العقائد الإسلامية الجزء ٢

العقائد الإسلامية13%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 434

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 231901 / تحميل: 6020
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

التي تحدث بها في الرقاق قال: وضعناها لنقوي بها قلوب العامة، قال: وكان يتزهد ويهجر شهوات الدنيا ويتقوت الباقلاء صرفاً، وغلقت الأسواق ببغداد يوم موته!... وقد نص السلف على أن القصص بدعة، وأن التزهد والتقشف الخارج عن السنة بدعة أيضاً. انتهى.

لكن ذكرت مصادر إخواننا أن أول من فتح الباب للقصاصين وأعطاهم الشرعية هو الخليفة عمر.. قال أحمد في مسنده ج ٣ ص ٤٤٩: عن السائب بن يزيد: أنه لم يكن يقص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر، وكان أول من قص تميماً الداري، استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائماً فأذن له عمر!

وقال في كنز العمّال ج ١٠ ص ٢٨٠: عن ثابت البناني قال: أول من قص عبيد بن عمير على عهد عمر بن الخطاب ابن سعد والعسكري في المواعظ.

العامل الثاني: الخوف من أن يؤدّي التنزيه إلى التعطيل

أفرط بعضهم في التأكيد على الصفات السلبية وتنزيه الله تعالى، فسبب ذلك عند الآخرين الخوف من سلب فاعليته تعالى وتأثيره في الوجود.

ولكن هؤلاء المتخوفين وقعوا في الإفراط من الجهة الأخرى في الصفات الثبوتية، فتصوروا أن فاعلية الله تعالى وتدبيره للكون يتوقف على أن يكون وجوداً محدوداً، يتجول في سماواته وينزل إلى أرضه ويتجسد في صورة إنسان.. إلخ. ونلاحظ أن هذين الخطين من الإفراط والتفريط موجودان عند المتكلمين والفلاسفة من الأمم السابقة كما هما في هذه الأمة!

وقد أخذ الأشاعرة موقع الدفاع عن التحميد ومقاومة التعطيل، وأخذ المعتزلة موقع الدفاع عن التنزيه ومقاومة التشبيه.

ونفس الكلام يرد أيضاً في أفعال الإنسان، أوالجبر والإختيار، أو القضاء والقدر، فقال الأشاعرة بالجبر للدفاع عن فاعلية الله تعالى في الوجود.. بينما قال المعتزلة بحرية الإنسان ومسؤوليته عن أعماله للدفاع عن عدل الله تعالى وتنزيهه عن الظلم.

١٨١

أما أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم فكان لهم موقف ثالث يمثل أصالة الدين الإلهي من آدمعليه‌السلام إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في تنزيه الله تعالى وتحميده في آن واحد، فنفوا عنه التشبيه والتجسيم والرؤية، كما نفوا عنه الظلم والإجبار، وأثبتوا فاعليته تعالى وهيمنته الشاملة على الوجود، ومسؤولية الإنسان عن عمله، كما سترى إن شاء الله تعالى.

وقد اشتبه الأمر على بعض الباحثين فتخيلوا أن موقف أهل البيتعليهم‌السلام حل وسط بين الإتجاهين، بينما هو مذهب ثالث أقدم من مذهبي الأشاعرة والمعتزلة، وهو يختلف عنهما في أساسه وعدد من تفاصيله، وإن أخذ منه الطرفان بعض الأسس والتفاصيل.

العامل الثالث: مضاهاة بعض المسلمين لليهود

كان الجدل بين المسلمين واليهود كثيراً في عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي صدر الإسلام، ومن أبرز مسائله المفاضلة بين نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين النبي موسىعليه‌السلام .

وقد حاول بعض المسلمين مضاهاة اليهود بمعارضة كل فضيلة يذكرونها لموسىعليه‌السلام بإثبات فضيلة مقابلها لنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكأن المسألة مغالبة بين نبيين، وكأن أذهان البشر هي التي تزن فضائل الأنبياءوتعطي أحدهم درجة الأفضلية أو المساواة!

وقد عارض هؤلاء فضيلة تكليم الله تعالى لموسىعليه‌السلام التي نص عليها القرآن، باختراع حديث رؤية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لربه، لكي يتم بذلك تقسيم الفضائل بين الأنبياءعليهم‌السلام ، ويكون الترجيح لفضائل نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن ادعاء هذه الفضيلة المستحيلة بنص القرآن جاء على حساب تنزيه الله تعالى! وفيما يلي عدد من الأحاديث التي رووها في ذلك:

- روى النسائي في تفسيره ج ٢ ص ٣٤٨

عن ابن عباس: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد (ص).

١٨٢

- وقال النووي في شرح مسلم ج ٢ جزء ٣ ص ٥

... والحجج في هذه المسألة.... حديث ابن عباس (رض) أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد (ص)..

- وروى الحاكم في المستدرك ج ١ ص ٦٥

... عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما قال: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله . هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وله شاهد صحيح عن ابن عباس في الرؤية.... قال رأى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه. وله شاهد ثالث صحيح الإسناد.... عن ابن عباس قال قد رأى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه.... وهذه الأخبار التي ذكرتها صحيحة كلها، والله اعلم. انتهى. ورواه الحاكم أيضاً في ج ٢ ص ٢٨٢، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.وروى نحوه في ج ٢ ص ٣١٦ وص ٤٦٩

- وروى الديلمي في فردوس الأخبار ج ١ ص ٢١٧

جابر: إن الله أعطى موسى الكلام فأعطاني الرؤية.. وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود. انتهى. وروى نحوه الدميري في حياة الحيوان ج ٢ ص ٧٢

- وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١ ص ٧٨

وعن ابن عباس قال: نظر محمد صلى الله عليه وسلم إلى ربه تبارك وتعالى، قال عكرمة: فقلت لابن عباس نظر محمد إلى ربه! قال نعم، جعل الكلام لموسى والخلة لإبراهيم والنظر لمحمد صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه حفص بن عمر العدني روى ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي عبد الله الطهراني، وقد ضعفه النسائي وغيره.

- وروى الذهبي في سيره ج ١٤ ص ٤٥ عن عكرمة حديث ابن عباس، وقال الناشر في هامشه: أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص ١٩٩ من طريق عبد الوهاب بن الحكم

١٨٣

الوراق، حدثنا هاشم بن القاسم، عن قيس بن الربيع، عن عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إن الله.. الخ. وأخرجه أيضاً ص ١٩٧ من طريق محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس.... وهذا رأي لا دليل عليه، وهو مخالف للأدلة الكثيرة الوفيرة في أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في تلك الليلة. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على ذلك. أنظر التفصيل في زاد المعاد ج ٣ ص٣٦-٣٧. انتهى.

هذا، ولكن المعروف عن ابن عباس أنه كان ينفي التشبيه والرؤية كما تقدم، فلا يبعد أن يكون الحديث مكذوباً عليه من عكرمة غلامه، فقد كان عكرمة معروفاً بالكذب على ابن عباس في حياته وبعد وفاته، حتى ضربه ابن عباس وولده وحبسوه لهذا السبب في المرحاض، كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل. وكان عكرمة يروي الإسرائيليات عن وهب وكعب وغيرهما من اليهود.

ويؤيد ذلك أن السهيلي روى هذا الحديث في الروض الأنف ج ٢ ص ١٥٦ عن كعب وليس عن ابن عباس. وغرض كعب من هذه الرواية أن يثبت تجسم الله تعالى ورؤيته بالعين، فقد كان ذلك مطلباً مهماً يسعى إليه، وكثرت عنه وعن جماعته نسبة ذلك إلى ابن عباس وبني هاشم! كالذي رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص ٢٢٥ - ٢٣٠. عن الشعبي عن عبد الله بن الحرث قال: اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول: إن محمداً رأى ربه مرتين، قال فكبر كعب حتى جاوبته الجبال! فقال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى صلى الله عليهما وسلم! انتهى. والمطلع على أحاديث ابن عباس وبني هاشم يعرف ان رأيهم يخالف كعباً وجماعته، ومن أجل هذا رووا تكبير كعب المزعوم!!

١٨٤

العامل الرابع: تأثير ثقافة اليهود

اعتقاد اليهود والنصارى بتشبيه الله تعالى ورؤيته بالعين

بلغ من تحريف اليهود لدينهم أنهم قالوا بتشبيه الله تعالى بخلقه وأنه محدود بشكل مادي، ثم جعلوا له ولداً فقالوا عزير ابن الله، بل قالوا إن كل اليهود أبناء الله وأحباؤه وشعبه المختار.. إلى آخر ما حكى الله تعالى عنهم في القرآن.

وفيما يلي نصوص ننقلها من توراتهم الموجودة المطبوعة باسم العهد القديم والجديد، طبعة مجمع الكنائس الشرقية في بيروت:

جاء في ص ٤: ٢٧ فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم.

وجاء في ص ٦: ٨ وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. ٩ فنادى الرب الإله آدم وقال له أين أنت. ١٠ فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت. ١١ فقال من أعلمك أنك عريان. هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها. ١٢ فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت.

وجاء في ص ٢٤: ١ ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لأبرام وقال له أنا الله القدير. سر أمامي وكن كاملاً. ٢ فأجعل عهدي بيني وبينك وأكثرك كثيراً جداً. ٣ فسقط أبرام على وجهه وتكلم الله معه قائلاً. ٤ أما أنا فهو ذا عهدي معك وتكون أبا الجمهور من الأمم.

وجاء في ص ١٦٩: ٣ وكلم بني إسرائيل قائلاً خذواً تيساً من المعز لذبيحة خطية وعجلاً وخروفاً حوليين صحيحين لمحرقة ٤ وثوراً وكبشاً لذبيحة سلامة للذبح أمام الرب وتقدمة ملتوتة بزيت. لأن الرب اليوم يتراءى لكم. ٥ فأخذوا ما أمر به موسى إلى قدام خيمة الإجتماع وتقدم كل الجماعة ووقفوا أمام الرب.

