العقائد الإسلامية الجزء ٢

العقائد الإسلامية13%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 434

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 232114 / تحميل: 6028
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ملكوتي يصاحبه، فإلامامة بحسب الباطن نحو ولاية للناس في أعمالهم»(١) .

وبهذه الولاية التكوينية يستطيع الهادي الى الله بأمره أن يتصرّف بالأسباب ويصل الى حقائق وبواطن العباد فيعطيهم من حقائق الهداية ما يناسبهم، وهذا التصرّف هو الذي ساقنا إليه التدبر في الآيات الناصة على وجود شهيد في كل زمان على أهل عصره.

الهادي منصوب من الله.

وبالرجوع ثانية الى القرآن الكريم نجده يصرّح بأن الذي يكون هادياً للناس بأمر الله تبارك وتعالى هو الإمام المنصوب لذلك من قبل الله تعالى كما هو واضحٌ من قوله تعالى:( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ) (٢) .

وفي هذا تأكيد لما دلّت عليه آيات الإمامة وأنها عهد إلهي يجعله الله فيمن يختاره من عباده، كما أشرنا لذلك في الحديث عن آيات سورة الاسراء وصفات الإمام.

نعود للآية مورد البحث من سورة الرعد فهي تصرّح بأنه (لكل قوم هاد)على نحو الإطلاق ومصداق الهادي المراد فيها لا يمكن أن يكون أحد الكتب السماوية للسبب نفسه الذي أوردناه في معرفة مصداق «الإمام» في آية سورة الإسراء، كما لا يمكن حصر المصداق بالنبي لما قلنا من أنه يخرج الفترات التي ليس فيها نبي من حكم الآية وهذا خلاف ظاهر الآية العام الذي يشمل جميع الأزمان.

كما لا يمكن أن يكون المصداق المقصود في الآية هو الله سبحانه وتعالى; لأن هدايته تشمل جميع الأزمنة دونما تخصيص بقوم دون قوم، وهذا خلاف ظاهر الآية، خاصة وأن لفظة «هاد» جاءت بصيغة النكرة، الأمر الذي يفيد تعدد الهداة.

ـــــــــــ

(١) تفسير الميزان: ١/٢٧٢.

(٢) الأنبياء (٢١): ٧٣ .

٦١

يُضاف الى كل ذلك أن الهداية الإلهية للناس تكون بواسطة هداة من أنفسهم مرتبطين به تبارك وتعالى يتلقون منه الهداية وينقلونها الى عباده، وهؤلاء هم المهتدون بأنفسهم منه تبارك وتعالى دونما واسطة كما تقدم في تفسير آية سورة يونس وهم الذين يهدون بأمره تعالى. وهم الأئمة المنصوبون للهداية بأمره تعالى كما تقدم حيث لم يرد في القرآن الكريم وصف الهداية بأمره إلاّ في موردين اقترن فيهما بوصفي «الأئمة» وإختيارهم لذلك من قبل الله تعالى، والموردان هما آية سورة الأنبياء المتقدمة وآية سورة السجدة:( وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا ) (١)

وتكون النتيجة المتحصلة من التدبر في الآية الكريمة مورد البحث هي حتمية وجود إمام هاد الى الله بأمره تبارك وتعالى منصوب لذلك من قبله عزّ وجلّ في كل عصر فلا تخلو الأرض منه سواء أكان نبيّاً أو غير نبي.

وحيث إن مثل هذا الشخص غير ظاهر في عصرنا الحاضر; إذ لا يوجد بين المسلمين ـ من أي فرقة كانت ـ مَن يقول بوجود إمام ظاهر هاد بأمر الله منصوب من قبله تعالى ورد النص عليه ممّن قوله حجة إلهية كما تقدم في البحث عن آية سورة الإسراء; لذا فلا مناص من القول بغيبته واستتاره، وقيامه بمهام الإمامة والهداية مستتراً بأستار الغيبة، فيكون الانتفاع به مثل الانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب كما ورد في الأحاديث الشريفة(٢) . وهذا ما تقول به مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام في الامام المهدي وغيبته.

الفصل الرابع: المهدي الموعود وغيبته في المتفق عليه من السُنّة

الى جانب الآيات الكريمة المتقدمة توجد بين أيدينا الكثير من الأحاديث الشريفة التي صحت روايتها عند أهل السنة والشيعة عن سيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطرق كثيرة، تؤكد دلالات الطائفة المتقدمة من الآيات الكريمة وتفصل مجملاتها وتكمل الصورة التي ترسمها فيما يرتبط بالدلالة على وجود الإمام المهدي الموعودعليه‌السلام بالفعل وغيبته وتصرح بالمصداق الذي دلت عليه الآيات الكريمة بذكر صفاته العامة.

ـــــــــــ

(١) السجدة (٣٢): ٢٤ .

(٢) راجع الحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المروي في كمال الدين: ١ / ٢٥٣ وكفاية الأثر : ٥٣ وغيرهما .

٦٢

ونختار هنا نماذج من الأحاديث الشريفة المتواترة أو المستفيضة المروية بأسانيد صحيحة عند أهل السنة والمروية في الكتب الستة المعتمدة عندهم لأن الاحتجاج بها أبلغ، ولأن تفسيرها وتقديم المصداق المعقول لها غير ممكن إلا على ضوء عقيدة أهل البيت في المهدي المنتظرعليه‌السلام فيما يرتبط بعصرنا الحاضر خاصة; ولأن الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قد صرح في هذه الأحاديث المختارة بالأهمية القصوى التى تحظى بها مضامينها كما سنرى.

١ ـ حديث الثقلين ، وهو من الأحاديث المتواترة، رواه حفاظ أهل السنة والشيعة بأسانيد صحيحة عن جم غفير من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عدَّ ابن حجر ـ من علماء أهل السنة ـ أكثر من عشرين منهم في كتابه الصواعق المحرقة(١) وعدَّ غيره من حفّاظ أهل السنة أكثر من ثلاثين صحابياً كما في سنن الترمذي(٢) ، وألّف الحافظ أبو الفضل المقدسي المعروف بابن القيسراني ـ وهو من كبار حفّاظ أهل السنّة ـ كتاباً خاصاً عن طرق هذا الحديث الشريف(٣) . كما أثبتت العديد من الدراسات الحديثية تواتره بما لا يدع أي مجال للنقاش أو التشكيك، نظير ما فعل العلامة المتتبع المير حسين حامد الموسوي في موسوعة عبقات الأنوار وغيره من العلماء(٤) .

ويتضح من روايات هذا الحديث الشريف أن النبي المكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كرر مضمونه بعبارات وألفاظ متقاربة في عدة مناسبات، منها في يوم عرفة من حجة الوداع، وموقف يوم الغدير في طريق عودته منها وبعد انصرافه من الطائف، وفي الجحفة، وفي خطبة له في مسجده بالمدينة بعد عودته من هذه الحجة، وفي حجرته أيام مرضهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد امتلأت الحجرة بالصحابة(٥) . وكل ذلك يكشف عن أهمية الوصية النبوية التي تضمنها الحديث بالنسبة للإسلام

ـــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ١٥٠ من الطبعة المصرية وقد صرح ابن حجر بتواتره.

(٢) سنن الترمذي: ٥/ ٦٢١ ـ ٦٢٢ ـ مناقب أهل بيت النبي باب ٣٢.

(٣) أهل البيت في المكتبة العربية للسيد عبدالعزيز الطباطبائي : ٢٧٧ ـ ٢٧٩.

(٤) أصدرت دار التقريب الإسلامية في مصر رسالة مفصلة ألفها أحد أعضاء الدار عن هذا الحديث استوفى فيها أسانيد الحديث في الكتب المعتمدة عند أهل السنة.

(٥) الصواعق المحرقة لابن حجر: ١٤٨، أهل البيت في المكتبة العربية : ٢٧٩.

٦٣

والمسلمين وإلا لما أولاها ـ وهو الحريص على المؤمنين الرؤوف الرحيم بهم ـ كل هذا الاهتمام في التكرار والتبليغ في تلك المواطن المهمة التي تجمع أكبر عدد من المسلمين، خاصة وأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يبادر لإعلان هذه الوصية ويؤكدها على الملأ العام دون أن ينتظر مَن يسأله عنها.

ويستفاد من بعض الروايات أن مضمون الوصية التي تضمنها هذا الحديث الشريف، هو الذي أراد رسول الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتابته للمسلمين في الأيام الأخيرة من حياته المباركة عندما طلب أن يأتوه بكتف ودواة ليملي عليهم وصية لكي لا يضلوا بعده، كما ورد في نص حديث الكتف والدواة هذا المروي في صحيح البخاري(١) وغيره فمنعوه من ذلك ووقع الاختلاف فصرفهم كما في حديث رزية يوم الخميس المشهور دون أن يدون الوصية، إذْ يُلاحظ أن عبارة «لن تضلوا بعدي » المذكورة في حديث طلبه كتابة الوصية عبارة متكررة في حديث الثقلين أيضاً، كما تكررت وصيته بأهل بيته وعترته خيراً في حديث الثقلين وفي وصاياه في الساعات الأخيرة من حياته المباركة.

ويظهر من ذلك بوضوح أن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد تسجيل مضمون الحديث الشريف في وثيقة نبوية حاسمة للجدال مدونة بحضور كبار صحابته قطعاً للجدال وتوكيداً للأمر. وكل ذلك يبيّن أن الموضوع الذي يتضمنه مهم للغاية وإلا لما أكد عليه هادي الأممصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الدرجة المشددة، وهذا الأمر يكشف عنه نص الحديث نفسه المصرح بأن العمل بالوصية التي يتضمنها هو الأهمية القصوى التي أحاط بها تبليغه لمضمون هذا الحديث، بل واضحٌ أن تبليغ هذا الحديث في الأيام الأخيرة من حياته الشريفة يأتي في ضمن مساعيه لهداية المسلمين الى ماينقذهم من الضلالة والانحراف بعده وهو الهدف الذي صرح به في حديث الثقلين، لذا فذكر الأئمة أو الخلفاء الاثني عشر والإخبار عن مجيئهم بعده هو لهداية المسلمين وصوناً لمستقبل مسيرتهم من بعده وإتماماً للحجة عليهم. وهذه نقطة محورية مهمة يجب أخذها بنظر الاعتبار لدراسة هذا الحديث ولمعرفة مصداقه.

