العقائد الإسلامية الجزء ٢

العقائد الإسلامية9%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 434

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 231452 / تحميل: 6004
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة. يقول لمن أراد كونه كن فيكون. لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً.

لا يقال كان بعد أن لم يكن، فتجري عليه الصفات المحدثات، ولا يكون بينها وبينه فصل، ولا له عليها فضل، فيستوي الصانع والمصنوع، ويتكافأ المبتدئ والبديع.

خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه، وأنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال، وأرساها على غير قرار، وأقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم، وحصنها من الأود والإعوجاج، ومنعها من التهافت والإنفراج. أرسى أوتادها، وضرب أسدادها، واستفاض عيونها، وخد أوديتها، فلم يهن ما بناه، ولا ضعف ما قواه.

هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته، والعالي على كل شيء منها بجلاله وعزته، لا يعجزه شيء منها طلبه، ولا يمتنع عليه فيغلبه، ولا يفوته السريع منها فيسبقه، ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه.

خضعت الأشياء له، وذلت مستكينة لعظمته، لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضره، ولا كفؤ له فيكافئه، ولا نظير له فيساويه.

هو المفني لها بعد وجودها، حتى يصير موجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها.

أوّل الدين معرفته.... وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه

- نهج البلاغة ج ١ ص ١٤

ومن خطبة لهعليه‌السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم:

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون. الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس

١٤١

لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور مَيَدَان أرضه..

أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلى منه.

كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به، ولا يستوحش لفقده.

أنشأ الخلق إنشاء، وابتدأه ابتداء، بلا رَوِيَّةً أجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها، أحال الأشياء لأوقاتها، ولاءم بين مختلفاتها، وغرز غرائزها، وألزمها أشباحها، عالماً بها قبل ابتدائها، محيطاً بحدودها وانتهائها، عارفاً بقرائنها وأحنائها.

ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء، وشق الأرجاء، وسكائك الهواء، فأجرى فيها ماء متلاطماً تياره، متراكماً زخاره، حمله على متن الريح العاصفة، والزعزع القاصفة، فأمرها برده، وسلطها على شده، وقرنها إلى حده، الهواء من تحتها فتيق، والماء من فوقها دفيق.

ثم أنشأ سبحانه ريحاً اعتقم مهبهاً، وأدام مربها، وأعصف مجراها، وأبعد منشاها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار، وإثارة موج البحار، فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله إلى آخره، وساجيه إلى مائره، حتى عب عُبَابُه، ورمى بالزبد ركامه، فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق، فسوى منه سبع

١٤٢

سموات، جعل سفلاهن موجاً مكفوفاً، وعلياهن سقفاً محفوظاً، وسمكاً مرفوعاً، بغير عمد يدعمها، ولا دسار ينظمها.

ثم زينها بزينة الكواكب، وضياء الثواقب، وأجرى فيها سراجاً مستطيراً، وقمراً منيراً، في فلك دائر، وسقف سائر، ورقيم مائر، ثم فتق ما بين السموات العلا، فملأهن أطواراً من ملائكته، منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافون لا يتزايلون، ومسبحون لا يسأمون، لا يغشاهم نوم العين، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان، ولا غفلة النسيان. ومنهم أمناء على وحيه، وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره. ومنهم الحفظة لعباده، والسدنة لأبواب جنانه. ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناكسة دونه أبصارهم، متلفعون تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة، لا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحدونه بالأماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر.

ثم جمع سبحانه من حَزْن الأرض وسهلها، وعذبها وسبخها، تربة سنَّها بالماء حتى خلصت، ولاطها بالبلة حتى لزبت، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول، وأعضاء وفصول، أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتى صلصلت، لوقت معدود، وأمد معلوم، ثم نفخ فيها من روحه، فمثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها، وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلبها، ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل، والأذواق والمشام، والألوان والأجناس. معجوناً بطينة الألوان المختلفة، والأشباه المؤتلفة، والأضداد المتعادية، والأخلاط المتباينة، من الحر والبرد، والبلة والجمود، واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم، وعهد وصيته إليهم، في الإذعان بالسجود له، والخشوع لتكرمته....

١٤٣

كان المسلمون يعرفون قيمة الجواهر فيكتبونها

- التوحيد للشيخ الصدوق ص ٣١

حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر وغيره، عن عمرو بن ثابت، عن رجل سماه، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام يوماً خطبة بعد العصر، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله، قال أبو إسحاق فقلت للحارث: أو ما حفظتها قال: قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه:

الحمد لله الذي لا يموت، ولا تنقضي عجائبه، لأنه كل يوم في شأن، من إحداث بديع لم يكن. الذي لم يولد فيكون في العز مشاركاً، ولم يلد فيكون موروثاً هالكاً، ولم تقع عليه الأوهام فتقدره شبحاً ماثلاً، ولم تدركه الأبصار فيكون بعد انتقالها حائلاً، الذي ليست له في أوليته نهاية، ولا في آخريته حد ولا غاية، الذي لم يسبقه وقت، ولم يتقدمه زمان، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان، ولم يوصف بأين ولا بمكان، الذي بطن من خفيات الأمور، وظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير. الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا بنقص، بل وصفته بأفعاله، ودلت عليه بآياته، ولا تستطيع عقول المتفكرين جحده، لأن من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن هو الصانع لهن، فلا مدفع لقدرته.

الذي بان من الخلق فلا شيء كمثله. الذي خلق الخلق لعبادته وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم، وقطع عذرهم بالحجج، فعن بينة هلك من هلك وعن بينة نجا من نجا. ولله الفضل مبدئاً ومعيدا....

الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد، والمرتدي بالجلال بلا تمثل، والمستوي على العرش بلا زوال، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم، ليس له حد ينتهي إلى حده، ولا له مثل فيعرف بمثله، ذل من

١٤٤

تجبر غيره، وصغر من تكبر دونه، وتواضعت الأشياء لعظمته، وانقادت لسلطانه وعزته، وكلت عن إدراكه طروف العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق، الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء، ولا يعدله شيء، الظاهر على كل شيء بالقهر له، والمشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها، ولا تلمسه لامسة ولا تحسه حاسة، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم. أتقن ما أراد خلقه من الأشياء كلها بلا مثال سبق إليه، ولا لغوب دخل عليه، في خلق ما خلق .... إلى آخر الخطبة.

أمير المؤمنين يردّ على تجسيم اليهود

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ٧٧

حدثنا أبوسعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر المعروف بأبي سعيد المعلم بنيسابور، قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، قال حدثنا علي ابن سلمة الليفي، قال حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبد الله، عن عبد الله بن طلحة بن هجيم، قال حدثنا أبو سنان الشيباني سعيد بن سنان، عن الضحاك، عن النزال بن سبرة قال: جاء يهودي إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين متى كان ربنا؟ قال فقال له عليعليه‌السلام : إنما يقال: متى كان لشيء لم يكن فكان، وربنا تبارك وتعالى هو كائن بلا كينونة كائن، كان بلا كيف يكون، كائن لم يزل بلا لم يزل، وبلا كيف يكون، كان لم يزل ليس له قبل، هو قبل القبل بلا قبل وبلا غاية ولا منتهى، غاية ولا غاية إليها، غاية انقطعت الغايات عنه، فهو غايه كل غاية.

أخبرني أبوالعباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي فيما أجازه لي بهمدان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة قال: حدثنا محمد بن سهل يعني العطار البغدادي لفظاً من كتابه سنة خمس وثلاثمائة قال: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي قال: حدثني عمارة بن زيد، قال: حدثني عبد الله بن العلاء قال: حدثني صالح بن سبيع، عن عمرو بن محمد بن صعصعة بن صوحان قال: حدثني أبي، عن أبي المعتمر مسلم بن أوس قال: حضرت مجلس عليعليه‌السلام في جامع الكوفة فقام إليه رجل مصفر

١٤٥

اللون كأنه من متهودة اليمن فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه، فسبح عليعليه‌السلام ربه وعظمه عز وجل وقال:

الحمد لله الذي هو أول بلا بدء مما، ولا باطن فيما، ولا يزال مهما، ولا ممازج مع ما، ولا خيال وهما، ليس بشبح فيرى، ولا بجسم فيتجزى، ولا بذي غاية فيتناهى، ولا بمحدث فيبصر، ولا بمستتر فيكشف، ولا بذي حجب فيحوى.

كان ولا أماكن تحمله أكنافها، ولا حملة ترفعه بقوتها، ولا كان بعد أن لم يكن، بل حارت الأوهام أن تكيف المكيف للأشياء ومن لم يزل بلا مكان، ولا يزول باختلاف الأزمان، ولا ينقلب شاناً بعد شان.

البعيد من حدس القلوب، المتعالي عن الأشياء والضروب، والوتر علام الغيوب، فمعاني الخلق عنه منفية، وسرائرهم عليه غير خفية، المعروف بغير كيفية، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، ولا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفكار، ولا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، فكل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود، وكيف يوصف بالأشباح، وينعت بالألسن الفصاح، من لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن، ولم يخل منها فيقال أين، ولم يقرب منها بالإلتزاق، ولم يبعد عنها بالإفتراق، بل هو في الأشياء بلا كيفية، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وأبعد من الشبه من كل بعيد.

