التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام25%

التربية والتعليم في الإسلام مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 221

التربية والتعليم في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 163703 / تحميل: 9142
الحجم الحجم الحجم
التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام

مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

كافية لوجوب قبول حديث الولاية المخرج في المسند، ووافية بالردّ على من طعن فيه

وقال ابن الجوزي في ( كتاب الموضوعات ): « فمتى رأيت حديثاً خارجاً عن دواوين الإِسلام: كالموطأ، ومسند أحمد، والصحيحين، وسنن أبي داود، والترمذي، ونحوها، فانظر فيه، فإن كان له نظير في الصحاح والحسان فرتّب أمره، وإن ارتبت به فرأيته يباين الأصول فتأمّل رجال إسناده واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمّى بالضعفاء والمتروكين، فإنّك تعرف وجه القدح فيه »(١). .

وفي هذه العبارة عدّ المسند من دواوين الإسلام، وذكره في عداد الموطأ والصحيحين وغيرها من الكتب غير المحتاج إلى نظر والتأمّل في أسانيد أخبارها

اعتماد أبناء روزبهان وتيمية وحجر على ابن الجوزي

فهذا حكم ابن الجوزي في كتابه الموضوعات ولكم اعتمد أمثال أبناء تيميّة وروزبهان وحجر على أحكام ابن الجوزي في كتابه المذكور، خاصّةً في باب فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام وأهل البيت وكذلك صاحب الصواقع و ( الدهلوي ) وأتباعهما ولنذكر نبذة من موارد اعتماد القوم على آراء ابن الجوزي:

قال أبو المؤيد الخوارزمي في أوائل كتابه ( جامع مسانيد أبي حنيفة ): « والدليل على ما ذكرنا أن التعديل متى ترجّح على الجرح يجعل الجرح كأن لم يكن، وقد ذكر ذلك إمام أئمة التحقيق ابن الجوزي في كتاب التحقيق في أحاديث التعليق ».

__________________

(١). الموضوعات ١ / ٩٩.

١٠١

وقال ابن الوزير الصنعاني - في الاُمور الدالة على عدم جواز تكفير أحمد بسبب الإِعتقاد بالتشبيه -: « ومنها - إنّه قد ثبت بالتواتر أنّ الحافظ ابن الجوزي من أئمّة الحنابلة وليس في ذلك نزاع، ولا شك أن تصانيفه في المواعظ وتواليفه في الرقائق مدرس فضلائهم وتحفة علمائهم، فبها يتواعظون ويخطبون، وعليها في جميع أحوالهم يعتمدون، وقد ذكر ابن الجوزي في كتبه هذه ما يقتضي نزاهتهم عن هذه العقيدة، وأنا أورد من كلامه في ذلك »(١). .

وقال ابن حجر المكي - بعد حديث أنا مدينة العلم -: « وقد اضطرب الناس في هذا الحديث، فجماعة منهم ابن الجوزي والنووي وناهيك بهما معرفةً بالحديث وطرقه »(٢). .

وقال ( الدهلوي ) في جواب حديث أنا مدينة العلم: « وذكره ابن الجوزي في الموضوعات».

وقال ابن روزبهان - في بحث حديث النور -: « ذكر ابن الجوزي هذا الحديث بمعناه في كتاب الموضوعات »(٣). .

وقال ابن تيمية في حديث: « أنت أخي ووصيي »: « قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب الموضوعات »(٤). .

ثناء ابن خلكان على ابن الجوزي

وأثنى ابن خلكان على ابن الجوزي وبالغ في إطرائه حيث ترجمه، وهذه خلاصتها:

__________________

(١). الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم.

(٢). الصواعق المحرقة: ١٨٩.

(٣). إبطال الباطل - مخطوط.

(٤). منهاج السنّة ٤ / ٩٥.

١٠٢

« أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي الفقيه الحنبلي، الواعظ الملقب جمال الدين، الحافظ، كان علّامة عصره، وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ، صنف في فنون عديدة منها فكتبه أكثر من أن تعد، وكتب بخطّه شيئاً كثيراً وكانت له في مجالس الوعظ أجوبة نادرة وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشر شهر رمضان سنة ٥٩٧ ببغداد، ودفن بباب حرب »(١). .

ثناء الذهبي على ابن الجوزي

وكذلك الذهبي حيث قال:

« ابن الجوزي، الإِمام العلّامة الحافظ، عالم العراق وواعظ الآفاق المفسّر صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم حدّث عنه: ابنه الصاحب محيي الدين، وسبطه الواعظ شمس الدين يوسف بن قزغلي، والحافظ عبد الغني، وابن الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل والتقي البلداني، وابن عبد الدائم، والنجيب عبد اللطيف، وخلق سواهم وما علمت أحداً من العلماء صنّف ما صنف هذا الرجل حصل له من الحظوة في الوعظ ما لم يحصل لأحدٍ قط »(٢). .

ثناء السيوطي على ابن الجوزي

والسيوطي أيضاً أثنى عليه كذلك، قال:

__________________

(١). وفيات الأعيان ٣ / ١٤٠.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٣٤٢.

١٠٣

« ابن الجوزي، الإِمام العلّامة الحافظ، عالم العراق وواعظ الآفاق، جمال الدين أبو الفرج صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم وما علمت أحداً من العلماء صنّف ما صنّف، وحصل له من الحظوة في الوعظ ما لم يحصل لأحدٍ قط. قيل: إنّه حضره في بعض المجالس مائة ألف، وحضره ملوك ووزراء وخلفاء، وقال: كتبت بإصبعي ألف مجلّد، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألفاً »(١). .

كلام ابن الوزير في مدح المسند

وقال محمّد بن إبراهيم الصّنعاني المعروف بابن الوزير - بعد ذكر عبارة ابن دحية حول استشهاد الإِمام الحسين بن عليعليهما‌السلام -: « وفيما ذكره ابن دحية اُوضح دليل على براءة المحدّثين وأهل السنّة فيما افتراه عليهم المعترض من نسبتهم إلى التشيع ليزيد وتصويب قتله الحسين. كيف؟ وهذه رواياتهم مفصحة بضد ذلك كما بيّناه، في مسند أحمد، وصحيح البخاري، وجامع الترمذي، وأمثالها.

وهذه الكتب هي مفزعهم وإلى ما فيها مرجعهم، وهي التي يخضعون لنصوصها ويقصرون التعظيم عليها بخصوصها »(٢). .

وعليه، فمسند أحمد مفزع المحدّثين وإليه مرجعهم وهم خاضعون لنصوصه والأحاديث المروية فيه فويل ( للدهلوي ) المقلّد ( للكابلي ) التابع ( لابن تيمية ) هؤلاء الذين أبطلوا حديث الولاية المخرّج في ( المسند ) و ( جامع الترمذي ) وأمثالهما فإنّهم خرجوا عن طريقة المحدّثين،

__________________

(١). طبقات الحفّاظ: ٤٨٠.

(٢). الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم.

١٠٤

وشقّوا عصا المجمعين، وخالفوا سنّة رسول ربّ العالمين.

كلام أبي مهدي المغربي في مدح المسند

وقال أبو مهدي عيسى بن محمّد المغربي - وهو أحد المشايخ السبعة الذين يفتخر شاه ولي الله الدهلوي باتّصال أسناده إليهم - في مدح كتاب ( المسند ) ما نصّه:

« وألّف مسنده، وهو أصل من اُصول هذه الاُمة، جمع فيه ما لم يتّفق لغيره وله التصانيف الفائقة، فمنها المسند، وهو ثلاثون ألفاً وبزيادة ابنه عبد الله أربعون ألف حديث وقال فيه - وقد جمع أولاده وقرأه عليهم -: هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فارجعوا إليه، فإنْ وجدتموه فيه وإلّا ليس بحجة »(١). .

كلام عبد الحق الدهلوي في مدح المسند

وقال الشيخ عبد الحقّ الدّهلوي في وصف المسند:

« ومسند الإِمام أحمد معروف بين الناس، جمع فيه أكثر من ثلاثين ألف حديث، وكان كتابه في زمانه أعلى وأرفع وأجمع الكتب »(٢). .

