العقائد الإسلامية الجزء ٢

العقائد الإسلامية18%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 434

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 231594 / تحميل: 6007
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

العقائد الإسلامية

عرض مقارن لأهمّ موضوعاتها من مصادر السنّة والشيعة

المجلّد الثاني

قام بإعداده

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

١

٢

مقدّمة المجلّد الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

وبعد، فهذا هو المجلد الثاني من العقائد الإسلامية وقد اشتمل على مجموعة مسائل: الرؤية والتشبيه والتجسيم، وعدد من البحوث النافعة فيها.

وقد حرصنا فيه على استقصاء الأحاديث والآراء من مصادرها الأساسية في التفسير، والحديث، والفقه، واللغة، والتاريخ، وغيرها.. لأن غرضنا أن يكون مرجعاً لكل باحث في هذا الموضوع، يجد فيه بغيته بدون تعب، وله بعد ذلك أن يوافقنا في الفهم والإستنتاج أو يخالفنا.

إن توفير المادة العلمية للباحث عمل محترم.. خاصة إذا كانت تعجز عنها قدرة الشخص الواحد؛ لأنها موزعة في المصادر الكثيرة، ومبثوثة في المتون الطويلة، كما ترى في مسائل هذا المجلّد.

وبهذا المناسبة ندعو القائمين على مراكز البحوث الإسلامية لأن يهتموا بهذا المنهج، ويوجهوا طاقاتهم إلى هذا الهدف.. ففي ذلك خدمة كبيرة للبحث المقارن، وعونٌ على فهم حقائق العقيدة والشريعة المقدسة،وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ .

مركز المصطفى للدراسات الإسلامية

علي الكوراني العاملي

٣

٤

الباب الثاني

في التوحيد

٥

٦

الفصل الأوّل

جذور مسألة الرؤية والتشبيه والتجسيم

اعتقاد إخواننا السنّة أن الله تعالى يرى بالعين

المقصود بمسألة الرؤية: إمكان أن يرى الإنسان الله تعالى بحاسة العين في الدنيا أو في الآخرة.

والمقصود بالتشبيه والتجسيم: تشبيه ذات الله تعالى بشيء من مخلوقاته.

وقد نفى كل ذلك نفياً مطلقاً أهل البيتعليهم‌السلام وأم المؤمنين عائشة وجمهور الصحابة، وبه قال الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم، واستدلوا على ذلك بالقرآن بمثل قوله تعالى( ليس كمثله شيء ) وقوله تعالى( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) .. إلخ. واستدلوا أيضاً بالعقل فقالوا إن القول بإمكان رؤيته سبحانه بالعين يستلزم تشبيهه وتجسيمه لا محالة، لأن ما يرى بالعين لا يكون إلا وجوداً مادياً يشبه غيره بأنه محدود بالمكان والزمان.

بينما تبنى الحنابلة وأتباع المذاهب الأشعرية وهم أكثر الحنفية والمالكية والشافعية، القول برؤية الله تعالى بالعين في الدنيا أو في الآخرة بسبب روايات

٧

رووها، وبعض الآيات المتشابهة التي يبدو منها ذلك، وحاولوا أن يؤولوا الآيات المحكمة والأحاديث الصحيحة النافية لإمكان الرؤية بالعين.

وبسبب الإرتباط بين مسائل الرؤية والتشبيه والتجسيم والاشتراك في بحوثها ونصوصها جعلناها تحت عنوان واحد.

متى ظهرت أحاديث الرؤية والتشبيه

تدل نصوص الحديث والتاريخ على أن الجو الذي كان سائداً في صحابة النبي في عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعهد الخليفة أبي بكر هو الإنسجام مع آيات القرآن النافية لإمكان الرؤية، وأن الله تعالى ليس من نوع الأشياء التي ترى بالعين أو تحس بالحواس الخمس.. لأنه وجود أعلى من الأشياء المادية، فهو يدرك بالعقل ويحس بالقلب والبصيرة لا بالبصر.

ويبدو أن أفكار التشبيه والرؤية ظهرت بين المسلمين في عهد الخليفة عمر وما بعده، فنهض أهل البيتعليهم‌السلام وبعض الصحابة لردها وتكذيبها.

وتدل أحاديث التكذيب التي رويت عن أم المؤمنين عائشة أنها كغيرها فوجئت وصدمت بهذه المقولات الغريبة عن عقائد الإسلام، المناقضة لما بَلَّغه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ربه تعالى، سواء في آيات القرآن أو في أحاديثه الشريفة! ولذلك أعلنت أم المؤمنين أن هذه الأحاديث مكذوبة، بل هي فرية عظيمة على الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن واجب المسلمين ردها وتكذيبها!!

عائشة تكذب أحاديث الرؤية والتشبيه

- صحيح البخاري ج ٦ ص ٥٠

... عن عامر عن مسروق قال قلت لعائشةرضي‌الله‌عنها : يا أمتاه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقالت لقد قَفَّ شعري مما قلت! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب

٨

ثم قرأت:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ، ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت: وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب ثم قرأت:يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك الآية، ولكنه رأى جبرئيلعليه‌السلام في صورته مرتين.

- صحيح البخاري ج ٨ ص ١٦٦

... عن الشعبي عن مسروق عن عائشةرضي‌الله‌عنها قالت: من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب، وهو يقول:لا تدركه الأبصار ، ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: لا يعلم الغيب إلا الله. انتهى. وروى نحوه في ج ٢ جزء ٤ ص ٨٣ وج ٣ جزء ٦ ص ٥٠ وج ٤ ص ٨٣ وقد استوفينا بقية مصادره في كتاب (الوهابية والتوحيد).

موج الفرية جاء من الشام

مع أن الخليفة عمر أخذ من ثقافة كعب الأحبار وجماعته وأجاز لهم رسمياً أن يحدثوا المسلمين في مساجدهم، وأن يكتب المسلمون عنهم، ولكن روايات الرؤية واجهت سداً من الصحابة فبقي انتشارها محدوداً في زمن الخليفة عمر، ولكن الدولة الأموية تبنت نشرها بقوة فارتفعت موجتها من الشام، ووصلت إلى المدينة فاستنكرها أهل البيت وعائشة والصحابة!

تدل الرواية التالية على أن الشام كانت مركز القول بالتشبيه والتجسيم، وسبب ذلك أن كعب الأحبار وجماعته اتخذوا الشام قاعدة لهم وكانوا مقربين من معاوية، وقد أطلق يدهم ليملوا أفكارهم وثقافتهم على المسلمين، ويظهر أن أول من تأثر بهم وتبعهم أهل الشام حتى تأصلت أفكارهم فيهم.

ومن الظواهر الملفتة أن الشام في تاريخنا الإسلامي كانت موطناً للتشبيه

٩

والتجسيم أكثر من أي قطر إسلامي آخر! فلا توجد في العالم الإسلامي منطقة يعتبر فيها تأويل صفات الله تعالى التي يتوهم منها التشبيه والتجسيم جريمةً وخروجاً عن الدين إلا الشام، فقد صارت كلمة (متاولة) تساوي كلمة كفار أو أسوأ منها، وكم من مسلم قتل في بلاد الشام بجرم أنه (متوالي) أي متأوّل! وما زالت هذه الكلمة إرثاً عند العوام ينبزون بها شيعة أهل البيتعليهم‌السلام وهي في فهم عوامهم أسوأ من الكفر أو مساوقة له!

- قال الصدوق في التوحيد ص ١٧٩

حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقنديرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه محمد بن مسعود العياشي قال: حدثنا الحسين بن أشكيب قال: أخبرني هارون بن عقبة الخزاعي، عن أسد بن سعيد النخعي قال: أخبرني عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال محمد بن علي الباقرعليهما‌السلام :يا جابر ما أعظم فرية أهل الشام على الله عز وجل، يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس، ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجر فأمرنا الله تبارك وتعالى أن نتخذه مصلى، يا جابر إن الله تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه، تعالى عن صفة الواصفين، وجلَّ عن أوهام المتوهمين، واحتجب عن أعين الناظرين، لا يزول مع الزائلين، ولا يأفل مع الآفلين، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم.

- ورواه العياشي في تفسيره ج ١ ص ٥٩، ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ١٠٢ ص٢٧٠ وقال: بيان: الظاهر أن المراد بالعبد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث وضع قدمه الشريف عليه ليلة المعراج وعرج منه كما هو المشهور ويحتمل غيره من الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام وعلى أي حال يدل على استحباب الصلاة عليه. انتهى. ولكن الصحيح ما قاله الرباني في هامش بحار الأنوار:

١٠

بل الظاهر من الحجر أن المراد به مقام إبراهيم وبه أثر قدمه الشريف، وقد أمرنا الله عز وجل بقوله:واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى ، أن نتخذه مصلى. انتهى.

ولا يبعد أن يكون مقصود الإمام الباقرعليه‌السلام بتعبيره (أهل الشام) بني أمية، وهو تعبير يستعمله عنهم أهل البيتعليهم‌السلام وهذا يدعونا إلى القول بأن سبب عدم نجاح أفكار كعب في المدينة المنورة أو في الكوفة أو محدودية نجاحها في القرن الأول، الخليفة عمر رغم أنه أعطى كعباً مكانة عظيمة في دولة الخلافة وكان يقبل أفكاره، ولكن كان يوجد في عهده صحابة كثيرون يجابهون كعباً ويردون إسرائيلياته كما شاهدنا في موقف عائشة، وكما نرى في الموقف التالي لعليعليه‌السلام حيث غضب من كلام كعب ونهض ليخرج من مجلس الخليفة عمر محتجاً على أفكاره التجسيمية اليهودية!