لم يخلق الأشياء من أصول أزلية، ولا من أوائل كانت قبله بدية،بل خلق ما خلق، وأتقن خلقه، وصور ما صور، فأحسن صورته، فسبحان من توحد في علوه، فليس لشيء منه امتناع، ولا له بطاعة أحد من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائكة له في السماوات والأرض مطيعة، كلم موسى تكليماً بلا جوارح وأدوات، ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالى عن الصفات، فمن زعم أن إله الخلق محدود، فقد جهل الخالق المعبود .... والخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة.. انتهى.

وقد تقدم في الفصل الأول رده على كعب الأحبار فى مجلس الخليفة عمر.

١٤٦

ويوجّه المسلمين إلى التفكّر في عظمة المخلوقات فيصف الطاووس

- نهج البلاغة ج ٢ ص ٧٠

١٦٥ ومن خطبة لهعليه‌السلام يذكر فيها عجيب خلقة الطاووس:

ابتدعهم خلقاً عجيباً من حيوان وموات، وساكن وذي حركات، فأقام من شواهد البينات على لطيف صنعته وعظيم قدرته، ما انقادت له العقول معترفة به ومسلمة له، ونعقت في أسماعنا دلائله على وحدانيته.

وما ذرأ من مختلف صور الأطيار، التي أسكنها أخاديد الأرض وخروق فجاجها، ورواسي أعلامها، من ذات أجنحة مختلفة، وهيئات متباينة، مصرفة في زمان التسخير، ومرفرفة بأجنحتها في مخارق الجو المنفسح، والفضاء المنفرج.

كَوَّنها بعد أن لم تكن، في عجائب صور ظاهرة، وركبها في حقاق مفاصل محتجبة، ومنع بعضها بعبالة خلقة، أن يسمو في السماء خفوفاً، وجعله يدف دفيفاً، ونسقها على اختلافها في الأصابيغ بلطيف قدرته، ودقيق صنعته، فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه، ومنها مغموس في لون صبغ قد طوق بخلاف ما صبغ به، ومن أعجبها خلقاً الطاووس الذي أقامه في أحكم تعديل، ونضد ألوانه في أحسن تنضيد، بجناح أشرج قصبه، وذنب أطال مسحبه.

إذا درج إلى الأنثى نشره من طيه، وسما به مطلاً على رأسه، كأنه قلع داري عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ، يختال بألوانه، ويميس بزيفانه، يفضي كإفضاء الديكة، وَيُؤرُّ بملاقحة أرَّ الفحول المغتلمة للضراب الضراب.

أحيلك من ذلك على معاينة، لا كمن يحيل على ضعيف إسناده، ولو كان كزعم من يزعم أنه يلقح بدمعة تسفحها مدامعه، فتقف في ضفتي جفونه، وأن أنثاه تطعم ذلك، ثم تبيض لا من لقاح فحل، سوى الدمع المنبجس، لما كان ذلك بأعجب من مطاعمة الغراب.

تخال قصبه مداري من فضة، وما أنبت عليها من عجيب داراته، وشموسه

١٤٧

خالص العقيان، وفلذ الزبرجد، فإن شبهته بما أنبتت الأرض قلت: جني جني من زهرة كل ربيع، وإن ضاهيته بالملابس فهو كموشى الحلل، أو مونق عصب اليمن، وإن شاكلته بالحلي فهو كفصوص ذات ألوان قد نطقت باللجين المكلل.

يمشي مشي المرح المختال، ويتصفح ذنبه وجناحيه فيقهقه ضاحكاً لجمال سرباله، وأصابيغ وشاحه، فإذا رمى ببصره إلى قوائمه، زقا معولاً بصوت يكاد يبين عن استغاثته، ويشهد بصادق توجعه، لأن قوائمه حمش كقوائم الديكة الخلاسية، وقد نجمت من ظنبوب ساقه صيصية خفية.

وله في موضع العرف قنزعة خضراء موشاة، ومخرج عنقه كالإبريق، ومغرزها إلى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية، أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال، وكأنه متلفع بمعجر أسحم، إلا أنه يخيل لكثرة مائه وشدة بريقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به، ومع فتق سمعه خط كمستدق القلم في لون الأقحوان، أبيض يقق، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق، وقل صبغ إلا وقد أخذ منه بقسط، وعلاه بكثرة صقاله وبريقه، وبصيص ديباجه ورونقه، فهو كالأزاهير المبثوثة لم تربها أمطار ربيع، ولا شموس قيظ، وقد يتحسر من ريشه، ويعرى من لباسه، فيسقط تترى، وينبت تباعاً، فينحت من قصبه انحتات أوراق الأغصان، ثم يتلاحق نامياً حتى يعود كهيئته قبل سقوطه، لا يخالف سالف ألوانه، ولا يقع لون في غير مكانه.

وإذا تصفحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية، وتارة خضرة زبرجدية، وأحياناً صفرة عسجدية.

فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن، أو تبلغه قرائح العقول، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين! وأقل أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه، والألسنة أن تصفه، فسبحان الذي بهر العقول عن وصف خلق جلاه للعيون، فأدركته محدوداً مكوناً، ومؤلفاً ملوناً، وأعجز الألسن عن تلخيص صفته، وقعد بها عن تأدية نعته.

وسبحان من أدمج قوائم الذرة والهمجة، إلى ما فوقهما من خلق الحيتان والأفيلة،

١٤٨

ووأى على نفسه أن لا يضطرب شبح مما أولج فيه الروح، إلا وجعل الحمام موعده، والفناء غايته...

ويصف النملة والجرادة

- نهج البلاغة ج ٢ ص ١١٥

١٨٥ ومن خطبة لهعليه‌السلام :.... ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة، لرجعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق، ولكن القلوب عليلة، والبصائر مدخولة.

ألا تنظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه، وأتقن تركيبه، وفلق له السمع والبصر، وسوى له العظم والبشر. أنظروا إلى النملة في صغر جثتها، ولطافة هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر، كيف دبت على أرضها، وصبت على رزقها، تنقل الحبة إلى جحرها، وتعدها في مستقرها، تجمع في حرها لبردها، وفي وردها لصدرها، مكفولة برزقها، مرزوقة بوفقها، لا يغفلها المنان، ولا يحرمها الديان، ولو في الصفا اليابس، والحجر الجامس.

ولو فكرت في مجاري أكلها، في علوها وسفلها، وما في الجوف من شراسيف بطنها، وما في الرأس من عينها وأذنها، لقضيت من خلقها عجباً، ولقيت من وصفها تعبا. فتعالى الذي أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها، لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه في خلقها قادر.

ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته، ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة، لدقيق تفصيل كل شيء، وغامض اختلاف كل حي، وما الجليل واللطيف، والثقيل والخفيف، والقوي والضعيف، في خلقه إلا سواء، وكذلك السماء والهواء، والرياح والماء. فانظر إلى الشمس والقمر، والنبات والشجر، والماء والحجر، واختلاف هذا الليل والنهار، وتفجر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال، وتفرق هذه اللغات، والألسن المختلفات.

١٤٩

فالويل لمن جحد المقدر وأنكر المدبر. زعموا أنهم كالنبات ما لهم زارع، ولا لاختلاف صورهم صانع، ولم يلجؤوا إلى حجة فيما ادعوا، ولا تحقيق لما أوعوا. وهل يكون بناء من غير بان، أو جناية من غير جان.

وإن شئت قلت في الجرادة، إذ خلق لها عينين حمراوين، وأسرج لها حدقتين قمراوين، وجعل لها السمع الخفي، وفتح لها الفم السوي، وجعل لها الحس القوي، ونابين بهما تقرض، ومنجلين بهما تقبض، يرهبها الزراع في زرعهم، ولا يستطيعون ذبها ولو أجلبوا بجمعهم، حتى ترد الحرث في نزواتها، وتقضي منه شهواتها، وخلقها كله لا يكون إصبعاً مستدقة.

فتبارك الله الذي يسجد له من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً، ويعفرِّ له خداً ووجهاً، ويلقى إليه بالطاعة سلماً وضعفاً، ويعطى له القياد رهبة وخوفاً، فالطير مسخرة لأمره، أحصى عدد الريش منها والنفس، وأرسى قوائمها على الندى واليبس، وقدر أقواتها، وأحصى أجناسها، فهذا غراب، وهذا عقاب، وهذا حمام، وهذا نعام. دعا كل طائر باسمه، وكفل له برزقه، وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها، وعدد قسمها، فبلَّ الأرض بعد جفوفها، وأخرج نبتها بعد جدوبها.

عليعليه‌السلام مؤسّس علم التوحيد

- أمالي المرتضى ج ١ ص ١٠٣

إعلم أن أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وخطبه، وأنها تتضمن من ذلك ما لا مزيد عليه ولا غاية وراءه، ومن تأمل المأثور في ذلك من كلامه، علم أن جميع ما أسهب المتكلمون من بعد في تصنيفه وجمعه، إنما هو تفصيل لتلك الجمل، وشرح لتلك الأصول.

وروي عن الأئمة من أبناءهعليهم‌السلام من ذلك ما لا يكاد يحاط به كثرة، ومن أحب الوقوف عليه وطلبه من مظانه أصاب منه الكثير الغزير، الذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة،

١٥٠

ونتاج للعقول العقيمة، ونحن نقدم على ما نريد ذكره شيئاً مما روي عنهم في هذا الباب. فمن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وهو يصف الله تعالى:

بمضادته بين الأشياء علم أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور علم أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والخشونة بالليل، واليبوسة بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بين متباعداتها، مفرق بين متدانياتها.

