العقائد الإسلامية الجزء ٢

العقائد الإسلامية13%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 434

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 231857 / تحميل: 6020
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

المقالة هم جمهور النصارى من الملكانية واليعقوبية، والنسطورية والمقصود أنّه أحد الثلاثة: الأب والإبن وروح القدس أي أنّه ينطبق على كل واحد من الثلاثة وهذا لازم قولهم: إنّ الأب إله، والإبن إله، والروح إله، وهو ثلاثة وهو واحد، ويمثّلون لذلك بقولهم: إنّ زيد بن عمرو إنسان فهناك اُمور ثلاثة هي زيد، وابن عمرو والإنسان، وهناك أمر واحد وهو المنعوت بهذه النعوت.

ويلاحط عليه: أنّ هذه الكثرة إن كانت حقيقية غير اعتبارية أوجبت الكثرة في المنعوت حقيقة، وإنّ المنعوت إن كان واحداً حقيقة أوجب ذلك أن تكون الكثرة إعتباريّة غير حقيقيّة، فالجمع بين هذه الكثرة العددية والوحدة العددية كما في المثال بحسب الحقيقة ممّا يستنكف العقل عن تعقله.

ولأجل ذلك التجأ دعاة النصارى في الآونة الأخيرة إلى القول بأنّ مسألة التثليث من المسائل المأثورة من مذاهب الأسلاف وهي لا تخضع للموازين العلميّة(١) .

وقد ردّ الذكر الحكيم على ذلك بقوله:( وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إلّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ) ببيان أنّ الله سبحانه لا يقبل بذاته المتعالية، الكثرة بوجه من الوجوه، فهو تعالى ذاته واحد وإذا اتّصف بصفاته الكريمة وأسمائه الحسنى لم يزد ذلك على ذاته الواحدة شيئاً، ولا الصفة إذا اُضيفت إليها أورثت كثرة وتعدّداً، فهو تعالى أحديّ الذات لا ينقسم لا في خارج ولا في وهم ولا في عقل.

ويستفاد من قوله:( وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) بحكم الإتيان بلفظ ( منهم ) المشعرة بالتبعيض ـ، أنّ هناك طائفة لا يعتقدون بالتثليث ولا يقولون في المسيح إلّا إنّه عبد الله ورسوله كما عليه مسيحيّة الحبشة بعضهم أو جلّهم.

__________________

(١) الميزان: ج ٤ ص ٧٠.

٢٤١

مشكلة الجمع بين التوحيد والتثليث:

إنّ المسيحيّين يعتبرون أنفسهم موّحدين وإنّهم من المقتفين أثر التوحيد الذي جاءت به جميع الشرائع السماوية، ومن جانب آخر يعتقدون بالتثليث اعتقاداً جازماً، وهذان لا يجتمعان إلّا أن يكون أحد الوصفين حقيقيّاً والآخر مجازيّاً ولكنّهم ياللأسف يقولون بكونهما معاً حقيقيين، ولأجل ذلك أصبحت عندهم: ١ = ٣ وهو محال ببداهة العقل.

والقرآن الكريم ينسب التثليث إلى أقوام آخرين كانوا قبل المسيح والمسيحيّة وهؤلاء إنّما اتّبعوا اُولئك، ولعلّ الثالوث الهندي هو الأصل حيث يعتقدون بأنّ الإله الواحد له مظاهر ثلاثة: « برهما »: « الموجد »، و « فيشفو »: « الحافظ »، و « سيفا »: « المميت » فقد دان بتلك العقيدة المسيحيّون بعد رفع المسيح آماداً متطاولة، ولـمـّا جاء المتأخّرون منهم ورأوا أنّ الوحدة الحقيقية لا تخضع للكثرة كذلك حاولوا أن يصحّحوه بوجهين:

الأوّل: تفكيك المسائل الدينية عن المسائل العلميّة وأنّ الدين فوق العلم وأن مسألة ١ = ٣ وإن كانت باطلة حسب القوانين الرياضية المسلّمة ولكن الدين قبلها ونحن نعتقد بها. ولكنّه عذر أقبح من ذنب فكيف نعتنق ديناً يتصادم مع أوضح الواضحات وأبده البديهيّات.

الثاني: إنّ المعادلة الرياضية السابقة ليست باطلة وذلك لوجود نظائرها في الخارج، فإنّ الشمس بها جرم ولها نور ولها حرارة ومع ذلك فهي شيء واحد.

وهذا الإستدلال يكشف عن جهل مطبق بحقيقة الوحدة المعتبرة في حقه سبحانه فإنّ المقصود منها في حقّه هو الوحدة الحقيقية التي لا كثرة فيها لا خارجاً ولا ذهناً ولا وهماً وأين هو من وحدة الشمس التي هي وحدة إعتبارية لا حقيقية حيث تتركّب من جرم ونور وحرارة وكل منها ينقسم إلى انقسامات.

وعلى كلّ تقدير فماذا يريدون من قولهم ( إنّه إِله واحد ) وفي الوقت نفسه

٢٤٢

ثلاثة، فهل يريدون أنّ هناك أفراداً متميّزة ومتشخّصة من الإله الصادق هو عليهم صدق الكلي على الأفراد ؟

أو يريدون أنّ هناك فرداً واحداً ذا أجزاء وليس لكل واحد منها إستقلال ولا تشخّص وإنّما يتشكّل الإله من تلك الأجزاء ؟

فالفرض الأوّل يستلزم تعدّد الإله تعدّداً حقيقيّاً وهو لا يجتمع مع التوحيد بحال من الحالات.

والفرض الثاني لا يخلو إمّا أن يكون كل واحد من هذه الأجزاء واجبة الوجود أو ممكنة، فعلى الأوّل يلزم منه كثرة الإله ( واجب الوجود ) وهم يدّعون الفرار منه.

وعلى الثاني يلزم أن يكون واجب الوجود محتاجاً في تحقّقه وتشخّصه إلى أجزاء ممكنة وهو كما ترى.

ولأجل ذلك نرى أنّ الذكر الحكيم ينادي ببطلان التثليث بأيّ نحو يمكن أنّ يتصوّر بقوله:( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إلّا الحَقَّ إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَىٰ بِاللهِ وَكِيلاً ) ( النساء / ١٧١ ).

إنّ الآية تركّز على أنّ نسبة الإلوهيّة إلى المسيح من آثار الغلوّ في حقّه فلو تنزّه القوم عن هذا التمادي الفكريّ المفرط لوقفوا على سمة المثالية فيه ونفوا عنه مقام الإلوهية.

والآية تصف المسيح بالصّفات الخمس:

١ ـ عيسى بن مريم ٢ ـ رسول الله ٣ ـ كلمته ٤ ـ ألقاها إلى مريم ٥ ـ روح منه. إنّ بعض هذه الصفات المسلّمة في حق المسيح تشهد بعبوديّته وتنفي الوهيّته وإليك مزيد من التوضيح حولها:

٢٤٣

١ ـ عيسى بن مريم: وقد ورد في الذكر الحكيم ذكره عشر مرّات وبنوّته لمريم التي لا تنفك عن كونه جنيناً رضيعاً في المهد صبيّاً يافعاً و لدليل واضح على بشريّته.

٢ ـ رسول الله: ومعناه مبعوثه ومرسله وليس نفسه.

٣ ـ كلمة الله: وقد أطلق القرآن لفظ الكلمة على المسيح كما أطلقه على جميع الموجودات الإمكانية وقال:( قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ) ( الكهف / ١٠٩ ).

وأمّا إطلاق الكلمة على الموجودات الإمكانية لأجل وجود التشابه بين الكلمة والموجود الإمكاني فإنّ الكلمة تكشف عمّا يقوم في ذهن المتكلّم من المعاني فهكذا الموجودات الإمكانية عامّة، وخلقة المسيح على وجه الإعجاز خاصّة تكشف هي الاُخرى عن علم وقدرة وسيعين وكمال لا متناه يكمن في ذاته سبحانه ولأجل ذلك يعد القرآن المسيح وجميع العوالم الإمكانية كلمات الله سبحانه.

٤ ـ ألقاها إلى مريم: إنّ الإلقاء إلى رحم الاُم آية كونه مخلوقاً وقد ذكر تفصيله في سورة مريم، الآية ١٦ إلى ٣٦ واختتمها بقوله:( ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ) ( مريم / ٣٤ ).

