العقائد الإسلامية الجزء ٢

العقائد الإسلامية9%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 434

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 231755 / تحميل: 6014
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

الابتعاد عن إيذاء المؤمنين

يقول الحسين بن أبي العلاء: كنَّا في نحو عشرين نفراً عزمنا على الحَجِّ إلى بيت الله الحرام في مصاريف مُشتركة. وكنت أذبح لهم شاة في كل منزل ننزل فيه. وفي يوم، ونحن في السفر، زرت الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال لي: (يا حسين، أُتذلُّ المؤمنين؟!).

قلت: أعوذ بالله مِن ذلك.

فقال (عليه السلام): (بلغني أنَّك تذبح لهم في كلِّ منزل شاةً).

فقلت: يا مولاي، والله ما أردت بذلك غير وجه الله تعالى.

فقال (عليه السلام): (أما كنت ترى أنَّ فيهم مَن يُحبُّ أنْ يفعل مثل أفعالك فلا يبلغ مقدرته ذلك، فيتقاصر إليه نفسه؟!).

قلت: يا ابن رسول الله، أستغفر الله ولا أعود.

لم يكن الحسين بن العلاء يرى مِن عمله سوى قرى رفاق سفره، دون أنْ ينتبه لما في ذلك في تحقير للآخرين، فبيَّن له الإمام الصادق عيبه الأخلاقي، فتنبَّه الرجل إلى ذلك فوراً، ولم يعد لمثله (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٢١

اتَّق الله ولا تَعجل

عن جرير بن مرزام قال:

قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): إنِّي أُريد العُمرة، فأوصني.

قال: (اتَّق الله ولا تَعجل).

فقلت: أوصني. فلم يزد على هذا.

إنَّ العجلة والتسرُّع كانا واضحين في أُسلوب تفكيره، فهو في أول منزل مِن منازل سفره يُصادف مجهولاً ويسمع منه ما لا يُحبُّ أن يسمع. وبدلاً مِن أنْ يُناقش الرجل ويُصحِّح له خطأه، يُقرِّر مُنازلته وقتله، ولكنَّه يلتزم وصية الإمام الصادق (عليه السلام) ويُمسك نفسه عن تنفيذ قراره.

كان مُعلِّم الأخلاق الإسلاميَّة يعرف عيب جرير الخلقي، فاستثمر فرصة طلبه النصح فأوصاه بعدم التسرّع الذي كان مِن أهمِّ عُيوبه، وبذلك نجَّاه مِن خطر السقوط.

٣٢٢

الإسراف مذموم

كان منصور بن عمّار مارَّاً قرب بيت قاضي بغداد، وكان باب البيت مفتوح، فوقف منصور أمام الباب وأخذ ينظر إلى داخل البيت واسع وضخم، ولفت نظره الغرف المفروشة والأواني الفاخرة، وتعدُّد الغُلمان والخُدَّام، وتعجَّب مِن هذه الزخارف والزينة.

طلب منصور ماءً للوضوء، فملأ أحد الغُلمان إبريقاً كبيراً وجاء به إليه، وعندما جلس ليتوضَّأ أراق ماء الإبريق كلَّه، وشاهده قاضي بغداد فقال له:

يا منصور، لماذا هذا الإسراف في الماء؟

أجاب منصور: أيَّها القاضي، أنت تُحاسبي في الماء المُباح للوضوء، ولا تُحاسب نفسك على هذا الإسراف العجيب في البناء!

والله يعلم مِن أين جاءتك هذه الأموال، ولم تكتف بمنزل صغير وخادم؟!

لماذا كلُّ هذا الإسراف وتحمُّل المعصية؟!

انتبه قاضي بغداد مِن غفلته بسبب كلام منصور، واعتدل بعد ذلك في صرف الأموال (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٢٣

الشيطان لن ينصح مُسلماً

هناك حديث مرويٌّ عن الإمام الصادق (عليه السلام) يدور حوله حوار يجري بين النبي يَحيى (عليه السلام)، وإبليس العدوِّ اللدود لبني آدم، فيُمعن النبيُّ يحيى (عليه السلام) النظر في أقوال إبليس ويستفيد منها.

قال يحيى: (فهل ظفرت بيَ ساعة قطُّ؟).

قال: لا، ولكنْ فيك خِصلة تُعجبني.

قال يحيى: (فما هي؟).

قال: أنت رجل أكول، فإذا أفطرت أكلت وبشمت، فيمنعك ذلك مِن صلاتك وقيامك بالليل.

قال يحيى: (فإنِّي أُعطي الله بهذا (عهداً) أنِّي لا أشبع مِن الطعام حتَّى ألقاه).

قال له إبليس: وإنِّي أُعطي الله عهداً أنِّي لا أنصح مسلماً حتَّى ألقاه (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٢٤

لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ

أرسل الخليفة العباسي عبد الله بن طاهر والياً على خراسان، فدخل هذا بجنوده مدينة نيسابور، واستقرَّ بهم في المواضع المُخصَّصة لهم، إلا أنَّها لم تتَّسع لهم جميعاً، فوزَّع بعض جنوده على الأهالي وأجبرهم على استضافتهم، فأثار فيهم موجة مِن السخط والتذمُّر.

واتَّفق لأحد الجنود أنْ يسُكن مع رجل غيور زوجته جميلة، فاضطرَّ الرجل إلى أنْ يترك عمله ليبقى في البيت رقيباً لئلا تتعرَّض زوجه لاعتداء مِن الجنديِّ الشابِّ.

في أحد الأيَّام طلب الجندي من صاحب البيت أنْ يأخذ فرسه ليورده الماء غير أنَّ الرجل الذي لم يكن - مِن جِهة - يجرؤ على ترك زوجه مع الجنديِّ وحدهما في البيت، ويخاف - مِن جِهة أُخرى - رفض طلب الجندي، قال لزوجه أنْ تأخذ هي الفرس إلى الماء، ويبقى هو للمُحافظة على أثاث البيت، فأخذت الزوجة بزمام الفرس واتَّجهت نحو موضع الماء.

وفي تلك اللحظة اتَّفق أنْ مَرَّ عبد الله بن طاهر مِن ذلك المكان، فرأى امرأة وقوراً جميلة تقود فرساً نحو الماء، فعُجب مِن ذلك، واستدعى المرأة وقال لها: لا أراك مِن اللواتي يوردن الخيل، فما الذي دعاك إلى هذا؟!

قالت المرأة بغضب: هذا نتيجة عمل عبد الله بن طاهر الظالم، ثمَّ شرحت له الأمر.

تأثَّر عبد الله مِن قول المرأة وغَضب على نفسه؛ لأنَّه كان سبباً في أنْ يَشعر أهل نيسابور بالتعاسة والشقاء، فأمر المُنادين أنْ ينادوا في البلدة أنْ على جميع الجنود الخروج مِن المدينة حتَّى الغروب مِن ذلك اليوم، ومَن بات منهم في المدينة يُهدر

٣٢٥

ماله ودمه.

وترك هو المدينة إلى (شادياخ) القريبة مِن نيسابور حيث لحق به جنوده، فبنى في تلك المنطقة الواسعة لنفسه قصراً ولجنوده مقرَّات يسكنونها.

هذه المرأة التي كانت حياتها عُرضة للخطر ذكرت عبد الله بن طاهر بالسوء، فكان مِن أثر هذا الكلام والذَّمِّ الموجع أنْ حلَّ العُقدة ورفع الظلم، لا عن نفسها وزوجها فحسب، بلْ إنَّه قد أنقذ سائر الناس مِن التعسُّف والجور، وَوُضِع حَدٌّ للحالة المُزرية التي مَرَّت بها مدينة نيسابور.

وهذا هو مصداق الآية القرآنيَّة: ( لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ... ) (النساء: 148) (1) .

____________________

(1) الأخلاق، ج1.

٣٢٦

اللَّهمَّ إنِّي أمسيت عنه راضياً فارضَ عنه

ومثلما يسعى الناس بدافع مِمَّا فيهم مِن أنانيَّة ورغبة في الحياة، إلى مُعالجة أمراضهم الجسميَّة، ويبحثون عن الدواء والعلاج، كذلك يسعى الذين يتمسَّكون بالحياة الإنسانيَّة والمعنويَّة بدافع مِن حُبِّ الذات وعِشق السموِّ والكمال، مِن أجل إصلاح أفكارهم وأخلاقهم، ويُباشرون بإرادة قويَّة بمُعالجة أنفسهم، فيقومون بواجباتهم، دون أنْ يُبالوا بالمشقَّات والصعاب. هؤلاء يستطيعون تزكية أنفسهم بما يبذلونه مِن سَعي وجُهد، ويتخلَّقون بمكارم الأخلاق والسجايا الإنسانيَّة، ليبلغوا في النهاية الكمال اللائق بمقام الإنسان.

