العقائد الإسلامية الجزء ٢

العقائد الإسلامية13%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 434

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 232054 / تحميل: 6026
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وأمطر في كل البلاد صواعقاً

وهبت له ريح من الشر زعزع

فلم ينج منهم غير من باع دينه

وقال بما يرضي الضلوع ويقنع

ولا عز إلّا من أتى بنميمة

ولا ذل إلّا مؤون متورع

منازل أهل الجور في كل بلدة

عمار وأهل العدل في تلك بلقع

يقولون في أرض العراق مشعشع

وهل بقعة إلّا وفيها مشعشع

فلا فرق إلّا عجزهم واقتداره

وظلمهم فيما يطيقون اشنع

لقد صاقت الآفاق وارتق الفضا

فليس لأهل الدين في الأرض موضع

فهل عامر في الأرض بل أو مفازة

وليس لها في الظلم جمع مجمع

وما سن فيها الظلم إلّا عصابة

تقول على آل النّبي تجمع

فأولهم نسل القحافي حبتر

لئيم له في اللؤم أصل وموضع

أبوه دعى لابن جذعان خادم

وحبترة أدنى محل وأوضع

وتابعه ابن الصهاكي أدلم

عتل زنيم فاجر متبدع

إذا كان منسوباً لسبع

فهل عجب فيما يقول ويصنع

وتابعه في الظلم آل اُميّة

تواطوا على ظلم الوصي وأجمعوا

فلم يتركوا للدين أصلاً يقله

ولم يتركوا فرعاً له يتفرع

وقادوا عليّاً في حمائل سيفه

وكسر أسيافاً لقوم وأضلع

كسيف زبير ثمّ ضلع ابن ياسر

وضلع ابن مسعود وللصحف قطع

إذا فعلوا هذا بأصحاب أحمد

وقالوا لنا إن الصحابة أجمعوا

على حبتر ثمّ ارتضوه أميرهم

فهل عاقل يرضى بهذا ويقنع

وفاطمة الزّهراء حازوا تراثها

عناداً فجاءت حبتراً تتشفع

فقال أبوك المصطفى قال معلناً

بأن أولي القربى من الإرث يمنعوا

فقالت فهاتوا نحلتي وعطيتي

فقالوا لها هل شاهد لك يسمع

فقالت شهودي أذهب الرجس عنهم

لهم آية التطهير ما فيه مدفع

هم حيدر وابناه مع اُمّ أيمن

فهل لك في رد الشهادة مطمع

فقال لها ظلماً وكفراً وقسوة

فلسنا بقول البعل والابن نقنع

فلما رأت تصميمه في ضلاله

وليس عن العصيان أو الظلم يقلع

١٤١

فقامت وأنت عند ذلك أنة

يكاد لها صم الصفا يتصدع

وتابعت الزفرات والنوح والبكا

إلى أن قضت لم يرق للطهر مدمع

فيا عجباً من رده لشهودها

وقول أناس ليس في الكفر تطمع

ألم يفقهوا أقواله وفعاله

ألم ينظروا يا ويلهم ثمّ يسمعوا

فهل رد إلّا من نفى الرجس عنهم

ورد الذي قد جاء بالوحي يصدع

يزكي إله العالمين وأحمد

أناساً ويأتي نغل تيم ويمنع

فتباً لها من اُمة ضل سعيها

توالي كفراً بالإله وتتبع

وأعظم من كل الرزايا رزية

مصارع يوم الطّفّ أدهى واشنع

بها لبس الدين الحنيفي خلعة

من الذل لا تبلى ولا تتقطع

فما أنس لا أنس الحُسين ورهطه

وعترته بالطف ظلماً تصرع

ولم أنسه والشمر من فوق رأسه

يهشم صدراً وهو للعلم مجمع

ولم أنس مظلوماً ذبيحاً من القنا

وقد كان نور الله في الأرض يلمع

يقبله الهادي النّبي بنحره

وموضع تقبيل النّبي يقطع

إذا حز عضو منه نادى بجده

وشمر على تصميمه ليس يرجع

وميز عنه الرأس ظلماً وقسوة

ولا عينه تندو ولا القلب يخشع

تزلزلت الأفلاك من كل جانب

تكاد السما تنقض والأرض تقلع

وعرج جبرائيل ينوح بحرقة

ويشجي أملاك السما ويفجع

وضجت أملاك السّماء وتناوحت

طيور الفلا والوحش والجن أجمع

وجئن كريمات الرّسول حواسراً

ولم يبق جيب لا يشق ويرقع

تقبل جثمان الحُسين سكينة

وشمر لها بالسوط ضرباً يقنع

فيؤلمها ضرب السياط فتلتجي

لعمتها من حيث بالضرب توجع

تقول له يا شمر ويحك خلها

إذا كان بالتقبيل ترضى وتقنع

وترفع صوتاً اُمّ كلثوم بالبكا

وتشكو إلى الله العلي وتضرع

وتندب من عظم الرزية جدها

فلو جدنا ينظر إلينا ويسمع

أيا جدنا نشكو إليك اُميّة

فقد بالغوا في ظلمنا وتبدعوا

أيا جدنا لو أن رأيت مصابنا

لكنت ترى أمراً له الصخر يصدع

أيا جدنا هذا الحُسين معفراً

على الترب محزوز الوريدين مقطع

١٤٢

فجثمانه تحت الخيول ورأسه

عناداً بأطراف الأسنة برقع

أيا جدنا لم يتركوا من رجالنا

كبيراً ولا طفلاً على الثدي يرضع

أيا جدنا لم يتركوا لنسائنا

خماراً ولا ثوباً ولم يبق برقع

أيا جدنا سرنا عرايا حواسرا

كأنا سبايا الروم بل نحن أوضع

أيا جدنا لو أن ترانا أذلة

أسارى إلى أعدائنا نتضرع

ايا جدنا نسترحم القوم لم نجد

شفيعاً ولا من ذي الإساءة يدفع

أيا جدنا شمر يبز قناعنا

ويضربنا ضرب الإماء ويوجع

أيا جدنا زين العباد مكبل

عليل سقيم مدنف متوجع

إذا ما رآنا حاسرات بلا غطا

تكاد الحشا تنفت والروح تنزع

فيصرف عنا الوجه من غير بغضة

ويرنو إلى الرأسُ الحُسينُ فيجزع

فما فعلت عاد كفعل اُميّة

ولكنهم آثار قوم تتبع

فما قتل السبط الشهيد ورهطه

سوى عصبة يوم السقيفة أجمعوا

وما ذاك إلّا سامري وعجله

أهم أصلوا للظلم والقوم فرعوا

ألا لعن الله الذين توازروا

على ظلم آل المصطفى وتجمعوا

أيا سادتي يا آل بيت مُحمّد

بكم مفلح مستعصم متمنع

وأنتم ملاذي عند كل كريهة

وأنتم له حصن منيع ومفزع

إذا كنتم درعي ورمحي ومنصلي

فلا اختشي بأساً ولا أتروع

بك أتقي هول المهمات في الدنا

وأهوال روعات القيامة أدفع

فدونكموها من محب ومبغض

له كبد حرى وقلب مفجع

ولا طاقتي إلّا المدائح والهجا

وليس بهذا علة القلب تنفع

الا ساعة فيها أجرد صارماً

وأضرب هام القوم حتّى يصرع

فحينئذ يشفي الفؤاد وحزنه

مقيم ولو لم يبق للقوم موضع

فكيف ولو بالحر قسنا جميعهم

لزاد عليهم للرياحي اصبع

أيا سادتي يا آل بيت مُحمّد

ويا من بهم يعطي الإله ويمنع

ألا فاقبلوا من عبدكم ومحبكم

قليلاً فإن الحر يرضى ويقنع

فإن كان تقصير بما قد أتيته

فساحة غدري يا موالي مهيع

فلست بقوال ولست بشاعر

ولكن من فرط الأسى أتولع

١٤٣

الباب الثّالث

أيّها الإخوان , كيف تخفي زفرات الأحزان ؟ أم كيف تطفي لهبات الأشجان ؟ أتراكم ما تعلمون ما جرى على سادات الزّمان في تلك الأماكن والأوطان ؟ قسماً بالبيت العتيق , لو فكّر المؤمن فيما اصابهم من المحن , لغدى روحه أن تخرج من البدن , كيف لا وهم أنوار الله في أرضه وسمائه , وأصفياء الله وأبناء أصفيائه ! اجتروا عليهم فقطّعوا منهم الأوصال , وجدّلوهم على الرّمال , وجرّعوهم كؤوس الحتوف بأرض الطّفوف , وأخذوا نساءهم سبايا على أقتاب المطايا , عرايا حفايا على أيدي أهل العناد وأشرّ العباد , أمر تكاد السّماوات أن يتفطّرن منه , وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّا :

والله ما عاد بأعظم جرأة

منهم ولا فعلت ثمود وتبع

وناداهم لما به حفوا معاً

زمراً ولم يك من لقاهم يجزع

يا شر خلق الله ما من مسلم

منكم له دين يكف ويردع

حرم النّبي تموت من حر الظما

والوحش في ماء الشريعة يترع

ألكم طلائب عندنا تبغونها ؟

أم ما عرفتم ويلكم ما يصنع

فيا لهف نفسي على الكهول والشّبان ! ويا تأسّفي على تلك الأجسام والأبدان ! فيا ليتني كنت تراباً لأقدامهم , وخادماً من جملة خدّامهم.

روي عن المفضل بن عمر , قال : قُلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام ) : كيف كانت ولادة فاطمة (عليها‌السلام ) ؟ فقال : (( نعم , إنّ خديجة لمـّا تزوج بها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , هجرتها نساء مكّة , وكنّ لا يدخلنّ إليها ولا يسلّمنّ عليها ولا يتركن امرأة تدخل إليها , فاستوحشت خديجة لذلك , فلمّا حملت بفاطمة , كانت فاطمة تحدّثها في بطنها وتصبّرها , وكانت تكتم ذلك عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فدخل يوماً فسمع خديجة تحدّث فاطمة , فقال لها : يا خديجة , مَن تحدثين ؟ قالت : الجنين في بطني يحدّثني ويؤنسني .قال : يا خديجة , هذا جبرائيل يبشّرني أنّها ابنتي , وأنّها النّسلة الطّاهرة الميمونة , وأنّ الله سيجعل نسلي منها , وسيجعل من نسلها أئمة , ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه.

فلم تزل خديجة (عليها‌السلام ) على ذلك حتّى حضرت ولادتها , فوجّهت إلى نساء قُريش

١٤٤

وبني هاشم : أن تعالين لتلين منّي ما تلي النّساء من النّساء .فأرسلنّ إليها : عصيتينا ولم تقبلي قولنا , وتزوجت مُحمّداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له , فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً .فاغتمّت خديجة (عليها‌السلام ) لذلك , فبينما هي كذلك , إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنّهن من نساء بني هاشم , ففزعت منهنّ لمـّا رأتهن , فقالت إحداهنّ : لا تحزني يا خديجة , إنّا رسل ربّك ونحن أخواتك ؛ أنا سارة , وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنّة , وهذه مريم بنت عمران , وهذه كلثم أخث موسى بن عمران , بعثنا الله إليك ؛ لنلي منك ما تلي النّساء من النّساء .فجلست واحدة عن يمينها واُخرى عن يسارها, والثّالثة بين يديها والرّابعة من خلفها , فوضعت فاطمة (عليها‌السلام ) طاهرة مطهّرة , فلمّا سقطت إلى الأرض , أشرق منها النّور حتّى دخل بيوت مكّة , ولم يبق في شرق الأرض ولا في غربها إلّا أشرق فيه ذلك النّور , ودخل عشر من الحور العين , كلّ واحدة منهنّ معها طشت من الجنّة وإبريق من الجنّة , وفي الإبريق ماء من ماء الكوثر , فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها , فغسّلتها بماء الكوثر , وأخرجت خرقتين بيضاوين , أشدّ بياضاً من اللبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر , فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثّانية , ثمّ استنطقتها فنطقت فاطمة (عليها‌السلام ) بالشّهادتين , فقالت : أشهد أن لا إله إلّا الله , وأنّ أبي مُحمّد رسول الله سيّد الأنبياء , وأنّ بعلي سيّد الأوصياء , وولدي سادة الأسباط , ثمّ سلّمت عليهنّ واحدة وسمّت كلّ واحدة باسمها , وأقبلنّ يضحكن إليها , وتباشرت الحور العين , وبشّر أهل السّماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة , وحدث في السّماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك , ثمّ قالت النّسوة : خذيها يا خديجة , طاهرة مطهّرة زكية ميمونة , بورك فيها وفي نسلها .فتناولتها فرحة مستبشرة , وألقمتها ثديها فدرّ عليها , وكانت فاطمة تنمو في اليوم كما ينمو الصّبي في الشّهر , وفي الشّهر كما ينمو الصّبي في السّنة )).