ـــــــــــ

(١) صحيح البخاري: ١/ ٣٧، ٤/ ٣١، ٤/ ٦٥ ـ ٦٦، ٥/ ١٣٧،، ٧/ ٩، ٨/ ١٦١ من طبعة دار الفكر المصورة عن طبعة استانبول وفي جميعها وردت عبارة «لن تضلوا بعدي» في الحكاية عن مضمون الكتاب الذي أراد كتابته.

٦٤

ترابط أحاديث حجة الوداع

٢ ـ وعلى ضوء اشتراك الأحاديث الثلاثة في موضوع واحد، فإن مما يعين على فهم هذا الحديث الشريف مورد البحث، ملاحظة ارتباطه بالحديثين الآخرين اللذين بلغهما الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع نفسها أو على الأقل في فترة زمنية واحدة هي الأيام الأخيرة من حياته الشريفة وحقيقة الأمر أن الأحاديث الثلاثة ترسم صورة متكاملة لطريق اهتداء المسلمين لما يضمن مستقبل مسيرتهم من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فحديث الثقلين يصرح ـ كما بيّنا سابقاً ـ بأن النجاة من الضلالة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكون بالتمسك بالقرآن والعترة وأن لكل زمان رجلاً من أهل بيته وعترته جديراً بأن يكون التمسك به الى جانب القرآن منجاة من الضلالة.

أما حديث الغدير فإنه يصرح باسم الإمام عليعليه‌السلام كولي للامة بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب عليهم التمسك بولايته كما وجب التمسك بولاية خاتم المرسلين، وهذا ما يدل عليه أخذهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا قرار من المسلمين بأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم قوله : « مَن كنتُ مولاه فهذا علي مولاه »(١) .

أما حديث الأئمة الاثني عشر فإنه يصرح بأن الدين يبقى قائماً الى يوم القيامة بوجود هؤلاء الأئمة وبهذا العدد لا يزيد ولا ينقص، ويهدي الى التمسك بهم.

فتكون الصورة التي ترسمها الأحاديث الثلاثة معاً ـ وقد صدرت في حجة واحدة أو على الأقل في فترة زمنية واحدة هي الأيام الأخيرة من حياته الشريفة وضمن مسعى واحد هو هداية المسلمين الى سبيل النجاة من الانحراف والضلالة بعده وهي: أن النجاة من الضلالة وحفظ قيام الدين تكون بالتمسك بالقرآن الكريم وبأئمة العترة الطاهرة الذين لا يخلو زمانٌ من أحدهم وأن أولهم الإمام عليعليه‌السلام وعددهم إثنا عشر إماماً لا يزيد ولا ينقص.

ـــــــــــ

(١) عن دلالات حديث الغدير وتواتره وطرقه راجع موسوعة الغدير للعلامة الأميني رحمه‌الله ، والجزء الخاص به من عبقات الأنوار وغيرها.

٦٥

مصداق الخلفاء الاثني عشر

وعندما نرجع للواقع التأريخي الاسلامي لا نجد مصداقاً للنتيجة المتحصلة سوى أئمة أهل البيت الاثني عشر بدءً بالإمام علي وانتهاءً بالمهدي المنتظر ـ سلام الله عليهم ـ لا يزيد عددهم عن الأثني عشر ولا ينقص فجاؤا المصداق الوحيد لما أخبر به الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذْ لم يدّع غيرهم ذلك، تحقيقاً للنبوة المحمدية الثابتة عند المسلمين جميعاً.

وحيث قد ثبتت عند المسلمين كافة وفاة الأئمة الأحد عشر من هؤلاء الأئمة الاثني عشر، وثبت عند الإمامية عدموفاة الثاني عشر منهم، في حين أن الحديث المتقدم ينص على استمرار وجودهم الى يوم القيامة; لذا فلا مناص من القول بوجود الإمام الثاني عشر وغيبته ـ إذ من الثابت للجميع عدم ظهوره ـ وقيام الدين بوجوده في غيبته ايضاً تصديقاً لما نص عليه الحديث المتقدم فيكون هذا الحديث الشريف دليلاً على وجود المهدي الإمامي وغيبته.

دراسة الأحاديث مستقلة

٣ ـ الدلالة نفسها يمكن التوصل إليها من خلال دراسة الحديث المتقدم بصورة مستقلة وبغض النظر عن ارتباطه بحديثي الثقلين والغدير، واستناداً الى الدلالات المستفادة من الحديث نفسه وطبقاً للمروي في كتب أهل السنة. فنصوصه تجمع على أن موضوعه الأول إخبارُ المسلمين بأن إثني عشر شخصاً سيخلفون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله: « يكون من بعدي »، أي في الفاصلة الزمنية بين رحيله والى يوم القيامة كما هو المستفاد من قوله في مقدمة الحديث : « إن هذا الأمر لا ينقضي » كما في صحيح مسلم وغيره والصيغ الاخرى دالة على الأمر نفسه. وعليه فالصفات والدلالات التي يشتمل عليها الحديث الشريف لا تنطبق على أكثر من إثني عشر شخصاً بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والى يوم القيامة، وإلا لما حصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمر بهم. فمَنْ هم هؤلاء ؟

وللإجابة على هذا السؤال نرجع الى نصوص الحديث الشريف نفسه لمعرفة الصفات التي تحددها لهم ثم نلاحظ على مَن تنطبق .

إنّ الصفات التي تذكرها النصوص هي: امراءٌ، قرشيون، كونهم خلفاء، بقاء الإسلام عزيزاً بهم، قيام الدين بهم، قيّمون على الأمة، خذلان البعض لهم وتعريضهم للمعاداة. فلندرس كل واحدة من هذه الصفات.

٦٦

إنّ معنى الإنتماء لقريش واضح، وقد أجمعت معظم المذاهب الإسلامية على اشتراطه في الإمام أما صفة «الخليفة» أو «الأمير» فالمعنى المتبادر منها هو مَن يخلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قيادة المسلمين أو مَن يلي أمرهم، فهل الوصف هذا يراد به من تولّى حكم المسلمين السياسي بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! .

من الواضح أنه لا يمكن حمل الوصف المذكور على هذا المعنى، إذ إنّ هذا تنفيه أحاديث اُخرى صحت حتى عند إخواننا أهل السنة وهي المصرحة بأن الخلافة بهذا المعنى لن تستمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأكثر من ثلاثين عاماً ثم تصبح ملكاً كما في صحيحي البخاري ومسلم(١) في حين أن الحديث الشريف يصرح باستمرار وجود هؤلاء الاثني عشر الى يوم القيامة. فلا معنى لحصر البحث عن مصاديق الحديث الشريف فيمن تولى حكم المسلمين بالفعل.

دلالة الواقع التأريخي

يُضاف الى ذلك أن الواقع التأريخي الاسلامي ينفي أن يكون المقصود بالخليفة هذا المعنى، إذْ انّ عدد مَن وصل للحكم من المسلمين بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتسمى بهذا الاسم يفوق الإثني عشر بكثير.

أجل يمكن القول بأن الإثني عشر المقصودين في الحديث الشريف قد يكون بعضهم من هؤلاء الذين وصلوا الى الحكم وهم الجامعون للأوصاف الواردة في النصوص وليس مجرد تسلم حكم المسلمين بطريقة أو بأخرى يجعلهم مصداقاً للخلفاء والاُمراء في هذا الحديث الشريف. فإنّ الخلافة والإمرة بالمعنى المعروف والمتداول بين المسلمين هو أمر منقوض ومردود بتصريح الأحاديث الشريفة بسرعة زوال الخلافة بهذا المعنى كما تقدم، ولأنه يستلزم أن يكونوا متفرقين على مدى التاريخ الإسلامي وهذا ما تنقضه الدلالات الأخرى المستفادة من الحديث الشريف، لأن مصاديق هذا المفهوم قد انقطعت منذ مدة طويلة في حين أن الحديث ينص على استمرار وجود هؤلاء الخلفاء الإثني عشر الى يوم القيامة دونما انقطاع كما سنرى لاحقاً.

ـــــــــــ

(١) راجع في ذلك معجم أحاديث الإمام المهدي، ١: ١٦ ـ ٣٨.

٦٧

ولذلك لا بد من حمل معنى «الخليفة» في هذا الحديث على ماهو أعم من التولي المباشر للحكم السياسي، أي أن يكون المقصود خلافتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الوصاية على الدين والولاية على الأمة وهدايتها الى الصراط المستقيم سواء استلم الخليفة الحكم عملياً أو لم يستلمه، فالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقوم بهذه المهمة عندما كان في مكة يتابع نشر دعوته بسرية وعندما أعلنها وتعرض للأذى من المشركين وعندما هاجر الى المدينة وأقام دولته وتولى حكومتها. فقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيّماً على الدين الحق حافظاً له وداعياً إليه في كل الأحوال، دون أن يكون لاستلامه الفعلي للحكم علاقة بإنجاز هذه المهمة وإن كان هو الأجدر باستلام الحكم في كل الأحوال.

وهذا ما يشير إليه تشبيههصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهؤلاء الإثني عشر بنقباء بني اسرائيل وأوصياء موسىعليه‌السلام كما في حديث ابن مسعود المروي في مسند أحمد بن حنبل وغيره(١) وهذا ما يدل عليه الحديث الشريف نفسه عندما يربط ـ في بعض نصوصه ـ بين وجودهم وبين قيام الدين أي حفظه، فهم أوصياء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفاؤه في الوصاية على دينه والهداية إليه.

ـــــــــــ

(١) مسند أحمد: ١/ ٣٩٨، المعجم الكبير للطبراني: ١٠/ ١٩٥، المستدرك للحاكم: ٤/ ٥٠١.

٦٨

اتصال وجود الخلفاء الاثني عشر

وهذه الصفة ـ أي قيام الدين بهم ـ تدل على استمرار وجودهم ما بين وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوم القيامة، لأن القول بتفرقهم وخلو بعض الأزمان من أحدهم مع ربط قيام الدين بهم، يعني ضياع الإسلام وعدم قيامه في بعض الأزمان وهذا خلاف ما يدل عليه الحديث الشريف بعبارات من قبيل « لا يزال الدين قائماً » « لا يزال الإسلام عزيزاً ».