١٨٥

وجاء في ص ١٨٣: ٢ وقال الرب لموسى كلم هرون أخاك أن لا يدخل كل وقت إلى القدس داخل الحجاب أمام الغطاء الذي على التابوت لئلا يموت، لأني في السحاب أتراءى على الغطاء.

وجاء في ص ٣٣٠: فانطلق موسى ويشوع ووقفا في خيمة الإجتماع ١٥ فتراءى الرب في الخيمة في عمود سحاب ووقف عمود السحاب على باب الخيمة. ١٦ وقال الرب لموسى ها أنت ترقد مع آبائك فيقوم هذا الشعب ويفجر وراء آلهة الأجنبيين في الأرض التي هو داخل إليها في ما بينهم، ويتركني وينكث عهدي الذي قطعته معه.

وجاء في ص ٤٠٤: ٢٢ فقال منوح لامرأته نموت موتاً لأننا قد رأينا الله. ٢٣ فقالت له امرأته لو أراد الرب أن يميتنا لما أخذ من يدنا محرقة وتقدمة، ولما أرانا كل هذه ولما كان في مثل هذا الوقت أسمعنا مثل هذه.

وجاء في ص ٥٤٩: ٢ إن الرب تراءى لسليمان ثانية كما تراءى له في جبعون. ٣ وقال له الرب قد سمعت صلاتك وتضرعك الذي تضرعت به أمامي.

وجاء في ص ٤٣١: ٢١ وعاد الرب يتراءى في شيلوه، لأن الرب استعلن لصموئيل في شيلوه بكلمة الرب. ٤ فأرسل الشعب إلى شيلوه وحملوا من هناك تابوت عهد رب الجنود الجالس على الكروبيم....

وجاء في ص ٤٩١: ٢ وقام داود وذهب هو وجميع الشعب الذي معه من بعلة يهوذا ليصعدوا من هناك تابوت الله الذي يدعى عليه بالإسم إسم رب الجنود الجالس على الكروبيم.

وجاء في ص ٥٣٤: ٥ في جبعون تراءى الرب لسليمان في حلم ليلاً، وقال الله إسأل ماذا أعطيك.

وجاء في ص ٥٥٤: ٩ فغضب الرب على سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءى له مرتين ١٠ وأوصاه في هذا الأمر أن لا يتبع آلهة أخرى فلم

١٨٦

يحفظ ما أوصى به الرب. ١١ فقال الرب لسليمان من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاً وأعطيها لعبدك.

وجاء في ص ٥٦٩: ١٥ فقال إيليا حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه، إني اليوم أتراءى له.

وجاء في ص ٥٧٩: ١٧ فقال رأيت كل إسرائيل مشتتين على الجبال كخراف لا راعي لها. فقال الرب ليس لهؤلاء أصحاب فليرجعوا كل واحد إلى بيته بسلام. ١٨ فقال ملك إسرائيل ليهوشافاط أما قلت لك إنه لا يتنبأ علي خيراً بل شراً. ١٩ وقال فاسمع إذاً كلام الرب. قد رأيت الرب جالساً على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. ٢٠ فقال الرب من يغوي أخآب فيصعد ويسقط في راموت جلعاد. فقال هذا هكذا وقال ذاك هكذا.

وجاء في ص ٥٨٦: ١٤ فقال أليشع حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه إنه لولا أني رافع وجه يهوشافاط ملك يهوذا لما كنت أنظر إليك ولا أراك. ١٥ والآن فأتوني بعواد. ولما ضرب العواد بالعود كانت عليه يد الرب ١٦ فقال هكذا قال الرب إجعلوا هذا الوادي جباباً جباباً.

وجاء في ص ٦٨٣: ١ وشرع سليمان في بناء بيت الرب في أورشليم في جبل المريا حيث تراءى لداود أبيه حيث هيأ داود مكاناً في بيدر أرنان اليبوسي.

وجاء في ص ٦٩٠: ١٢ وتراءى الرب لسليمان ليلاً وقال له. قد سمعت صلاتك واخترت هذا المكان لي بيت ذبيحة.

وجاء في ص ٨٤٨: ٨ من هو هذا ملك المجد. الرب القدير الجبار الرب الجبار في القتال. ٩ إرفعن أيتها الأرتاج رؤوسكن وارفعنها أيتها الأبواب الدهريات فيدخل ملك المجد. ١٠ من هو هذا ملك المجد رب الجنود هو ملك المجد.

وجاء في ص ٧٩٩: ١ يا راعي إسرائيل إصغ، يا قائد يوسف كالضأن، يا جالساً على الكروبيم أشرق. ٢ قدام أفرايم وبنيامين ومنسي أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا.

١٨٧

وجاء في ص ٨٤٠: ٤ الرب في هيكل قدسه، الرب في السماء كرسيه، عيناه تنظران، أجفانه تمتحن بني آدم. ٥ الرب يمتحن الصديق، أما الشرير ومحب الظلم فتبغضه نفسه. ٦ يمطر على الأشرار فخاخاً ناراً وكبريتا، وريح السموم نصيب كأسهم.

وجاء في ص ٩٩٨: ١ في سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل. ٢ السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة. باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير. ٣ وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملأ كل الأرض. ٤ فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخاناً ٥ فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود.

وجاء في ص ١١٨٦: ٨ وكان بينما هم يقتلون وأبقيت أنا أني خررت على وجهي وصرخت وقلت: آه يا سيد الرب. هل أنت مهلك بقية إسرائيل كلها بصب رجزك على أورشليم ٩ فقال لي: إن إثم بيت إسرائيل ويهوذا عظيم جداً جداً، وقد امتلأت الأرض دماء وامتلأت المدينة جنفاً. لأنهم يقولون الرب قد ترك الأرض والرب لا يرى.

وجاء في الإنجيل ص ٤٢: ٢٠ فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه. ٢١ ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه. ٢٢ ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه.

وجاء في ص ٢٨٠: ٧ فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده. وأما المرأة فهي مجد الرجل. ٨ لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل. ٩ ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة، بل المرأة من أجل الرجل.

وجاء في ص ٣٢١: ٥ فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً ٦ الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله ٧ لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس.

١٨٨

وجاء في ص ٣٢٥: ١٤ الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا. ١٥ الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة.

وجاء في ص ٣٦٦: ٢ ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً، بالخزي، فجلس في يمين عرش الله.

وجاء في ص ٣٩٩: ٢١ من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضاً وجلست مع أبي في عرشه. ٢٢ من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس.

وجاء في ص ٣٩٩ - ٤٠٠: ١ بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلاً إصعد إلى هنا فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا. ٢ وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع في السماء وعلى العرش جالس ٣ وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرد. ٤ وحول العرش أربعة وعشرون عرشاً. ورأيت على العروش أربعة وعشرين شيخاً جالسين متسربلين بثياب بيض وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب. ٥ ومن العرش يخرج بروق ورعود وأصوات. وأمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله.

وجاء في ص ٤٠٠: وشكراً للجالس على العرش الحي إلى أبد الآبدين.

وجاء في ص ٤٠١: ١١ ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف.... ١٣ وكل خليقة مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة: للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين.

وجاء في ص ٤٠٣: ١٥ من أجل ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، والجالس على العرش يحل فوقهم.

وجاء في ص ٤١٧: ٤ وخر الاربعة والعشرون شيخاً والأربعة الحيوانات وسجدوا لله الجالس على العرش.

١٨٩

وجاء في ص ٤١٩: ٥ وقال الجالس على العرش: ها أنا أصنع كل شيء جديداً. وقال لي: أكتب فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة.

- وقال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة الأديان ج ٢ ص ٢٤٣ طبعة مكتبة النهضة المصرية ١٩٧٣ تحت عنوان (الله عند اليهود):

لم يستطع بنو إسرائيل في أي فترة من فترات تاريخهم أن يستقروا على عبادة الله الواحد الذي دعا له الأنبياء، وكان اتجاههم إلى التجسيم والتعدد والنقيصة واضحاً في جميع مراحل تاريخهم، وعلى الرغم من ارتباط وجودهم بإبراهيم إلا أن البدائية الدينية كانت طابعهم، وكثرة أنبيائهم دليل على تجدد الشرك فيهم، وبالتالي تجدد الحاجة إلى أنبياء يجددون الدعوة إلى التوحيد، وكانت هذه الدعوات قليلة الجدوى على أي حال، فظهروا للتاريخ بدائيين يعبدون الأرواح والأحجار، وأحياناً مقلدين يعبدون معبودات الأمم المجاورة التي كانت لها حضارة وفكر قلدهما اليهود ويقول: إن اليهود كانوا في مطلع ظهورهم على مسرح التاريخ بدواً رحلاً تسيطر عليهم الأفكار البدائية كالخوف من الشياطين، والإعتقاد في الأرواح، وكانوا يعبدون الحجارة والأغنام والأشجار، ويقول: إن اليهود اتخذوا في بيوتهم أصناماً صغيرة كانوا يعبدونها ويتنقلون بها من مكان إلى مكان (١) وقد ظل بنو إسرائيل على هذا الإعتقاد حتى جاء موسى وخرج بهم من مصر.

ولكن بني إسرائيل كما يقول ول ديورانت (٢) لم يتخلوا قط عن عبادة العجل والكبش والحمل، ولم يستطع موسى أن يمنع قطيعه من عبادة العجل الذهبي. عبادة العجول كانت لا تزال حية في ذاكرتهم منذ كانوا في مصر، وظلوا زمناً طويلاً يتخذون هذا الحيوان القوي آكل العشب رمزاً لإلههم. وتقرر التوراة قصة العجل الذي عمله لهم هارون فعبدوه بعد أن تأخر موسى في العودة إليهم، وكيف خلعوا ملابسهم وأخذوا يرقصون عراة أمام هذا الرب، وقد أعدم موسى ثلاثة آلاف منهم عقاباً لهم على عبادة هذا الوثن (٣) وقد بقيت عبادة العجل تتجدد في حياة بني

١٩٠

إسرائيل من حين إلى حين، فقد عمل يربعام بن سليمان عجلي ذهب ليعبدهما أتباعه حتى لا يحتاجوا إلى الذهاب إلى الهيكل (٤) وقد عبد أهاب ملك إسرائيل الابقار بعد سليمان بقرن واحد (٥).