__________________

(١). مقاليد الأسانيد - ترجمة أحمد بن حنبل

(٢). رجال المشكاة - ترجمة أحمد بن حنبل

١٠٥

كلام ولي الله الدهلوي في مدح المسند

وقال عبد الرحيم الدهلوي والد ( الدهلوي ): « الطبقة الثانية: كتب لم تبلغ مبلغ الموطأ والصحيحين ولكنها تتلوها، كان مصنّفوها معروفين بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحّر في فنون الحديث، لم يرضوا في كتبهم هذه بالتساهل فيما اشترطوا على أنفسهم، فتلقاها من بعدهم بالقبول واعتنى بها المحدّثون والفقهاء طبقة بعد طبقةً، واشتهرت فيما بين الناس وتعلّق بها القوم شرحا لغريبها وفحصا عن رجالها واستنباطا لفقهها، وعلى تلك الأحاديث بناء عامّة العلوم، كسنن أبي داود وجامع الترمذي ومجتبى النسائي. وهذه الكتب مع الطبقة الاُولى اعتنى بأحاديثها رزين في تجريد الصّحاح، وابن الأثير في جامع الأصول.

وكاد مسند أحمد يكون من جملة هذه الطبقة، فإن الإِمام أحمد جعله أصلاً يعرف به الصحيح والسقيم. قال: ما ليس فيه فلا تقبلوه »(١). .

كلام ( الدهلوي ) في مدح المسند

و ( الدهلوي ) نفسه مدح المسند كذلك، ونقل حكاية جمع أحمد أولاده وقراءته عليهم المسند وما قال لهم في وصفه(٢). .

__________________

(١). حجّة الله البالغة - طبقات كتب الحديث.

(٢). بستان المحدّثين - ترجمة أحمد

١٠٦

(٤)

رواية الترمذي

وأخرج الترمذي حديث الولاية في صحيحه قائلاً:

« حدّثنا قتيبة بن سعيد، نا جعفر بن سليمان الضبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفرٍ بدأوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلّموا على النبيّ، فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا، فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

ثم قام الثاني، فقال مثل مقالته، فأعرض عنه رسول الله.

ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه رسول الله.

ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا: فأقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! إن علياً منّي وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمنٍ من بعدي.

هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من حديث جعفر بن سليمان »(١). .

__________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٦٣٢.

١٠٧

وثاقة رجال الإِسناد

ورجال هذا السند كلّهم ثقات بلا كلام:

١ - الترمذي

أما الترمذي نفسه، فغني عن التعريف، وإنْ شئت الوقوف على طرفٍ من كلماتهم في مدحه والثناء عليه وتوثيقه والإِستناد إليه، فراجع الكتب الرجاليّة وغيرها، مثل:

١ - سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٧٠.

٢ - تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٣٣.

٣ - الوافي بالوفيات ٤ / ٢٩٤.

٤ - تهذيب التهذيب ٩ / ٣٨٧.

٥ - البداية والنهاية ١١ / ٦٦.

٦ - العبر ٢ / ٦٢.

٧ - النجوم الزاهرة ٣ / ٨٨.

٨ - طبقات الحفّاظ: ٢٧٨.

٩ - وفيات الأعيان ٤ / ٢٧٨.

١٠ - شذرات الذهب ٢ / ١٧٤.

١١ - مرآة الجنان ٢ / ١٩٣.

١٢ - الكامل في التاريخ ٧ / ١٥٢.

١٣ - المختصر في أخبار البشر ٢ / ٥٩.

١٤ - اللباب في الأنساب ١ / ١٧٤.

١٠٨

٢ - قتيبة بن سعيد

وأما قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف، فهو محدّث جليل القدر، روى عنه الشيخان وغيرهما:

السمعاني: « قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله البغلاني، المحدّث المشهور في الشرق والغرب، له رحلة إلى: العراق، والحجاز، والشام، وديار مصر، وعمّر العمر الطويل حتى كتب عنه البطون، ورحل إليه أئمة الدنيا من الأمصار.

سمع مالك بن أنس، والليث، وأقرانهما.

روى عنه الأئمّة الخمسة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو عيسى، وأبو عبد الرحمن، ومن لا يحصى كثرة »(١). .

الذهبي: « قال أبو بكر الأثرم: وسمعته - يعني أحمد بن حنبل - ذكر قتيبة فأثنى عليه وقال: هو آخر من سمع من ابن لهيعة. وقال أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين، وأبو حاتم، والنسائي: ثقة. زاد النسائي: صدوق. وقال أبو داود: قدم قتيبة بغداد سنة ١٦ فجاء، أحمد ويحيى، وقال ابن خراش: صدوق وقال عبد الله بن محمّد بن سيّار الفرهاني: قتيبة صدوق ليس أحد من الكبار إلّا وقد حمل عنه بالعراق »(٢). .

٣ - جعفر بن سليمان

٤ - يزيد الرشك

__________________

(١). الأنساب - البغلاني ٢ / ٢٥٧.

(٢). تذهيب تهذيب الكمال - مخطوط

١٠٩

٥ - مطرف بن عبد الله

وهؤلاء عرفتهم سابقاً فلا نكرّر

(٥)

رواية النسائي

ورواه أبو عبد الرحمن النسائي بإسناده قائلاً:

« ثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا جعفر - يعني ابن سليمان - عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ».

« ثنا واصل بن عبد الأعلى، عن ابن فضيل، عن الأجلح، عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه قال: بعثنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إلى اليمن مع خالد ابن الوليد وبعث علياً على آخر، وقال: إن التقيتما فعليّ على الناس، وإن تفرّقتما فكل واحدٍ منكما على جنده، فلقينا بني زبيد من أهل اليمن، وظفر المسلمون على المشركين، فقاتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي جارية لنفسه من السبي، فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - وأمرني أن أنال منه. قال: فدفعت الكتاب إليه ونلت من علي، فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجلٍ وألزمتني بطاعته فبلّغت ما اُرسلت به. فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لي:

لا تقعنَّ يا بريدة في علي، فإنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي »(١). .

وثاقة رجال السند

هذا، وقد روى النسائي في هذا الحديث بطريقين، أوّلهما هو عين سند

__________________

(١). خصائص علي بن أبي طالب: ٧٥.

١١٠

الترمذي المتقدّم الذي عرفت وثاقة رجاله فلا حاجة إلى الإِعادة.

ترجمة النسائي

والنسائي نفسه، وإنْ كان غنياً عن التّعريف، لإِجماع القوم على توثيقه والثناء عليه وعلى كتبه وعلومه حتى أنّ الدار قطني قدّمه على جميع محدّثي زمانه كما في ( تذكرة الحفّاظ )، وقال الذهبي ووالد السبكي: بأنّه أحفظ من مسلم بن الحجاج كما في ( مقاليد الأسانيد ) ولكن لا بأس بإيراد بعض الكلمات في حقّه عن كتاب تذكرة الحفّاظ للذهبي باختصار:

« النسائي، الحافظ الإِمام، شيخ الإِسلام، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب برع في هذا الشأن وتفرّد بالمعرفة والإِتقان وعلوّ الإِسناد قال حافظ خراسان أبو علي النيسابوري: ثنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي. قال أحمد بن نصر أبو طالب الحافظ: من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟ قال الدارقطني: أبو عبد الرحمن مقدّم على كلّ من يذكر بهذا العلم من أهل عصره. وقال محمّد بن المظفر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار قال الدار قطني: كان أبو بكر الشافعي كثير الحديث ولم يحدّث عن غير النسائي وقال: رضيت به حجة بيني وبين الله وكانت وفاته في شعبان سنة ٣٠٣. وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال. قال أبو سعيد بن يونس في تاريخه: كان النسائي إماماً حافظاً ثبتاً »(١). .

وإنْ شئت المزيد فراجع:

وفيات الأعيان ١ / ٧٧.

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٩٨.

١١١

الوافي بالوفيات ٦ / ٤١٦.