من هنا لا يمكن أن يكون مصداق الحديث الشريف أشخاصاً متفرقين على طول التأريخ الإسلامي بل يجب أن لا يخلو زمان من واحد منهم. فيكون وجودهم متصلاً.

كما ان صفة قيام الدين بهم تؤكد أن المعنى المراد من الخلافة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المعنى الشمولي المتقدم الذي يشمل بالدرجة الأولى الوصاية على الدين الحق وحفظه والدعوة له والهداية إليه، الأمر الذي يؤهلهم للقيمومة على الأمة والولاية الشرعية عليهم المنتزعة من الولاية النبوية كما في حديث الغدير المشار إليه.

وهذا يستلزم تحليهم بالدرجة العليا من العلم بالدين الحق والعمل على وفقه لكي يكونوا أهلاً لحفظه وهداية الخلق إليه، وهذا ما يشير إليه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصفه لهم : « كلهم يعمل بالهدى ودين الحق » الوارد في ذيل بعض نصوص هذا الحديث الشريف(١) .

وعلى ضوء ما تقدم نفهم الصفة الاخرى التي يذكرها الحديث الشريف

ـــــــــــ

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني: ٣/١٨٤، باب الاستخلاف .

٦٩

لهم وهي أنهم سيُعرضون للكثير من أشكال المعاداة والخذلان ـ ولو لم يكن كثيراً لما استحق الذكر ـ دون أن يضرهم ذلك، فهذا العداء والخذلان لن يضرهم بمعنى أنه لا يصدهم عن تحقيق مهمتهم الأساسية بالحفاظ على قيام الدين وعزته رغم كل الصعاب وبقائه محفوظاً عندهم في كل الأزمان رغم أن الكيان السياسي للمسلمين تعرض لحقب تأريخية عديدة أصابه فيها الذل والهوان وتولى حكمه فيها أبعد الخلق عن معنى خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

هذه هي صفات الخلفاء الأئمة الاثني عشر المستفادة من دلالات الحديث الشريف طبقاً لنصوصه المروية في أفضل الكتب المعتمدة عند إخواننا أهل السنة، فعلى من تنطبق؟

ائمة العترة هم المصداق الوحيد

الواقع التأريخي يثبت أن المصداق الوحيد الذي تنطبق عليه هم الائمة الاثنا عشر من عترة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم يختصون بهذا العدد تأريخياً كما هو معلوم وتنطبق عليهم الأوصاف المستفادة من دلالات الحديث الشريف، كما سنشير لذلك فيما يلي:

أدلة التطبيق

أولاً : انّ الحديث يدل بصورة واضحة على لزوم توفر تلك الأوصاف في هؤلاء الخلفاء الاثني عشر والتي تؤهلهم لكي يكون الدين قائماً بهم. بمعنى أن يكونوا جميعاً معبرين عن خط واحد ومنهج واحد في الدفاع عن الدين وحفظه وتبليغه ـ كما فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ، وقد توفرت هذه الصفات في ائمة العترة النبوية الطاهرة الذين ثبت أن علوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندهم وثبت عنه وصيته بالتمسك بهم للنجاة من الضلالة كما في حديث الثقلين، وقد أخذ الكثير من المسلمين ـ ومنهم أئمة المذاهب الأربعة ـ علوم الدين منهم كما هو ثابت تأريخياً وثبت في روايات مختلف الفرق الإسلامية لجوء الجميع إليهم وفقرهم إليهم في علوم الدين واستغناؤهمعليهم‌السلام عن الجميع في ذلك(١) .

ـــــــــــ

(١) راجع مثلاً «الإمام الصادق والمذاهب الأربعة» للشيخ أسد حيدر، وما ورد بشأنهم في تاريخ دمشق لابن عساكر وفي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي والصواعق المحرقة لابن حجر وسير أعلام النبلاء للذهبي ووفيات الأعيان لابن خلكان وغيرها. وسائر من ترجم لهمعليهم‌السلام من مختلف الفرق الإسلامية.

٧٠

كما أثبتت سيرتهم تفانيهم في الدفاع عن الإسلام ونشر علومه وإغاثة المسلمين عندما هاجمتهم الغزوات الفكرية واحتجاجاتهم على الملحدين وأرباب الديانات الأخرى مدونة في كتب المسلمين وهي تثبت حقيقة قيام الدين بهم وخلافتهم للرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك، وأهليتهم لقيادة المسلمين أيضاً كما صرح بذلك الذهبي مثلاً حيث قال بأهلية الإمام الحسن والحسين والسجاد والباقرعليهم‌السلام ثم قال: وكذلك جعفر الصادق كبير الشأن من أئمة العلم كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور، وكان ولده موسى كبير القدر جيد العلم أولى بالخلافة من هارون(١) .

ثانياً: إنّ سيرتهمعليهم‌السلام تنسجم مع تصريح الحديث الشريف بتعريض الخلفاء الإثني عشر للمعاداة والخذلان دون أن يضر ذلك في قيامهم بإنجاز مهمتهم الأساسية في حفظ الدين والدفاع عنه كما لاحظنا ذلك في الفقرة السابقة، ومن المعروف تأريخياً أنهم تعرضوا للأذى والملاحقة الشديدة من قِبَل السلطات الحاكمة التي لم تألُ جُهداً لإبادتهم مثل ما جرى في واقعة الطف للحسينعليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه وتعريضهم للسجن والاغتيال بالقتل أو السم الأمر الذي أدى في نهاية المطاف الى ضرورة غيبة خاتمهم الإمام

ـــــــــــ

(١) سير أعلام النبلاء: ١٣/ ١٢٠ وراجع ما جمعه الشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج تجد نماذج كثيرة لدفاعهم عن الإسلام بوجه الأفكار الدخلية.

٧١

الثاني عشرعليه‌السلام ، ولكن كل أشكال التعسّف والقهر والعداء والخذلان لم يُثنهم عن حفظ سنّة جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتبليغها حيث حفلت الأحاديث المروية عنهم والمدونة في كتب علماء مدرستهم بكل ما يحتاجه الإنسان في مختلف شؤونه الفردية والاجتماعية(١) .

ثالثاً: تنطبق عليهم دلالة الحديث على استمرار وجودهم بصورة متصلة ما بين وفاة جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيام الساعة، في سلسلة ذهبية لم تؤد الى قطعها كل حملات العداء والخذلان التي تعرِّضوا لها، وإن أدت الى غيبة خاتمهم الإمام المهديعليه‌السلام فاستمر دوره في حفظ الدين وقيامه بذلك من خلف استار الغيبة بأساليب متنوعة أثبتت أن الانتفاع بوجوده متحقق مثلما ينتفع بالشمس إذا غيّبتها السُحب عن الأبصار كما ورد في الأحاديث الشريفة(٢) .

وبذلك يتضح أن عقيدة مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام كيف تفسر عدم تناسب طول الفترة الزمنية بين وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين قيام الساعة، مع تحديد الحديث الشريف لعدد الخلفاء القيمين على الإسلام بإثني عشر رجلاً لا أكثر، يستمر وجودهم متصلاً الى يوم القيامة لأن قيام الدين يكون بهم.

وبذلك يكون الحديث الشريف من الأحاديث المتفق على صحتها بين المسلمين والدالة على وجود الإمام المهدي وغيبته لأنه لا ينطبق على غير الائمة الإثني عشر من أئمة العترة النبوية الذين أدى خذلانهم الى غيبة خاتمهمعليه‌السلام .

ـــــــــــ

(١) جمعت هذه الأحاديث الشريفة في موسوعات ضخمة مثل بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي ووسائل الشيعة للحر العاملي.

(٢) مثل إصداره «التوقيعات» وهي الرسائل التي كان عليه‌السلام يبعثها للمؤمنين ويجيب فيها عن اسئلتهم الدينية المختلفة وقد دونت كتب الغيبة عدداً كبيراً منها، تجدها في كتاب «كلمة الإمام المهدي» والصحيفة المهدوية وغيرها.

٧٢

الاتفاق على أن المهدي خاتم الخلفاء الاثني عشر

يؤيد ذلك موافقة عدد كبير من علماء أهل السنّة لعقيدة أهل البيتعليهم‌السلام في كون المهدي المنتظر هو الخليفة الثاني عشر من الخلفاء الإثني عشر الذين أخبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن خلافتهم الدينية، أمثال أبي داود في سننه(١) وابن كثير في تفسيره(٢) وغيرهم. وصرح بذلك المجمع الفقهي التابع للأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي في جوابه على استفتاء مسلم من كينيا بشأن الإمام الموعود، حيث ورد في جواب المجمع : « هو )المهدي الموعود (آخر الخلفاء الراشدين الإثني عشر الذين أخبر عنهم النبي صلوات الله وسلامه عليه في الصحاح ...»(٣) .

ولعل مستندهم في ذلك حديث الأمّة الظاهرة القائمة بأمر الله الذي يتحدث عن المصداق الذي يتحدث عنه حديث الائمة الاثني عشر الذي يصرح بأن آخر اُمراء هذه الأمة الظاهرة هو المهدي الموعود كما سنلاحظ.

٣ ـ حديث الاُمة الظاهرة القائمة بأمر الله ، وهو من الأحاديث المشهورة المروية في الكتب الستة وغيرها من المجاميع الروائية المعتبرة عند إخواننا أهل السنّة من طرق كثيرة فقد رواه مثلاً أحمد بن حنبل وحده من سبعة وعشرين طريقاً(٤) .

ـــــــــــ

(١) راجع ما نقله الشيخ عبدالمحسن العباد في بحثه (عقيدة أهل السنّة والأثر في المهدي المنتظر) المطبوع في مجلة الجامعة الاسلامية العدد الثالث، السنة الاُولى، ذو القعدة ١٣٨٨ هـ .

(٢) تفسير القرآن العظيم : ٢ / ٣٤ في تفسير الآية ١٢ من سورة المائدة.

(٣) راجع النسخة المصوّرة لفتوى رابطة العالم الاسلامي، المجمع الفقهي المنشورة في كتاب احاديث المهدي من مسند احمد بن حنبل : ١٦٢ ـ ١٦٦.

(٤) راجع كتاب «احاديث المهديعليه‌السلام من مسند احمد بن حنبل»، اعداد السيد محمد جواد الجلالي: ٦٨ ـ ٧٦ .

٧٣

فقد رواه البخاري في صحيحه بلفظ « لا يزال ناس من اُمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون »(١) .