وقال في هوامشه: (١) ١٧٦. (٢) قصة الحضارة ج ٢ ص ٣٣٨. (٣) خروج ٣٢: ١٨ ٢٦ والقرآن الكريم يقرر أن السامري هو الذي عمل العجل. (٤) الملوك الأول ١٢: ٢٦ ٢٨. (٥) ول ديورانت ج ٢ ص ٣٣٩.

- وقال الدكتور شلبي في ج ١ ص ١٧٤:

وبعد موسى وفي عهد القضاة، تأثر بنو إسرائيل بمعبودات الكنعانيين تأثراً كبيراً، ويوضح أن إله الكنعانيين (بعل) أصبح معبوداً لبني اسرائيل في كثير من قراهم، وفي أحوال كثيرة أصبح للطائفتين معبد واحد به تمثال يهوه وتمثال بعل، بل أصبح يهوه ينادى بعل، وقد ظل ذلك إلى عهد يوشع(١).

وقال في هامشه: the heprew popel p. ٩٤ charles foster: histery of - (١)

- وقال الدكتور شلبي في ج ١ ص ١٨٧

ويوضح الكتاب المقدس أن بني اسرائيل عبدوا أنواعاً من هذه الآلهة، وقد ندد بها أرميا في سفره، ومنه نقتبس بعض النصوص:

اسمعوا كلمة الرب يا بنات يعقوب وكل عشائر بيت إسرائيل، هكذا قال الرب: ماذا وجد في آباؤكم من جور حتى ابتعدوا عني وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً (١).

وحين تقولون لماذا صنع الرب إلهنا كل هذه أقول لكم: كما أنكم تركتموني وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم(٢).

يقول الرب أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذباً، وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة أخرى(٣)....

- يقول الرب: إن آباءكم قد تركوني وذهبوا وراء آلهة أخرى، وعبدوها وسجدوا لها، وإياي تركوا وشريعتي لم يحفظوها، وأنتم أسأتم في عملكم أكثر من آبائكم،

١٩١

وها أنتم ذاهبون كل واحد وراء عناد قلبه الشرير حتى لا تسمعوا لي(٤).

وعلى هذا فمع وجود الهيكل في عهد سليمان كانت عبادة آلهة الأجانب منتشرة، وينسب العهد القديم لسليمان نفسه أنه أقام مذابح للآلهة الخارجية التي كانت تعبدها زوجاته الأجنبيات، فبنى مذبحاً لعشتروت رجاسة الصيدونيين، ولكموش رجاسة المؤابيين، ولملكوم إلهة بني عمون(٥) وعقب موت سليمان انقسم ملكه بين ابنيه يربعام ورحبعام، وهذا التغيير في تاريخ العبرانيين صحبه تغير في عقيدتهم، فإسرائيل في الشمال كانت دولة غنية حظى سكانها بالإستقرار، وقبلوا عادات الكنعانيين وعبدوا آلهتهم (بعل) أما دولة يهوذا في الجنوب فكانت دولة فقيرة يشتغل سكانها بالزراعة والرعي وظلوا على تبعيتهم لإلهم يهوه، إله الفقراء، وإلى هذه الفترة ينسب الأنبياء(٦) وقد صنع يربعام عجلين من ذهب ووضع أحدهما في بيت إبل وثانيهما في دان، وبنى عندهما مذابح وقال لشعبه: هذه آلهتكم التي أصعدتكم من مصر، فاذبحوا وعيدوا عندها ولا تصعدوا إلى أورشليم، فاستجاب له الشعب(٧).

وقال في هامشه: ١ أرميا: ٢: ٤ ٥. ٢ أرميا ٥: ١٩ ٢٠. ٣ أرميا ٧: ٩ ١٠. ٤ أرميا: ١٦: ١١ ١٣. ٥ الملوك الثاني ٣٣: ١٢

.berry: relirins of the werled pp ٣٢ - ٣٣ إقرأ الصحاح الثالث والعشرين من سفر الملوك الثاني.

- وقال الدكتور شلبي في ج ١ ص ٢٦٧

يروى التلمود أن الله ندم لما أنزله باليهود وبالهيكل، ومما يرويه التلمود على لسان الله قوله: تب لي لأني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي. وليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود، لأنه غضب مرة على بني إسرائيل فاستولى عليه الطيش، فحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية، ولكنه ندم على ذلك بعد أن هدأ غضبه، ولم ينفذ قسمه، لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة.

١٩٢

ويقرر التلمود أن الله هو مصدر الشر كما أنه مصدر الخير، وأنه أعطى الإنسان طبيعة رديئة وسن له شريعة لم يستطع بطبيعته الرديئة أن يسير على نهجها، فوقف الإنسان حائراً بين اتجاه الشر في نفسه، وبين الشريعة المرسومة إليه، وعلى هذا فإن داود الملك لم يرتكب خطيئة بقتله أوريا واتصاله بامرأته، لأن الله هو السبب في كل ذلك (التلمود شريعة إسرائيل ص ١٧ - ١٩).

- وقال في ص ١٩٢ تحت عنوان: اليهود والألوهية عموماً:

على أن مسألة الألوهية كلها، سواء اتجهت للوحدانية أو للتعدد، لم تكن عميقة الجذور في نفوس بني اسرائيل، فقد كانت المادية والتطلع إلى أسلوب نفعي في الحياة من أكثر ما يشغلهم، وإذا تخطينا عدة قرون فإننا نجد الفكر اليهودي الحديث يجعل لليهود رباً جديداً نفعياً كذلك، ذلك هو تربة فلسطين وزهر برتقالها، والذي يقرأ رواية (طوبى للخائفين) للكاتبة اليهودية يائيل ديان ابنة القائد الصهيوني العسكري موشى ديان، يجد أحد أبطالها (إيفرى) ينصح ابنه الطفل بأن يتخلى عن الذهاب للكنيسة، وأن يحول اهتمامه لإلهه الجديد: تراب فلسطين. ونقتبس فيما يلي سطوراً من هذه الرواية:

...الصبي يحب أن يذهب إلى الكنيس مع أمه، ولكنه عندما عاد مرة من المعبد الذي لا يذهب إليه إلا القليلون، ثار أبوه في وجهه بحديث له مغزى عميق قال له: أيام زمان حين كنا يهوداً في روسيا وغيرها كان من الضروري بالنسبة لنا أن نطيع التعليمات ونحافظ على ديننا، فقد كان الدين اليهودي لنا وسيلتنا لنتعاون ونتعاطف ونذود عنا الردى، أما الآن فقد أصبح لدينا شيء أهم هو الأرض، أنت الآن إسرائيلي ولست مجرد يهودي، إني قد تركت في روسيا كل شيء، ملابسي ومتاعي وأقاربي وإلهي، وعثرت هنا على رب جديد، هذا الرب الجديد هو خصب الأرض وزهر البرتقال، ألا تحس بذلك؟.... وأخذ إيفرى حفنة من تراب الأرض وسكبها في

١٩٣

كف ابنه، وقال له: إمسك هذا التراب، إقبض عليه، تحسسه، تذوقه، هذا هو ربك الوحيد، إذا أردت أن تصلي للسماء فلا تصل لها لكي تسكب الفضيلة في أرواحنا، ولكن قل لها أن تنزل المطر على أرضنا، هذا هو المهم، إياك أن تذهب مرة أخرى إلى المعبد.

- وقال ابن حزم في الفصل في الملل ج ١ جزء ١ ص ١٦

قال في التوراة: إن الله عز وجل قال لبني إسرائيل: لقد رأيتموني كلكم من السماء فلا تتخذوا معي آلهة الفضة، ثم قال بعد ذلك ثم صعد موسى وهارون.. ونظروا إلى إله إسرائيل.

- وقال في ص ١٤١

ذكر في هذا المكان (من التوراة) أن يعقوب صارع الله عز وجل.. حتى قالوا إن الله عز وجل عجز عن أن يصرع يعقوب.. وفيه أن يعقوب قال: رأيت الله مواجهة وسلمت عليه.

- وقال في ص ٢١٢

ونقل في توراتهم وكتب الأنبياء بأن رجلاً اسمه إسماعيل كان إثر خراب البيت المقدس سمع الله يئن كما تئن الحمامة ويبكي وهو يقول: الويل الويل لمن أخرب بيته.... ويلي على ما أخربت من بيتي ويلي على ما فرقت من بيتي، وبناتي.

- وقال في ص ٢١٨

وفي بعض كتبهم: إن الله تعالى قال لبني إسرائيل: من تعرض لكم فقد تعرض حدقة عيني.

- وقال في ص ٢٢١

وفي كتاب لهم يسمى شعر توما من كتاب التلمود.. ففي الكتاب المذكور أن تكسير جبهة خالقهم من أعلاها إلى أنفه خمسة آلاف ذراع.

١٩٤

محاولة بعض اليهود أن يتبرؤوا من التشبيه والتجسيم

جاء في هامش المطالب العالية ج جزء ٢ ص ٢٥:

في التوراة أن الله إله واحد. وفي التوراة أن الله ليس كمثله شيء. ففي الإصحاح السادس من سفر التثنية: إسمع يا إسرائيل. إن الرب إلهنا رب واحد. فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قدرتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا آمرك بها اليوم في قلبك، وكررها على بنيك وكلمهم بها إذا جلست في بيتك وإذا مشيت في الطريق وإذا نمت وإذا قمت، واعقدها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك واكتبها على عضائد أبواب بيتك وعلى أبوابك. تثنية ٦: ٤ ٩ ترجمة اليسوعيين. وفي الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية: لا كفء لله. وفي ترجمة البروتستانت: ليس مثل الله. تثنية ٣٣: ٢٦.

