اركب - بنفسي يا أخي - أنت حتى تلقاهم وتقول لهم: ما بالكم وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم؟ فأتاهم في نحو من عشرين فارساً منهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فسألهم فقالوا: قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم، قال: فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم، فوقفوا ورجع العباس إليه بالخبر ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفّونهم عن قتال الحسينعليه‌السلام .

فلما أخبره العباس بقولهم قال له: ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا العشية لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار.

فسألهم العباس ذلك، فتوقف ابن سعد، فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي: سبحان الله! والله لو أنّهم من الترك أو الديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم، فكيف وهم آل محمد؟! وقال له قيس بن الأشعث بن قيس: أجبهم، لعمري ليصبحنّك بالقتال. فأجابوهم إلى ذلك.

وجمع الحسينعليه‌السلام أصحابه عند قرب المساء. قال الإمام زين العابدينعليه‌السلام : فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه: اُثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السرّاء والضرّاء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة فاجعلنا لك من الشاكرين.

( أمّا بعد ) فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيراً ألا وإنّي لأظنّ أنه آخر يوم لنا من هؤلاء ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه

١٨٨

جملاً، وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرّقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم; فإنّهم لا يريدون غيري.

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر: ولِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القول أخوه العباس بن أمير المؤمنين واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه.

ثم نظر إلى بني عقيل فقال: حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم إذهبوا قد أذنت لكم، قالوا: سبحان الله! فما يقول الناس لنا وما نقول لهم، إنّا تركنا شيخنا سيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرِب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا، لا والله ما نفعل ذلك ولكنّنا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نردَ موردك، فقبّح الله العيش بعدك.

وقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال: أنحن نخلّي عنك وقد أحاط بك هذا العدّو؟ وبم نعتذر إلى الله في أداء حقّك؟ لا والله لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به; لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك أو أموت معك.

وقام سعيد بن عبد الله الحنفي فقال: لا والله يا ابن رسول الله لا نخلّيك أبدا حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا فيك وصيّة رسوله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله والله لو علمت أني أُقتل فيك ثم أحيا ثم أُحرق ثم أذرى يُفعل ذلك بي سبعين مرّة; ما فارقتك حتى ألقى حِمامي دونَك، وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً.

وقام زهير بن القين وقال: والله يا ابن رسول الله لوددت أني قُتلت ثم

١٨٩

نُشرت ألف مرّة وأنّ الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن نفس هؤلاء الفتيان من إخوانك وولدك وأهل بيتك.

وتكلّم بقيّة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً وقالوا: أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا، فإذا نحن قُتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربّنا وقضينا ما علينا(1) .

وأمر الحسينعليه‌السلام أصحابه أن يقرّبوا بين بيوتهم، ويدخلوا الأطناب بعضها في بعض، ويكونوا بين يدي البيوت كي يستقبلوا القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفّت بهم إلاّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم.

وقام الحسينعليه‌السلام وأصحابه الّليل كله يصلّون ويستغفرون ويدعون، وباتوا ولهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً.

قال بعض أصحاب الحسينعليه‌السلام : مرّت بنا خيل لابن سعد تحرسنا وكان الحسينعليه‌السلام يقرأ:( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) فسمعها رجل من تلك الخيل يقال له عبد الله بن سمير فقال: نحن وربّ الكعبة الطيّبون ميزنا منكم، فقال له برير بن خضير: يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيبين؟! فقال له: مَن أنت ويلك؟ قال: أنا برير بن خضير فتسابّا، فلمّا كان وقت السحر خفق الحسينعليه‌السلام برأسه خفقة ثم استيقظ فقال: (رأيت كأنّ كلاباً قد جهدت تنهشني وفيها كلب أبقع رأيته أشدّها عليّ وأظنّ أنّ الذي يتولّى قتلي رجلٌ أبرص)(2) .

____________________

(1) الإرشاد: 2/93.

(2) راجع أعيان الشيعة: 1 / 601.