- فقد روى المجلسي في بحار الأنوار ج ٤٤ ص ١٩٤

عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوماً وعنده كعب الحبر إذ قال: يا كعب أحافظ أنت للتوراة.

قال كعب: إني لأحفظ منها كثيراً.

فقال رجل من جنبة المجلس: يا أمير المؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه، ومم خلق الماء الذي جعل عليه عرشه. فقال عمر: يا كعب هل عندك من هذا علم؟

فقال كعب: نعم يا أمير المؤمنين نجد في الأصل الحكيم أن الله تبارك وتعالى كان قديماً قبل خلق العرش وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه!

قال ابن عباس: وكان علي بن أبي طالبعليه‌السلام حاضراً فعظم على ربه وقام على قدميه ونفض ثيابه فأقسم عليه عمر لما عاد إلى مجلسه ففعله.

١١

قال عمر: غص عليها يا غواص، ما تقول يا أبا الحسن فما علمتك إلا مفرجاً للغم.

فالتفت عليعليه‌السلام إلى كعب فقال:

غلط أصحابك وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه! يا كعب ويحك إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قدمته، وعز الله وجل أن يقال له مكان يومى إليه، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون، ولكن كان ولا مكان بحيث لا تبلغه الأذهان، وقولي (كان) عجز عن كونه وهو مما علم من البيان يقول الله عز وجل (خلق الإنسان علمه البيان) فقولي له (كان) ما علمني من البيان لأنطق بحججه وعظمته، وكان ولم يزل ربنا مقتدراً على ما يشاء محيطاً بكل الأشياء، ثم كوَّن ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غير شيء، ثم خلق منه ظلمة، وكان قديراً أن يخلق الظلمة لا من شيء كما خلق النور من غير شيء، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماء مرتعداً ولا يزال مرتعداً إلى يوم القيامة، ثم خلق عرشه من نوره وجعله على الماء، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فيها لغة تشبه الأخرى، وكان العرش على الماء من دونه حجب الضباب، وذلك قوله: وكان عرشه على الماء ليبلوكم.

يا كعب ويحك، إن من كانت البحار تفلته على قولك، كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه . فضحك عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر وهكذا يكون العلم لا كعلمك يا كعب، لاعشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن. انتهى.

وفي هذه الرواية مادة غنية للبحث نكتفي منها بأن كعب الأحبار طرح التجسيم رسمياً في دار الخلافة ومجلس الخليفة ولم يرده إلا عليعليه‌السلام وقد قبل الخليفة تنزيه

١٢

عليّ لله تعالى ووبخ كعب الأحبار في ذلك المجلس، ولكن يظهر أنه قبل منه التجسيم بعد ذلك كما سيأتي في أحاديث الخليفة عن تجسيم الله تعالى، وأنه يجلس على عرشه ويطقطق العرش من ثقله.. إلخ.

وابن عباس يحكم بشرك من يشبّه الله تعالى بغيره

- قال الديلمي في فردوس الأخبار ج ٤ ص ٢٠٦

ابن عباس: من شبه الله عز وجل بشيء أو ظن أن الله عز وجل يشبهه شيء، فهو من المشركين.

- وروى الطبري في تفسيره ج ٩ ص ٣٨

عن ابن عباس قوله تعالى: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين يقول: أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك.

- وقال النويري في نهاية الإرب ج ٧ جزء ١٣ ص ٢١١

قال وهب: واختلف العلماء في معنى التجلّي، قال ابن عباس: ظهر نوره للجبل.

- وقال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد ج ٣ ص ٢٩ - ٣٠

واختلف الصحابةرضي‌الله‌عنهم هل رأى ربه تلك الليلة أم لا؟ فصح عن ابن عباس أنه رأى ربه، وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده. انتهى.

وقال ناشر الكتاب الشيخ عبد القادر عرفان في هامشه:

لم أقف على هذه الرواية في الصحيح بل الذي صح عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه ما جاء عند مسلم في الإيمان ١٧٦/٢٨٥ في قوله تعالى:مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وقوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قال: رآه بفؤاده مرتين. وأخرجه الترمذي في التفسير. (٣٢٨٠).

ثم قال ابن قيم الجوزية: وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك وقالا: إن قولهولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى إنما هو جبريل. وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نور، أنى أراه! أي: حال بيني وبين

١٣

رؤيته النور، كما قال في لفظ آخر: رأيت نوراً. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره.

ثم قال ابن قيم الجوزية: قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: وليس قول ابن عباس: إنه رآه مناقضاً لهذا ولا قوله رآه بفؤاده وقد صح عنه أنه قال: رأيت ربي تبارك وتعالى ولكن لم يكن هذا في الإسراء ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه، وعلى هذا بنى الإمام أحمدقدس‌سره وقال: نعم رآه حقاً فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد، ولكن لم يقل أحمدقدس‌سره أنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال مرة رآه، ومرة قال رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة ليس فيها ذلك. انتهى.

وقد كفانا ناشر الكتاب الجواب على كلام ابن تيمية أيضاً حيث قال في هامشه:

(٦) جزء من حديث ضعيف أخرجه أحمد في مسنده ٣٤٨٤/١ من طريق أبي قلابة عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه . وأبو قلابة - واسمه عبد الله بن زيد الجرمي - لم يسمع من ابن عباس - التهذيب ٥ - ١٩٧ ومن طريقه أخرجه الترمذي ٣٢٣٣ وقال: وقد ذكر بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلاً. وقد رواه قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس اهـ. أقول: لم يسمع قتادة من أبي قلابة. تهذيب الكمال ٣٢٦٦/١٠ ط. دار الفكر وأخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية رقم ١٢ و١٣ و١٤ وتعقبه بقوله: أصل هذا الحديث وطرقه مضطربة قال الدار قطني: كل أسانيده مضطربة ليس فيها صحيح... وقال أبو بكر البيهقي: قد روي من أوجه كلها ضعاف... وقال أبو زرعة فيما نقله عنه المزي في تحفة الأشراف ٤/٣٨٣ عن أحمد بن حنبل: حديث قتادة هنا ليس بشيء... وأخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص ٣١٩ - ٣٢٠ والآجري في الشريعة ص ٤٩٦ والترمذي بنحوه ٣٢٣٤ وابن أبي عاصم في السنة ٤٦٩ وأبو يعلى ٢٦٠٨ من طرق عن ابن عباس.

١٤

وتعقبه الحافظ ابن حجر في (النكت الظراف ٤/٣٨٢ نقلاً عن محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة قوله: هذا حديث اضطرب الرواة في إسناده وليس يثبت عند أهل المعرفة. وفي الباب عن جابر بن سمرةرضي‌الله‌عنه عند ابن أبي عاصم في السنة ٤٦٥ وعن أبي أمامةرضي‌الله‌عنه في المصدر المذكور ٤٦٦ وعن ثوبانرضي‌الله‌عنه أيضاً برقم ٤٧٠ وعند البزار ٢١٢٨ وعن أم الطفيل عن ابن أبي عاصم ٤٧١ وعن أبي رافع عند الطبراني في الكبير ٩٣٨ وعن ابن عمر عند البزار ٢١٢٩ من طرق ضعيفة أو واهية لا يعتد بها ولا تصح للإحتجاج بها، والله تعالى أعلم. وقد تقدم القول في هذا الحديث في أول الكتاب. راجع الفهرس أخي الكريم رحمك الله تعالى. انتهى.

- وروى المجلسي في بحار الأنوار ج ٣ ص ٣٦

٢٥ - لي يد: ابن المتوكل عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد ابن النضر، عن محمد بن مروان، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن عبد الله بن عباس في قوله عز وجل: فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ، قال يقول: سبحانك تبت إليك من أن أسألك رؤية، وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى. انتهى.

والظاهر أن قصد ابن عباس من إنكار التشبيه والرؤية هو ما ادعوه في زمانه وردت عليه عائشة وأكدت أنه افتراء. وهذه الرواية وغيرها تعارض ما رووه عن ابن عباس من القول بأن الله تعالى يرى بالعين أو أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه بعينه.

وأبو هريرة يوافق عائشة وابن عباس وابن مسعود

يظهر أن أبا هريرة كان يوافق عائشة وابن عباس ويروي أحاديث نفي التشبيه والرؤية.. إلى أن غلب الجو القائل بالرؤية فرويت عنه أحاديثها! قال ابن ماجة في سننه ج ٢ ص ١٤٢٦: عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت يصير إلى القبر فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا

١٥

مشعوف، ثم يقال له فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام فيقال له: ما هذا الرجل فيقول: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه فيقال له: هل رأيت الله فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله، ثم يفرج له قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له: هذا مقعدك، ويقال له: على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله.

وكان الجمهور يرون رأي عائشة ويكذبون أحاديث الرؤية بالعين

- قال الثعالبي في الجواهر الحسان ج ٣ ص ٢٥٣

ولقد رآه... فقالت عائشة والجمهور هو عائد على جبرئيل.