٥ ـ وروح منه: إنّ هذا التعبير ربّما وقع دليلاً على تطرّف فكرة الاُلوهيّة في حق المسيح وهم يتخيّلون أنّ ( منه ) تبعيضية ولكنّها إبتدائية مثل قوله سبحانه:( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ) ( الجاثية / ١٣ ) والمعنى أنّ السموات وما في الأرض جميعاً ناشئ منه وحاصل من عنده، ومبتدأ منه، فذوات الأشياء تبتدئ منه بإيجاده لها من غير مثال سابق وكذلك خواصّها وآثارها. قال تعالى:( اللهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) ( الروم / ١١ ).

أضف إلى ذلك أنّ ذلك التعبير لا يفوق في حقّ آدم حيث قال:( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) ( الحجر / ٢٩ ).

٢٤٤

فقد وصف آدمعليه‌السلام بلفظة « من روحي » ولم يقل أحد بأنّه جزء من الإله.

ثمّ إنّه سبحانه ختم تلك الصفات بقوله:( فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ) .

سمات العبودية في المسيح:

إنّ الذكر الحكيم يستدل على عبوديته بوجوه ثلاثة:

١ ـ كيفيّة خلق المسيح واُمّه.

٢ ـ طبيعة عيشهما في المجتمع.

٣ ـ تصريح المسيح بعبوديّته.

هذه هي الوجوه التي يستدلّ بها القرآن الكريم على عبوديّته، أمّا الأوّل فقد بسط الذكر الحكيم في تناولها في سورة مريم كما مرّ وهذه الآيات تلقي الضوء على كيفيّة خلقه إلى أن توّج بالرسالة، فيقول سبحانه:

( فَأَجَاءَهَا المَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ) إلى أن يقول:( ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ) .

ولو تمّسك الخصم على عدم بشريته بأنّه ولد من غير أب فهو محجوج بخلقة آدم فقد خلق من غير اُمٍّ ووالد، قال سبحانه:( إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) ( آل عمران / ٥٩ ).

وأمّا الثاني فيلمح إليه ما ورد بأنّ المسيح واُمّه كانا يعيشان شأنهما كشأن سائر بني آدم ولا يحيدان عنها قيد شعرة، قال سبحانه:( مَّا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ

٢٤٥

الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ) ( المائدة / ٧٥ ) فمن الممتنع أن يكون آكل الطعام إله العالمين.

وأمّا الثالث فيشير إليه قوله سبحانه:( لَّن يَسْتَنكِفَ المَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا للهِ وَلا المَلائِكَةُ المُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ) ( النساء / ١٧٢ ).

وليس بوسع إنسان أن ينكر عبادة المسيح وهي آية وجود المعبود له وهناك كلمة قيّمة للإمام الطاهر عليّ بن موسى الرضا في مناظرته مع الجاثليق، قال الإمام: يا نصراني والله إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمّد وما ننقم على عيسى شيئاً إلّا ضعفه وقلّة صيامه وصلاته.

قال الجاثليق: أفسدت والله علمك وضعفت أمرك وما كنت أظن إلّا أنّك أعلم أهل الإسلام.

قال الرضا: وكيف ذلك ؟

قال الجاثليق: من قولك إنّ عيسى كان ضعيفاً قليل الصيام والصلاة وما أفطر عيسى يوم قطّ وما نام بليل قطّ وما زال صائم الدهر قائم الليل.

قال الرضا: فلمن كان يصوم ويصلّي ؟

فخرس الجاثليق وانقطع(١) الحديث.

إنّ الذكر الحكيم يصرّح بأنّ المسيح سوف يعترف يوم البعث بعبوديته على رؤوس الأشهاد وانّه لم يأمر قطّ الناس بعبادة نفسه:

( وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) ( المائدة / ١١٦ ).

__________________

(١) الاحتجاج: ج ٢ ص ٢٠٣ و ٢٠٤.

٢٤٦

وقال عزّ اسمه حاكياً عنه:( مَا قُلْتُ لَهُمْ إلّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) ( المائدة / ١١٧ ).

ج ـ المسيح ابن الله:

قد طرأت أزمة حادّة على خط التوحيد من قبل المشركين واليهود والنّصارى بزعم وجود الابن أو البنت لله سبحانه، فتارة جعلوا بينه وبين الجِنَّة نسباً، واُخرى اتّهموه بأنّه اتّخذ من الملائكة إناثاً، وثالثة نسبوا إليه الولد بصورة مطلقة، وقد جاء الجميع في الذكر الحكيم مشفوعاً بالردّ والنقض:

١ ـ الجن:( وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا ) ( الصافّات / ١٥٨ ).

وأمّا ما هذا النسب، فيحتمل أن يكون المراد نسب البنوّة والاُبوّة ولأجل ذلك كان جماعة من العرب يعبدون الجن، كما ورد في قوله سبحانه:( قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ ) ( سبأ / ٤١ ).

٢ ـ الملائكة:( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ المَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا ) ( الإسراء / ٤٠ ) ولأجل ذلك كان جماعة أيضاً من العرب تعبد الملائكة، وبما أنّهم كانوا يتخيّلون الملائكة على أنّهم خلقوا بصور جذّابة جميلة خالوا إنّهم اُناثاً قال سبحانه:( وَجَعَلُوا المَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا ) ( الزخرف / ١٩ ).

٣ ـ المسيح: وقد اشتهر النصارى بأنّهم جعلوا « المسيح » إبناً لله تعالى، وهذه الفكرة الخاطئة وإن لم تكن منحصرة فيهم، بل كان لليهود أيضاً مثل تلك الفكرة في حقّ « عزير » لكن النصارى أكثر، اشتهاراً بهذه النسبة، غير نافين عن أنفسهم هذا العار، واليهود يؤوّلون الفكرة بأنّه ولد فخري لا حقيقي.

والقرآن الكريم يندّد بتلك الفكرة في غير واحد من الآيات مشيراً إلى براهين

٢٤٧

عقلية محتاجة إلى التوضيح، وإليك نقل الآيات مع توضيح مضامينها:

١ ـ البقرة / ١١٦ ـ ١١٧:

( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ *بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) .

تريك هذه الآية كيف أنّهم نسبوا إلى الله ولداً من غير فرق بين أن يكون الناسب يهوديّاً أو مسيحيّاً، ولكنّ الآيتين تتضمّنان ردّاً لهذه النسبة، يستفاد من الإمعان في الجمل التالية:

١ ـ سبحانه. ٢ ـ بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون.

٣ ـ بديع السموات والأرض. ٤ ـ وإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون.

وإليك شرح هذه الجمل التي يعد كل واحد منها بمثابة ردّ ونقض للفكرة الخاطئة المصرّحة بالبنوّة لله عزّ وجلّ.

أ ـ « سبحانه »: وهذه الكلمة تفيد تنزيه الله سبحانه من كل نقص وعيب وشائنة، ولأجل ذلك يأتي هذا اللفظ في آية اُخرى بعد بيان تلك النسبة الخاطئة، قال تعالى:( قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ) ( يونس / ٦٨ ).

واللفظة تفيد أنّ اتّخاذ الولد نقص وعيب على الله تعالى، يجب تنزيهه عنه، وذلك لأنّ اتّخاذ الولد إمّا لغاية إشباع الغريزة الجنسية أو لأجل الإستعانة من الولد أيّام الهرم والكهولة، أو لأجل إبقاء النسل وإدامته التي تعد نوع بسط وجود للشخصية، والكل غير لائق بساحته سبحانه.

ويمكن أن يكون اللفظ مشيراً إلى أمر آخر وهو أنّ اتّخاذ الابن فرع التوالد والتناسل وهو من شؤون الموجودات المادية حيث ينتقل جزءً من الأب إلى رحم الاُم فتتّحد نطفة الأب مع البويضة في رحم الاُمّ فتخصّبها فينتج عن ذلك نشأة الجنين والله سبحانه أعلى وأجل وأنبل عن أن يكون جسماً أو جسمانيّاً.

٢٤٨

ب ـ( بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) :

إنّ هذه الجملة مشعرة ببرهان دامغ وهو أنّ كل ما في الكون قانت لله وخاضع لسلطته ومسخّر ومقهور له ومن هذا شأنه لا يتصوّر أن يكون له ولد وذلك لأنّ الولد يكون مماثلاً للوالد، فكما هو واجب الوجود يكون الولد مشاطراً له في ذلك، وما هو كذلك لا يمكن أن يكون مقهوراً ومسخّراً لموجود من الموجودات.