أمثال هؤلاء كثيرون بين المسلمين، مُنذ عهد الرسول حتَّى العصر الحاضر، مِن الرجال والنساء مِن ذوي الإرادة القويَّة والعزم الراسخ، وعلى الرغم مِن أنْ أكثريَّة هؤلاء مجهلون، إلاَّ أنَّ التاريخ احتفظ لنا ببعض الأسماء، وفيها اسم عبد الله ذي البِجادَين.

كان عبد الله مِن قبيلة (هزينة) وكان اسمه عبد العُزَّى - والعُزَّى هو أحد أصنام عرب الجاهليَّة - مات أبوه وهو صغير، فكفله عَمُّه العابد للأصنام فعَني به وربَّاه حتَّى بلغ سِنَّ الشباب، فوهب له بعض أمواله وأغنامه. يومئذ كان الإسلام قد بدأ يُثير الحماس والتحرُّك في الناس، وكان كلام يدور في كلِّ مكان على هذا الدين الجديد، فكان أنْ أخذ عبد العُزَّى الشابّ يبحث عن حقيقة أمر هذا الدين بكلِّ حَماس وعِشق، مُتابعاً جميع الشؤون الإسلاميَّة، وعلى أثر سماعه كلام نبيِّ الإسلام والتعرُّف على التعاليم الإلهيَّة، أدرك فساد المُعتقدات التي كان هو وقبيلته يتَّبعونه، فعافت نفسه الأصنام وعبادتها والعادات الجاهليَّة، وآمن في قلبه بدين الله ولكنَّه لم يُظهر ذلك علانيَّة رعاية لعَمِّه.

٣٢٧

ظلَّت الحال على هذا المنوال بعض الوقت. وبعد فتح مَكَّة قال يوماً لعمِّه: ظللت أنتظرك طويلاً أنْ تعود إلى نفسك فتُسلِم وأُسلم معك، ولكنِّي أراك لا تُريد أنْ تترك عبادة الأصنام، وما تزال تُصرُّ على دينك الباطل، فاسمح لي أنْ أعتنق أنا الإسلام وألتحق بركب المسلمين. كان عَمُّه قد طرق سمعه مِن قِبل ميول ابن أخيه إلى الإسلام؛ لذلك غضب عند سماع كلامه غضباً شديداً، وقال: إنَّه لن يسمح له أبداً بذلك، وأقسم أنَّه إذا خالفه واعتنق الإسلام فسوف يسترجع منه كلَّ ما كان قد وهبه له.

كان الرجل يظنُّ أنَّ ابن أخيه الشابَّ سوف يرجع عن رأيه في الإسلام إذا هدَّده بانتزاع كلِّ شيء منه، وأنَّه سوف يطرد فكرة اعتناق الإسلام مِن رأسه، ويبقى عاكفاً على عبادة الأصنام. ولكنَّ الشابَّ كان مسلماً حقيقيَّاً، لا يُمكن أنْ تتزلزل عقيدته بالتهديد والوعيد، ولا أنْ يرجع عمَّا عزم عليه، فأعلن إسلامه بكلِّ جُرأة وصراحة، ولم يعبأ بالتهديدات الماليَّة.

عند ذلك لم يجد العمُّ إزاء مقالة الشابِّ إلاّ أنْ يُنفِّذ تهديده، فاسترجع منه كلَّ الأموال التي كان قد أعطاها له، ونزع عنه حتَّى الثوب الذي كان يرتديه، فانطلق الشابُّ عارياً إلى أُمِّه وقال لها: أحمل هوى الإسلام، ولا أطلب منك سوى إكساء العُريان. فأعطته أُمُّه قطعة مِن قماش كتَّان عندها، فشقَّها نِصفين كسا عُريِّه بهما واتَّخذ سبيله في الطريق إلى المدينة للتشرّف برؤية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

كان الفتى قد فُتِن بالحقيقة التي اكتشفها، فامتلأ قلبه بالثورة والحماس، والطهارة والخلوص، والصدق والصفاء. كان يغذُّ السير، كطائر أُطلق مِن سجنه وأصبح حُرَّاً يُحلِّق حيث يشاء، يُريد أنْ يرى رسول الإسلام بأسرع ما يستطيع؛ ليعُبَّ مِن عذب نمير تعاليمه الإلهيَّة المُحيية؛ ليصنع نفسه كما يليق به، ولينال السعادة الحقيقية والكمال الإنسانيِّ المنشود.

دخل المسجد بين الطلوعين عندما كان المسلمون قد اجتمعوا لأداء فريضة

٣٢٨

صلاة الصبح، فأدَّاها جماعة معهم بإمامة رسول الله. وبعد الصلاة استدعاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسأله عمَّن يكون، فقال له: اسمي عبد العُزَّى.

ثمَّ سرد عليه ما جرى له. فقال الرسول: (اسمك عبد الله).

وإذ رآه يلفُّ نفسه بتينك القطعتين مِن القماش لقَّبه بذي البِجادَين. ومُنذ ذلك اليوم عرفه الناس باسم عبد الله ذي البِجادَين.

وخرج عبد الله ذو البِجادَين مع المسلمين في حرب تبوك مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوفَّاه الله في هذه الغزوة. وعند دفنه قام النبي بنفسه بإنزال جسده إلى القبر. وبعد الانتهاء مِن مراسم الدفن، اتَّجه إلى القبلة، ورفع يديه نحو السماء ودعا له قائلاً: (اللَّهمَّ، إنِّي أمسيت عنه راضياً فارضَ عنه).

٣٢٩

التضرُّع إلى الله وأسباب الانتصار

في إحدى الحروب الإسلاميَّة حاصر جُند الإسلام إحدى قِلاع العدوِّ، بهدف الاستيلاء عليها بالقوَّة العسكريَّة، غير أنَّ القلعة كانت حصينة وطالت أيَّام الحصار. وعلى الرغم مِن أنَّ جُند الإسلام بذلوا خلال تلك المُدَّة جهوداً جبَّارة ومساعي حميدة؛ فإنَّهم لم ينجحوا في اقتحام الحِصن، فأخذت معنويَّات الجيش تهبط شيئاً فشيئاً، ويضعف عزمهم على الاستمرار .

وإذ وجد قائد الجيش أنَّ انتصاره في تلك الظروف مُستبعَد جِدَّاً، توجَّه إلى الله تعالى واستعاذ به مِن ذِلِّ النكوص فصام أيَّاماً، ورفع يديه بالدعاء إلى الله مُخلصاً صادقاً، طالباً الانتصار على العدوِّ، فتقبَّل الله تعالى دعواته، وسُرعان ما استجاب له .

كان القائد في أحد الأيَّام جالساً، فشاهد كلباً أسود يركض بين المُعسكر فشدَّ ذلك انتباهه وراح يُدقِّق فيه. وبعد ساعات وجد الكلب نفسه على حائط القلعة، فأدرك أنَّ للقلعة طريقاً إلى الخارج، وأنَّ الكلب يأتي مِن القلعة إلى المُعسكر بحثاً عن طعام ويعود إليه. فكلَّف بعض الجُند بتقصِّي مسير الكلب لمعرفة الطريق الذي يسلكه، ولكنَّهم لم يوفَّقوا للعثور على الطريق. فأمر بجراب أنْ يلوَّث بالسمن لإغراء الكلب به، ويملأ بالدفن ويُثقب في عِدَّة مواضع لينساب منه الحَبُّ فيما يجرُّ الكلب الجراب إلى حيث يُريد. ففعلوا ما أمر به، وألقوا بالجراب في المُعسكر في طريق الكلب .