- وقال الشاطبي في الإعتصام ج ٢ ص ١٧٦

الأولون ردوا كثيراً من الأحاديث الصحيحه بعقولهم وأساؤوا الظن (...) بما صح عن النبي (ص) حتى ردوا كثيراً من الأمور الأخرى... وأنكروا رؤية الباري.

- وقال في الإعتصام ج ٢ ص ١٩٧

بعض علماء الكلام.. عدوا من البدعة قول من يصف الباري تعالى بالعلو وبأنه على عرشه... وهذا هو عين السنة المأثورة عن الصحابة.

- وقال في الإعتصام ج ٢ ص ٣٣٤

وذهب جماعة من العلماء إلى أن المراد بالرأي المذموم في هذه الأخبار البدع المحدثة كرأي أبي جهم وغيره.. فقالوا لا يجوز أن يرى الله في الآخرة لأنه تعالى يقول:لا تدركه الأبصار..

- وقال الذهبي في تاريخ الإسلام ج ٢٠ ص ١٥٣

محمد بن أحمد بن حفص بن الزبرقان: أبو عبد الله البخاري عالم أهل بخارى وشيخهم وكان فقيها ورعاً زاهداً، ويكفر من قال بخلق القرآن ويثبت أحاديث الرؤية

١٦

والنزول، ويحرم المسكر توفي سنة ٢٦٤ ه- في رمضان. انتهى. ومدحه للبخاري بأنه يثبت أحاديث الرؤية والنزول يدل على أنه يوجد كثيرون ينفونها.

- وقال الطوسي في تفسير التبيان ج ٤ ص ٢٢٦

روى مسروق عن عائشة أنها قالت: من حدثك أن رسول الله رأى ربه فقد كذب:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار .وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب ولكن رأى جبرئيل في صورته مرتين. وفي رواية أخرى أن مسروقاً لما قال لها: هل رأى محمد ربه قالت: سبحان الله لقد قف شعري مما قلت! ثم قرأت الآية. وقال الشعبي: قالت عائشة: من قال إن أحداً رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، وقرأت الآية، وهو قول السدي وجماعة أهل العدل من المفسرين كالحسن والبلخي والجبائي والرماني وغيرهم. وقال أهل الحشو والمجبرة بجواز الرؤية على الله تعالى في الآخرة، وتأولوا الآية على الإحاطة، وقد بينا فساد ذلك.

عليعليه‌السلام يوضح ما لم توضحه عائشة

- نهج البلاغة ج ١ ص ١٤

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعمه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون.

الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود.

فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه.

أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله،

١٧

ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلى منه.

كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده . انتهى.

وسيأتي في الفصل الرابع المزيد من جواهر النبي وآله في التوحيد ونفيهم المطلق للرؤية والتشبيه والتجسيم عن الله تبارك وتعالى.

وأصل روايات الرؤية بالعين لا تتجاوز العشرة

- قال الذهبي في سيره ج ١٠ ص ٤٥٥

قال أحمد بن حنبل: أخبرني رجل من أصحاب الحديث أن يحيى بن صالح قال: لو ترك أصحاب الحديث عشرة أحاديث يعني هذه التي في الرؤية، ثم قال أحمد: كأنه نزع إلى رأي جهم... قلت: والمعتزلة تقول لو أن المحدثين تركوا ألف حديث في الصفات والأسماء والرؤية والنزول لأصابوا. والقدرية تقول أنهم تركوا سبعين حديثاً في إثبات القدر. والرافضة تقول لو أن الجمهور تركوا من الأحاديث التي يدعون صحتها ألف حديث لأصابوا، وكثير من ذوي الرأي يردون أحاديث شافه بها الحافظ المفتي المجتهد أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أنه ما كان فقيهاً ويأتوننا بأحاديث ساقطة أو لا يعرف لها إسناد أصلاً محتجين بها.

قلنا: وللكل موقف بين يدي الله تعالى، يا سبحان الله أحاديث رؤية الله في الآخرة متواترة والقرآن مصدق لها، فأين الإنصاف. انتهى.

نقول: الإنصاف أن في القرآن آيات تنفي الرؤية بالعين بشكل قاطع فهي محكمة، وفيه آيات يفهم من ظاهرها الرؤية بالعين فيجب تأويلها لأنها متشابه يحمل على المحكم، أما أحاديث الرؤية بالعين فهي مهما كثرت مخالفة للقرآن، مضافاً إلى أن

١٨

بعضها كذبه الصحابة، وجميعها كذبها أهل بيت النبي الذين أمر النبي أمته أن تأخذ معالم دينها منهم صلوات الله عليه وعليهم، وكذبتها عائشة وغيرها من الصحابة. فهذا هو الإنصاف! جعلنا الله جميعاً من المنصفين في الأمور العلمية والعملية.

- الأحاديث القدسية من الصحاح ج ١ ص ١٤٧

اختلف العلماء في الحديث أعلاه لأنه حديث من أحاديث الصفات، قال الإمام أبو بكر بن فورك: إنها غير ثابته عند أهل النقل ولكن قد رواها مسلم وغيره فهي صحيحة.. وقول أهل السلف إنه حق ولا يتكلم في تأويلها. انتهى.

ولا بد أن المقصود بقوله أهل النقل الذين لم تثبت عندهم: علماء الجرح والتعديل وأئمة الحديث النقاد، بينما هي ثابتة عند المتساهلين، وعند الذين يميلون إلى ما تريده الدولة. كما أن شهادة ابن فورك بأن مسلماً روى في صحيحه ما لم يثبت عند أهل النقل يجب أن تفتح الباب لإعادة تقييم روايات مسلم.

وغلبت موجة كعب ودخلت الرؤية والتشبيه في عقائد المسلمين

كانت موجة التشبيه التي ساندتها الدولة أقوى من مواجهة الراوين فقد استطاع الخليفة عمر ومن سار على خطه أن يحدثوا موجة من القول بالرؤية كما ستعرف، وقد غلبت هذه الموجة رأي عائشة وكل الصحابة ورجحت عليهم، وصارت الرؤية بالعين جزءً من عقيدة جمهور المسلمين إلى يومنا هذا، وتبرع علماء إخواننا السنة بتأويل كلام عائشة رغم صراحته، بل تجرؤوا على رد كلامها رغم ثقتهم بها ومكانتها في عقائدهم، وقالوا إنها قالت ذلك باجتهادها!! مع أن الطبري وغيره رووا أنها لم تنف الرؤية من اجتهادها بل روت ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

- قال الدميري في حياة الحيوان ج ٢ ص ٧٢

واختلف العلماء من السلف والخلف في أنه هل رأى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ربه تعالى أم لا، فأنكرته عائشة وأبو هريرة وابن مسعود وجماعة من السلف،

١٩

وبه قال جماعة من المتكلمين والمحدثين، وأجازه جماعة من السلف وأنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة الإسراء بعيني رأسه، وهو قول ابن عباس وأبي ذر وكعب الأحبار والحسن البصري والشافعي وأحمد بن حنبل، وحكي أيضاً عن ابن مسعود وأبي هريرة، والمشهور عنهما الأول، وبهذا القول الثاني قال أبو الحسن وجماعة من أصحابه، وهو الأصح، وهو مذهب المحققين من السادة الصوفية... قلت: رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة جائزة بالأدلة العقلية والنقلية... وأما استدلال عائشةرضي‌الله‌عنها على عدم الرؤية بقوله تعالى:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، ففيه بُعْدٌ، إذ يقال بين الإدراك والإبصار فرق، فيكون معنى لا تدركه الأبصار أي لا تحيط به مع أنها تبصره، قاله سعيد بن المسيب وغيره. وقد نفى الإدراك مع وجود الرؤية في قوله تعالى:فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاّ ، أي لا يدركونكم. وأيضاً فإن الأبصار عموم وهو قابل للتخصيص فيختص المنع بالكافرين كما قال تعالى عنهم:كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ، ويكرم المؤمنين أو من شاء الله منهم بالرؤية كما قال تعالى:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة . وبالجملة فالآية ليست نصاً ولا من الظواهر الجلية في عدم جواز الرؤية، فلا حجة فيها والله أعلم. انتهى.

وقد لاحظت كيف صاغ صاحب حياة الحيوان الموضوع، وجعله مسألة ذات وجهين وكثَّر القائلين بالرؤية من السلف والخلف، ثم خلط الإدراك بمعنى اللحوق بالإدراك بمعنى الرؤية، وجعل إمكان تخصيص الله تعالى لعموم آية تخصيصاً بالفعل، ثم كابر في إنكار الظاهر.. ثم جعل رواية عائشة استدلالاً من زميلة له.. كل ذلك لأنه يريد مذهب كعب الأحبار في الرؤية بالعين بأي ثمن!!

- وقال في عارضة الأحوذي ج ٦ جزء ١١ هامش ص ١٨٨

عن ابن عربي إن الله أنزل هذه الآية لا لنفي الرؤية لله ولا قالت به عائشة، فإنه يرى في الدنيا والآخرة جوازاً ووقوعاً!!

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

كفر ومن رضى قد شكر». قيل لها : فلِمَ حاربتيه؟ قالت : ما حاربته من ذات نفسي إلّا حملني طلحة والزبير(1) .

الفضل ما شهدت به الأعداء

عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : «من فضّل أحداً من أصحابي على علي فقد كفر»(2) .