١٩٠

يوم عاشوراء:

انقضت ليلة الهدنة، وطلع ذلك اليوم الرهيب، يوم عاشوراء، يوم الدم والجهاد والشهادة، وطلعت معه رؤوس الأسنّة والرماح والأحقاد وهي مشرعة لتلتهم جسد الحسينعليه‌السلام وتفتك بدعاة الحق والثوار من أجل الرسالة والمبدأ.

نظر الحسينعليه‌السلام إلى الجيش الزاحف، ولم يزلعليه‌السلام كالطود الشامخ، قد اطمأنت نفسه، وهانت دنيا الباطل في عينه، وتصاغر جيش الباطل أمامه، ورفع يديه متضرعاً إلى الله تعالى قائلاً: اللهم أنت ثقتي في كل كَرْب، وأنت رَجائي في كُلِ شِدّة وأنت لي في كل أمر نَزَلَ بي ثقةٌ وعدَّةٌ، كم من همٍّ يَضْعَفُ فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ويخذُلُ فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمّن سواك ففرّجته عني وكشفته فأنت وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة(1) .

خطاب الإمامعليه‌السلام في جيش الكوفة:

أخذ جيش عمر بن سعد يشدِّد الحصار على الإمامعليه‌السلام ولما رأى الحسينعليه‌السلام كثرتهم وتصميمهم على قتاله إذا لم يستسلم ليزيد بن معاوية، تعمّم بعمامة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وركب ناقته وأَخذ سلاحه ثم دنا من معسكرهم حيث يسمعون صوته وراح يقول: يا أهل العراق - وجُلُّهُمْ يسمعون -، فقال: أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظَكم بما يحق لكم عليَّ وحتى أُعْذَرَ إليكم فإن أعطيتموني النّصف كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النّصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 96.

١٩١

ثم لا يكن أمركم عليكم غُمَّةً ثم اْقضوا إليَّ ولا تُنظِرونِ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) ، ثم حمد الله وأثنى عليه وذكر الله تعالى بما هو أهله وصلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى ملائكته وأنبيائه فَلَمْ يُسْمَعْ متكلمٌ قط قبلَه ولا بعدَه أبلغُ في منطق منه، ثم قال: أمّا بعد فانسبوني فانظروا مَنْ أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاكُ حُرمتي؟ ألَسْتُ ابنَ بنتِ نبيّكم وابنَ وصيِّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين المصدّق لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما جاء به من عند ربه؟ أوليس حمزةُ سيدُ الشهداء عمّي؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنّة بجناحين عَمّي؟ أو لم يبلغكم ما قال رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لي ولأخي: هذانِ سيّدا شباب أهل الجنة؟ فإنْ صدقتموني بما أقول - وهو الحق - فوالله ما تعمدتُ كذباً منذ علمت أن الله يَمْقُتُ عليه أهله، وإنْ كذبتموني فإنَّ فيكم مَنْ إذا سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخِدْري و سهل بنَ سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنسَ بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟... ثم قال لهم الإمام الحسينعليه‌السلام : فإن كنتم في شك من هذا فتشكّون أني ابن بنت نبيكم فوالله ليس ما بين المشرق والمغرب ابنُ بنتِ نبىّ غيري فيكم ولا في غيركم. ويحكم! أتطلبونني بقتيل منكم قَتَلْتُه أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة؟ فأخذوا لا يكلمونه، فنادى: يا شبث بن ربعي! ويا حجّار بن أبجر! ويا قيس بن الأشعث! ويا يزيد بن الحارث! ألَمْ تكتبوا إليَّ أنْ قد أينعت الثمار واْخضرّ الجَنابُ وإنما تقدِم على جند لك مجندة؟ فقال له قيس بن الأشعث: ما ندري ما تقول، ولكن اِنزل على حكم بني عمّك. فقال له الحسينعليه‌السلام : (لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرُّ فِرار العبيد). ثم نادى: (يا عبادَ الله! إني عذْتُ بربّي ورَبِّكم أنْ ترجمُونِ، أعوذ بربّي و ربّكم من كلِّ متكبر

١٩٢

لا يؤمن بيوم الحساب)(1) .