وفي اليوم التالي خرج الكلب مِن القلعة مُتَّجهاً إلى المُعسكر حتَّى وصل إلى الجراب المدهون، فعضَّ عليه بأسنانه وكَرَّ راجعاً إلى القلعة، مُخلِّفاً وراءه حبَّات الدفن التي كانت تسقط مِن ثقوب الجراب. وبعد ساعة تتبَّع الجُند آثار الدفن على الأرض حتَّى وصلوا في النهاية إلى نقب كبير كان

٣٣٠

يسمح بالدخول إلى القلعة بيُسر وسهولة. فعيَّن القائد موعداً لجنده فاجتازوا النقب إلى داخل القلعة، وهاجموا العدوَّ الذي لم يجد بُدَّاً مِن الاستسلام، وانتهى الحصار بانتصار الإسلام .

لقد كان هذا الكلب دائم التردُّد على المُعسكر، ولكنَّ أحداً مِن الضباط والجنود لم يلتفت إليه؛ لأنَّ أحداً منهم لم يخطر له أنْ يكون هذا الحيوان سبباً لفتح القلعة ولانتصار المسلمين، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى عندما استجاب دعوة القائد، أوقع في قلبه أنْ يتنبَّه إلى الكلب كسبب مِن أسباب الانتصار، وبذلك أخرج المسلمين مِن مُشكلتهم الكُبرى، وفتح أمامهم باب الظفر، وأنقذهم مِن ذِلِّ الهزيمة والانكسار (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣١

يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ

إنَّ الله تعالى قد يشاء أنْ يصون المؤمنين مِن الأخطار والبلايا، بطُرق خارقة للعادة عن طريق إزالة العِلَّة التي تتهدَّدهم بالخطر، ومِن ذلك صيانة خليل الرحمان مِن الاحتراق بنيران عَبدة الأصنام .

لقد حطَّم النبي إبراهيم (عليه السلام) أصنام المُشركين، فأثار غضبهم، فقرَّروا أنْ يُحرقوه دفاعاً عن أصنامهم، فأوقدوا ناراً عظيمة وألقوا به فيها .

في مثل هذه الحالة لم يكن أمام إبراهيم الخليل مفرٌّ مِن الاحتراق في تلك النيران ليستحيل رماداً، ولكنَّ الله لم يُرِدْ له ذلك، بلْ أراد أنْ يصونه مِن نيرانهم، فقال للنار: ( ... يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (الأنبياء: 69 ).

فانقلبت النار المُحرقة برداً وسلاماً عليه بمشية الله تعالى الخاصَّة، وتبدَّل ذلك السعير المُلتهب إلى جوٍّ مِن السلامة خالٍ مِن كلِّ خطرٍ، وانهارت خُطَّة المُشركين في إحراق نبيِّ الله، وظلَّ سليماً في حفظ الله وصيانته (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٢

لا يَخرج الرجل عن مَسقط رأسه بالدَّين

إنَّ محمد بن أبي عمير كان رجلاً بزَّازاً فذهب ماله وافتقر، وكان له على رجل عشرة آلاف درهم، فباع داراً له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم، وحمل المال إلى بابه، فخرج إليه محمد بن أبي عمير فقال: ما هذا؟

قال: هذا مالك الذي عليَّ .

قال: ورثته؟

قال: لا .

قال: وهِبَ لك؟

قال: لا .

قال: فهل هو ثمن ضيعة بعتها؟

قال: لا .

قال: فما هو؟

قال: بعت داري التي أسكنها لأقضي دَيني .

فقال محمد بن أبي عمير: حدَّثني ذريح المُحاربي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا يخرج الرجل عن مَسقط رأسه بالدَّين) (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٣

أذلُّ الناس مَن أهان الناس

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (أذلُّ الناس مَن أهان الناس ).

روي أنَّ عمر بن عبد العزيز دخل إليه رجل، فذكر عنده عن رجلٍ شيئاً .

فقال عمر: إنْ شئتَ نظرنا في أمرك، فإنْ كنت كاذباً فأنت مِن أهل هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) (الحجرات: 6)، وإنْ كنت صادقاً فأنت مِن أهل هذه الآية: ( هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ ) (القلم: 11)، وإنْ شئتَ عَفونا عنك؟

فقال: العفو، لا أعود إلى مثل ذلك أبداً (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٤

البادئ أظلم

كان مُعاوية بن أبي سفيان مِن بني أُميَّّة، وعقيل مِن بني هاشم، وكان آل هاشم سادات قريش، مُكرَّمين ومُحترمين، بينما كان آل أُميَّة يشعرون قِبالهم بالصِّغار والضِّعة، فكان ذلك مُدعاة لحِقدهم على آل هاشم، والسعي لمُعاداتهم والانتقام منهم .

كان مجلس مُعاوية في الشام يوماً مُكتظَّاً بالحاضرين، ومنهم عقيل، فأراد مُعاوية أنْ ينتهز الفرصة لينتقص منه، فالتفت إلى الحاضرين وسألهم، أتدرون مَن أبو لهب؟ الذي قال عنه القرآن: ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ... ) (المسد: 1) إنَّه عَمُّ عقيل هذا .

فبادر عقيل قائلاً: أتدرون مَن كانت زوج أبي لهب؟ التي قال عنها القرآن: ( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ) (المسد: 4 - 5) إنَّها عَمَّة مُعاوية هذا .

كان مُعاوية يومئذ في أوج سُلطانه وفي يده أزمَّة الأُمور في البلاد الإسلاميَّة الشاسعة، فلم يكن أحد ليجرؤ على إهانته، ولكنَّه بكلامه المُهين الذي قاله في عقيل، مزَّق ستار الاحترام عن نفسه وجرَّأ عقيلاً على أنْ يُكلِّمه بغِلظة، وأنْ يردَّ إهانته بمِثلها ويُحقِّره أمام الحاضرين (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٥

لعنة الله على الظالمين

كان الحَكم مِن ألدِّ أعداء الإسلام، وساهم مع مُشركي مَكَّة في إيذاء الرسول والمسلمين، وبعد هِجرة الرسول إلى المدينة، ظلَّ الحَكم في صفوف أعداء الإسلام ولم يترك إيذاء المسلمين، وعندما فتح جُند الإسلام مَكَّة تظاهر باعتناق الإسلام، وترك مَكَّة إلى المدينة، ولكنَّه لم يكفَّ هناك عن أعماله القبيحة، فاضطرَّ الرسول إلى نفيه إلى الطائف حيث ظلَّ حتَّى حُكم عثمان .

بعد موت يزيد بن مُعاوية، تسلَّم مروان بن الحَكم كرسيَّ الخلافة في الشام، وراح يدير شؤون البلاد، غير أنَّ أهل مَكَّة والمدينة لم يُبايعوه؛ لأنَّهم كانوا قد بايعوا عبد الله بن الزبير بالخلافة على نجد والحِجاز .

وبعد موت مروان خَلَفه ابنه عبد الملك، فصمَّم هذا على القضاء علىخلافة عبد الله بن الزبير عن طريق الحرب؛ ليبسط سُلطانه على تلك البلاد أيضاً، فأرسل الحَجَّاج بن يوسف على رأس جيش إلى مَكَّة، حيث اندلعت حرب ضَروس، انتصر فيها الحَجَّاج، وقتل عبد الله بن الزبير، ودخلت منطقة نجد والحِجاز الواسعة في مُلك عبد الملك القويِّ .

كان لعبد الله بن الزبير ولد اسمه ثابت اشتهر بالخطابة، حتَّى سمَّوه بلسان آل الزبير، وفي أحد الأيَّام دخل ثابت على عبد الملك، خليفة بني مروان المُقتدر مبعوثاً مِن قبل شخصٍ ما. فبادر عبد الملك إلى تحقيره وذكر مثالب آل الزبير، وقال له: إنَّ أباك كان يعرفك يوم سبَّك وشتمك .

فغضب ثابت مِن كلامه، وقال له: يا خليفة، أتدري لِمَ كان أبي يسبُّني؟

قال: كلا .

قال ثابت: لأنِّي كنت أنصحه بألاَّ يدخل الحرب اعتماداً على مُساندة أهل مَكَّة؛ لأنَّ الله لا ينصر بهم أحد؛ ولأنَّ أهل مَكَّة هُمْ الذين آذوا الرسول وأخرجوه منها،

٣٣٦

ثمَّ جاؤوا إلى المدينة واستمرُّوا في فسادهم وقبيح أعمالهم، حتَّى نفاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منها عقاباً لهم .

كان هذا تعريفاً مِن ثابت بن عبد الله بالحَكم بن أبي العاص، جَدِّ عبد الملك قصد به رَدَّ إهانته والانتقام منه لما تفوّه به عنه، فغضب عبد الملك، وقال: لعنة الله عليك .