وعن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , قال : (( فاطمة سيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين , وأنّها لتقوم في محرابها , فيسلّم عليها سبعون ألف مَلك من الملائكة المقرّبين , وينادونها بما نادت به الملائكة مريم , فيقولون : يا فاطمة , إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين .ثمّ يلتفت إلى عليّ (عليه‌السلام ) , فيقول له : يا عليّ , فاطمة بضعة منّي وهي نور عيني وثمرة فؤادي , يسوءني ما ساءها

١٤٥

ويسرّني ما سرّها , وإنّها أوّل من يلحقني من أهل بيتي , فأحسن إليها بعدي )) .:

يا نفس إن تتلقي صبراً فقد ظلمت

بنت النّبي رسول الله وإبناها

تلك التي أحمد المختار والدها

وجبرائيل أمين الله رباها

الله طهرها من كل فاحشة

من كل ريب وزكاها وصفاها

فهذا يا إخوان الدّين ما وصل إلينا في ولادة بنت سيّد المرسلين.

وأمّا ولادة الحُسين بن عليّ (عليهما‌السلام ) , فقد روي فيها عن ابن عبّاس , قال : لمـّا أراد الله أن يهب لفاطمة الزّهراء , وكان في رجب في اثني عشر ليلة خلت منه ، فلمّا وقعت في طلقها , أوحى الله عزّ وجلّ إلى لعيا ( وهي : حوراء من الجنّة ) وأهل الجنان إذا أرادوا أن ينظروا إلى شيء حسن نظروا إلى لعيا ، قال : ولها سبعون ألف وصيفة , وسبعون ألف قصر , وسبعون ألف مقصورة , وسبعون ألف غرفة مكلّلة بأنواع الجواهر والمرجان , وقصر لعيا أعلا من تلك القصور ومن كلّ القصور في الجنّة , إذا أشرفت على الجنّة , نظرت جميع ما فيها وأضاءت الجنّة من ضوء خدّها وجبينها , فأوحى الله إليها : (( أن اهبطي إلى دار الدّنيا , إلى بنت حبيبي مُحمّد فآنسي لها )) .فأوحى الله إلى رضوان خازن الجنان : (( أن زخرف الجنّة وزيّنها ؛ كرامة لمولود يولد في دار الدّنيا )) .وأوحى الله إلى الملائكة : (( أن قوموا صفوفاً بالتّسبيح والتّقديس والثّناء على الله تعالى )) .وأوحى إلى جبرائيل وميكائيل وإسرافيل : (( أن اهبطوا إلى الأرض في قنديل من الملائكة )) .قال ابن عباس : والقنديل ألف ألف ملك , فبينما هبطوا من سماء إلى سماء , إذا في السّماء الرّابعة ملك يُقال له (صلصائيل) , له سبعون ألف جناح قد نشرها من المشرق إلى المغرب , وهو شاخص نحو العرش ؛ لأنّه ذكر في نفسه فقال : ترى الله يعلم ما في قرار هذا البحر , وما يسير في ظلمة الليل وضوء النّهار ؟ فعلم الله تعالى في نفسه , فأوحى الله إليه : (( أن أقم مكانك لا تركع ولا تسجد ؛ عقوبة لك لما فكّرت )).

قال : فهبطت لعيا على فاطمة , وقالت لها : مرحباً بك يا بنت مُحمّد كيف حالك ؟ قالت (عليها‌السلام ) لها : (( بخير )) .ولحق فاطمة الحياء من لعيا لم تدري ما تفرش لها , فبينما هي متفكّرة , إذ هبطت حوراء من الجنّة ومعها درنوك من درانيك الجنّة , فبسطته في منزل فاطمة فجلست عليه لعيا , ثمّ إنّ فاطمة (عليها‌السلام ) ولدت الحُسين (عليه‌السلام ) في وقت الفجر , فقبّلته لعيا وقطعت سرّته ونشّفته بمنديل من

١٤٦

مناديل الجنّة , وقبّلت عينيه وتفلت في فيه , وقالت له : بارك الله فيك من مولود وبارك في والديك .وهنأت الملائكة جبرائيل , وهنأ جبرائيل مُحمّداً سبعة أيّام بلياليها , فلمّا كان في اليوم السّابع , قال جبرائيل : يا مُحمّد , آتنا بابنك هذا حتّى نراه .قال : فدخل النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على فاطمة , فأخذ الحُسين وهو ملفوف بقطعة صوف صفراء , فأتى به إلى جبرائيل , فحلّه وقبّله بين عينيه وتفل في فيه , وقال : بارك الله فيك من مولود , وبارك في والديك يا صريع كربلاء ! ونظر إلى الحُسين وبكى , وبكى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وبكت الملائكة , وقال جبرائيل : اقرأ فاطمة ابنتك السّلام , وقُل لها : تُسمّيه الحُسين , فقد سمّاه الله جلّ إسمه , وإنّما سُمّي الحُسين ؛ لأنّه لم يكُن في زمانه أحسن منه وجهاً .فقال رسول الله (ص) : (( يا جبرائيل , تهنيني وتبكي ؟! )) .قال: نعم يا مُحمّد , آجرك الله في مولودك هذا .فقال (ص) : (( يا حبيبي جبرائيل ومَن يقتله ؟ )) .قال : شراذمة من اُمّتك يرجون شفاعتك لا أنالهم الله ذلك .فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( خابت اُمّة قتلت ابن بنت نبيّها )) .قال جبرائيل : خابت ثمّ خابت من رحمة الله , وخاضت في عذاب الله .ودخل النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على فاطمة , فأقرأها من الله السّلام , وقال لها : (( يا بنيّة , سمّيه الحُسين فقد سمّاه الله الحُسين )) .فقالت : (( من مولاى السّلام وإليه يعود السّلام , والسّلام على جبرائيل )) .وهنأها النّبي وبكى ، فقالت : (( يا أبتاه ! تهنئني وتبكي ؟ )) .قال : (( نعم يا بنيّة ! آجرك الله في مولودك هذا )) .فشهقت شهقة وأخذت في البكاء وساعدتها لعيا ووصائفها , وقالت : (( يا أبتاه ! مَن يقتل ولدي وقرّة عيني وثمرة فؤادي ؟ )) .قال : (( شراذمة من اُمّتي يرجون شفاعتي لا أنالهم الله ذلك )) قالت فاطمة : (( خابت اُمّة قتلت ابن بنت نبيّها )) .قالت لعيا : خابت ثمّ خابت من رحمة الله , وخابت في عذابه .(( يا أبتاه ! اقرىء جبرائيل عنّي السّلام , وقُل له في أيّ موضع يُقتل ؟ )).قال : (( في موضع يُقال له كربلاء , فإذا نادى الحُسين لم يجبه أحد منهم , فعلى القاعد من نصرته لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين ، ألا أنّه لن يُقتل حتّى يخرج من صلبه تسعة من الأئمة , ثمّ سمّاهم بأسمائهم إلى آخرهم , وهو الذي يخرج آخر الزّمان مع عيسى بن مريم ، فهؤلاء مصابيح الرّحمن وعروة السّلام , محبّهم يدخل الجنّة ومبغضهم يدخل النّار )).

قال : وعرج جبرائيل وعرج الملائكة وعرجت لعيا , فبقي الملك صلصائيل , فقال : يا حبيبي , أقامت القيامة على أهل

١٤٧

الأرض ؟ قال : لا ، ولكن هبطنا إلى الأرض , فهنئنا مُحمّداً بولده الحُسين .قال : حبيبي جبرائيل , فاهبط إلى الأرض , فقل له: يا مُحمّد , اشفع إلى ربّك في الرّضا عنّي ؛ فإنّك صاحب الشّفاعة .قال : فقام النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ودعا بالحُسين (عليه‌السلام ) , فرفعه بكلتا يديه إلى السّماء , وقال : (( اللّهمّ , بحقّ مولودي هذا عليك إلّا رضيت على الملك )) .فإذا النّداء من قبل العرش : (( يا مُحمّد , قد فعلت وقدرك كبير عظيم )) .قال ابن عباس : والذي بعث مُحمّداً بالحقّ نبيّاً , إنّ صلصائيل يفخر على الملائكة؛ أنّه عتيق الحُسين , ولعيا تفخر على الحور العين ؛ بأنّها قابلة الحُسين.

فيا إخواني , يحقّ لـمَن فارقته ساداته الذين بهم سعادته , ولم يتمكّن من الوصول إليهم , ولبذل نفسه في الجهاد بين يديهم, أن تسيل دموعه الهاطلة وتزيد حرقته المواصلة , ويواصل النّوح بالعويل لا سيّما لو كان بذاك رضا الجليل ، فنوحوا يا إخواني على ساداتكم الكرام , وتمثّلوا ما أصابهم من الكفرة اللئام , قتلوا رجالهم وذبحوا أطفالهم ونهبوا أموالهم ، فعلى مثلهم فليبك الباكون , وعلى مثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة لابن المتوج (رحمه ‌الله ت عالى)

ألا نوحوا وضجوا بالبكاء

على السبط الشهيد بكربلاء

ألا نوحوا بسكب الدمع حزناً

عليه وامزجوه بالدماء

الا نوحوا على من قد بكاه

رسول الله خير الأنبياء

ألا نوحوا على من قد بكاه

عليّ الطهر خير الأوصياء

ألا نوحوا على من قد بكته

حبيبة أحمد ست النساء

ألا نوحوا على من قد بكاه

لعظم الشجو أملاك السماء

ألا نوحوا على قمر منير

عراه الخسف من بعد الضياء

ألا نوحوا على غصن رطيب

ذوي بعد النظارة والبهاء

ألا نوحوا لخامس آل طه

وياسين وأصحاب العباء

ألا نوحوا على شرف القوافي

ومتخرة المرائي والثناء

ألا نوحوا عليه وقد أحاطت

به خيل البغاء الأشقياء

١٤٨

إذ أقبل واعظاً فيهم خطيباً

وبالغ في النصيحة والدعاء

ألا يا قوم أنشدكم فردوا

جوابي هل يحل لكم دمائي

وجدي أحمد وأبي عليّ

وأمي فاطم ست النساء

فقالوا هل نطقت بقول صدق

وقد أخبرت بالحق السواء

ولكن قد أمرنا لا نخلي

سبيلك أو تبايع بالوفاء

وإلّا بالقواضب والعوالي

نجرعكم بها غصص الظماء

فقال أبالقتال تخوفوني

وهل تخشى الأسود من الظباء

فنادوا للقتال معاً ونادى

أخيل الله هبي للقاء

فكافحهم على غصص إلى أن

أبادوا ناصريه ذوي الوفاء

وصادفهم بمهجته إلى أن

أتاه سهم أشقى الأشقياء

فخرّ وبادر الملعون شمر

وحز وريده بعد ارتقاء

وعلا رأسه في رأس رمح

وخلى الجسم شلواً بالعراء

ومالوا في الخيام فحرقوها

وعاثوا في الذراري والنساء

وساقوا الطاهرات مهتكات

على قتب الجمال بلا وطاء

ألا يا آل ياسين فؤادي

لذكري مصابكم حلف الضناء

فأنتم عدتي لي في يوم معادي

إذا حشر الخلائق للجزاء

وما أرجو لآخرتي سواكم

وحاشا أن يخيب بكم رجائي

أنا ابن متوج توجتموني

بتاج الفخر طراً والبهاء

صلاة الخلق والخلاق تترى

عليكم بالصباح وبالمساء

ولعنته على قوم أباحوا

دماءكم بظلم وافتراء

١٤٩

المجلس الثّامن

في اليوم الرّابع من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب

الباب الأول

تفكّروا أيّها الإخوان في أهل الظّلم والعدوان , كيف حملتهم الأحقاد والغلّ الكامن في الفؤاد , على انتهاك حرمة الرّسول وذرّيّة الزّهراء البتول , فصرعوهم على الرّمال ولم يراقبوا الكبير المتعال , ولا بما قيل وقال , بل رفعوا رؤوس آل النّبي على الرّماح , وتركوا أجسادهم شاحبة تسفى عليها الرّمال ، فهم ما بين قتيل يجري منه الصّديد وأسير مكبّل بالحديد ، وامرأة تحنّ ومريض يئنّ ، وسبايا كسبي العبيد ، يُقادون بالعنف إلى يزيد , كأنّهم اُسارى بني الأصفر وليسوا من ذرّيّة النّبي المطهّر :

قليل لهذا الرزء تكوير شمسها

وإن تفطر السبع الشداد له قطرا

مصاب بكت منه السّماء وأهلها

وأشقت به الشم الرعان على المسرى

وخطب جليل قليل حين حلوله

لدمع رسول الله من عينه أجرى

ليبك بنو السلام طراً عليهم

كما بكت الآيات والملّة الغرا

حملتهم الدُنيا الدّنيّة على قتل العترة النّبوية .وقد ورد في الخبر عن سادات البشر , حبّها من أعظم الأخطار الموجبة للسخط ودخول النّار.