وهذا الحديث صريح الدلالة على أنّ كلّ من يفضّل أحداً على أمير المؤمنين عليه السلام فهو كافر ، فياترى ما هو حال الذين تجاسروا عليه واغتصبوا حقّه جهاراً ولم يرعوا له حرمة أبداً.

عمر يعترف بفضائل الإمام علي عليه السلام

عن عمر بن الخطّاب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : فضل علي بن أبي طالب على هذه الأُمّة كفضل شهر رمضان على سائر الشهور ، وفضل علي هذه الأُمّة كفضل ليلة القدر على سائر الليالي ، وفضل علي على هذه الأُمّة كفضل ليلة الجمعة على سائر الليالي ، فطوبى لمن آمن به وصدّق بولايته والويل كلّ الويل لمن جحده وجحد حقّه ، حقّاً على الله أن يحرمه القيامة شفاعة محمّد صلى الله عليه واله(3) .

وحقيقة إنّ هذا الحديث من خيرة الأحاديث الدالّة على فضل أميرالمؤمنين عليه السلام وكونه صاحب الولاية بعد رسول الله صلى الله عليه واله وأنّ كلّ من أنكر هذ الولاية في الحياة الدنيا سيحرم يوم القيامة قطعاً من شفاعة رسول الرحمة صلى الله عليه واله. الملفت للانتباه أنّ نفس عمر يروي هذا الحديث بينما يقدّم أبا بكر للخلافة ، ثمّ يتولّى هو الخلافة وقبل أن يرحل يجعلها شورى ولا يرضى أن تصل مقاليد الخلافة لصاحبها الواقعي الذي اعترف هو

__________________

(1) بحار الأنوار ج 38 ص 7 ح 13.

(2) بحار الأنوار ج 38 ص 14 ح 19.

(3) بحار الأنوار ج 38 ص 14 ـ 15 ح 21.

٨١

شخصياً بفضيلته كما في هذا الحديث فاعتبروا يا أُولي الألباب.

من يشتري سيفي؟

عن أبي حيّان التيمي عن أبيه قال؟ رأيت علي بن أبي طالب عليه السلام على المنبر يقول : من يشتري منّي سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته ، فقام إليه رجل فقال : نسلفك ثمن إزار. قال : قال عبدالرزاق ـ الراوي ـ وكانت بيده الدنيا كلّها إلّا ما كان من الشام(1) .

أوّل من صلّى مع الرسول صلى الله عليه واله

من كلام لسعد بن أبي وقّاص في الإمام علي عليه السلام قال فيه : ألم يكن أوّل من أسلم؟ ألم يكن أوّل من صلّى مع رسول الله صلى الله عليه واله؟ ألم يكن أزهد الناس؟ ألم يكن أعلم الناس(2) ؟

علي عليه السلام سيّد في الدارين

عن ابن عباس قال : نظر النبي صلى الله عليه واله إلى علي عليه السلام فقال : «أنت سيّد في الدنيا وسيّد في الآخرة ، حبيبك حبيبي ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوّك عدوّي ، وعدوّي عدو الله ، والويل لمن أبغضك بعدي»(3) .

وهنا يحقّ لنا أن نسأل ونقول : إنّ الذين جعلوا أميرالمؤمنين عليه السلام يجلس في داره بعد أن غصبوا حقّه وأحرقوا باب الصدّيقة الزهراء عليها السلام هل كانوا من أحبّاء الإمام علي عليه السلام أم من مبغضيه؟ بلا شكّ كانوا من أعداءه وبالتالي فإنّهم ـ وكما ينصّ الحديث ـ أعداء لله ولرسوله صلى الله عليه واله ، فكيف يمكن أن يكونوا خلفاءه؟! إنّ هذا لعجباً؟!

__________________

(1) الاستيعاب في هامش الاصابة ج 2 ص 465.

(2) الفضائل الخمسة ج 3 ص 7.

(3) مستدرك الصحيحين ج 3 ص 127.

٨٢

مَن فارق عليّاً

عن أبي ذرّ رضوان الله عليه قال : قال النبي صلى الله عليه واله : «يا علي من فارقني فقد فارق الله ، ومن فارقك يا علي فقد فارقني»(1) .

ويحقّ لنا أن نسأل هنا أيضاً ونقول : هل إنّ الذين غصبوا الخلافة من أمير المؤمنين عليه السلام فارقوه أم لا؟

بالطبع أنّهم فارقوه وبذلك فإنّهم فارقوا الله ورسوله صلى الله عليه واله ولا يحقّ لمن يفارق الله ورسوله أن يستلم خلافة المسلمين.

لا فتى إلّا علي عليه السلام

عن أبي جعفر عليه السلام قال : نادى ملك من السماء يوم بدر يقال له رضوان أن لا سيف إلّا ذوالفقار ولا فتى إلّا علي(2) .

جبرئيل ينصر الإمام علي عليه السلام

عن سعيد بن المسيّب قال : لقد أصابت علياً عليه السلام يوم أُحد ستّ عشرة ضربة كلّ ضربة تلزمه الأرض فما كان يرفعه إلّا جبرئيل عليه السلام(3) .

مبارزة علي عليه السلام أفضل من أعمال الأُمّة

عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : «لمبارزة علي بن أبي طالب عليه السلام لعمرو بن ودّ يوم الخندق أفضل من أعمال أُمّتي إلى يوم القيامة»(4) .

إرادتكم إرادة الله عزّ وجلّ

روي أنّه اختصم رجل وامرأة إليه ـ الإمام علي عليه السلام ـ فعلا صوت الرجل على

__________________

(1) مستدرك الصحيحين ج 3 ص 123.

(2) ذخائر العقبى ص 74 وفي الرياض النضرة ج 2 ص 190.

(3) أُسد الغابة في معرفة الصحابة ج 4 ص 20.

(4) مستدرك الصحيحن ج 3 ص 32 تاريخ بغداد ج 13 ص 19 ح 6978.

٨٣

المرأة فقال له الإمام علي عليه السلام : اخسأ ـ وكان خارجياً ـ فإذا رأسه رأس كلب ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين صحت بهذا الخارجي فصار رأسه رأس كلب فما يمنعك عن معاوية؟ قال : ويحك لو أشاء أن آتي معاوية إلى ههنا على سريرة لدعوت الله حتّى فعل ، ولكنّا لله خزّان لا على ذهب ولا على فضّة ولا إنكاراً بل على أسرار تدابير الله ، أما تقرأ :( بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (1) وفي رواية قال عليه السلام : «إنّما أدعوهم لثبوت الحجّة وكمال المحنة ، ولو أُذن لي في الدعاء بهلاك معاوية لما تأخّر»(2) .

من قضاء أمير المؤمنين عليه السلام

عن عمّار بن ياسر قال : كنت بين يدي مولانا المؤمنين عليه السلام وإذا بصوت قد أخذ جامع الكوفة فقال : يا عمّار ائت بذي الفقار الباتر للأعمار فجئته بذي الفقار ، فقال : اخرج يا عمّار وامنع عن ظلامة هذه المرأة ، فإن انتهى وإلّا منعته بذي الفقار ، قال : فخرجت وإذا أنا برجل وامرأة قد تعلّقوا بزمام جمل والمرأة تقول : الجمل لي ، والرجل يقول : الجمل لي ، فقالت : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام ينهاك عن ظلم هذه المرأة ، فقال : يشتغل علي بشغله ويغسل يده من دماء المسلمين الذين قتلهم بالبصرة ويريد أن يأخذ جملي ويدفعه إلى هذه المرأة الكاذبة؟! فقال عمّار رضي الله عنه : فرجعت لأخبر مولاي فإذا به قد خرج ولاح الغضب في وجهه وقال : ويلك خلّ جمل المرأة ، فقال : الشاهد الذي لا يكذّبه أحد من الكوفة ، فقال الرجل : إذا شهد شاهد وكان صادقاً سلّمته إلى المرأة ، فقال الإمام علي عليه السلام : تكلّم أيّها الجمل لمن أنت؟ فقال بلسان فصيح : يا أمير المؤمنين وخير الوصيّين أنا لهذه المرأة منذ بضع عشر سنة ، فقال الإمام علي عليه السلام خذي

__________________

(1) سورة الأنبياء : 26 ـ 27.

(2) بحار الأنوار ج 41 ص 191.

٨٤

جملك ، وعارض الرجل بضربة قسّمه نصفين(1) .