ج ـ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) :

أي انّه سبحانه خالق مبدع لهما وما فيهما والمراد من الإبداع هو خلقهما بلا مثال سابق ولا مادّة متقدّمة، فيكون المجموع مسبوقاً بالعدم، وما هو كذلك كيف يمكن أن يكون ولداً لله سبحانه ؟ لما عرفت من أنّ الولد يماثل الوالد في الالوهيّة ووجوب الوجود، وهو لا يجتمع مع كون السموات والأرض وما فيهما مخلوقاً حادثاً مسبوقاً بالعدم.

د ـ( وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) :

وهذه الآية تفيد أنّ سنّة الله تبارك وتعالى في الإيجاد والإنشاء والخلق، وأنّه لو أراد إيجاد شيء فإنّه يوجد بلا تريّث أو تلبّث، ولكنّ الولد إنّما يتكوّن من إلتقاء النطفتين في رحم الاُم ثمّ يتكامل تدريجيّاً على إمتداد أمد بعيد وهذا لا يجتمع مع ما مرّ ذكره في السنّة الحكيمة.

ثمّ إنّ العلّامة الطباطبائي جعل الجمل الثلاث مشيرة إلى برهانين ( لا إلى ثلاثة براهين كما أوضحناه ) فقال:

إنّ قوله:( بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) يشتمل على برهانين ينفي كلّ منهما الولادة وتحقّق الولد منه سبحانه، فإنّ اتّخاذ الولد هو أن يجزي موجود طبيعي، بعض أجزاء وجوده ويفصله عن نفسه فيصيّره بتربية تدريجية فرداً من نوعه مماثلاً لنفسه، وهو سبحانه منزّه عن المثل بل كل شيء ممّا في السموات والأرض مملوك له قائم الذات به قانت ذليل عنده ذلّة وجودية فكيف يكون شيء من الأشياء ولداً له

٢٤٩

مماثلاً نوعيّاً بالنسبة إليه ؟ وهو سبحانه بديع السموات والأرض، إنّما يخلق ما يخلق على غير مثال سابق فلا يشبه شيء من خلقه خلقاً سابقاً ولا يشبه فعله فعل غيره في التقليد والتشبيه ولا في التدريج والتوّصل بالأسباب إذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون من غير مثال سابق ولا تدريج، فكيف يمكن أن ينسب إليه اتّخاذ الولد ؟ وتحقّقه يحتاج إلى تربية وتدريج فقوله:( لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) برهان تام، وقوله:( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) برهان آخر تام(١) .

٢ ـ الأنعام / ١٠٠ ـ ١٠٢:

( وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ الجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ ) ( الأنعام / ١٠٠ ).

( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( الأنعام / ١٠١ ).

( ذَٰلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ خَالِقُ كُلَّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) ( الأنعام / ١٠٢ ).

وفي هذه الآيات إشارات إلى بطلان النظرية القائلة بكون الجن شركاء لله سبحانه وخرق بنين وبنات له بغير علم، وإليك بيانها:

أ ـ( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ ) : وقد مرّ توضيح تلك الجملة في القسم الأوّل من الآيات.

ب ـ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) : وقد تقدّم معناه أيضاً.

ج ـ( أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ) : وهذه الجملة تشير إلى أنّ إتّخاذ الإبن يستلزم اتّخاذ الزوجة حتى يقع جزء من الزوج في رحم الزوجة والله

__________________

(١) الميزان: ج ١ ص ٢٦١.

٢٥٠

سبحانه منزّه، عن أن تكون له زوجة.

د ـ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) : فإذا كان هو خالق كل شيء، والكل مخلوق له فلا يتصوّر كون المخلوق ولداً، لأنّ الولد يشاطر الوالد في الطبيعة والنوعيّة فإذا كان سبحانه واجب الوجود لاستغنى عن العلّة والخالق ولترفّع عن حيز الإمكان، والمفروض خلافه.

٣ ـ يونس / ٦٨:

( قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) .

وهذه الآية تشتمل على مثل ما اشتملت عليه الآيات السابقة وإليك تفصيل جملها.

أ ـ( سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ) : وقد عرفت أنّ إتّخاذ الولد إمّا لغاية إشباع الغريزة الجنسية أو لاستعانة به في أيّام الكهولة أو لبسط نفوذ الشخصية، والله غني عن الجميع.

ب ـ( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ) : وفيه إشارة إلى أنّ كل ما في الكون مقهور ومسخّر فكيف يكون شيء منه ولداً له مع لزوم المماثلة بين الولد والوالد.

ج ـ( إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) : وهو إشارة اُخرى إلى أنّه إنّما تبنّوا هذه الفكرة تقليداً بلا علم وبرهان، وقد تقدّم في الآيات السابقة ( بغير علم سبحانه ).

٤ ـ الكهف / ٤ و ٥:

( وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا *مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إلّا كَذِبًا ) .

٢٥١

وفي هذه الآية إكتفاء ببرهان واحد وهو أنّ القوم يتفوّهون بذلك بلا علم لهم ولا لآبائهم.

٥ ـ مريم / ٣٥:

( مَا كَانَ للهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) وفي الآية إشارة إلى برهانين أحدهما قوله( سُبْحَانَهُ ) والثاني( إِذَا قَضَىٰ ) ، وقد مرّ تفسيرهما فلا نعيد.

٦ ـ مريم / ٨٨ ـ ٩٥:

( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ) .

( لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ) .

( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدًّا ) .

( أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا ) .

( وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ) .

( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إلّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا ) .

( لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ) .

( وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ) .

وقد ركّزت الآيات على برهانين:

أحدهما قولهُ:( وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ) وهذه الجملة واقعة مكان لفظة( سُبْحَانَهُ ) في الآيات السابقة.

وثانيهما: قوله:( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إلّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا ) وهو يفيد نفس ما يفيده قوله:( بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) في الآيات السابقة والمعنى بعد التطبيق واضح ومحصّله أنّ من في الكون عبد

٢٥٢

مسخّر لله سبحانه، وهو لا يجتمع مع كون واحد منهم ولداً له، لأنّه يقتضي المماثلة والمشاركة في الوجوب والإستغناء عن العلّة مع أنّ المفروض كونه ممكناً.

٧ ـ الأنبياء / ٢٦ و ٢٧:

( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ) .

( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) .

فلفظة( سُبْحَانَهُ ) مشيرة إلى أنّ اتّخاذ الولد ملازم للنقص والعيب وهو سبحانه منزّه عنه.

وقوله:( بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ) إشارة إلى ما مرّ من أنّ العبودية لا تجتمع مع البنوّة لأنّ مقتضى البنوّة، المشاركة والمسانخة مع الوالد في الطبيعة، والمفروض وجوب وجود الوالد فيكون الولد واجباً وهو محال.

٨ ـ المؤمنون / ٩١:

( مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ) .

والآية تشير إلى أنّ اتّخاذ الولد ينافي التوحيد والوحدانية لأنّ الولد يجب أن يكون مماثلاً للوالد على نحو ما مرّ ذكره وعندئذ يكون إلهاً مثله، والمفروض أنّه ليس معه إله.

٩ ـ الزمر / ٤:

( لَّوْ أَرَادَ اللهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) .

وفي الآية إشارة إلى دحض تلك العقيدة المنحرفة باُمور ثلاثة:

أ ـ( سُبْحَانَهُ ) .

٢٥٣

ب ـ( الْوَاحِدُ ) .

ج ـ( الْقَهَّارُ ) .

أمّا الأوّل: فدلالته على نفي البنوّة مثل الآيات السابقة.

وأمّا الثاني: أعني كونه واحداً، فهو يدلّ على نفي البنوّة لأنّ اتّخاذ الإبن يستلزم المماثلة بين الأب والولد، فيلزم تعدّد الإله وواجب الوجود.

وأمّا الثالث: أعني كونه قهّاراً وغيره مقهوراً عليه فدلالته مثل دلالة قوله:( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إلّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا ) وقوله:( بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) وقوله:( بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ) وذلك لأنّ اتّخاذ الإبن يستلزم أن يكون له مماثل من ذاته لأنّ الولد يماثل الوالد في النوعية والطبيعة فيلزم أن يكون الولد واجب الوجود، والمفروض أنّه مقهور ومسخّر لله سبحانه.

وأنت إذا قارنت هذه الآيات بعضها ببعض لوقفت على أنّ الجميع في المادة والمعنى وكيفيّة الإستدلال مصبوب في قالب واحد بينها كمال الإئتلاف والتناسب، والعبارات الواردة في المقام وإن كانت مختلفة المواضع ولكنّ المؤدّى والمعنى واحد، وتلك الآيات نزلت على النبيّ في ظروف مختلفة وأجواء متباينة والنبيّ لم يزل بين كونه منهمكاً في الحرب وهادئ البال في الصلح والسلم ومع ذلك يتكلّم على نسق واحد مع كونه أمّيّاً لم يقرأ قطّ ولم يكتب. صدق الله العليّ العظيم حيث قال:( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ) ( النساء / ٨٢ ).