وفي الحديث القدسي : (( لو صلّى عبدي صلاة أهل السّماوات وأهل الأرضين , وصام صيام أهل السّماوات وأهل الأرضين , وحجّ حجيج أهل السّماوات وأهل الأرضين

١٥٠

وطوى عن أكل الطّعام مثل الملائكة المقرّبين , ثمّ أرى في قلبه من حبّ الدّنيا ذرّة , أو من سمعتها أو من رئاستها , أو من محمدتها أو من حليتها , أو من زينتها أدنى من ذرّة , فإنّه لا يجاورني في دار كرامتي ، ولأنزعنّ من قلبه محبّتي , ولأظلمنّ قلبه حتّى ينسى ذكري ؛ حتّى لا أذيقه رحمتي يوم القيامة )).

وفي الخبر عن الصّادق (عليه‌السلام ) , قال : (( إذا كان يوم القيامة , يمرّ رسول الله بشفير جهنّم , ومعه عليّ بن أبي طالب والحسن والحُسين (عليهم‌السلام ) , فيراهم المختار وهو يومئذ في النّار , فينادي بصوت عال : يا شفيع المذنبين ! أنقذني من النّار .فلم يجبه ، فينادي : يا عليّ ! أغثني من النّار .فلم يجبه ، فينادي : يا حسن يا سيّد شباب أهل الجنّة ! أدركني .فلم يجبه ، فينادي : يا حُسين يا سيّد الشّهداء ! أنا الذي قتلت أعداءك وأخذت لك بالثأر , أنقذني من النّار .فيقول النّبي : يا حُسين , إنّ المختار قد احتجّ عليك بأخذ الثّأر من أعدائك , فأنقذه من النّار .قال : فينتفض الحُسين (عليه‌السلام ) سريعاً كالبرق الخاطف , ويخرجه من النّار , ويغمسه في نهر الحيوان , ويدخله الجنّة مع الأخيار ببركة النّبي المختار )).

فسُئل الصّادق (ع) : يابن رسول الله , فلِمَ اُدخل المختار النّار وهو من الأخيار والشّيعة الأبرار , وأفضل الأنصار لأهل بيت النّبي المختار ؟! فقال (عليه‌السلام ) : (( إنّ المختار كان يحبّ السّلطنة , وكان يحبّ الدّنيا وزينتها وزخرفها , وأنّ حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة ؛ لأنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال : والذي بعثني بالحقّ نبياً , لو أنّ جبرائيل أو ميكائيل كان في قلبهما ذرّة من حبّ الدّنيا , لأكبّهما الله على وجوههما في نار جهنّم )).

فنزّهوا أيّها الإخوان أنفسكم عن الرّاكعون إلى الدُنيا , وإيّاكم وطلب الرّئاسة والعليا ؛ فإنّها دار لا يدوم فيها نعيم , ولم يبق أحد من شرّها سليم , وكيف يرضى العاقل بالدّنيا دار بعد آل الرّسول وسلالة الطّاهرة البتول ؟! هذه والله دار غدرت بمواليها , فلا خير والله فيها إلّا مَن اتخذ فيها الزّاد ليوم المعاد ، ولعمري , لا عمل فيها أفضل من موالاة الآل , الدّافعة لتلك الأهوال يوم الحشر والمآل :

هم السادة الأطهار آل محمد

هم الدين والدنيا لمن يتعقل

هم الطور والأعراف والنور والضحى

وياسين والأحقاف والمترمل

مهابط وحي الله في حجراتهم

وتبيان برهان الكتاب المنزل

١٥١

فما مثلهم في الكون إن عد مفخر

أعد نظراً يا صاح إن كنت تعقل

خلت منهم أرض العقيق وعطلت

منازل آيات بها الوحي ينزل

منازل تنزيل بها الحزن قد ثوى

ومجلس أنس قد خلا منه نزل

حدا بهم حادي المنايا معجلا

وسارت بهم عنفاً على الابن نزل

أصابتهم أيدي المصائب فاغتدوا

أماثيل في الدّنيا لمن يتمثل

فما منهم إلّا قتيل وهالك

بسم ومذبوح وذاك مكبل

على مثلهم فليبك بالمدى المدى

ويذرف دمعاً كالمسيل مسبل

روي عن عليّ بن عاصم الكوفي الأعمى , قال : دخلت على سيدي ومولاي الحسن العسكري (عليه‌السلام ) , فسلّمت عليه , فردّ عليّ السّلام وقال : (( مرحباً بك يابن عاصم , اجلس مكانك , هنيئاً لك يابن عاصم , أتدري ما تحت قدميك ؟ )).فقلت : يا مولاي , إنّي أرى تحت قدمي هذا البساط , كرّم الله وجه صاحبه .فقال لي : (( يا بن عاصم , اعلم أنّك على بساط جلس عليه كثير من النّبيين والمرسلين )) .فقلت : يا سيدي , ليتني لا أفارقك ما دمت في دار الدّنيا .ثمّ قلت في قلبي : ليتني أرى هذا البساط .فعلم الإمام ما في ضميري , فقال : (( ادن منّي )) .فدنوت منه , فمسح يده على وجهي , فصرت بصيراً بإذن الله ، ثمّ قال لي : (( هذا قدم أبينا آدم , وهذا أثر هابيل , وهذا أثر شيث , وهذا أثر إدريس , وهذا أثر هود , وهذا أثر صالح , وهذا أثر لقمان , وهذا أثر إبراهيم , وهذا أثر لوط , وهذا أثر شعيب , وهذا أثر موسى , وهذا أثر داود , وهذا أثر سُليمان , وهذا أثر الخضر , وهذا أثر دانيال , وهذا أثر ذي القرنين الاسكندر , وهذا أثر عدنان , وهذا أثر عبد الـمُطّلب , وهذا أثر عبد الله , وهذا أثر عبد مُناف , وهذا أثر جدّي رسول الله , وهذا أثر جدّي عليّ بن أبي طالب ))

قال عليّ بن عاصم : فأهويت على الأقدام كلّها وقبّلتها , وقبّلت يد الإمام العسكري (عليه‌السلام ) , وقلت له : يا سيدي , إنّي عاجز عن نصرتكم بيدي , وليس أملك غير موالاتكم , والبراءة من أعدائكم واللعن لهم في خلواتي , فكيف حالي يا سيدي ؟ فقال : (( حدّثني أبي عن جدّي عن رسول الله , قال : مَن ضعف عن نصرتنا أهل البيت , ولعن في خلواته أعداءنا , بلغ الله صوته إلى جميع الملائكة , فكلّما لعن أحدكم أعداءنا , ساعدته الملائكة ولعنوا من لا يلعنهم ، فإذا بلغ صوته إلى الملائكة , استغفروا له

١٥٢

وأثنوا عليه , وقالوا : اللّهمّ صلّ على روح عبدك , هذا الذي بذل في نصرة أوليائه جهده , ولو قدر على أكثر من ذلك لفعل.فإذا النّداء من قبل الله تعالى يقول : يا ملائكتي , إنّي قد أجبت دعائكم في عبدي هذا , وسمعت نداءكم , وصلّيت على روحه مع أرواح الأبرار , وجعلته من الـمُصطفين الأخيار )).

وكذلك قال عليّ بن أبي طالب (عليه‌السلام ) لأصحابه الذين كانوا معه لمـّا غُصبت الخلافة منه , حيث قال : (( يا أصحابي , الزموا بيوتكم واصبروا على البلاء , ولا تحرّكوا بأيديكم وسيوفكم وأهواء ألسنتكم , ولا تستعجلوا بما يُعجّله الله لكم ؛ فإنّه مَن مات منكم على فراشه وهو على معرفة من حقّ ربّه , وحقّ نبيّه وآل نبيّه , كان كمن مات شهيداً , أو أجره على الله , واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله , وقامت النّية مقام صلاته وجهاده بسيفه ويده , وإنّ لكلّ شيء أجلاً وانتهاء )).

فيا إخوتي , لله درّ الشّيعة الـمُخلصين , والأتباع الـمُتّقين , وأهل الولاية أجمعين , الذين بذلوا قلوبهم في المحبّة , واستعملوها في المودّة والمسبّة.

روي في الخبر عن سيّد البشر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , أنّه كان يقول للحسن والحُسين : (( أنتما زينة عرش الرّحمن , أنتما اللؤلؤة والمرجان)) .فقيل له : يا رسول الله , وكيف ذلك , وكيف يكونان تزيين عرش الرّحمن ؟ فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( إذا كان يوم القيامة , يزيّن عرش ربّ العالمين بكلّ زينة , ثمّ يؤتى بمنبرين من نور , كلّ منبر طوله مئة ميل , فيوضع أحدهما عن يمين العرش , والآخر عن يسار العرش ، ثمّ يؤتى بالحسن والحُسين (عليهما‌السلام ) , فيقف الحسن على أحدهما والحُسين على الآخر , يزيّن الرّب تبارك وتعالى بهما عرشه كما تزيّن المرأة قرطاها )) .ثمّ قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( ويوضع يوم القيامة منابر تحت العرش لشيعتي , ولشيعة أهل بيتي المخلصين في ولايتنا , فيقول الله عزّ وجلّ : هلمّوا يا عبادي إليّ لأنشر عليكم كرامتي , فقد أوذيتم في دار الدُنيا )).

وقال أيضاً (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( أنا الشّجرة وفاطمة فرعها وعليّ لقاحها , والحسن والحُسين ثمرها , وشيعتنا أهل البيت أوراقها , قد أفلح من تمسّك بهذه الشّجرة )).

وفي الخبر أيضاً عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , أنّه قال : (( يدخل الجنّة من اُمّتي سبعون ألفاً بلا حساب عليهم ولا عذاب يصل إليهم )).ثمّ التفت إلى عليّ (عليه‌السلام ) , فقال : (( شيعتك هُم وأنت إمامهم )).

وعن أبي عبد الله (عليه‌السلام ) , قال : (( إذا بلغت نفس المؤمن الحنجرة , وأهوى ملك الموت بيده إليها , يرى قرّة عين , يُقال له : انظر عن يمينك .فيرى رسول الله

١٥٣

وعليّاً وفاطمة والحسن والحُسين , فيقولون له : إلينا إلى الجنّة .والله لو بلغت روح عدوّنا إلى صدره , وأهوى ملك الموت بيده إليها , لا بدّ أن يُقال : انظر عن يسارك .فيرى مُنكراً ونكيراً يُهدّدانه بالعذاب , نعوذ بالله منه )) .:

مناقبهم بين الورى مستنيرة

لها غرر مجلوة وحجول

مناقب جلت أن يحاط بحصرها

نمتها فروع قد زكت وأصول

مناقب وحي الله أثبتها لهم

بما قام منه شاهد ودليل

مناقب من خلق النّبي وخلقه

ظهرت فما يغتالهن أفول

أمولاي آمالي تؤمل نصركم

وقلبي إليكم بالولاء يميل

وقد طال عمر الصبر في أخذ ثاركم

كما آن للظلم المقيم رحيل

متى يشتفي حر الغليل ويشتفي

فؤاد بآلام المصاب عليل

ويجبر هذا الكسر في ظل دولة

لها النصر جند والأمان دليل

هنالك يضحى دين آل محمد

عزيزاً ويمسي الكفر وهو ذليل

ويطوي بساط الحزن بعد كآبة

وتنشر نشراً للهناء ذيول

فيا آل طه الطاهرين رجوتكم

ليوم به فصل الخطاب طويل

أقيلوا إعثاري يوم فقري وفاقتي

فظهري بأعباء الذنوب ثقيل

فيا إخواني , دعوا التّشاغل عنكم بالأهل والأوطان والأتراب والأخدان , تفكّروا فيما أصاب سادات الزّمان الذين تمّ لكم بهم الإيمان , واستحققتهم بموالاتهم دخول الجنان ورضاء الرّحمن.