فردَّ ثابت في الحال: لعنة الله على الظالمين، كما لعنهم الله في القرآن الكريم .

وكان هذا تعريفاً آخر بعبد الملك، فاشتدَّ غضبه وأمر بسجن ثابت .

عبد الملك بن مروان، الخليفة القويُّ المُقتدر، بذكره مثالب ثابت بن عبد الله عرَّض نفسه لإهانته وتحقيره، وبلعنه زاد مِن جُرأة ثابت على رَدِّ اللعنة، وإنْ كان مِن دون تصريح، وبسجنه دلَّ على ضعفه وكَشف عن عجزه، وكأنَّه في الحقيقة قد اعترف بهزيمته (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٧

ما كان أحسن ترتيبه لنفسه ولصاحبه

كان ليزيد بن أبي مسلم مقامٌ رفيعٌ في حكومة الحَجَّاج، إذ كان كاتبه الخاصَّ، ولكنَّه كان يتدخَّل في كلِّ أمر. وفي أيَّام خلافة سليمان بن عبد الملك طُرِد مِن وظيفته وأصبح غير مرغوب فيه .

وفي يوم مِن الأيَّام أُدخل على سليمان بن عبد الملك وهو مُكبَّل بالحديد، فلمَّا رآه ازدراه، فقال :

ما رأيت كاليوم قطُّ. لعنَ الله رجلاً أجرك رَسنه وحَكَّمك في أمره .

فقال له يزيد: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإنَّك رأيتني والأمر عنِّي مُدبر، وعليك مُقبل، ولو رأيتني والأمر مُقبل عليَّ لأستعظمت منِّي ما استصغرت، ولأستجللت منِّي ما استحقرت .

قال: صدقت، فاجلِس، لا أُمَّ لك .

فلمَّا استقرَّ به المجلس، قال سليمان: عزمت عليك لتُخبرني عن الحَجَّاج، ما ظنُّك به؟ أتراه يهوي في جهنَّم، أمْ قد استقرَّ فيها؟

قال: يا أمير المؤمنين، لا تقلُ هذا في الحَجَّاج، فقد بذل لكم نصَفه وأحقن دونكم دمه، وأمَّن وليكم، وأخاف عدوَّكم، وإنَّ يوم القيامة لعن يمين أبيك عبد الملك ويسار أخيك الوليد، فاجعله حيث شئت .

فصاح سليمان: أُخرج عنِّي إلى لعنة الله .

ثمَّ التفت إلى جلسائه فقال: قبَّحه الله! ما كان أحسن ترتيبه لنفسه ولصاحبه، ولقد أحسن المُكافأة، خلُّوا سبيله (1 ) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٨

لا تذيعَنَّ شيئاً على أخيك تَهدم به مروَّته

محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الأوَّل (عليه السلام)، قال :

قلت له: الرجل مِن إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه، فأسأله ذلك فيُنكره، وقد أخبرني قوم ثقات .

قال لي: (يا محمد، كَذِّب سمعك وبصرك على أخيك، فإنْ شهد عندك قَسَّامة قالوا لك قولاً فصدِّقه وكذِّبهم، ولا تُذيعن عليه شيئاً تُشينه به وتهدم به مروَّته، فتكون مِن الذين قال الله تعالى فيهم: ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ... ) ) (النور: 19) (1) .

____________________

( 1) الأخلاق، ج1 .

٣٣٩

مُروءة قائدٍ

كان إسماعيل بن أحمد الساماني يحكُم بلاد ما وراء النهر، فعزم عمرو بن الليث الصفاري على أنْ يُحاربه، ويُخرجه مِن ما وراء النهر، ويضمَّ أرضه إلى أرض بلدته التي يحكمها، فجهَّز جيشاً كبيراً في نيسابور، ثمَّ انطلق نحو بلخ، فبعث إليه إسماعيل بن أحمد برسالة قائلاً:

إنَّك تحكم أرضاً واسعة بينما لا أحكم أنا إلاَّ على منطقة صغيرة مِن ما وراء النهر، فاقنع بما عندك واترك لي ما عندي. ولكن عمرو بن الليث لم يلتفت إلى قوله، وواصل سيره وعبر نهر جيحون وطوى المنازل حتَّى بلغ بلخ.

هناك اختار مكاناً لجيشه، حيث حفر الخنادق وأعدَّ المراصد وقضى بضعة أيَّام يتهيَّأ للقتال، بينما ظلَّت فرق جيشه تتوافد وتستقرُّ في المكان المُخصَّص لها.

أمَّا قوَّاد إسماعيل بن أحمد وحاشيته، الذين كانوا قد سمعوا بشجاعة عمرو بن الليث، فعندما شاهدوا كثرة جنوده المُدجَّجين بالسلاح ارتعبوا وتشاوروا فيما بينهم قائلين: إنَّنا إنْ دخلنا الحرب مع عمرو وجنوده الأشدَّاء فإمَّا أنْ نُقتل عن آخرنا، وإمَّا أنْ نولِّي الأدبار عندما يَحمى وطيس الحرب ونرضى بذِلِّ الفرار، وكلا هذين الأمرين ليس فيهما عقل ولا صلاح، فمِن الخير - إذنْ - أنْ نغتنم الفرصة فنتقرَّب إليه ونطلب منه الأمان قبل أنْ تقع الهزيمة المُحتَّمة فهو رجل عاقل وقويٌّ، ولا يُنتظر منه أنْ تشوَّه سمعته بقتل هذا وذاك وهو سلاح العجزة والحَمقى.

فقال أحد الحاضرين: هذا كلام معقول ونصحُ شفوق فلا بُدَّ مِن العمل به.

فتقرَّر أنْ يجتمعوا في ليلة مُعيَّنة؛ لينفذُّوا ما عزموا عليه، وفي الليلة المُعيَّنة اجتمعوا وكتب كلٌّ منهم رسالة إلى عمرو يَعرضون عليه إخلاصهم ووفاءهم له طالبين منه الأمان، ووصلت الرسائل إلى يد عمرو، فقرأها واطّلع على مضامينها، ووضعها في خُرجه وختمه بختمه وأرسل إليهم بالأمان الذي طلبوه.

ودارت رَحى الحرب وانتصر إسماعيل بن أحمد بخلاف ما كان قوَّاده يتوقَّعون،

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

- إرشاد الساري ج ١٠ ص ٤٢٠

قوله تعالى:ثم استوى على العرش ، وتفسير العرش بالسرير والإستواء بالإستقرار كما يقول المشبه باطل، لأنه تعالى كان قبل العرش ولا مكان، وهو الآن كما كان، والتغير من صفات الأكوان.

- الجواهر الحسان للثعالبي ج ٢ ص ١٧٩

قوله سبحانه:ثم استوى على العرش ، إنه سبحانه مستوى على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده، استواء منزهاً عن المماسة والإستقرار والتمكن والحلول والإنتقال.

- نهاية الإرب للنويري ج ١ ص ٣٢

روي أن أبا ذر قال يا رسول الله (ص) أي آية أنزلت عليك أعظم؟ قال: آية الكرسي، ثم قال: يا أبا ذر أتدري ما الكرسي قلت لا، فقال ما السماوات والأرض في الكرسي إلا كحلقة ألقاها ملق في فلاة.ونحوه في الجواهر الحسان للثعالبي ج ١ ص١٩٦ ونحوه في فتح القدير للشوكاني ج ١ ص ٣٤٧

- لسان الميزان ج ١ ص ٧٨

إبراهيم بن عبدالصمد، عن عبدالوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما في قوله: الرحمن على العرش استوى، على جميع بريته فلا يخلو منه مكان، وعنه عبد الله بن داود الواسطي بهذا. أورده ابن عبد البر في التمهيد وقال لا يصح، وعبد الله وعبدالوهاب ضعيفان، وإبراهيم مجهول لا يعرف.

- حياة الحيوان للدميري ج ١ ص ٣٨٢

سئل إمام الحرمين: هل الباري تعالى في جهة؟ فقال: هو متعال عن ذلك.

- الفرق بين الفرق للنوبختي ص ٢٩٢

وقد قال أمير المؤمنين عليرضي‌الله‌عنه : إن الله خلق العرش إظهاراً لقدرته لا مكاناً لذاته. وقال أيضاً: قد كان ولا مكان، وهو الآن على ما كان.