مرآة الجنان ٢ / ٢٤٠.

طبقات الشّافعية للسبكي ٣ / ١٤.

طبقات الحفّاظ: ٣٠٣.

وغيرها من كتب التاريخ والرجال

اعتبار كتاب الخصائص

وكتاب ( خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام ) للنسائي من أنفس الكتب وأجلّها وأشهرها ألّفه النسائي لمـّا دخل دمشق ووجد المنحرف بها عن أمير المؤمنينعليه‌السلام كثيراً

وقد اعتمد علماء أهل السنّة على هذا الكتاب ونقلوا عنه، كما أنّ غير واحدٍ منهم ذكروه في بحوثهم مستشهدين به على ولاء أهل السنّة لأهل البيتعليهم‌السلام كما أنّا قد بيّنا في بعض المجلّدات السّابقة - وعلى ضوء كلمات القوم - أن ( خصائص أمير المؤمنين ) للحافظ النسائي إنّما هو قطعة من ( سننه ) الكبير، فتكون الأحاديث الواردة فيه من أحد ( الصحّاح الستّة ) عندهم.

١١٢

(٦)

رواية الحسن بن سفيان النسوي

ورواه الحسن بن سفيان النسوي البالوزي، كما جاء في كتاب الوصابي اليمني حيث روى:

« عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، والحسن بن سفيان في فوائده، وأبو نعيم في فضائل الصحابة »(١). .

ترجمة الحسن بن سفيان

والحسن بن سفيان من أكابر المحدّثين الثقات كما يظهر من ترجمته:

١ - السمعاني: « البالوزي - بفتح الباء الموحّدة بعدها الألف واللّام والواو وفي آخرها الزاء - هذه النسبة إلى بالوز، وهي قرية من قرى نسا على ثلاث أو أربع فراسخ منها.

خرجت إليها لزيارة قبر أبي العباس الحسن بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء الشيباني البالوزي النسوي من قرية بالوز.

كان محدّث خراسان في عصره، وكان مقدّماً في الفقه والعلم والأدب، وله الرحلة إلى: العراق، والشام، ومصر، والكوفة وصنّف: المسند

__________________

(١). أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب - مخطوط.

١١٣

الكبير، والجامع، والمعجم. وهو الرّاوية بخراسان لمصنفات الأئمة وكانت إليه الرحلة بخراسان من أقطار الأرض. سمع منه: أبو حاتم محمّد بن حبان البستي، وأبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني الحافظ، وإمام الأئمة أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة ومات في سنة ٣٠٣ وقبره بقرية بالوز مشهور يزار، زرته »(١). .

٢ - الذهبي: « الحسن بن سفيان بن عامر، الحافظ الإِمام، شيخ خراسان قال الحاكم: كان محدّث خراسان في عصره، متقدّماً في التثبّت والكثرة والفهم والفقه والأدب. وقال ابن حبان: كان الحسن ممّن رحل وصنّف وحدّث على تيقّظ، مع صحة الديانة والصلابة في السنّة. وقال أبو بكر أحمد ابن الرازي الحافظ: ليس للحسن في الدنيا نظير »(٢). .

وكذلك ترجم له السبكي وابن قاضي شهبة في ( طبقاتهما ) والسيوطي في ( طبقات الحفّاظ ) حيث ذكروا كلمة الحاكم وغيره في مدحه، ووصفوه بالحفظ والأمامة والتثبّت، وكذلك تجد ترجمته في غيرها من الكتب.

(٧)

رواية أبي يعلى الموصلي

ورواه أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي حيث قال:

« حدّثنا عبيد الله، ثنا جعفر بن سليمان، نا يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -

__________________

(١). الأنساب - البالوزي ٢ / ٥٨.

(٢). تذكرة الحفاظ ٢ / ٧٠٣.

١١٤

سرية، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، قال: فمضى على السرية. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفرٍ أو من غزوةٍ أتوا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قبل أنْ يأتوا منازلهم، فأخبروه بمسيرهم. قال: فأصاب علي جاريةً، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إذا قدموا على رسول الله ليخبروا به. قال: فقدمت السرية على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فأخبروه بمسيرهم، فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، أصاب علي جاريةً. فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال: يا رسول الله صنع علي كذا وكذا. فأعرض عنه.

قال: ثم قام الثالث فقال: يا رسول الله، صنع علي كذا وكذا. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله صنع علي كذا وكذا.

قال: فأقبل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - مغضباً والغضب يعرف في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟ علي منّي فأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١). .

وثاقة رجال الإسناد

ولا يخفى وثاقة رجال هذا السند:

١ - عبيد الله القواريري

أمّا عبيد الله، فهو عبيد الله بن عمر القواريري:

__________________

(١). مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ رقم ٣٥٥.

١١٥

السمعاني: « كان ثقةً صدوقاً، مكثراً من الحديث روى عنه: أبو قدامة السرخسي، ومحمّد بن إسحاق الصنعاني، وأبو داود السجستاني، وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، وأحمد بن أبي خيثمة، وأبو القاسم البغوي، وأبو يعلى الموصلي، وغيرهم.

وكان أحمد بن سيّار المروزي يقول: لم أر في جميع من رأيت مثل مسدّد بالبصرة، والقواريري ببغداد، وصدقة بمرو. وثّقه يحيى بن معين وغيره. وقال أبو علي جزرة الحافظ: القواريري. أثبت من الزهراني وأشهر وأعلم بحديث البصرة، وما رأيت أحدا أعلم بحديث البصرة منه.

وتوفي في ذي الحجة سنة ٢٣٥ »(١). .

الذهبي: « خ م د س - عبيد الله بن عمر القواريري، أبو سعيد البصري الحافظ. حدّث بمائة ألف حديث. سمع: حماد بن زيد، وأبا عوانة، وخلقا. وعنه: خ م د، والفريابي، والبغوي، وخلق. وكان يذكر مع مسدّد والزهراني. مات في ذي الحجة ٢٣٥ »(٢). .

ابن حجر: « وعنه: البخاري ومسلم وأبو داود قال ابن معين والعجلي والنسائي: ثقة. وقال صالح جزرة: ثقة صدوق قال: وهو أثبت من الزهراني وأشهر وأعلم بحديث البصرة. قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث. وقال أبو حاتم: صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. وقال مسلمة بن قاسم: ثقة. وفي الزهرة: روى عنه البخاري خمسة، ومسلم أربعين »(٣). .

٢ - جعفر بن سليمان

٣ - يزيد الرشك

__________________

(١). الأنساب - القواريري

(٢). الكاشف ٢ / ٢٠٣ وانظر العبر ودول الإسلام حوادث سنة ٢٣٥.

(٣). تهذيب التهذيب ٧ / ٣٦ وانظر تقريب التهذيب أيضاً ١ / ٥٣٧.

١١٦

٤ - المطرف بن عبد الله

وهؤلاء عرفت وثاقتهم وشيئاً من مناقبهم فيما سبق.

ترجمة أبي يعلى

ولنذكر طرفاً من كلماتهم في الثناء على أبي يعلى الموصلي:

١ - ابن حبّان: « أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى بن عيسى بن هلال التميمي أبو يعلى، من أهل الموصل، من المتقنين في الروايات والمواظبين على رعاية الدين وأسباب الطاعات. مات سنة ٣٠٧ »(١). .

٢ - الذهبي: « أبو يعلى الموصلي، الحافظ الثقة، محدّث الجزيرة قال يزيد بن محمّد الأزدي: كان أبو يعلى من أهل الصّدق والأمانة والدين والعلم ووثقه ابن حبان ووصفه بالإِتقان والدين ثم قال: وبينه وبين النبيّ ثلاثة أنفس. وقال الحاكم: كنت أرى أبا علي الحافظ معجبا بأبي يعلى وإتقانه وحفظه لحديثه حتى كان لا يخفى عليه منه إلّا اليسير. قال الحاكم: هو ثقة مأمون »(٢). .

٣ - الذهبي أيضاً: « كان ثقة صالحاً متقناً يحفظ حديثه. توفي وله ٩٧ سنة »(٣). .