قسمة ضيزي:

ومن عجائب اُمورهم أنّهم اتّخذوا لأنفسهم البنين ونسبوا إلى الله عزّ وجلّ الإناث من الملائكة، قال سبحانه:( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ المَلائِكَةِ إِنَاثًا ) ( الإسراء / ٤٠ ).

٢٥٤

وقال تعالى:( أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ ) ( الزخرف / ١٦ ).

وقال تعالى:( أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَىٰ *تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ) ( النجم / ٢١ ـ ٢٢ ).

ثمّ إنّه سبحانه أبطل ادّعاءهم بكون الملائكة إناثاً وقال:( وَجَعَلُوا المَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ) ( الزخرف / ١٩ ) فكيف يدّعون ما لم يشهدوه ؟!

إلى هنا تمّ حوار القرآن مع اليهود والنّصارى في اتّخاذه سبحانه ولداً من الإنس والجنّ والملائكة، وقوّة البرهان القرآني وإتقانه وتعاضد بعضه بعضاً يدلّ على أنّه وحي إلهي نزل به الروح الأمين على قلبه، وأنّى للإنسان الغارق في الحياة البدائيّة أن يأتي بمثل ذلك لولا كونه مسدّداً بالوحي، مؤيّداً بالمدد الغيبي منه سبحانه.

وإليك بقية المناظرات الواردة في القرآن الكريم.

اليهود ونقض المواثيق والعهود

حطّ النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله رحاله بالمدينة، والتفّ حوله الأوس والخزرج، ففشى أمر الإسلام وشاع خبره وذكره بين الناس والقبائل القاطنة بأطراف المدينة، وكان ذلك بمثابة جرس إنذار لليهود ينبئ عن إقتراب اُفول شوكتهم في المدينة وما والاها بل في شبه الجزيرة العربية برمّتها.

وكانت اليهود في سابق عهدها تفتخر على سائر الاُمم بأنّها تقتفي أثر التوحيد وأنّ لهم كتاباً سماويّاً يجمع بين دفّتيه الأحكام الإلهية، ولكنّ تلك المفخرة أوشكت أن تذهب أدراج الرياح بدعوة النبيّ الأكرم الناس كافّة إلى التوحيد الأصيل ونزول القرآن عليه، فما كانت لهم بعد إذ ذاك ميزة يمتازون بها على العرب.

وكانت اليهود لفرط حبّهم للدنيّا وزبرجها تمكّنوا من السيطرة على مقاليد أزّمة

٢٥٥

إدارة التجارة، وكان وجود الشّقة السحيقة بين الأوس والخزرج، والنزاعات القبلية بينهما، خير معين للإنفراد بإدارة دفّة القوافل التجارية، غير أنّ تلك الأرضية التي فسحت لهم المجال لتسلّم زمام التجارة فيما مضىٰ كادت تنعدم بالاُخوّة الإسلامية التي جاء بها الإسلام، فصار المتصارعان متصافيين متآخيين متآلفين في مقابل اليهود وأطماعهم.

كلّ ذلك صار سبباً لتحفيز اليهود لإثارة الشبهات حول رسالة الرسول الأكرم وبثّ السموم وتشوية معالم الرسالة الجديدة ليضعضعوا أركان الإيمان الفتي في قلوب المؤمنين بالإسلام، وقد غاب عن خلدهم أنّ سنّة الله الحكيمة تتكفّل بنصر رسله. قال سبحانه:

( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ) ( غافر / ٥١ ).

وإليك نماذج من أسئلتهم وشبهاتهم التي أثاروها حول الرسالة النبويّة:

١ ـ إفشاء علائم النبوّة:

إنّ أوّل خطوة خطوها لأجل إيقاف مدّ الصحوة الدينية والإيمان برسالة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله هو إصدار مرسوم يقضي بكتمان علائم نبوّته التي وردت في التوراة حتى لا تقع للمسلمين ذريعة يتمسّكون بها ضدّهم في عزوفهم عن قبول الدعوة، وهذا ما يحكي عنه الذكر الحكيم بقوله:

١ ـ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) ( البقرة / ٧٦ ).

وروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال: كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئين إذا لقوا المسلمين حدّثوهم بما في التوراة من صفة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فنهاهم كبراؤهم عن ذلك وقالوا: لاتخبروهم بما

٢٥٦

في التوراة من صفة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فيحاجّوكم به عند ربّكم(١) .

وردّ سبحانه عليهم بقوله:( أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ) ( البقرة / ٧٧ ) فالله سبحانه يحتجّ بكتابهم عليهم سواء تفوّهوا بسمات النبيّ الأكرم المذكورة في التوراة أم لم يتفوّهوا بها على الرّغم من أنّهم كانوا يستفتحون ويستنصرون على الأوس والخزرج برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل مبعثه فلمّا بعثه الله من بين العرب ولم يكن من بني إسرائيل، كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء ابن معرور: يا معشر اليهود اتّقوا الله واسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمّد ونحن أهل الشرك، وتصفونه وتذكرون أنّه مبعوث، فقال سلام بن مثكم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنّا نذكر لكم، فأنزل الله تعالى قوله:

( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) ( البقرة / ٨٩ ).

٢ ـ السؤال عن الروح الأمين:

إنّ نفراً من أحبار اليهود جاءوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: يا محمداً أخبرنا عن أربع نسألك عنهنّ، فإن فعلت ذلك اتّبعناك وصدّقناك وآمنّا بك، فقال لهم رسول الله: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدّقنّني ؟ قالوا: نعم، قال: فسألوا عمّا بدا لكم وممّا سألوا عنه نوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: كيف نومك ؟ فقال: تنام عيني وقلبي يقظان. قالوا: فأخبرنا عمّا حرّم إسرائيل على نفسه ؟ قال: حرّم على نفسه لحوم الإبل وألبانها، فصدّقوه في الإجابة عن هذاين السؤالين، ثمّ قالوا له: فأخبرنا عن الروح ،

__________________

(١) مجمع البيان: ج ١ ص ٢٨٦ ( طبع بيروت ).

٢٥٧

قال: أنشدكم بالله وبأيّامه عند بني إسرائيل هل تعلمونه جبرئيل وهو الذي يأتيني ؟ قالوا: أللّهم نعم، ولكنّه يا محمد لنا عدوّ وهو ملك إنّما يأتي بالشدّة وسفك الدماء ولولا ذلك لاتّبعناك، فأنزل الله عزّ وجلّ فيهم:( قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ *مَن كَانَ عَدُوًّا للهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ) ( البقرة / ٩٧ و ٩٨ )(١) .

وما ذكرنا من شأن النزول يؤيّد ما ذكرناه سابقاً من أنّ المقصود من الروح في قوله سبحانه:( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ) ( الإسراء / ٨٥ ) هو الروح الأمين لا الروح الإنسانية، وأنّ ما اُثير حولها في التفاسير المختلفة مبني على تفسير الروح بالروح الإنسانية وهو غير صحيح.

وعلى أيّ تقدير فنصب العداء لجبرئيل نصب للعداء له سبحانه، لأنّ جبرئيل مأمور من جانبه ومبلّغ عنه هو وجميع الملائكة:( لاَّ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ( التحريم / ٦ ).

٣ ـ إنكار نبوّة سليمانعليه‌السلام :

إنّ رسول الله لـمّا ذكر سليمان بن داود في المرسلين، قال بعض أحبارهم: ألا تعجبون من محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله يزعم أنّ سليمان بن داود كان نبيّاً، والله ما كان إلّا ساحراً، فأنزل الله تعالى في ذلك:( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) ( البقرة / ١٠٢ )(٢) .

__________________

(١) السيرة النبويّة: ج ١ ص ٥٤٣. مجمع البيان: ج ٢ ص ٣٢٤ ( طبع بيروت ).

(٢) السيرة النبوية: ج ١ ص ٥٤٠. مجمع البيان: ج ٢ ص ٣٣٦ ( طبع بيروت ).

٢٥٨

٤ ـ كتابه إلى يهود خيبر:

كتب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يهود خيبر بكتاب جاء فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صاحب موسى وأخيه والمصدّق لما جاء به موسى على أنّ الله قد قال لكم يا معشر أهل التوراة، وأنّكم لتجدون ذلك في كتابكم:( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) .