وروي عنهعليه‌السلام أنه سئل: بم عرفت ربك؟ فقال: بما عرفني به. قيل: وكيف عرفك؟ قال: لا تشبهه صورة، ولا يحس بالحواس، ولا يقاس بقياس الناس.

وقيل لهعليه‌السلام : كيف يحاسب الله الخلق؟ قال: كما يرزقهم. فقيل كيف يحاسبهم ولا يرونه؟ فقال: كما يرزقهم ولا يرونه.

وسأله رجل فقال: أين كان ربك قبل أن يخلق السماء والأرض؟ فقال: أين سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان.

الإمام زين العابدينعليه‌السلام ينظم زبور آل محمد

- قالعليه‌السلام في أدعيته المعروفة بالصحيفة السجادية، الدعاء الأول:

الحمد لله الأول بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين، ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً، واخترعهم على مشيته اختراعاً، ثم سلك بهم طريق إرادته، وبعثهم في سبيل محبته، لا يملكون تأخيراً عما قدمهم إليه، ولا يستطيعون تقدماً إلى ما أخرهم عنه، وجعل لكل روح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه، لا ينقص من زاده ناقص، ولا يزيد من نقص منهم زائد، ثم ضرب له في الحياة أجلاً موقوتاً، ونصب له أمداً محدوداً، يتخطى إليه بأيام عمره، ويرهقه بأعوام دهره، حتى إذا بلغ أقصى أثره، واستوعب حساب عمره، قبضه إلى ما ندبه إليه من موفور ثوابه، أو محذور عقابه، ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، عدلاً منه تقدست أسماؤه، وتظاهرت آلاؤه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون....

١٥١

- الصحيفة السجادية الدعاء الثاني والثلاثون

وكان من دعائهعليه‌السلام بعد الفراغ من صلاة الليل: اللهم ياذا الملك المتأبد بالخلود والسلطان، الممتنع بغير جنود ولا أعوان، والعز الباقي على مر الدهور وخوالي الاعوام، ومواضي الأزمان والأيام، عز سلطانك عزاً لا حد له بأولية، ولا منتهى له بآخرية، واستعلى ملكك علواً سقطت الأشياء دون بلوغ أمده، ولا يبلغ أدنى ما استأثرت به من ذلك أقصى نعت الناعتين، ضلت فيك الصفات، وتفسخت دونك النعوت، وحارت في كبريائك لطائف الأوهام.

كذلك أنت الله الأول في أوليتك، وعلى ذلك أنت دائم لا تزول.

وأنا العبد الضعيف عملاً، الجسيم أملاً، خرجت من يدي أسباب الوصلات إلا ما وصلته رحمتك، وتقطعت عني عصم الآمال إلا ما أنا معتصم به من عفوك، قلَّ عندي ما أعتد به من طاعتك، وكثر علي ما أبوء به من معصيتك، ولن يضيق عليك عفو عن عبدك وإن أساء، فاعف عني.....

- الصحيفة السجادية ج ٢ ص ٢١

دعاؤهعليه‌السلام في التحميد لله عز وجل:الحمد لله الذي تجلى للقلوب بالعظمة، واحتجت عن الأبصار بالعزة، واقتدر على الأشياء بالقدرة، فلا الأبصار تثبت لرؤيته، ولا الأوهام تبلغ كنه عظمته، تجبر بالعظمة والكبرياء، وتعطف بالعز والبر والجلال، وتقدس بالحسن والجمال، وتجمل بالفخر والبهاء، وتهلل بالمجد والآلاء، واستخلص بالنور والضياء. خالق لا نظير له، وواحد لاند له، وماجد لا ضد له، وصمد لا كفو له، وإله لا ثاني معه، وفاطر لا شريك له، ورازق لا معين له، الأول بلا زوال، والدائم بلا فناء، والقائم بلا عناء، والباقي بلا نهاية، والمبدئ بلا أمد، والصانع بلا ظهير، والرب بلا شريك، والفاطر بلا كلفة، والفاعل بلا عجز.

ليس له حد في مكان، ولا غاية في زمان، لم يزل ولا يزول ولن يزال، كذلك أبداً هو الإله الحي القيوم، الدائم القديم، القادر الحكيم ....

١٥٢

الإمام محمد الباقرعليه‌السلام يجيب على سؤال متى وجد الله

- الكافي ج ٨ ص ١٢٠

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي وأبي منصور، عن أبي الربيع قال: حججنا مع أبي جعفرعليه‌السلام في السنة التي كان حج فيها هشام بن عبد الملك، وكان معه نافع مولى عمر بن الخطاب، فنظر نافع إلى أبي جعفرعليه‌السلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال نافع: يا أمير المؤمنين من هذا الذي قد تداك عليه الناس؟ فقال: هذا نبي أهل الكوفة، هذا محمد بن علي!

فقال: أشهد لآتينه فلأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي، قال: فاذهب إليه وسله لعلك تخجله.

فجاء نافع حتى اتكأ على الناس ثم أشرف على أبي جعفرعليه‌السلام فقال: يا محمد بن علي إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وقد عرفت حلالها وحرامها، وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي، قال فرفع أبو جعفرعليه‌السلام رأسه فقال: سل عما بدا لك.

فقال: أخبرني كم بين عيسى وبين محمد من سنة.

قال: أخبرك بقولي أو بقولك؟

قال: أخبرني بالقولين جميعاً.

قال: أما في قولي فخمسمائة سنة، وأما في قولك فستمائة سنة.

قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه: واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون. من الذي سأل محمد، وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة.

فقال: فتلا أبو جعفرعليه‌السلام هذه الآية: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا. فكان من الآيات التي

١٥٣

أراها الله تبارك وتعالى محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم أمر جبرئيلعليه‌السلام فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال في أذانه حي على خير العمل، ثم تقدم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلى بالقوم فلما انصرف قال لهم: على ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله، أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا.

فقال نافع: صدقت يا أبا جعفر، فأخبرني عن قول الله عز وجل: أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما.

قال: إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض وكانت السماوات رتقاً لا تمطر شيئاً، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت شيئاً، فلما أن تاب الله عز وجل على آدمعليه‌السلام أمر السماء فتقطرت بالغمام ثم أمرها فأرخت عزاليها، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار وتفهقت بالأنهار، فكان ذلك رتقها، وهذا فتقها.

قال نافع: صدقت يابن رسول الله، فأخبرني عن قول الله عز وجل: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، أي أرض تبدل يومئذ.

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : أرض تبقى خبزة يأكلون منها حتى يفرغ الله عز وجل من الحساب.

فقال نافع: إنهم عن الأكل لمشغولون.

فقال أبو جعفر: أهم يومئذ أشغل أم إذ هم في النار؟

فقال نافع: بل إذ هم في النار.

قال: فوالله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم، ودعوا بالشراب فسقوا الحميم.

قال: صدقت يابن رسول الله، ولقد بقيت مسألة واحدة.

قال: وما هي.

قال: أخبرني عن الله تبارك وتعالى متى كان؟

١٥٤

قال: ويلك متى لم يكن حتى أخبرك متى كان! سبحان من لم يزل ولا يزال، فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ثم قال: يا نافع أخبرني عما أسألك عنه.

قال: وما هو.

قال: ما تقول في أصحاب النهروان، فإن قلت إن أمير المؤمنين قتلهم بحق فقد ارتددت، وإن قلت إنه قتلهم باطلاً فقد كفرت.

قال: فولى من عنده وهو يقول: أنت والله أعلم الناس حقاً حقا، فأتى هشاماً فقال له: ما صنعت؟ قال: دعني من كلامك، هذا والله أعلم الناس حقاً حقا، وهو ابن رسول الله حقاً، ويحق لأصحابه أن يتخذوه نبياً!! انتهى.

والظاهر أن الإمام الباقرعليه‌السلام سأل نافعاً عن رأيه في الخوارج، لأن نافعاً كان ناصبياً مؤيداً لرأي الخوارج في تكفير عليعليه‌السلام .

ويركز في المسلمين قاعدة: لا تشبيه ولا تعطيل

- التوحيد للصدوق ص ١٠٤

أبي رحمه‌الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله الأشعري قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عيسى عمن ذكره قال: سئل أبو جعفرعليه‌السلام أيجوز أن يقال: إن الله عز وجل شيء قال: نعم، يخرجه عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه.

الإمام الصادقعليه‌السلام : لا نفي ولا تشبيه ولا جبر ولا تفويض

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٠٢

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار قال: حدثنا العباس بن معروف قال: حدثنا ابن أبي نجران عن حماد بن عثمان، عن عبدالرحيم القصير قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام بمسائل، فيها: أخبرني عن الله عز وجل هل يوصف بالصورة وبالتخطيط فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد،

١٥٥

فكتبعليه‌السلام بيد عبد الملك بن أعين:

سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه، المفترون على الله. واعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تَعْدُ القرآن فتضل بعد البيان.