لقد أبى القوم إلاّ الإصرار على حربه والتمادي في باطلهم، وأجابوه بمثل ما أجاب به أهل مدين نبيَّهم كما حكى الله عَزَّ وجَلَّ عنهم في كتابه الكريم:( مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاًً ) (2) .

الحر يخيّر نفسه بين الجنّة والنار:

وتأثر الحر بن يزيد الرياحي بكلمات الإمام الحسينعليه‌السلام وندم على ما سبق منه معه، وراح يدنو بفرسه من معسكر الحسين تارة ويعود إلى موقفه أخرى وبدا عليه القلق والاضطراب. وعند ما سئل عن السبب في ذلك قال: (والله إني أُخيِّرُ نفسي بين الجنة والنار وبين الدنيا والآخرة ولا ينبغي لعاقل أن يختار على الآخرة والجنة شيئاً)، ثم ضرب فرسه والتحق بالحسينعليه‌السلام ووقف على باب فسطاطه، فخرج إليه الحسينعليه‌السلام فانكبَّ عليه الحرّ يُقبّل يديه ويسأله العفو والصفح، فقال له الحسينعليه‌السلام : (نعم، يتوب الله عليك وهو التّواب الرحيم). فقال له الحر: والله لا أرى لنفسي توبة إلاّ بالقتال بين يديك حتى أموتَ دونك. وخطب الحر في أهل الكوفة فوعظهم وذكّرهم موقفهم من الإمامعليه‌السلام ودعوتهم له وحثّهم على عدم مقاتلة الإمامعليه‌السلام ثم مضى إلى الحرب فتحاماه الناس، ثم تكاثروا عليه حتى استشهد(3) .

المعركة الخالدة:

حصّن الإمامعليه‌السلام مخيّمه وأحاط ظهره بخندق أوْقَد فيه النار

____________________

(1) الإرشاد: 2 / 98، إعلام الورى: 1/459.

(2) هود (11): 91.

(3) الإرشاد: 2 / 99، الفتوح: 5 / 113، بحار الأنوار: 5 / 15.

١٩٣

ليمنع المباغتة والالتفاف عليه من الخلف، وليحميَ النساء والأطفال من العدوان المحقّق.

نظر شمر بن ذي الجوشن إلى النار في الخندق فصاح: ( يا حسينُ تعجّلت النار قبل يوم القيامة، فرد عليه أنت أولى بها صِلِيّا)(1) ، وحاول صاحب الحسينعليه‌السلام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم، فاعترضه الإمام ومنعه قائلا: (لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم)(2) .

ويقول المؤرخون: إن بعض أصحاب الإمام خطب بالقوم بعد خطبة الإمام الأولى، وأنّ الإمامعليه‌السلام أخذ مصحفاً ونشره على رأسه ووقف بإزاء القوم فخاطبهم للمرة الثانية بقوله: يا قوم! إنّ بيني وبينكم كتاب الله وسنّة جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم استشهدهم عن نفسه المقدسة وما عليه من سيف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ودرعه وعمامته فأجابوه بالتصديق فسألهم عمّا أقدمهم على قتله، قالوا: طاعةً للأمير عبيد الله ابن زياد، فقالعليه‌السلام : (تباً لكم أيتها الجماعَةُ وترحاً أحين استصرختمونا(3) والهين فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحَشَشْتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم فأصبحتم إلباً(4) لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلاّ - لكم الويلاتُ - تركتمونا والسيفُ مشيم والجأش طامن والرأي لمّا يستحصفْ! ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدَّبا(5) ، وتداعيتم عليها كتهافُتِ الفراش، ثم نقضتموها فسُحْقاً لكم يا عبيدَ الأمة وشُذّاذَ الأحزابِ و نبذة الكتابِ ومحرّفي الكلِمِ وعصبة الإثمِ ونفثةَ الشيطان ومطفئي السُنَنِ، ويْحَكم! أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون؟ أجل! والله

____________________

(1) مقتل الحسين، للمقرم: 277.

(2) مقتل الحسين، للمقرم: 277، تاريخ الطبري: 3 / 318.

(3) استصرختمونا: طلبتم نجدتنا.

(4) إلباً: مجتمعين متضامنين ضدنا.

(5) الدَّبا: الجراد الصغير.