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه ‌الله تع الى)

يا عين لا لخلو الربع والدمن

باكي الرزايا سوى الباكي على السكن

وآسى بني الهدى فيما أصيبت به

وساعدي البضعة الزّهراء على الحزن

وقابليها بارض الطف صارخة

على القتيل الغريب النازح الوطن

١٥٤

تشكو إلى الله والأملاك محدقة

بالعرض تستصرخ المولى أبا حسن

من حولها مريم العذراء وآسية

تكرر النوح بالتذكار والحزن

والنوح من نادبات الجن مرتفع

وقلبها موجع بالثكل والمحن

لهفي على قول مولاتي وقد نظرت

شلو الحُسين بلا غسل ولا كفن

ملقى على الأرض عاري الجسم منعفر

الخدين مختضب الأوداج والذقن

لهفي على زينب حرى مجردة

مسلوبة تستر الأكتاف بالردن

تقول يا واحدي من لي إذا نزلت

بي الحوادث يحميني ويكفيني

لهفي على فاطم الصغرى مقرحة

بالدمع أجفانها مسلوبة الوسن

تدعو إلى زينب يا عمتا سلب العلج

القناع ليسبيني ويهتكني

فرمت أستر وجهي عند رؤيته

فظل يشتمني عمداً ويضربني

أين الحماة وأين الناصرون لنا

وا خيبتي جار دهري واعتدى زمني

لهفي على السيد السجاد معتقلاً

في أسرهم مستذلا ناحل البدن

إذا شكا اسمعوه قبح شتمهم

وإن ونى قنعوه فاضل الرسن

وا حسرتاه لكريم السبط مشتهراً

كالبدر يشرق فوق الدل واللدن

فيا لها محنة عمت مصيبتها

ويا لها حسرة في قلب ذي شجن

يهني يزيد برأس طال ما رشف

المختار من ثغره تقبيل مفتتن

وتستحث بنات المصطفى ذللا

على المطايا إلى الأطراف والمدن

قد قابلونا بنو حرب بما صنعوا

ولا شفوا غلل الأحقاد والضغن

بفعلهم كفروا فينا واعتقدوا

أن لا جزاء على قبح ولا حسن

مضوا على سنن الماضين وارتكبوا

نهج الضلال ومالوا عن هدى السنن

كأنني بالبتول الطهر واقفة

في الحشر تشكو إلى الرّحمن ذي المنن

تأتي وقد ضمخت ثوب الحُسين دماً

من نحره وهي تبدي الحزن في حزن

تدعو الا ابن مسمومي ويا أسفي

على قتيلي ويا كربي ويا حزني

يا رب من نوزعت ميراث والدها

مثلي ومن طولبت بالحقد والإحن

ومن ترى جرعت في ولدها غصص

كما ابن مرجانة الملعون جرعني

ومن ترى كذبت قبلي وقد علموا

أن الإله من الأرجاس طهرني

وهل لبنت نبي أضرمت شعل

كما أطيف به بيتي ليحرقني

١٥٥

خرجت أطلب للأطفال بلغتهم

دفعني ظالمي عنها ودافعني

رب انتصف لي ممن خان عهدك

في ولدي وممن زوى إرثي فأفقرني

وتستغيث أمام العرش ساجدة

والمصطفى واقف والدمع كالمزن

فيبرز الأمر أني قد سمعت وقد

نقمت ممن عصى أمري وخالفني

أعظم بها ومنادي الحشر يسمع بالصوت

الرفيع لديها كل ذي أذن

غضوا العيون فخاتون القيامة قد

جاءت لتشفع فيمن بالولاء كنى

من كل محترق من عظم فجعتها

بكى وساعدها بالمدمع والهتن

يا سادتي الهادي النّبي ومن

أخلصت ودي لهم في السر والعلن

عرفتكم بدليل العقل والنظر المهدي

فلم أخش كيد الجاهل اللكني

ظفرت بالكنز في علم اليقين فلم

أخش اعتراضاً لدى شك ينازعني

فلست آسى على من ظل يبعدني

بالقرب منكم ومن بالغت ترحمني

وإنني أرتجي أن سوف يلطف بي

ربي فيصفح عن جرمي ويرحمني

وأن فاطمة الزّهراء تشفع لي

والمرتضى لجنان الخلد يقسمني

فاز الخليعي كل الفوز واتضحت

بكم له سبل الإرشاد والسنن

الباب الثّاني

أيّها المؤمنون الأخيار , لا تبخلوا بالدّموع الغزار على عترة النّبي الـمُختار ، ألا تحبّون أن يغفر الله لكم ويجزل لديه ثوابكم ؟ أليس هُم شفعاؤكم يوم المعاد إذا وقفتم بين يدي ربّ العباد ؟ أليس هُم العدّة لكم بكلّ شدّة ؟ أليس بهم تحطّ الأوزار ؟ أليس هُم الجنان الواقية من النّار ؟ فمَن بخل منكم عليه بإثارة الأحزان والأشجان , فعلى نفسه بخل ولقدر مواليه وساداته حقر وجهل , أيبكي الباكون منكم على الأهل والأولاد والآباء والأجداد ؟ فيا عجباً لمن أساء إليهم وظلمهم وقصّر في حقّهم وما أكرمهم! وما ارتكب منهم ما يوجب السّخط العظيم , والعدل عن النّهج القويم والصّراط الـمُستقيم ؟! أمر :( تَكَادُ السّماوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقّ الْأَرْضُ وَتَخِرّ الْجِبَالُ هَدّاً ) (١) :

إن كنت في شك فسل عن حالهم

سنن الرّسول ومحكم التنزيل

فهناك أعدل شاهد لذوي النهى

وبيان فضلهم على التفصيل

____________________

(١) سورة مريم / ٩٠.

١٥٦

ووصية سبقت لأحمد فيهم

جاءت إليه على يدي جبرائيل

روي عن اُمّ سلمة : أنّ الحسن والحُسين دخلا على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وكان عنده جبرائيل (عليه‌السلام ) , فجعلا يدوران حوله يشبّهانه بدحية الكلبي , فجعل جبرائيل يومي بيده نحو السّماء كالـمُتناول شيئاً , فإذا بيد جبرائيل تفّاحة وسفرجلة ورمّانة , فناولهما الجميع , فتهلّلت وجوههما فرحاً وسعيا إلى جدّهما , فقبّلهما وقال لهُما : (( اذهبا إلى منزلكما وابدءوا بأبيكما )).ففعلا كما أمرهما جدّهما , ولم يأكلوا منها شيئاً حتّى جاء النّبي إليهم , فجلسوا جميعاً وأكلوا حتّى شبعوا , ولم يزالوا يأكلون من ذلك السّفرجل والتّفّاح والرّمان , وهو يرجع كما كان أوّلاً حتّى قُبض النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , ولم يلحقه التّغيير والنّقصان في مدّة أيّام حياة فاطمة (عليها‌السلام ).

قال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( فلمّا توفّيت اُمّي فاطمة , فقدنا الرّمان وبقي التّفّاح والسّفرجل أيّام حياة أبي ، فلمّا استشهد أبي عليّ بن أبي طالب (عليه‌السلام ) , فقدنا السّفرجل وبقي التّفاح عليَّ إلى وقت مُنعت فيه شرب الماء , فكنت أشمّها إذا عطشت , فيسكن لهيب عطشي ، فلمّا دنا أجلي , رأيتها قد تغيّرت فأيقنت بالفناء )).

قال عليّ بن الحُسين : (( سمعت أبي يقول ذلك قبل مقتله بساعة , فلمّا قضى نحبه , وجد ريح التّفّاح في مصرعه , فالتمست التّفّاحة فلم أجد لها أثراً , فبقي ريحها بعد مقتله (عليه‌السلام ) , ولقد زرت قبره فشممت منه رائحة التّفّاح تفوحّ من قبره صلوات الله عليه , فمَن أراد ذلك من شيعتنا الصّالحين الزّائرين قبر الحُسين , فيلتمس ذلك في أوقات السَّحر , فإنّه يجد رائحة التّفّاح عند قبر الحُسين إن كان مخلصاً موالياً صادقاً )).

وعن الصّادق (عليه‌السلام ) : (( أنّ جبرائيل نزل إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فقال : يا مُحمّد , إنّ الله يقرؤك السّلام ويبشّرك بمولود من ابنتك فاطمة الزّهراء (عليها‌السلام ) , وتقتله اُمّتك من بعدك .فقال : يا جبرائيل , قُل لربّي , لا حاجة لي في مولد يولد من فاطمة وتقتله اُمّتي من بعدي .قال : فعرج جبرائيل (عليه‌السلام ) إلى السّماء في أسرع من طرفة عين , ثمّ هبط وقال : يا مُحمّد , إنّ ربّك يقرأ عليك السّلام , ويبشّرك أنّه جاعل في ذرّيّته الأمانة والولاية والوصيّة .فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : رضيت بذلك .ثمّ أرسل النّبي إلى ابنته فاطمة (عليها‌السلام ) , يقول : إنّ الله يبشّرك بمولود يولد منك وتقتله اُمّتي من بعدي .فجزعت فاطمة وأرسلت إليه تقول : لا حاجة لي في مولود يولد منّي وتقتله اُمّتك من بعدنا .فأرسل إليها يقول : إنّ الله

١٥٧

جاعل من ذرّيّته الإمامة والولاية والوصيّة .فأرسلت إليه تقول : إنّي قد رضيت :( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) (١) .[ فلو أنّه قال : اصلح لي ذريتي ، لـ ] كانت ذرّيّته كلّهم أئمة )) .فهذه الآية نزلت في شأن الحُسين (ع).

وروي : أنّ الحُسين لم يرضع من ثدي فاطمة شيئاً , ولا رضع من اُنثى لبناً , ولكنّه كان يؤتى به إلى جدّه رسول الله , فيضع إبهامه في فيه , فيمصّ منها لبناً يكفيه ويُغذّيه يومين أو ثلاثة أيّام , فنبت لحم الحُسين من لحم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , ودمه من دمه وعظمه من عظمه , ومخّه من مخّه وشعره من شعره , ولم يولد مولود لستة أشهر , إلّا عيسى بن مريم والحُسين بن فاطمة (عليهم‌السلام ).

وفي خبر آخر : أنّ فاطمة (عليها‌السلام ) لمـّا اغتسلت بعدما ولدت الحُسين , جفّ لبنها , فطلب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مرضعة , فلم يجد له مرضعة , فكان يأتيه الحُسين مع اُمّ سلمة فيلقمه إبهامه فيمصّه , ويجعل الله له من إبهام النّبي رزقاً يغذّى به بقدرة الله تعالى.