- توحيد الصدوق ص ١٠٣

حدثني محمد بن موسى بن المتوكل رحمه‌الله قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إن بعض أصحابنا يزعم أن لله صورة مثل صورة الإنسان، وقال آخر إنه في صورة أمرد جعد قطط، فخر أبو عبد الله ساجداً، ثم رفع رأسه، فقال: سبحان الله الذي ليس كمثله شيء، ولا تدركه الأبصار، ولا يحيط به علم، لم يلد لأن الولد يشبه أباه، ولم يولد فيشبه من كان قبله، ولم يكن له من خلقه كفواً أحد، تعالى عن صفة من سواه علواً كبيرا.

المؤمنون يرون الله بعقولهم وقلوبهم في الدنيا والآخرة

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٣١

لي: الطالقاني، عن ابن عقدة، عن المنذر بن محمد، عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام عن الله تبارك وتعالى هل يرى في المعاد فقال: سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيرا. يا ابن الفضل، إن الأبصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية، والله خالق الألوان والكيفية.

١٥٦

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٤٤

يد: الدقاق، عن الأسدي، عن النخعي، عن النوفلي، عن البطائني، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة.

قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة.

فقلت: متى؟

قال: حين قال لهم: ألست بربكم قالوا بلى. ثم سكت ساعة ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال لا، فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله، ثم قدر أن ذلك تشبيه كَفَر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون.

ضه: سأل محمد الحلبي الصادقعليه‌السلام فقال: رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه قال: نعم رآه بقلبه، فأما ربنا جل جلاله فلاتدركه أبصار حدق الناظرين، ولا تحيط به أسماع السامعين.

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٣

ج: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله: لا تدركه الأبصار، قال: إحاطة الوهم، ألا ترى إلى قوله: قد جاءكم بصائر من ربكم، ليس يعني بصر العيون. فمن أبصر فلنفسه، ليس يعني من أبصر بعينه، ومن عمي فعليها، ليس يعني عمى العيون، إنما عنى إحاطة الوهم، كما يقال فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب. الله أعظم من أن يرى بالعين.

الإمام الصادقعليه‌السلام يردّ على الحلول والثنائية بين الذات والصفات

- الكافي ج ١ ص ٨٢

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان، عن زرارة بن أعين قال: سمعت أبا

١٥٧

عبد اللهعليه‌السلام يقول: إن الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه شيء ما خلا الله فهو مخلوق، والله خالق كل شيء، تبارك الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

- الكافي ج ١ ص ٨٣

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال للزنديق حين سأله: ما هو قال: هو شيء بخلاف الأشياء، أرجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شيء بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور، ولا تغيره الأزمان، فقال له السائل: فتقول إنه سميع بصير قال: هو سميع بصير: سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه، ليس قولي إنه سميع يسمع بنفسه وبصير يبصر بنفسه أنه شيء والنفس شيء آخر، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً، فأقول: إنه سميع بكله لا أن الكل منه له بعض، ولكني أردت إفهامك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع.

- الكافي ج ١ ص ٨٧

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أسماء الله واشتقاقها: الله مما هو مشتق؟ قال: فقال لي: يا هشام الله مشتق من أله، والإله يقتضي مألوهاً والإسم غير المسمى، فمن عبد الإسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الإسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الإسم فذاك التوحيد، أفهمت يا هشام؟ قال فقلت: زدني قال: إن لله تسعة وتسعين إسماً فلو كان الإسم هو المسمى لكان كل إسم منها إلهاً، ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره، يا هشام الخبز إسم للمأكول والماء إسم للمشروب والثوب إسم للملبوس والنار إسم للمحرق، أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عز وجل غيره؟ قلت: نعم.

١٥٨

قال فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام، قال هشام فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا.

- علي بن إبراهيم، عن العباس بن معروف، عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال: كتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام أو قلت له: جعلني الله فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد؟ قال: فقال: إن من عبد الإسم دون المسمى بالأسماء أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً بل أعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمى بهذه الأسماء دون الأسماء أن الأسماء صفات وصف بها نفسه.

- الكافي ج ١ ص ١٠٣

علي بن محمد، عن سهل بن زياد، وعن غيره، عن محمد بن سليمان، عن علي بن إبراهيم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال: إن الله عظيم رفيع لا يقدر العباد على صفته، ولا يبلغون كنه عظمته، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، ولا يوصف بكيف ولا أين وحيث، وكيف أصفه بالكيف وهو الذي كيف الكيف حتى صار كيفاً فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف، أم كيف أصفه بأين وهو الذي أين الأين حتى صار أيناً فعرفت الأين بما أين لنا من الأين، أم كيف أصفه بحيث وهو الذي حيث الحيث حتى صار حيثاً فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث، فالله تبارك وتعالى داخل في كل مكان وخارج من كل شيء، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار. لا إله إلا هو العلي العظيم، وهو اللطيف الخبير.

الإمام الكاظمعليه‌السلام يردّ على تجسيد النصارى

- وقال الصدوق في كتابه التوحيد ص ٣٠

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر قال: سمعت أبا إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام وهو يكلم راهباً من النصارى،

١٥٩

فقال له في بعض ما ناظره: إن الله تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يحد بيد أو رجل أو حركة أو سكون، أو يوصف بطول أو قصر، أو تبلغه الأوهام، أو تحيط به صفة العقول. أنزل مواعظه ووعده ووعيده، أمر بلا شفة ولا لسان، ولكن كما شاء أن يقول له كن، فكان خبراً كما أراد في اللوح.

ويبيّن أنّ الله تعالى غنيٌّ عن النزول والحركة

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٨٣

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العباس، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا، فقال: إن الله تبارك وتعالى لا ينزل، ولا يحتاج إلى أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج بل يحتاج إليه، وهو ذو الطَّول، لا إله إلا هو العزيز الحكيم. أما قول الواصفين: إنه تبارك وتعالى ينزل، فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به، فظن بالله الظنون فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد، فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود، فإن الله جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين.

الإمام الرضاعليه‌السلام يعلّم تلاميذه الدفاع عن التوحيد

- توحيد الصدوق ص ١٠٧

حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن جعفر بن بطة قال: حدثني عدة من أصحابنا، عن محمد بن عيسى بن عبيد قال قال لي أبو الحسنعليه‌السلام : ما تقول إذا قيل لك أخبرني عن الله عز وجل شيء هو أم لا؟ قال فقلت له: قد أثبت

١٦٠

الله عز وجل نفسه شيئاً حيث يقول: قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم، فأقول: إنه شيء لا كالأشياء، إذ في نفي الشيئية عنه إبطاله ونفيه.

قال لي: صدقت وأصبت.

ثم قال لي الرضاعليه‌السلام : للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: نفي، وتشبيه، وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز، لأن الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء، والسبيل في الطريقة الثالثة: إثبات بلا تشبيه.

- توحيد الصدوق ص ٩٨

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن سهل بن زياد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمد ابن زيد قال: جئت إلى الرضاعليه‌السلام أسأله عن التوحيد فأملى عليّ:

الحمد لله فاطر الأشياء إنشاء، ومبتدعها ابتداء بقدرته وحكمته، لا من شيء فيبطل الإختراع، ولا لعلة فلا يصح الإبتداع. خلق ما شاء كيف شاء، متوحداً بذلك لإظهار حكمته وحقيقة ربوبيته، لا تضبطه العقول، ولا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأبصار، ولا يحيط به مقدار، عجزت دونه العبارة، وكلت دونه الأبصار، وضل فيه تصاريف الصفات، احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور، عرف بغير رؤية، ووصف بغير صورة، ونعت بغير جسم، لا إله إلا الله الكبير المتعال.

ورواه في علل الشرائع ج ١ ص ٩

ويكشف حقيقة جديدة في الإسراء والمعراج

- التوحيد للصدوق ص ١١٣

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاقرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن محمد الخزاز، ومحمد بن

١٦١

الحسين، قالا: دخلنا على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فحكينا له ما روي أن محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه في هيئة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة، رجلاه في خضرة، وقلت: إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون: إنه أجوف إلى السرة والباقي صمد، فخر ساجداً ثم قال: سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك، فمن أجل ذلك وصفوك، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن شبهوك بغيرك. إلهي لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك، ولا أشبهك بخلقك، أنت أهل لكل خير، فلا تجعلني من القوم الظالمين.

ثم التفت إلينا فقال: ما توهمتم من شيء فتوهموا الله غيره، ثم قال: نحن آل محمد النمط الأوسط، الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي. يا محمد إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين نظر إلى عظمة ربه كان في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة..

يا محمد عظم ربي وجل أن يكون في صفة المخلوقين.

قال قلت: جعلت فداك من كانت رجلاه في خضرة؟ قال: ذاك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا نظر إلى ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب حتى يستبين له ما في الحجب! إن نور الله منه اخضرَّ ما اخضر، ومنه احمرَّ ما احمر، ومنه أبيضَّ ما أبيض، ومنه غير ذلك. يا محمد ما شهد به الكتاب والسنة فنحن القائلون به.

- ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٤١ وقال:

بيان: قولهعليه‌السلام : النمط الوسطى وفي الكافي الأوسط قال الجزري: في حديث علي: خير هذه الأمة النمط الأوسط، النمط: الطريقة من الطرائق والضروب، يقال: ليس هذا من ذلك النمط أي من ذلك الضرب، والنمط: الجماعة من الناس أمرهم واحد. انتهى.