في مدح أمير المؤمنين عليه السلام

ومن خير ما نظم في مدح أمير المؤمنين عليه السلام هو ما نظمه الصاحب بن عبّاد قدّس الله روحه الزكيّة في قصيدته الرائعة التي جاء فيها :

قالت : فمن صاحب الدين الحنيف أجب

فقلت : أحمد خير السّادة الرسلِ

قالت : فمن بعده تُصفي الولاء له؟

قلت : الوصيّ الذي أربى على زُحلِ

قالت : فمن باب من فوق الفراش فدى؟

فقلت : أثبت خلق الله في الوهلِ

قالت : فمن ذا الذي آخاه عن مقةٍ؟

فقلت : من حاز ردّ الشمس في الطفل

قالت : فمن زوّج الزهراء فاطمة؟

فقلت : أفضل من حافٍ ومنتعلِ

قالت : فمن والد السبطين إذ فرعا؟

فقلت : سابق أهل السبق في مهلِ

قالت : فمن فاز في بدر بمعجزها؟

فقلت : أضرب خلق الله في القللِ

قالت : فمن أسد الأحزاب يفرسها؟

فقلت : قاتل عمرو الضغيم البطلِ

قالت : فيوم حنين مَن فرا وبرا؟

فقلت : حاصد أهل الشرك في عجلِ

قالت : فمن ذا دُعي للطير يأكله؟

فقلت : أقرب مرضيٍّ ومنتحلِ

قالت : فمن تلوه يوم الكساء أجب؟

فقلت : أفضل مكسوٍ ومشتملِ

قالت : فمن ساد في يوم «الغدير» أبن؟

فقلت : مَن كان للإسلام خير ولي

قالت : ففي مَن أتى في هل أتى شرفٌ؟

فقلت : أبذل أهل الأرض للنفلِ

قالت : فمن راكع زكّى بخاتمه؟

فقلت : أطعنهم مذ كان بالأُسلِ

قالت : فمن ذا قسيم النار يسهمها؟

فقلت : مَن رأيه أذكى من الشعلِ

قالت : فمن باهل الطهر النبي به؟

فقلت : تاليه في حلٍّ ومرتحل

قالت : فمن شبه هارون لنعرفه؟

فقلت : مَن لم يحل يوماً ولم يزلِ

__________________

(1) بحار الأنوار ج 41 ص 236 ح 7.

٨٥

قالت : فمن ذا غدا باب المدينة قل؟

فقلت : من سألوه وهو لم يسلِ

قالت : فمن قاتل الأقوام إذ نكثوا؟

فقلت : تفسيره في وقعة الجملِ

قالت : فمن حارب الأرجاس إذ قسطوا؟

فقلت : صفّين تُبدي صفحة العملِ

قالت : فمن قارع الأنجاس إذ مرقوا؟

فقلت : معناه يوم النهروان جَلي

قالت:فمن صاحب الحوض الشريف غداً؟

فقلت : مَن بيته في أشرف الحللِ

قالت : فمن ذا لواء الحمد يحمله؟

فقلت : مَن لم يكن في الرَّوع بالوجلِ

قالت : أكلُّ الذي قد قلت في رجلٍ؟

فقلت : كلُّ الذي قد قلت في رجلِ

قالت : فمن هو هذا الفرد سمّه لنا؟

فقلت : ذاك أمير المؤمنين علي

٨٦

الفصل الخامس

بعد أن وضعت الحرب أوزارها ظهر عاشوراء حيث ارتكب أزلام بنو أُميّة أبشع المآسي وأوجعوا قلب رسول الله صلى الله عليه واله بسفكهم للدماء الزاكية لأهل البيت عليهم السلام أخذوا النساء والأطفال ومعهم الإمام السجّاد عليه السلام الذي كان عليلاً أُسراء إلى الكوفة.

وبعد أن نزل الأُسراء الكوفة بعث ابن زياد اللعين إلى يزيد الطاغية يستأذنه في بعث القافلة إلى الشام ولمّا أذن اللعين قادوا أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام إلى الشام وذلك عبر طريق الموصل.

وقد أمر ابن زياد اللعين كلّ من : زجر بن قيس ، ومحض بن أبي ثعلبة ، وشمر بن ذي الجوشن ، أن يقودوا الأسارى والرؤوس مع خمسة آلاف فارس نحو الشام ، التي دخلها ركب الأُسارى في اليوم الأوّل من شهر صفر المظفّر.

والآن لا بأس أن نذكر المآسي والحوادث المفجعة التي جرت على أهل البيت عليهم السلام خلال هذه المسيرة الطويلة.

1 ـ في جنب الفرات : أمر شمر بن ذي الجوشن الذي كان رئيس القافلة أن يقيّد الإمام السجّاد بالأغلال فوق النياق الهزلة وأن تجعل النساء والأطفال في الأكوار المكشوفة وأن توضع رؤوس الشهداء فوق الرماح العالية. وبعد أن سارت القافلة مسافة من الطريق نزلوا إلى جانب الفرات وجعلوا الرؤوس الشريفة على حائط إحدى الخربات وعمدوا اللعب بالقمار واللهو وشرب الخمر.

وفي ذلك الأثناء رأوا أنّ يداً ظهرت من فوق رأس سيّد الشهداء عليه السلام وكتبت بالدم على الحائط :

أترجوا أُمّة قتلت حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب؟!

٨٧

ولمّا أسرع القوم ليلقوا القبض على هذه اليد لم يجدوا شيئاً ، فعادوا إلى مكانهم وانشغلوا بفسادهم ولهوهم تارةً أُخرى ، وبعد لحظات ظهرت اليد مرّة أُخرى وكتبت بالدماء الزاكية :

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

فأسرع القوم من جديد ليأخذوا أمامها إلّا أنّهم لم يجدوا شيئاً ، وحينما عادوا إلى لعبهم سمعوا هاتفاً يقول :

ماذا تقولون إذ قال النبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأُمم

بعترتي وبأهلي عند مفتقدي

منهم أُسارى ومنهم ضرّجوا بدم(1)

2 ـ تكريت : كانت تكريت المنزل الثاني لأهل البيت عليهم السلام ، فلمّا وصلت القافلة قريباً منها بعثوا بعضهم ليخبروا أهل المدينة ويأمروهم كي يأتوا ويستقبلوا الأُسارى ، فأقبل أهل تكريت فرحين ، وكان في تكريت بعض النصارى فتساءلوا من الناس : ما الخبر؟ ومن هؤلاء؟ فقالوا : لقد جيء برأس الحسين مع الأسارى من أهل بيته؟

فقال النصارى : وأي حسين هذا؟

قالوا : الحسين بن فاطمة بنت رسول آخر الزمان.

وإذا بالنصارى يضجرون ويتألّمون لهذا المصاب ويقولون لهم : الويل لكم قتلتم ابن بنت نبيّكم؟!

ثمّ إنّهم ذهبوا إلى كنائسهم وضربوا نواقيسهم وأخذوا يبكون ويبرؤون من هذا العمل ويلعنون أهله.

__________________

(1) راجع مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي ج 2 ص 105 ـ 106 ، ذخائر العقبى ص 145 ، ورواه ابن المغازلي في المناقب ص 388 رقم 442 ، وقال محقّق كتاب ابن المغازلي «البهبودي» : أخرجه العلّامة الطبراني في المعجم الكبير ص 147 ، كفاية الطالب ص 291 ، مجمع الزوائد ج 9 ص 199 ، تاريخ الإسلام للذهبي ج 3 ص 13 ، الخصائص الكبرى ج 2 ص 127 ، الاتحاف بحبّ الأشرف ص 23 ، نظم درر السمطين ص 219 ، تاريخ دمشق ج 14 ص 244 ، نفس المهموم ص 422.

٨٨

3 ـ وادي النخلة : ثمّ إنّ القافلة خرجت من تكريت ووصلت إلى وادي النخلة ، وقد سمعوا في هذا الوادي ضجّة عظيمة ونياحة شديدة إلّا أنّهم لم يكونوا يرون أحداً ، وقد سمعوا شخصاً يقول :

مسح النبي جبينه ولو يريق في الخدود

أبواه من عليا قريش وجدّه خير الجدود

وكان شخص آخر يقول :

ألا ياعين جودي فوق جدّي

فمن يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المنايا

إلى متجبّر بالملك عبدي

4 ـ المرشاد : ثمّ إنّ القافلة تحرّكت من وادي النخلة ووصلت إلى المرشاد فجاء أهل المحلّة نساءً ورجالاً لاستقبال القافلة ، ولمّا شاهدوا الأسارى اعتلى بكاءهم وأنينهم وصياحهم وحملوا على قتلة سيّد الشهداء.

5 ـ الحرّان : لمّا وصلت القافلة إلى مشارف الحرّان كان هناك يهودياً اسمه يحيى الخزاعي واقفاً على سطح عالي جدّاً فرأى دخول الأسارى ولذلك نزل ليتفرّج عليهم ويشاهد حالهم ، ولمّا دنا من القافلة شاهد الرأس الشريف يتلو قوله تعالى :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (1) فتعجّب من هذا المنظر المذهل وتساءل قائلاً : هذا الرأس لمن؟

فقالوا له : إنّه رأس الحسين بن علي ، فقال لهم : ومَن أُمّه؟ قالوا : فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه واله.

فقال اليهودي : لو لم يكن دينه حقّ لما بدت منه هذه الكرامة المذهلة ، فأسلم يحيى وخلع عمامته ومزّقها قطعة قطعة ثمّ ناولها للعلويات المخدّرات ، ثمّ بعث ثوباً من الخز كان يرتديها إلى الإمام زين العابدين عليه السلام ومعها الف درهم ليصرفها في حاجته.

فصاح جلاوزة ابن زياد به وقالوا له : أيّها اللعين أتعين أعداء الخليفة؟!

__________________

(1) سورة الشعراء : 227.

٨٩

ابتعدوا وإلّا قتلناك ، فحمل يحيى السيف وقاتلهم قتال الأبطال ثمّ قتل شهيداً بعد أن قتل منهم خمسة أفراد. وقد دفن يحيى في دروازه حران ومقبرته معروفة اليوم باسم مقبرة الشهيد وهي محلّ لاستجابة الدعاء.

