العقائد الإسلامية الجزء ٢

العقائد الإسلامية13%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 434

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 231662 / تحميل: 6011
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

(وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنّا وجدناه صابراً نعم العبد انّه اوّاب).

فزوجة ايوب كانت امرأة وفية له وعطوفة عليه الرغم من الخطأ الذي ارتكبته، وطبقاً لقسم أيوب لابد من مجازاتها، ولكن كانت تستحق العفو فضربها بحزمة من سويقات الشعير وان لم يكن مصداقاً واقعياً للقسم ولكن كان لابد منه لاجل حفظ حرمة القانون الالهي وعدم اشاعة نقض القانون، وايوب (عليه السلام) في حين انه عفا قد حفظ ظاهر القانون الالهي ولم ينقضه فجمع بين الامرين.(١) .

ورود نظير هذا المعنى في اجراء الحدود الاسلامية على المذنبين المرضى، وذكر في عدة روايات أن رجلاً مريضاً زنى فطبقاً للقوانين الشرعية الاسلامية يجب ان يقام عليه حد الجلد مائة سوط فجيء به الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فدعا الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بعذق تمر فيه مئة غصن فضربه مرة واحدة، فكان الحد.(٢)

وقال الامام الصادق (عليه السلام):

إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتى برجلٍ احتنبن (أحبن) مستسقي البطن قد بدت عروق فخذيه وقد زنى بامرأة مريضة، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعذق فيه شمراخ فضرب به الرجل ضربة، وضربت به المرأة ضربة ثمّ خلّى سبيلهما ثم قرأ هذه الآية الشريفة:

____________________

(١) اقتبس من تفسير نمونة ح ١٩ ص ٢٩٩.

(٢) وسائل الشيعة ج ١٨ ص ٣٢٠ الى ٣٢٣.

٦١

(وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث).(١)

وجدير بالذكر ان نقول: ان هذه الأمور خاصة واستثنائية ولا تجري الحكم السابق في كل الامور. نعم حتى في الأمور الاستثنائية يجب حفظ الحدود القانونية ولو ظاهراً حتى لا يشيع التخلف عن القانون في المجتمع. وفي أمر البدعة الذي هو من اكبر الذنوب ونوع من أجرء انواع التحدي للقوانين الاسلامية. نلفت الانتباه الى عدة روايات.

١ - قال امير المؤمنين (عليه السلام):

« وان شر الناس عند الله امام جائر ضلّ وضلّ به فأمات سنة مأخوذة وأحيا بدعةً متروكةً ».(٢)

٢ - قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« أذا ظهرت البدع في امّتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله ».(٣)

٣ - قال الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« كلّ بدعةٍ ضلالة وكلّ ضلالةٍ سبيلها الى النار ».(٤)

٤ - قال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« من مشى الى صاحب بدعةٍ فوقّره فقد سعى في

____________________

(١) الوسائل ج ١٨ ص ٣٢١.

(٢) نهج البلاغة الخطبة ١٦٤.

(٣) وسائل الشيعة ج ١١ ص ٥١٠.

(٤) الوسائل ج ١١ ص ٥١١.

٦٢

هدم الاسلام »(١) .

حكم الاعدام لاهل البدع:

كان فارس بن حاتم أحد الكاذبين والمغالين وأصحاب البدعة المشهورين في زمن الامام الهادي (عليه السلام). وكان يدعو الناس الى اتباع مذهبه الفاسد فأهدر الامام (عليه السلام) دمه وضمن الجنة لقاتلةٍ. فقتله « ابو جنيد » القصّاب بساطور اللحم وقضى عليه(٢) .

د - الحوارات والكتب الضالة:

الاسلام دين الحرية للأفكار ولا يكره الانسان على اعتناق العقيدة.

فاذا كان الاسلام كذلك فلابدّ من هذا السؤال:

لماذا يحرم الاسلام قراءة كتب الضلالة؟

والجواب: المختصر لهذا السؤال؛ أن كتب الضلالةٍ حرّمت قراءتها على الذين لا يملكون قدرة التمييز بين الافكار، حيث تؤثر الافكار الضالّة ومبتدعوها على ذهنية الانسان المسلم البسيط مما تجعله يؤمن بها في بعض الاحيان وبالتالي يهيئ في نفسه أرضية خصبة للانحراف والذنب. ولتوضيح ذلك نمثله بانسانٍ يستطيع ان

____________________

(١) نفس المصدر.

(٢) سفينة البحار: ج ١ ص ٣٥٦.

٦٣

يحمل ثقلاً يزن مائتا كيلو وانسان آخر لا يستطيع ان يحمل الخمس كيلوات، وهكذا التفاوت في تحمل الافكار وتمييزها. فبعض لا يستطيع ان يحل أبسط المعادلات الحسابية بينما الآخر يستطيع ان يحل أصعب وأعقد المسائل الرياضية.

فمطالعة كتب الضلالة من قبل العلماء أصحاب القدرة الفكرية في التحقيق والمناقشة لا حرج فيه. لانهم بمطالعتهم لهذه الكتب بمتلكون القدرة على تمييز الحق عن الباطل.

أما مطالعة هذه الكتب من قبل الافراد أصحاب القدرة الفكرية الضعيفة يشكل خطراً على ايمانهم وبالتالي يؤدي الى انحرافهم عن الحق. فالذي يستطيع ان ياكل كيلو واحد من الطعام ليس له القابلية على اكل عشرة كيلوات.

وهكذا نرى في التاريخ ان اعداء الاسلام قاموا. بنشر كتب الضلالة ودعوة الناس على الباطل، فمثلاً عندما رأى علماء اليهود ان الاسلام قد شكل خطراً عليهم قاموا بتحريف ما جاء في التوراة اذ جاء بها ذكر اوصاف نبي الاسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) فغيروها وذكروا صفات مناقضة لها وعرضوها على عوام اليهود حتى لا يدخلوا الاسلام كما جاء في الآية ٧٩ من سورة البقرة قوله تعالى:

(فويل للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم ممّا يكسبون).

٦٤

ونظيره في سورة لقمان الآية ٦.

(ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله بغير علم ويتخّذها هزوا اؤلئك لهم عذاب مهين).

وفي تفسير هذه الآية يروى ان تاجراً مشركاً ذهب الى بلاد فارس وتعلم قصة رستم واسفنديار ورجع الى الحجاز وقال: اذا كان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول قصة عاد وثمود فانا اقول قصة رستم اسفنديار، فنزلت الآية تذمه على ذلك.

وقال الامام الجواد (عليه السلام):

« من أصغى الى ناطق فقد عبده، فان كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن لسان إبليس فقد عبد ابليس ».(١)

هـ - التلقين والتقليد:

إن احدى العوامل في المسائل التربوية والثقافية التي تهيىء الأرضية هي « التلقين والتقليد ». فاذا كان التقليد صحيحاً ولائقاً هيأ الارضية للأعمال الحسنة والاّ فعلى العكس من ذلك.

التلقين:

كثيراً ما تتكرر في القرآن الكريم كلمات حول التلقين. وهذا التكرار اضافة الى فوائده الاخرى فهو بمثابة ما يسمى بالتلقين القرآني

____________________

(١) تحف العقول ص ٣٣٦.

٦٥

الذي يدعو الناس ويهيئ لهم الارضية لهدايتهم الى الصراط السوي. فكلمة « الله » و « اله » وردت في القرآن الكريم ٢٨٠٧ مرات او مثلاً جملة:

(إنّ الله على كلّ شيءٍ قديرٍ) و (إنّ الله قدير) التي وردت في القرآن ٤٥، وفي سورة « الرحمن » التي نزلت في مكة المكرمة والتي تحتوي على ٧٨ آية:

تكررت آية:

(فبأي آلاء ربكما تكذّبان) احدى وثلاثين مرةً.

وفي سورة المرسلات كررت آية:

(ويل يؤمئذٍ للمكذّبين) عشر مرات، ومثل هذه الآية، تكررت في سورة الطور الآية ١١ وفي سورة المطففين الآية ١٠.

إنّ اكثر هذا التكرار يعطي الجانب التلقيني للقرآن حتى يدخل الى أتون القلب.

وفي سورة القمر تكررت هذه الآية الكريمة اربع مرات:

(ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكرٍ).

قال الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« لا تلقّنوا الكذاب فتكذبوا »(١) .