٤ - الصفدي: « الحافظ صاحب المسند، سمع جماعةً كباراً، وله تصانيف في الزهد وغيره. غلّقت له الأسواق يوم جنازته. وكانت وفاته سنة ٣٠٧ وكنيته أبو يعلى »(٤). .

__________________

(١). الثقات ٨ / ٥٥.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٠٧.

(٣). العبر حوادث ٣٠٧.

(٤). الوافي بالوفيات ٧ / ٢٤١.

١١٧

وكذلك تجد ترجمته في المصادر الاُخرى، وقد وصفوه جميعاً: بالحافظ الثبت الثقة محدّث الجزيرة صاحب المسند

(٨)

رواية ابن جرير الطبري وتصحيحه

رواه محمد بن جرير الطبري في ( تهذيب الآثار ). فقد ذكر المتّقي ما نصه:

« عن عمران بن حصين: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية واستعمل عليها علياً، فغنموا، فصنع علي شيئاً أنكروه. وفي لفظ: فأخذ علي من الغنيمة جاريةً، فتعاقد أربعة من الجيش إذا قدموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أن يعلموه، وكانوا إذا قدموا من سفرٍ بدءوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فسلّموا عليه ونظروا إليه، ثم ينصرفون إلى رحالهم. فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر أن علياً قد أخذ من الغنيمة جارية؟ فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الثالث فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع. فأقبل إليه رسول الله يعرف الغضب في وجهه فقال: ما تريدون من علي! علي منّي وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

ش. وابن جرير وصحّحه »(١). .

__________________

(١). كنز العمال ١٣ / ١٤٢ رقم ٣٦٤٤٤.

١١٨

ترجمة الطبري

ولابن جرير الطبري في كتب القوم تراجم مفصّلة، نلخص بعضها فيما يلي:

١ - ياقوت الحموي: « قال أبو محمّد عبد العزيز بن محمّد الطبري: كان أبو جعفر من الفضل والعلم والذكاء والحفظ على ما لا يجهله أحد عرفه، لجمعه من علوم الإِسلام ما لم نعلمه اجتمع لأحدٍ من هذه الاُمة، ولا ظهر من كتب المصنّفين وانتشر من كتب المؤلّفين ما انتشر له.

وكان راجحاً في علوم القرآن، والقراءات، وعلم التاريخ من الرسل والخلفاء والملوك، واختلاف الفقهاء، مع الرواية لذلك على ما في كتابه:

البسيط، والتهذيب، وأحكام القراءات، من غير تعويل على المناولات والإجازات ولا على ما قيل في الأقوال، بل يذكر ذلك بالأسانيد المشهورة.

وقد بان فضله في علم اللغة والنحو على ما ذكره في كتاب التفسير وكتاب التهذيب مخبراً عن حاله فيه.

وقد كان له قدم في علم الجدل، يدل على ذلك مناقضاته في كتبه على المعارضين لمعاني ما أتى به.

وكان فيه من الزهد والورع والخشوع والأمانة، وتصفية الأعمال وصدق النية وحقائق الأفعال ما دل عليه كتابه في آداب النفوس ».

« كان أبو جعفر يذهب في جلّ مذاهبه إلى ما عليه الجماعة من السلف وطريق أهل العلم المتمسكين بالسّنن، شديداً على مخالفيهم، ماضياً على منهاجهم، لا تأخذه في ذلك ولا في شيء لومة لائم ».

« كان أبو جعفر يذهب في الإِمامة إلى إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وما عليه أصحاب الحديث في التفضيل، وكان يكفّر من خالفه في كلّ مذهب

١١٩

إذا كانت أدلّة العقول تدفع كالقول في القدر، وقول من كفّر أصحاب رسول الله من الروافض والخوارج، ولا يقبل أخبارهم ولا شهاداتهم، وذكر ذلك في كتابه في الشهادات، وفي الرسالة، وفي أول ذيل المذيّل »(١). .

٢ - السمعاني: « وكان أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله. وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحدُ من أهل عصره، وكان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسّنن وطرقها وصحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام، عارفاً بأيّام الناس وأخبارهم قال أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمّد بن جرير وتوفي سنة ٣١٠ »(٢). .

٣ - النووي: « هو الإِمام البارع في أنواع العلوم، وهو في طبقة الترمذي والنسائي. قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: إستوطن الطبري بغداد فأقام بها حتى توفي، وكان أحد الأئمة والعلماء، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه »(٣). .

٤ - الذهبي: « الإِمام العلم الفرد الحافظ أبو جعفر الطبري، أحد الأعلام وصاحب التصانيف قال أبو بكر الخطيب: كان ابن جرير أحد الأئمة وقال أبو حامد الإسفرائيني: لو سافر رجل إلى الصّين في تحصيل تفسير ابن جرير لم يكن كثيراً قال الفرغاني: بثّ مذهب الشافعي ببغداد سنتين واقتدى به، ثمّ اتّسع علمه وأدّاه اجتهاده إلى ما اختاره في كتبه. وقد عرض عليه القضاء فأبى. قال محمّد بن علي بن سهل الإِمام: سمعت ابن جرير قال: من

__________________

(١). معجم الأدباء ٥ / ٢٥٤ - ٢٦٨.

(٢). الأنساب - الطّبري ٨ / ٢٠٥ - ٢٠٧.

(٣). تهذيب الأسماء واللّغات ١ / ٧٨.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

تعني الكلام المنطقي، والنقد أو التفريق بين الجيّد والردئ، وهو من جهة أُخرى نفسه القابلية على الحكم الصحيح. فشرط انتقاء الكلام المنطقي هو تربية القابلية على النقد أو القابلية على الحكم الصحيح.

تربية روح الدعوة إلى العدالة هدف تربوي

نحن نعلم بأنّ العدالة من الدعائم الأصلية للحياة الإنسانية، والمجتمع الذي يسوده الظلم والإجحاف هو مجتمع تنعدم فيه الإنسانية. إنّ المجتمع الإسلامي هو المجتمع الذي يسوده العدل الإلهي، والعمل فيه أساس الملكية، ويعتبر استغلال الناس فيه ذنباً لا يغتفر، ورسالة الأنبياء - من وجهة نظر الإسلام - هي إقامة العدل.

( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ ) ، (الحديد: ٢٥).

وجاء في القرآن الكريم أنّ الله (تعالى) قائم بالقسط. قال تعالى:

( شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لاَ إِلهَ إِلّا هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ.. ) ، (آل عمران: ١٨).

وورد في حديث مشهور أنّ الدنيا تبقى مع الكفر، ولا تبقى مع الظلم، وتمّ التأكيد فيه على خطر الظلم:

«الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم».

وقال تعالى:( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للّهِ ) ، (النساء: ١٣٥).

وفي الآية الكريمة التالية، يأمر الله - تعالى - الناس بالعدل والإحسان:

( إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ.. ) ، (النحل: ٩٠).

والآية التالية، ضمن أمرها بأداء الأمانات إلى أهلها، تؤكّد على مراعاة العدالة

١٤١

عند الحكم بين الناس:

( إِنّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى‏ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ.. ) ، (النساء: ٥٨).

وكما نعلم، فإنّ قائد المسلمين يجب أن يكون عادلاً. قال تعالى:( قل أمَرَ ربّي بالقسط ) . والآية التالية، ضمن دعوتها الناس إلى مراعاة العدالة، تذكّر المسلمين بأن شنآن قوم لا يمنعهم عن الحكم بالعدل، بل يجب مراعاة العدل في كلِّ حال، لأنّه أقرب للتقوى من أيّ عمل آخر، قال تعالى:

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ للّهِ‏ِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى‏ أَلّا تَعْدِلُوا إِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَى‏ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ، (المائدة: ٨).

فينبغي - إذاً - مراعاة العدل في شؤون الحياة كافّة، وفي المجتمع - كما ذكرنا - تشكّل العدالة أساس الحياة الجماعية. ولابدّ من مراعاة العدل في البيت، وفي التعامل مع الآخرين، وفي العلاقات مع الشعوب الأُخرى:

( إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى‏ وَيَنْهَى‏ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ ) ، (النحل: ٩٠).