١٩٤

غدرٌ فيكم قديم، وشجت عليه اُصولكم وتأزرت فروعكم، فكنتم أخبثَ ثمر، شجىً للناظر وأكلةً للغاصب. ألا وإن الدعيَّ ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السِّلة والذلة. وهيهات منا الذلة! يأبى اللهُ لنا ذلك ورسولُه والمؤمنون، وحجورٌ طابت وطَهُرَتْ واُنوفٌ حميةٌ ونفوسٌ أبيّةٌ من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام. ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر. ثم أنشدَ أبياتِ فروة بن مسيك المرادي:

فاِنْ نَهْزِمْ فهزّامون قِدْما

ن نُهْزَمْ فغيْرُ مهزَّمينا

وما إن طبَّنا جُبْنٌ ولكن

منايانا ودولةُ آخرينا

فَقُلْ للشامتين بنا أفيقوا

سَيَلْقى الشامتون كما لقينا

إذا ما الموتُ رَفَّعَ عن اُناس

كلاكله أناخ بآخرينا(1)

أما والله لا تلبثون بعدها إلاكريثما يُركبُ الفرس، حتى تدور بكم دور الرَّحى، و تقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ ) (2) ( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (3) . ثم رفع يديه نحو السماء وقال: (اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنينَ كسنيّ يوسف وسلِّطْ عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبَّرةً، فإنهم كذّبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك المصير)(4) .

كل ذلك وعمر بن سعد مُصرّ على قتال الحسينعليه‌السلام ، والإمام الحسينعليه‌السلام يحاور وينصح ويدفع القوم بالتي هي أحسن. ولما لم يجد النصح مجدياً قال لابن سعد: (أيْ عمر أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدعيّ بلاد الري وجرجان؟

____________________

(1) تاريخ ابن عساكر: 69/265، اللهوف في قتلى الطفوف، ابن طاووس: 59 و 124.

(2) يونس (10): 71 و هود (11): 56.

(3) يونس (10): 71 و هود (11): 56.

(4) مقتل الحسين، للمقرم: ص289 - 286، مقتل الحسين للخوارزمي: 2 / 6، تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام : 216، راجع إعلام الورى: 1 / 458.

١٩٥

والله لا تتهنّأ بذلك، عهد معهود، فاصنع ما أنت صانع، فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، وكأني برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ويتخذونه غرضاً بينهم) فصرف ابن سعد وجهه عنه مغضباً(1) .

واستحوذَ الشيطان على ابن سعد فوضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى باتجاه معسكر الحسينعليه‌السلام وقال: (إشهدوا أني أولُ مَنْ رمى) ثم ارتمى الناس وتبارزوا(2) .

فخاطب الإمامعليه‌السلام أصحابه قائلا: (قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابد منه، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم)(3) .

فتوجهوا إلى القتال كالأُسود الضارية لا يبالون بالموت مستبشرين بلقاء الله جَلَّ جلاله، وكأنهم رأوا منازلهم مع النبيين والصديقين وعباده الصالحين، وكان لا يقتل منهم أحد حتى يقول: السلام عليك يا أبا عبد الله ويوصي أصحابه بأن يفدوا الإمام بالمهج والأرواح، واحتدمت المعركة بين الطرفين، (فكان لا يُقْتَلُ الرجل من أنصار الحسينعليه‌السلام حتى يَقْتل العشرة والعشرين)(4) .

استمرت رحى الحرب تدور في ساحة كربلاء، واستمر معه شلاّل الدم المقدس يجري ليتخذ طريقه عبر نهر الخلود، وأصحابُ الحسينعليه‌السلام يتساقطون الواحد تلو الآخر، وقد أثخنوا جيش العدو بالجراح وأرهقوه بالقتل، فتصايح رجال عمر بن سعد: لو استمرت الحرب برازاً بيننا وبينهم لأتوا على آخِرنا. لنهجم عليهم مرة واحدة، ولنرشقهم بالنبال والحجارة.

____________________

(1) مقتل الحسين للمقرم: 289.

(2) الإرشاد: 2 / 101، اللهوف: 100، إعلام الورى: 1 / 461.

(3) مقتل الحسين للمقرم: 292.