____________________

(١) سفينة البحار: ج ١ ص ٤٧٤ كان تلقين يعقوب (عليه السلام) لأولاده « لم ادع يوسف يمضي معكم الى الصحراء وأخاف ان يا كله الذئب » هذا التلقين استفاد منه اولاده سلباً.

٦٦

التقليد:

انّ التقليد الاعمى هو احد المواضيع لتهيئة الارضية الثقافية للذنب.

وللتقليد عدة اقسام:

١ - مثل تقليد العالم من العالم.

٢ - تقليد العالم من الجاهل.

٣ - تقليد الجاهل من الجاهل.

٤ - تقليد الجاهل من العالم.

من بين هذه الأقسام قسم صحيح واحد وهو الرابع، اما القسم الاول فهو في بعض الاحيان صحيح واحياناً أخرى ليس بصحيح.

اما تقليد الجاهل او تقليد العالم من الجاهل فهو تقليد أعمى واحياناً يكون السبب في تهيئة الأرضية الى السقوط في المفاسد ارتكاب الجرائم.

التقليد الاعمى:

معناه عدم الاستقلال والخضوع بذلّ للآخرين، فيكون عندها الانسان أجوفاً، او متطفلاً يعيش على موائدٍ الآخرين.

وفي الآية ١٠ من سورة ابراهيم نقرأ:

(قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السّماوات والأرض

٦٧

يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجلٍ مسمّى قالوا إن انتم إلاّ بشر مثلنا تريدون أن تصدّونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطانٍ مبينٍ).

فالتقليد الاعمى للأجداد كان منطقاً ضعيفاً يتمسك به المشركون في مقابلتهم للأنبياء، وهذا المنطق الضعيف كان داعياً الى الانحراف الاخلاقي والعقائدي.

وفي سورة البقرة الآية ١٧٠ نقرأ:

(وإذا قيل لهم أتّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبّع ما الفينا عليه آبائنا).(١)

و - المتابعة والاقتداء:

إنّ انتحال الشخصية المتميزة أحد الاسباب لايجاد الارضية الثقافية للذنب. حيث يحتاج الانسان وبشكل واضح الى الأسوة، وقد تكون الاسوة هي الانسان الكامل فيقتفي أثرها في حياته الاجتماعية ليصل الى الاهداف الانسانية العالية.

إنّ وجود القدوة والشخصية المتميزة لها تأثير بالغ في حياة الناس وهي وسيلة ذات اثر فعال في تربيتهم. ومن طبيعة الانسان متابعة القدوة والسير خلفه فاذا كانت الثقافة في المجتمع غير صحيحة

____________________

(١) وهناك تقليد اعمى عن الاجداد جاء في آية ٧٠ من سورة الاعراف وآية ٦٢، ٨٧ من سورة هود.

٦٨

فان المقتدى به يكون كاذباً يسير بالانسانية الى الهاوية والدمار.

وتعبير (أسوة حسنة) ورد في القرآن الكريم ومعناه ان يتبع الانسان آثار القدوة الصالحة والصحيحة. وقد ذكرت هذه العبارة ثلاث مرات (في سورة الاحزاب الآية ١، وفي سورة الممتحنة الآية ٤، ٥).

وفي هذه الموارد الثلاثة عرف الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وابراهيم (عليه السلام) بالأسوة الحسنة.

ويجب الانتباه جيداً الى أن القدوة الكاذبة والشخصية البراقة هي احدى المصائب الكبرى والسبب في تهيئة الارضية للفساد والذنب فيجب ان تتّخذ الحيطة والدقة في هذا المجال.

ز - كتمان الحق:

إنّ كتمان الحق، وكتمان العلم، وكتمان كل وجهٍ من اوجهٍ القيم يعتبر أحد العوامل الاخرى لتهيئةالارضية لارتكاب الذنب. ويوجب الانحراف واندثار الحق والقيم في المجتمع.

وقد نهى القرآن الكريم عن كتمان الحق وبشدة كما جاء في الآية ٤٢ من سورة البقرة:

(ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون).

وفي الآية ١٥٩ من نفس السورة السابقة. نزلت لعنة الله على كاتمي الحق.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

٦٩

« من سئل عن علم يعلمه فكتم لجم يوم القيامة بلجام من نارٍ ».(١)

____________________

(١) مجمع البيان ج ١ ص ٢٤٠ - سفينة البحار ج ٢ ص ٤٧٠.

٧٠

٢ - الاجواء العائلية والذنب

من الأمور الاخرى التي تهيئ الارضية للذنب هي: العائلة السيئة، حيث أن طهارة العائلة لها الاثر البالغ على شخصية الفرد في الاجتناب عن الذنوب، كما قال الشاعر الفارسي ما ترجمته: أذا كان البناء من الاساس مائلاً فحتى لو وصل الى الثريا ظل الحائط مائلاً.

وقال حافظ ما ترجمته:

الجوهر الطاهر هو الاليق ان يصل اليه الفيض وليس كل حجر طين هو لؤلؤ ومرجان.

فالمذهب الاسلامي مذهب جامع وسليم لأنه يهيىء الارضية للعائلة على اساس سليم وصحيح. فلو طبقت القوانين التي وضعها الاسلام في تربية الاسرة بدقة من البداية فمن المؤكد اننا نحصل على نتائج مشرقة، وهذه القوانين عبارة عن:

١ - العمل بقانون الوراثة.

٧١

٢ - الزواج.

٣ - تربية الأبناء على اساس اسلامي صحيح.

٤ - الطعام الحلال والحرام:

١ - العمل بقانون الوراثة:

من المسلّم به في نظر العلم والدين ان الابناء يتبعون الابوين في وراثة البنية الجسمية، كذلك يرثون الامور المعنوية والحالات الروحية منهم، فمثلاً: اذا كان الآباء ممن يمتلكون صفات الشجاعة والطهارة والتدين فلا شكّ في انتقال هذه الصفات الوراثية الى ابنائهم، وعلى العكس اذا كان الآباء لا يمتلكون الشجاعة وكانوا ضعيفي الارادة وليسوا ملتزمين بالشريعة، فتكون ارضية مساعدة على انتقال هذه الصفات الى الابناء. ولاجل ان نوضح اكثر نذكر هذه الآية وبعض الروايات.

١ - قال الله سبحانه وتعالى في اشمئزاز نوح (عليه السلام) من قومه الظالمين:

(وقال نوح ربّ لاتذر على الأرض من الكافرين ديّارراً إنك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا الاّ فاجراً كفّاراً)(١)

وهذه اشارة الى قانون الوراثة للابوين الفاسقين الذي تظهر نتائجه جليةً على الابناء فيتصفون بصفات أبويهم.

____________________

(١) سورة نوح (عليه السلام) الآية ٢٦ - ٢٧.

٧٢

٢ - في الزيارة المطلقة للامام الحسين (عليه السلام) (وبعض الزيارات الاخرى للائمة الاطهار سلام الله عليهم اجمعين) نقرأ:

« أشهد انك كنت نوراً في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها ».

وهذه العبارة المشهورة في كتب الادعية تشير الى طهارة اباء وامهات الائمة المعصومين (عليهم السلام)، فهم في هذا المجال قد ورثوا الطهارة والقداسة.

٣ - قال الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« الشقيّ شقيّ في بطن أمه، والسعيد سعيد في بطن أمه ».(١)

يعني الانسان يمتلك الارضية للسعادة والشقاء من الناحية الوراثية.

٤ - اختيار الزوجة الشجاعة:

بعد شهادة فاطمة الزهراء (عليها السلام) اراد امير المؤمنين علي (عليه السلام) ان يتزوج، فاستشار اخاه عقيلاً وكان نساباً للعرب. فقال له امير المؤمنين علي (عليه السلام):

اريد امرأة ولدتها الفحول. أجابه عقيل: ولأي امر تريد امرأة هكذا؟!

قال أمير المؤمنين (عليه السلم): « حتى تلد لي ولداً شجاعاً ».

____________________

(١) نهج الفصاحة ص ٣٧٥ - بحار ج ٣ ص ٤٤.

٧٣

اجابه عقيل: هذه الصفات في فاطمة (عليه السلام) (ام البنين) بنت حزام بن خالد بن ربيعة من قبيلة بني كلاب، فما رأيت اشجع منهم ولا اسخى واربط جأشاً.

فتزوجها امير المؤمنين (عليه السلام) وولدت له قمر بني هاشم العباس (عليه السلام) الذي استشهد في واقعة الطف بكربلاء. وثلاثة اخوة آخرين كلهم استشهدوا في كربلاء.