ورواه البخاري في تأريخه ومسلم وأبو داود وابن ماجة والترمذي وأحمد بن حنبل والحاكم وغيرهم بلفظ : «لا تزال طائفة من أُمتي على الحق حتى يأتي أمر الله عز وجل »(٢) .

ورواه البخاري في صحيحه ومسلم وأحمد وابن ماجة بلفظ : « مَن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ولن تزال (من) هذه الاُمة اُمة قائمة على أمر الله، لا يضرهم مَن خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس »(٣) .

ورواه مسلم وأحمد والحاكم وغيرهم عن جابر بن سمرة : « لا يزال هذا الدين قائماً تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة »(٤) . وفيه أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك في حجة الوداع، وجابر هو نفسه راوي حديث الائمة الإثني عشر من قريش.

وفي رواية لمسلم : « لا تزال عصابة من اُمتي يُقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك »(٥) .

وفي رواية لأبي داود وأحمد والحاكم وغيرهم بلفظ : « لا تبرح عصابةٌ من اُمتي ظاهرين على الحقّ لا يبالون من خالفهم حتى يخرج المسيح الدجال فيقاتلونه»(٦) .

ـــــــــــ

(١) صحيح البخاري: ٤/٢٥٢.

(٢) تاريخ البخاري: ٤/١٢ حديث ١٧٩٧، صحيح مسلم:٣/١٥٢٣، حديث ١٩٢٠، وسنن أبي داود: ٤/٩٧، حديث ٤٢٠٢ و ابن ماجة: ١/٥ باب١ حديث ١٠، والترمذي: ٤/٥٠٤ حديث ٢٢٢٩ و احمد بن حنبل في مسنده: ٢/٣٢١ .

(٣) صحيح البخاري: ٩/١٦٧، وصحيح مسلم: ٣/١٥٢٤ حديث ١٠٣٧، ومسند أحمد: ٤/١٠١، وابن ماجة: ١/٥ باب ١ حديث ٧ .

(٤) صحيح مسلم: ١٥٢٤ حديث ١٩٢٢، مسند أحمد: ٥/٩٢، ٩٤، ومستدرك الحاكم: ٤/٤٤٩.

(٥) صحيح مسلم: ٣/١٥٢٤، ١٥٢٥ باب ٥٣، حديث ١٩٢٤ .

(٦) مسند أحمد: ٤/٤٣٤، سنن أبي داود: ٣/٤، حديث ٢٤٨٤، ومستدرك الحاكم: ٢/٧١.

٧٤

وفي رواية للبخاري في تأريخه وأحمد في مسنده ورجاله كلهم ثقات كما قال الكشميري في تصريحه بلفظ: « لا تزال طائفة من اُمتي على الحق ظاهرين على مَن ناواهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى، وينزل عيسى بن مريم »(١) .

وفي رواية لمسلم وأحمد : « لا تزال طائفةٌ من اُمتي على الحق ظاهرين الى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريمعليه‌السلام ، فيقول أميرهم : تعال صلّ بنا، فيقول : لا، إن بعضكم على بعض أمير ليكرم الله هذه الاُمة »(٢) .

والحديث الشريف جاء في حجة الوداع كما يصرح بذلك جابر بن سمرة فيما رواه عنه مسلم وأحمد والحاكم كما تقدم، وهذه الحجة هي نفسها التي بلّغ فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث الثقلين والغدير والائمة الإثني عشر، لذا فهو يأتي في إطار التخطيط النبوي لهداية المسلمين الى ما يحفظ مسيرتهم بعده أو ما ينقذهم من الضلالة وميتة الجاهلية، فهو غير بعيد عن أجواء الأحاديث السابقة.

على أن من الواضح للمتدبر في هذا الحديث الشريف وحديث الائمة الإثني عشر أن كليهما يتحدثان عن مصداق واحد لا أكثر، كما هو مشهود في اشتراكهما في ذكر صفات تتحدث وتهدي الى مصداق واحد، خاصة ما يصرح بربط قيام الدين وحفظه بوجود هذه الاُمة الظاهرة القائمة بأمر الله في الحديث الثاني وبوجود الأئمة الاثني عشر في الحديث الأول لأن ذلك يعني امتلاك هذه الجهة للقيمومة على الدين ومرجعيتها في معرفة حقائق الدين الحق وتعريضها بسبب ذلك للمعاداة والخذلان وهذا ما يشترك الحديثان في ذكره وفي التصريح بعدم إضراره في أصل مهمة هذه العصابة وهي الدفاع عن الدين الحق وحفظه .

ويؤكد حديث الأمة الظاهرة صراحة ـ فيما تقدم من نصوصه ـ مادل عليه حديث الائمة الإثني عشر ضمنياً من استمرار وجود هؤلاء الأئمة الى يوم القيامة وكذلك من أن مهمتهم الأساسية خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الدفاع عن الدين الحق وحفظه دون أن يؤثر في إنجاز أصل هذه المهمة استلامهم الفعلي للحكم أو عدم استلامه وإن كانوا هم الأجدر بذلك.

ـــــــــــ

(١) تاريخ البخاري: ٥/٤٥١ حديث ١٤٦٨، مسند أحمد: ٤/٤٢٩.

(٢) معجم أحاديث الإمام المهدي: ١/ ٥١ ـ ٦٨، وقد ذكر لكل حديث الكثير من المصادر من المجاميع الروائية المعتبرة عند أهل السنة وقد اخترنا بعضها من المتن والبعض الآخر من الهوامش.

٧٥

كما أنه يصرح بأن خاتم أمراء هذه الأمة الظاهرة هو الإمام المهدي الموعود ـ كما دل على ذلك ضمنياً حديث الائمة الإثني عشر ـ، فهو يصرح باستمرار وجودها الى نزول عيسىعليه‌السلام ومناصرته لأميرها وصلاته خلفه وهذه الحادثة ترتبط بالإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ باتفاق المسلمين.

ويصرح حديث الأمة الظاهرة بلزوم أن يكون هؤلاء الائمة الإثنا عشر ائمة حق قائمين بأمر الله كما تصرح بذلك النصوص المتقدمة، فهم يمثلون خطاً واحداً منسجماً في خلافة رسول الله الحقيقيّة والوصاية على شريعته، خطّاً متصلاً دون انقطاع الى يوم القيامة، وهذا ما لا ينسجم بحال من الأحوال مع تأريخ خلفاء الدولة الاسلامية الذين حكموها فعلاً. لذلك فإنّ جميع الذين غفلوا عن هذه الدلالات في الحديثين المتقدمين وسعوا للعثور على مصاديق الائمة الإثني عشر في الذين وصلوا للحكم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأي طريقة كانت، تاهوا في متاهات غريبة ولم يستطيعوا تقديم مصداق معقول ينسجم مع دلالات هذه الأحاديث الشريفة ولا مع الواقع التأريخي. فتعددت آراؤهم وعمدوا الى تأويلات باردة لما صرحت به الأحاديث الشريفة الأمر الذي يتعارض بالكامل مع هدف الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من إخبار المسلمين بهؤلاء القائمين بأمر الله وهو الهداية إليهم وإرجاعهم ودعوتهم للتمسك بهم.

فأي انسجام في الخط والمنهج وتمثيل الدين الحق والصدق في التعبير عن خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الإمام عليعليه‌السلام ومعاوية، أو بين الإمام الحسينعليه‌السلام ويزيد بن معاوية لكي يعتبروهم جميعاً من هؤلاء من الخلفاء الإثني عشر الذين يقوم بهم الدين ؟ ! وكيف يمكن القول بأن أمثال يزيد بن معاوية أو الوليد بن عبدالملك يمكن أن يصدق عليهم الوصف النبوي للأمة الظاهرة والائمة الاثني عشر بأنهم على الحق وقائمين بأمر الله وخلفاء رسوله وكيف ذاك وسيرتهم شاهدة بأنهم أبعد الناس عن العلم بالدين وممثلي نهج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٧٦

هذا بعض ما يُقال بشأن المصاديق التي عرضها للائمة الإثني عشر العلماء الذين راعوا دلالة الأحاديث على اتصال سلسلة هؤلاء الائمة وأغفلوا عدم انطباق الصفات الأخرى عليهم كما لاحظنا. يُضاف الى ذلك إغفالهم لتصريح الأحاديث باستمرار وجود هؤلاء الائمة الى يوم القيامة; إذ إنّ المصاديق التي عرضوها تنتهي بإنتهاء العصر الأموي(١) !

أما الذين سعوا لمراعاة الصفات الأخرى فيمن حكموا المسلمين فقد أغفلوا دلالة الحديث على استمرار وجودهم دون انقطاع إذْ تركوا الخلفاء الذين أعقبوا معاوية الى عمر بن عبدالعزيز ليجعلوه خامس أو سادس الإثني عشر وتركوا ما بعده الى هذا أو ذاك من الخلفاء العباسيين ممن رأوهم أقرب

ـــــــــــ

(١) وهذا أضعف الآراء وأبعدها عن دلالات الحديث الشريف ورغم ذلك رجحه ابن باز في تعليقه على محاضرة الشيخ عبدالمحسن العباد عن المهدي الموعود، راجع مجلة الجامعة الاسلامية العدد الثالث، السنة الاُولى، ذو القعدة ١٣٨٨ هـ .

٧٧

الى الصفات التي يذكرها الحديث ورغم ذلك لم يكتمل العدد حتى قال السيوطي بأن المتبقي اثنان منتظران أحدهما المهدي الموعود والثاني لم يعرفه هو ولا غيره(١) !!

وما كانوا بحاجة الى كل هذه التأويلات الباردة والمتاهات المحيرة لو تدبروا بموضوعية في تلك الأحاديث الشريفة واستندوا الى مدلولاتها الواضحة التي تنطبق بالكامل على الائمة الإثني عشر من عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى القول بعدم انقطاع سلسلتهم الى يوم القيامة في ظل القول بوجود الإمام الثاني عشر المهدي الموعودعليه‌السلام وغيبته وقيامه حتى في ظل غيبته عن الأبصار بمهام حفظ الدين ولو بأساليب خفية لكنها كاملة في إتمام حجة الله على خلقه كما دلت على ذلك الأحاديث المتقدمة وتدل عليه أيضاً الأحاديث اللاحقة.