كما نعلم، فإنّ القائد الديني يجب أن يكون عادلاً، وكذلك حكّام المسلمين، وعلى كلِّ مسلم مراعاة العدالة في تعامله مع الآخرين. ويجب أن يكون المربّي عادلاً، ويعمل على ترسيخ روح الدعوة إلى العدالة بين طلاّبه، كما ينبغي للوالدين مراعاة العدالة أيضاً في علاقة أحدهما بالآخر، أو في علاقتهما مع بقيّة أعضاء العائلة.

ومن أجل أن يدرك الطلاّب معنى العدالة، ويراعوها عملياً في تعاملهم مع الآخرين، لابدّ للمربين من أن يجعلوهم في ظروف محسوسة، ويساعدوهم حتى يلحظوا بأنفسهم العدالة مع الآخرين، ونتائجها. وضمن إدراكهم لمفهوم العدالة، يطابقون أعمالهم مع موازين العدل تدريجاً.

١٤٢

تكامل الإنسان كهدف تربوي

إنّ للإنسان منزلة مرموقة في الرسالة الإسلامية، يقول الباري - تعالى - في الآية السبعين من سورة الإسراء:

( وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطّيّبَاتِ وَفَضّلْنَاهُمْ عَلَى‏ كَثِيرٍ مِمّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) .

هويّة الإنسان

للإنسان - من منظور إسلامي - أبعاد متنوّعة، فهو - من جانب - يقطع مراحل النمو كسائر الكائنات الحيّة، ومن جانب آخر، فإنّ الأبعاد المعنوية والفكرية لشخصيّته تميّزه عن سائر الحيوانات. قال تعالى:

( مِنْ أَيّ شَي‏ءٍ خَلَقَهُ * مِن نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدّرَهُ * ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ ) (عبس: ١٨ - ٢٠).

مراحل النفس

تحدّث الإسلام حول النفس الأمّارة، التي تُرغّب الإنسان في الانجراف وراء الهوى والهوس. قال تعالى:

( إِنّ النّفْسَ لَأَمّارَةُ بِالسّوءِ.. ) ، (يوسف: ٥٣).

( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ.. ) ، (ق: ١٦).

وتحدّث أيضاً حول النفس اللّوامّة، قال تعالى:

( وَلاَ أُقْسِمُ بِالنّفْسِ اللّوّامَةِ ) ، (القيامة: ٢).

وتحدّث كذلك حول النفس المطمئنّة، كما جاء في سورة الفجر، ويبدو أنّ الإنسان عندما يبلغ مرحلة النفس المطمئنّة، فإنّه يتمتع بالاطمئنان الباطني، والهدوء النفسي، بسبب الإيمان والعمل. قال تعالى:

١٤٣

( يَا أَيّتُهَا النّفْسُ الْمُطْمَئِنّةُ * ارْجِعِي إِلَى‏ رَبّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنّتِي ) ، (الفجر: ٢٧ - ٣٠).

والإنسان نفسه، لو خضع للبُعد الحيواني من شخصيّته، وتولّع بالظلم، والفساد، والأنانية، فإنّه يتساقط نحو أكثر المواطن وضاعة وحقارة وخسّة، قال تعالى:

( ثُمّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ) ، (التين: ٥).

الفضيلة والرذيلة في الإنسان

لم يُخلَق الإنسان عاصياً - كما يعتقد النصارى، ولم يخلق محسناً، بل خلق مستعدّاً للفضيلة والرذيلة، مع جنوح فطري نحو الإحسان. وهذا ما تنطق به الآية الكريمة التالية:

( وَنَفْسٍ وَمَا سَوّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسّاهَا ) ، (الشمس: ٧ - ١٠).

وجاء في سورة العصر:

( وَالْعَصْرِ * إِنّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ * إِلّا الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْا بِالصّبْرِ ) .

استقلال الشخص

إنّ إحدى مواصفات النظام الإسلامي هي تربية الإنسان على الاستقلال. وكما نعلم، فإنّ المسلم، بمجرّد بلوغه سنّ الرشد، حيث يستطيع تمييز الحسن من القبيح، أو ما يسمّى بالوقوف على قدميه، فعليه أن يتقصّى مبادئ الدين عن طريق التعقّل والاستدلال. وقلّما نلحظ مذهباً من المذاهب الاجتماعية يدعو أتباعه إلى تقصّي مبادئه وأُسسه عن طريق التعقّل، ومن ثمّ المبادرة إلى قبولها عن نفس

١٤٤

الطريق. وكما مرّ بنا - فيما مضى - فإنّ أغلب المذاهب الاجتماعية تلقّن أتباعها أُسسها ومبادئها. جاء في الآيات التالية:

( بَلِ الإنسان عَلَى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) ، (القيامة: ١٤).

( كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) ، (المدّثّر: ٣٨).

( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَد تَبَيّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَيّ.. ) ، (البقرة: ٢٥٦).

( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّ الْسّمْعَ وَالْبَصَرَ كُلّ أُوْلئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) ، (الإسراء: ٣٦).

مسؤولية الإنسان

إنّ الإنسان - من منظور إسلامي - مسؤول عن أعماله، كما ألمحنا إلى ذلك سابقاً، فهو لم يخلق عاصياً، ولم يكن في مقدور أحد غفران ذنوبه. وكما نعلم، فإنّ أتباع(*) السيّد المسيحعليه‌السلام يعتقدون بأنّ الإنسان مذنب بطبيعته، والسيّد المسيحعليه‌السلام يتكفّل غفران ذنوب الجميع، ولذلك فهو منقذ الناس.

إنّ ما يحصل عليه الإنسان من فائدة هو عطاء عمله. قال تعالى:

( وَأَن لّيْسَ لِلاِْنسَانِ إِلّا مَا سَعَى ) ، (النجم: ٣٩).

( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.. ) ، (فاطر: ١٨).

ويتحقّق عمل الخير أو عمل الشر على يد الإنسان نفسه. قال تعالى:

( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) ، (الزلزلة: ٧ - ٨).

وقال تعالى:( وَأَنّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ) ، (النجم: ٤٠).

____________________

(*) لا نستطيع أن نعبّر عنهم: (أتباع)، لأنّهم لو كانوا كذلك لاتّبعوه حقّاً، في حين هم ليسوا كذلك. فالصحيح هو أن نقول: فإنّ الذين يدّعون أنّهم اتباع.. المعرِّب.

١٤٥

ويظهر الفساد في العالم بسبب الإنسان نفسه. قال تعالى:( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ.. )

(الروم: ٤١).

ويتقرّر التكليف في الإسلام وفقاً لاستعداد الإنسان نفسه، وتعود نتيجة عمله الصالح أو القبيح إليه نفسه. قال تعالى:

( لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ.. ) ، (البقرة: ٢٨٦).

وللمسؤولية بعد جماعي أيضاً. قال تعالى:( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتّقْوَى.. ) ، (المائدة: ٢).

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كُلّكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيّته».

تغيير سلوك الإنسان

يرى الإسلام بأنّ سلوك الإنسان خاضع للتغيير، فحياة الفرد أو حياة الجماعة لم تُشَيّد من قبل، حيث إنّ الإنسان، مع خضوعه للعوامل الجغرافية والبيولوجية والاجتماعية، هو سيّد مصيره، وفي مقدوره تغيير سلوكه متى شاء، بالصمود أمام العوامل المؤثّرة على السلوك، ولابدّ لنا أن نتحدث حول بعض النقاط من أجل توضيح هذا الموضوع.

يعتقد بعض علماء النفس، وعلماء الاجتماع، بأنّ سلوك الفرد والجماعة هو من نتاج البيئة أو الوسط الاجتماعي، فهم لا يقولون بأنّ للبيئة الطبيعية والاجتماعية تأثيراً على سلوك الإنسان فحسب، بل ويرون بأنّ البيئة نفسها هي التي تحدّد شكل سلوكه، مصادرين كلّ دورٍ له.