وقال موسى بن ميمون في دلالة الحائرين: إن ما ورد في التوراة مما يوحي بأن الله شبه إنسان بأعضائه وبصفاته، فذلك مؤول على معنى: أن الله يقرب ذاته إلى عقول الخلق، حديثه عن نفسه كأنه واحد منهم. أما هو فليس مثل إنسان وليس كمثله شيء، وذلك ليفهم الخلق ذات الله على نحو قريب من تصوراتهم. وما جاء عن مشبهة اليهود أن الله يبكي على خراب هيكل سليمان ويلعب مع الحيتان، فهو قول قال به سفهاء من اليهود لا وزن لهم عند الله ولا عند الناس. انتهى.

والمتأمل في التوراة يقبل مقولة هذا الباحث اليهودي القديم بأنها تشتمل على عبارات في التوحيد شبيهة بالتوحيد الخالص الذي يقدمه القرآن، ولكن نصوص التشبيه والتجسيم فيها أكثر من نصوص التوحيد. وهذا من الأدلة على وقوع التحريف فيها، وأن أيدي سفهاء اليهود الذين ذكرهم وصلت إلى نصوص التوراة وملؤوها من تجسيمهم وتشبيههم. وقد وجدنا في نسخة التوراة المذكورة النصوص التالية في التوحيد: جاء في العهد القديم ص ٩٨: ٩ فقال موسى لفرعون عين لي متى

١٩٥

أصلي لأجلك ولأجل عبيدك وشعبك لقطع الضفادع عنك وعن بيوتك، ولكنها تبقي في النهر. ١٠ فقال غداً فقال كقولك لكي تعرف أن ليس مثل الرب إلهنا. ١١ فترتفع الضفادع عنك وعن بيوتك وعبيدك وشعبك.

وجاء في ص ١٠٠: ١٤ لأني هذه المرة أرسل جميع ضرباتي إلى قلبك وعلى عبيدك وشعبك، لكي تعرف أن ليس مثلي في كل الأرض.

وجاء في ص ٤٩٣: ٢٢ لذلك قد عظمت أيها الرب الإله، لأنه ليس مثلك وليس إله غيرك حسب كل ما سمعناه بآذاننا....

وجاء في ص ٥٣٠: ٢٠ يا رب ليس مثلك، ولا إله غيرك، حسب كل ما سمعناه بآذاننا.

وجاء في ج ٢ ص ٤٣: ٩ أذكروا الأوليات منذ القديم، لأني أنا الله وليس آخر. الإله وليس مثلي.

وجاء في ج ٢ ص ٨٤: ٦ لا مثل لك يا رب، عظيم أنت، وعظيم اسمك في الجبروت. ٧ من لا يخافك ياملك الشعوب، لأنه بك يليق، لأنه في جميع حكماء الشعوب وفي كل ممالكهم ليس مثلك.

- العهد القديم والجديد ج ١ ص ٢٥٣-

الإصحاح الثاني ١ يا ابني إن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك ٢ حتى تميل أذنك إلى الحكمة وتعطف قلبك على الفهم ٣ إن دعوت المعرفة ورفعت صوتك إلى الفهم ٤ إن طلبتها كالفضة وبحثت عنها كالكنوز ٥ فحينئذ تفهم مخافة الرب وتجد معرفة الله. ٦ لأن الرب يعطي حكمة من فمه المعرفة والفهم. ٧ يذخر معونة للمستقيمين. هو مجن السالكين بالكمال. ٨ لنصر مسالك الحق وحفظ طريق أتقيائه. ٩ حينئذ تفهم العدل والحق والإستقامة. كل سبيل صالح ١٠ إذا دخلت الحكمة قلبك ولذت المعرفة لنفسك.

١٩٦

لكن البابا في عصرنا يصر على التجسيم وينتقد التوحيد عند المسلمين

- كتاب العبور إلى الرجاء للبابا يوحنا بولس الثاني:

والعبور إلى الرجاء هو التسجيل الكامل لأول وأشمل حوار مع البابا للصحافي الإيطالي الكبير فيتوري ميسوري، لمناسبة ذكرى مرور خمس عشرة سنة على اعتلائه السدة البابوية.... كان الأول بين (خلفاء القديس بطرس) يظهر أمام آلات التصوير والتسجيل ليجيب على أسئلة ترك اختيارها لمبادرة حرة من قبل صحافي. وبعد ما حصر البث بالمحطة الأولى ليلة الذكرى، عرضت تلك المقابلة في كبريات المحطات العالمية.

ويروي فيتوري ميسوري قصة المقابلة التي تمت بعد ما قدم عشرين سؤالاً خطياً تشمل مختلف الموضوعات والقضايا الكبرى، وتلقى مخطوطة الأجوبة عليها من مكتب البابا في نهاية شهر نيسان ١٩٩٤. كما أن البابا وضع عنوان هذا الكتاب بنفسه من هذا الحوار الوثيقة نقتطف هنا جواب الحبر الأعظم على سؤالين، يتصل أولهما بالعلاقة مع الدين الإسلامي، في حين يتصل الثاني بعلاقة المسيحية بالدين اليهودي، وقد رأينا فيهما أكمل رأي للبابا في هذا المجال خصوصاً وأنه بقلمه مباشرة:

السؤال الأول: ما الفرق بين إله المسلمين وإله المسيحيين؟

الجواب: لا شك في أن القارية مختلفة عندما يتعلق الأمر بالكنيس والمسجد حيث مجتمع الذين يعبدون الإله الواحد. نعم، صحيح ما تقوله، فالأمر يختلف في ما يتعلق بهاتين الديانتين التوحيديتين، بدءً بإسلام. ففي الإعلان المجمعي (في عصرنا) الآنف الذكر، يمكننا أن نقرأ ما يأتي (وتنظر الكنيسة أيضاً بتقدير إلى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد، الحي القيوم، الرحمن القدير، الذي خلق السماء والأرض) إن المؤمنين بالتوحيد هم بنوع خاص الأقرب إلينا. أتذكر حدثاً من أحداث شبابي يوم كنا نزور دير القديس مرقس في فلورنسا، فقد وقفنا مندهشين

١٩٧

معجبين أمام جدرانيات فردا انجليكو.. في تلك الأثناء انضم إلينا رجل راح يشاطرنا إعجابنا بأعمال ذلك الراهب والفنان العظيم، غير أنه ما لبث أن أضاف: ولكن ما من شيء هنا يبلغ مدى جمال توحيدنا الإسلامي! لم يمنعنا ذلك التصريح من أن نكمل زيارتنا برفقة ذلك الرجل، وأن نتابع معه نقاشاً ودياً. لقد تذوقت سلفاً في تلك المناسبة ما يمكن أن يكون عليه الحوار بين المسيحية والإسلام. والذي حاولنا أن نطوره منهجياً منذ المجمع.

من يطالع القرآن، وكان ملماً بالعهدين القديم والجديد يتبين له جلياً ما وقع فيه للوحي الإلهي من اختزال. ومن المستجبل ألا يلحظ عدم مقاربة ما قاله الله عن ذاته بلسان الأنبياء أولاً في العهد القديم، ثم وبشكل نهائي بواسطة ابنه في العهد الجديد. إن الغنى الذي يتجلى في كشف الله لذاته والذي يشكل تراث العهدين القديم والجديد، كل ذلك قد تغاضى عنه الإسلام بالفعل(!).

إن القرآن يصف الله بأجمل ما عرفه اللسان البشري من الأسماء الحسنى، ولكنه في النهاية، إله متعال عن العالم، ذو جلال، لا (إلهنا معنا) عمانوئيل.

ليس الإسلام دين فداء فلا مجال فيه للصلب! يذكر عيسى، ولكن ليس إلا بوصفه نبياً، يمهد لخاتمة جميع الأنبياء محمد. كذلك ورد ذكر السيدة مريم البتول، ولكن لا ذكر لمأساة الفداء.

لذلك تختلف نظرة الإسلام عن المسيحية، لا على الصعيد اللاهوتي فحسب، بل أيضاً على الصعيد الانتروبولوجي.

بيد أن التدين الإسلامي يستحق كل تقدير، فلا يمكننا مثلاً إلا نعجب بالأمانة على الصلاة. إذ أن الذي يسمي الرب (الله) يجثو على ركبته غير آبه بالزمان أو بالمكان، مستغرقاً في الصلاة مرات عديدة في النهار. هذه الصورة تبقى نموذجاً لمن يعترفون بالله الحق، وبخاصة لأولئك المسيحيين الذين يهجرون كاتدرائياتهم الرائعة ويصلون قليلاً أو لا يصلون مطلقاً....) انتهى.

١٩٨

أقول: السبب في تهمة البابا للدين الإسلامي بأنه اختزل التصور الذي قدمته كتب اليهود والنصارى عن الله تعالى، وبيت القصيد عنده وإشكاله الأساسي على الإسلام: أن القرآن يقرر أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وأنه غير متجسد في وجود مادي في السماء أو الأرض، وبتعبيره (لكنه في النهاية إله متعال عن العالم، ذو جلال، لا (إلهنا معنا عمانوئيل).

ولكن الظاهر أن البابا لم يقرأ الصحاح الستة ليرى أن ما يريده من نزول الله تعالى وصعوده وتجسده موجود فيها، وأن هذا البلاء الذي ابتلى به اليهود والنصارى قد سرى إلى إخواننا السنة وصحاحهم!!

كما أنه لو تأمل في تاريخ المسيحية لتوصل إلى أن دعوة المسيحعليه‌السلام كانت دعوة إلى التوحيد ولم يكن فيها تجسيم، وأن تجسم الله تعالى في المسيح إنما هو فكرة (بولسية) وليست مسيحية..