(4) سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 76.

١٩٦

فبدأ الهجوم والزحف نحو من بقي مع الحسينعليه‌السلام وأحاطوا بهم من جهات متعددة مستخدمين كل أدوات القتل وأساليبه الدنيئة حتى قتلوا أكثر جنود المعسكر الحسيني من الصحابة.

وزالت الشمس وحضر وقت الصلاة، وها هو الحسينعليه‌السلام ينادي للصلاة وقد تحول الميدان عنده محراباً للجهاد والعبادة، ولم يكن في مقدور السيوف والأسنّة أن تحول بينه وبين الحضور في ساحة المناجاة والعروج إلى حظائر القدس وعوالم الجمال والجلال.

ولم يزل يتقدّم رجل رجل من أصحابه فيقتل، حتّى لم يبق مع الحسينعليه‌السلام إِلاّ أهل بيته خاصّةً. فتقدّم ابنه عليّ بن الحسينعليه‌السلام - وأمه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثّقفيّ - وكان من أصبح النّاس وجهاً، فشدَّ على النّاس وهو يقول:

أنا علي بن الحسين

نحن وبيت الله أولى بالنبي

تالله لا يحكم فينا ابن الدَّعي

ففعل ذلك مراراً وأهل الكوفة يتَّقون قتله، فبصر به مرّة بن منقذ العبديّ فقال: عليَّ آثام العرب إن مرَّ بي يفعل مثل ذلك إن لم اثكل أباه؛ فمرَّ يشدُّ على النّاس كما مرَّ في الأوّل، فاعترضه مرّة بن منقذ فطعنه فصرع، واحتوشه القومُ فقطّعوه بأسيافهم، فجاء الحسينعليه‌السلام حتّى وقف عليه فقال: (قتل الله قوماً قتلوك يا بنيَّ، ما أجرأَهم على الرّحمن وعلى انتهاك حرمة الرّسول!) وانهملت عيناه بالدُّموع ثمّ قال: (على الدُّنيا بعدك العفا) وخرجت زينب أخت الحسين مسرعةً تنادي: يا أُخيّاه وابن أُخيّاه، وجاءت حتّى أكبّت عليه، فأخذ الحسينُ برأسها فردَّها إلى الفسطاط، وأمر فتيانه فقال: (احملوا أخاكم) فحملوه حتّى وضعوه بين يدي الفسطاط الّذي كانوا يقاتلون أمامه.

١٩٧

ثمّ رمى رجلٌ من أصحاب عمر بن سعد يقال له: عمرو بن صبيح عبد الله بن مسلم بن عقيل (رحمه الله) بسهم، فوضع عبد الله يده على جبهته يتّقيه، فأصاب السّهم كفَّه ونفذ إلى جبهته فسمّرها به فلم يستطع تحريكها، ثمّ انتحى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله.

وحمل عبد الله بن قُطبة الطائي على عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله.

وحمل عامر بن نهشل التّيميّ على محمّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله.

وشدَّ عثمان بن خالد الهمدانيّ على عبد الرّحمن بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله.

قال حميد بن مسلم: فإنّا لكذلك إذ خرج علينا غلام كأنَّ وجهه شقَّة قمر، في يده سيف وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع إحداهما، فقال لي عمر بن سعيد بن نفيل الأزديّ: والله لأشدَّنَّ عليه، فقلت: سبحان الله، وما تريد بذلك؟! دعه يكفيكه هؤلاء القوم الّذين ما يبقون على أحد منهم؛ فقال: والله لأشدَّنَّ عليه، فشدَّ عليه فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسّيف ففلقه، ووقع الغلام لوجهه فقال: يا عمّاه! فجلى(1) الحسينعليه‌السلام كما يجلي الصقر ثمّ شدَّ شدّة ليث أغضب، فضرب عمر بن سعيد بن نفيل بالسّيف فاتّقاها بالسّاعد فأطنَّها من لدن المرفق، فصاح صيحة سمعها أهل العسكر، ثمّ تنحّى عنه الحسينعليه‌السلام . وحملت خيل الكوفة لتستنقذه فوطأته بأرجلها حتّى مات.