وفي خبر آخر : بل كان رسول الله يُدخل لسانه في فم الحُسين , فيغّره كما يغّر الطّير فرخه , فيجعل الله له في ذلك رزقاً بقدرة الله تعالى , ففعل ذلك به أربعين يوماً وليلة ، فنبت لحمه من لحم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

أيقتل ظمآناً حُسين بكربلا

وفي كل عضو من أنامله بحر

ووالده الساقي على الحوض في غد

وفاطمة ماء الفرات لها مهر

فوا لهف نفسي للحسين وما جنى

عليه غداة الطف في حربه شمر

سنان سنان خارق منه في الحشا

وصارم شمر في الوريد له شمر

تجر عليه العاصفات ذيولها

ومن نسج أيدي الصافنات له طمر

فيا لك مقتولاً بكته السّماء دماً

فمغبر وجه الأرض بالدم محمر

مصابكم يا آل طة مصيبة

ورزء على السّلام أحدثه الكفر

حكى عبد الله بن العبّاس , قال : جاءني رجل من بني اُميّة , فقال : أريد أن أسألك عن سؤال ؟ فقلت له : سل عمّا تُريد.فقال لي : يا عبد الله , ما تقول في دم البعوضة , هل يُنقض الوضوء أم لا ؟ وهل هو طاهر أم نجس ؟ فقلت له : ثكلتك اُمّك يا عديم الرأي ! تسأل عن دم البعوضة فلِمَ لا سألت عن دم الحُسين ابن بنت

____________________

(١) سورة الأحقاف / ١٥.

١٥٨

رسول الله ؟! سفكتم دمه وقطعتم لحمه وكسرتم عظمه , وقتلتم أولاده وأطفاله وأنصاره , وسبيتم حريمه ومنعتموه من شرب الماء , ألا لعنة الله على الظّالمين .ثمّ التفت عبدالله إلى جلسائه , وقال : انظروا إلى هذا اللعين , كيف يسألني عن دم البعوضة , ولا يخاف أن يسأله الله عن دم الحُسين ابن بنت رسول الله ؟! ثمّ قال لأصحابه : والله , إنّي سمعت بهاتي أذني من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقول مراراً كثيرة : (( الحسن والحُسين ريحانتاي في الدُنيا , وهُما منّي وأنا منهُما , أحبّ الله مَن أحبّهما , وأبغض الله مَن أبغضهما , وآذى الله مَن آذاهما , ووصل الله مَن وصلهما , وقطع الله مَن قطعهما , فإنّهما ابناي وسبطاي وقرّتا عيني , وسيّدي شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين )) .فقلت : يا رسول الله , أيّ أهل بيتك أحبّ إليك ؟ فقال : (( الحسن والحُسين أحبّ النّاس إليّ )) .وكان يقول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( يا فاطمة , ادعى لي ابني )) .فيأتيان إليه فيضمّهما إليه , ويشمّهما ويقبّلهما ويقول : (( أحبّ الله مَن أحبّ الحسن والحُسين ومَن أحبّ ذرّيّتهما , فمَن أحبّهم لم تمس جسده نار جهنّم ولو كانت ذنوبه بعدد رمل عالج , إلّا أن يكون له ذنب يخرجه عن الإيمان )).

وعن الأوزاعي , عن عبد الله بن شداد , عن اُمّ الفضل بنت الحرث , أنّها دخلت على رسول الله فقالت : يا رسول الله , رأيت البارحة حلماً مُنكراً شديداً .قال : (( وما هو يا اُمّ الفضل ؟ )) .قالت : رأيت كأنّ قطعة من جسدك قُطعت ووضعت في حجري .فقال رسول الله : (( يا اُمّ الفضل , ستلد ابنتي فاطمة غُلاماً , فتكون تربيته في حجرك )) .قالت : فولدت فاطمة الحُسين وكان كما قال رسول الله , فربّيته في حجري ، فدخلت به يوماً على النّبي فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي إلتفاتة , فإذا عينا رسول الله تهرقان بالدّموع , فقلت : بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ، ما لك تبكي ؟! فقال : (( أتاني جبرائيل أخي , وأخبرني أنّ اُمّتي ستقتل ابني هذا , وأتاني بقبضة من تربة حمراء فأرانيها )).

ومن طرقهم : أنّ عيسى بن مريم (عليه‌السلام ) مرّ بكربلاء , فرأى عدّة من الظّباء هناك مجتمعة , فأقبلت إليه وهي تبكي , وأنّه جلس وجلس الحواريّون , فبكى وأبكى الحواريّين وهم لا يدرون لِمَ جلس ولِمَ بكى , فقالوا : ياروح الله وكلمته , ما يبكيك ؟ قال : أتعلمون أيّ أرض هذه ؟ قالوا : لا .قال : هذه أرض يُقتل فيها فرخ لرسول أحمد , وفرخ الخيّرة الطّاهرة البتول شبيهة اُمّي , ويُلحد فيها , وهي أطيب من المسك ؛ لأنّها طيبة الفرخ المستشهد , وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء (عليهم‌السلام ) , وهذه الظّباء

١٥٩

تكلّمني وتقول : إنّها ترعى في هذه الأرض ؛ شوقاً إلى تربة الفرخ الـمُبارك .وزعمت أنّها آمنة في هذه الأرض .ثمّ ضرب بيده إلى ثغر تلك الظّباء فشمّها , وقال : اللّهمّ , ابقها حتّى يشمّها أبوه فتكون له عزاء .فبقيت إلى أيّام أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) , فشمّها وبكى وأخبر بقصّتها.

وعن سلمان الفارسي , أنّه قال : كان سيّدنا أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) يحدّثنا كثيراً بالأشياء والمغيّبات , التي تحدث على مرور السّنين والأوقات , وأنّه يوم الجُمُعة يخطب على منبره في جامع الكوفة , فقال في خطبته : (( أيّها النّاس , سلوني قبل أن تفقدوني , فو الله , لا تسألوني عن فئة تضلّ مئة وتهدي مئة , إلّا أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة )) قال : فقام إليه رجل فاجر فاسق , وقال له : يا عليّ , أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر ؟ فقال له (عليه‌السلام ) : (( والله , لقد أخبرني بسؤالك هذا ابن عمّي رسول الله , ونبّأني بما سألت عنه , وإنّ على كلّ طاقة من شعر رأسك ولحيتك شيطاناً يغويك ويستفزّك , وإنّ على كلّ شعرة من بدنك شيطاناً يلعنك ويلعن ولدك ونسلك , وإنّ لك ولداً رجساً ملعوناً , يقتل ولدي الحُسين بن بنت رسول الله , وأنت وولدك بريئان من الإيمان , ولولا أنّ الذي سألتني عنه يعسر برهانه لأخبرتك به , ولكن حسبك فيما نبأتك به من لعنتك ورجسك , وولدك الملعون الذي يقتل ولدي ومهجة قلبي الحُسين )) قال : وكان له ولد صغير في ذلك الوقت , فلمّا نشأ وكبر وكان من أمر الحُسين ما كان , نمى الصّبي وتجبّر وتولّى قتل الحُسين (عليه‌السلام ) .وقيل : إنّ ذلك الصّبي كان اسمه خولّى بن يزيد الأصبحي , وهو الذي طعن الحُسين برمحه , فخرج السّنان من ظهره , فسقط الحُسين على وجهه يخور في دمه ويشكو إلى ربّه :( أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ ) (١) .فيا ويلهم ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حُرمة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , كأنّهم ما سمعوا ما ورد في حقّهم , أم سمعوا وهم غافلون ! :( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (٢) .

فعلى الأطائب من آل بيت مُحمّد فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ ابن حماد (رحمه‌ الله تعال ى)

أرى الصبر يفنى والهموم تزيد

وجسمي يبلى والسقام جديد

____________________

(١) سورة هود / ١٨.

(٢) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

التي تحدث بها في الرقاق قال: وضعناها لنقوي بها قلوب العامة، قال: وكان يتزهد ويهجر شهوات الدنيا ويتقوت الباقلاء صرفاً، وغلقت الأسواق ببغداد يوم موته!... وقد نص السلف على أن القصص بدعة، وأن التزهد والتقشف الخارج عن السنة بدعة أيضاً. انتهى.

لكن ذكرت مصادر إخواننا أن أول من فتح الباب للقصاصين وأعطاهم الشرعية هو الخليفة عمر.. قال أحمد في مسنده ج ٣ ص ٤٤٩: عن السائب بن يزيد: أنه لم يكن يقص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر، وكان أول من قص تميماً الداري، استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائماً فأذن له عمر!

وقال في كنز العمّال ج ١٠ ص ٢٨٠: عن ثابت البناني قال: أول من قص عبيد بن عمير على عهد عمر بن الخطاب ابن سعد والعسكري في المواعظ.

العامل الثاني: الخوف من أن يؤدّي التنزيه إلى التعطيل

أفرط بعضهم في التأكيد على الصفات السلبية وتنزيه الله تعالى، فسبب ذلك عند الآخرين الخوف من سلب فاعليته تعالى وتأثيره في الوجود.

ولكن هؤلاء المتخوفين وقعوا في الإفراط من الجهة الأخرى في الصفات الثبوتية، فتصوروا أن فاعلية الله تعالى وتدبيره للكون يتوقف على أن يكون وجوداً محدوداً، يتجول في سماواته وينزل إلى أرضه ويتجسد في صورة إنسان.. إلخ. ونلاحظ أن هذين الخطين من الإفراط والتفريط موجودان عند المتكلمين والفلاسفة من الأمم السابقة كما هما في هذه الأمة!

وقد أخذ الأشاعرة موقع الدفاع عن التحميد ومقاومة التعطيل، وأخذ المعتزلة موقع الدفاع عن التنزيه ومقاومة التشبيه.

ونفس الكلام يرد أيضاً في أفعال الإنسان، أوالجبر والإختيار، أو القضاء والقدر، فقال الأشاعرة بالجبر للدفاع عن فاعلية الله تعالى في الوجود.. بينما قال المعتزلة بحرية الإنسان ومسؤوليته عن أعماله للدفاع عن عدل الله تعالى وتنزيهه عن الظلم.

١٨١

أما أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم فكان لهم موقف ثالث يمثل أصالة الدين الإلهي من آدمعليه‌السلام إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في تنزيه الله تعالى وتحميده في آن واحد، فنفوا عنه التشبيه والتجسيم والرؤية، كما نفوا عنه الظلم والإجبار، وأثبتوا فاعليته تعالى وهيمنته الشاملة على الوجود، ومسؤولية الإنسان عن عمله، كما سترى إن شاء الله تعالى.

وقد اشتبه الأمر على بعض الباحثين فتخيلوا أن موقف أهل البيتعليهم‌السلام حل وسط بين الإتجاهين، بينما هو مذهب ثالث أقدم من مذهبي الأشاعرة والمعتزلة، وهو يختلف عنهما في أساسه وعدد من تفاصيله، وإن أخذ منه الطرفان بعض الأسس والتفاصيل.

العامل الثالث: مضاهاة بعض المسلمين لليهود

كان الجدل بين المسلمين واليهود كثيراً في عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي صدر الإسلام، ومن أبرز مسائله المفاضلة بين نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين النبي موسىعليه‌السلام .

وقد حاول بعض المسلمين مضاهاة اليهود بمعارضة كل فضيلة يذكرونها لموسىعليه‌السلام بإثبات فضيلة مقابلها لنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكأن المسألة مغالبة بين نبيين، وكأن أذهان البشر هي التي تزن فضائل الأنبياءوتعطي أحدهم درجة الأفضلية أو المساواة!

وقد عارض هؤلاء فضيلة تكليم الله تعالى لموسىعليه‌السلام التي نص عليها القرآن، باختراع حديث رؤية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لربه، لكي يتم بذلك تقسيم الفضائل بين الأنبياءعليهم‌السلام ، ويكون الترجيح لفضائل نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن ادعاء هذه الفضيلة المستحيلة بنص القرآن جاء على حساب تنزيه الله تعالى! وفيما يلي عدد من الأحاديث التي رووها في ذلك:

- روى النسائي في تفسيره ج ٢ ص ٣٤٨

عن ابن عباس: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد (ص).

١٨٢

- وقال النووي في شرح مسلم ج ٢ جزء ٣ ص ٥

... والحجج في هذه المسألة.... حديث ابن عباس (رض) أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد (ص)..