قال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة بين الأديان ج ٢ ص٢٤٥ تحت عنوان: الله في التفكير المسيحي:

عندما نصل إلى الحديث عن الله في التفكير المسيحي نحتاج إلى مزيد من الصبر لنرى التحول الخطير الذي أصاب الفكر المسيحي في هذه القضية الهامة: تقرر الأناجيل المسيحية وأعمال الرسل ثلاث قضايا مهمة:

أولاها: أن الله واحد لا شريك له.

والثانية: أن عيسى رسول الله وليس أكثر من رسول.

والثالثة: أن عيسى رسول لبني إسرائيل فقط.

وعن القضية الأولى نورد النصوص التالية من هذه الأناجيل:

- يروي متى عن عيسى قوله: إن أباكم واحد الذي في السموات (إصحاح ٢٣ الفقرة ٨)

- ويروي مرقص قول عيسى: الرب إلهنا إله واحد وليس آخر سواء(١٢: ٣٠ ٣١).

- ويروي يوحنا عن عيسى قوله: إني أصمد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم (٢٠:١٨)

١٩٩

وعن القضية الثانية من الأناجيل النصوص التالية:

- جاء في إنجيل متى قوله: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل (٢١: ١١).

- وجاء في لوقا: قد خرج نبي عظيم (٧: ١٦).

- ويروي يوحنا: إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم (٤: ١٤ و ٧: ٤٠).

- ويروي يوحنا كذلك عن عيسى قوله: وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله (٨: ٤٠).

- ويروي لوقا عن عيسى قوله عندما أحس بقرب نهايته بسبب مؤامرات اليهود عليه: ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه، لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارج أورشليم، يا أورشليم، يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين.

وعن القضية الثالثة نورد النصوص التالية:

- جاء في متى ما نصه: ثم خرج يسوع من هناك، وانصرف إلى نواحي صور وصيدا، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت قائلة: إرحمني يا سيد يا ابن داود، ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: إصرفها لأنها تصيح وراءنا، فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة (متى ١٥: ٢١ ٢٤).

- وفي متى كذلك أن عيسى عند ما حدد الحواريين الإثني عشر أوصاهم قائلاً: إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بني اسرائيل الضالة (١٠: ٥ ٦).

- وقد خاصم اليهود بطرس لأنه دخل على غير اليهود وتكلم معهم (أعمال الرسل ١١ الفقرة الأولى).

- وورد في عبارات بطرس قوله لغير اليهود: أنتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه (أعمال الرسل ١٠: ٢٨).

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

بقولهم:( لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ) .

والله سبحانه يجيب عليها:

١ ـ بأنّ أمر النصر بيد الله كما أخبر به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولكنّه مرهون بعوامل وأسباب غيبيّة واُخرى اكتسابيّة خاصّة، وأنتم أيّها المعترضون قد فوّتم تحصيل تلك الأسباب والعوامل، فلا يحق لكم الاعتراض بعد تقصيركم.

٢ ـ بأنّ لكل نفس أجلاً محدّداً لا يتقدّم عليه ولا يتأخّر.

٣ ـ إنّ في هذه النكسة الفادحة تمحيص لما في الصدور والقلوب فقد تميّز به المؤمن المثابر من المتظاهر بالإيمان، وبذلك يعلم أنّ القول بأنّ الصحبة كافية في تحقيق إتّصاف الرجل بالعدالة والنزاهة والإستقامة شيء لا حقيقة له ولا أساس وقد تحقّق لديك بفضل هذه الآيات أنّ أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إنقسموا إلى طوائف: فمن منافق نكص على عقبيه في أثناء الطريق ولم يشترك في القتال وتذرّع بقولهم:( لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ ) ( آل عمران / ١٦٧ ).

ومن مؤمن كابر أمر الرسول وخرج عن طاعته وأخلى ساحة القتال ولكنّه لم تنتابه وتعتريه شبهات وظنون أهل الجاهليّة، فتاب ورجع إلى النبيّ بعد جلاء المعركة وهم من مصاديق قوله سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) ( الأعراف / ٢٠١ ).

ومن متظاهر بالإيمان لم يتمكّن الإيمان من قلبه حقّ التمكّن، فلمّا حاق به البلاء ورأى الانتكاسة المروّعة الرهيبة، ارتدّ القهقري وصار يتفوّه بمقولات أهل الشرك والجاهلية.

أضف إلى ذلك، الطائفة الثالثة الذين رجعوا أثناء الطريق ولم يساهموا النبيّ والمسلمين، وهؤلاء هم أتباع عبد الله بن اُبيّ المنافقون.

٣٦١

أفبعد هذا يصحّ لنا القول بأنّ كلّ صحابي عادل ؟!! وأنّ العدل والصحبة متلازمان؟! كلّا ومن يذهب إليه فإنّما يجترئ عظيماً.

والذي يعرب عن أنّ بعضهم قد بلغ به الحال إلى المشارفة على أعتاب الرّدة قوله سبحانه:( وَمَا مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا ) ( آل عمران / ١٤٤ ).

قال أنس بن النضر: في السّاعة التي زاغت فيها الأبصار والبصائر وبلغت القلوب فيها الحناجر، وحين فشا في النّاس أنّ رسول الله قد قتل، وقال بعض ضعفاء المؤمنين ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن اُبي فيأخذ لنا أماناً من أبي سفيان(١) وقال ناس من أهل النّفاق: إن كان محمد قد قتل فالحقوا بدينكم الأوّل. قال أنس: إن كان محمد قد قتل فإنّ ربّ محمّد لم يقتل، وما تصنعون بالحياة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه، ثمّ قال: أللّهم إنّي أعتذر إليك ممّا قال هؤلاء، وأبرأُ إليك ممّا جاء به هؤلاء، ثمَّ شدّ بسيفه فقاتل حتّى قتلرضي‌الله‌عنه ، كما مرّ(٢) .

فمحصّل معنى الآية على ما فيها من سياق العتاب والتوبيخ: إنّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس إلّا رسولاً من الله مثل سائر الرّسل ليس شأنه إلّا تبليغ رسالة ربّه لا يملك من الأمر شيئاً، وإنّما الأمر لله والدين دينه باق ببقائه، فما معنى اتّكاء إيمانكم على حياته، حيث يظهر منكم أنّه لو مات أو قتل تركتم القيام بالدين ورجعتم إلى أعقابكم القهقري واتّخذتم الغواية بعد الهداية ؟

وهذا السياق أقوى شاهد على أنّهم ظنّوا يوم أُحد بعد أن حمى الوطيس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد قتل فانسلّوا عند ذلك وتولّوا عن القتال.

__________________

(١) مجمع البيان: ج ١ ص ٥١٣.

(٢) لاحظ ص ٣٣٢.

٣٦٢

القصاص بالقسط:

إنّ المشركين لـمّا مثّلوا بقتلى المسلمين في اُحد وبحمزة بن عبد المطّلب فشقّوا بطنه، وأخذت هند بنت عتبة كبده فجعلت تلوكه، وجدعوا أنفه واُذنه قال المسلمون: لئن أمكننا الله منهم لنمثّلنّ بالأحياء منهم فضلاً عن الأموات، وفي ذلك نزل قوله سبحانه:( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ *وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ) (١) .

وروى السيوطي في الدر المنثور عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم قتل حمزة ومثّل به: لئن ظفرت بقريش لاُمثلنّ بسبعين رجلاً منهم، فأنزل الله:( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ ) الآية، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بل نصبر يا ربّ. فصبر ونهى عن المثلة » والظّاهر أنّ الحكاية الاُولى أوثق وذلك لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أجلّ وأعلى شأناً من أن يتمنّى قصاصاً فيه اجحاف وانتقاص بالآخرين.

وروى البيهقي عن محمّد بن كعب القرظي قال: لـمّا رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حمزة بالحال التي هو بها حين مثّل به، قال: لئن ظفرت بقريش لاُمثلنّ بثلاثين منهم، فلمّا رأى أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما به من الجزع قالوا: لئن ظفرنا بهم لنمثلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب بأحد، فأنزل الله عزّ وجلّ:( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ) إلى آخر السورة فعفا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

والإختلاف بين الحكايتين واضح لكنّ محمّد بن كعب القرظي من بني قريظة الذين تمّت إبادتهم أيام رسول الله في المدينة ولم يبق منهم إلّا قلّة قليلة، ولا يعبأ بنقله، ولعلّ غرضه الازدراء بالنبيّ وادّعاء عدم قيامه بمقتضى العدل.

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٣ ص ٦٠٥.

(٢) دلائل النبوّة: ج ٣ ص ٢٨٦، والسيرة النبويّة لابن هشام: ج ٢ ص ٩٥.

٣٦٣

مطاردة العدو:

ثمّ إنّه لـمّا بلغ رسول الله أنّ العدو بصدد معاودة الكرّة إلى المدينة حتّى يستأصل بقية المسلمين، فأمر رسول الله المؤذّن أن يؤذّن بالخروج إلى مطاردة العدو وأن لا يخرج إلّا من حضر الأمس في المعركة، وإليه يشير قوله سبحانه:( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ *فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ *إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ( آل عمران / ١٧٢ ـ ١٧٥ ).

ويستفاد من جملتها:

( أوّلاً ): إنّ المؤمن إذا انتابته الهزيمة واعتراه الإنكسار الظاهري لا يصل به الأمر إلى فقد الثقة بالله سبحانه وتعالى، فلو تمكّن من معاودة الكرّة لتحقيق الإنتصار لهبّ مسرعاً ولم يقعد به القرح ولا يكون جليس البيت لأجل ملمّة ألـمـّت به، وإليه يشير قوله سبحانه:( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ ) .

( وثانياً ): لو بلغهم تأهّب العدوّ لكرّ عليهم ثانياً وجاءت النذر يخوفونهم من بأس العدو ومازادهم إلّا إيماناً وثقة وانقطاعاً إلى الله وقالوا:( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) .

( وثالثاً ): إنّ ما جاءت به النذر من الأنباء إنّما كانت من الشياطين الّذين يخوّفون أولياءهم، وأمّا المؤمنون فإنّهم قد خرجوا عن نطاق تأثير تلك الإرهاصات النفسيّة.