وانجلت الغبرة فرأيت الحسينعليه‌السلام قائماً على رأس الغلام وهو

____________________

(1) جلّى ببصره: إذا رمى به كما ينظر الصقر إلى الصيد. ( الصحاح - جلا - 6: 2305 ).

١٩٨

يفحص برجله والحسين يقول: (بعداً لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدُّك) ثمّ قال: (عزَّ - والله - على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك، صوت - والله - كثرَ واتروه وقلَّ ناصروه) ثمّ حمله على صدره، فكأنِّي أنظر إلى رجلي الغلام تخطّان الأرض، فجاء به حتّى ألقاه مع ابنه عليِّ بن الحسين والقتلى من أهل بيته، فسألت عنه فقيل لي: هو القاسم بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالبعليهم‌السلام .

ثمّ جلس الحسينعليه‌السلام أمام الفسطاط فأتي بابنه عبد الله بن الحسين وهو طفل فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه، فتلقّى الحسينعليه‌السلام دمه، فلمّا ملأ كفَّه صبَّه في الأرض ثمّ قال: (ربّ إن تكن حبست عنّا النّصر من السّماء فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظّالمين) ثمّ حمله حتّى وضعه مع قتلى أهله.

ورمى عبد الله بن عقبة الغنويّ أبا بكر بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالبعليهم‌السلام فقتله.

فلمّا رأى العبّاس بن عليّ رحمة الله عليه كثرة القتلى في أهله قال لإخوته من أمه - وهم عبد الله وجعفر وعثمان - يا بني اُمِّي! تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله، فإنّه لا ولد لكم. فتقدّم عبد الله فقاتل قتالاً شديداً، فاختلف هو وهانيء بن ثبيت الحضرميّ ضربتين فقتله هانيء لعنه الله. وتقدّم بعده جعفر بن عليّعليه‌السلام فقتله أيضاً هانيء. وتعمّد خوليُّ بن يزيد الأصبحيّ عثمان بن عليّعليه‌السلام وقد قام مقام إخوته فرماه بسهم فصرعه، وشدَّ عليه رجل من بني دارم فاحتزَّ رأسه.

١٩٩

وحملت الجماعة على الحسينعليه‌السلام فغلبوه على عسكره، واشتدَّ به العطش، فركب المسنّاة(1) يريد الفرات وبين يديه العبّاس أخوه، فاعترضته خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني دارم فقال لهم: ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكِّنوه من الماء، فقال الحسينعليه‌السلام : (اللّهمّ أظمئه) فغضب الدّارميُّ ورماه بسهم فأثبته في حنكه، فانتزع الحسينعليه‌السلام السّهم وبسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدَّم، فرمى به ثمّ قال: (اللّهمَّ إنِّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيِّك) ثمّ رجع إلى مكانه وقد اشتدَّ به العطش.

استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام

لم يبقَ مع الإمام الحسينعليه‌السلام سوى أخيه العباس الذي تقدم إليه يطلب منه الإذن في قتال القوم فبكى الحسين وعانقه ثم أذن له فكان يحمل على أهل الكوفة فينهزمون بين يديه كما تنهزم المعزى من الذئاب الضارية وضجّ أهل الكوفة من كثرة من قتل منهم، ولما قتل قال الحسينعليه‌السلام : (الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوّي)(2) .

وفي رواية أخرى: أن الإمام الحسينعليه‌السلام اتجه إلى نهر الفرات وبين يديه أخوه العباس فاعترضته خيل ابن سعد (لعنه الله) وفيهم رجل من بني دارم فقال لهم: ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكّنُوهُ من الماء، فقال الحسينعليه‌السلام : اللهم أظمئه، فغضب الدارمي ورماه بسهم فأثبته في حنكه فانتزع الحسينعليه‌السلام السهم و بسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه من الدم فرمى به ثم قال: (اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك)، ثم رجع إلى مكانه

____________________

(1) المسناة: تراب عال يحجز بين النهر والأرض الزراعية. ( تاج العروس - سنى - 10: 185 ).

(2) سيرة الأئمة الاثني عشر: 2 / 77، بحار الأنوار: 45 / 440، المنتخب للطريحي: 431.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434