فهؤلاء الابناء قد ورثوا الشجاعة و... من الجانبين (الاب والأم).

٥ - قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في رسالة يخاطب بها مالك الاشتر بخصوص « البيوتات الصالحة » في الاعتماد عليهم وقد ذكرها في موردين حيث قال (عليه السلام):

« ثم الصق بذوي المؤونات والأحساب واهل البيوتات الصالحة ».

وفي مورد آخر قال (عليه السلام):

« وتوخ منهم اهل التجربة والحياء من اصل البيوتات الصالحة والقدم في الاسلام ».(١)

ويستفاد من هذه العبارة اعطاء المناصب الحساسة والمهمة لاشخاص لديهم خصائص منها الانتساب للبيوتات الصالحة.

٦ - وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام) أيضاً:

____________________

(١) نهج البلاغة الرسالة ٥٣.

٧٤

« حسن الاخلاق برهان كرم الاعراق ».(١)

والمقصود من كرم الاعراق هو طهارة العائلة التي تورثها للابناء.

من ذكريات معركة الجمل:

دارت حرب الجمل في منطقة البصرة سنة ٣٦ هجري بين جيش امير المؤمنين (عليه السلام) وجيش عائشة وطلحة والزبير. وقد أعطى امير المؤمنين الراية الى ولده محمد بن الحنفية وقال له: احمل عليهم، فرشقه الاعداء بسهام كثيرة رشقة واحدة فتباطأ محمد بن احنفية قليلاً حتى تنفذ السهام، فقال له الامام (عليه السلام): احمل عليهم، فأراد ان يحمل عليهم لكن رشقات السهام منعته من التقدم فجاءه امير المؤمنين علي (عليه السلام) « وضربه بقائم سيفه وقال: تقدم، ادركك عرق من امك »(٢) .

علامات اولاد الحرام:

قال الامام الصادق (عليه السلام): للاولاد غير الشرعيين علامات:

« أحدها بغضنا أهل البيت، وثانيها أنه يحنّ الى الحرام الذي خلق منه، وثالثها الاستخفاف بالدين، ورابعها سوء المحضر للناس.

____________________

(١) غرر الحكم ١ ص ٣٧٩.

(٢) تتمة المنتهى ص ٢.

٧٥

ولا يسيء محضر إخوانه إلا من ولد على غير فراش أبيه أو حملت به أمه في حيضها »(١)

* * *

نعم، ان الاشخاص الذين ولدوا على أساس غير قانوني ولا شرعي فمن الطبيعي ان تكون الارضية لاقتراف الاعمال المنكرة والذنوب الكثيرة ديدناً لهم.

وفي النتيجة نحصل على ان قانون الوراثة من الاصول المسلمة علمياً واسلامياً فلو ابتني على اساس خاطىء وغير صحيح لهيأ الارضية لوجود الانسان المذنب والعاصي.

٢ - الزواج الصحيح:

أكد الاسلام على الزواج وبناء العائلة واعتبره من الأصول الاجتماعية والمهمة وخاصة في اختيار الزوجة. حيث وضع اموراً يجب مراعاتها واهمها الزوجة الصالحة لانها تهيىء الارضية الصالحة للابناء الصالحين، وبالعكس، المرأة الملوثة فانها منبت للأبناء الملوثين وبدورها تكون السبب في الانحراف واقتراف الآثام.

وتوجد عدة روايات تخصّ هذا الموضوع.

١ - قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٥٦٠ - البحار ج ٧٥ ص ٢٧٩.

٧٦

« أيها الناس اياكم وخضراء الدمن، قيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء ».(١)

٢ - وقال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لأحدٍ استشاره في الزواج:

« انكح وعليك بذات الدين ».(٢)

٣ - قال امير المؤمنين (عليه السلام):

« اياكم وتزويج الحمقاء فان صحبتها بلاء وولدها ضياع ».(٣)

٤ - قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

« خيار نسائكم العفيفة الغلمة ».(٤)

٥ - قال الامام الصادق (عليه السلام):

« من زوّج كريمته من شارب خمر قطع رحمها ».(٥)

قال الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« من شرب الخمر بعد ما حرمها الله على لساني فليس بأهل ان يزوج اذا خطب ».(٦)

٦ - قال الامام الصادق (عليه السلام):

« طوبى لمن كانت أمه عفيفة ».(٧)

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٤ ص ٢٩.

(٢) نفس المصدر ص ٣٠.

(٣) فروع الكافي ج ١٣ ص ١٢ - الوسائل ج ١٤ ص ٥٦.

(٤) التهذيب ج ٢ ص ٢٢٧ - الوسائل ج ١٤ ص ١٤.

(٥) فروع الكافي ج ٢ ص ١١.

(٦) وسائل الشيعة ج ١٤ ص ٥٣.

(٧) بحار الانوار ٢٣ ص ٧٩.

٧٧

٣ - تربية الابناء وفق الأسس الصحيحة:

إنّ أحد الواجبات المهمة في الاسلام هو التربية الاسلامية الصحيحة للأبناء. حيث تربي عندهم روح القيم والمثل الانسانية. وعلى العكس فانّ الاهمال في تربية الابناء او التربية الخاطئة تعتبر احدى الطرق لوجود الانحراف والذنب عند الابناء. فالاسلام أكد على هذا الجانب واهتم به اهتماماً بالغاً، فكما ان الفلاح الذي يزرع الشجرة في الارض يجب عليه مراعاتها ومعالجة الاضرار والامراض التي تصيبها حتى تعطي في النتيجة ثماراً يانعة. كذلك للأبوين ان يحرصوا على تربية الابناء وان لا يقصّروا في تربيتهم فيكونوا عرضة للمساوئ والسقوط والانحراف.

فالمرأة بعد زواجها ليس لها عمل إلاّ الاهتمام بزوجها وبيتها وابنائها. فلو انها تحمّلت تلك المسؤوليات الثلاث وفق الاسس الاسلامية الصحيحة لكانت كفيلة بحل جميع المشاكل في حياة العائلة، والواجب على الرجل كذلك ان يبذل قصارى جهده لمساعدة المرأة في تأدية هذه الواجبات الثلاث.

فالاثنان مسؤولان عن تربية ابنائهم، ولكن الحمل لثقيل تتحمله المرأة، لان المرأة دائمة الوجود في البيت وقريبة من الاطفال. وكذلك وحسب القانون الطبيعي فمنذ ان تستقر النطفة في رحم المرأة و تمر بمراحل الجنين و... يكون للمرأة تاثير بالغ في تكوين وتربية

٧٨

الابناء.

قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه »(١) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ايضاً:

« رحم الله عبداً أعان ولده على بره بالاحسان اليه، والتألف له وتعليمه وتأديبه ».(٢)

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ايضاً:

« رحم الله والدين اعانا ولدهما على برهما ».(٣)

وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

« وحق الولد على الوالد أن يحسن اسمه، ويحسن أدبه، ويعلمه القرآن ».(٤)

شدة المحافظة على كيان العائلة:

للمحبة وشدة حفظ كيان العائلة أثر فعال في التربية الصحيحة للابناء فعلى الاب والام ان يحفظا سلامة محيط البيت لأنه محيط البيت لأنه محيط تربية الابناء، فالخطوة الاولى للاصلاح والتربية الصحيحة للابناء هي

____________________

(١) عوالي اللئالي: ج ١، ح ١٨، ص ٣٥.

(٢) مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٦٢٦.

(٣) فروع الكافي ج ٦ ص ٤٨.

(٤) نهج البلاغة حكمة ٣٩٩.

٧٩

اصلاح محيط البيت فالمحبة بين الرجل وزوجته تهيىء سلامة محيط البيت.

قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« خيركم خيركم لاهله وأنا خيركم لاهلي ».(١)

وجاءت في بحار الانوار (المجلد ١٠٣ صفحة ٢٢٦ الى ٢٣٣) روايات كثيرة توكد وتوصي بالمحبة بين الزوج وزوجته.

وقال الامام الصادق (عليه السلام) ايضاً:

« من اخلاق الانبياء محبتهم لنسائهم ».(٢)

وحضر رجل عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال:

« ما قبّلت صبياً قط » فعندما ذهب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): « هذا رجل عندي انه من اهل النار ».

وقال يونس بن رباط: ان الامام الصادق (عليه السلام) نقل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال:

« رحم الله من اعان ولده على بره ».

فقلت: وكيف يكون ذلك؟

أجاب الامام (عليه السلام):

« يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره ولا يرهقه ولا يخرق

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٤ ص ١٢٢.