وإنّي انشدكم بالله، وانشدكم بما أنزل عليكم وانشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسباطكم المنّ والسلوى، وانشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون وعمله إلّا أخبرتموني: هل تجدون فيما أنزل الله عليكم أن تؤمنوا بمحمّد ؟ فإن كنتم لا تجدوني ذلك في كتابكم فلا كره عليكم( قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) فادعوكم إلى الله وإلى نبيّه(١) .

٥ ـ إنكار أخذ الميثاق منهم:

إنّ أحد أحبار اليهود قال لرسول الله: يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل الله عليك من آية بيّنة فنتّبعك لها، وقد كانوا ينكرون العهد الذي أخذه الأنبياء عليهم أن يؤمنوا بالنبيّ الاُمّي، فأنزل الله سبحانه في ردّهم:( وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إلّا الْفَاسِقُونَ *أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) ( البقرة / ٩٩ و ١٠٠ ).

__________________

(١) السيرة النبويّة: ج ١ ص ٥٤٤ ـ ٥٤٥.

٢٥٩

ولفظة « كلّما » تفيد التكرّر فيقتضي تكرّر النقض منهم(١) .

٦ ـ الإقتراحات التعجيزيّة:

وقد كان اليهود قد تقدّموا بإقتراحات تعجيزيّة على غرار ما بدر من المشركين فقد سألت العرب محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأتيهم بالله فيروه جهرة، فنزل قوله سبحانه:( أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) ( البقرة / ١٠٨ ).

وقال رافع بن حريملة لرسول الله: يا محمد إن كنت رسولاً من الله كما تقول فقل لله فيكلّمنا حتى نسمع كلامه، فنزل قوله سبحانه:( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (٢) .

٧ ـ تنازع اليهود والنصارى عند الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

لـمـّا قدم أهل نجران من النصارى على رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أتتهم أحبار اليهود فتنازعوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال رافع بن حريملة: ما أنتم على شيء، وكفر بعيسىٰ وبالإنجيل، فقال رجل من أهل نجران من النصارىٰ لليهود: ما أنتم على شيء، وجحد نبوّة موسى وكفر بالتوراة، فأنزل الله في ذلك قولهم:

( وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ( البقرة / ١١٣ ).

__________________

(١) مجمع البيان: ج ١ ص ٣٢٧.

(٢) السيرة النبوية: ج ١ ص ٥٤٩.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

- مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٢٨

قوله تعالى:يوم يكشف عن ساق ، عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: يوم يكشف عن ساق، قال عن نور عظيم يخرون له سجداً. رواه أبو يعلى وفيه روح بن جناح وثقه دحيم وقال فيه ليس بالقوي، وبقية رجاله ثقات.

- وقال في مجمع الزوائد ج ٦ ص ٣٠٣، ونحوه في ج ٩ ص ٢٧٧

وعن الضحاك بن مزاحم الهلالي قال: خرج نافع بن الأزرق ونجدة بن عويمر في نفر من رؤوس الخوارج ينقرون عن العلم ويطلبونه، حتى قدموا مكة فإذا هم بعبد الله بن عباس قاعداً قريباً من زمزم وعليه رداء له أحمر وقميص، فإذا أناس قيام يسألونه عن التفسير يقولون يا أبا عباس ما تقول في كذا وكذا، فيقول هو كذا وكذا، فقال له نافع به الأزرق: ما أجرأك يا ابن عباس على ما تخبر به منذ اليوم!

فقال له ابن عباس: ثكلتك أمك يا نافع وعدمتك! ألا أخبرك من هو أجرأ مني؟

قال: من هو يا ابن عباس؟

قال: رجل تكلم بما ليس له به علم، أو كتم علماً عنده.

قال صدقت يا ابن عباس، أتيتك لأسألك.

قال: هات يا ابن الأزرق فسل.

قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل:(يرسل عليكما شواظ من نار) ما الشواظ؟

قال: اللهب الذي لا دخان فيه.

قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم؟

قال: نعم، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت:

ألا من مبلغ حسان عني

مغلغلةً تدبُّ إلى عُكاظِ

أليس أبوك قيناً كان فينا

إلى الفتيات فَسْلاً في الحفاظ

يمانياً يظل يشب كيراً

وينفخ دائباً لهب الشواظ

٣٨١

قال: صدقت فأخبرني عن قوله:ونحاس فلا تنتصران ، ما النحاس؟

قال: الدخان الذي لا لهب فيه.

قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم.

قال: نعم، قال أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول:

يضيء كضوء سراج السليط

لم يجعل الله فيه نحاسا

يعني دخاناً.

قال: صدقت فأخبرني عن قول الله:أمشاج نبتليه ؟

قال: ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا في الرحم كانا مشجاً.

قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم؟

قال: نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب الهذلي وهو يقول:

كأن النصل والفوقين فيه

خلاف الريش سيط به مشيج

قال: صدقت، فأخبرني عن قول الله عز وجل:والتفت الساق بالساق ، ما الساق بالساق؟

قال: الحرب.

قال: هل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم؟

قال: نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب:

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها

وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

- الدر المنثور ج ٦ ص ٢٥٤

وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن منده والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق إبراهيم النخعي في قوله:يوم يكشف عن ساق ، قال قال ابن عباس: يكشف عن أمر عظيم، ثم قال: قد قامت الحرب على ساق.

٣٨٢

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله:يوم يكشف عن ساق ، قال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب. وقامت الحرب بنا على ساق، قال ابن عباس: هذا يوم كرب وشدة.

وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله:يوم يكشف عن ساق ....

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس....

وأخرج ابن منده عن ابن عباس....

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مندة عن مجاهد في قوله:يوم يكشف عن ساق ....

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قرأ:يوم يكشف عن ساق ، قال: يريد القيامة والساعة لشدتها.

وأخرج البيهقي عن ابن عباس في قوله:يوم يكشف عن ساق ، قال: حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال، وكشفه دخول الآخرة وكشف الأمر عنه.

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن مندة من طريق عمرو ابن دينار قال كان ابن عباس يقرأ: يوم تكشف عن ساق بفتح التاء، قال أبو حاتم السجستاني: أي تكشف الآخرة عن ساقها يستبين منها ما كان غائباً.

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ: يوم يكشف عن ساق، بالياء ورفع الياء.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن عكرمة أنه سئل عن قوله: يوم يكشف عن ساق....

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير أنه سئل عن قوله: يوم يكشف عن ساق، فغضب غضباً شديداً وقال: إن أقواماً يزعمون أن الله يكشف عن ساقه، وإنما يكشف عن الأمر الشديد. انتهى. ورواه أيضاً عن مجاهد والنخعي. ورواه في ج ٦ ص ٢٩٢ عن قتادة.

٣٨٣

- الأحاديث القدسية للمجلس الأعلى المصري ج ١ ص ٩٨

قوله: فيكشف عن ساق، فسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة الساق هنا بالشدة، أي يكشف عن الشدة. انتهى.

وقد تقدمت رواياتهم التي فيها تجسيم، في الفصل الثالث في بازار الأحاديث، وهي كثيرة. وقد تبنى علماء الوهابية تفسيرها بساق اللّه تعالى عما يصفون!

* *

تفسير آيات الإستواء على العرش

قال الله تعالى:إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . الأعراف - ٥٤

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ . يونس - ٣

اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ . الرعد - ٢

طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى . طه ١ - ٦

الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا . الفرقان - ٥٩

٣٨٤

اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ . السجدة - ٤

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ . الحديد - ٤ - ٥

وقد تقدم قسم من تفسير إخواننا للاستواء على العرش تحت عنوان (بازار الأحاديث والآراء في الرؤية )

تفسير أهل البيتعليهم‌السلام

الإستواء على العرش: استواء نسبة الله إلى العالم

- روى الكليني في الكافي ج ١ ص ١٢٧

علي بن محمد، ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن موسى الخشاب عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل: الرحمن على العرش استوى، فقال استوى على كل شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء.

وعنه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تعالى: الرحمن على العرش استوى، فقال: استوى في كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء، لم يبعد منه بعيد، ولم يقرب منه قريب، استوى في كل شيء.

وعنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من زعم أن الله من شيء، أو في شيء، أو على شيء، فقد كفر، قلت:

٣٨٥

فسر لي، قال: أعني بالحواية من الشيء له أو بإمساك له أو من شيء سبقه.

وفي رواية أخرى: من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثاً، ومن زعم أنه في شيء فقد جعله محصوراً، ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولاً.