- وروى الحاكم في المستدرك ج ١ ص ٦٥

... عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما قال: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله . هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وله شاهد صحيح عن ابن عباس في الرؤية.... قال رأى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه. وله شاهد ثالث صحيح الإسناد.... عن ابن عباس قال قد رأى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه.... وهذه الأخبار التي ذكرتها صحيحة كلها، والله اعلم. انتهى. ورواه الحاكم أيضاً في ج ٢ ص ٢٨٢، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.وروى نحوه في ج ٢ ص ٣١٦ وص ٤٦٩

- وروى الديلمي في فردوس الأخبار ج ١ ص ٢١٧

جابر: إن الله أعطى موسى الكلام فأعطاني الرؤية.. وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود. انتهى. وروى نحوه الدميري في حياة الحيوان ج ٢ ص ٧٢

- وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١ ص ٧٨

وعن ابن عباس قال: نظر محمد صلى الله عليه وسلم إلى ربه تبارك وتعالى، قال عكرمة: فقلت لابن عباس نظر محمد إلى ربه! قال نعم، جعل الكلام لموسى والخلة لإبراهيم والنظر لمحمد صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه حفص بن عمر العدني روى ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي عبد الله الطهراني، وقد ضعفه النسائي وغيره.

- وروى الذهبي في سيره ج ١٤ ص ٤٥ عن عكرمة حديث ابن عباس، وقال الناشر في هامشه: أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص ١٩٩ من طريق عبد الوهاب بن الحكم

١٨٣

الوراق، حدثنا هاشم بن القاسم، عن قيس بن الربيع، عن عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إن الله.. الخ. وأخرجه أيضاً ص ١٩٧ من طريق محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس.... وهذا رأي لا دليل عليه، وهو مخالف للأدلة الكثيرة الوفيرة في أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في تلك الليلة. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على ذلك. أنظر التفصيل في زاد المعاد ج ٣ ص٣٦-٣٧. انتهى.

هذا، ولكن المعروف عن ابن عباس أنه كان ينفي التشبيه والرؤية كما تقدم، فلا يبعد أن يكون الحديث مكذوباً عليه من عكرمة غلامه، فقد كان عكرمة معروفاً بالكذب على ابن عباس في حياته وبعد وفاته، حتى ضربه ابن عباس وولده وحبسوه لهذا السبب في المرحاض، كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل. وكان عكرمة يروي الإسرائيليات عن وهب وكعب وغيرهما من اليهود.

ويؤيد ذلك أن السهيلي روى هذا الحديث في الروض الأنف ج ٢ ص ١٥٦ عن كعب وليس عن ابن عباس. وغرض كعب من هذه الرواية أن يثبت تجسم الله تعالى ورؤيته بالعين، فقد كان ذلك مطلباً مهماً يسعى إليه، وكثرت عنه وعن جماعته نسبة ذلك إلى ابن عباس وبني هاشم! كالذي رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص ٢٢٥ - ٢٣٠. عن الشعبي عن عبد الله بن الحرث قال: اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول: إن محمداً رأى ربه مرتين، قال فكبر كعب حتى جاوبته الجبال! فقال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى صلى الله عليهما وسلم! انتهى. والمطلع على أحاديث ابن عباس وبني هاشم يعرف ان رأيهم يخالف كعباً وجماعته، ومن أجل هذا رووا تكبير كعب المزعوم!!

١٨٤

العامل الرابع: تأثير ثقافة اليهود

اعتقاد اليهود والنصارى بتشبيه الله تعالى ورؤيته بالعين

بلغ من تحريف اليهود لدينهم أنهم قالوا بتشبيه الله تعالى بخلقه وأنه محدود بشكل مادي، ثم جعلوا له ولداً فقالوا عزير ابن الله، بل قالوا إن كل اليهود أبناء الله وأحباؤه وشعبه المختار.. إلى آخر ما حكى الله تعالى عنهم في القرآن.

وفيما يلي نصوص ننقلها من توراتهم الموجودة المطبوعة باسم العهد القديم والجديد، طبعة مجمع الكنائس الشرقية في بيروت:

جاء في ص ٤: ٢٧ فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم.

وجاء في ص ٦: ٨ وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. ٩ فنادى الرب الإله آدم وقال له أين أنت. ١٠ فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت. ١١ فقال من أعلمك أنك عريان. هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها. ١٢ فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت.

وجاء في ص ٢٤: ١ ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لأبرام وقال له أنا الله القدير. سر أمامي وكن كاملاً. ٢ فأجعل عهدي بيني وبينك وأكثرك كثيراً جداً. ٣ فسقط أبرام على وجهه وتكلم الله معه قائلاً. ٤ أما أنا فهو ذا عهدي معك وتكون أبا الجمهور من الأمم.

وجاء في ص ١٦٩: ٣ وكلم بني إسرائيل قائلاً خذواً تيساً من المعز لذبيحة خطية وعجلاً وخروفاً حوليين صحيحين لمحرقة ٤ وثوراً وكبشاً لذبيحة سلامة للذبح أمام الرب وتقدمة ملتوتة بزيت. لأن الرب اليوم يتراءى لكم. ٥ فأخذوا ما أمر به موسى إلى قدام خيمة الإجتماع وتقدم كل الجماعة ووقفوا أمام الرب.

١٨٥

وجاء في ص ١٨٣: ٢ وقال الرب لموسى كلم هرون أخاك أن لا يدخل كل وقت إلى القدس داخل الحجاب أمام الغطاء الذي على التابوت لئلا يموت، لأني في السحاب أتراءى على الغطاء.

وجاء في ص ٣٣٠: فانطلق موسى ويشوع ووقفا في خيمة الإجتماع ١٥ فتراءى الرب في الخيمة في عمود سحاب ووقف عمود السحاب على باب الخيمة. ١٦ وقال الرب لموسى ها أنت ترقد مع آبائك فيقوم هذا الشعب ويفجر وراء آلهة الأجنبيين في الأرض التي هو داخل إليها في ما بينهم، ويتركني وينكث عهدي الذي قطعته معه.

وجاء في ص ٤٠٤: ٢٢ فقال منوح لامرأته نموت موتاً لأننا قد رأينا الله. ٢٣ فقالت له امرأته لو أراد الرب أن يميتنا لما أخذ من يدنا محرقة وتقدمة، ولما أرانا كل هذه ولما كان في مثل هذا الوقت أسمعنا مثل هذه.

وجاء في ص ٥٤٩: ٢ إن الرب تراءى لسليمان ثانية كما تراءى له في جبعون. ٣ وقال له الرب قد سمعت صلاتك وتضرعك الذي تضرعت به أمامي.

وجاء في ص ٤٣١: ٢١ وعاد الرب يتراءى في شيلوه، لأن الرب استعلن لصموئيل في شيلوه بكلمة الرب. ٤ فأرسل الشعب إلى شيلوه وحملوا من هناك تابوت عهد رب الجنود الجالس على الكروبيم....

وجاء في ص ٤٩١: ٢ وقام داود وذهب هو وجميع الشعب الذي معه من بعلة يهوذا ليصعدوا من هناك تابوت الله الذي يدعى عليه بالإسم إسم رب الجنود الجالس على الكروبيم.

وجاء في ص ٥٣٤: ٥ في جبعون تراءى الرب لسليمان في حلم ليلاً، وقال الله إسأل ماذا أعطيك.

وجاء في ص ٥٥٤: ٩ فغضب الرب على سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءى له مرتين ١٠ وأوصاه في هذا الأمر أن لا يتبع آلهة أخرى فلم

١٨٦

يحفظ ما أوصى به الرب. ١١ فقال الرب لسليمان من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاً وأعطيها لعبدك.

وجاء في ص ٥٦٩: ١٥ فقال إيليا حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه، إني اليوم أتراءى له.

وجاء في ص ٥٧٩: ١٧ فقال رأيت كل إسرائيل مشتتين على الجبال كخراف لا راعي لها. فقال الرب ليس لهؤلاء أصحاب فليرجعوا كل واحد إلى بيته بسلام. ١٨ فقال ملك إسرائيل ليهوشافاط أما قلت لك إنه لا يتنبأ علي خيراً بل شراً. ١٩ وقال فاسمع إذاً كلام الرب. قد رأيت الرب جالساً على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. ٢٠ فقال الرب من يغوي أخآب فيصعد ويسقط في راموت جلعاد. فقال هذا هكذا وقال ذاك هكذا.

وجاء في ص ٥٨٦: ١٤ فقال أليشع حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه إنه لولا أني رافع وجه يهوشافاط ملك يهوذا لما كنت أنظر إليك ولا أراك. ١٥ والآن فأتوني بعواد. ولما ضرب العواد بالعود كانت عليه يد الرب ١٦ فقال هكذا قال الرب إجعلوا هذا الوادي جباباً جباباً.

وجاء في ص ٦٨٣: ١ وشرع سليمان في بناء بيت الرب في أورشليم في جبل المريا حيث تراءى لداود أبيه حيث هيأ داود مكاناً في بيدر أرنان اليبوسي.

وجاء في ص ٦٩٠: ١٢ وتراءى الرب لسليمان ليلاً وقال له. قد سمعت صلاتك واخترت هذا المكان لي بيت ذبيحة.

وجاء في ص ٨٤٨: ٨ من هو هذا ملك المجد. الرب القدير الجبار الرب الجبار في القتال. ٩ إرفعن أيتها الأرتاج رؤوسكن وارفعنها أيتها الأبواب الدهريات فيدخل ملك المجد. ١٠ من هو هذا ملك المجد رب الجنود هو ملك المجد.

وجاء في ص ٧٩٩: ١ يا راعي إسرائيل إصغ، يا قائد يوسف كالضأن، يا جالساً على الكروبيم أشرق. ٢ قدام أفرايم وبنيامين ومنسي أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا.

١٨٧

وجاء في ص ٨٤٠: ٤ الرب في هيكل قدسه، الرب في السماء كرسيه، عيناه تنظران، أجفانه تمتحن بني آدم. ٥ الرب يمتحن الصديق، أما الشرير ومحب الظلم فتبغضه نفسه. ٦ يمطر على الأشرار فخاخاً ناراً وكبريتا، وريح السموم نصيب كأسهم.

وجاء في ص ٩٩٨: ١ في سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل. ٢ السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة. باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير. ٣ وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملأ كل الأرض. ٤ فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخاناً ٥ فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود.

وجاء في ص ١١٨٦: ٨ وكان بينما هم يقتلون وأبقيت أنا أني خررت على وجهي وصرخت وقلت: آه يا سيد الرب. هل أنت مهلك بقية إسرائيل كلها بصب رجزك على أورشليم ٩ فقال لي: إن إثم بيت إسرائيل ويهوذا عظيم جداً جداً، وقد امتلأت الأرض دماء وامتلأت المدينة جنفاً. لأنهم يقولون الرب قد ترك الأرض والرب لا يرى.

وجاء في الإنجيل ص ٤٢: ٢٠ فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه. ٢١ ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه. ٢٢ ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه.

وجاء في ص ٢٨٠: ٧ فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده. وأما المرأة فهي مجد الرجل. ٨ لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل. ٩ ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة، بل المرأة من أجل الرجل.

وجاء في ص ٣٢١: ٥ فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً ٦ الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله ٧ لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس.

١٨٨

وجاء في ص ٣٢٥: ١٤ الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا. ١٥ الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة.

وجاء في ص ٣٦٦: ٢ ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً، بالخزي، فجلس في يمين عرش الله.

وجاء في ص ٣٩٩: ٢١ من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضاً وجلست مع أبي في عرشه. ٢٢ من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس.

وجاء في ص ٣٩٩ - ٤٠٠: ١ بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلاً إصعد إلى هنا فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا. ٢ وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع في السماء وعلى العرش جالس ٣ وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرد. ٤ وحول العرش أربعة وعشرون عرشاً. ورأيت على العروش أربعة وعشرين شيخاً جالسين متسربلين بثياب بيض وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب. ٥ ومن العرش يخرج بروق ورعود وأصوات. وأمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله.

وجاء في ص ٤٠٠: وشكراً للجالس على العرش الحي إلى أبد الآبدين.

وجاء في ص ٤٠١: ١١ ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف.... ١٣ وكل خليقة مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة: للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين.

وجاء في ص ٤٠٣: ١٥ من أجل ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، والجالس على العرش يحل فوقهم.

وجاء في ص ٤١٧: ٤ وخر الاربعة والعشرون شيخاً والأربعة الحيوانات وسجدوا لله الجالس على العرش.

١٨٩

وجاء في ص ٤١٩: ٥ وقال الجالس على العرش: ها أنا أصنع كل شيء جديداً. وقال لي: أكتب فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة.