غزوة اُحد بين السلبيات والإيجابيّات:

إنّ غزوة اُحد كسائر الغزوات التي تمخّض عنها ما هو سلبي وما هو إيجابي، وقد ورد في الذّكر الحكيم آيات تشير إلى جملتها، وإليك نصوصها مشفوعة بما

٣٦٤

يليق بها من التحليل:

قال عزّ وجلّ:( وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) .

( وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ) .

( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) .

( وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) ( آل عمران / ١٤٠ ـ ١٤٣ ).

( مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) ( آل عمران / ١٧٩ ).

ويستفاد من هذه الآيات ما يلي:

١ ـ الانتصار والانكسار من سنن الله:

إنّ من سنن الله تعالى الطبيعية في الاُمم أنّه لم يكتب على جبين اُمّة السيادة والإنتصار في جميع الأزمنة والأمكنة، وكذلك شأن الهزيمة. فهي تعيش بين هذين مقبلة ومدبرة تارة اُخرى كما يشير إليه قوله سبحانه:

( وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) .

٢ ـ التمحيص بالمحنة والبلاء:

إذا كتب النصر على جبين اُمّة على ممرّ الأعصار والدهور لم يتميّز المؤمن عن المنافق والصابر المجاهد عن المتهاون المتقاعد، وقد كان المسلمون قبل لقاء العدوّ

٣٦٥

يتمنّون الموت ولكنّهم فشلوا في الإمتحان عند اللّقاء كما يشير إليه قوله:( وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ ) وقد طبّقت غزوة اُحد ذلك المقياس وقد عرفت ما آل إليه جيش المسلمين حيث إنقسموا إلى ثلاث طوائف أو أكثر، وإليه يشير قوله سبحانه:( وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) وقوله سبحانه:( وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ) وقال أيضاً:( مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) .

٣ ـ خُلّص الغزاة شهداء على الأعمال:

وقد بلغ إخلاص بعض الغزاة إلى حدّ جعلهم يتسنّمون درجة الشهادة على الأعمال وهي درجة رفيعة تحتاج إلى بصيرة مثاليّة وكماليّة في القلب حتّى يشهد على سائر إخوانه بخير أو شرّ كما يشير إليه قوله سبحانه:( وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ) ومع ذلك فربّما يحتمل أن يراد من الشهداء في الآية هو الشهيد في المعركة والمضحّي بنفسه في سبيل إعلاء كلمة الحق.

٤ ـ الجنّة رهن الجهاد والصمود:

إنّ إستحقاق دخول الجنّة لا يكتسب بمجرّد التفوّه بمحض عبارات اللّسان بل يحتاج إلى عظيم جهاد بالنفس والنفيس.

وإليه يشير قوله سبحانه:( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) .

هذا ما يستفاد من جملة هذه الآيات، وهناك طائفة اُخرى من الآيات وردت في شأن تلك الغزوة فيها من العظات والحكم البليغة.

٣٦٦

٥ ـ استنهاض الهمم والعزائم:

لا شكّ أنّ الهزيمة والانكسار في الحرب من أعظم عوامل تثبيط العزائم كما أنّ الإنتصار من أقوى عوامل النهوض بها وتتويجها بتاج الإستبسال والبطولة.

وبما أنّ الهزيمة كانت قد لحقت بالمسلمين في خاتمة المعركة فقد كان لها بطبيعة الحال آثار سيّئة مروّعة خصوصاً عند ظهور الأعداء عليهم فهم قد انبروا يحيكون حولها من الأراجيف، قال عليٌّعليه‌السلام : « إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه »(١) فعاد الذكر الحكيم يعالج هذا الداء المزمن الّذي استشرى في نفوس المسلمين وتمكّن في قلوبهم وذلك بإعلامهم بأنّ الموت من سنن الله سبحانه الحتميّة وأنّ لكلّ نفس كتاباً مؤجّلاً لا يتخلّف ولا يحيد عنه أبداً، وإليه يشير قوله سبحانه:( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إلّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) ( آل عمران / ١٤٥ ).

٦ ـ الاعتبار بالاُمم الماضية:

إنّه سبحانه من أجل رفع معنويّات المسلمين واستنهاض هممهم يذكرّهم بالاُمم الماضية وكيف أنّ فئتهم القليلة كانت تغلب الفئات الكثيرة وتجعل الصبر على البلاء دثارها وذلك لأخذ هم بأسباب النّصر من الصمود والمفاداة في سبيل إظهار الحق واعلاء كلمته، قال سبحانه:( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) ( آل عمران / ١٤٦ ).

( وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إلّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) ( آل عمران / ١٤٧ ).

__________________

(١) نهج البلاغة قسم الحكم رقم ٢.

٣٦٧

٧ ـ إخماد ثائرة الفتنة:

ولـمّا رجع المسلمون إلى المدينة بعد أن أصابهم ما أصابهم فوجئوا بشماتة المتقاعدين والمنافقين حيث خاطبوهم بقولهم: لو كنتم معنا لما قتلتم، وذلك ما يحكيه عنهم سبحانه بقوله:( الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ المَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ( آل عمران / ١٦٨ ).

وقد ورد ذلك المضمون في موضع آخر من السورة في قوله سبحانه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ( آل عمران / ١٥٦ ).

فهو سبحانه يجيب عن هذه الشبهة باُمور:

أ ـ ما أشار إليه في قوله:( قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ المَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) وحاصله أنّ قولكم « لو أطاعونا ما قتلوا » يعرب عن أنّ القائل يعتقد بأنّ الموت والحياة بيد الانسان ولو صحّ ذلك فليدفع الموت عن نفسه، مع أنّه سنّة الله الحتميّة في جميع الكائنات.

ب ـ بأنّ موت الإنسان في ساحة القتال مع الشرك ليس موتاً حقيقياً وإنّما هو في حقيقة الأمر ارتحال من دار إلى دار ومن حياة مادّية إلى حياة مثالية وأبدية سرمدية في خاتمة المطاف في جنات النعيم وأنّ الشهداء أحياء عند ربّهم يرزقون ويستبشرون بالّذين لم يلحقوا بهم بما هم فيه من حياة بلا كآبة ووجل، قال سبحانه:

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ *فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ إلّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ *يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ ) ( آل عمران / ١٦٩ ـ ١٧١ ).

ثمّ إنّ المستفاد منها أنّ حياة الشهداء حياة حقيقية لها آثار جسمية ولها آثار

٣٦٨

روحية، ومن آثارها الجسميّة هو الرزق، ومن آثارها النفسية الاستبشار، فمن زعم أنّ المراد من حياة الشهداء هو خلودهم في صفحة تاريخ أمجاد الشعوب فقد فسّر القرآن تفسيراً مادّياً أعاذنا الله تعالى منه ولذلك قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في جوابه لأبي سفيان ـ عندما قال: « إنّ الحرب سجال يوم بيوم » ـ:

« قتلانا في الجنّة وقتلاكم في النار ».

وقال الإمام الحسين حينما أمر أصحابه بالصبر:

« صبراً بني الكرام فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر وما هو لأعدائكم إلّا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب، وإنّ أبي حدّثني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ما كذبت ولا كذّبت »(١) .

فما جاء في كلامهعليه‌السلام صريح في كون الحياة حياة حقيقية.

وهذه الآيات بجملتها قد تناولت غزوة اُحد بجوانبها المختلفة وهناك آيات أخرى أيضاً وردت بالتنديد بالمتقاعدين وباستنهاض هممهم مثل قوله سبحانه:( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ *إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) ( آل عمران / ١٣٩ و ١٤٠ ).

__________________

(١) بلاغة الحسين ص ٤٧.

٣٦٩

٣ ـ غزوة الخندق

أجلى النبي الأكرم قبيلتي « بني قينقاع » و « بني النضير » من المدينة المنوّرة إلى شمال شبه الجزيرة العربيّة فنزلت عدّة منهم قلاع خيبر ورحلت عدّة اُخرى منهم إلى الشام ولبثتا تتحيّنان الفرص لإدراك ثأرهما من النبيّ وأصحابه والإنقضاض عليهم في عقر دارهم، وقد كان اليهود أبصر خصوم المسلمين وأشدّهم حنكة وسياسة، فهم كانوا دعاة التوحيد في شبه الجزيرة العربية، وكانوا ينافسون المسيحيين في سلطانهم حيث كانوا دعاة التثليث، وفي خِضَمُّ هذه الظروف فوجئوا ببزوغ نجم شخصيّة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وكتابه الجديد حيث يدعوا إلى التوحيد بعبارات قويّة جذّابة وبمبادئ خلّابَة تأخذ بمجامع القلوب وتستقطب الأفكار.

ولأجل ذلك اجتمعت كلمتهم على تأليب العرب وإثارة حفائظهم ضدّ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فأرسلوا رسلهم إلى قريش منهم سلّام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب، وكنانة بن أبي الحقيق من بني النضير، ونفراً من بني وائل حتى قدموا قريشاً فدعوهم إلى حرب رسول الله وقالوا: إنّا سنكون معكم حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر اليهود إنّكم أهل الكتاب الاُوّل والعلم وتعلمون اختلافنا ومحمّد، أفديننا خير أم دينه ؟

قالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق.

الله أكبر ما هذه الشراسة والصلافة والوقاحة ! وهم يزعمون أنّهم دعاة التوحيد وهاهم يفضّلون ويرجّحون الوثنيّة على التوحيد بملء فيهم لغاية التشفّي والإنتقام، وإليه يشير قوله سبحانه:( أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ

٣٧٠

وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً *أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلْعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ) ( النساء / ٥١ ـ ٥٢ )(١) .