- وروى في الكافي ج ١ ص ١٢٨

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي رفعه، قال: سأل الجاثليق أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: أخبرني عن الله عز وجل يحمل العرش أو العرش يحمله فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الله عز وجل حامل العرش والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، وذلك قول الله عز وجل: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفورا.

قال: فأخبرني عن قوله: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية، فكيف قال ذلك وقلت إنه يحمل العرش والسماوات والأرض؟

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة: نور أحمر، منه احمرت الحمرة، ونور أخضر منه اخضرت الخضرة، ونور أصفر منه اصفرت الصفرة، ونور أبيض منه ابيض البياض، وهو العلم الذي حمله الله الحملة وذلك نور من عظمته، فبعظمته ونوره أبصرت قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة، بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة، فكل محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا، فكل شيء محمول، والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا، والمحيط بهما من شيء وحياة كل شيء ونور كل شيء، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.

قال له: فأخبرني عن الله عز وجل أين هو؟

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : هو هاهنا وهاهنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا وهو قوله: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من

٣٨٦

ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا، فالكرسي محيط بالسماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى، وذلك قوله تعالى: وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم.

فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حملهم الله علمه، وليس يخرج عن هذه الأربعة شيء خلق الله في ملكوته الذي أراه الله أصفياءه وأراه خليلهعليه‌السلام فقال: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين، وكيف يحمل حملة العرش الله، وبحياته حييت قلوبهم، وبنوره اهتدوا إلى معرفته!

- التوحيد للصدوق ص ٢٤٧ من حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام :

قال السائل: فله كيفية؟

قال: لا، لأن الكيفية جهة الصفة والإحاطة، ولكن لابد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه، لأن من نفاه أنكره ورفع ربوبيته وأبطله، ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية، ولكن لابد من إثبات ذات بلا كيفية لا يستحقها غيره، ولا يشارك فيها، ولا يحاط بها، ولا يعلمها غيره.

قال السائل: فيعاني الأشياء بنفسه؟

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : هو أجل من أن يعاني الأشياء بمباشرة ومعالجة، لأن ذلك صفة المخلوق الذي لا تجيء الأشياء له إلا بالمباشرة والمعالجة، وهو تعالى نافذ الإرادة والمشية، فعال لما يشاء.

قال السائل: فله رضى وسخط؟

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : نعم، وليس ذلك على ما يوجد في المخلوقين، وذلك أن الرضا والسخط دَخَالٌ يدخل عليه فينقله من حال إلى حال، وذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى العزيز الرحيم لا حاجة به إلى شيء مما خلق، وخلقه جميعاً محتاجون إليه، وإنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب، اختراعاً وابتداعاً.

٣٨٧

قال السائل فقوله: الرحمن على العرش استوى؟

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : بذلك وصف نفسه، وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملاً له ولا أن يكون العرش حاوياً له، ولا أن العرش محتاز له، ولكنا نقول: هو حامل العرش وممسك العرش، ونقول من ذلك ما قال: وسع كرسيه السموات والأرض، فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته، ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاوياً له، أو يكون عز وجل محتاجاً إلى مكان، أو إلى شيء مما خلق، بل خلقه محتاجون إليه.

قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنه عز وجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش، لأنه جعله معدن الرزق، فثبتنا ما ثبته القرآن والإخبار عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال: إرفعوا أيديكم إلى الله عز وجل، وهذا يجمع عليه فرق الأمة كلها.

- التوحيد للصدوق ص ٣١٥

روى الحديثين المتقدمين في لكافي ثم قال:

استعمل الإستواء في معان: استقرار شيء على شيء، وهذا ممتنع عليه تعالى كما نفاه الإمامعليه‌السلام في أخبار من هذا الباب، لأنه من خواص الجسم. والعناية إلى الشيء ليعمل فيه، وعليه فسر في بعض الأقوال قوله تعالى: ثم استوى إلى السماء. والإستيلاء على الشيء، كقول الشاعر:

فلما علونا واستوينا عليهم

تركناههم صرعى لِنِسْرٍ وكاسرِ

والآية التي نحن فيها فسرت به في بعض الأقوال، وفي الحديث الأول من الباب الخمسين.

والإستقامة، وفسر بها قوله تعالى: فاستوى على سوقه، وهذا قريب من المعنى

٣٨٨

الأول. والإعتدال في شيء وبه، فسر قوله تعالى: ولما بلغ أشده واستوى. والمساواة في النسبة، وهي نفيت في الآيات عن أشياء كثيرة كقوله تعالى: وما يستوي الإحياء ولا الأموات. وفسر الإمامعليه‌السلام الآية بها في هذا الباب، وظاهره مساواة النسبة من حيث المكان، لأنه تعالى في كل مكان وليس في شيء من المكان بمحدود، ولكنه تعالى تساوت نسبته إلى الجميع من جميع الحيثيات، وإنما الإختلاف من قبل حدود الممكنات، ولا تبعد الروايات من حيث الظهور عن هذا المعنى.

حدثنا أبوالحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي قال: حدثنا أحمد بن محمد أبو سعيد النسوي قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي بمرو قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي قال: حدثنا عبد الله بن عاصم قال: حدثنا عبد الرحمن بن قيس، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان الفارسي في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم أرشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فسأله عنها فأجابه، وكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن الرب أين هو وأين كان؟

فقال عليعليه‌السلام : لا يوصف الرب جل جلاله بمكان، هو كما كان، وكان كما هو، لم يكن في مكان، ولم يزل من مكان إلى مكان، ولا أحاط به مكان، بل كان لم يزل بلا حد ولا كيف.

قال: صدقت، فأخبرني عن الرب أفي الدنيا هو أو في الآخرة؟

قال عليعليه‌السلام : لم يزل ربنا قبل الدنيا، ولا يزال أبداً، هو مدبر الدنيا، وعالم بالآخرة، فأما أن تحيط به الدنيا والآخرة فلا، ولكن يعلم ما في الدنيا والآخرة.

قال: صدقت يرحمك الله، ثم قال: أخبرني عن ربك أيحمل أو يحمل؟

فقال عليعليه‌السلام : إن ربنا جل جلاله يحمل ولا يحمل.

٣٨٩

قال النصراني: فكيف ذاك ونحن نجد في الإنجيل (كذا): ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية؟

فقال عليعليه‌السلام : إن الملائكة تحمل العرش، وليس العرش كما تظن كهيئة السرير، ولكنه شيء محدود مخلوق مدبر، وربك عز وجل مالكه، لا أنه عليه ككون الشيء على الشيء. وأمر الملائكة بحمله فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه.

قال النصراني: صدقت رحمك الله.. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في آخر كتاب النبوة....

حدثنا محمد بن علي ماجيلويهرحمه‌الله ، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد ابن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من زعم أن الله عز وجل من شيء أو في شيء أو على شيء فقد أشرك، ثم قال: من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثاً، ومن زعم أنه في شيء فقد زعم أنه محصور، ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولاً.

قال مصنف هذا الكتاب: إن المشبهة تتعلق بقوله عز وجل: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً. ولا حجة لها في ذلك لأنه عز وجل عنى بقوله: ثم استوى على العرش، أي ثم نقل إلى فوق السماوات وهو مستول عليه ومالك له، وقوله عز وجل (ثم) إنما لرفع العرش إلى مكانه الذي هو فيه ونقله للإستواء، فلا يجوز أن يكون معنى قوله استوى استولى لأن استيلاء الله تبارك وتعالى على الملك وعلى الأشياء ليس هو بأمر حادث، بل لم يزل مالكاً لكل شيء ومستولياً على كل شيء، وإنما ذكر عز وجل الإستواء بعد قوله ثم وهو يعني الرفع مجازاً، وهو كقوله: ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين، فذكر (نعلم) مع قوله (حتى) وهو عز وجل يعني حتى يجاهد المجاهدون ونحن نعلم ذلك، لأن حتى لا يقع إلا على فعل حادث، وعلم الله عز وجل بالأشياء لا يكون حادثاً. وكذلك ذكر قوله عز وجل: استوى على

٣٩٠

العرش، بعد قوله (ثم) وهو يعني بذلك ثم رفع العرش لإستيلائه عليه، ولم يعن بذلك الجلوس واعتدال البدن لأن الله لا يجوز أن يكون جسماً ولا ذا بدن، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

- الإقتصاد للشيخ الطوسي ص ٣٧

وقوله: الرحمن على العرش استوى، معناه استولى عليه لما خلقه، كما قال الشاعر:

قد استوى بشرٌ على العراق

من غير سيف ودمٍ مُهْرَاق

وقوله: لما خلقت بيدي، معناه أنه تولى خلقه بنفسه، كما يقول القائل هذا ما عملت يداك، أي أنت فعلته. وقيل: معناه لما خلقت لنعمتي الدينية والدنيوية وقوله: في جنب الله معناه في ذات الله وفي طاعته.