قولهعليه‌السلام : لا يدركنا الغالي في أكثر النسخ بالغين المعجمة، وفي بعضها بالعين المهملة، وعلى التقديرين المراد به من يتجاوز الحد في الأمور، أي لا يدركنا ولا يلحقنا في سلوك طريق النجاة من يغلو فينا أوفي كل شيء، والتالي أي التابع لنا لا

١٦٢

يصل إلى النجاة إلا بالأخذ عنا، فلا يسبقنا بأن يصل إلى المطلوب لا بالتوصل بنا.

وفي الكافي: إن نور الله منه أخضر، ومنه أحمر، ومنه أبيض، ومنه غير ذلك. وسيأتي في باب العرش في خبر أبي الطفيل إن الله خلق العرش من أنوار مختلفة، فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور أحمر احمرت منه الحمرة، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار.

ثم اعلم أنه يمكن إبقاء الحجب والأنوار على ظواهرها بأن يكون المراد بالحجب أجساماً لطيفة مثل العرش والكرسي يسكنها الملائكة الروحانيون، كما يظهر من بعض الدعوات والأخبار، أي أفاض عليه شبيه نور الحجب ليمكن له رؤية الحجب كنور الشمس بالنسبة إلى عالمنا.

ويحتمل التأويل أيضاً بأن يكون المراد بها الوجوه التي يمكن الوصول إليها في معرفة ذاته تعالى وصفاته إذ لا سبيل لأحد إلى الكنه، وهي تختلف باختلاف درجات العارفين قرباً وبعداً، فالمراد بنور الحجب قابلية تلك المعارف وتسميتها بالحجب، إما لأنها وسائط بين العارف والرب تعالى كالحجاب، أو لأنها موانع عن أن يسند إليه تعالى ما لا يليق به، أو لأنها لما لم تكن موصلة إلى الكنه فكأنها حجب، إذ الناظر خلف الحجاب لا تتبين له حقيقة الشيء كما هي.

وقيل: إن المراد بها العقول فإنها حجب نور الأنوار، ووسائط النفوس الكاملة، والنفس إذا استكملت ناسبت نوريتها نورية تلك الأنوار، فاستحقت الإتصال بها والإستفادة منها، فالمراد بجعله في نور الحجب جعله في نور العلم والكمال مثل نور الحجب، حتى يناسب جوهر ذاته جوهر ذاتهم فيستبين له ما في ذواتهم، ولا يخفى فساده على أصولنا بوجوه شتى.

وأما تأويل ألوان الأنوار فقد قيل فيه وجوه:

الأول: أنها كناية عن تفاوت مراتب تلك الأنوار بحسب القرب والبعد من نور الأنوار، فالأبيض هو الأقرب، والأخضر هو الأبعد، كأنه ممزوج بضرب من الظلمة،

١٦٣

والأحمر هو المتوسط بينهما، ثم ما بين كل اثنين ألوان أخرى كألوان الصبح والشفق المختلفة في الألوان لقربها وبعدها من نور الشمس.

الثاني: أنها كناية عن صفاته المقدسة، فالأخضر قدرته على إيجاد الممكنات وإفاضة الأرواح التي هي عيون الحياة ومنابع الخضرة، والأحمر غضبه وقهره على الجميع بالإعدام والتعذيب، والأبيض رحمته ولطفه على عباده كما قال تعالى: وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله.

الثالث: ما استفدته من الوالد العلامة قدس الله روحه وذكر أنه مما أفيض عليه من أنوار الكشف واليقين، وبيانه يتوقف على تمهيد مقدمة وهي: أن لكل شيء مثالاً في عالم الرؤيا والمكاشفة، وتظهر تلك الصور والأمثال على النفوس مختلفة باختلاف مراتبها في النقص والكمال، فبعضها أقرب إلى ذي الصورة، وبعضها أبعد، وشأن المعبر أن ينتقل منها إلى ذواتها، فإذا عرفت هذا فالنور الأصفر عبارة عن العبادة ونورها كما هو المجرب في الرؤيا، فإنه كثيراً ما يرى الرائي الصفرة في المنام فيتيسر له بعد ذلك عبادة يفرح بها، وكما هو المعاين في جباه المتهجدين، وقد ورد في الخبر في شأنهم أنه ألبسهم الله من نوره لما خلوا به. والنور الأبيض العلم لأنه منشأ للظهور، وقد جرب في المنام أيضاً. والنور الأحمر المحبة كما هو المشاهد في وجوه المحبين عند طغيان المحبة، وقد جرب في الأحلام أيضاً. والنور الأخضر المعرفة، كما تشهد به الرؤيا ويناسبه هذا الخبر، لأنهعليه‌السلام في مقام غاية العرفان كانت رجلاه في خضرة.

ولعلهمعليهم‌السلام إنما عبروا عن تلك المعاني على تقدير كونها مرادة بهذه التعبيرات، لقصور أفهامنا عن محض الحقيقة كما تعرض على النفوس الناقصة في الرؤيا هذه الصور، ولأنا في منام طويل من الغفلة عن الحقائق، كما قالعليه‌السلام : الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.

وهذه التأويلات غاية ما تصل إليه أفهامنا القاصرة، والله أعلم بمراد حججه وأوليائهعليهم‌السلام . انتهى.

١٦٤

ملاحظة: إذا شرح لنا عالم الفيزياء مثلاً بعض قوانين الضوء وتحدث عن تغير تركيب الأجسام وطاقاتها إذا تحركت بسرعة الضوء أو بأسرع منه، فإننا نتعجب لذلك ونحترم آراءه..

أما النبي والإمام المعصوم فإن حديثهما أولى بالإحترام والثقة من عالم الفيزياء، ومن كل علماء الأرض، لأنهما يتحدثان عن الفيزياء كما أخبرهما عنها خالقها تبارك وتعالى. فحديث الإمام الرضاعليه‌السلام عن المعراج وعن أصل الأنوار والألوان إنما هو عن جده المصطفى سيد البشرصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أوحى إليه الله تعالى وعرج به مرات متعددة كما في الأحاديث الشريفة، فأراه ملكوت السماوات والأرض.

وأحاديث المعراج فيها أحاديث صحيحة ومهمة، وهي تحتاج إلى دراسة من علماء الطبيعة، لعلهم يكتشفون منها حقائق جديدة عن الكون والطبيعة.

ولا نعني بذلك رفض التفسيرات العقلية والإشراقية كالتي أوردها المجلسي رحمه‌الله ولكنها تبقى تفسيراً لجانب، أو احتمالات.. ونعم ما ختم به المحدث المجلسي رحمه‌الله كلامه فقال (وهذه التأويلات غاية ما تصل إليه أفهامنا القاصرة، والله أعلم بمراد حججه وأوليائهعليهم‌السلام ).

الإمام الرضاعليه‌السلام يعلّم بني العباس التوحيد

- توحيد الصدوق ص ٣٤

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا محمد بن عمر والكاتب، عن محمد بن زياد القلزمي، عن محمد بن أبي زياد الجدي صاحب الصلاة بجدة قال: حدثني محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: سمعت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يتكلم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد، قال ابن أبي زياد: ورواه لي أيضاً أحمد بن عبد الله العلوي مولى لهم وخالاً لبعضهم، عن القاسم بن أيوب العلوي، أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضاعليه‌السلام على هذا الأمر

١٦٥

جمع بني هاشم فقال: إني أريد أن أستعمل الرضا على هذا الأمر من بعدي، فحسده بنو هاشم وقالوا: أتولي رجلاً جاهلاً ليس له بصر بتدبير الخلافة، فابعث إليه رجلاً يأتنا فترى من جهله ما يستدل به عليه، فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن إصعد المنبر وانصب لنا علماً نعبد الله عليه، فصعدعليه‌السلام المنبر، فقعد ملياً لا يتكلم مطرقاً، ثم انتفض انتفاضة واستوى قائماً، وحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه وأهل بيته. ثم قال:

أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده، ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه، لشهادة العقول أن كل موصوف مخلوق، وشهادة كل مخلوق أن له خالقاً ليس بصفة ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالإقتران، وشهادة الإقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالإمتناع من الأزل الممتنع من الحدث، فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته، ولا إياه وحد من اكتنهه، ولا حقيقة أصاب من مثله، ولا به صدق من نهاه، ولا صمد صمده من أشار إليه، ولا إياه عنى من شبهه، ولا له تذلل من بعضه، ولا إياه أراد من توهمه.

كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول تعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجته. خلق الله حجاباً بينه وبينهم، ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم، وابتداؤه إياهم دليلهم على أن لا ابتداء له، لعجز كل مبتدأ عن ابتداء غيره، وأَدْوه إياهم دليل على أن لا أداة فيه، لشهادة الأدوات بفاقة المتأدين، وأسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه، وغبوره تحديد لما سواه.

فقد جهل الله من استوصفه، وقد تعداه من اشتمله، وقد أخطأه من اكتنهه، ومن قال كيف فقد شبهه، و من قال لم فقد علله، ومن قال متى فقد وقته، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال إلى م فقد نهاه، ومن قال حتى م فقد غياه، ومن غياه فقد غاياه، ومن غاياه فقد جزأه، ومن جزأه فقد وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فيه، لا

١٦٦

يتغير الله بانغيار المخلوق، كما لا يتحدد بتحديد المحدود، أحد لا بتأويل عدد، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية، باطن لا بمزايلة، مبائن لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بجول فكرة، مدبر لا بحركة، مريد لا بهمامة، شاء لا بهمة، مدرك لا بمجسة، سميع لا بآلة، بصير لا بأداة.