٤ ـ أحاديث عدم خلو الزمان من الإمام القرشي المنقذ من الميتة الجاهلية ، وهي أيضاً من الأحاديث الشريفة المروية من طريق الفريقين، نختار منها المروي في الكتب المعتبرة عند أهل السنة، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما وأحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم بأسانيدهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان»(٢) .

ـــــــــــ

(١) وهذا من أطرف الآراء، راجع أضواء على السنة المحمدية للشيخ محمود أبو ريّة : ٢١٢، وراجع أيضاً في مناقشة هذه الآراء ما ذكره الشيخ لطف الله الصافي في كتابه منتخب الأثر: في الهامش، ودلائل الصدق للشيخ محمد حسن المظفر، ٢: ٣١٥ وما بعدها، وما أورده الحكيم صدر الدين الشيرازي في شرح أصول الكافي : ٤٦٣ ـ ٤٧٠ من الطبعة الحجرية.

(٢) صحيح البخاري: ٩/ ٧٨، صحيح مسلم: ٣/ ١٤٥٢، مسند أحمد: ٢/ ٢٩، ٢/ ٩٣ بطريق آخر.

٧٨

وروى البخاري في تأريخه وأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وابن أبي شيبة في مسنده والطيالسي في مسنده وأبو يعلى والطبراني والبزار والهيثمي وغيرهم بألفاظ متقاربة وأسانيد عديدة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال واللفظ للطيالسي : « مَن مات بغير إمام مات ميتةً جاهلية، ومَن نزع يداً من طاعة جاء يوم القيامة لا حجة له »(١) .

وعلق ابن حبان على الحديث موضحاً معناه بقوله : قال أبو حاتم: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مات ميتة الجاهلية» معناه : مَن مات ولم يعتقد أن له إماماً يدعو الناس الى طاعة الله حتى يكون قوام الإسلام به عند الحوادث والنوازل، مقتنعاً في الإنقياد على مَن ليس نعته ما وصفنا مات ميتةً جاهلية(٢) .

معنى « الأمر » في الكتاب والسنة

إنّ الحديث الأول قد صرّح ببقاء «الأمر» في قريش ما بقي البشر على الأرض فلا تخلو الأرض من قرشي يكون له « الأمر »، فما هو المقصود من « الأمر » هنا ؟ ! وهل يمكن تفسيره بالاستلام الفعلي للحكم الظاهري للمسلمين ؟ !

الجواب: أنّ الواقع التأريخي ينفي هذا التفسير، وعلى الأقل منذ سقوط الخلافة العباسية الى اليوم لم يكن حكم المسلمين لقرشي كما هو معلوم، لذا لا يمكن تفسير « الأمر » بغير القول بمعنى الخلافة العامة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الوصاية على الدين وحفظه والدفاع عنه وهداية الخلق إليه، الأمر الذي يؤهل صاحبه لقيادة المسلمين والحكم الظاهري، فالأمر هنا هو من نوع

ـــــــــــ

(١) تاريخ البخاري: ٦/ ٤٤٥، مسند احمد: ٣/ ٤٦٦، صحيح ابن حبان: ٧/ ٤٩، مسند الطيالسي : ١٢٥٩ الحديث رقم ١٩١٣ مسند ابن أبي شيبة: ١٥/ ٣٨، المعجم الكبير للطبراني: ١٠/ ٣٥٠،مجمع الزوائد: ٢/ ٢٥٢، عن أبي يعلى والبزار والطبراني.

(٢) صحيح ابن حبان: ٧/ ٤٩.

٧٩

« الأمر » الوارد في سورة النساء في آية الطاعة، وهي قوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واوُولي الأمر منكم ) (١) ، وهي الآية الدالة على عصمة اُولي الأمر لاشتراكهم في الأمر بالطاعة مع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأن : «الله تعالى أمر بطاعة اُولي الأمر على سبيل الجزم والقطع في هذه الآية، ومَن أمر بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابد وأن يكون معصوماً عن الخطأ... كما قال الفخر الرازي في تفسيره(٢) .

فلابد أن يكون في زماننا الحاضر أيضاً قرشي يكون له « الأمر » هذا ويقوم به الدين ويتحلى بالعصمة ويخلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مهمة حفظ الدين والهداية إليه إذ لا يخلو زمان من مصداق لذلك كما ينص الحديث الشريف المتقدم، وحيث إنه لا يوجد إمام ظاهر يدعي ذلك فلابد من القول بوجوده واستتاره وغيبته وقيامه بمهمة حفظ الدين تصديقاً للحديث الشريف وهذه هي عقيدة أهل البيتعليهم‌السلام في المهدي وغيبته.

يُضاف الى ذلك أن أحاديث الخلفاء الإثني عشر قد حصرت عدد خلفاء الرسول بهذا المعنى الى يوم القيامة باثني عشر، وقد اتضحت دلالتها على وجود الإمام المهدي وغيبته، لذلك يكون حديث عدم خلو الزمان من الإمام القرشي مؤكداً لهذه الدلالة.

والدلالة نفسها يمكن التوصل إليها من أحاديث وجوب معرفة إمام الزمان وإتباعه والتي تقدم نموذج لها، حيث تنص على أن لا حجة يوم القيامة لمن عمي عن معرفته وخرج عن طاعته كما رأينا، لذا فلا مناص من

ـــــــــــ

(١) النساء (٤): ٥٩ .

(٢) التفسير الكبير: ١٠/ ١٤٤، وراجع البحث المفصل الذي أورده العلاّمة الطباطبائي في تفسير هذه الآية الكريمة ودلالاتها في تفسير الميزان: ٤/ ٣٨٧ ـ ٤٠١ .

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قال: والذي نفسي بيده لو دلى رجل بحبل حتى يبلغ أسفل الأرض السابعه لهبط على الله، ثم قال: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم.

- مجمع الزوائد ج ١ ص ٢٥١:

عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام وعد سبع سماوات، ثم العرش، وبين أرضكم والأرض الأخرى سبعمائة عام فعد سبع أرضين، فإذا أدليتم حبلاً هبط على الله.

وقالوا إنّه تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان

- روى ابن ماجه في سننه ج ١ ص ٤٤٤

... عن عائشة قالت: فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فخرجت أطلبه فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلى السماء، فقال يا عائشة أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت قد قلت: وما بي ذلك، ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب. انتهى. وروى هذه الأحاديث أحمد في مسنده ج ١ ص ١٢٠ و ص٤٠٣ و٤٤٦ وفي ج ٦ ص ٢٣٨ والبيهقي في شعب الإيمان ج ٣ ص ٣٨٠ وفي ج ٥ ص٢٧٢ والبخاري في الأدب المفرد ص ٢٠٧ وأبو داود في سننه ج ١ جزء ١ ص ٤٤٧ وابن أبي شيبة في مصنفه ج ٧ ص ١٣٩ والديلمي في فردوس الأخبار ج ١ ص ١٨٨ وص ٣٢١ وج ٥ ص٣٥٩ والبغوي في مصابيحه ج ١ ص ٤٣١ وص ٤٤٩ ومعالم التنزيل ج ٤ ص ١٤٨ والمنذري في الترغيب والترهيب ج ٣ ص ٤٦٠ والعسقلاني في تهذيب التهذيب ج ٣ ص٣١٥ وعارضة الأحوذي شرح الترمذي ج ٢ جزء ٣ ص ٢٧٥ وجامع الأحاديث القدسية من الصحاح ج ١ ص ٧٧ وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بإصبهان ج ١ ص ٢١٨ والهندي في كنز العمّال ج ٣ ص ٤٦٦ وج ١٢ ص ٣١٣ وابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٣ ص ٢٧٢ وفي لسان الميزان ج ٤ ص ٦٧ وص ٢٥٢ والمزي في تهذيب الكمال ج ٩ ص ٣٠٨.

١٢١

- وقال ابن باز في فتاوىه ج ١ ص ١٩٥:

وقد اغتر بهذا الحديث (في صلاة ليلة نصف شعبان) جماعة من الفقهاء كصاحب الإحياء وغيره، وكذا من المفسرين وقد رويت صلاة هذه الليلة أعني ليلة النصف من شعبان على أنحاء مختلفة كلها باطلة موضوعة، ولا ينافي هذا رواية الترمذي من حديث عائشة لذهابه صلى الله عليه وسلم إلى البقيع ونزول الرب ليلة النصف إلى سماء الدنيا وأنه يغفر لأكثر من عدة شعر غنم كلب، فإن الكلام إنما هو في هذه الصلاة الموضوعة في هذه الليلة، على أن حديث عائشة هذا فيه ضعف وانقطاع، كما أن حديث علي الذي تقدم ذكره في قيام ليلها لا ينافي كون هذه الصلاة موضوعة، على ما فيه من الضعف حسبما ذكرناه.

وقالوا إنّه تعالى ينزل يوم عرفة

- مصابيح السنة للبغوي ج ٢ ص ٢٥٤

- عن جابر (رض) أنه قال: قال رسول الله (ص): إذا كان يوم عرفة فإن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكه..

- ورواه المنذري في الترغيب والترهيب ج ٢ ص ١٨٧ وص ٢٠٠ وص ٢٠٤

- والديلمي في فردوس الأخبار ج ٥ ص ١٦

الإمام الرضاعليه‌السلام يلعن الذين حرّفوا حديث النزول

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٧٦

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاقرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال: حدثنا عبيد الله بن موسى أبو تراب الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضاعليه‌السلام :

يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا؟ فقالعليه‌السلام : لعن الله

١٢٢

المحرفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم كذلك، إنما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله تبارك وتعالى يُنْزِلُ مَلَكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير وليلة الجمعة في أول الليل، فيأمره فينادي: هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، يا طالب الخير أقبل، يا طالب الشر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء. حدثني بذلك أبي عن جدي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأحاديث إخواننا تؤيّد ما قاله الإمام الرضا

- قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ٣٤٣ - ٣٤٤

وإنما المعنى الصحيح للحديث والتوجيه السديد أن النازل هو ملك من الملائكة يأمره الله تعالى بأن ينادي في السماء الدنيا في وقت السحر فيما يوازي كل جزء من الكرة الأرضية طوال الأربع والعشرين ساعة، ويصح في اللغة العربية أن ينسب الفعل إلى الأمر به فتقول العرب مثلاً: غزا الملك البلدة الفلانية أي أمر وأرسل قائد جيشه بذلك، مع أنه لم يفارق قصره، ولله المثل الأعلى.