- وقال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة الأديان ج ٢ ص ٢٤٣ طبعة مكتبة النهضة المصرية ١٩٧٣ تحت عنوان (الله عند اليهود):

لم يستطع بنو إسرائيل في أي فترة من فترات تاريخهم أن يستقروا على عبادة الله الواحد الذي دعا له الأنبياء، وكان اتجاههم إلى التجسيم والتعدد والنقيصة واضحاً في جميع مراحل تاريخهم، وعلى الرغم من ارتباط وجودهم بإبراهيم إلا أن البدائية الدينية كانت طابعهم، وكثرة أنبيائهم دليل على تجدد الشرك فيهم، وبالتالي تجدد الحاجة إلى أنبياء يجددون الدعوة إلى التوحيد، وكانت هذه الدعوات قليلة الجدوى على أي حال، فظهروا للتاريخ بدائيين يعبدون الأرواح والأحجار، وأحياناً مقلدين يعبدون معبودات الأمم المجاورة التي كانت لها حضارة وفكر قلدهما اليهود ويقول: إن اليهود كانوا في مطلع ظهورهم على مسرح التاريخ بدواً رحلاً تسيطر عليهم الأفكار البدائية كالخوف من الشياطين، والإعتقاد في الأرواح، وكانوا يعبدون الحجارة والأغنام والأشجار، ويقول: إن اليهود اتخذوا في بيوتهم أصناماً صغيرة كانوا يعبدونها ويتنقلون بها من مكان إلى مكان (١) وقد ظل بنو إسرائيل على هذا الإعتقاد حتى جاء موسى وخرج بهم من مصر.

ولكن بني إسرائيل كما يقول ول ديورانت (٢) لم يتخلوا قط عن عبادة العجل والكبش والحمل، ولم يستطع موسى أن يمنع قطيعه من عبادة العجل الذهبي. عبادة العجول كانت لا تزال حية في ذاكرتهم منذ كانوا في مصر، وظلوا زمناً طويلاً يتخذون هذا الحيوان القوي آكل العشب رمزاً لإلههم. وتقرر التوراة قصة العجل الذي عمله لهم هارون فعبدوه بعد أن تأخر موسى في العودة إليهم، وكيف خلعوا ملابسهم وأخذوا يرقصون عراة أمام هذا الرب، وقد أعدم موسى ثلاثة آلاف منهم عقاباً لهم على عبادة هذا الوثن (٣) وقد بقيت عبادة العجل تتجدد في حياة بني

١٩٠

إسرائيل من حين إلى حين، فقد عمل يربعام بن سليمان عجلي ذهب ليعبدهما أتباعه حتى لا يحتاجوا إلى الذهاب إلى الهيكل (٤) وقد عبد أهاب ملك إسرائيل الابقار بعد سليمان بقرن واحد (٥).

وقال في هوامشه: (١) ١٧٦. (٢) قصة الحضارة ج ٢ ص ٣٣٨. (٣) خروج ٣٢: ١٨ ٢٦ والقرآن الكريم يقرر أن السامري هو الذي عمل العجل. (٤) الملوك الأول ١٢: ٢٦ ٢٨. (٥) ول ديورانت ج ٢ ص ٣٣٩.

- وقال الدكتور شلبي في ج ١ ص ١٧٤:

وبعد موسى وفي عهد القضاة، تأثر بنو إسرائيل بمعبودات الكنعانيين تأثراً كبيراً، ويوضح أن إله الكنعانيين (بعل) أصبح معبوداً لبني اسرائيل في كثير من قراهم، وفي أحوال كثيرة أصبح للطائفتين معبد واحد به تمثال يهوه وتمثال بعل، بل أصبح يهوه ينادى بعل، وقد ظل ذلك إلى عهد يوشع(١).

وقال في هامشه: the heprew popel p. ٩٤ charles foster: histery of - (١)

- وقال الدكتور شلبي في ج ١ ص ١٨٧

ويوضح الكتاب المقدس أن بني اسرائيل عبدوا أنواعاً من هذه الآلهة، وقد ندد بها أرميا في سفره، ومنه نقتبس بعض النصوص:

اسمعوا كلمة الرب يا بنات يعقوب وكل عشائر بيت إسرائيل، هكذا قال الرب: ماذا وجد في آباؤكم من جور حتى ابتعدوا عني وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً (١).

وحين تقولون لماذا صنع الرب إلهنا كل هذه أقول لكم: كما أنكم تركتموني وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم(٢).

يقول الرب أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذباً، وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة أخرى(٣)....

- يقول الرب: إن آباءكم قد تركوني وذهبوا وراء آلهة أخرى، وعبدوها وسجدوا لها، وإياي تركوا وشريعتي لم يحفظوها، وأنتم أسأتم في عملكم أكثر من آبائكم،

١٩١

وها أنتم ذاهبون كل واحد وراء عناد قلبه الشرير حتى لا تسمعوا لي(٤).

وعلى هذا فمع وجود الهيكل في عهد سليمان كانت عبادة آلهة الأجانب منتشرة، وينسب العهد القديم لسليمان نفسه أنه أقام مذابح للآلهة الخارجية التي كانت تعبدها زوجاته الأجنبيات، فبنى مذبحاً لعشتروت رجاسة الصيدونيين، ولكموش رجاسة المؤابيين، ولملكوم إلهة بني عمون(٥) وعقب موت سليمان انقسم ملكه بين ابنيه يربعام ورحبعام، وهذا التغيير في تاريخ العبرانيين صحبه تغير في عقيدتهم، فإسرائيل في الشمال كانت دولة غنية حظى سكانها بالإستقرار، وقبلوا عادات الكنعانيين وعبدوا آلهتهم (بعل) أما دولة يهوذا في الجنوب فكانت دولة فقيرة يشتغل سكانها بالزراعة والرعي وظلوا على تبعيتهم لإلهم يهوه، إله الفقراء، وإلى هذه الفترة ينسب الأنبياء(٦) وقد صنع يربعام عجلين من ذهب ووضع أحدهما في بيت إبل وثانيهما في دان، وبنى عندهما مذابح وقال لشعبه: هذه آلهتكم التي أصعدتكم من مصر، فاذبحوا وعيدوا عندها ولا تصعدوا إلى أورشليم، فاستجاب له الشعب(٧).

وقال في هامشه: ١ أرميا: ٢: ٤ ٥. ٢ أرميا ٥: ١٩ ٢٠. ٣ أرميا ٧: ٩ ١٠. ٤ أرميا: ١٦: ١١ ١٣. ٥ الملوك الثاني ٣٣: ١٢

.berry: relirins of the werled pp ٣٢ - ٣٣ إقرأ الصحاح الثالث والعشرين من سفر الملوك الثاني.

- وقال الدكتور شلبي في ج ١ ص ٢٦٧

يروى التلمود أن الله ندم لما أنزله باليهود وبالهيكل، ومما يرويه التلمود على لسان الله قوله: تب لي لأني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي. وليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود، لأنه غضب مرة على بني إسرائيل فاستولى عليه الطيش، فحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية، ولكنه ندم على ذلك بعد أن هدأ غضبه، ولم ينفذ قسمه، لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة.

١٩٢

ويقرر التلمود أن الله هو مصدر الشر كما أنه مصدر الخير، وأنه أعطى الإنسان طبيعة رديئة وسن له شريعة لم يستطع بطبيعته الرديئة أن يسير على نهجها، فوقف الإنسان حائراً بين اتجاه الشر في نفسه، وبين الشريعة المرسومة إليه، وعلى هذا فإن داود الملك لم يرتكب خطيئة بقتله أوريا واتصاله بامرأته، لأن الله هو السبب في كل ذلك (التلمود شريعة إسرائيل ص ١٧ - ١٩).

- وقال في ص ١٩٢ تحت عنوان: اليهود والألوهية عموماً:

على أن مسألة الألوهية كلها، سواء اتجهت للوحدانية أو للتعدد، لم تكن عميقة الجذور في نفوس بني اسرائيل، فقد كانت المادية والتطلع إلى أسلوب نفعي في الحياة من أكثر ما يشغلهم، وإذا تخطينا عدة قرون فإننا نجد الفكر اليهودي الحديث يجعل لليهود رباً جديداً نفعياً كذلك، ذلك هو تربة فلسطين وزهر برتقالها، والذي يقرأ رواية (طوبى للخائفين) للكاتبة اليهودية يائيل ديان ابنة القائد الصهيوني العسكري موشى ديان، يجد أحد أبطالها (إيفرى) ينصح ابنه الطفل بأن يتخلى عن الذهاب للكنيسة، وأن يحول اهتمامه لإلهه الجديد: تراب فلسطين. ونقتبس فيما يلي سطوراً من هذه الرواية:

...الصبي يحب أن يذهب إلى الكنيس مع أمه، ولكنه عندما عاد مرة من المعبد الذي لا يذهب إليه إلا القليلون، ثار أبوه في وجهه بحديث له مغزى عميق قال له: أيام زمان حين كنا يهوداً في روسيا وغيرها كان من الضروري بالنسبة لنا أن نطيع التعليمات ونحافظ على ديننا، فقد كان الدين اليهودي لنا وسيلتنا لنتعاون ونتعاطف ونذود عنا الردى، أما الآن فقد أصبح لدينا شيء أهم هو الأرض، أنت الآن إسرائيلي ولست مجرد يهودي، إني قد تركت في روسيا كل شيء، ملابسي ومتاعي وأقاربي وإلهي، وعثرت هنا على رب جديد، هذا الرب الجديد هو خصب الأرض وزهر البرتقال، ألا تحس بذلك؟.... وأخذ إيفرى حفنة من تراب الأرض وسكبها في

١٩٣

كف ابنه، وقال له: إمسك هذا التراب، إقبض عليه، تحسسه، تذوقه، هذا هو ربك الوحيد، إذا أردت أن تصلي للسماء فلا تصل لها لكي تسكب الفضيلة في أرواحنا، ولكن قل لها أن تنزل المطر على أرضنا، هذا هو المهم، إياك أن تذهب مرة أخرى إلى المعبد.

- وقال ابن حزم في الفصل في الملل ج ١ جزء ١ ص ١٦

قال في التوراة: إن الله عز وجل قال لبني إسرائيل: لقد رأيتموني كلكم من السماء فلا تتخذوا معي آلهة الفضة، ثم قال بعد ذلك ثم صعد موسى وهارون.. ونظروا إلى إله إسرائيل.

- وقال في ص ١٤١

ذكر في هذا المكان (من التوراة) أن يعقوب صارع الله عز وجل.. حتى قالوا إن الله عز وجل عجز عن أن يصرع يعقوب.. وفيه أن يعقوب قال: رأيت الله مواجهة وسلمت عليه.

- وقال في ص ٢١٢

ونقل في توراتهم وكتب الأنبياء بأن رجلاً اسمه إسماعيل كان إثر خراب البيت المقدس سمع الله يئن كما تئن الحمامة ويبكي وهو يقول: الويل الويل لمن أخرب بيته.... ويلي على ما أخربت من بيتي ويلي على ما فرقت من بيتي، وبناتي.

- وقال في ص ٢١٨

وفي بعض كتبهم: إن الله تعالى قال لبني إسرائيل: من تعرض لكم فقد تعرض حدقة عيني.

- وقال في ص ٢٢١

وفي كتاب لهم يسمى شعر توما من كتاب التلمود.. ففي الكتاب المذكور أن تكسير جبهة خالقهم من أعلاها إلى أنفه خمسة آلاف ذراع.

١٩٤

محاولة بعض اليهود أن يتبرؤوا من التشبيه والتجسيم

جاء في هامش المطالب العالية ج جزء ٢ ص ٢٥:

في التوراة أن الله إله واحد. وفي التوراة أن الله ليس كمثله شيء. ففي الإصحاح السادس من سفر التثنية: إسمع يا إسرائيل. إن الرب إلهنا رب واحد. فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قدرتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا آمرك بها اليوم في قلبك، وكررها على بنيك وكلمهم بها إذا جلست في بيتك وإذا مشيت في الطريق وإذا نمت وإذا قمت، واعقدها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك واكتبها على عضائد أبواب بيتك وعلى أبوابك. تثنية ٦: ٤ ٩ ترجمة اليسوعيين. وفي الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية: لا كفء لله. وفي ترجمة البروتستانت: ليس مثل الله. تثنية ٣٣: ٢٦.