لا تصحبه الأوقات، ولا تضمنه الأماكن، ولا تأخذه السنات، ولا تحده الصفات، ولا تقيده الأدوات.

سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والإبتداء أزله.

بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والجلاية بالبهم، والجسو بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بين متعادياتها، مفرق بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرقها، وبتأليفها على مؤلفها، ذلك قوله عز وجل: ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون، ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها، دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها، له معنى الربوبية إذ لا مربوب، وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه، ومعنى العالم ولا معلوم، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وتأويل السمع ولا مسموع.

ليس منذ خلق استحق معنى الخالق، ولا بإحداثه البرايا استفاد معنى البارئية، كيف ولا تغيبه مذ، ولا تدنيه قد، ولا تحجبه لعل، ولا توقته متى، ولا تشمله حين، ولا تقارنه مع، إنما تحد الأدوات أنفسها، وتشير الآلة إلى نظائرها، وفي الأشياء يوجد فعالها، منعتها منذ القدمة، وحمتها قد الأزلية، وجبتها لولا التكملة، افترقت فدلت على مفرقها، وتباينت فأعربت من مباينها، لما تجلى صانعها للعقول، وبها

١٦٧

احتجب عن الرؤية، وإليها تحاكم الأوهام، وفيها أثبت غيره، ومنها أنيط الدليل، وبها عرفها الإقرار.

وبالعقول يعتقد التصديق بالله، وبالإقرار يكمل الإيمان به، ولا ديانة إلا بعد المعرفة، ولا معرفة إلا بالإخلاص، ولا إخلاص مع التشبيه، ولا نفي مع إثبات الصفات للتشبية، فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه، وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه، لا تجري عليه الحركة والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، أو يعود إليه ما هو ابتداه، إذا لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولما كان للبارئ معنى غير المبروء.

ولو حد له وراء إذاً حد له أمام، ولو التمس له التمام إذاً لزمه النقصان، كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث، وكيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الإنشاء، إذاً لقامت فيه آية المصنوع، ولتحول دليلاً بعدما كان مدلولاً عليه.

ليس في محال القول حجة، ولا في المسألة عنه جواب، ولا في معناه له تعظيم، ولا في إبانته عن الخلق ضيم، إلا بامتناع الأزلي أن يثنى، وما لا بدأ له أن يبدى، لا إله إلا الله العلي العظيم، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبينا. وصلى الله على محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين.

نماذج من كلمات علماء مذهب أهل البيتعليهم‌السلام

- الإعتقادات ص ٣ ٩ للصدوق المتوفى سنة ٣٨١

إعلم أن اعتقادنا في التوحيد: أن الله تعالى واحد أحد ليس كمثله شيء، قديم لم يزل ولا يزال، سميعاً بصيراً عليماً حكمياً حياً قيوماً عزيزاً قدوساً عالماً قادراً غنياً، لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ولا خط ولا سطح ولا ثقل ولا خفة ولا سكون ولا حركة ولا مكان ولا زمان، وأنه تعالى متعال من جميع صفات خلقه، خارج عن الحدين حد الإبطال وحد التشبيه. وأنه تعالى شيء لا كالأشياء، صمد، لم

١٦٨

يلد فيورث ولم يولد فيشارك ولم يكن له كفواً أحد، ولا نِدَّ له ولا ضد ولا شبه، ولا صاحبة ولا مثل ولا نظير ولا شريك له، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ولا الأوهام وهو يدركها، لا تأخذه سنة ولا نوم وهو اللطيف الخبير، خالق كل شيء، لا إله إلا هو، له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين.

ومن قال بالتشبيه فهو مشرك، ومن نسب إلى الإمامية غير ما وصف في التوحيد فهو كاذب، وكل خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل، وإن وجد في كتب علمائنا فهو مدلس.

والأخبار التي يتوهمها الجهال تشبيهاً لله تعالى بخلقه فمعانيها محمولة على ما في القرآن من نظائرها، لأن ما في القرآن:كل شيء هالك إلا وجهه ، ومعنى الوجه الدين، والوجه الذي يؤتى الله منه ويتوجه به إليه.

وفي القرآن:يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود وهم سالمون ، والساق وجه الأمر وشدته.

وفي القرآن:أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ، والجنب الطاعة.

وفي القرآن:ونفخت فيه من روحي ، وهو روح مخلوقة جعل الله منها في آدم وعيسى، وإنما قال روحي كما قال: نبيي وعبدي وجنتي أي: مخلوقي، وناري وسمائي وأرضي. وفي القرآن: بل يداه مبسوطتان، يعني نعمة الدنيا ونعمة الآخرة.

وفي القرآن:والسماء بنيناها بأيد ، والأيد القوة، ومنه قوله تعالى: واذكر عبدنا داوود ذا الأيد، يعني ذا القوة.

وفي القرآن:يا إبليس ما منعك أن تسجد لماخلقت بيدي ، يعني بقدرتي وقوتي.

وفي القرآن:والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة ، يعني ملكه ولايملكها معه أحد.

وفي القرآن:والسماوات مطويات بيمينه ، يعني بقدرته.

وفي القرآن:وجاء ربك والملك صفاً صفاً ، يعني وجاء أمر ربك.

١٦٩

وفي القرآن:كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ، يعني عن ثواب ربهم.

وفي القرآن:هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ، أي عذاب الله.

وفي القرآن:وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، يعني مشرقة تنظر ثواب ربها.

وفي القرآن:ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ، وغضب الله عقابه، ورضاه ثوابه.

وفي القرآن:تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ، أي تعلم غيبي ولا أعلم غيبك.

وفي القرآن:ويحذّركم الله نفسه ، يعني إنتقامه.

وفي القرآن:إن الله وملائكته يصلّون على النبي .

وفيه:هو الذي يصلّي عليكم وملائكته ، والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار وتذكية ومن الناس دعاء.

وفي القرآن:ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين .

وفي القرآن:يخادعون الله وهو خادعهم .

وفيه:الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ .

وفي القرآن:سخر الله منهم .

وفيه:نسوا الله فنسيهم .

ومعنى ذلك كله أنه عز وجل يجازيهم جزاء المكر وجزاء المخادعة وجزاء الإستهزاء وجزاء النسيان وهو أن ينسيهم أنفسهم كما قال عز وجل: ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، لأنه عز وجل في الحقيقة لا يمكر ولا يخادع ولا يستهزئ ولا يسخر ولا ينسى، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

وليس يرد في الأخبار التي يشنع بها أهل الخلاف والإلحاد إلا بمثل هذه الألفاظ ومعانيها معاني ألفاظ القرآن.

١٧٠

- الكافي ص ٣٨، لأبي الصلاح الحلبي المتوفى سنة ٤٤٧

... وثبوت كونه تعالى قديماً مقتض لكونه سبحانه غنياً تستحيل عليه الحاجة، (لأن) الحاجة لا تكون إلا لاجتلاب نفع أو دفع ضرر، من حيث علمنا استحالة الحاجة على من يستحيل عليه الضرر والنفع كالموات والجماد. والنفع والضرر لا يجوزان إلا على من يلذ ويألم، لأن الحي إنما ينتفع بما يلذ به أو يسر له، ويستضر بما يألم به أو يغتم لأجله، واللذة والألم لا يجوزان إلا على ذي شهوة ونفور، إذ معنى ملتذ أنه أدرك ما يشتهيه، ومعنى متألم أنه أدرك ما ينفر عنه، ومعنى مسرور أنه اعتقد أو ظن وصول نفع إليه أو إلى من يجري مجراه واندفاع ضرر، ومعنى مغتم أنه اعتقد أو ظن وصول ضرر اليه أو إلى من يجري مجراه أو فوت نفع، فعاد معنى السرور والغم إلى النفع والضرر.

إذا تقرر هذا وكانت الشهوة والنفار معاني تفتقر إلى محل استحال تخصيصها. وكونه تعالى لا يشبه شيئاً يحيل إدراكه سبحانه بشيء من الحواس، لاختصاص الإدراك المعقول بالجواهر وأجناس من الأعراض، وليس هو من الجنسين، فاستحال إدراكه تعالى.

ولأنه لو كان مما يصح أن يدرك بشيء من الحواس لوجب أن ندركه الآن، لأنا على الصفة التي معها يجب أن يدرك كلما يصح إدراكه بشرط ارتفاع الموانع، وهو سبحانه موجود والموانع مستحيلة عليه، لأنها اللطافة والرقة وتفاوت البعد والقرب والحجاب والكون في غير جهة المقابلة، وذلك أجمع من صفات المتحيزات، وقد دللنا على كونه سبحانه بخلافها، فلو كان مما يصح أن يدرك لأدركناه الآن، ولو أدركناه لعلمناه ضرورة، من حيث كان العلم بالمدرك من كمال العقل، وفي عدم العلم به سبحانه ضرورة دليل على عدم إدراكه....