وقوله: والسماوات مطويات بيمينه، أي بقدرته، كما قال الشاعر:

إذا ما رايةٌ رفعت لمجد

تلقاها عَرَابةُ باليمين

وقوله: تجري بأعيننا، أي ونحن عالمون.

ولا يجوز أن يكون تعالى بصفة شيء من الأعراض، لأنه قد ثبت حدوث الأعراض أجمع، فلو كان بصفة شيء من الأعراض لكان محدثاً، وقد بينا قدمه. ولأنه لو كان بصفة شيء من الأعراض لم يخل من أن يكون بصفة ما يحتاج إلى محل أو بصفة ما لا يحتاج إلى المحل كالغني وإرادة القديم تعالى وكراهته، فإن كان بصفة القسم الأول أدى إلى قدم المحال وقد بينا حدوثها، ولو كان بصفة القسم الثاني لاستحال وجوده وقتين كاستحالة ذلك على هذه الأشياء. وأيضاً لو كان بصفة الغني لاستحال وجود الأجسام معه، وذلك باطل....

ولا يجوز أن يكون تعالى في جهة من غير أن يكون شاغلاً لها، لأنه ليس في الفعل ما يدل على أنه في جهة لا بنفسه ولا بواسطة، وقد بينا أنه لا يجوز وصفه بما يدل عليه الفعل لا بنفسه ولا بواسطة.

٣٩١

ولا يجوز عليه تعالى الحاجة، لأن الحاجة لا تجوز إلا على من يجوز عليه المنافع والمضار، والمنافع والمضار لا يجوزان إلا على من تجوز عليه الشهوة والنفار، وهما يستحيلان عليه تعالى. والذي يدل على أنه يستحيل عليه الشهوة والنفار أنه ليس في الفعل لا بنفسه ولا بواسطة ما يدل على كونه مشتهياً ونافراً، وقد بينا أنه لا يجوز إثباته على صفة لا يقتضيها الفعل لا بنفسه ولا بواسطة.

وأيضاً فالشهوة والنفار لا يجوزان إلا على الأجسام، لأن الشهوة تجوز على من إذا أدرك المشتهي صلح عليه جسمه وإذا أدرك ما ينفر عنه فسد عليه جسمه، وهما يقتضيان كون من وجدا فيه جسماً، وقد بينا أنه ليس بجسم، فيجب إذا نفي الشهوة والنفار عنه. وإذا انتفيا عنه انتفت عنه المنافع والمضار، وإذا انتفيا عنه انتفت عنه الحاجة ووجب كونه غنياً، لأن الغني هو الحي الذي ليس بمحتاج.

- تفسير التبيان ج ٤ ص ٣٤

والإستواء على أربعة اقسام: استواء في المقدار، واستواء في المكان، واستواء في الذهاب، واستواء في الإنفاق. والإستواء بمعنى الإستيلاء راجع إلى الإستواء في المكان، لأنه تمكن واقتدار.

- تفسير التبيان ج ٧ ص ١٥٩

الرحمن على العرش استوى، قيل في معناه قولان: أحدهما، أنه استولى عليه، وقد ذكرنا فيما مضى شواهد ذلك. الثاني، قال الحسن: استوى لطفه وتدبيره، وقد ذكرنا ذلك أيضاً فيما مضى وأوردنا شواهده في سورة البقرة، فأما الإستواء بمعنى الجلوس على الشيء فلا يجوز عليه تعالى، لأنه من صفة الأجسام والأجسام كلها محدثة. ويقال: استوى فلان على مال فلان وعلى جميع ملكه أي احتوى عليه، قال الفراء: يقال كان الأمر في بني فلان ثم استوى في بني فلان، أي قصد إليهم وأنشد:

أقول وقد قَطَعْنَ بنا شرورى

ثواني واستويْنَ من النُّجوعِ

أي خرجن وأقبلن.

٣٩٢

- كتاب العين ج ٧ ص ٣٢٦

والمساواة والإستواء واحد، فأما يسوى فإنها نادرة.... ويقال: هما على سوية من الأمر أي: على سواء وتسوية واستواء.

- مفردات الراغب ص ٢٥١

واستوى يقال على وجهين، أحدهما: يسند إليه فاعلان فصاعداً نحو استوى زيد وعمرو في كذا أي تساويا، وقال: لا يستوون عند الله. والثاني أن يقال لاعتدال الشيء في ذاته نحو: ذو مرة فاستوى، وقال: فإذا استويت أنت. لتستووا على ظهوره. فاستوى على سوقه. واستوى فلان على عمالته واستوى أمر فلان.

ومتى عدي بعلى اقتضى معنى الإستيلاء كقوله: الرحمن على العرش استوى، وقيل معناه استوى له ما في السموات وما في الأرض، أي استقام الكل على مراده بتسوية الله تعالى إياه، كقوله: ثم استوى إلى السماء فسواهن. وقيل معناه استوى كل شيء في النسبة إليه فلا شيء أقرب إليه من شيء، إذ كان تعالى ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان.

وإذا عدي بإلى اقتضى معنى الإنتهاء إليه إما بالذات أو بالتدبير، وعلى الثاني قوله: ثم استوى إلى السماء وهي دخان.

معنى العرش والكرسي عند أهل البيتعليهم‌السلام

- الكافي للكليني ج ١ ص ١٣٠

أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فأستأذنته فأذن لي، فدخل فسأله عن الحلال والحرام ثم قال له: أفتقرُّ أن الله محمول؟ فقال أبو الحسنعليه‌السلام : كل محمول للمفعول مضاف، إلى غيره محتاج، والمحمول اسم نقص في اللفظ والحامل فاعل وهو في اللفظ مدحة، وكذلك قول القائل: فوق وتحت وأعلا

٣٩٣

وأسفل، وقد قال الله:وله الأسماء الحسنى فادعوه بها ، ولم يقل في كتبه إنه المحمول، بل قال: إنه الحامل في البر وبالبحر والممسك السماوات والأرض أن تزولا، والمحمول ما سوى الله، ولم يسمع أحد آمن بالله وعظمته قط قال في دعائه: يا محمول!

قال أبوقرة: فإنه قال:ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ، وقال: الذين يحملون العرش.

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : العرش ليس هو الله والعرش اسم علم وقدرة، وعرش فيه كل شيء، ثم أضاف الحمل إلى غيره خلق من خلقه، لأنه استعبد خلقه بحمل عرشه، وهم حملة علمه، وخلقاً يسبحون حول عرشه وهم يعملون بعلمه، وملائكة يكتبون أعمال عباده، واستعبد أهل الأرض بالطواف حول بيته، والله على العرش استوى كما قال، والعرش ومن يحمله ومن حول العرش، الله الحامل لهم الحافظ لهم الممسك القائم على كل نفس وفوق كل شيء وعلى كل شيء، ولا يقال محمول ولا أسفل، قولاً مفرداً لا يوصل بشيء فيفسد اللفظ والمعنى.

قال أبوقرة: فتكذب بالرواية التي جاءت أن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم فيخرون سجداً، فإذا ذهب الغضب خف ورجعوا إلى مواقفهم؟

فقال أبوالحسنعليه‌السلام : أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا هو غضبان عليه فمتى رضي، وهو في صفتك لم يزل غضبان عليه وعلى أوليائه وعلى أتباعه! كيف تجتريء أن تصف ربك بالتغير من حال إلى حال وأنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين! سبحانه وتعالى لم يزل مع الزائلين ولم يتغير مع المتغيرين ولم يتبدل مع المتبدلين، وَمَنْ دونَه يدُه وتدبيره، وكلهم إليه محتاج وهو غني عمن سواه!

محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي ابن

٣٩٤

عبد الله، عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل:وسع كرسيه السماوات والأرض ، فقال: يا فضيل كل شيء في الكرسي، السماوات والأرض وكل شيء في الكرسي.

محمد بن يحيى، عن أحمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل:وسع كرسيه السماوات والأرض ، السماوات والأرض وسعن الكرسي أم الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال: بل الكرسي وسع السماوات والأرض والعرش، وكل شيء وسع الكرسي.