(٢) بحار الانوار ج ١٠٣ ص ٢٨٨.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

والذي يدل على تمدحه شيئان:

أحدهما: إجماع الأمة فإنه لا خلاف بينهم في أنه تعالى تمدح بهذه الآية، فقولنا تمدح بنفي الإدراك عن نفسه لاستحالته عليه، وقال المخالف تمدح لأنه قادر على منع الأبصار من رؤيته. فالإجماع حاصل على أن فيها مدحة.

والثاني: أن جميع الأوصاف التي وصف بها نفسه قبل هذه الآية وبعدها مدحة، فلا يجوز أن يتخلل ذلك ما ليس بمدحة. والذي يدل على أن الإدراك يفيد الرؤية أن أهل اللغة لا يفرقون بين قولهم: أدركت ببصري شخصاً، وآنست، وأحسست ببصري. وأنه يراد بذلك أجمع الرؤية. فلو جاز الخلاف في الإدراك لجاز الخلاف فيما عداه من الأقسام.

فأما الإدراك في اللغة، فقد يكون بمعنى اللحوق كقولهم: أدرك قتادة الحسن. ويكون بمعنى النضج، كقولهم أدركت الثمرة، وأدركت القدر، وإدرك الغلام إذا بلغ حال الرجال.

وأيضاً فإن الإدراك إذا أضيف إلى واحد من الحواس أفاد ما تلك الحاسة آلة فيه. ألا ترى أنهم يقولون: أدركته بأذني يريدون سمعته، وأدركته بأنفي يريدون شممته، وأدركته بفمي يريدون ذقته. وكذلك إذا قالوا: أدركته ببصري يريدون رأيته. وأما قولهم أدركت حرارة الميل ببصري فغير معروف ولا مسموع، ومع هذا ليس بمطلق بل هو مقيد، لأن قولهم حرارة الميل تقييد لأن الحرارة تدرك بكل محل فيه حياة، ولو قال أدركت الميل ببصري لما استفيد به إلا الرؤية.

وقولهم إن الإدراك هو الإحاطة باطل، لأنه لو كان كذلك لقالوا: أدرك الجراب بالدقيق وأدرك الحب بالماء وأدرك السور بالمدينة لإحاطة جميع ذلك بما فيه، والأمر بخلاف ذلك. وقوله: حتى إذا أدركه الغرق، فليس المراد به الإحاطة بل المعنى حتى إذا لحقه الغرق، كما يقولون أدركت فلاناً إذا لحقته، ومثله: فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون، أي لملحوقون.

٣٠١

والذي يدل على أن المدح إذا كان متعلقاً بنفي فإثباته لا يكون إلا نقصاً، قوله:لا تأخذه سنة ولا نوم ، وقوله:ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ، لما كان مدحاً متعلقاً بنفي فلو ثبت في حال لكان نقصاً.

فإن قيل: كيف يتمدح بنفي الرؤية ومع هذا يشاركه فيها ما ليس بممدوح من المعدومات والضمائر.

قلنا: إنما كان ذلك مدحاً بشرط كونه مدركاً للأبصار، وبذلك تميز من جميع الموجودات، لأنه ليس في الموجودات ما يدرك ولا يدرك.

فإن قيل: ولم إذا كان يدرك ولا يدرك يجب أن يكون ممدوحاً.

قلنا: قد ثبت أن الآية مدحة بما دللنا عليه، ولابد فيها من وجه مدحة فلا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون وجه المدحة أنه يستحيل رؤيته مع كونه رائياً، أو ما قالوه من أنه يقدر على منع الأبصار من رؤيته بأن لا يفعل فيها الإدراك، وما قالوه باطل لقيام الدلالة على أن الإدراك ليس بمعنى الإحاطة، فإذا بطل ذلك لم يبق إلا ما قلناه، وإلا خرجت الآية من كونها مدحة. وقد قيل: إن وجه المدحة في ذلك أن من حق المرئي أن يكون مقابلاً أو في حكم المقابل، وذلك يدل على مدحته، وهذا دليل من أصل المسألة لا يمكن أن يكون جواباً في الآية.

فإن قيل: إنه تعالى نفى أن تكون الأبصار تدركه فمن أين أن المبصرين لا يدركونه؟

قلنا: الأبصار لا تدرك شيئاً البتة فلا اختصاص لها به دون غيره، وأيضاً فإن العادة أن يضاف الإدراك إلى الأبصار ويراد به ذووا الأبصار، كما يقولون: بطشت يدي وسمعت أذني وتكلم لساني، ويراد به أجمع ذووا الجارحة.

فإن قيل: إنه تعالى نفى أن جميع المبصرين لا يدركونه، فمن أين أن البعض لا يدركونه وهم المؤمنون؟

قلنا: إذا كان تمدحه في استحالة الرؤية عليه لما قدمناه، فلا اختصاص لذلك براء دون رائي، ولك أن تستدل بأن تقول: هو تعالى نفى الإدراك عن نفسه نفياً عاماً كما

٣٠٢

أنه أثبت لنفسه ذلك عاماً، فلو جاز أن يخص ذلك بوقت دون وقت لجاز مثله في كونه مدركاً. وإذا ثبت نفي إدراكه على كل حال، فكل من قال بذلك قال الرؤية مستحيلة عليه. ومن أجاز الرؤية لم ينفها نفياً عاماً فالقول بنفيها عموماً، مع جواز الرؤية عليه قول خارج عن الإجماع.

فإن عورضت هذه الآية بقوله: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، فإنا نبين أنه لا تعارض بينهما وأنه ليس في هذه الآية مايدل على جواز الرؤية إذا انتهينا إليها إنشاء الله.

- تفسير التبيان ج ١ ص ٢٢٨

وقال قوم: إن النظر إذا كان معه إلى لا يحتمل إلا الرؤية. وحملوا قوله: إلى ربها ناظرة على ذلك وقالوا لا يحتمل التأمل. وذلك غلط لأنهم يقولون: إنما أنظر إلى الله ثم إليك بمعنى أتوقع فضل الله ثم فضلك. وقال الطريح بن إسماعيل:

وإذا نظرت إليك من ملك

والبحر دونك جرتني نعماء

وقال جميل بن معمر:

إني إليك لما وعدت لناظر

نظر الفقير إلى الغني الموسر

وقال آخر:

وجوه يوم بدر ناظرات

إلى الرحمان تأتي بالفلاح

وأتوا ب- (إلى) على معنى نظر الإنتظار.

والصحيح أن النظر لا يفيد الرؤية وإنما حقيقته تحديق الجارحة الصحيحة نحو المرئي طلباً لرؤيته، ولو أفاد الرؤية لما جعل غاية لنفسه، ألا تراهم يقولون: ما زلت أنظر إليه (حتى رأيته) ولا يقولون ما زلت أراه حتى رأيته، ولأنهم يثبتون النظر وينفون الرؤية فيقولون: نظرت إليه فلم أره، ولا يقولون رأيته فلم أره.

- تفسير التبيان ج ١٠ ص ١٩٧

ثم قسم تعالى أهل الآخرة فقال(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) أي مشرقة مضيئة، فالنضرة الصورة الحسنة التي تملأ القلب سروراً عند الرؤية، نضر وجهه

٣٠٣

ينضر نضرة ونضارة فهو ناضر. والنضرة مثل البهجة والطلاقة، وضده العبوس والبسور، فوجوه المؤمنين المستحقين للثواب بهذه الصفة بما جعل الله عليها من النور علامة للخلق، والملائكة على أنهم مؤمنون مستحقون الثواب.

وقوله:إلى ربها ناظرة ، معناه منتظرة نعمة ربها وثوابه أن يصل إليهم.

وقيل (ناضرة) أي مشرفة (إلى) ثواب ربها (ناظرة) وليس في ذلك تنغيص، لأن الإنتظار إنما يكون فيه تنغيص إذا كان لا يوثق بوصوله إلى المنتظر أو هو محتاج إليه في الحال، والمؤمنون بخلاف ذلك، لأنهم في الحال مستغنون منعمون، وهم أيضاً واثقون أنهم يصلون إلى الثواب المنتظر.

والنظر هو تقليب الحدقة الصحية نحو المرئي طلباً للرؤية، ويكون النظر بمعنى الإنتظار، كما قال تعالى:(وإنّي مرسلة إليهم بهدية فناظرة) أي منتظرة، وقال الشاعر:

وجوه يوم بدر ناظرات

إلى الرحمن تأتي بالفلاح

أي منتظرة للرحمة التي تنزل عليهم.