وثبوت كونه تعالى لا يشبه شيئاً يحيل عليه التنقل والإختصاص بالحياة والمجاورة، لأن ذلك من أحكام المتحيزات وليس بمتحيز. ويحيل عليه سبحانه

١٧١

الحلول وإيجاب الأحوال والأحكام، لأن ذلك من خواص الأعراض، فتسقط لذلك مذاهب الثنوية والمجوس والصابئين وعباد الأصنام والمنجمين والنصارى والغلاة، لإثبات هؤلاء أجمع إلهية الأجسام، أو كونها مؤثرة ما يستحيل من الجسم تأثيره، على ما سلف بيانه.

- كشف المراد للعلامة الحلي ص٣٢٠: المتوفى سنة ٧٢٦

المسألة العشرون: في أنه تعالى ليس بمرئي.

أقول: وجوب الوجود يقتضي نفي الرؤية أيضاً. واعلم أن أكثر العقلاء ذهبوا إلى امتناع رؤيته تعالى، والمجسمة جوزوا رؤيته لاعتقادهم أنه تعالى جسم ولو اعتقدوا تجرده لم يجوزوا رؤيته عندهم. والأشاعرة خالفوا العقلاء كافة هنا وزعموا أنه تعالى مع تجرده يصح رؤيته.

والدليل على امتناع الرؤية أن وجوب الوجود يقتضي تجرده ونفي الجهة والحيز عنه، فتنتفي الرؤية عنه بالضرورة، لأن كل مرئي فهو في جهة يشار إليه بأنه هناك أو هنا، ويكون مقابلاً أو في حكم المقابل، ولما انتفى هذا المعنى عنه تعالى انتفت الرؤية.... أقول: لما استدل على نفي الرؤية شرع في الجواب عن الإحتجاج، والأشاعرة قد احتجوا بوجوه أجاب المصنف رحمه‌الله عنها.

الأول، إن موسىعليه‌السلام سئل الرؤية ولو كانت ممتنعة لم يصح عنه السؤال.

والجواب: أن السؤال كان من موسىعليه‌السلام لقومه ليبين لهم امتناع الرؤية لقوله تعالى: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة، وقوله: أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا....

الوجه الثاني لهم، أنه تعالى حكى عن أهل الجنة النظر اليه فقال: إلى ربها ناظرة، والنظر المقرون بحرف إلى يفيد الرؤية، لأنه حقيقة في تقليب الحدقة نحو المطلوب التماساً للرؤية، وهذا متعذر في حقه تعالى لانتفاء الجهة، عنه فيتعين أن يكون

١٧٢

المراد منه المجاز، وهي الرؤية التي هي معلولة النظر الحقيقي، واستعمال لفظ السبب في المسبب من أحسن وجوه المجاز.

والجواب: المنع من إرادة هذا المجاز، فإن النظر وإن اقترن به حرف إلى لا يفيد الرؤية، ولهذا يقال نظرت إلى الهلال فلم أره، وإذا لم يتعين هذا المعنى للإرادة أمكن حمل الآية على غيره، وهو أن يقال إن إلى واحد إلاء ويكون معنى ناظرة أي منتظرة، أو نقول إن المضاف هنا محذوف وتقديره إلى ثواب ربها ناظرة.

لا يقال: الإنتظار سبب الغم والآية سيقت لبيان النعم.

لأنا نقول: سياق الآية يدل على تقدم حال أهل الثواب والعقاب على استقرارهم في الجنة والنار بقوله: وجوه يومئذ ناظرة، بدليل قوله تعالى: ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة، فإن في حال استقرار أهل النار في النار قد فعل بها فاقرة فلا يبقى للظن معنى. وإذا كان كذلك فانتظار النعمة بعد البشارة بها لا يكون سبباً للغم بل سبباً للفرح والسرور ونضارة الوجه كمن يعلم وصول نفع إليه يقيناً في وقت، فإنه يسر بذلك وإن لم يحضر الوقت، كما أن انتظار العقاب بعد الأنذار بوروده يوجب الغم ويقتضي بسارة الوجه.

قال: وتعليق الرؤية باستقرار المتحرك لا يدل على الإمكان.

أقول: هذا جواب عن الوجه الثالث للأشعرية وتقرير احتجاجهم أن الله سبحانه وتعالى علق الرؤية في سؤال موسىعليه‌السلام على استقرار الجبل، والإستقرار ممكن لأن كل جسم فسكونه ممكن، والمعلق على الممكن ممكن.

والجواب: أنه تعالى علق الرؤية على الإستقرار لا مطلقاً بل على استقرار الجبل حال حركته، واستقرار الجبل حال الحركة محال، فلا يدل على إمكان المعلق.

قال: واشتراك المعلولات لا يدل على اشتراك العلل مع منع التعليل والحصر.

أقول: هذا جواب عن شبهة الأشاعرة من طريق العقل استدلوا بها على جواز رؤيته تعالى، وتقريرها أن الجسم والعرض قد اشتركا في صحة الرؤية، وهذا حكم

١٧٣

مشترك يستدعي علة مشتركة، ولا مشترك بينهما إلا الحدوث أو الوجود، والحدوث لا يصلح للعلية لأنه مركب من قيد عدمي فيكون عدمياً، فلم يبق إلا الوجود فكل موجود يصح رؤيته وأنه تعالى موجود.

وهذا الدليل ضعيف جداً لوجوه:

الأول: المنع من رؤية الجسم، بل المرئي هو اللون أو الضوء لا غير.

الثاني: لا نسلم اشتراكهما في صحة الرؤية، فإن رؤية الجوهر مخالفة لرؤية العرض.

الثالث: لا نسلم أن الصحة ثبوتية بل هي أمر عدمي، لأن جنس صحة الرؤية وهو الإمكان عدمي، فلا يفتقر إلى العلة.

الرابع: لا نسلم أن المعلول المشترك يستدعي علة مشتركة، فإنه يجوز اشتراك العلل المختلفة في المعلولات المتساوية.

الخامس: لا نسلم الحصر في الحدوث والوجود، وعدم العلم لا يدل على العدم، مع أنا نتبرع قسماً آخر وهو الإمكان، وجاز التعليل به وإن كان عدمياً، لأن صحة الرؤية عدمية.

السادس: لا نسلم أن الحدوث لا يصلح للعلية، وقد بينا أن صحة الرؤية عدمية، على أنا نمنع من كون الحدوث عدمياً، لأنه عبارة عن الوجود المسبوق بالغير لا المسبوق بالعدم.

السابع: لم لا يجوز أن تكون العلة هي الوجود بشرط الإمكان أو بشرط الحدوث، والشروط يجوز أن تكون عدمية.

الثامن: المنع من كون الوجود مشتركاً، لأن وجود كل شيء نفس حقيقته، ولو سلم كون الوجود الممكن مشتركاً، لكن وجود الله تعالى مخالف لغيره من الوجودات، لأنه نفس حقيقته، ولا يلزم من كون وجود بعض الماهيات علة لشيء كون ما يخالفه علة لذلك الشيء.

١٧٤

التاسع: المنع من وجود الحكم عند وجود المقتضي، فإنه جاز وجود مانع في حقه تعالى، أما ذاته أو صفة من صفاته، أو نقول الحكم يتوقف على شرط كالمقابلة هنا وهي تمتنع في حقه تعالى، فلا يلزم وجود الحكم فيه.

- الرسالة السعدية للعلامة الحلي ص ٣٩

والدليل على المذهب الأول: العقل، والنقل.

أما العقل، فإن الضرورة قاضية: بأن كل مرئي، فإنه لابد وأن يكون مقابلاً للرائي، أو في حكم المقابل كالمرئي في المرايا. وكل مقابل أو في حكمه فهو في جهة، والله تعالى ليس في جهة فلا يكون مرئياً.

ولأنه لو كان مرئياً لرأيناه الآن، لوجود العلة المقتضية للرؤية وهي حصول الشرايط وانتفاء الموانع وسلامة الحاسة.

وأما النقل، فقوله تعالى:لن تراني ، ولو كانت صحيحة ويراه بعض المؤمنين، لكان موسىعليه‌السلام أولى بالرؤية.

وقوله تعالى: لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، تمدح بنفي الرؤية فيكون ثبوتها نقصاً، والنقص على الله تعالى محال.

ولأن الخصم يسلم أن معرفة الله تعالى ليست حاصلة إلا بصفاته وآثاره دون حقيقته، فكيف تصح رؤيته والإحاطة بكنه حقيقته، تعالى الله عن ذلك.

* *

١٧٥

الفصل الخامس

من أين نشأت المشكلة عند إخواننا السنّة

العامل الأول: ميل العوام إلى التشبيه والتجسيم

للذهن البشري حالة ابتدائية طفولية يتصور فيها كثيراً من الأمور تصوراً خاطئاً، حتى إذا تعمق في الفكر والتجربة.. تصححت نظرته! ولعل أكثر الناس يتصورون الله تعالى في طفولتهم بصور من محيطهم، فيتخيله أحدهم كأبيه مثلاً، أو كإنسان صاحب صفات حسنة.... وهذا أمر طبيعي، بل قد يكون فطرياً، فقد ورد أن النملة تتصور أن لربها قرنين كقرنيها (نحوه في بحار الأنوار ج ٦٩ ص ٢٩٣)

ولكن هذه الحالة الطفولية إذا استمرت مع الإنسان ولم تتطور، فإنها تتحول إلى حالة عامية مستعصية، ولذا ترى أصحابها يميلون إلى الإعتقاد بأن الله تعالى جسم، ويروون عنه القصص والخيالات!