بكلمة بديلة: إنّهم يرون بإنّ شخصية الإنسان أو قدرته الفكرية والأخلاقية غير مؤثّرة في تغيير سلوكه، فالشخص الذي يعيش في وسط عائلي أو اجتماعي خاص، يعمل بشكل خاص، شئنا أم أبينا،

١٤٦

ولا سبيل له إلاّ تطبيق ماتملي عليه بيئته.

إنّ أنصار مدرسة السلوك - سواء أنصار عالم الفسلجة الروسي (بافلوف)، أو أنصار (واتسون) أو (اسكير) يعتقدون عادة بأنّ البيئة هي التي تحدّد سلوك الفرد أو الجماعة، ولا تأثير لعملية الدراسة في تغيير سلوك الإنسان، إذ هو مرغم على ما يفعله. ومن منظار هؤلاء، فإنّ الحديث حول حريّة الإرادة، وتوجيه الإنسان لأعماله وممارساته، حديث ليس له أيّ معنى.

وهنا ينبغي الالتفات إلى أنّ الإنسان يستطيع الصمود أمام البيئة، فهو قادر على أن يربّي نفسه، أو يُحبط ما تقرّرُه بيئته من خلال الأعمال التربوية، ومن هذا المنطلق، يكون مسؤولاً عن أعماله.

إنّ الإسلام - كما نعلم - يرى بأنّ الأفراد والجماعات مسؤولون عن أعمالهم. ومن وحي هذا المبدأ، يعتقد بأنّ التغييرات الاجتماعية ناتجة عن تغيير الأفراد. لاحظوا الآيات التالية:

( ذلِكَ بِأَنّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى‏ قَوْمٍ حَتّى‏ يُغَيّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.. ) ، (الأنفال: ٥٣).

( ..إِنّ اللّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّى‏ يُغَيّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.. ) ، (الرعد: ١١).

( تِلْكَ أُمّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَا كَسَبْتُمْ.. ) ، (البقرة: ١٣٤).

احترام الإنسان

إنّ من سمات الإسلام البارزة تقويضه المقاييس السابقة في العلاقات الإنسانية، فقد كانت مقاييس التفاضل في الماضي هي: المنصب، والثروة، والموقع الاجتماعي، والجنس واللون، والموقع العائلي، والمَحْتِد، وأمثالها. وممّا يؤسف له أنّنا في القرن العشرين نرى أنّ بعض هذه المقاييس لا يزال سائداً في أجزاء العلاقات الإنسانية أيضاً.

ونلحظ في الساحة الدولية هذا اليوم أنّ أصحاب الشركات متعدّدة الجنسيات،

١٤٧

والعصابات المتكالبة على نهب مصادر الشعوب الاقتصادية والطبيعية وثرواتها، والمتهافتة على تكريس المصادر المالية في العالم لصالحها عن هذا الطريق، هؤلاء جميعاً هم الذين يوجّهون السياسة العالمية وينظّرون لها، وما الحكومات، وعلماء الدين الدنيويّون إلاّ أدوات طيّعة بأيديهم.

ونرى في الأقطار التي تقوّضت فيها سيادة المال، أنّ الذين يشغلون المناصب الرسمية التي حصلوا عليها بواسطة التكتلات، وكمّ الأفواه، والاستعانة بالعسكر، يحظون باحترام خاص، وأنّ كلمة: القوّة العظمى، ودور القوى العظمى في السياسة الدوليّة تكشف لنا هذه الحقيقة، التي تفصح عن سيطرة مثل هذه المفردات على العلاقات الدولية. ونلحظ كذلك أنّ الحديث يدور في الأوساط الدولية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، بيد أنّ التمييز العنصري، والحرمان الذي تعيشه النساء، والمستضعفون في العالم، ماثلان للعيان في كلِّ مكان. وتظن بعض الشعوب أنّها أفضل من شعوب أُخرى نتيجة الإيحاءات السّيئة.

أمّا في الإسلام، فقد فقدت جميع هذه المقاييس أهميّتها واعتبارها، فلا المال مجلبة للاحترام، ولا المنصب، ولا تأثير للمنسوبية، والموقع الاجتماعي، والعنصرية، والقومية على منزلة الإنسان سلباً أو إيجاباً. فمقياس التفاضل في الإسلام منذ البداية هو الفضيلة والتقوى. وتصرّح الآية الكريمة التالية بذلك فتقول:

( يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى‏ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ.. ) ، (الحجرات: ١٣).

وقد تمّ التأكيد مراراً على هذا المبدأ - القاضي بأن يكون احترام الناس على أساس التقوى والفضيلة - في كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وما احترامهصلى‌الله‌عليه‌وآله لسلمان الفارسي، وبلال الحبشي، وأبي ذر، وكذلك احترامه للنساء الاّ معالم لهذا المبدأ.

١٤٨

الإيمان بكفاءة الناس

يدعم الإسلام مسألة كفاءة الناس في تسيير شؤونهم. وفي عصرنا الحاضر، وبالرغم من أنّ معظم الكتّاب والحكّام يتحدثون حول الشعب وكفاءته، بيد أنّهم يحدّون من تدخّله في الأُمور عمليّاً. وفي البلدان التي تنتهج إيديولوجية خاصّة، يحدّد أعضاء الحزب والكادر القيادي خطّة العمل التي تسير عليها البلاد غالباً، فيصبح تدخّل الشعب في الشؤون السياسية محدوداً. وفي الدول التي تدّعي الديمقراطية، أو حكم الشعب للشعب، يخضع الشعب للدعايات التي يبثّها الجهاز الحاكم، وما القرارات التي تتّخذها مجالس النوّاب في القضايا المتنوّعة إلاّ دليل ساطع على ما نقول، فالتصويت على الحرب الفيتنامية من قِبَل الكونغرس الأميركي، والتصويت على قرارات حكومة العمّال أو المحافظين في إنجلترا في المجالات المتنوّعة، وما يجري في فرنسا أو إيطاليا أو السويد، كلّه يمثّل كيفيّة تأثير الحكومات على الرأي العام لشعوبها بصورة غير مباشرة، ومن ثمّ تنفيذ ما تريده باسم الشعب.

طبيعياً، في حالات تُطرح فيها المصالح الملموسة للشعب، يُحتمل أن تتّخذ البرلمانات قرارات لصالح الشعب. لكنْ يرى الإسلام أنَّ الناس يمتلكون الكفاءة والجدارة في تسيير شؤون بلادهم، وفقاً لصريح الآيتين التاليتين:

( ..وَأَمْرُهُمْ شُورَى‏ بَيْنَهُمْ.. ) ، (الشورى: ٣٨).

( ..وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ.. ) ، (آل عمران: ١٥٩).

وفي عهد الإمام عليعليه‌السلام إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه) نقطة ينبّه عليها وهي: أنّه يمكن معرفة المحسنين ممّا يجري على ألسنة الناس بشأنهم. وفي هذه الفقرة من العهد، يطلب الإمام من مالك أن يشاور الناس في تسيير أمور البلاد.

١٤٩

الأُخوّة والتعاون كهدفين تربويين

ينظر الإسلام إلى الوحدة، والتفاهم، والمساواة، والتعاون بين الناس على أنّها أُمور أساسية. إنّ الإنسان كائن اجتماعي، وهذه الكينونة الاجتماعية تثير مسائل، لا مندوحة أمام الأفكار والنظم التربوية، من ترك الاهتمام بها للحياة الجماعية حالة خاصّة بها.