والذي يثبت هذا المعنى وينفي ما تتوهمه المجسمة وتدعو إليه أنه ورد الحديث أيضاً بروايتين صحيحتين في الدلالة على ذلك. أما الرواية الأولى: فقد روى الإمام النسائي في السنن الكبرى ٦ - ١٢٤ بإسناد صحيح وهو في عمل اليوم والليلة له المطبوع ص ٣٤٠ برقم ٤٨٢ عن سيدنا أبي سعيد الخدري وسيدنا أبي هريرةرضي‌الله‌عنهما أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر منادياً ينادي يقول: هل من داع فيستجاب له، هل من مستغفر يغفر له، هل من سائل يعطى.

وأما الرواية الثانية: فعن سيدنا عثمان بن أبي العاص الثقفي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد: هل من داع فيستجاب

١٢٣

له، هل من سائل فيعطى، هل من مكروب فيفرج عنه، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استحباب الله عز وجل له إلا زانية تسعى بفرجها، أو عشاراً. رواه أحمد ٤ - ٢٢ و ٢١٧ والبزار ٤ - ٤٤ كشف الاستار والطبراني ٩ - ٥١ وغيرهم بأسانيد صحيحة والعشار: صاحب المكس.

فهذه الأحاديث الواضحة تقرر بلا شك ولا ريب بأن النازل إلى السماء الدنيا هو ملك من الملائكة يأمره الله تعالى أن ينادي بذلك، على أن الحافظ ابن حجر حكى في الفتح ٣ - ٣٠ في شرح الحديث الأول الذي في الصحيحين أن بعض المشايخ ضبط الحديث بضم الياء في (ينزل) فيكون اللفظ هكذا: ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، أي: ينزل ملكاً كما تقدم.

وتؤيّده أحاديث فيها اطلع الله بدل ينزل

- سنن ابن ماجة ج ١ ص ٤٤٤

... عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن.

- مسند أحمد ج ٢ ص ١٧٦

عن عبد الله بن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده إلا لاثنين: مشاحن وقاتل نفس.

- كنز العمّال ج ٣ ص ٤٦٤

إن الله تعالى يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم عليه. هب عن عائشة. إذا كان ليلة النصف من شعبان إطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه (هب. عن أبي ثعلبة الخشني).... تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر الله لكل عبد مؤمن، إلا عبد بينه وبين أخيه شحناء فيقال أتركوا هذين حتى يفيئا. حم عن أبي هريرة.

١٢٤

- كنز العمّال ج ٣ ص ٤٦٦

يطلع الله تعالى إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه الا‌لمشرك أو مشاحن. حب، طب، وابن شاهين في الترغيب، هب، وابن عساكر عن معاذ... يطلع الله تعالى على خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين: مشاحناً أو قاتل نفس. حم ت عن ابن عمرو.

- كنز العمّال ج ١٢ ص ٣١٣

إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن. ه- عن أبي موسى.

وأحاديث خالية من ينزل ويصعد

- كنز العمّال ج ١٢ ص ٣١٣

إذا كان ليلة النصف من شعبان نادى مناد: هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه، فلا يسأل أحد شيئاً إلا أعطاه، إلا زانية بفرجها أو مشرك. هب عن عثمان بن أبي العاص... إذا كان ليلة النصف من شعبان يغفر الله من الذنوب أكثر من عدد شعر غنم كلب. هب عن عائشة... إن الله تعالى يغفر ليلة النصف من شعبان للمسلمين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم. ابن قانع عن أبي ثعلبة الخشني.

وادّعوا أنّ رؤية الله تعالى في المنام تدل على الإيمان

- شرح مسلم للنووي ج ٨ جزء ١٥ ص ٢٥

قال القاضي: واتفق العلماء على جواز رؤية الله تعالى في المنام وصحتها وإن رآه الإنسان على صفة لا تليق بحاله من صفات الأجسام، لأن ذلك المرئي غير ذات الله تعالى، إذ لا يجوز عليه سبحانه وتعالى التجسم، ولا اختلاف الأحوال، بخلاف رؤية النبي (ص). قال ابن الباقلاني: رؤية الله تعالى في المنام خواطر في القلب، وهي دلالات للرائي على أمور مما كان أو يكون كسائر المرئيات.

١٢٥

- تهذيب التهذيب لابن حجر ج ١١ ص ٤٣٢

يوسف الحماني عن أبيه عن يوسف بن ميمون عن ابن سيرين قال: من رأى ربه في المنام دخل الجنة!!

- تهذيب التهذيب لابن حجر ج ٣ ص ٤٥٨

عن عبد الله بن أحمد: سمعت سريح بن يونس يقول: رأيت رب العزة في المنام فقال لي: يا سريح سل حاجتك، فقلت: رحمان سر بسر. انتهى. يعني رأساً برأس! قال البخاري: مات في ربيع الآخر منه ٢٢٥.

- صفة الصفوة لابن الجوزي جزء ١ و ٢ ص ٦١٨

عن إسحاق بن إبراهيم الجيلي قال: سمعت سريج بن يونس يقول: رأيت فيما يرى النائم كأن الناس وقوف بين يدي الله وأنا في أول صفه في آخره ونحن ننظر إلى رب العزة تعالى.. إذ قال: أي شيء تريدون؟ فسكت الناس.. وجزت الصف الأول فقال: أي شيء تريد؟ فقلت رحمان سر بسر... قال تعالى قد خلقتكم ولا أعذبكم! ثم غاب في السماء فذهب.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ١٧ ص ١٦٩

سريج بن يونس بن إبراهيم... وقال عبد الله بن أحمد: سمعت سريج بن يونس يقول رأيت رب العزة من المنام فقال سل حاجتك... له حكايات شبه الكراماترحمه‌الله . وكان إماماً في السنة.

- حياة الحيوان للدميري ج ١ ص ٥١

وروى الإمام أحمد بن حنبلرضي‌الله‌عنه : أنه رأى رب العزة في المنام تسعاً وتسعين مرة فقال: إن رأيته تمام المائة لأسألنه، فرآه تمام المائة فسأله وقال: يا رب بماذا ينجو العباد يوم القيامة؟

- وقال في سيره ج ١٩ ص ١١٤

- أبوالمظفر السمعاني الإمام العلامة مفتي خراسان شيخ الشافعية أبو المظفر منصور

١٢٦

ابن محمد بن عبدالجبار بن أحمد التميمي السمعاني المروزي الحنفي ثم الشافعي... ولد سنة ست وعشرين وأربع مئة... وسمعت شهردار بن شيرويه سمعت منصور بن أحمد وسأله أبي فقال: سمعت أبا المظفر السمعاني يقول: كنت حنفياً فبدا لي وحججت، فلما بلغت سميراء رأيت رب العزة في المنام فقال لي: عد إلينا يا أبا المظفر فانتبهت وعلمت أنه يريد مذهب الشافعي فرجعت إليه!. انتهى. ورواه في تاريخ الإسلام ج ٣٣ ص ٣٢١ لكن فيه (عد يا أبا المظفر إلى الشافعية).

- شعب الإيمان للبيهقي ج ٣ ص ١٦٤

عن رقبة قال: رأيت رب العزة في المنام فقال: وعزتي لأكرمن مثوى سليمان التيمي.

- تاريخ الاسلام للذهبي ج ٩ ص ١٥٨

عن ابن مصقلة: رأيت رب العزة في المنام فقال: وعزتي وجلالي لأكرمن مثوى سليمان التيمي.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٠ ص ٤١٢

الفتح بن شخرف أبو نصر الكشي الزاهد نزيل بغداد ومن كبار مشايخ الصوفية قال ابن البربهاري: سمعت الفتح يقول: رأيت رب العزة في المنام فقال لي: يا فتح احذر لا آخذك على غرة، توفي سنة ٢٧٣ هـ، وكذا في صفوة الصفوة لابن الجوزي ج ص ٦٤٣

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢١ ص ١٩٢

صالح بن يونس... ورد عنه أنه رأى الحق في المنام، وحج على قدميه سبعين حجة... والدعاء عند قبره مستجاب.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٥ ص ٣٥٠

عبد الله بن إبراهيم بن واضح.. يقال أنه رأى الحق في النوم مرتين.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٦ ص ٣١٦

يعلي بن موسى البربري الصوفي.. رأى رب العزة في المنام...

١٢٧

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٦ ص ٦٥٠

محمد بن عبد الله بن أحمد بن ربيعة... أبو سليمان بن القاضي بن محمد الربعي روى عنه أبو نصر بن الجبان أنه رأى رب العزة في المنام...

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٧ ص ١٣٤

عن جعفر الابهري قال سمعت أبا علي القومساني يقول: رأيت رب العزة في المنام فناولني كوزين شبه القوارير، فشربت منهما وأنا أتلو هذه الآية: وسقاهم ربهم شراباً طهوراً، ورأيت رب العزة في أيام القحط فقال: يا أبا علي لا تشغل خاطرك فإنك من عيالي وعيالك عيالي وأضيافك عيالي.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٩ ص ١٨٥

أحمد بن محمد بن إبراهيم.. الثعلبي صاحب التفسير... وقد جاء عن أبي القاسم القشيري قال: رأيت رب العزة في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه فكان في أثناء ذلك أن قال الرب جل اسمه: أقبل الرجل الصالح، فالتفت فإذا أحمد الثعلبي مقبل. انتهى. ورواه في هامش معجم الأدباء للحموي ج ٣ جزء ٥ ص ٣٦، وفيه (الثعالبي).

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٩ ص ٣٨١

عبد الله بن عبدان بن محمد بن عبدان... شيخ همدان... قال شيرويه رأيت بخط بن عبدان: رأيت رب العزة في المنام فقلت له: أنت خلقت الأرض وخلقت الخلق ثم أهلكتهم، ثم خلقت خلقاً بعدهم؟ وكأني أرى أنه ارتضى كلامي ومدحي له، فقال لي كلاماً يدل على أنه يخاف عليَّ الإفتخار.. وقبره يزار ويتبرك به..