بنفسي رأس الدين ترفع رأسه

رفيع العوالي السمهرية ميد

تخاطبه مقروحة القلب زينب

فتشكو له أحوالها وتعيد

أخي كيف ترضى أن نساق حواسراً

وتسلب أبرادٌ لنا وعقود؟

أخي أترضى أن نساق أذلّة

ويطمع فينا شامت وحسود؟

أخي إنّ قلبي بات للوجد عنده

مواثيق لم تنقض لهنّ عهود

إذا رمت إخفاء الدموع فللجوى

مع الدمع منّي سائق وشهيد

6 ـ نصيبين : ولمّا وصلت القافلة إلى نصيبين بعث شمر اللعين من يخبر أمير المدينة ليأمر بتزيين المدينة فرحاً بمجيىء أسارى أهل البيت عليهم السلام.

وما أن خرج أمير المدينة المسمّى بـ «المنصور بن الياس» لاستقبال القافلة إذا بصاعقة تنزل وتحرق نصف المدينة وقد احترق كلّ من في هذا النصف من المدينة فاغتمّ أميرها بشدّة وخشي من غضب الله تعالى ولذلك أمر قوّاد القافلة بالخروج فخرجوا من المدينة بسرعة وهم يجرّون أذيال الخزي والعار.

7 ـ المدينة المجهولة : ثمّ إنّ القافلة وصلت إلى مدينة جديدة لم يذكر المؤرخون اسمها وقد كان اسم واليها سليمان بن يوسف وكان له أخوان : أحدهما قتل في معركة صفّين بيد أميرالمؤمنين عليه السلام والآخر كان شريكه في رئاسة هذه المدينة.

وعلى أيّة حال فقد أمر سليمان بالرؤوس أن تدخل من دروازة الرئيس إلّا أنّ أخيه خالفه في ذلك فاحتدّ النزاع بينهما وآل الأمر إلى المقاتلة ، فقتل سليمان وعمّت الفوضى في المدينة وخاف الشمر وأتباعه من هذه الحالة فخرجوا من المدينة بسرعة.

يا أُمّة السوء لا سقياً لربعكم

يا أُمّة لم تراع جدّنا فينا

لو أنّنا ورسول الله يجمعنا

يوم القيامة ما كنتم تقولونا؟

٩٠

تسيّرونا على على الأقتاب عارية

كأنّنا لم نشيّد فيكم دينا

تصفّقون علينا كفّكم ضرباً

وأنتم في فجاج الأرض تسبّونا

أليس جدّي رسول الله ويلكم

أهدى البريّة من سبل المضلّينا؟

8 ـ حلب : يوجد بقرب مدينة حلب جبل يسكنه اليهود كانوا يعيشون في قلعة مهيبة ومحكمة. وقد كانت حرفتهم هي الحياكة علماً أنّ حياكتهم كانت معروفة بالنعومة عند أهل الحجاز والعراق والشام.

وكان في ساحل الجبل والي يدعى عزيز بن هارون كان رئيس اليهود ، قيل أنّهم جاءوا بالقافلة إلى هذه المدينة لترعى النياق من العلف وترتوي من الماء.

عتيقة الإمام الحسين عليه السلام

نقل البعض فقال : عندما نزلت قافلة الأُسارى هذه المدينة وبعد أن أرخى الليل سدوله جاءت إحدى الجواري إلى الأسارى وتعرّفت على مولاة لها في أيّام سيّد الشهداء عليه السلام البعض يقول : إنّ سيّدة الجارية هي شهر بانو ، وكما يبدو أنّ ذلك ليس بصحيح ولعلّها كانت الرباب.

وما أن رأت هذه الجارية مولاتها سابقاً وهي على هذه الحال من الأسر والملابس الرثّة حتّى أخذت تبكي ، فتساءلوا منها : لماذا تبكين؟ قالت : أنا لا أنسى عناية سيّد الشهداء عليه السلام الخاصّة بي وكيف أنّ السيّدة شهر بانو أهدتني إليه لأكون في خدمته إلّا أنّه عليه السلام أعتقني في سبيل الله ، ولمّا رأت السيّدة شهر بانو ذلك من سيّد الشهداء عليه السلام أهدتني خلعة نفيسة جدّاً ، فالتفت إليها سيّد الشهداء عليه السلام قائلاً : لقد أعتقت الكثير من الجواري ولم تصنعي مع إحداهنّ هكذا؟

قالت : أُولئك عتقائي وهذه عتيقتك يا أبا عبدالله ولابدّ أن يكون هناك فرق بين عتقائي وعتقائك.

فدعا لها سيّد الشهداء عليه السلام وبقيت الجارية عند شهربانو مدّة من الزمن إلى اليوم الذي فارقت المدينة واليوم وبعد هذه المدّة الطويلة التقت بالأسارى وشاهدتهم على

٩١

هذه الحالة المأساوية فتذكّرت تلك الأيّام الجميلة ولذلك ذهبت وأعدّت لهم الثياب الجيّدة وجاءت بها ليلاً لتقدّمها لهم.

وحيث إنّ الأسارى كانوا محاصرين فقد استأذنت شيرين أحد رؤوساء القبيلة التي نزلت القافلة عندهم وكان يدعى «عزيز» كي يسمح لها في مساعدة الأُسارى ، وإذا به يستاءل منها قائلاً : أنت شيرين؟ فقالت : نعم ، من أين عرفت اسمي؟

قال : لقد شاهدت في الرؤيا نبي الله موسى ووصيّه هارون عليه السلام حفاة حاسرين باكيان فسلّمت عليهما وتساءلت قائلاً : ما الخطب؟ ولماذا تبكيان هكذا؟ فقالا : لقد قتل الحسين بن علي عليهما السلام واحتزّوا رأسه وطافوا به وعياله البلاد وقد أُودع الرأس الشريف في أحد الجبال.

يقول عزيز : فتساءلت من نبي الله موسى عليه السلام قائلاً : أنت تعتقد بنبوّة محمّد؟! قال : نعم ، إن محمّداً نبي حقّاً وقد أخذ الله تعالى من الأنبياء قاطبة ميثاقاً بأن يعتقدوا به وكلّ من يعرض عنه فنحن منه براء.

يقول عزيز : فطالبت نبي الله موسى عليه السلام ببعض العلائم لأطمئن بما جرى ، فقال : اذهب الآن خلف القلعة ستجد جارية اسمها شيرين عتقها الإمام الحسين عليه السلام استقبلها وأبلغها سلامي وأعلن إسلامك أمامها وهي التي ستأخذك إلى الرأس الشريف. وبالفعل فقد أخذت شيرين الثياب والطعام والطيب وأخذ عزيز الف درهم أعطاها للحرّاس كي لا يمانعوا وصولهم إلى الأسارى.

كما قدّم عزيز الفين درهماً إلى الإمام السجّاد عليه السلام وأسلم على يديه ثمّ دنا من الرأس الشريف وقال : السلام عليك يابن رسول الله ، أشهد إنّني رأيت جدّك خاتم الرسل وإلى جانبه نبي الله موسى وقد أبلغاك سلامهما ، وإذا بالرأس الشريف يجيب السلام بكلّ فصاحة قائلاً : وسلام الله عليّ.

فقال عزيز : سيّدي ارض عنّي واشفع لي عند جدّك رسول الله صلى الله عليه واله ، وإذا بالرأس الشريف يجيب : لقد رضي رسول الله صلى الله عليه واله عنك لإسلامك كما رضي أبي علي وأُمّي

٩٢

فاطمة عليهما السلام عنك لاهتداءك إلى مذهب الحقّ كما إنّي قد رضيت عنك وإنّ سلامك عليَّ كان سبباً لسروري.

وما هي إلّا لحظات وإذا بسيّد الساجدين عليه السلام يعقد عزيز على شيرين وقد آمن كافّة أهل القلعة جرّاء هذه الواقعة.

9 ـ دير النصراني : ثمّ إنّ القافلة تحرّكت نحو الدير وقد كان مع عسكر القافلة أبو سعيد الشامي وهو الذي نقل القضية التالية فقال : بلغ شمر بن ذي الجوشن خبراً أنّ نصر الحزامي قد أعدّ جيشاً ضخماً وهو يريد أن يسطو عليكم ليلاً ليأخذ الرؤوس المباركة ، ولذا اضطرب رؤساء العسكر وأخذوا يتباحثون حول حلّ هذه المشكلة فصمّموا أن يلوذوا إلى الدير ويحتموا به.

وحينما قرب الشمر وأتباعه من الدير إذا بأحد القساوسة يطلّ عليهم من وراء الجدار ويتساءل منهم عن سبب مجيئهم إلى الدير ، فقال له شمر : إنّنا من عسكر ابن زياد وقد جئنا من العراق إلى الشام ، فتساءل القس قائلاً : ولأي شيء جئتم؟ فقال الشمر : خرج رجل على يزيد فبعث إليه جيشاً جرّاراً ليقاتلوه وقد جئنا الآ برأسه ورؤوس أصحابه وقدنا حرمه كأُسارى إلى يزيد ، فقال القس : دعوني أنظر إلى الرؤوس ، ولمّا جاءوا إليه بها وقع نظره على رأس سيّد الشهداء عليه السلام ورأى النور الساطع من رأسه المبارك فأخذته حالة عجيبة من الهيبة والإجلال لهذا الرأس الطاهر وقال لهم : إنّ هذا الدير لا يسعكم جميعاً ، فإذا كان ولابدّ فأدخلوا الرؤوس والأسارى وابقوا أنتم خلف الجدار لتحرسوا القافلة ، فربما حمل عليكم العدو على حين غفلة وأنتم لا تعلمون ، ولا داعي أن تقلقوا على الأُسارى والرؤوس فإنّهم في حمايتنا وحراستنا.