٤٠١

- معالم السنن للخطابي ج ٤ ص ٣٠٢

قال الشيخ: هذا الكلام (أتدري ما الله إن عرشه على سماواته وقال بأصابعه مثل القبه..) إذا جرى على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن الله وصفاته منفية.

- تفسير المنار لرشيد رضا ج ١٢ ص ١٦

أما عرش الرحمن عز وجل فهو من عالم الغيب الذي لا ندركه بحواسنا، ولا نستطيع تصويره بأفكارنا، فأجدر بنا أن لا نعلم كنه استوائه عليه.... إن بعض المتكلمين تكلفوا تفسير السموات السبع والكرسي والعرش العظيم، أو تأويلهن بالأفلاك التسعة عند فلاسفة اليونان المخالف للقرآن....

- خزانة الأدب للحموي ج ١ ص ٢٤٠

قال الزمخشري:.... قوله تعالى: الرحمن على العرش استوى.. الإستواء على معنيين، أحدهما الإستقرار في المكان وهو المعنى القريب المورى به الذي هو غير مقصود، لأن الحق تعالى وتقدس منزه عن ذلك.

- وقد طعن المستشرق اليهودي جولد تسيهر في تفسير الإستواء على العرش بغير القعود المادي، تأييداً لمذهبه في التجسيم، فقال في مذاهب التفسير الإسلامي ص١٦٩: وجاء ذكر كرسي الله سبحانه في آية الكرسي.... ويقول الزمخشري في ذلك: وما هو إلا تصوير لعظمته وتخييل فقط. ولا كرسي ثمة ولا قعود ولا قاعد. انتهى. وقد كذب هذا اليهودي على الزمخشري ليشنع عليه، لأنه خالف مذهبه في التجسيم.

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

قالوا إن الله جالس على كرسيّه كما قال اليهود

- تاريخ بغداد ج ١ ص ٢٩٥

محمد بن أحمد بن خالد بن شيرزاذ.. أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب قال قرىَ عليَّ أبي الحسين بن مظفر وأنا أسمع، حدثكم أبو بكر محمد بن أحمد بن خالد

٤٠٢

القاضي، قال نا سعيد بن محمد، قال نا سلم بن قتيبة، قال نا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: على العرش استوى، قال: حتى يسمع أطيط كأطيط الرحل. انتهى. ونحوه في فردوس الأخبار ج ١ ص٢٢٠ وفتح القدير ج ١ ص ٣٤٧

- مسند احمد ج ١ ص ٢٩٥

عن أبي نضرة قال خطبنا ابن عباس على هذا المنبر منبر البصرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لم يكن نبي إلا له دعوة تنجزها في الدنيا، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي. قال: ويطول يوم القيامة على الناس.... قال ثم آتي باب الجنة فآخذ بحلقة باب الجنة فأقرع الباب فيقال من أنت فأقول محمد فيفتح لي فأرى ربي عز وجل وهو على كرسيه أو سريره، فأخر له ساجداً وأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد بعدي، فيقال: إرفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع.

قال فأرفع رأسي فأقول: أي رب أمتي أمتي، فيقال لي: أخرج من النار من كان في قلبه مثقال كذا وكذا فأخرجهم، ثم أعود فأخر ساجداً وأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد بعدي، فيقال لي: إرفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: أي رب أمتي أمتي، فيقال: أخرج من النار من كان في قلبه مثقال كذا وكذا فأخرجهم، قال وقال في الثالثة مثل هذا أيضاً! انتهى.

وهذه الرواية مضافاً إلى ما فيها من تجسيم فهي واحدة من روايات توسيع الشفاعة لتشمل جميع الأمة برها وفاجرها وظالمها ومظلومها، وقاتلها ومقتولها، بل لتشمل كل الكفار تقريباً كما سترى في باب الشفاعة إن شاء الله تعالى. ولم يستثن إخواننا من هذه الشفاعة الموسعة المجانية إلا أهل بيت النبي وشيعتهم!!

٤٠٣

- مجمع الزوائد ج ١ ص ١٢٦

وعن ثعلبة بن الحكم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لفصل عباده: إني لم أجعل علمي وحلمي فيكم، إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان فيكم ولا أبالي. رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون.

- سير أعلام النبلاء ج ١٧ ص ٦٥٦

قال أبونصر السجزي في كتاب الأبانة: وأئمتنا كسفيان، ومالك، والحمادين، وابن عيينة، والفضيل، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، متفقون على أن الله سبحانه فوق العرش، وعلمه بكل مكان، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا، وأنه يغضب ويرضى، ويتكلم بما شاء!

- دلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ٤٨١

يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إلى الله وهو جالس على كرسيه. انتهى.

وقد أوردنا في الفصلين الثالث والخامس عدداً آخر من رواياتهم في جلوس الله تعالى على عرشه وأطيط العرش من ثقله بزعمهم، وأثبتنا أن أول من فتح القول بالتجسيم في الإسلام هو كعب الأحبار والخليفة عمر.

وتناقضت رواياتهم في العرش والكرسي

- فردوس الأخبار للديلمي ج ١ ص ٢١٩

ابن عمر: إن الله عز وجل ملأ عرشه، يفضل منه كما يدور العرش أربعة أصابع بأصابع الرحمن عز وجل.

- تفسير الطبري ج ٣ ص ٨

- عن عبد الله بن خليفة أتت امرأة النبي فقال أدع الله أن يدخلني الجنه.. ثم قال (ص) إن كرسيه وسع السموات والأرض وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع.

٤٠٤

- تفسير الطبري ج ٣ ص ٧

عن الربيع:وسع كرسيه السموات والأرض ، قال لما نزلت.. قال أصحاب النبي: يا رسول الله هذا الكرسي وسع السموات والأرض فكيف العرش؟ فأنزل الله تعالى وما قدروا الله حق قدره.... عن أبي موسى: قال الكرسي موضع القدمين. وعن السدي: والكرسي بين يدي العرش وهو موضع قدميه.

- فردوس الأخبار للديلمي ج ٥ ص ١٢٨

ابن عباس:وسع كرسيه السموات والأرض ، كرسيه موضع قدمه، والعرش لا يقدر قدره. ونحوه في تاريخ بغداد ج ٩ ص ٢٥١ وفي تفسير الصنعاني ج ٢ ص ٢٠٣ وفي فردوس الأخبار ج ٥ ص ١٢٨

- مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٤٣

وعن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يجمع الأمم يوم القيامة ثم ينزل من عرشه إلى كرسيه، وكرسيه وسع السموات والأرض.

- سنن أبي داود ج ٢ ص ٤١٩

قال ابن بشار في حديثه: إن الله فوق عرشه، وعرشه فوق سمواته. وساق الحديث.

- إرشاد الساري للقسطلاني ج ٥ ص ٢٤٩

عن بعض السلف أن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه محيط بالعالم من كل جهه.

- إرشاد الساري للقسطلاني ج ٧ ص ٤٢

قال قوم هو (أي الكرسي) جسم بين يدي العرش.... وزعم بعض أهل الهيئة من الإسلاميين أن الكرسي هو الفلك الثامن.... وهو الأطلس.

- إرشاد الساري للقسطلاني ج ٧ ص ٣١٢

قال ابن كثير: والعرش فوق العالم مما يلي رؤس الناس.

٤٠٥

وقالوا عرش الله كرسي متحرّك

- مجمع الزوائد ج ١٠ ص ١٥٤

وعن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل فيقول.... فيكون كذلك حتى يصبح الصبح ثم يعلو عز وجل على كرسيه. رواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه.... ويحيى بن إسحاق لم يسمع من عبادة ولم يرو عنه غير موسى بن عقبة، وبقية رجال الكبير رجال الصحيح.

- فردوس الأخبار للديلمي ج ٥ ص ٣٦٠

عبادة بن الصامت: ينزل الله عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا فلا يزال كذلك حتى يصلي الصبح، ثم يعلو ربنا عز وجل على كرسيه.

- فردوس الأخبار للديلمي ج ٥ ص ٣٦١

ينزل ربنا عز وجل في ظلل من الغمام والملائكة، ويضع عرشه حيث يشاء من الأرض.

وقالوا العرش غير الكرسي، وقالوا العرش هو الكرسي!

- فردوس الأخبار للديلمي ج ٥ ص ٣٦٥

ينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي.

- معالم التنزيل للبغوي ج ١ ص ٢٣٩

أبو هريرة: الكرسي هو العرش.