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل:وسع كرسيه السماوات والأرض ، السماوات والأرض وسعن الكرسي أو الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال: إن كل شيء في الكرسي.

- التوحيد للصدوق ص ١٠٨

- حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريسرحمه‌الله ، عن أبيه، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، قال: ذاكرت أبا عبد اللهعليه‌السلام فيما يروون من الرؤية، فقال: الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزء من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب.

- التوحيد للصدوق ص ٣١٩

باب معنى قوله عز وجل: وكان عرشه على الماء.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق؛، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا جذعان بن نصر

٣٩٥

أبونصر الكندي قال: حدثني سهل بن زياد الآدمي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الرحمن بن كثير عن داود الرقي قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوله عز وجل:وكان عرشه على الماء ، فقال لي: ما يقولون في ذلك. قلت: يقولون إن العرش كان على الماء والرب فوقه. فقال: كذبوا، من زعم هذا فقد صير الله محمولاً ووصفه بصفة المخلوقين، ولزمه أن الشيء الذي يحمله أقوى منه! قلت: بين لي جعلت فداك.فقال: إن الله عز وجل حمل علمه ودينه الماء قبل أن تكون أرض أو سماء أو جن أو إنس أو شمس أو قمر، فلما أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم: من ربكم فكان أول من نطق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام والأئمة صلوات الله عليهم، فقالوا: أنت ربنا، فحملهم العلم والدين، ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون، ثم قيل لبني آدم: أقروا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة، فقالوا: نعم ربنا أقررنا، فقال للملائكة: إشهدوا، فقالت الملائكة شهدنا على أن لا يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين، أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون. يا داود ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق.

حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبدالسلام بن صالح الهروي قال: سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام عن قول الله عز وجل: وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، فقال: إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السموات والأرض، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء على الله عز وجل، ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فيعلموا أنه على كل شيء قدير، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السموات السبع، وخلق السموات والأرض في ستة أيام، وهو مستول على عرشه، وكان قادراً على أن يخلقها في طرفة عين، ولكنه عز وجل

٣٩٦

خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئاً بعد شيء، وتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة، ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه، لأنه غني عن العرش وعن جميع ما خلق، لا يوصف بالكون على العرش لأنه ليس بجسم، تعالى الله عن صفة خلقه علواً كبيرا.

وأما قوله عز وجل:ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ، فإنه عز وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا على سبيل الإمتحان والتجربة، لأنه لم يزل عليماً بكل شيء.

فقال المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك.

- التوحيد للصدوق ص ٣٢١

باب العرش وصفاته.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاقرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن قال: حدثني أبي، عن حنان بن سدير قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن العرش والكرسي فقال: إن للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة. فقوله: رب العرش العظيم، يقول: الملك العظيم، وقوله:الرحمن على العرش استوى ، يقول: على الملك احتوى، وهذا ملك لكيفوفية الأشياء.

ثم العرش في الوصل متفرد من الكرسي، لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب، وهما جميعاً غيبان، وهما في الغيب مقرونان، لأن الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الأشياء كلها، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والأين والمشية وصفة الإرادة، وعلم الألفاظ والحركات والترك، وعلم العود والبدء، فهما في العلم بابان مقرونان، لأن ملك العرش سوى ملك الكرسي وعلمه أغيب من علم الكرسي، فمن ذلك قال: رب العرش العظيم، أي صفته أعظم من صفة الكرسي، وهما في ذلك مقرونان.

٣٩٧

قلت: جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي؟

قال: إنه صار جاره لأن علم الكيفوفية فيه، وفيه الظاهر من أبواب البداء وأينيتها وحد رتقها وفتقها، فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف وبمثل صرف العلماء (كذا) وليستدلوا على صدق دعواهما لأنه يختص برحمته من يشاء وهو القوي العزيز.

فمن اختلاف صفات العرش أنه قال تبارك وتعالى: رب العرش عما يصفون، وهو وصف عرش الوحدانية لأن قوماً أشركوا كما قلت لك، قال تبارك وتعالى: رب العرش، رب الواحدانية عما يصفون. وقوماً وصفوه بيدين فقالوا: يد الله مغلولة. وقوماً وصفوه بالرجلين فقالوا: وضع رجله على صخرة بيت المقدس فمنها ارتقى إلى السماء. وقوماً وصفوه بالأنامل فقالوا: إن محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إني وجدت برد أنامله على قلبي!

فلمثل هذه الصفات قال: رب العرش عما يصفون، يقول رب المثل الأعلى عما به مثلوه، ولله المثل الأعلى الذي لا يشبهه شيء ولا يوصف ولا يتوهم، فذلك المثل الأعلى، ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بأدنى الأمثال وشبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به، فلذلك قال: وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً، فليس له شبه ولا مثل ولا عدل، وله الأسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره، وهي التي وصفها في الكتاب فقال: فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه، جهلاً بغير علم، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم، ويكفر به وهو يظن أنه يحسن، فلذلك قال: وما يومن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون، فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها.

يا حنان إن الله تبارك وتعالى أمر أن يتخذ قوم أولياء، فهم الذين أعطاهم الله الفضل وخصهم بما لم يخص به غيرهم، فأرسل محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله فكان الدليل على الله بإذن الله عز وجل، حتى مضى دليلاً هادياً، فقام من بعده وصيهعليه‌السلام دليلاً هادياً على ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر علمه، ثم الأئمة الراشدونعليهم‌السلام .

٣٩٨

- التوحيد للصدوق ص ٣٢٤

باب أن العرش خلق أرباعاً.

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسينعليهم‌السلام قال: إن الله عز وجل خلق العرش أرباعاً، لم يخلق قبله إلا ثلاثة أشياء: الهواء والقلم والنور، ثم خلقه من أنوار مختلفة: فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور أحمر احمرت منه الحمرة، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار، ثم جعله سبعين ألف طبق، غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين، ليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمد ربه ويقدسه بأصوات مختلفة وألسنة غير مشتبهة، ولو أذن للسانٍ منها فأسمع شيئاً مما تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون، ولخسف البحار ولأهلك ما دونه.

له ثمانية أركان على كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصى عددهم إلا الله عز وجل، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولو أحس شيء مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين. بينه وبين الإحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة ثم العلم، وليس وراء هذا مقال.

حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل:وسع كرسيه السموات والأرض فقال: السماوات والأرض وما بينهما في الكرسي، والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره.

- أخبار مكة للازرقي ج ١ ص ٥٠

عن أبي الطفيل قال: شهدت علياًرضي‌الله‌عنه وهو يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به. وسلوني عن كتاب الله فوالله

٣٩٩

ما منه آية إلا وأنا أعلم أنها بليل نزلت أم بنهار، أم بسهل نزلت أم بجبل. فقام ابن الكواء وأنا بينه وبين عليرضي‌الله‌عنه وهو خلفي قال: أفرأيت البيت المعمور ما هو قال: ذاك الضراح فوق سبع سموات، تحت العرش، يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة.

تفسير إخواننا الموافق لمذهبنا

- تفسير البيضاوي ج ٣ ص ١٢

ثم استوى على العرش: استوى أمره أو استولى، وعن أصحابنا أن الإستواء على العرش صفة لله بلا كيف، والمعنى: أن له تعالى استواء على العرض على الوجه الذي عناه، منزهاً عن الإستقرار والتمكن.

والعرش الجسم المحيط بسائر الأجسام، سمي به لإرتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك، فإن الأمور والتدابير تنزل منه، وقيل الملك.

- سير أعلام النبلاء ج ٢٠ ص ٨٧

قال أبو موسى المديني: سألت إسماعيل يوماً (إسماعيل بن محمد الحافظ): أليس قد روي عن ابن عباس في قوله استوى، قعد قال: نعم. قلت له: إسحاق بن راهويه يقول: إنما يوصف بالقعود من يمل القيام. قال: لا أدري أيش يقول إسحاق.

وسمعته يقول: أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة، ولا يطعن عليه بذلك، بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب.

قال أبوموسى: أشار بهذا إلى أنه قل إمام إلا وله زلة، فإذا ترك لأجل زلته، ترك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل.

- إرشاد الساري ج ٣ ص ٢٤

إضافة الظل إليه سبحانه وتعالى إضافة تشريف.... والله تعالى منزه عن الظل لأنه من خواص الأجسام، فالمراد ظل عرشه، كما في حديث سلمان.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434