فاستحسن الشمر هذا الاقتراح وقدّم إليه الرؤوس وسمح للقافلة التي يتقدّمها سيّد الساجدين عليه السلام بالدخول إلى الدير ، ثمّ إنّه جعل الأسارى في مكان مناسب وأودع الرؤوس في حجرة خاصّة ، وفي منتصف الليل مرّ على الرؤوس الشريفة فشاهد نوراً يسطع إلى السماء من رأس سيّد الشهداء عليه السلام وما هي إلّا لحظات إذا بسقف الغرفة ينفلق

٩٣

وتدخل امرأة كانت مجلّلة كانت جالسة على عرش من نور والهاتف يقول : «طرّقوا رؤوسكم ولا تنظروا».

يقول القس : حقّقت النظر وإذا بحواء أُمّ البشر ، وهاجر زوجة نبي الله إبراهيم عليه السلام وأُمّ نبي الله إسماعيل عليه السلام ، وراحيل أُمّ نبي الله يوسف عليه السلام ، وأُمّ موسى عليه السلام ، وآسية زوجة فرعون ، ومريم بنت عمران أُمّ نبي الله عيسى عليه السلام ، وبعض زوجات النبي صلى الله عليه واله قد أقبلن وأخذن الرأس المبارك من الصندوق وهنّ باكيات نائحات فبقين على هذا الحال ساعة ثمّ زرن سيّد الشهداء عليه السلام وأرجعن الرأس إلى الصندوق.

وبينما هم على هذا الحال إذا بضجّة واضطراب تعمّ الحجرة فنزل عرش نوراني آخر وإذا بهاتف يقول : غضّوا أبصاركم فإنّ شفيعة المحشر الصدّيقة الزهراء عليها السلام ستأتي ، لا شعورياً ارتعشت فرائصي وأُغمي عليّ. وبالرغم من ذلك إلّا أنّني كنت أسمع بين تلك الضجّة صوت امرأة حزينة تنادي : السلام عليك يا ولدي أيّها المظلوم ، أيّها الشهيد ، أيّها الغريب ، يا نور عيني ، فداك أُمّك يا أباعبدالله ، ولدي عزيزي سيأتي ذلك اليوم الذي ينتقم فيه لثارك من أعداءك.

ولمّا رجع أكبر القساوسة إلى وعيه تطهّر ولبس أطهر ثيابه واتّخذ من الطيب أحسنه ودخل الغرفة التي فيها الرؤوس الشريفة وأخرج رأس سيّد الشهداء عليه السلام من الصندوق وغسّله بالكافور والمسك والزعفران ثمّ وضعه باتّجاه القبلة ووقف أمامه وقال : أيّها الرأس الشريف ، إنّني أعلم أنّك رأس من مدحهم الله تعالى في التوراة والانجيل إلّا أنّني أُقسم عليك بالله العظيم الذي حباك بهكذا منزلة إلّا ما كلّمتني وعرّفتني على نفسك.

فنطق الرأس الشريف بلسان فصيح قائلاً : أنا المظلوم وأنا المغموم وأنا المهموم ، أنا المقتول بسيف الجفا ، أنا المذبوح من القفا.

ومع ذلك لم يكتف كبير القساوسة بهذا البيان وطلب من الرأس الشريف أن يعرّف نفسه أكثر ، وإذا بالرأس ينطق بكلّ فصاحة : أنا ابن محمّد المصطفى صلى الله عليه واله أنا ابن علي المرتضى عليه السلام أنا ابن فاطمة الزهراء عليها السلام أنا الحسين الشهيد المظلوم بكربلاء.

٩٤

فهاج الحزن بالراهب من هذه الكلمات وضجّ بالبكاء وأخذ الرأس الشريف وقبّله وجعله على وجهه وهو يقول : لن أُفارقك أبداً حتّى تضمن لي الشفاعة يوم القيامة.

وإذا بصوت من الرأس يهتف قائلاً : أوّلاً أُدخل في دين جدّي رسول الله صلى الله عليه واله حتّى أشفع لك ، وإذا بالقس يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله صلى الله عليه واله. ثمّ أنّه جمع جميع القساوسة وقصّ عليهم قصّته ودعاهم إلى الدخول في الدين الإسلامي فأسلموا جميعاً وكان عددهم سبعين رجلاً وكانوا قد بكوا جميعاً لمصيبة سيّد الشهداء عليه السلام ، ثمّ إنّهم ارتدوا ثياب السواد حزناً على سيّد الشهداء عليه السلام بل إنّهم جاءوا جميعاً إلى الإمام السجّاد ليعزّوه وأعلنوا إسلامهم أمامه بعد أن كسّروا نواقيسهم وطبلوا من الإمام عليه السلام أن يأذن لهم في مقاتلة هؤلاء اللعناء ويطلبوا بثأر أبيه سيّد الشهداء عليه السلام إلّا أنّه عليه السلام لم يأذن لهم وقال : إنّ الله عزّوجلّ سينتقم منهم لا محالة(1) .

10 ـ عسقلان : وفي الصباح ـ بعد أن نام شمر بن ذي الجوشن وجماعته خارج الدير ـ تحرّكوا برفقة الأسارى والرؤوس نحو عسقلان وكان أمير هذه المدينة «يعقوب العسقلاني» حاضراً في معركة كربلاء وشارك في جناياتها.

ولذا فإنّه ريثما وصل إلى المدينة أمر بتزيينها وتعطيل الأسواق وأن يجلبوا الملاهي ووسائل الطرب والغناء خارج المدينة فرحاً بهذه المصيبة العظمى ، ثمّ جلس هو وأعوانه مسروراً جذلاً شامتاً بمقتل أهل البيت عليهم السلام وكان الناس يباركون لبعضهم البعض هذا العيد.

ومن سوء الصدف أنّ أحد التجار وهو زرير الخزاعي كان واقفاً يشاهد ما جرى فتساءل من الناس عن الخبر ، فقالوا له : شخص في العراق خرج على يزيد فبعث إليه ابن زياد جيشاً جرّاراً قتلوه وجاءوا برأسه وأهل بيته أُسارى إلى مدينتنا اليوم ويتحرّك

__________________

(1) راجع : تذكرة الخواص لابن الجوزي ص 236 ـ 237 ، مقتل الخوارزمي ج 2 ص 115 ـ 116 ، مدينة المعاجز ج 4 ص 146 ، العوالم ج 17 ص 417 ، البحار ج 45 ص 172 مع اختلاف يسير معها.

٩٥

قافلتهم غداً نحو الشام.

فتساءل زرير الخزاعي : وهل كان هذا الشخص مسلماً؟ فقالوا : كان من أكابر المسلمين ، ولمّا تساءل عن سبب خروجه قالوا له : كان يدّعي أنّه ابن رسول الله صلى الله عليه واله وأنّه أحقّ بالخلافة من يزيد ، فتساءل زرير قائلاً : ومن أُمّه أبوه؟ فقالوا : اسمه الحسين ، وأخيه الحسن ، وأُمّه فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه واله ، وأبوه علي بن أبي طالب عليه السلام ، وجدّه رسول الله محمّد صلى الله عليه واله.

وما أن سمع زرير هذا الكلام انتفض من مكانه وارتعدت فرائصه وتفايضت عيناه بالدموع ، ثمّ إنّه أوصل نفسه بسرعة ليرى بنفسه الأسارى الذين أدخلوهم المدينة ، وريثما وقعت عيناه على الإمام السجّاد عليه السلام أجهش بالبكاء وارتفعت نياحته وأنينه ، فتساءل منه الإمام السجّاد عليه السلام قائلاً : ممّ بكاءك؟ ألا ترى أهل المدينة فرحين مسرورين؟ فأجابه زرير : سيّدي أنا تاجر غريب في هذه البلاد وقد دخلت المدينة اليوم ، وياليت قدماي قد شلّتا حين دخلتها ، ليت عيناي عميتا قبل أن أراكم على هذه الحالة.

فقال الإمام عليه السلام : كأنّك من محبّينا؟!

قال زرير : سيّدي أنا عبدك مرني فأنا في خدمتك؟

قال الإمام عليه السلام : إذا كان لديك أموال فقدّمها إلى حامل رأس أبي وأمره كي يرفع الرأس الشريف كي ينشغل الناس بالنظر إليه ، فقد خزينا من نظر الخلق إلينا.

فذهب زرير إلى حامل الرأس وأعطاه خمسين أشرفياً فتأخّر عن القافلة وانشغل الناس بالنظر إلى الرأس الشريف.

ثمّ إنّ زرير عاد إلى الإمام عليه السلام ثانية وقال له : سيّدي ألك حاجة أُخرى؟

فقال الإمام عليه السلام : إذا كان لديك شيء من القماش فأتي به لتتستّر بنات محمّد صلى الله عليه واله ، به فذهب مباشرة وجاء بالأخمرة وقدّمها للعائلة وجاء بعمامة للإمام عليه السلام.