- المستطرف للإبشيهي ج ١ ص ١٤٧

وحكي أن بعضهم كان ملاحاً ببحر النيل... فبينما أنا ذات يوم في الزورق إذا بشيخ مشرق الوجه عليه مهابة فقال.. إني أريد أن أحملك أمانة قلت ما هي قال: إذا كان غداً وقت الظهر تجدني عند تلك الشجرة ميتاً وستنسى، فإذا ألهمت فأتني

١٢٨

وغسلني وكفني في الكفن الذي تجده تحت رأسي... ثم نمت فرأيت رب العزة جل جلاله في النوم فقال: يا عبدي أثقل عليك أن مننت على عبد عاص بالرجوع.

- معجم الأدباء للحموي ج ٣ جزء ٥ ص ٧٠

أبا الحسن بن سالم البصري يقول... قال: سمعت أبا بكر محمد بن مجاهد المقرىَ يقول: رأيت رب العزة في المنام فختمت عليه ختمتين فلحنت في موضعين فاغتممت، فقال: يابن مجاهد الكمال لي الكمال لي!

- مختصر تاريخ دمشق ج ٣ جزء ٥ ص ٢٠٤

قال أبو عبد الرحمن... رفيق بشر بن الحارث: رأى صاحب لنا رب العزة في النوم قبل موت بشر بقليل فقال: قل لبشر بن الحارث: لو سجدت لي على الجمر ما كنت تكافئني بما نوهت اسمك في الناس...

- مختصر تاريخ دمشق ج ٣ جزء ٦ ص ٣٤٨

قال إسحاق الحربي: بلغني أن أبا حسان الزيادي رأى رب العزة تبارك وتعالى في النوم...

- صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء ٣ و ٤ ص ٢١٤

عن رقبة قال سليمان بن طرخان: رأيت رب العزة تبارك وتعالى في النوم.

- صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء ٣ و ٤ ص ٣٥٥

قال علي بن المثنى سمعت عمي يقول: سمعت أبي يقول سمعت أبا يزيد البسطامي يقول: رأيت رب العزة تبارك وتعالى في المنام..

- الإعتصام للشاطبي ج ١ ص ٢٦٠

عن أبي يزيد السبطايي قال: رأيت ربي في المنام فقلت: كيف الطريق إليك؟ قال أترك نفسك وتعال. وشأن هذا الكلام من الشرع موجود...

١٢٩

- صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء ٣ و ٤ ص ٣٥٦

عن جعفر بن علي الترمذي: أن أحمد بن خضرويه قال: رأيت رب العزة في منامي فقال لي: يا أحمد كل الناس يطلبون مني إلا أبا يزيد البسطامي فإنه يطلبني.

- صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء ٣ و ٤ ص ٣٨٨

قال إبراهيم بن عبد الله: فرأيت الله تعالى في النوم فوقفني بين يديه.

- صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء ٣ و ٤ ص ٤٦٨

يوسف بن موسى القطان يحدث أن أبا عمرو الأوزاعي قال: رأيت رب العزة في المنام.

- المواعظ للمقريزي ج ٢ ص ٢٥٥

عن رجل من صلحاء المصريين يقال له أبو هادون الخرقي قال: رأيت الله عز وجل في منامي فقلت: يا ربي أنت تراني وتسمع كلامي قال: نعم... انتهى.

ومما يلاحظ أن أكثر الذين رأوا ربهم فى المنام، من الفرس المشبهة والمجسمة!

أمّا درجة ابن عربي وأمثاله فهي أكبر من الرؤية في المنام

- مذاهب التفسير الإسلامي لجولد تسيهر ص ٢٣٩

وقد عرض ابن عربي تعاليمه.. بأنه استمد علمه لا من فم الرسول الذي ظهر له، ولا من الملائكة فحسب، بل من كلام الله المباشر الذي حظى به تكراراً. فهو يتحدث كثيراً عن لقائه مع الله سبحانه.. إني رأيت الحق في النوم مرتين وهو يقول لي: إنصح عبادي!! انتهى.

وقد ادعى ابن عربي لنفسه مقامات الأنبياء وأوصيائهم، ودوّن ذلك فى كتبه!!

- كرامات الأولياء للنبهاني ج ١ ص ٥٨٨

إسماعيل الأنبابي: كان يطلع على اللوح المحفوظ فيقول: يقع كذا، فلا يخطئ!

١٣٠

- مقالات الإسلاميين للأشعري ج ١ ص ٢٨٩

وفيهم (يعني النساك) من يزعم أن العبادة تبلغ بهم أن يروا الله سبحانه، ويأكلوا من ثمار الجنة، ويعانقوا الحور العين في الدنيا، مُنَاوَلَةً.

- ونختم بما جاء في هامش تاريخ الإسلام للذهبي ج ٣٨ ص ١٣٥

قال أبو محمد العكبري رأيت رسول الله (ص) في المنام فقلت يا رسول الله إمسح بيدك عيني فإنها تؤلمني فقال: إذهب إلى نصر بن العطار يمسح عينك... هذا نصر قد صافحته يد الحق. انتهى.

لكن الإمام الصادق تشاءم من صاحب هذه الرؤية

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٢

عن إبراهيم الكرخي قال: قلت للصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام : إن رجلاً رأى ربه عز وجل في منامه فما يكون ذلك؟ فقال: ذلك رجل لا دين له، إن الله تبارك وتعالى لا يرى في اليقظة ولا في المنام، ولا في الدنيا ولا في الآخرة.

بيان: لعل المراد أنه كذب في تلك الرؤيا، أو أنه لما كان مجسماً تخيل له ذلك،

أو أن هذه الرؤيا من الشيطان، وذكرها يدل على كونه معتقداً للتجسيم.

- وقال النيشابوري في روضة الواعظين ص ٣٣

وقيل لهعليه‌السلام : إن رجلاً رأى ربه في منامه فما يكون ذلك فقال: ذلك رجل لا دين له، إن الله تعالى لا يرى في اليقظة ولا في المنام، ولا في الدنيا ولا في الآخرة.

١٣١

الفصل الرابع

خلاصة اعتقادنا في التنزيه ونفي التشبيه

العقل والآيات والأحاديث تنفي إمكان رؤية الله تعالى بالعين

نعتقد نحن الشيعة بأن الله تعالى لا يمكن أن يرى بالعين لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأنه ليس كمثله شيء، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، ولا يحيطون به علماً.. إلى آخر الآيات الصريحة بأنه تعالى لا يمكن أن يرى بالعين، بل يرى بالعقل والقلب وهي أعمق وأصح من رؤية العين.

وقد استدل أئمتناعليهم‌السلام وعلماؤنارضي‌الله‌عنهم ، على نفي التجسيم والرؤية بالكتاب والسنة والعقل.. واعتبروا أن ذلك من أصول مذهبنا، بل هو كالبديهيات حتى عند عوامنا.

وستعرف أن القول برؤية الله تعالى جاءت من تأثر المسلمين باليهود والنصارى والمجوس، وأن أهل البيتعليهم‌السلام وجمهور الصحابة وقفوا في وجه ذلك، وكذبوا نسبة الرؤية بالعين إلى الإسلام، وكل ما تستلزمه من التشبيه والتجسيم، ولكن موجة التشبيه والتجسيم غلبت.. لأن دولة الخلافة تبنتها!

١٣٢

والدليل البسيط على نفي إمكان رؤية الله تعالى بالعين أن ما تراه العين لابد أن يكون موجوداً داخل المكان والزمان، والله تعالى وجود متعال على الزمان والمكان، لأنه خلقهما وبدأ شريطهما من الصفر والعدم، فكيف نفترضه محدوداً بهما خاضعاً لقوانينهما!

لقد تعودت أذهاننا أن تعمل داخل الزمان والمكان، حتى ليصعب عليها أن تتصور موجوداً خارج قوانين الزمان والمكان، وحتى أننا نتصور خارج الفضاء والكون بأنه فضاء! وهذه هي طبيعة الإنسان قبل أن يكبر ويطلع، وقد ورد أن النملة تتصور أن لربها قرنين كقرنيها!

لكن مع ذلك فإن عقل الإنسان يدرك أن الوجود لا يجب أن يكون محصوراً بالمكان والزمان، وأن بإمكان الإنسان أن يرتقي في إدراكه الذهني فيدرك ما هو أعلى من الزمان والمكان ويؤمن به، وإن عرف أنه غير قابل للرؤية بالعين.

وهذا الإرتقاء الذهني هو المطلوب منا نحن المسلمين بالنسبة إلى وجود الله تعالى، لا أن نجره إلى محيط وجودنا ومألوف أذهاننا، كما فعل اليهود عندما شبهوه بخلقه وادعوا تجسده في عزيرعليه‌السلام وغيره، وكما فعل النصارى فشبهوه بخلقه وادعوا تجسده بالمسيحعليه‌السلام وغيره!!

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يعلّم الأُمّة التوحيد

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٠٧

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكلرحمه‌الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عن آبائهعليهم‌السلام قال: مر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل وهو رافع بصره إلى السماء يدعو، فقال له رسول: غض بصرك، فإنك لن تراه.

١٣٣

وقال: ومر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل رافع يديه إلى السماء وهو يدعو، فقال رسول الله: أقصر من يديك، فإنك لن تناله.

- الكافي ج ١ ص ٩٣

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن علي، عن اليعقوبي، عن بعض أصحابنا، عن عبدالأعلى مولى آل سام، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : قال إن يهودياً يقال له سبحت، جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله جئت أسألك عن ربك، فإن أنت أجبتني عما أسألك عنه، وإلا رجعت؟

قال: سل عما شئت.

قال: أين ربك؟

قال: هو في كل مكان، وليس في شيء من المكان المحدود.

قال: وكيف هو؟

قال: وكيف أصف ربي بالكيف والكيف مخلوق، والله لا يوصف بخلقه.

قال: فمن أين يعلم أنك نبي الله؟

قال: فما بقي حوله حجر ولا غير ذلك إلا تكلم بلسان عربي مبين: يا سبحت إنه رسول الله!

فقال سبحت: ما رأيت كاليوم أمراً أبين من هذا!

ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

ويعلّمنا أنّ أقصى ما يمكن أن يراه الإنسان نور عظمة الله

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٨

يد: أبي، عن محمد العطار، عن ابن عيسى، عن البزنطي، عن الرضاعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيلعليه‌السلام مكاناً لم يطأه جبرئيل قط، فكُشِفَ لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.