- وروى السيوطي في ج ١ ص ٣٢٤

وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كان الحسن يقول الكرسي هو العرش.... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.... وسع كرسيه السموات والأرض، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد.ورواه في كنز العمّال ج ١٤ ص ٦٣٦

٤٠٦

تفسير قوله تعالى: عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محموداً

قال اللّه تعالى:أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا . الإسراء ٧٨ - ٧٩

وقالوا يجلس الله على عرشه ويُجْلس النبي إلى جانبه

- روى الدارمي في سننه ج ٢ ص ٣٢٥

عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قيل له ما المقام المحمود؟ قال: ذاك يوم ينزل الله تعالى على كرسيه يئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به، وهو كسعة ما بين السماء والأرض، ويجاء بكم حفاة عراة غزلاً، فيكون أول من يكسى إبراهيم، يقول الله تعالى أكسوا خليلي، فيؤتي بريطتين بيضاوين من رياط الجنة، ثم أكسى على أثره ثم أقوم عن يمين الله مقاماً يغبطني الأولون والآخرون. ورواه الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٣٦٤ والبغوي في مصابيحه ج ٣ ص ٥٥٢ والهندي في كنز العمّال ج ١٤ ص ٤١٢ والسيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٨٤

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ١ ص ٣٤ وص ٣٢٨ وص ٣٢٤

وأخرج ابن المنذر وأبوالشيخ عن ابن مسعود قال قال رجل يا رسول الله ما المقام المحمود؟ قال: ذلك يوم ينزل الله على كرسيه يئط منه كما يئط الرحل الجديد من تضايقه، وهو كسعة ما بين السماء والأرض. ورواه في كنز العمّال ج ١٤ ص ٦٣٦

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٤ ص ١٩٨

وأخرج الطبراني عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما في قوله: عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا، قال: يجلسه بينه وبين جبريلعليه‌السلام ويشفع لأمته، فذلك المقام المحمود.

٤٠٧

- وروى البيهقي في دلائل النبوة ج ٥ ص ٤٨١

يأتي رسول الله (ص) يوم القيامة إلى الله وهو جالس على كرسيه.

- دلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ٤٨٦

عن عبد الله بن سلام:.. وينجو النبي (ص) والصالحون معه وتتلقاهم الملائكة يرونهم منازلهم.. حتى ينتهي إلى الله عز وجل فيلقى له كرسي.

- وروى الديلمي في فردوس الأخبار ج ٣ ص ٨٥

ابن عمر: عسى الله أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، يجلسني معه على السرير.

- وفي فردوس الأخبار ج ٤ ص ٢٩٨

أنس بن مالك: من كرامتي على ربي عز وجل قعودي على العرش.

- وقال الشوكاني في فتح القدير ج ٣ ص ٣١٦

إن المقام المحمود هو أن الله سبحانه يجلس محمداً (ص) معه على كرسيه، حكاه ابن جرير.... وقد ورد في ذلك حديث.

- تاريخ بغداد ج ٣ ص ٢٢

أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي، أخبرنا يحيى بن وصيف الخواص، حدثنا أحمد بن علي الخراز، حدثنا المعيطي وغير واحد قالوا: حدثنا محمد بن فضيل عن ليث بن مجاهد في قوله: عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا، قال: يقعده معه على العرش..

- تاريخ بغداد ج ٨ ص ٥٢

عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكرسي الذي يجلس عليه الرب عز وجل وما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد!

٤٠٨

قال أبو بكر المروذي قال لي أبو علي الحسين بن شبيب قال لي أبو بكر بن سلم العابد حين قدمنا إلى بغداد: أخرج ذلك الحديث الذي كتبناه عن أبي حمزة فكتبه أبو بكر بن سلم بخطه وسمعناه جميعاً، وقال أبو بكر بن سلم: إن الموضع الذي يفضل لمحمد صلى الله عليه وسلم ليجلسه عليه. قال أبو بكر الصيدلاني: من رد هذا فإنما أراد الطعن على أبي بكر المروذي، وعلى أبي بكر بن سلم العابد....

ونفى الفكرة بعض علماء السنّة

- صحيح شرح العقيدة الطحاوية ج ١ ص ٥٧٠

قال الإمام الطحاويرحمه‌الله : والشفاعة التي ادخرها لهم حق كما روي في الأخبار، ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم ونخاف عليهم، ولا نقنطهم.

الشرح: لقد ثبتت الشفاعة منطوقاً ومفهوماً في القرآن الكريم وخاصة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن تلك الآيات قوله تعالى:ولسوف يعطيك ربك فترضى ، الضحى ٣، وقال تعالى:عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا . الإسراء ٧٩، وتفسير المقام المحمود بالشفاعة ثابت في الصحيحين وغيرهما (٣٣٨). وقال الله تعالى:يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً . طه ٩ - ١٠. وقال تعالى:ما من شفيع إلا من بعد إذنه . يونس - ٣. وفي شفاعة الملائكة قوله تعالى:بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشيءتِهِ مُشْفِقُونَ .الأنبياء: ٧٨.

وقال في هامشه: (٣٣٨) أنظر البخاري ٣ - ٣٣٨ و ٨ - ٣٩٩ و ١٣ - ٤٢٢ ومسلم ١ - ١٧٩. ومن الغريب العجيب أن يعرض المجسمة والمشبهة عن هذا الوارد الثابت في الصحيحين، ويفسروا المقام المحمود بجلوس سيدنا محمد على العرش بجنب

٤٠٩

الله!! تعالى الله عن إفكهم وكذبهم علواً كبيراً، وهم يعتمدون على ذلك على ما يروى عن مجاهد بسند ضعيف من أنه قال ما ذكرناه من التفسير المنكر المستشنع، وتكفل الخلال في كتابه السنة ١ - ٢٠٩ بنصرة التفسير المخطئ المستبشع، وقد نطق بما هو مستنشع عند جميع العقلاء!

وقال المستشرقون إنها فكرة مسيحيّة

- مذاهب التفسير الإسلامي لجولد شهر ص ١٢٢ - ١٢٣

... سجلت فتنة ببغداد، أثارها نزاع على مسألة من التفسير ذلك هو تفسير الآية ٧٩ من سورة الإسراء:ومن الليل فتهجد به نافلة عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا . ما المراد من المقام المحمود؟ ذهب الحنابلة.... إلى أن الذي يفهم من ذلك هو أن الله سبحانه يقعد النبي معه على العرش.... ربما كان هذا متأثراً بما جاء في إنجيل مرقص ١٦، ١٩، وآخرون ذهبوا إلى أن المقام المحمود.. هو مرتبة الشفاعة التي يرفع اليها النبي.

واعترفوا بأنّ بعض هذه الأحاديث موضوع

- ميزان الإعتدال ج ٤ ص ١٧٤

أنبأني جماعة عن عين الشمس الثقفية، أخبرنا محمد ابن أبي ذر سنة ست وعشرين وخمسمائة، أخبرنا أبوطاهر عبدالرحيم، أخبرنا عبد الله بن محمد القباب، أخبرنا أحمد بن الحسن بن هارون الأشعري، حدثنا على بن محمد القادسي بعكبرا سنة ست وخمسين ومائتين، حدثنا محمد بن حماد، عن مقاتل بن سليمان، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين حبيب الله فيتخطى صفوف الملائكة حتى يصير إلى العرش، حتى يجلسه معه على العرش، حتى يمس ركبته. فهذا لعله وضعه أحد هؤلاء أصحاب مقاتل أو القادسي.

٤١٠

وقالوا يجلس صاحب أحمد بن حنبل على سجّاد العرش

- تاريخ بغداد ج ١٢ ص ١١٢

حدثنا أحمد بن عبد الله الحفار، قال رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقلت: يا أبا عبد الله ما صنع الله بك؟ قال: حباني وأعطاني وقربني وأدناني. قال قلت: الشيخ الزمن علي بن الموفق ما صنع الله به؟ قال: الساعة تركته على زلالي، يريد العرش. انتهى. وقال في هامشه: الزلية: بكسر الزاي واللام البساط، والجمع زلالي. عن القاموس.

وقالوا يُجْلس أبا بكر على كرسي عند العرش

- تاريخ بغداد ج ٤ ص ٣٨٦

عن ابن أبي ذئب، عن معن بن الوليد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة نصب لإبراهيم منبر أمام العرش ونصب لي منبر أمام العرش، ونصب لأبي بكر كرسي، فنجلس عليها وينادي مناد يالك من صديق بين خليل وحبيب.!!