وفيما هم كذلك إذا بضجّة ترتفع من بين الناس وكان شمر اللعين يهلهل والناس

٩٦

يهلهلون خلفه ، فذهب زرير إليه ونال منه وقال : شمر! أما تخشى من الله ، هذا رأس ريحانة رسول الله صلى الله عليه واله على القنا وهذه بنات فاطمة وعلي عليهما السلام أُسارى وأنت تهلهل فرحاً مسروراً.

وإذا باللعين يغضب ويأمر جلاوزته بأخذه فأخذوه وضربوه بشدّة حتّى أُغمي عليه فتصوّروا أنّه قد مات فتركوه.

وفي منتصف الليل استيقظ زرير وأوصل نفسه إلى قبر نبي الله سليمان عليه السلام فوجد جماعة من محبّي أهل البيت عليهم السلام حفاة حاسري الرؤوس قد جلسوا للعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام.

أيعلى على السنان سنان

الرجس رأس الحسين بين الأنام

ثمّ يسري به يأمّ السبايا

قاصداً بالمسير نحوا الشآم

لعن الله آل حرب الكفر

والغدر عابد الأصنام

ويزيد اللعين نسل اللعين

عصبة الكفر والخنا والحرام

وزياداً ونسل آل زياد

وابن سعد اللعين ثمّ حبتر والدلام

زادهم ربّنا إلى لعناً لعناً

سرمديّاً مخلّداً بالدوام

11 ـ بعلبك : ثمّ إنّ قافلة الأُسارى تحرّكت من عسقلان نحو بعلبك ، وكما في المدن السابقة فقد أرسل شمر بعض أعوانه ليأمروا الناس بالخروج بآلات اللهو والطرب لاستقبال القافلة فهبّ الجميع بما فيهم الشيوخ والأطفال وهم يضربون الدفوف فرحين مستبشرين بقدوم القافلة وذلك على بعد ما يقارب ستّة فراسخ خارج المدينة.

والحال أنّ أهل بيت الرسالة عليهم السلام ينظرون إليهم ويتألّمون من أفعالهم بحيث لم تتحمّل السيّدة أُمّ كلثوم عليها السلام هذا المنظر فرفعت يديها بالدعاء وقالت : فرّق الله جمعكم

٩٧

وسلّط عليكم من يقتلكم جميعاً(1) .

ونقل عما الدين الطبري في كامل البهائي ج 2 ص 292 فقال : إنّ حملة رأس سيّد الشهداء عليه السلام عندما خرجوا من الكوفة كانوا خائفين من قبائل العرب فلربما جاءوا وأخذوا الرأس منهم ، ولذا فإنّهم غيّروا مسارهم من العراق واتّخذوا طريقاً آخراً ، وفي أثناء الطريق نزلوا عند إحدى القبائل وطلبوا منها علفاً لدوابهم وأخبروهم أنّ الرؤوس التي معهم هي رؤوس بعض الخوارج ، وقد استمرّوا على هذا النهج حتّى وصلوا إلى بعلبك.

وعلى كلّ فإنّ القاسم بن ربيع والي بعلبك أمر بتزيين المدينة وأمر الناس أن يخرجوا وهم يضربون المزامير والطنابير والدفوف فرحين مستبشرين بقتل سيّد الشهداء عليه السلام وقد استقبلوا الأسارى على هذه الحال وقادوهم إلى المدينة.

ولم تمض سوى سويعات وإذا بالخبر يصل إلى الناس أنّ الرأس الشريف هو رأس سيّد الشهداء عليه السلام فخرج أكثرهم خارج المدينة وأحرقوا الزينة وقد اضطربت المدينة عدّة أيّام جرّاء هذ الفاجعة المؤلمة.

ولمّا رأى حملة الرؤوس اضطراب الأوضاع في بعلبك خرجوا إلى «مرزين» وهي أوّل مدينة من مدن الشام وإذا بنصر بن عتبة اللعين والي يزيد على هذه المدينة يحتفل بهذه المناسبة وينصب الزينة فرحاً ثمّ قضى الليل كلّه بالطرب واللهو فرحاً بمقتل سيّد الشهداء عليه السلام إلّا أنّ فرحته لم تتمّ إذ أنّ صاعقة من السماء نزلت على زينتهم هذه فأحرقتها فاضطرّوا أن يدخلوا الأُسارى إلى الشام.

ورود الأُسارى إلى الشام

يقول الشيخ أبو الحقّ : بينما كان جلاوزة يزيد يطوفون برأس سيّد الشهداء عليه السلام

__________________

(1) بحار الأنوار ج 45 ص 126 ـ 127.

٩٨

في زقاق الشام سقط الرأس الشريف فجأة وإذا بالحائط ينحني ويحتضنه بحيث إنّه لم يصل إلى الأرض ، وقد شيّد في نفس هذا المكان مسجداً ما زال إلى اليوم موجوداً.

وقال أبو الحق أيضاً : ازدحم أهل الشام وتجمّعوا من كلّ حدب وصوب ليتفرّجوا على السبايا من بنات الرسول صلى الله عليه واله يقدمهم الإمام السجّاد عليه السلام الذي كان مقيّداً بالحبال القيود ومن أمامهم الرؤوس الشريفة تتقدّم القافلة ، فوالله ما شاهد أهل الشام أُناس أكثر نورانية ولا أشرف من هؤلاء الأُسارى ثمّ أنّهم أدخلوا القافلة إلى قصر يزيد الطاغية الذي كان ينتظر قدومهم.

وقبل أن يدخلوا القافلة على يزيد أخّروهم على حسب بعض الروايات ثلاث ساعات حتّى أذن لهم الطاغية اللعين بالدخول إلى قصره فأدخلهم خولّه عليه(1) .

وقد نقل عماد الدين الطبري عن دخول الأسارى فقال : ما يقارب على خمسمائة رجل وامرأة خرجوا لاستقبال الأسارى وهم يضربون بالدفوف الطبول بينما كان الكثير من الناس يرقصون فرحاً فضلاً عن الذين اءوا ليتفرّجوا على السبايا(2) .

آه من الشام

ورد في الخبر الشريف أنّ أحدهم سأل من الإمام السجّاد عليه السلام فقال : أي المصائب كانت أشدّ عليكم؟ وإذا بالإمام عليه السلام يجيب ثلاثاً : الشام الشام الشام. أو أنّه قال : آه من الشام قالها ثلاثاً. وفي خبر آخر أنّ الإمام عليه السلام قال للمنذر بن النعمان ما مضمونه : لقد نزلت علينا في الشام سبع مصائب لم نر مثلها من قبل أصلاً منها :

1 ـ أنّ قادة العسكر كانوا يقدوننا في الشام وهم شاهرون سيوفهم حاملون الرماح وكانوا بين الحين والآخر يتجاسرون علينا بكعب الرماح والناس محدقين بنا من كلّ جانب وهم يضربون بالدفوف ويرقصون فرحاً بما يجري علينا.

__________________

(1) تذكرة الشهداء للكاشاني ص 414.

(2) كامل البهائي ج 2 ص 292.

٩٩

2 ـ إنّهم مرّوا بالرؤوس الشريفة بين هوادج المخدّرات وجعلوا رأس عمّي العبّاس عليه السلام مقابل عمّاتي زينب وأُمّ كلثوم ، كما يجعلوا رأس علي الأكبر والقاسم قبال عيني سكينة وفاطمة أُختي ، وكانوا يلعبون بالرؤوس تهوي على الأرض أحياناً وتصبح موطأ لأقدام الخيول.

3 ـ كانت النساء الشاميات فوق السطوح ترمينا بالماء والنار حتّى احترقت عمّاتي وحيث إنّني مقيّد لم أستطع إخماد النيران فوصلت النار إلى رأسي واحترق بألسنة النار.

4 ـ أوقفونا منذ طلوع الشمس إلى قريب الغروب بين المغنّين وأهل اللهو فأصبحنا فرجة للناس الذين كانوا يأتون من كلّ مكان ليتفرّجوا علينا ، وكان أزلام يزيد يقولون لهم : إنّ هؤلاء الناس لا احترام لهم في الإسلام أصلاً.

5 ـ قيّدونا بالحبال ومرّوا بنا إلى جانب منازل اليهود والنصارى وقالوا لهم : هؤلاء الذين قتلوا أبوهم آباءكم في معركة خيبر فهلمّوا وخذوا بثاراتكم منهم. وقد قال الإمام السجّاد عليه السلام أيضاً : يا نعمان فما بقي أحد منهم إلّا وقد ألقى علينا ما أراد من التراب والأحجار والأخشاب.

6 ـ أخذونا إلى سوق النخاسين وأرادوا أن يبيعونا كما يبيعوا العبيد والجواري لو لا أنّ الله عزّوجلّ حال دون ذلك.

7 ـ جعلونا في دار لم يكن لها سقف ، فكانت لا تقينا من الحرّ والبرد(1) .

لهفي لرأس ابن النبي هديّة

لابن الدعي على سنان العامل

لهفي لزين العابدين مكتّفاً

يكبو له يقتاد بين عقائل

لهفي على حرم الحسين يسقن في

ذلّ السبا وما لها من كافل

لهفي لهنّ وقد برزن حواسراً

من بعد قصم أساور وخلاخل

__________________

(1) سوگنامه آل محمّد صلى الله عليه واله نقلاً عن تذكرة الشهداء للملّا حبيب الله الكاشاني ص 412.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434