فلمّا قالوا ذلك لقريش طاروا فرحاً وامتلأوا سروراً ونشطوا لإنجاح وتلبية ما دعوهم إليه من حرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولـمـّا تمكّنوا من أخذ الميثاق منهم على الحركة صوب المدينة في وقت مُخصّص ارتحلوا من مكّة إلى شمال الجزيرة فجاءوا إلى غطفان من قيس بن غيلان ومن بني مرّة، ومن بني فزارة، ومن أشجع، ومن سليم، ومن بني سعد، ومن أسد التي هي بمجموعها تشكّل بطون غطفان، وما زالوا بهم يحرّضونهم ويستحثّونهم ويذكرون لهم متابعة قريش إيّاهم على حرب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فاجتمع أمرهم على نصرتهم ووعدهم يهود خيبر على أن يدفعوا إليهم محاصيل نخيلهم طيلة عام واحد ازاء نصرتهم لهم ومعاضدتهم إيّاهم(٢) .

حفر الخندق واحداثه حول المدينة(٣) :

ولـمـّا بلغ رسول الله اتّفاق كلمتهم على حربه واجتماع قبائلهم على غزوه، أخذ يخطّط لكيفيّة الدفاع وصدّ هجوم القبائل عليه في عقر داره. إذ فرق كبير بين غزوتي بدر واُحد وغزوة الخندق، فإنّ المحاربين في هذه الغزوة المترقبة أشد شراسة وعدداً وعدّة من سلفهم، ومن أجل ذلك فإنّ الصمود في وجهم يحتاج إلى حنكة عسكرية فائقة وتخطيط حربي متقن فاستشار أصحابه في أمرهم فقال سلمان: يا رسول الله إنّ القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة، قال: فما نصنع ؟ قال: نحفر خندقاً يكون بيننا

__________________

(١) وقد أشبعنا الكلام في توضيح الآية في الفصل المخصّص بأهل الكتاب فراجع.

(٢) المغازي للواقدي: ج ٢ ص ٤٤٦.

(٣) عسكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الثلاثاء لثمان مضت من ذي القعدة فحاصروه خمس عشرة وانصرف يوم الأربعاء لسبع بقين سنة خمس، وقد استعمل على المدينة ابن اُمّ مكتوم.

٣٧١

وبينهم حجاباً فيمكنك منعهم في المطاولة، ولا يمكنهم أن يأتوا من كل وجه، فإنّا كنا معاشر العجم في بلاد فارس إذا باغتنا العدو نحفر خندقاً فتكون الحرب من مواضع معروفة، فأمر رسول الله بالحفر من ناحية « اُحد » إلى « راتج » وجعل على كل عشرين خطوة وثلاثين خطوة(١) قوماً من المهاجرين يحفرونه، فحملت المساحي والمعاول وبدأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ معولاً فحفر في موضع المهاجرين بنفسه وأميرالمؤمنينعليه‌السلام ينقل التراب من الحفرة حتى عرق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعيّ وقال: « لا عيش إلّا عيش الآخرة أللّهم اغفر للأنصار والمهاجرة » فلمّا نظر الناس إلى رسول الله يحفر اجتهدوا في الحفر ونقل التراب فلمّا كان في اليوم الثاني بكّروا إلى الحفر(٢) .

ومع ذلك أبطأ عن رسول الله وعن المسلمين رجال من المنافقين يستترون بالضعيف من العمل ويتسلّلون إلى أهليهم بغير علم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا إذن، وأمّا غيرهم من المسلمين فإذا نابته النائبة من الحاجة التي لابدّ له منها يذكر ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويستأذنه في اللحوق بحاجته، فيأذن له، فاذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله رغبة في الخير واحتساباً له(٣) .

فخرجت قريش ومن لحق بها من أحابيشها أربعة آلاف فارس وعقدوا اللواء في دار الندوة وقادوا معهم ثمانمائة فرس، وكان معهم من الظهر ألف وخمسمائة بعير لحمل أمتعتهم ومؤونتهم.

وأمّا من غير قريش فقد خرجت جموح من القبائل، فبلغ القوم الذين وافوا

__________________

(١) ولعلّ في النصّ سقط، ويحتمل أن يكون الصواب بهذا النحو: وجعل على كل عشرين خطوة قوماً من المهاجرين وعلى كل ثلاثين خطوة قوماً من الأنصار، والوجه في ذلك كثرة عدد الأنصار وقلّة عدد المهاجرين فتأمّل.

(٢) البحار: ج ٢٠ ص ٢١٨.

(٣) السيرة النبويّة لابن هشام: ج ٢ ص ٢١٦.

٣٧٢

الخندق من قريش وسواهم عشرة آلاف بين راكب وراجل، فنزلت قريش برومة ووادي العقيق في أحابيشها ومن انضوى إليها من العرب، وأقبلت غطفان حتى نزلوا بالزغابة بجانب اُحد(١) .

وخرج رسول الله والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم(٢) .

بينما كانت قريش وحلفاؤها ترجو أن تلقى المسلمين باُحد، فلم تجد عنده أحداً فجاوزته إلى المدينة حتى فاجأها الخندق، ولم تكن عارفة بهذا الاُسلوب من الدفاع، فرابطوا حول الخندق وعلموا أنّهم لا يستطيعون اقتحامه واجتيازه بعد جهد جهيد، فاكتفوا بتراشق النبل والسهام عدّة أيّام متوالية وكلّما أراد بطل من أبطال الحلفاء أن يجتاز الخندق، رُمي بالحجارة والنبل من خلف كثبان الرمل التي نصبت على أطرافه في مواقع المسلمين، وقد استمرّت الحال على هذا المنوال قرابة خمسة عشر يوماً أو أزيد.

قال المقريزي: كان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبوسفيان بن حرب في أصحابه يوماً وخالد بن الوليد يوماً ويغدو عمرو بن العاص يوماً وهبيرة بن أبي وهب يوماً وعكرمة بن أبي جهل يوماً وضرار بن الخطاب الفهري يوماً، فلا يزالون يجيلون خيلهم ويتفرّقون مرّة ويجتمعون مرّة اُخرى ويناوشون المسلمين ويقدّمون رماتهم فيرمون، وإذا أبوسفيان في خيل يطيفون بمضيق من الخندق فرماهم المسلمون.

حتى رجعوا وكان عبّاد بن بشر ألزم الناس لقبّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحرسها وكان « أسيد بن حضير » يحرس في جماعة، فاذا عمرو بن العاص في نحو المائة يريدون العبور من الخندق فرماهم حتى ولّوا، وكان المسلمون يتناوبون الحراسة وكانوا في فقر وجوع وكان عمرو بن العاص وخالد بن الوليد كثيراً ما يطلبان

__________________

(١) المغازي للواقدي: ج ٢ ص ٤٤٤.

(٢) السيرة النبويّة: ج ٢ ص ٢٢٠.

٣٧٣

غرّة ومضيقاً من الخندق يقتحمانه فكانت للمسلمين معها وقائع في تلك الليالي(١) .

فأقام رسول الله والمشركون بضعاً وعشرين ليلة، فبينما الناس على ذلك من الخوف والبلاء ولم يكن قتال إلّا الحصار والرمي بالنبل إلّا أنّ فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ودّ، وعكرمة ابن أبي جهل، وضرار بن الخطاب، وهبيرة بن أبي وهب، تلبّسوا للقتال وخرجوا على خيولهم حتى مرّوا على منازل بني كنانة ووقفوا فقالوا: تهيئوا للحرب يا بني كنانة فستعلمون من الفرسان اليوم، ثم أقبلوا تسرع بهم خيولهم حتى وقفوا على الخندق فقالوا: والله إنّ هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها.

ثم يمّموا شطرهم مكاناً من الخندق ضيّقاً، فضربوا خيولهم فجالت بهم حتى عبرت الخندق فطلب عمرو بن عبد ودّ البراز مرّة بعد اُخرى إلىٰ أن ارتجز بقوله:

ولقد بححت من النداء

بجمعكم هل من مبارز

ووقفت إذ جبن المشجع

موقف القرن المناجز

ولذاك إنّي لم أزل

متسرّعاً قبل الهزائز

إنّ الشجاعة في الفتى

والجود من خير الغرائز(٢)

ثمّ قال النبي لأصحابه ثلاث مرّات: أيّكم يبرز لعمرو وأضمن له على الله الجنّة، في كلّ مرّة كان يقوم عليٌّ فاستدانه وعمّمه بيده، فلمّا برز قال: « برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه » وقال: « أللّهم إنّك أخذت منّي عبيدة بن الحارث يوم بدر وحمزة بن عبد المطلب يوم اُحد وهذا أخي عليّ بن أبي طالب، ربّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين »(٣) .

وقال الواقدي: إنّ المسلمين كأنّ على رؤوسهم الطير لمكان عمرو وشجاعته، فلمّا استقبله عليٌّ ارتجز بقوله:

__________________

(١) امتاع الأسماع ص ٢٤١.

(٢) دلائل النبوّة: ج ٣ ص ٤٣٨.

(٣) بحار الأنوار: ج ٢٠ ص ٢١٥ نقلاً عن كنز الفوائد للعلامة الكراجكي ص ١٣٦.

٣٧٤

لا تعجلنّ فقد أتاك

مجيب صوتك غير عاجز

ذو نيّة وبصيرة

والصدق منجى كلّ فائز

إنّي لأرجو أن اُقيم

عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء

يبقى ذكرها عند الهزائز

فقال له عمرو: ومن أنت ؟ قال: أنا عليٌّ. قال: ابن عبد مناف ؟ فقال: عليّ بن أبي طالب. فقال: غيرك يا ابن أخي ومن أعمامك من هو أسنّ منك فأنا أكره أن أهريق دمك.