تفسير قوله تعالى: فلما آسفونا انتقمنا منهم

قال تعالى عن فرعون:فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ . الزخرف ٥٤ - ٥٥

قال أهل البيتعليهم‌السلام : إن الله لا يأسف كأسفنا

- الكافي ج ١ ص ١٤٤

محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل: فلما آسفونا انتقمنا منهم، فقال: إن الله عز وجل لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون

٤١١

ويرضون وهم مخلوقون مربوبون، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه، لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه، فلذلك صاروا كذلك، وليس أن ذلك يصل إلى خلقه، لكن هذا معنى ما قال من ذلك، وقد قال: من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها، وقال:من يطع الرسول فقد أطاع الله . وقال:إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم . فكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك، وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك.

ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر وهو الذي خلقهما وأنشأهما، لجاز لقائل هذا أن يقول: إن الخالق يبيد يوماً ما، لأنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة، ثم لم يعرف المكون من المكون ولا القادر من المقدور عليه، ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علواً كبيرا، بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه، فافهم إن شاء الله تعالى. انتهى.

أقول: ومما يؤيد تفسير آسفونا في الآية بأنهم آسفوا الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، أنه تعالى قال (آسفونا) بجمع المتكلم ولم يقل آسفوني بالمفرد، وقد فسرها الإمامعليه‌السلام بأن الله تعالى نسب الفعل إلى نفسه لأنهم آسفوا عباده الخاصين، لأن إغضابهم إغضاب له تعالى.

وهذا يفتح لنا باباً لفهم نسبة الفعل الإلهي وقانونها في القرآن، ومتى يسند الفعل إلى الله تعالى بصيغة المفرد المتكلم، ومتى يسند بصيغة الجمع، أو بصيغة الغائب. فإن دراسة الأفعال المسندة إلى الله تعالى في القرآن، عن طريق إحصائها وتقسيمها وتحليلها، سيعطينا فوائد متعددة في معرفة أنواع الفعل الإلهي ووسائله. ففي كل نوع من صيغ نسبته إلى الله تعالى هدف، ووراءه قاعدة..

فبعض الأفعال أسندها عز وجل إلى نفسه بصيغة المفرد المتكلم وجمع المتكلم والمفرد الغائب، مثل: أوحيت، أوحينا، نوحي، أوحي.... وبعضها أسندها

٤١٢

بصيغة جمع المتكلم والغائب فقط ولم يسندها بصيغة المفرد مثل: بشرنا، أرسلنا، صورنا، رزقنا، بينا.. الخ. ولم يقل بشرت أو رزقت.... الخ.

إن كلمات القرآن وحروفه موضوعة في مواضعها بموجب علوم إلهية عميقة وحسابات ربانية دقيقة، كما وضعت النجوم في مواضعها ومداراتها في الكون(فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) . وإن كشف أصل وجود القاعدة في نسبة الفعل الإلهي في القرآن بحد ذاته أمر مهم. ولكن معادلتها وتطبيقاتها ستبقى على الأرجح ظناً وتخميناً، لأننا محرومون من الذي عنده علم الكتاب روحي فداه!

روى في الإحتجاج أن شخصاً جاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال له: لولا ما في القرآن من الإختلاف والتناقص لدخلت في دينكم! فقال لهعليه‌السلام : وما هو فقال:.... أجد الله يقول: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم، وفي موضع آخر يقول: الله يتوفى الأنفس حين موتها، والذين تتوفاهم الملائكة طيبين، وما أشبه ذلك، فمرة يجعل الفعل لنفسه ومرة لملك الموت، ومرة للملائكة.... فقال أمير المؤمنين: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، تبارك وتعالى، هو الحي الدائم، القائم على كل نفس بما كسبت، هات أيضاً ما شككت فيه:

قال: حسبي ما ذكرت..... قالعليه‌السلام : فأما قوله: الله يتوفى الأنفس حين موتها، وقوله: يتوفاكم ملك الموت، وتوفته رسلنا، والذين تتوفاهم الملائكة طيبين، والذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم.... فهو تبارك وتعالى أعظم وأجل من أن يتولى ذلك بنفسه، وفعل رسله وملائكته فعله، لأنهم بأمره يعملون، فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلاً وسفرة بينه وبين خلقه وهم الذين قال فيهم: الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس.. فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة، ومن كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره، وفعلهم فعله، وكل ما

٤١٣

يأتون به منسوب إليه، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت وفعل ملك الموت فعل الله لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء، ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب على يد من يشاء، وإن فعل أمنائه فعله. انتهى.

- التوحيد للصدوق ص ١٦٨

باب معنى رضاه عزّ وجل وسخطه.

حدثنا أبيرحمه‌الله قال: حدثني أحمد بن إدريس، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد عيسى اليقطيني، عن المشرقي، عن حمزة بن الربيع، عمن ذكره قال: كنت في مجلس أبي جعفرعليه‌السلام إذ دخل عليه عمرو بن عبيد فقال له: جعلت فداك قول الله تبارك وتعالى: ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى، ما ذلك الغضب؟ فقال أبو جعفرعليه‌السلام : هو العقاب يا عمرو، إنه من زعم أن الله عز وجل زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة مخلوق، إن الله عز وجل لا يستفزه شيء ولا يغيره.

وبهذا الإسناد، عن أحمد بن أبي عبد الله: -.... كما في رواية الكافي المتقدمة.

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكلرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم أن رجلاً سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الله تبارك وتعالى له رضا وسخط؟ فقال: نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، وذلك أن الرضا والغضب دَخَال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال (لأن المخلوق أجوف) معتمل مركب، للأشياء فيه مدخل، وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه، واحد أحدي الذات واحدي المعنى، فرضاه ثوابه، وسخطه عقابه، من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال، فإن ذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى القوي العزيز الذي لا حاجة به إلى شيء مما خلق، وخلقه جميعاً محتاجون إليه، إنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب، اختراعاً وابتداعاً.

٤١٤

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسن بن علي السكري قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه قال: سألت الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام فقلت له: يابن رسول الله أخبرني عن الله عز وجل هل له رضا وسخط؟ فقال: نعم وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين ولكن غضب الله عقابه، ورضاه ثوابه.

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٦٣

روى حديث توحيد الصدوق الثالث، وقال:

بيان: في الكافي هكذا: فينقله من حال إلى حال لأن المخلوق أجوف معتمل. وهو الظاهر. والحاصل أن عروض تلك الأحوال والتغيرات إنما يكون لمخلوق أجوف له قابلية ما يحصل فيه ويدخله، معتمل يعمل بأعمال صفاته وآلاته، مركب من أمور مختلفة وجهات مختلفة للأشياء من الصفات والجهات والآلات فيه مدخل، وخالقنا تبارك اسمه لا مدخل للأشياء فيه لاستحالة التركيب في ذاته، فإنه أحدي الذات واحدي المعنى، فإذن لا كثرة فيه لا في ذاته ولا في صفاته الحقيقية، وإنما الإختلاف في الفعل فيثيب عند الرضا ويعاقب عند السخط. قال السيد الدامادرحمه‌الله : المخلوق أجوف لما قد برهن واستبان في حكمة ما فوق الطبيعة أن كل ممكن زوج تركيبي، وكل مركب مروج الحقيقة فإنه أجوف الذات لا محالة، فما لا جوف لذاته على الحقيقة هو الأحد الحق سبحانه لا غير، فإذن الصمد الحق ليس هو إلا الذات الأحدية الحقة من كل جهة، فقد تصحح من هذا الحديث الشريف تأويل الصمد بما لا جوف له وما لا مدخل لمفهوم من المفهومات وشيء من الأشياء في ذاته أصلاً.

الاحتجاج: عن هشام بن الحكم أنه سأل الزنديق عن الصادقعليه‌السلام . فقال: فلم يزل صانع العالم عالماً بالأحداث التي أحدثها قبل أن يحدثها؟ قال: لم يزل يعلم فخلق. قال: أمختلف هو أم مؤتلف؟ قال: لا يليق به الإختلاف ولا الايتلاف، إنما يختلف المتجزي ويأتلف المتبعض، فلا يقال له: مؤتلف ولا مختلف.