١٣٤

عليعليه‌السلام يثبت مشاهدة القلوب وينفي مشاهدة العيان

- نهج البلاغة ج ٢ ص ٩٩

١٧٩ ومن كلام لهعليه‌السلام وقد سأله ذعلب اليماني فقال: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟

فقالعليه‌السلام :أفأعبد ما لا أرى !

فقال: وكيف تراه!

فقال:لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء غير ملامس، بعيد منها غير مباين، متكلم لا بروية، مريد لا بهمة، صانع لا بجارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء، كبير لا يوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسة، رحيم لا يوصف بالرقة، تعنو الوجوه لعظمته، وتجب القلوب من مخافته .

- ورواه في بحار الأنوار ج ٤ ص ٢٧ عن:

يد، لي: القطان والدقاق والسناني، عن ابن زكريا القطان، عن محمد بن العباس، عن محمد بن أبي السري، عن أحمد بن عبد الله بن يونس، عن ابن طريف، عن الأصبغ في حديث قال: قام إليه رجل يقال له ذعلب فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ فقال:ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد رباً لم أره . قال: فكيف رأيته صفه لنا. قال:ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان. ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون، ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعِظَم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة، قائل لا بلفظ، هو في الأشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شيء ولا يقال شيء فوقه، أمام كل شيء ولا يقال له أمام، داخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل، وخارج منها لا كشيء من شيء خارج .. فخر ذعلب مغشياً عليه.... الخبر.

١٣٥

لم يحلل في الأشياء.... ولم ينأ عنها

- نهج البلاغة ج ١ ص ١١٢

٦٥ ومن خطبة لهعليه‌السلام :الحمد لله الذي لم يسبق له حال حالاً. فيكون أولاً قبل أن يكون آخراً. ويكون ظاهراً قبل أن يكون باطناً. كل مسمى بالوحدة غيره قليل، وكل عزيز غيره ذليل، وكل قوي غيره ضعيف، وكل مالك غيره مملوك، وكل عالم غيره متعلم، وكل قادر غيره يقدر ويعجز، وكل سميع غيره يصمُّ عن لطيف الأصوات ويصمه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الألوان ولطيف الأجسام، وكل ظاهر غيره باطن، وكل باطن غيره غير ظاهر.

لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان، ولا تخوف من عواقب زمان، ولا استعانة على ند مثاور، ولا شريك مكاثر، ولا ضد منافر، ولكن خلائق مربوبون، وعباد داخرون.

لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن.

لم يؤده خلق ما ابتدأ، ولا تدبير ما ذرأ، ولا وقف به عجز عما خلق، ولا ولجت عليه شبهة فيما قدر، بل قضاء متقن وعلم محكم، وأمر مبرم. المأمول مع النقم، والمرهوب مع النعم....

لا تقدّر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك

- نهج البلاغة ج ١ ص ١٦٠

٩١ ومن خطبة لهعليه‌السلام تعرف بخطبة الأشباح وهي من جلائل خطبهعليه‌السلام وكان سأله سائل أن يصف الله حتى كأنه يراه عياناً، فغضبعليه‌السلام لذلك:

الحمد لله الذي لا يَفِرُهُ المنع والجمود، ولا يكديه الإعطاء والجود، إذ كل معط منتقص سواه، وكل مانع مذموم ما خلاه، وهو المنان بفوائد النعم، وعوائد المزيد والقسم. عياله الخلق، ضمن أرزاقهم وقدر أقواتهم، ونهج سبيل الراغبين إليه، والطالبين ما لديه، وليس بما سئل بأجود منه بما لم يسأل.

١٣٦

الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شيء بعده، والرادع أناسيَّ الأبصار عن أن تناله أو تدركه.

ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال، ولا كان في مكان فيجوز عليه الإنتقال، ولو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف البحار، من فلز اللجين والعقيان، ونثارة الدر وحصيد المرجان، ما أثر ذلك في جوده، ولا أنفد سعة ما عنده، ولكان عنده من ذخائر الأنعام ما لا تنفده مطالب الأنام، لأنه الجواد الذي لا يغيضه سؤال السائلين، ولا يبخله إلحاح الملحين.

فانظر أيها السائل فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به، واستضيء بنور هدايته، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه، ولا في سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمة الهدى أثره، فكل علمه إلى الله سبحانه، فإن ذلك منتهى حق الله عليك.

واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً. فاقتصر على ذلك، ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين.

هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته، وحاول الفكر المبرأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته، وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته، وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته، دعاها وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه، فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بجور الإعتساف كنه معرفته، ولا تخطر ببال أولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته.

الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله، ولا مقدار احتذى عليه، من خالق معهود كان قبله. وأرانا من ملكوت قدرته، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته،

١٣٧

واعتراف لحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قدرته، ما دلنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته، وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته، وأعلام حكمته، فصار كل ما خلق حجة له ودليلاً عليه، وإن كان خلقاً صامتاً فحجته بالتدبير ناطقة، ودلالته على المبدع قائمة.

فأشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك، وتلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك، لم يعقد غيب ضميره على معرفتك، ولم يباشر قلبه اليقين بأنه لا ند لك، وكأنه لم يسمع تبرأ التابعين من المتبوعين إذ يقولون: تالله إن كنا لفي ضلال مبين، إذ نسويكم برب العالمين.

كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزأوك تجزئة المجسمات بخواطرهم، وقدروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم. وأشهد أن من ساواك بشيء من خلقك فقد عدل بك، والعادل بك كافر بما تنزلت به محكمات آياتك، ونطقت عنه شواهد حجج بيناتك. وأنك أنت الله الذي لم تتناه في العقول فتكون في مهب فكرها مكيفاً، ولا في رويات خواطرها فتكون محدوداً مصرفاً.

- وروى هذه الخطبة الصدوق في التوحيد ص ٤٨ فقال:

١٣٩ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاقرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني علي بن العباس، قال: حدثني إسماعيل بن مهران الكوفي، عن إسماعيل بن إسحاق الجهني، عن فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: بينما أمير المؤمنينعليه‌السلام يخطب على المنبر بالكوفة إذ قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا ربك تبارك وتعالى لنزداد له حباً وبه معرفة، فغضب أمير المؤمنينعليه‌السلام ونادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله، ثم قام متغير اللون فقال.... كما في نهج البلاغة بتفاوت في بعض الكلمات.

١٣٨

لا تدركه الشواهد ولا تحويه المشاهد

- نهج البلاغة ج ٢ ص ١١٥

١٨٥ ومن خطبة لهعليه‌السلام :الحمد الله الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر، الدال على قدمه بحدوث خلقه، وبحدوث خلقه على وجوده، وباشتباههم على أن لا شبه له.

الذي صدق في ميعاده، وارتفع عن ظلم عباده، وقام بالقسط في خلقه، وعدل عليهم في حكمه. مستشهد بحدوث الأشياء على أزليته، وبما وسمها به من العجز على قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه.

واحد لا بعدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد. تتلقاه الأذهان لا بمشاعرة، وتشهد له المرائي لا بمحاضرة. لم تحط به الأوهام بل تجلى لها، وبها امتنع منها، وإليها حاكمها.

ليس بذي كبر امتدت به النهايات فكبرته تجسيماً، ولا بذي عظم تناهت به الغايات فعظمته تجسيداً. بل كبر شأناً، وعظم سلطاناً.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصفي، وأمينه الرضيصلى‌الله‌عليه‌وآله . أرسله بوجوب الحجج، وظهور الفلج، وإيضاح المنهج، فبلغ الرسالة صادعاً بها، وحمل على المحجة دالاً عليها، وأقام أعلام الإهتداء ومنار الضياء، وجعل أمراس الإسلام متينة، وعرى الإيمان وثيقة.

- نهج البلاغة ج ٢ ص ١١٦

١٨٦ ومن خطبة لهعليه‌السلام في التوحيد، وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة:

ما وحّده من كيّفه، ولا حقيقته أصاب من مثّله، ولا إياه عنى من شبهه، ولا صمده من أشار إليه وتوهمه.

١٣٩

فاعل لا باضطراب آلة، مقدر لا بجول فكرة، غني لا باستفادة، لا تصحبه الأوقات، ولا ترفده الأدوات، سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والإبتداء أزله.

بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبمضادته بين الأمور عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له. ضاد النور بالظلمة، والوضوح بالبهمة، والجمود بالبلل، والحرور بالصرد، مؤلف بين متعادياتها، مقارن بين متبايناتها، مقرب بين متباعداتها، مفرق بين متدانياتها.

لا يشمل بحد، ولا يحسب ببعد، وإنما تحد الأدوات أنفسها، وتشير الآلة إلى نظائرها، منعتها منذ القدمية، وحمتها قد الأزلية، وجنبتها لولا التكملة. بها تجلى صانعها للعقول، وبها امتنع عن نظر العيون.

لا يجري عليه السكون والحركة، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، ويعود فيه ما هو أبداه، ويحدث فيه ما هو أحدثه، إذن لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولكان له وراء إذ وجد له أمام، ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان. وإذا لقامت آية المصنوع فيه، ولتحول دليلاً بعد أن كان مدلولاً عليه، وخرج بسلطان الإمتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره.

الذي لا يحول ولا يزول، ولا يجوز عليه الأفول، ولم يلد فيكون مولوداً، ولم يولد فيصير محدوداً. جل عن اتخاذ الأبناء، وطهر عن ملامسة النساء. لا تناله الأوهام فتقدره، ولا تتوهمه الفطن فتصوره، ولا تدركه الحواس فتحسه، ولا تلمسه الأيدي فتمسه.

لا يتغير بحال، ولا يتبدل بالأحوال، ولا تبليه الليالي والأيام، ولا يغيره الضياء والظلام. ولا يوصف بشيء من الأجزاء، ولا بالجوارح والأعضاء، ولا بعرض من الأعراض، ولا بالغيرية والأبعاض، ولا يقال له حد ولا نهاية، ولا انقطاع ولا غاية، ولا أن الأشياء تحويه، فتقله أو تهويه، أو أن شيئاً يحمله فيميله أو يعدله.

ليس في الأشياء بوالج، ولا عنها بخارج، يخبر لا بلسان ولهوات، ويسمع لا بخروق وأدوات. يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يتحفظ، ويريد ولا يضمر.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434