وقال الواقدي: أقبل عمرو يومئذٍ وهو فارس وعليّ راجل فقال له عليٌّعليه‌السلام : إنّك كنت تقول في الجاهلية: لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلّا قبلتها ! قال: أجل ! قال عليٌّ: فإنّي أدعوك أن تشهد أن لا إلٰه إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله وأسلم لله رب العالمين، قال: يا ابن أخي أخّر هذا عني. قال: فاُخرى ترجع إلى بلادك فإن يكن محمد صادقاً كنت أسعد الناس به، وإن كان غير ذلك كان الذي تريد، قال: هذا ما لا تتحدّث به نساء قريش أبداً، وقد نذرت ما نذرت وحرّمت الدهن، قال: فالثالثة ؟ قال: البراز، قال: فضحك عمرو، ثمّ قال: إنّ هذه الخصلة ما كنت أظن أنّ أحداً من العرب يرومني عليها إنّي لأكره أن أقتل مثلك وكان أبوك لي نديماً، فارجع فأنت غلام حدث وإنّما أردت شيخي قريش أبا بكر وعمر قال، فقال عليٌّعليه‌السلام : فإنّي أدعوك إلى المبارزة فأنا أحبّ أن أقتلك، فأسفّ عمرو ونزل وعقل فرسه(١) وسلّ سيفه كأنة شعلة نار ثمّ أقبل نحو عليّ مغضباً، فأنحى بسيفه على هامّة عليٍّ، فصدّها عليٌّ بمجنّه فانقدّ المجن واثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجّه، فعاجله عليٌّ فضربه على حبل العاتق فسقط وثار العجاج، وسمع رسول الله التكبير فعرف أنّ عليّاً قد قتله، وعند ذلك خرجت خيلهم منهزمة حتى جاوزت الخندق هاربة، ثمّ أقبل عليٌّ نحو رسول الله ووجهه يتهلّل، فقال عمر بن الخطاب هلا استلبته درعه ؟ فإنّه ليس للعرب درع خير منها

__________________

(١) المغازي للواقدي: ج ٢ ص ٤١٧.

٣٧٥

فقال: ضربته فاتقاني بسواده(١) فاستحييت ابن عمي أن استلبه ثمّ أنشد يقول:

نصر الحجارة من سفاهة رأيه

ونصرت ربّ محمد بصواب

فصددتّ حين تركته متجدّلاً

كالجذع بين دكادك(٢) ورواب

لا تحسبنّ الله خاذل دينه

ونبيّه يا معشر الأحزاب(٣)

استبشار المؤمنين وكآبة المشركين:

قد كان الخوف والوجل مستولياً على نفوس المسلمين منذ جاء الأحزاب وحاصروا المدينة ولـمـّا قتل عليٌّ بطل الأحزاب وفارسها وانهزم من كان معه من أبطالهم وذؤبانهم، حتى أنّ عكرمة بن أبي جهل ألقى رمحه يومئذٍ وفرّ، انقلبت الاُمور رأساً على عقب، فصار الخوف والهلع نصيب المشركين ومخيّماً عليهم. هذا من جانب، ومن جانب آخر، كان الوقت إذ ذاك شتاءً قارساً برده، عاصفة رياحه، يخشى في كل وقت مطره، فالخيام التي ضربوها أمام يثرب لا تحميهم منها فتيلاً.

ومن ناحية ثالثة وقف أبو سفيان وحلفاؤه على أنّ الخندق مادام حائلاً بينهم وبين المسلمين والأبطال منهم يذودون عنه بالنبال والحجارة، وما دامت بنو قريظة تمدّ المسلمين بالمؤونه امداداً، فإنّه من الصعب العسير إحراز النصر عليهم بل بإمكانهم الصمود أمامهم على تلك الحال مدّة مديدة تطول مع الشهور، والحل الوحيد الذي أصبح أمامهم هو أن ترجع الأحزاب إلى أدراجهم.

ولكن إجتماع هؤلاء الأحزاب على حرب المسلمين مرّة اُخرى ليس بالأمر

__________________

(١) هكذا في المصدر ولعلّ الصحيح: بسوأته.

(٢) جمع « دكداك » وهو الرمل اللّين، و « الروابي »: جمع « رابية » وهي الكدية المرتفعة.

(٣) السيرة النبويّة لابن هشام: ج ٢ ص ٢٦٥.

٣٧٦

الميسور فإن افلتت الفرصة ربّما لم يسنح لهم الزمان بمثلها في المستقبل.

هذه النهاية التي آل إليها أمر الأحزاب وكانوا في حيرة من أمرهم وغمّة شديدة.

وعند ذلك تفطّن حيي بن أخطب فتيل الفتنة بأنّ في إمكانه أن يتّصل ببني قريظة القاطنين في داخل المدينة ويحرّضهم على نقض عهدهم مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمين، فعند ذلك تنقطع الميرة والمؤونة والمدد أوّلاً، وينفتح الطريق لدخول يثرب من قلاع بني قريظة ثانياً.

وخال حيي بن أخطب بأنّه جاء بمكيدة محكمة، فعرضت فكرته على قريش وغطفان فحبّذاها وسارعا إلى انجازها فذهب بنفسه يريد كعب بن أسد صاحب عقد بني قريظة وقد أغلق كعب دونه باب حصنه إذ عرف أنّه حيى بن أخطب، ولكنّه آخر الأمر فتح باب قلعته واعتنق نظريّته ونقض عهده مع الرسول، وأوجد ذلك قلقاً شديداً بين المسلمين، وقد ذكرنا تفصيله عند البحث عن أهل الكتاب، ولكنّه سبحانه دفع شرّهم بحدوث الاختلاف بين المشركين وبني قريظة فآل الأمر إلى انجلاء الأحزاب من ساحة القتال من دون نتيجة وإليك بيانه:

انقسام المشركين على أنفسهم:

إنّ نعيم بن مسعود أتى رسول الله فقال: يا رسول الله إنّي قد أسلمت وإنّ قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت. فقال رسول الله: إنّما أنت فينا رجل واحد فادخل بين القوم خذلانا إن استطعت فإنّ الحرب خدعة، فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديماً في الجاهلية فقال: يا بني قريظة قد عرفتم ودّي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا: صدقت لست عندنا بمتّهم، فقال لهم: إنّ قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم. البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تحوّلوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه

٣٧٧

وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم، فإن رأوا نهزة أصابوها، وإن كان ذلك لحقوا ببلادهم، وخلّوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمداً حتى تناجزوه، فقالوا له: أشرت بالرأي.

ثمّ خرج حتى أتى قريشاً فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: قد عرفتم ودّى لكم وفراقي محمداً وانّه بلغني أمر قد رأيت عليّ حقّاً أن اُبلغكموه نصحاً لكم فاكتموا عنّي، فقالوا: نفعل. قال: تعلَّموا أنّ معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمّد وقد أرسلوا إليه: إنّا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثمّ نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم ؟ فأرسل إليهم نعم، فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً.

ثمّ خرج حتّى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان إنّكم أصلي وعشيرتي وأحبّ الناس إليّ ولا أراكم تتّهموني، قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمنّهم، قال: فاكتموا عني، قالوا: نفعل، فما أمرك ؟

ثمّ قال لهم مثل ما قال لقريش وحذّرهم ما حذّرهم.

فلمّا كانت ليلة السبت من شوّال سنة خمس أرسل أبو سفيان بن حرب ووجهاء غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل، فقالوا لهم لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمّداً، فأجابوا أنّ اليوم يوم السبت لا نعمل فيه شيئاً ومع ذلك لسنا بالذين نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمّداً، فإنّنا نخشى إن اشتدّ عليكم القتال تتركوننا في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك منه، فلمّا رجعت إليهم الرسل بما قالته بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: والله إنّ الذي حدّثكم به نعيم بن مسعود لحق، فارسلوا إلى بني قريظة: إنّا لا ندفع إليكم رجلاً واحداً من رجالنا، فإن كنتم تريدون

٣٧٨

القتال فاخرجوا فقاتلوا، فقالت بني قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا: إنّ الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم إلّا أن يقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك تفرّقوا إلى بلادهم وخلّوا بينكم وبين محمّد في بلدكم، فارسلوا إلى قريش وغطفان: إنّا والله لا نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً فأبوا عليهم.

فلمّا كان ليلة السبت بعث الله عليهم الريح في ليلة شاتية باردة شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم، ولـمـّا انتهى إلى رسول الله ما فرّق الله من جماعتهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلاً.

فذهب حذيفه ورجع بقوله: دخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقرّ لهم قِدراً ولا ناراً ولا بناءاً، فقال أبوسفيان: يا معشر قريش إنّكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف واخلفنا بنو قريظة ولقينا من شدّة الريح ما ترون ما تطمئن لنا قِدْر ولا تقوم لنا نار فارتحلوا فإنّي مرتحل.

وبذلك اختلفت الأحزاب ولم يبق منهم أحد وأصبح الصبح ولم ير منهم شيء، فرجع المسلمون إلى منازلهم شاكرين.

هذا خلاصة ما أفادته كتب السير والتواريخ(١) وإليك تحليل ما ورد حول تلك الواقعة من الآيات ولا محيص لمفسّر عن الوقوف بما جاء في كتب السيرة فإنّها كالقرائن المنفصلة لفهم معنى ما تضمّنته الآيات الشريفة ونحن نذكر الآيات الواردة حول هذه الغزوة كاملة ثمّ نعقبّها، بما تسنح به الفرصة من التحليل والتوضيح.

__________________

(١) راجع السيرة النبويّة: ج ٢، ومغازي الواقدي: ج ٢، وبحار الأنوار: ج ٢٠، ومجمع البيان: ج ٤.

٣٧٩

غزوة الأحزاب في الذكر الحكيم

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا *إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا *هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا *وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إلّا غُرُورًا *وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إلّا فِرَارًا *وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إلّا يَسِيرًا *وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْئُولاً *قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ المَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إلّا قَلِيلاً *قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا *قَدْ يَعْلَمُ اللهُ المُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إلّا قَلِيلاً *أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الخَيْرِ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا *يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إلّا قَلِيلاً *لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا *وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إلّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا *مِّنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً *لِّيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا *وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا *وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا *وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ) ( الأحزاب / ٩ ـ ٢٧ ).

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434