٤١٥

قال: فكيف هو الله الواحد؟

قال: واحد في ذاته فلا واحد كواحد، لأن ما سواه من الواحد متجزئ، وهو تبارك وتعالى واحد لا متجزئ، ولا يقع عليه العد.

تفسير إخواننا الموافق لمذهبنا

- إرشاد الساري ج ٤ ص ٢٣٥

الغضب من المخلوقين شيء يداخل قلوبهم، ولا يليق أن يوصف الباري تعالى بذلك، فيؤول ذلك على ما يليق به تعالى، فيحمل على آثاره ولوازمه.وفي ج ٥ ص ٢٢٩ والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال الشر إلى المغضوب عليه.وفي ج ٦ ص ١٥٦ نسبة الضحك والتعجب إلى الباري جل وعلا مجازية، والمراد بهما الرضا بصنيعهما.

- شرح مسلم للنووي ج ٢ جزء ٣ ص ٦٨

المراد بغضب الله تعالى ما يظهر من انتقامه فيمن عصاه.. لأن الله تعالى يستحيل في حقه التغير في الغضب.

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

- تفسير الصنعاني ج ٢ ص ١٦٦

حدثنا عبد الرزاق قال: سمعت ابن جريج يقول: وغضب في شيء فقيل له: أتغضب يا أبا خالد! فقال: قد غضب خالق الأحلام، إن الله تعالى يقول لما آسفونا، أغضبونا.

عن سماك بن الفضل قال: كنت عند عروة بن محمد جالساً وعنده وهب بن منبه فأتى بعامل لعروة.. فقالوا فعل وفعل، وثبت عليه البينة، قال فلم يملك وهب بن منبه نفسه فضربه على قرنه بعصا وقال: أفي زمن عمر بن عبد العزيز يصنع مثل هذا

٤١٦

قال: فاشتهاها عروة.... وقال: يعيب علينا أبو عبد الله الغضب وهو يغضب! قال وهب: قد غضب خالق الأحلام، إن الله يقول: فلما أسفونا انتقمنا منهم، يقول أغضبونا. انتهى. وقد ذكرنا في فصل مكانة المشبهين والمجسمين في مصادر إخواننا: أن وهباً استند في الظاهر إلى الآية ليثبت أن الغضب الإلهي كغضب البشر، ولكن أصل الغضب الإلهي في ثقافته هو الغضب التلمودي الذي قال عنه الدكتور أحمد شلبي في مقارنة الأديان ج ١ ص ٢٦٧: يروي التلمود أن الله ندم لما أنزله باليهود وبالهيكل، ومما يرويه التلمود على لسان الله قوله: تب لي لأني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي. وليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود، لأنه غضب مرة على بني إسرائيل فاستولى عليه الطيش فحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية، ولكنه ندم على ذلك بعد أن هدأ غضبه، ولم ينفذ قسمه لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة. انتهى. والمصيبة أن اخواننا أخذوا نسبة الغضب البشري إلى الله تعالى من وهب وأمثاله من اليهود وجعلوها من عقائد الإسلام، ثم قعدوا يبكون من خطر الاسرائيليات على الإسلام والمسلمين!

- الدر المنثور ج ٦ ص ١٩

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة: فلما آسفونا، قال أغضبونا.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: فلما آسفونا، قال أغضبونا. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: فلما آسفونا، قال أغضبونا.

- دلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ٤٧٧

عن أبي هريرة قال:.... فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله.. إشفع لنا عند ربك.. فيقول لهم موسى: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله، وإني قتلت نفساً لم أومر بقتلها.. نفسي نفسي، إذهبوا إلى عيسى.... قال: فيأتون عيسى

٤١٧

فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله إشفع لنا عند ربك.... فيقول لهم عيسى: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله، ولم يذكر ذنباً، نفسي نفسي، إذهبوا إلى غيري، إذهبوا إلى محمد (ص).

- مقالات الإسلاميين للاشعري ج ١ ص ٢١١

واختلف الناس في حملة العرش ما الذي يحمله؟ فقال قائلون الحملة تحمل الباري وأنه إذا غضب ثقل على كواهلهم، وإذا رضي خف!.. وقال بعضهم الحملة ثمانية أملاك. وقال بعضهم ثمانية أصناف. وقال قائلون: إنه على العرش.

- الإيمان لابن تيمية ص ٤٢٤

وفي الصحيحين في حديث الشفاعة: يقول كل من الرسل إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله.... عن النبي: لله أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض دوية مهلكة.. وكذلك ضحكه إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، وضحكه إلى الذي يدخل الجنة آخر الناس ويقول أتسخر بي وأنت رب العالمين.... وكل هذا في الصحيح..

- فتاوى ابن باز ج ٢ ص ٩٦

وهكذا القول في باقي الصفات، من السمع، والبصر، والرضى، والغضب، واليد، والقدم، والأصابع، والكلام، والإرادة، وغير ذلك، كلها يقال إنها معلومة من حيث اللغة العربية! فالإيمان بها واجب والكيف مجهول لنا لا يعلمه إلا الله... انتهى.

وإذا كان الكيف مجهولاً كما يقول المفتي ابن باز فلماذا يصر على تفسيره بالظاهر الحسي ولماذا لا يكون مفوضاً مثل مفوضة السلف، اللذين أوكلوا هذه الصفات إلى الله تعالى؟!

٤١٨

تفسير آيات أُخرى تتعلّق بالموضوع

- قال الصدوق في التوحيد ص ١٥٩

باب تفسير قول الله عزّ وجل: (نسوا الله فنسيهم)

حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكلينيرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال: حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان قال: حدثنا أبوحامد عمران بن موسى بن إبراهيم، عن الحسن بن القاسم الرقام، عن القاسم بن مسلم، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم قال: سألت الرضا علي بن موسىعليهما‌السلام عن قول الله عز وجل:نسوا الله فنسيهم ، فقال: إن الله تبارك وتعالى لا ينسى ولا يسهو، وإنما ينسى ويسهو المخلوق المحدث، ألا تسمعه عز وجل يقول:وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ، وإنما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم، كما قال عز وجل:وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . وقوله عز وجل:فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا . أي نتركهم كما تركوا الإستعداد للقاء يومهم هذا.

قال مصنف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : قوله: نتركهم أي لا نجعل لهم ثواب من كان يرجو لقاء يومه، لأن الترك لا يجوز على الله عز وجل.

وأما قول الله عز وجل:وتركهم في ظلمات لا يبصرون ، أي لم يعاجلهم بالعقوبة وأمهلهم ليتوبوا.

باب تفسير قوله عزوجل:(وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) .

حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكلينيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال: حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان الكليني قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد قال: سألت أبا الحسن علي بن محمد العسكريعليهما‌السلام عن قول الله عز

٤١٩

وجل: والأرض جميعاً قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه، فقال: ذلك تعبير الله تبارك وتعالى لمن شبهه بخلقه، ألا ترى أنه قال: وما قدروا الله حق قدره، ومعناه إذ قالوا: إن الأرض جميعاً قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه، كما قال عز وجل: وما قدروا الله حق قدره، إذ قالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء، ثم نزه عز وجل نفسه عن القبضة واليمين فقال: سبحانه وتعالى عما يشركون.

حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجليرحمه‌الله قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان بن مهران قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل: والأرض جميعاً قبضته يوم القيمة، فقال: يعني ملكه لا يملكها معه أحد، والقبض من الله تبارك وتعالى في موضع آخر المنع، والبسط منه الإعطاء والتوسيع، كما قال عز وجل: والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون، يعني يعطي ويوسع ويمنع ويضيق، والقبض منه عز وجل في وجه آخر الأخذ في وجه القبول منه كما قال: ويأخذ الصدقات، أي يقبلها من أهلها ويثيب عليها.

قلت: فقوله عز وجل: والسموات مطويات بيمينه قال: اليمين اليد، واليد القدرة والقوة، يقول عز وجل: السماوات مطويات بقدرته وقوته، سبحانه وتعالى عما يشركون.

باب تفسير قول الله عزّ وجل: (كلا إنّهم عن ربّهم يومئذٍ لمحجوبون)

حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه قال: سألت الرضا علي بن موسىعليهما‌السلام عن قول الله عز وجل: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون، فقال: إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عنه فيه عباده، ولكنه يعني أنهم عن ثواب ربهم لمحجوبون.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434