وقال موسى بن ميمون في دلالة الحائرين: إن ما ورد في التوراة مما يوحي بأن الله شبه إنسان بأعضائه وبصفاته، فذلك مؤول على معنى: أن الله يقرب ذاته إلى عقول الخلق، حديثه عن نفسه كأنه واحد منهم. أما هو فليس مثل إنسان وليس كمثله شيء، وذلك ليفهم الخلق ذات الله على نحو قريب من تصوراتهم. وما جاء عن مشبهة اليهود أن الله يبكي على خراب هيكل سليمان ويلعب مع الحيتان، فهو قول قال به سفهاء من اليهود لا وزن لهم عند الله ولا عند الناس. انتهى.

والمتأمل في التوراة يقبل مقولة هذا الباحث اليهودي القديم بأنها تشتمل على عبارات في التوحيد شبيهة بالتوحيد الخالص الذي يقدمه القرآن، ولكن نصوص التشبيه والتجسيم فيها أكثر من نصوص التوحيد. وهذا من الأدلة على وقوع التحريف فيها، وأن أيدي سفهاء اليهود الذين ذكرهم وصلت إلى نصوص التوراة وملؤوها من تجسيمهم وتشبيههم. وقد وجدنا في نسخة التوراة المذكورة النصوص التالية في التوحيد: جاء في العهد القديم ص ٩٨: ٩ فقال موسى لفرعون عين لي متى

١٩٥

أصلي لأجلك ولأجل عبيدك وشعبك لقطع الضفادع عنك وعن بيوتك، ولكنها تبقي في النهر. ١٠ فقال غداً فقال كقولك لكي تعرف أن ليس مثل الرب إلهنا. ١١ فترتفع الضفادع عنك وعن بيوتك وعبيدك وشعبك.

وجاء في ص ١٠٠: ١٤ لأني هذه المرة أرسل جميع ضرباتي إلى قلبك وعلى عبيدك وشعبك، لكي تعرف أن ليس مثلي في كل الأرض.

وجاء في ص ٤٩٣: ٢٢ لذلك قد عظمت أيها الرب الإله، لأنه ليس مثلك وليس إله غيرك حسب كل ما سمعناه بآذاننا....

وجاء في ص ٥٣٠: ٢٠ يا رب ليس مثلك، ولا إله غيرك، حسب كل ما سمعناه بآذاننا.

وجاء في ج ٢ ص ٤٣: ٩ أذكروا الأوليات منذ القديم، لأني أنا الله وليس آخر. الإله وليس مثلي.

وجاء في ج ٢ ص ٨٤: ٦ لا مثل لك يا رب، عظيم أنت، وعظيم اسمك في الجبروت. ٧ من لا يخافك ياملك الشعوب، لأنه بك يليق، لأنه في جميع حكماء الشعوب وفي كل ممالكهم ليس مثلك.

- العهد القديم والجديد ج ١ ص ٢٥٣-

الإصحاح الثاني ١ يا ابني إن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك ٢ حتى تميل أذنك إلى الحكمة وتعطف قلبك على الفهم ٣ إن دعوت المعرفة ورفعت صوتك إلى الفهم ٤ إن طلبتها كالفضة وبحثت عنها كالكنوز ٥ فحينئذ تفهم مخافة الرب وتجد معرفة الله. ٦ لأن الرب يعطي حكمة من فمه المعرفة والفهم. ٧ يذخر معونة للمستقيمين. هو مجن السالكين بالكمال. ٨ لنصر مسالك الحق وحفظ طريق أتقيائه. ٩ حينئذ تفهم العدل والحق والإستقامة. كل سبيل صالح ١٠ إذا دخلت الحكمة قلبك ولذت المعرفة لنفسك.

١٩٦

لكن البابا في عصرنا يصر على التجسيم وينتقد التوحيد عند المسلمين

- كتاب العبور إلى الرجاء للبابا يوحنا بولس الثاني:

والعبور إلى الرجاء هو التسجيل الكامل لأول وأشمل حوار مع البابا للصحافي الإيطالي الكبير فيتوري ميسوري، لمناسبة ذكرى مرور خمس عشرة سنة على اعتلائه السدة البابوية.... كان الأول بين (خلفاء القديس بطرس) يظهر أمام آلات التصوير والتسجيل ليجيب على أسئلة ترك اختيارها لمبادرة حرة من قبل صحافي. وبعد ما حصر البث بالمحطة الأولى ليلة الذكرى، عرضت تلك المقابلة في كبريات المحطات العالمية.

ويروي فيتوري ميسوري قصة المقابلة التي تمت بعد ما قدم عشرين سؤالاً خطياً تشمل مختلف الموضوعات والقضايا الكبرى، وتلقى مخطوطة الأجوبة عليها من مكتب البابا في نهاية شهر نيسان ١٩٩٤. كما أن البابا وضع عنوان هذا الكتاب بنفسه من هذا الحوار الوثيقة نقتطف هنا جواب الحبر الأعظم على سؤالين، يتصل أولهما بالعلاقة مع الدين الإسلامي، في حين يتصل الثاني بعلاقة المسيحية بالدين اليهودي، وقد رأينا فيهما أكمل رأي للبابا في هذا المجال خصوصاً وأنه بقلمه مباشرة:

السؤال الأول: ما الفرق بين إله المسلمين وإله المسيحيين؟

الجواب: لا شك في أن القارية مختلفة عندما يتعلق الأمر بالكنيس والمسجد حيث مجتمع الذين يعبدون الإله الواحد. نعم، صحيح ما تقوله، فالأمر يختلف في ما يتعلق بهاتين الديانتين التوحيديتين، بدءً بإسلام. ففي الإعلان المجمعي (في عصرنا) الآنف الذكر، يمكننا أن نقرأ ما يأتي (وتنظر الكنيسة أيضاً بتقدير إلى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد، الحي القيوم، الرحمن القدير، الذي خلق السماء والأرض) إن المؤمنين بالتوحيد هم بنوع خاص الأقرب إلينا. أتذكر حدثاً من أحداث شبابي يوم كنا نزور دير القديس مرقس في فلورنسا، فقد وقفنا مندهشين

١٩٧

معجبين أمام جدرانيات فردا انجليكو.. في تلك الأثناء انضم إلينا رجل راح يشاطرنا إعجابنا بأعمال ذلك الراهب والفنان العظيم، غير أنه ما لبث أن أضاف: ولكن ما من شيء هنا يبلغ مدى جمال توحيدنا الإسلامي! لم يمنعنا ذلك التصريح من أن نكمل زيارتنا برفقة ذلك الرجل، وأن نتابع معه نقاشاً ودياً. لقد تذوقت سلفاً في تلك المناسبة ما يمكن أن يكون عليه الحوار بين المسيحية والإسلام. والذي حاولنا أن نطوره منهجياً منذ المجمع.

من يطالع القرآن، وكان ملماً بالعهدين القديم والجديد يتبين له جلياً ما وقع فيه للوحي الإلهي من اختزال. ومن المستجبل ألا يلحظ عدم مقاربة ما قاله الله عن ذاته بلسان الأنبياء أولاً في العهد القديم، ثم وبشكل نهائي بواسطة ابنه في العهد الجديد. إن الغنى الذي يتجلى في كشف الله لذاته والذي يشكل تراث العهدين القديم والجديد، كل ذلك قد تغاضى عنه الإسلام بالفعل(!).

إن القرآن يصف الله بأجمل ما عرفه اللسان البشري من الأسماء الحسنى، ولكنه في النهاية، إله متعال عن العالم، ذو جلال، لا (إلهنا معنا) عمانوئيل.

ليس الإسلام دين فداء فلا مجال فيه للصلب! يذكر عيسى، ولكن ليس إلا بوصفه نبياً، يمهد لخاتمة جميع الأنبياء محمد. كذلك ورد ذكر السيدة مريم البتول، ولكن لا ذكر لمأساة الفداء.

لذلك تختلف نظرة الإسلام عن المسيحية، لا على الصعيد اللاهوتي فحسب، بل أيضاً على الصعيد الانتروبولوجي.

بيد أن التدين الإسلامي يستحق كل تقدير، فلا يمكننا مثلاً إلا نعجب بالأمانة على الصلاة. إذ أن الذي يسمي الرب (الله) يجثو على ركبته غير آبه بالزمان أو بالمكان، مستغرقاً في الصلاة مرات عديدة في النهار. هذه الصورة تبقى نموذجاً لمن يعترفون بالله الحق، وبخاصة لأولئك المسيحيين الذين يهجرون كاتدرائياتهم الرائعة ويصلون قليلاً أو لا يصلون مطلقاً....) انتهى.

١٩٨

أقول: السبب في تهمة البابا للدين الإسلامي بأنه اختزل التصور الذي قدمته كتب اليهود والنصارى عن الله تعالى، وبيت القصيد عنده وإشكاله الأساسي على الإسلام: أن القرآن يقرر أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وأنه غير متجسد في وجود مادي في السماء أو الأرض، وبتعبيره (لكنه في النهاية إله متعال عن العالم، ذو جلال، لا (إلهنا معنا عمانوئيل).

ولكن الظاهر أن البابا لم يقرأ الصحاح الستة ليرى أن ما يريده من نزول الله تعالى وصعوده وتجسده موجود فيها، وأن هذا البلاء الذي ابتلى به اليهود والنصارى قد سرى إلى إخواننا السنة وصحاحهم!!

كما أنه لو تأمل في تاريخ المسيحية لتوصل إلى أن دعوة المسيحعليه‌السلام كانت دعوة إلى التوحيد ولم يكن فيها تجسيم، وأن تجسم الله تعالى في المسيح إنما هو فكرة (بولسية) وليست مسيحية..

قال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة بين الأديان ج ٢ ص٢٤٥ تحت عنوان: الله في التفكير المسيحي:

عندما نصل إلى الحديث عن الله في التفكير المسيحي نحتاج إلى مزيد من الصبر لنرى التحول الخطير الذي أصاب الفكر المسيحي في هذه القضية الهامة: تقرر الأناجيل المسيحية وأعمال الرسل ثلاث قضايا مهمة:

أولاها: أن الله واحد لا شريك له.

والثانية: أن عيسى رسول الله وليس أكثر من رسول.

والثالثة: أن عيسى رسول لبني إسرائيل فقط.

وعن القضية الأولى نورد النصوص التالية من هذه الأناجيل:

- يروي متى عن عيسى قوله: إن أباكم واحد الذي في السموات (إصحاح ٢٣ الفقرة ٨)

- ويروي مرقص قول عيسى: الرب إلهنا إله واحد وليس آخر سواء(١٢: ٣٠ ٣١).

- ويروي يوحنا عن عيسى قوله: إني أصمد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم (٢٠:١٨)

١٩٩

وعن القضية الثانية من الأناجيل النصوص التالية:

- جاء في إنجيل متى قوله: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل (٢١: ١١).

- وجاء في لوقا: قد خرج نبي عظيم (٧: ١٦).

- ويروي يوحنا: إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم (٤: ١٤ و ٧: ٤٠).

- ويروي يوحنا كذلك عن عيسى قوله: وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله (٨: ٤٠).

- ويروي لوقا عن عيسى قوله عندما أحس بقرب نهايته بسبب مؤامرات اليهود عليه: ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه، لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارج أورشليم، يا أورشليم، يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين.

وعن القضية الثالثة نورد النصوص التالية:

- جاء في متى ما نصه: ثم خرج يسوع من هناك، وانصرف إلى نواحي صور وصيدا، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت قائلة: إرحمني يا سيد يا ابن داود، ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: إصرفها لأنها تصيح وراءنا، فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة (متى ١٥: ٢١ ٢٤).

- وفي متى كذلك أن عيسى عند ما حدد الحواريين الإثني عشر أوصاهم قائلاً: إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بني اسرائيل الضالة (١٠: ٥ ٦).

- وقد خاصم اليهود بطرس لأنه دخل على غير اليهود وتكلم معهم (أعمال الرسل ١١ الفقرة الأولى).

- وورد في عبارات بطرس قوله لغير اليهود: أنتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه (أعمال الرسل ١٠: ٢٨).

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434