وقد كانت هذه (العامية) سائدة في مجتمع اليهود الذي انحرف عن رسالات أنبيائه، وكذا في مجتمع العرب الوثني، وصارت أرضية لتقبل نظريات الرؤية والتشبيه والتجسيم من اليهود، وترويجها بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والتنظير لها! حتى أن بعض

١٧٦

الحنابلة والأشعريين كابن عقيل والذهبي ادعيا أن الإسلام دين عوامي يتبنى منهج العوامية!

قال الذهبي في سيره ج ١٩ ص ٤٤٨: قال ابن عقيل في الفنون: الأصلح لاعتقاد العوام ظواهر الآي، لأنهم يأنسون بالإثبات، فمتى محونا ذلك من قلوبهم زالت الحشمة. قال: فتهافتهم في التشبيه أحب إلينا من إغراقهم في التنزيه، لأن التشبيه يغمسهم في الإثبات فيخافون ويرجون، والتنزيه يرمي بهم إلى النفي، فلا طمع ولا مخافة في النفي. ومن تدبر الشريعة رآها غامسة للمكلفين في التشبيه بالألفاظ الظاهرة التي لا يعطي ظاهرها سواه كقول الأعرابي: أو يضحك ربنا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فلم يكفهر لقوله وتركه وما وقع له! انتهى.

وقد تبنى الذهبي هذا الإتجاه الخطير وأشاد بأهله! وبلغ به الأمر أنه نقل كلام أبي حاتم بن خاموش الذي كفر فيه كل المسلمين ما عدا الحنابلة ولم يعلق عليه، قال في سيره ج ١٨ ص ٥٠٧:

قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعيل يقول: قصدت أبا الحسن الخرقاني الصوفي، ثم عزمت على الرجوع، فوقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن خاموش الحافظ بالري وألتقيه، وكان مقدم أهل السنة بالري، وذلك أن السلطان محمود بن سبكتكين لما دخل الري، وقتل بها الباطنية منع الكل من الوعظ غير أبي حاتم، وكان من دخل الري يعرض عليه اعتقاده فإن رضيه أذن له في الكلام على الناس وإلا فمنعه، قال: فلما قربت من الري كان معي رجل في الطريق من أهلها فسألني عن مذهبي فقلت: حنبلي، فقال: مذهب ما سمعت به وهذه بدعة وأخذ بثوبي، وقال: لا أفارقك إلى الشيخ أبي حاتم، فقلت خيرة، فذهب بي إلى داره، وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم، فقال: هذا سألته عن مذهبه، فذكر مذهباً لم أسمع به قط. قال: وما قال؟ فقال قال: أنا حنبلي. فقال: دعه، فكل من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم. فقلت في نفسي: الرجل كما وصف لي، ولزمته أياماً وانصرفت. انتهى.

١٧٧

وقال الناشر عما وجده في المخطوطة: (في حاشية الأصل بخط مغاير ما نصه: أخطأ هذا القائل قطعاً والمقول له في تصويبه ذلك وكذلك المادح له، بل لو قيل: إن قائل هذه المقالة يكفر بها لم يبعد، لأنه نفى الإسلام عن عالم عظيم من هذه الأمة ليسوا بحنابلة، بل هم الجمهور الأعظم، ولقد بالغ المصنف في هذا الكتاب في تعظيم رؤوس التجسيم، وسياق مناقبهم، والتغافل عن بدعهم، بل يعدها سنة. ويهضم جانب أهل التنزيه، ويعرض بهم أو يصرح، ويتغافل عن محاسنهم العظيمة وآثارهم في الدين، كما فعل في ترجمة إمام الحرمين والغزالي، والله حسيبه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). انتهى.

وقد كان العوام الرعاع في كل جيل يتعصبون للقول بالتشبيه ولمن يقول به، ويؤيدونه ضد خصومه بأساليب خشنة عدوانية! فقد روى ابن بطوطة في رحلته ج ١ ص ٩٠ إحدى مشاهداته فقال:

(وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام، يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً.. وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعه وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل ربعة من ربع المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً، حتى سقطت عمامته وظهر على رأسه شاشية حرير) انتهى.

وبقى هذا السلوك العوامي لأصحاب الرؤية والتجسيم، إرثاً موروثاً من قرون الإسلام الأولى! بل زاد عليه الأشعريون والمجسمة والدولة في ابتكار أساليب القمع والإرهاب للذين يخالفونهم، كما عرفت في موقفهم من التأويل والمتأولة، وكما فعلوا مع الطبري المؤرخ لأنه لم يوافقهم على أن الله تعالى يجلس على عرشه، فيفضل منه أربع أصابع ليجلس عليها الأنبياء إلى جنبه! قال الحموي في معجم الأدباء ج ٩ جزء ١٨ ص ٥٧ في ترجمة الطبري:

١٧٨

فلما قدم إلى بغداد من طبرستان بعد رجوعه إليها تعصب عليه أبو عبد الله الجصاص وجعفر بن عرفة والبياضي. وقصده الحنابلة فسألوه عن أحمد بن حنبل في الجامع يوم الجمعة وعن حديث الجلوس على العرش. فقال أبو جعفر: أما أحمد بن حنبل فلا يعد خلافه. فقالوا له: فقد ذكره العلماء في الإختلاف، فقال: ما رأيته روي عنه، ولا رأيت له أصحاباً يعول عليهم. وأما حديث الجلوس على العرش فمحال ثم أنشد:

سبحان من ليس له أنيس

ولا له في عرشه جليس

فلما سمع ذلك الحنابلة منه وأصحاب الحديث وثبوا ورموه بمحابرهم، وقيل كانت ألوفاً فقام أبوجعفر بنفسه ودخل داره فرموا داره بالحجارة حتى صار على بابه كالتل العظيم.... إلى آخر القصة التي سنذكرها في مكانة المجسمين في مصادر إخواننا....

- وقال ابن قيم الجوزية في بدائع الفوائد ج ٤ ص ٣٩

قال القاضي: صنف المروزي كتاباً في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه إقعاده على العرش وهو قول أبي داود وأحمد بن أصرم.... وعبد الله بن الإمام أحمد.... إلخ. ثم قال ابن القيم: قلت: وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير. انتهى.

ولم يذكر ابن القيم عمن أخذه مجاهد، ولا ذكر إهانة الحنابلة للطبري وإجبارهم إياه على القول بذلك!

- وقال ابن خلدون في تاريخه ج ٤ ص ٤٧٧

كانت مدينة بغداد قد احتفلت في كثرة العمران بما لم تنته إليه مدينة في العالم منذ مبدأ الخليقة فيما علمناه، واضطربت آخر الدولة العباسية بالفتن وكثر فيها المفسدون والدعار والعيارون من الرها، وأعيا على الحكام أمرهم، وربما أركبوا العساكر لقتالهم ويثخنون فيهم، فلم يحسم ذلك من عللهم شيئاً، وربما حدثت

١٧٩

الفتن من أهل المذاهب ومن أهل السنة والشيعة من الخلاف في الإمامة ومذاهبها، وبين الحنابلة والشافعية وغيرهم من تصريح الحنابلة بالتشبية في الذات والصفات ونسبتهم ذلك إلى الإمام أحمد وحاشاه منه، فيقع الجدال والنكير ثم يفضي إلى الفتنة بين العوام، وتكرر ذلك منذ حُجِرَ الخلفاء، ولم يقدر بنو بويه ولا السلجوقية على حسم ذلك منها، لسكنى أولئك بفارس وهؤلاء بأصبهان وبُعْدِهِم عن بغداد، والشوكة التي تكون بها حسم العلل لاتفاقهم، وإنما تكون ببغداد شحنة (حامية عسكرية) تحسم ما خف من العلل ما لم ينته إلى عموم الفتنة.

....لم يحصل من ملوكهم اهتمام لحسم ذلك لاشتغالهم بما هو أعظم منه في الدولة والنواحي، وعامة بغداد أهون عليهم من أن يصرفوا همتهم عن العظائم إليهم، فاستمرت هذه العلة ببغداد ولم تقلع عنها، إلى أن اختلفت جدتها وتلاشى عمرانها، وبقي طراز في ردائها لم تذهبه الأيام!!

- وقال ابن كثير في البداية والنهاية ج ١٢ ص ١٤٣

ثم دخلت سنة سبعين وأربعمائة قال ابن الجوزي.... وفي شوال منها وقعت فتنة بين الحنابلة وبين فقهاء النظامية، وحمي لكل من الفريقين طائفة من العوام، وقتل بينهم نحو من عشرين قتيلاً، وجرح آخرون ثم سكنت الفتنة.

- وقال الصديق المغربي في فتح الملك العلي ص ٩٥

وقال ابن قتيبة في اختلاف الحديث: الحديث يدخله الفساد من وجوه ثلاثة: الزنادقة واحتيالهم للإسلام بدس الأحاديث المستبشعة والمستحيلة. والقصاص فإنهم يميلون وجوه العوام إليهم ويستدرون ما عندهم بالمناكير وغرائب الأحاديث، ومن شأن العوام ملازمة القصاص ما دام يأتي بالعجائب الخارجة عن نظر العقول.

وقال ابن الجوزي في الموضوعات: معظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاص لأنهم يريدون أحاديث ترقق وتنفق، والصحيح فيها يقل.

ويحكى عن أبي عبد الله النهاوندي أنه قال: قلت لغلام خليل: هذه الأحاديث

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434