وقد يقول القائل: إنما عيني ممدودة إلى الله وإلى فلان، وأنظر إليه أي أنتظر خيره ونفعه وأؤمل ذلك من جهته، وقوله: ولا ينظر إليهم يوم القيامة، معناه لا ينيلهم رحمته.

ويكون النظر بمعنى المقابلة، ومنه المناظرة في الجدل، ومنه نظر الرحمة أي قابله بالرحمة، ويقال: دور بني فلان تتناظر أي تتقابل، وهو وينظر إلى فلان أي يؤمله وينتظر خيره، وليس النظر بمعنى الرؤية أصلاً، بدلالة أنهم يقولون: نظرت إلى الهلال فلم أره، فلو كان بمعنى الرؤية لكان متناقضاً، ولأنهم يجعلون الرؤية غاية للنظر يقولون: ما زلت أنظر إليه حتى رأيته، ولا يجعل الشيء غاية لنفسه لا يقال: بما زلت أراه حتى رأيته، ويعلم الناظر ناظراً ضرورة، ولا يعلم كونه رائياً بل يسأل بعد ذلك هل رأيت أم لا.

٣٠٤

ودخول (إلى) في الآية لا يدل على أن المراد بالنظر الرؤية، ولا تعليقه بالوجوه يدل على ذلك، لأنا أنشدنا البيت وفيه تعليق النظر بالوجه وتعديه بحرف (إلى) والمراد به الإنتظار، وقال جميل بن معمر:

وإذا نظرت إليك من ملك

والبحر دونك جدتني نعما

والمراد به الإنتظار والتأميل.

وأيضاً، فإنه في مقابلة قوله في صفة أهل النار: تظن أن يفعل بها فاقرة، فالمؤمنون يؤمنون بتجديد الكرامة وينتظرون الثواب، والكفار يظنون الفاقرة، وكله راجع إلى فعل القلب.

ولو سلمنا أن النظر يعد الرؤية لجاز أن يكون المراد أنها رؤية ثواب ربها، لأن الثواب الذي هو أنواع اللذات من المأكول والمشروب والمنكوح تصح رؤيته.

ويجوز أيضاً أن يكون إلى واحد إلاء وفي واحدها لغات (ألا) مثل قفا و (ألي) مثل معي و (ألي) مثل حدي و (أل) مثل حسا، فإذا أضيف إلى غيره سقط التنوين، ولا يكون (إلى) حرفاً في الآية. وكل ذلك يبطل قول من أجاز الرؤية على الله تعالى.

وليس لأحد أن يقول: إن الوجه الأخير يخالف الإجماع، أعني إجماع المفسرين، وذلك لأنا لا نسلم لهم ذلك، بل قد قال مجاهد وأبو صالح والحسن وسعيد بن جبير والضحاك: إن المراد نظر الثواب. وروي مثله عن عليعليه‌السلام .

وقد فرق أهل اللغة بين نظر الغضبان ونظر الراضي، يقولون: نظر غضبان، ونظر راض، ونظر عداوة ونظر مودة، قال الشاعر:

تخبرني العينان ما الصدر كاتم

ولا حن بالبعضاء والنظر الشزر

والرؤية ليست كذلك فإنهم لا يضيفونها، فدل على أن النظر غير الرؤية، والمرئي هو المدرك، والرؤية هي الإدراك بالبصر، والرائي هو المدرك، ولا تصح الرؤية وهي الإدراك إلا على الأجسام أو الجوهر أو الألوان. ومن شرط المرئي أن يكون هو أو محله مقابلاً أو في حكم المقابل، وذلك يستحيل عليه تعالى، فكيف تجيز الرؤية عليه تعالى!

٣٠٥

أمير المؤمنينعليه‌السلام يدفع الشبهات

- كتاب التوحيد للصدوق ص ٢٥٤ - ٢٦٩

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر قال: حدثنا محمد بن الحسن ابن عبد العزيز الأحدب الجند بنيسابور قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا طلحة بن يزيد، عن عبيد الله بن عبيد عن أبي معمر السعداني أن رجلاً أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل، قال لهعليه‌السلام : ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل؟

قال: لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضاً فكيف لا أشك فيه.

فقال علي بن أبي طالبعليه‌السلام : إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضاً ولا يكذب بعضه بعضاً، ولكنك لم ترزق عقلاً تنتفع به، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل.

قال له الرجل: إني وجدت الله يقول: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا، وقال أيضاً: نسوا الله فنسيهم، وقال: وما كان ربك نسياً، فمرة يخبر أنه ينسى، ومرة يخبر أنه لا ينسى، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين!

قال: هات ما شككت فيه أيضاً.

قال: وأجد الله يقول: يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً، وقال واستنطقوا فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين، وقال: يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً، وقال: إن ذلك لحق تخاصم أهل النار، وقال:لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ، وقال:نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، فمرة يخبر أنهم يتكلمون ومرة يخبر أنهم لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً، ومرة يخبر أن الخلق لا ينطقون ويقول عن مقالتهم: والله ربنا ما كنّا مشركين: ومرة يخبر أنهم يختصمون، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين، وكيف لا أشك فيما تسمع.....

٣٠٦

قال: هات ويحك ما شككت فيه.

قال: وأجد الله عز وجل يقول:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ، ويقول:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، ويقول:ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى ، ويقول: يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً ، ومن أدركته الأبصار فقد أحاط به العلم، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع؟....

فقالعليه‌السلام : وأما قوله عز وجل:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ، وقوله:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، وقوله:ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى ، وقوله:: يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً ، فأما قوله: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظره، فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعدما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم إشراقاً فيذهب عنهم كل قذى ووعث، ثم يؤمرون بدخول الجنة، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم، ومنه يدخلون الجنة، فذلك قوله عز وجل من تسليم الملائكة عليهم: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة والنظر إلى ما وعدهم ربهم فذلك قوله: إلى ربها ناظرة، وإنما (عنى) بالنظر إليه النظر إلى ثوابه يعني لا تحيط به الأوهام. وهو يدرك الأبصار، يعني يحيط بها وهو اللطيف الخبير، وذلك مدح امتدح به ربنا نفسه تبارك وتعالى وتقدس علواً كبيرا، وقد سأل موسىعليه‌السلام وجرى على لسانه من حمد الله عز وجل: رب أرني أنظر إليك، فكانت مسألته تلك أمراً عظيماً، فقال الله تبارك وتعالى: لن تراني.. فانظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، فأبدى الله سبحان بعض آياته وتجلى ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميماً وخر موسى صعقاً، يعني ميتاً، ثم أحياه الله وبعثه وتاب عليه، فقال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، يعني أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك.

٣٠٧

وأما قوله: ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، يعني محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عند سدرة المنتهى حيث لا يتجاوزها خلق من خلق الله، وقوله في آخر الآية: ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى، رأى جبرئيلعليه‌السلام في صورته مرتين هذه المرة ومرة أخرى، وذلك أن خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم إلا الله رب العالمين. ورواه الطبرسي في الإحتجاج ج ١ ص ٣٥٨ - ٣٦٢ ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٢

- شرح الأسماء الحسنى ج ١ ص ١٨٥

(يا من يَرى ولا يُرى)

طال التشاجر بين الأشاعرة والمعتزلة في مسألة الرؤية فذهب الأشاعرة إلى أن الله تعالى يرى في الآخرة وينكشف انكشاف البدر المرئي ولكن بلا مقابلة وجهة ومكان، خلافاً للمعتزلة حيث نفوها، وللمشبهة والكرامية فإنهم وإن جوزوا رؤيته تعالى ولكن في الجهة والمكان وعلى سبيل المقابلة، لاعتقادهم جسميته تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

وحرر بعض متأخري الأشاعرة حل النزاع بأنه لا نزاع للنافين في جواز الإنكشاف التام العلمي، ولا للمثبتين في امتناع ارتسام صورة المرئي في العين، أو اتصال الشعاع الخارج من العين بالمرئي.

وإنما محل النزاع أنا إذا عرفنا الشمس مثلاً بحد أو رسم كان نوعاً من المعرفة، ثم إذا أبصرناها وغمضنا العين كان نوعاً آخر من المعرفة فوق الأول، ثم إذا فتحنا العين حصل نوع آخر من الإدراك فوق الأولين، نسميها الرؤية ولا يتعلق في الدنيا إلا بما هو في جهة ومكان، فمثل هذه الحالة الإدراكية هل يصح أن تقع بدون المقابلة والجهة، وأن تتعلق بذات الله تعالى منزها عن الجهة والمكان أم لا.