بكلمة بديلة: إنّ الحياة الجماعية منفصلة عن الحياة الفردية، فأعضاء المجتمع خاضعون للحسّ الشخصي، وفي الآن ذاته، خاضعون للحسّ الجماعي. والحياة الفردية تختلف عن الحياة الجماعية من حيث الظروف، والامكانيات، والأهداف. وهناك بعض الأشخاص يهتمّون بحياتهم الخصوصية والشخصية، ولا يهتمّون بعلاقاتهم مع الآخرين، ولا بالحياة الجماعية ومشاكلها ومتمخضاتها، فهم يرون أنّه لو عولجت المشاكل الشخصية، فإنّ الأرضية الاجتماعية سوف تكون مساعدة بذاتها. وتتركز جهود هؤلاء على تأمين الرفاه والمصالح الفردية. ولو كان جميع أعضاء المجتمع يحملون هذا اللون من التفكير، لأُهملت الحياة الجماعية ومشاكلها، ولظّلت المشاكل المنبثقة عن الحياة الجماعية مستعصية في مثل هذا المجتمع، بل وتتضاعف يوماً بعد يوم.

بإيجاز: فإنّ الذين يعيشون معاً، يواجهون مسائل وقضايا مصدرها الحياة الجماعية، مضافاً إلى المسائل الشخصية التي يعيشونها. وبما أنّ أحداً لا يأتي من وراء الحجب لعلاج المشاكل الاجتماعية، لذلك تقع المسؤولية على أفراد المجتمع ليبذلوا جهودهم من أجل علاجها.

وينبغي أن يسود التفاهم والانسجام بين الأفراد والجماعات ليتسنّى لهم علاج مشاكلهم. فالحاجات المشتركة والمسائل المتماثلة يجب أن توجِد - لا محالة - وحدةً بين أفراد المجتمع. وعندما يعيش المجتمع حياة سليمة، فإنّ التعاون يشكّل الأُسلوب الأساس للحياة فيه، مضافاً إلى وجود التفاهم والوحدة بين أفراده.

وكما قلنا سابقاً، فإنّ وحدة الهدف، وتقسيم العمل، وتحمّل المشؤولية من قبل جميع الأفراد، وتنسيق

١٥٠

النشاطات، والاستمتاع المشترك بنتائج الأعمال الجماعية، كل ذلك يجري على أفضل صورة في عملية التعاون.

من هذا المنطلق يؤكّد الإسلام على أهميّة مبدأ الأُخوّة، ومبدأ التعاون، وقد أوصت الآيتان التاليتان برعاية هذين المبدأين:

( إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ.. ) ، (الحجرات: ١٠).

( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتّقْوَى‏.. ) ، (المائدة: ٢).

وكما نعلم، فإنّ الناس - في الإسلام - جميعهم أُمّة واحدة(*) .

بكلمة بديلة: إنّ انتماء الأشخاص غير محدود بوحدة العامل الجغرافي، ووحدة اللغة، والعنصر، والقومية. فالهدف هو تأمين مصالح الجميع، وكذلك فإنّ الثقافة المشتركة، والمثل المشتركة ترسّخ دعائم الحياة الجماعية.

الصداقة مع الشعوب الأُخرى إحدى الأهداف التربوية الأساسية أيضاً

كانت المجتمعات البشرية في الماضي تعيش منفصلة عن بعضها البعض، بسبب تأثير الاتّجاهات القومية، والشوفينيّة، والعقائد الدينية. وفي حالات متنوّعة، كانت هذه العوامل بمعيّة المصالح الاقتصادية تشعل فتيل الاختلاف والتناحر بين الشعوب، فتؤدّي إلى نشوب الحرب فيما بينها. ولا زلنا نشهد في عصرنا الحاضر أيضاً تأثير الاتّجاهات الوطنية والمصالح القومية على بعض الشعوب، ومن بينها شعوب الكتلة الاشتراكية، من نحو: ألبانيا، ويوغسلافيا، والصين، والاتّحاد السوفيتي (المنحل)، فتنجم عن اندلاع نار الصراعات والتناقضات فيما بينها.

ومنذ زمن سحيق، وقادة البلدان المختلفة يضربون على وتر التعايش السلمي، ويدافع ميثاق الأُمم المتّحدة عن هذا المبدأ أيضاً، بيد أنّ الواقع العملي يشهد بأنّ

____________________

(*) في الإسلام، المسلمون أُمّة واحدة وليس الناس جميعهم، هذا مع أنّ القرآن صرّح بأنّ الناس كانوا أُمّة واحدة، لكن هذا له معنى آخر غير المعنى الذي يقصده المؤلّف هنا.

١٥١

الدول الرأسمالية والشيوعية جميعها لا تعمل به في كافّة المواضع والحالات.

أمّا الإسلام، فهو لا يوصي بمبدأ التعايش السلمي فحسب، بل تخطّاه إلى أبعد من ذلك، فحثّ أتباعه على إقامة وشائج الصداقة والمحبّة مع الشعوب غير المسلمة كافّة(*) . قال تعالى:

( لَا يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ ) ، (الممتحنة: ٨).

وفي عهد مالك الأشتر، عندما يوصي الإمام عليعليه‌السلام مالكاً بمحبّة الناس والرأفة بهم، لم يفرِّق الإمامعليه‌السلام بين المسلم الذي عبّر عنه بالأخ في الدين، وغير المسلم الذي عبّر عنه بالنظير في الخَلْق.

تربية قوّة التفكّر هدف تربوي أساس

ذكرنا فيما سبق أنّ تربية قوّة التفكّر، والقدرة العقلية، من الأهداف الأساسية للنظام التربوي. يرغّب الله - تعالى - الناس أن يتفكّروا في خلق الكون، فيقول:

( ...وَيَتَفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السّموَات وَالْأَرْضِ... ) ، (آل عمران: ١٩١).

ولا يرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عبادة تبلغ من الأهميّة كما يبلغه التفكّر، فيقول: «لا عبادة كالتفكّر». ويرى أنّ تفكّر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة: «تفكّر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة». ومرّبنا أنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام يرى أنّ التفكّر أفضل من العلم، وأكثر منه قيمة، فيقول: «لا علم كالتفكّر».

____________________

(*) طبعاً بشرط أن لا تعتدي على المسلمين، ولا تحاربهم، ولا تخرجهم من ديارهم.. المعرِّب.

١٥٢

تربية الروح الاجتماعية هدف تربوي أساس

تحدّثنا حول تربية الروح الاجتماعية في القسم الخاص بالبعد الاجتماعي من شخصية الإنسان. ويدلُّ تعبير الأُمّة، وتعبير الأخ، الواردان في القرآن بشأن المسلمين، على أهميّة التضامن والترابط بين أفراد المجتمع. ويذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الالتزام الاجتماعي بصراحة في الحديث المعروف الذي مرّبنا ذكره:

«من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم».

تربية الشخصية الأخلاقية هدف أساس آخر للتربية

إنّ النظام الإسلامي - من جهة - نظام أخلاقي. ولو نظرنا إلى الأخلاق - سواء من الناحية الفردية أو الجماعية - على أنّها هي المبادئ، والمعايير، والأهداف، والحركة تلقاء الكمال المطلق، ففي هذه الحالة، تعتبر الرسالة الإسلامية رسالة أخلاقية، يقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنما بُعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق».

وتعتبر العبادات عاملاً مؤثّراً في تهذيب الأخلاق:

( ...إِنّ الصّلاَةَ تَنْهَى‏ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ... ) ، (العنكبوت: ٤٥).

ذكرنا فيما سبق أنّ التقوى هدف تربوي أساس في الرسالة الإسلامية، وثمّة أهداف أُخرى أيضاً، يمكن استنباطها من القرآن الكريم والمصادر الإسلامية الموثوقة، بيد أنّا نكتفي بذكر ما ارتأيناه من أهداف مذكورة.

إنّ الأهداف التربوية في كلِّ مرحلة من مراحل النموّ، يجب أن تمثّل الحاجات الفردية والاجتماعية للأفراد، وكذلك الأهداف التربوية للمواد الدراسية، عندما تكون ذا بُعد تربويّ حقيقي، فإذا كانت كذلك، فإنّها تحظى بتأييد الإسلام، لذلك فإنّ كلَّ ما يحدث في مرحلة الحضانة، والطفولة، والبلوغ، والكبر، فإنّه ينال نصيبه من الاهتمام والعناية في النظام التربوي للإسلام.