واحتج الأشاعرة بحجة عقلية كلامية لا نطيل الكلام بذكرها، وأدلة نقلية منها قوله تعالى حكاية عن موسىعليه‌السلام : رب أرني أنظر إليك....

٣٠٨

ومنها، قوله تعالى:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير .

ومنها، هذا الإسم الشريف الذي هو نظير هذه الآية.

وبالجملة كل الآيات والسنن التنزيهية تدل عليه نصاً وظاهراً ومنطوقاً ومفهوماً، والحق أن مراد محققي الأشاعرة من الرؤية هو الشهود بنوره لنوره والإنكشاف البالغ حد العيان، أيدته الأذواق وصدقه قاطع البرهان، بدليل قولهم بلا مقابلة وجهة ومكان، وكذا قولهم في تحرير محل النزاع، فمثل تلك الحالة الإدراكية أعدل شاهد على ذلك، إذ ليس مرادهم ما هو ظاهره حتى يقال حصول مثل تلك الحالة وعدم حصول مقابله ولا جهة، ومع هذا تكون رؤية لا تعقلاً، بل مرادهم أنه كما أن تلك الحالة ممتازة عن التعقل والتخيل والإحساس بالحس المشترك ومشاهدة وشهود للبصر، كذلك سيحصل لنا حالة عيانية ممتازة عنها وعلم حضوري بالنسبة إليه تعالى، هو شهود لا على المشاعر الجامع لجميعها بنحو أعلى، خذ الغايات ودع المباديَ أي المبادي الطبيعية المحدودة، كما ذكرنا في كونه سميعاً بصيراً أن المشاهدة التي يترتب على قوانا يترتب على ذاته النورية بنحو أنور فإنه سميع بصير بذاته لا بالسمع والبصر، فهذا مرادهم، وإلا فكما لا يليق بالعلماء التكلم في مسموعيته أو مشموميته مثلاً إذ ليس من سنخ المسموعات أو المشمومات، كذلك لا يليق بهم التكلم في مبصريته إذ ليس من سنخ المبصرات لأن المبصر بالذات هو الضوء واللون عند التحقيق، وإن كانت الجواهر الفردة عند المتكلم مبصرة بالذات.

فإذا عرفت هذا، فاعلم أن أرباب القشور منهم حرفوا الكلم عن مواضعه فلم يتفوهوا بما هو مخ القول، وعموا وصموا عما هو لب الحق، إذ كان المراد هو الشهود، والمعتزلة أيضاً لا ينكرونه، وإنما أنكروا الرؤية الظاهرية التي بالجارحة كما مر في محل النزاع أنه لا نزاع للنافين في جواز الإنكشاف التام العلمي بأن يكون المراد بالعلمي العلم الحضوري، ولكن لا على سبيل الإكتناه، كما قيل إن العارفين المتألهين يشاهدونه ولكن لا بالكنه بل على سبيل الفناء الذي هو قرة عين العرفاء والعلماء، بأن يرى كل فعل وصفة ووجود مستهلكة في فعله وصفته ووجوده تعالى.

٣٠٩

ولا يجوز للمؤمن إنكار ذلك الشهود لأن إنكاره إنكار الكتب السماوية والسنن النبوية والآثار الولوية، بل هو غاية إرسال المرسلين وإرشاد الأئمة الهادين وسير السايرين وسلوك السالكين، ولولاه لم يكن سماء ولا أرض ولا بسيط ولا مركب، كما قال تعالى: ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، أي ليعرفون، وفي الحديث القدسي: فخلقت الخلق لأعرف، فالكتاب المجيد الذي هو تنزيل من حكيم حميد مشحون منه قال تعالى:من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت .يا أيتها النفس المطمئنه ارجعي إلى ربك .شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم . والشهادة بالوحدانية فرع الشهادة بالوجود وشهوده، وهكذا كل آية مشتملة على ما دل على الشهود حتى لفظ الإيمان باعتبار بعض درجاته العالية....

قال سيد الأولياءعليه‌السلام : لم أعبد رباً لم أره. ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه أو قبله أو معه.

وقال ابنه سيد الشهداءعليه‌السلام : عميت عين لا تراك.

وقال أيضاً: تعرفت بكل شيء فما جهلك شيء. تعرفت إليّ في كل شيء فرأيتك ظاهراً في كل شيء، فأنت الظاهر لكل شيء.

وليكف هذا اليسير من الكثير لأن كل أشراك مقالاتهم وحبايل تحريراتهم لاصطياد هذا الصيد العديم المثال، فتمام سهام قصودهم واقعة على هذا الغرض الرفيع المنال، وحيث حملنا الرؤية على الشهود فلا تخصيص له بالآخرة، فإن أبناء اليقين لموتهم الإرادي قبل موتهم الطبيعي وفنائهم عن ذواتهم قامت قيامتهم ورأوا ما رأوا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى:

روى الشيخ الصدوقرحمه‌الله عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أخبرني عن الله تعالى هل يراه المؤمنون يوم القيمة قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت متى؟ قال: حين قال ألست بربكم قالوا بلى. ثم سكت ساعة ثم قال: وإن المؤمنين يرونه في الدنيا قبل يوم القيامة. ألست تراه في وقتك هذا قال أبو بصير فقلت: جعلت

٣١٠

فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال: لا فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقول ثم قدر أن هذا تشبيه كفر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى عما يصفه المشبهون والملحدون.

وقال سيد الموقنين ومولى المكاشفين: لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً....

وقولهعليه‌السلام ما ازددت يقيناً، لعل المراد منه نفي الزيادة الكمية لا الكيفية، ومن ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن العيش عيش الآخرة. ونعم ما قال العارف عبد الرحمن الجاميقدس‌سره السامي:

تا بود باقى بقاياى وجود

كى شودصاف از كدر جام شهود

تا بود پيوند جان وتن بجاى

كى شود مقصود كل برقع گشاى

تا بود قالب غبار چشم جان

كى توان ديدنرخ جانان عيان

ثم إن الشهود الحاصل لأهل الله في الدنيا ليس لهم بما هم بأبدانهم فرشيون دنيويون، بل بما هم بقلوبهم عرشيون أخرويون، فيصدق أن الرؤية والشهود مطلقاً مخصوصة بالآخرة.

ويمكن أيضاً التوفيق بين المذهبين بأن الرؤية وإن كانت بمعنى الشهود لا يمكن في الدنيا والآخرة بالنسبة إلى كنه ذاته، احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار، ويمكن بالنسبة إلى وجهه:أينما تولوا فثم وجه الله .

بل هاهنا نظر آخر فيه حصر النظر على وجهه الكريم كما قال المعصومعليه‌السلام بنقل القاضي سعيد القمي: لا أرى إلا وجهك ولا أسمع إلا صوتك، يا من يخلق ولا يخلق، يا من يهدي ولا يهدى، يا من يحيي ولا يحيى، يا من يسأل ولا يسأل. هذا الإسم الشريف مأخوذ من الآية الشريفة وهي: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

وقد تمسك الأشاعرة بها في كثير من المواضع، منها أنهم قالوا بنفي اللمية الغائية والداعي وجواز الترجيح من غير مرجح، فإذا سئل عنهم ما المخصص لأحداث العالم في وقت مخصوص دون ساير الأوقات مع تشابهها، وما المرجح للإمساك في

٣١١

أوقات غير متناهية، كما هو مذهبهم من التعطيل والإفاضة في وقت؟ مع كونه تعالى علة تامة غير محتاج إلى شرط أو آلة أو معاون أو حالة منتظرة، وبالجملة ما به يتم فاعليته؟ قالوا: لا يسئل عما يفعل، والتزموا القدرة الخرافية.

ومنها، أنهم حيث قالوا بالتحسين والتقبيح الشرعيين دون العقليين قالوا بنفي العلاقة اللزومية بين الأعمال الحسنة ودخول الجنة وبين الأعمال القبيحة ودخول النار، بحيث جوزوا أن يدخل الله السعيد في النار خالداً والشقي في الجنة أبداً، فإذا قيل عليهم إن هذا ظلم صريح، قالوا: لا يسأل عما يفعل.... إلخ.

واحتج المعتزلة أيضاً بحجج عقلية ونقلية كثيرة، نذكر بعضها ونترك أكثرها، لأن من أنس بالقواعد العقلية وحافظ على تنزيه الله من سمات المحدثات وصفات الأجسام قدر على إقامة حجج كثيرة وإبطال ما هو ظاهر الأشاعرة من الرؤية.

فمنها، أنه فيما عندنا من المبصرات يجب الرؤية عند تحقق شروط ثمانية ككون الحاسة سليمة وكون الشيء جايز الرؤية وكون الشيء مقابلاً أو في حكم المقابل وعدم كون المرئي في غاية القرب وغاية البعد وغاية اللطافة وغاية الصغر وأن لا يكون بين الرائي والمرئي حجاب، إذ لو لم تجب الرؤية عند حصول الشرائط جاز أن يكون بحضرتنا جبال وأشخاص لا نراها، والستة الأخيرة لا يمكن اعتبارها في رؤيته تعالى لتنزهه عن الجهة والحيز، بقي سلامة الحاسة وجواز الرؤية، وسلامة الحاسة حاصلة فلو جاز الرؤية وجب أن تراه في الدنيا والجنة دائماً، والأول منتف بالضرورة والثاني بالإجماع والنصوص القاطعة الدالة على اشتغالهم بغير ذلك من اللذات.

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

روى السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٣٧ عدداً من الروايات التي توافق مذهبنا ومذهب عائشة، قال:

- وأخرج عبد ابن حميد وأبوالشيخ عن قتادة: لا تدركه الأبصار، قال هو أجلُّ من ذلك وأعظم من أن تدركه الأبصار.

٣١٢

- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، يقول لا يراه شيء وهو يرى الخلائق.

- تفسير الطبري ج ٩ ص ٣٨

معاوية عن علي (بن طلحة) عن ابن عباس قوله تعالى:سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ، يقول أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك. انتهى.

وقد تقدم استدلال عائشة بالآية على عدم إمكان الرؤية، قال الرازي في المطالب العالية ج ١ جزء ١ ص ٨٧: إن عائشةرضي‌الله‌عنها قالت: من حدثكم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم الفرية، ثم قرأت:لا تدركه الأبصار .

محاولاتهم تأويل الآية وإبطال معناها

- رد النووي على عائشة في شرح مسلم - هامش الساري ج ٢ ص ٩٣ فقال : فأما إحتجاج عائشة بقول الله تعالى لا تدركه الأبصار. فجوابه ظاهر فإن الإدراك هو الإحاطة والله تعالى لايحاط به! وإذا ورد النص بنفي الإحاطة فلما يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة. انتهى. ولكن المنفي هنا هو إدراك البصر، وهو أعم من الرؤية الجزئية والإحاطة!

- وقال الجويني في لمع الأدلة ص ١٠١ - ١٠٥

مذهب أهل الحق أن الباري تعالى مرئي، ويجوز أن يراه الراؤون بالأبصار....

والدليل على جواز الرؤية عقلاً: أن الرب سبحانه وتعالى موجود، وكل موجود مرئي. وبيان ذلك: أنا نرى الجواهر والألوان، فإن رئي الجوهر لكونه جوهراً لزم ألا يرى الجوهر، وإن رئيا لوجودهما لزم أن يرى كل موجود، والباري سبحانه وتعالى: موجود فصح أن يرى.

فإن قالوا: إنما يرى ما يرى لحدوثه والرب تعالى أزلي قديم الذات فلا يرى، فالجواب من وجهين: أحدهما أن نقول كلامكم هذا نقض عليكم لجواز رؤية الطعوم والروائح والعلوم ونحوها فإنها حوادث، وعندكم يستحيل أن ترى.

٣١٣

ثم الجواب الحقيقي أن نقول: الحدوث ينبيء عن موجود مسبوق بعدم والعدم السابق لا يصحح الرؤية، فانحصر التصحيح في الوجود، فدل على أن كل موجود صح أن يرى.

ويستدل على جواز الرؤية وأنها ستكون في الجنان وعداً من الله صدقاً وقولاً منه حقاً بقوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة. والنظر إذا عدي بإلى اقتضى رؤية البصر. وإن عارضونا بقوله تعالى: لا تدركه الأبصار. قلنا: فمن أصحابنا من قال الرب تعالى يرى ولا يدرك فإن الإدراك ينبيء عن الإحاطة ودرك الغاية، والرب مقدس عن الغاية والنهاية. فإن عارضونا بقوله تعالى في جواب موسىعليه‌السلام : لن تراني، فزعموا أن لن تقتضي النفي على التأييد.....

قلنا: هذه الآية من أوضح الأدلة على جواز الرؤية! فإنها لو كانت مستحيلة لكان معتقد جوازها ضالاً أو كافراً، وكيف يعتقد ما لا يجوز على الله تعالى من اصطفاه الله تعالى لرسالته واجتباه لنبوته وخصصه بتكريمه وشرفه بتكليمه وجعله أفضل أهل زمانه وأيده ببرهانه، ويجوز على الأنبياء الريب في أمر يتعلق بعلم الغيب، أما ما يتعلق بوصف الباري عز وعلا فلا يجوز الريب عليهم، فيجب حمل الآية على أن ما اعتقد موسىعليه‌السلام جوازه جائز، لكن ظن أن ما اعتقد جوازه ناجزاً فيرجع النفي في الجواب إلى السؤال. وما سأل موسىعليه‌السلام ربه رؤية في الدنيا لينصرف النفي إليها، والجواب نزل على قضية الخطاب. انتهى. وقد تقدم أن موسىعليه‌السلام لم يطلب رؤية ذات اللّه تعالى، بل طلب أن يريه شيئاً من آياته كأنه ينظر إليه.

- وروى السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٣٧

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إسماعيل بن علية، في قوله: لا تدركه الأبصار، قال: هذا في الدنيا!

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عكرمة عن ابن عباس قال: إن النبى صلى الله عليه وسلم رأى ربه، فقال له رجل عند ذلك أليس قال الله:لا تدركه

٣١٤

الأبصار ! فقال له عكرمة: ألست ترى السماء؟ قال: بلى، قال فكلها ترى! (يقصد بما أن الله تعالى كبير فإنا نرى جزءً منه فقط!)

وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه واللالكائي في السنة عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه، قال عكرمة فقلت له: أليس الله يقول لا تدركه الأبصار! وهو يدرك الأبصار قال: لا أم لك، ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء، وفي لفظ: إنما ذلك إذا تجلى بكيفيته لم يقم له بصر. انتهى. وهو يقصد أن ذات اللّه تعالى ترى ولكن نوره لاتدركه الأبصار!!

ثم أكد السيوطي رأي عكرمة فنقل في ج ٣ ص ٣٧ قول ابن جريح في تفسير الآية أن الأبصار لا تدرك الله تعالى كله لكبر حجمه! قال:

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريح في قوله: لا تدركه الأبصار، قال: قالت امرأة استشفع لي يا رسول الله على ربك. قال: هل تدرين على من تستشفعين، إنه ملأ كرسيه السموات والأرض ثم جلس عليه فما يفضل منه من كل أربع أصابع، ثم قال: إن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد فذلك قوله: لا تدركه الأبصار، ينقطع به بصره قبل أن يبلغ أرجاء السماء. زعموا أن أول من يعلم بقيام الساعة الجن تذهب فإذا أرجاؤها قد سقطت لا تجد منفذاً تذهب في المشرق والمغرب واليمن والشام. انتهى.

وأعجب منه روايتهم التي تفسر الأبصار التي لا تدركه بأنها أبصار العقول، ومع ذلك تدركه أبصار العيون!! قال: وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ واللالكائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي قال سمعت أبا الحصين يحيى بن الحصين قارئ أهل مكة يقول: لا تدركه الأبصار قال أبصار العقول. انتهى.

وقد تقدم في أول الباب عن (إمام الأئمة) ابن خزيمة حملته الشديدة على عائشة وتفسيره للآية بأن جميع الأبصار لا تدركه ولكن البصر الواحد يدركه! قال في كتاب التوحيد ص ٢٢٦

لأن قوله: لا تدركه الأبصار، قد يحتمل معنيين على مذهب من يثبت رؤية النبي

٣١٥

صلى الله عليه وسلم خالقه عز وجل، قد يحتمل بأن يكون معنى قوله:لا تدركه الأبصار ، على ما قال ترجمان القرآن لمولاه عكرمة ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء. والمعنى الثاني أي لا تدركه الأبصار أبصار الناس لأن الأعم والأظهر من لغة العرب أن الأبصار إنما تقع على أبصار جماعة، لا أحسب غريباً يجيء من طريق اللغة أن يقال لبصر امريء واحد أبصار وإنما يقال لبصر امريء واحد بصر، لا ولا سمعنا غريباً يقال لعين امريء واحد بصران فكيف أبصار، ولو قلنا: إن الأبصار ترى ربنا في الدنيا لكنا قد قلنا الباطل والبهتان، فأما من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه دون سائر الخلق فلم يقل إن الأبصار قد رأت ربها في الدنيا فكيف يكون - يا ذوي الحجا - من ينفي أن النبي صلى الله عليه وسلم محمداً قد رأى ربه دون سائر الخلق مثبتاً أن الأبصار قد رأت ربها، فتفهموا يا ذوي الحجا هذه النكتة تعلموا أن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما وأباذر وأنس بن مالك ومن وافقهم لم يعظموا الفرية على الله، لا ولا خالفوا حرفاً من كتاب الله في هذه المسألة! انتهى.

وقد علق على ذلك محقق كتابه وهو الشيخ محمد الهراس من علماء الأزهر، فقال:

عجباً لإمام الأئمة كيف خانه علمه فتوهم أن المنفي هو إدراك الأبصار له إذا اجتمعت فإذا انفرد واحد منها أمكن أن يراه! فهل إذا قال قائل لا آكل الرمان، يكون معنى هذا أنه لا يأكل الحبات منه ولكن يأكل الحبة! يرحم الله ابن خزيمة فلقد كبا ولكل جواد كبوة.

- وقد كان الطبري من أعقلهم في تفسير الآية حيث اعترف بأنه لا مجال للهروب منها ولابد من الإعتراف بأنها تنفي إمكان الرؤية مطلقاً، وأن الأخبار المروية في رؤيته تعالى تنافيها، ولكن لابد لنا من قبول الأخبار وطرح الآية!

قال في تفسيره ج ٧ ص ٢٠٠ - ٢٠٣:

قالوا فإن قال لنا قائل: وما أنكرتم أن يكون معنى قوله:لا تدركه الأبصار ، لا تراه الأبصار؟ قلنا له: أنكرنا ذلك لأن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه أن وجوهاً في القيامة

٣١٦

إليه ناظرة، وأن رسول الله (ص) أخبر أمته أنهم سيرون ربهم يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر....

وقال آخرون.. لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، إلا أنه جائز أن يكون معنى الآية لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة، وتدركه أبصار المؤمنين وأولياء الله. قالوا وجائز أن يكون معناها لا تدركه الأبصار بالنهاية والإحاطة وأما الرؤية فبلى. وقال آخرون: الآية على العموم ولن يدرك الله بصر أحد في الدنيا والآخرة، ولكن الله يحدث لأوليائه يوم القيامة حاسة سادسة سوى حواسهم الخمس فيرونه بها.... والصواب من القول في ذلك: عذرنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله (ص) أنه قال إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر. انتهى.

ولم يبين الطبري ولا غيره كيف صار هذا هو الصواب، وهل كلما عارض صريح القرآن خبر أخذنا به وخصصنا به القرآن وقلنا: عذرنا الأخبار المناقضة للقرآن!

- قال القسطلاني في إرشاد الساري ج ١٠ ص ٣٦٤

قوله تعالى في سورة الأنعام:لا تدركه الأبصار ، وأجاب المثبتون بأن معنى الآية لا تحيط به الأبصار أو لا تدركه الأبصار، وإنما يدركه المبصرون! أو لا تدركه في الدنيا لضعف تركيبها في الدنيا، فإذا كان في الآخرة خلق الله تعالى فيهم قوة يقدرون بها على الرؤية. انتهى.

ولكنهم بهذه المواصفات الجديدة للعين ونظام الرؤية، خرجوا عن موضوع البحث، بل هربوا منه، وفي نفس الوقت ردوا أحاديثهم في الرؤية التي ظاهرها رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة بالعين المتعارفة المجردة، في أحسن صورة، وكما يرى القمر ليلة البدر على حد زعمهم!

- وقال الشوكاني في فتح القدير ج ٢ ص ١٨٥

في قوله:لا تدركه الأبصار .... التقدير لا تدركه كل الأبصار بل بعضها، وهي أبصار المؤمنين!....

٣١٧

- وقال التلمساني في نفح الطيب ج ٧ ص ٢٩٦

سئل النصيبي عن الرؤية بمجلس عضد الدولة فأنكرها محتجاً بأن كل شيء يرى بالعين فهو في مقابلتها، فقال له القاضي ابن الطيب: لا يرى بالعين، قال له الملك: فبماذا يرى؟ قال: بالإدراك الذي يحدثه الله في العين.. وهذا الأجهر عينه قائمة ولا يرى بها شيئاً! انتهى.

- وقال في نفح الطيب ج ٨ ص ٣٤

حكاية أبي بكر بن الطيب مع رؤساء بعض المعتزلة، وذلك أنه اجتمع معه في مجلس الخليفة، فناظره في مسألة رؤية الباري فقال رئيسهم: ما الدليل أيها القاضي على جواز رؤية الله تعالى؟ قال: قوله تعالى:لا تدركه الأبصار ! فنظر بعض المعتزلة إلى بعض وقالوا: جنَّ القاضي، وذلك أن هذه الآية هي معظم ما احتجوا على مذهبهم، وهو ساكت، ثم قال لهم: أتقولون إن من لسان العرب قولك: الحائط لا يبصر قالوا: لا.. قال: فلا يصح إذن نفي الصفة عما من شأنه صحة إثباتها له؟ قالوا نعم، قال: فكذلك قوله تعالى(لا تدركه الأبصار) لولا جواز إدراك الأبصار له لم يصح نفيه عنه. انتهى. ولابدّ أنهم أجابوه إن الذي يصحح النفي هو توهم جواز الرؤية لا جوازها وإمكانها!

وهكذا يحرِّم إخواننا التأويل، ولكنهم إذا وصلوا إلى آيات نفي الرؤية وأحاديثها هجموا عليها بمعاول التأويل والمغالطات بلا رحمة ولا ضابطة، حتى يجعلوا من النفي إثباتاً، وقد يجعلون من الكفر إيماناً!

* *

تفسير آية: ما كذب الفؤاد ما رأى

قال الله تعالى:وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ

٣١٨

الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى . النجم ١ - ١٨

قال أهل البيت: رأى ربه بفؤاده ورأى آياته بعينيه

تقدم في الفصول السابقة عدد من الأحاديث عن النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تفسير هذه الآية، ونضيف إليها هنا مايلي:

- روى الصدوق في كتاب التوحيد ص ١٠٨:

أبيرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل مكاناً لم يطأه جبرئيل قط، فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.

- و في ص ١١٦:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن مرازم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه عز وجل يعني بقلبه، وتصديق ذلك: ما حدثنا به محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام هل رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه عز وجل؟ فقال: نعم بقلبه رآه، أما سمعت الله عز وجل يقول: ما كذب الفؤاد ما رأى، أي لم يره بالبصر، لكن رآه بالفؤاد.

- وقد عقد الصدوق في التوحيد باباً بعنوان (ما جاء في الرؤية) ص ١٠٧ ، نورد بعض روايته قال:

٣١٩

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن آبائهعليهم‌السلام قال: مر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل وهو رافع بصره إلى السماء يدعو، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : غض بصرك فإنك لن تراه.

وقال: ومر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل رافع يديه إلى السماء وهو يدعو، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أقصر من يديك فإنك لن تناله.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاقرحمه‌الله ، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن علي بن أبي القاسم، عن يعقوب بن إسحاق قال: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟ فوقععليه‌السلام يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يرى.

قال: وسألته هل رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه؟ فوقععليه‌السلام إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب.

حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريسرحمه‌الله ، عن أبيه، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، قال: ذاكرت أبا عبد اللهعليه‌السلام فيما يروون من الرؤية، فقال: الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزءاً من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزءاً من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب.

- وفي علل الشرائع ج ١ ص ١٣١

حدثنا محمد بن أحمد بن السناني وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلي بن عبد الله الوراقرضي‌الله‌عنهم ، قالوا حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي الأسدي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن ثابت بن دينار، قال سألت زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام عن الله جل

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434