١٥٣

إنّ تعزيز الروح العلمية، والتعرّف على المفاهيم والفرضيات والمبادئ والقوانين في الفروع العلمية، والتعرّف على المجتمع وحضارته وتراثه الثقافي، وتوسيع العلوم والتكنولوجيا، وإيجاد المودّة والمحبّة على صعيد أفراد الأُمّة الإسلامية، وعلى الصعيد العالمي، كلّها من الأهداف الأساسية للرسالة الإسلامية.

الأساليب التربوية في الإسلام

إنّ إحدى خصائص النظام التربوي في الإسلام: تنوّع أساليبه التربوية، حيث تستعمل أساليب متنوّعة في الإسلام لتربية أفراد المجتمع.

ومن بين أساليب التربية الإسلامية، نتحدّث حول الأساليب التالية:

١ - دمج العلم في العمل.

٢ - الجمع بين الإيمان والعمل.

٣ - التربية العلمية.

٤ - المنهج العقلي في التربية الإسلامية.

٥ - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٦ - الجهاد أُسلوب تربوي حاسم.

٧ - المكافأة والعقوبة.

٨ - التوبة أُسلوب تربوي.

٩ - أُسلوب النصح والوعظ.

١٠ - التربية عن طريق ذكرالأمثال.

١١ - التربية عن طريق قصص الأُمم والشعوب.

١٢ - الدعاء والابتهال.

دمج العلم في العمل

لا ينفصل العلم عن العمل في الإسلام، لاحظوا الآية التالية:

( ..إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ.. ) ، (فاطر: ٢٨).

وجاء في (ص٦٧) من الجزء الأوّل من كتاب الكافي، كلام للإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير كلمة العلماء:

«يعني بالعلماء من صدّق فعلُه قولَه، ومن لم يصدّق فعلُه قولَه فليس بعالم».

١٥٤

العلم والعمل في التعليم

وفقاً للأبحاث التي قام بها بعض علماء النفس، فإنّ الطلاّب - في معظم الحالات - يتأثّرون بعمل المعلّم لا بكلامه.

بكلمة بديلة: لو تحدّث المعلّم عن الروح العلمية أو الحكم المنطقي، بيد أنّه - عمليّاً - لم يراعِ الروح العلمية عند إبداء وجهات نظره، فإنّ الطلاّب يتأثّرون بكيفية إبداء وجهات نظره أكثر من كلامه. ومن الناحية التربوية، فإنّ عمل المعلّم أكثر تأثيراً من كلامه في عملية التعليم.

وفي علم النفس، ينظرون إلى التعلّم على أنّه تغيير السلوك عن طريق التجربة.

فلو تعلّم أحد علماً، نتيجته فقط إيداع المواضيع العلمية في الذهن وحفظها، فهو لم يتعلّم ذلك العلم حقيقة. وعندما يقال بأنّ سلوك الإنسان يجب أن يتغيّر في التعليم، فالقصد من هذا التغيير هو تغيير طريقة تفكيره، وعاداته، ورغباته، ومهاراته، وفهمه للمسائل، كل ذلك مقرون مع تحصيل المعلومات.

إنّ دراسة مبحث علمي ما، تكون لها قيمتها عندما يُحدِث الفرد تغييرات أساسية في سلوكه على أثرها، فتعلّم الفيزياء غير محدود بحفظ الطالب عدداً من النظريّات التي تصعّد من مستواه العلمي، فهو يجب أن يقوم بتشخيص المسائل العلمية الأساسية ضمن تحليله للنظريات، ويتعلّم كيفية توضيح المسائل، وطريقة جمع الأدلّة عن طريق المشاهدة والتجربة، وكذلك عن طريق دراسة نظريات العلماء، واستعمال قدرته الفكرية، ويتعلّم كذلك كيفية تسجيل الفرضيات أو النظريات، وكيفية تدقيقها وتقويمها أو كيفية اختيار أفضلها، فلابدّ أن يكون الطالب فاعلاً نشيطاً في هذه العملية. ففي مثل هذه الحالة، لا يتعلّم الفرضيات العلمية فحسب، بل ويتعلّم كيفية استعمال المنهج العلمي، ويربّي في نفسه الروح العلمية أو التفكّر المنطقي خلال عملية التحقيق، ويتعلم العادات العلمية ومهارات الاستدلال الأساسية، فتصبح عنده رغبة في الفرع الذي هو موضع اهتمامه.

ويستعمل الطالب أيضاً المنهج العلمي تدريجاً عند مواجهته مسائل غير علمية، ويمتنع

١٥٥

عن إبداء وجهات نظر خاطئة حول المسائل المتنوّعة. لاحظوا كلام الإمام عليعليه‌السلام الوارد في نهج البلاغة حيث يقول:

«أوضع العلم ما وقف على اللّسان، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان».

علاقة العلم بالتفكّر والأخلاق

نقلنا - فيما سبق - كلاماً للإمام عليعليه‌السلام حول التفكّر وقيمته، وهو: «لا علم كالتفكّر». وأُثر عن الإمام علي والإمام الرضاعليهما‌السلام كلام رواه صاحب الكافي في الجزء الأول من كتابه، (ص٦٧). وذِكرُ هذا الكلام مفيد في توضيح العلاقة القائمة بين العلم والتفكّر والأخلاق.

إنّ ما يُنتظر من عالم ما - عادةً - هو أن لا يدّخر علماً فحسب، بل ويتحلّى بالتفكّر المنطقي، والروح العلمية أيضاً، ويكون أُسوةً وقدوةً من الناحية الأخلاقية.

تحدّثنا - فيما مضى - عن تربية التفكّر في تعلّم العلم، والآن ينبغي أن ننبّه على نقاط جوهرية في المجال الأخلاقي أيضاً.

إنّ تربية الضمير الأخلاقي، والسير وفق معايير أساسية في العلاقات مع الآخرين، هما من الأهداف الأساسية للتربية والتعليم، وينتظر الناس من الدارسين أو العلماء - عادةً - أن يكونوا قدوة في المجال الأخلاقي أيضاً. ويُتوقّع من العلماء أن يقرنوا العلم بالفهم، وأن تكون لهم سيطرة متواصلة على عواطفهم. يقول الإمام عليعليه‌السلام :

«ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكّر»، (أصول الكافي ١/٦٧).

وجاء عن الإمام الرضاعليه‌السلام بعد هذا الحديث قوله:

«إنّ من علامات الفقه الحلم والصمت».

ويقول الإمام عليعليه‌السلام :

«لا يكون السفه والغِرَّة في قلب العالم».

١٥٦

وجاء في (ص٦٨) من الكافي الجزء الأول، كلام مأثور عن السيّد المسيحعليه‌السلام يقول فيه:

«إنّ أحقّ الناس بالخدمة العالم».

ويقول الإمام عليعليه‌السلام :

«يا طالب العلم، إنّ للعالم ثلاث علامات: العلم، والحلم، والصمت».

الجمع بين الإيمان والعمل

قال تعالى:( وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ، (البقرة: ٨٢).

وقال جلّ من قائل:( لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنّبِيّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى‏ حُبّهِ ذَوي الْقُرْبَى‏ وَالْيَتَامَى‏ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ الْسّبِيلِ وَالسّائِلِينَ وَفِي الرّقابِ وَأَقَامَ الصّلاَةَ وَآتَى الزّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضّرّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الّذِينَ صَدَقُوْا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتّقُونَ ) (البقرة: ١٧٧).

وجاء في سورة العصر:( وَالْعَصْرِ * إِنّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ * إِلّا الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْا بِالصّبْرِ ) .

وفي الآيات (١٣٠ إلى ١٣٦) من سورة آل عمران، يمنع الله المؤمنين من الربا، ويدعوهم إلى التقوى، ويذكّرهم بأن يحذروا من النار التي أُعدّت للكافرين، وأن يطيعوا الله ورسوله، ويسارعوا إلى مغفرة من الله، وجنّة عرضها السموات والأرض أُعدّت للمتّقين، ويصف هؤلاء المتّقين، فيقول:

( الّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السّرّاءِ وَالضّرّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ * وَالّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ

١٥٧

وَمَن يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلاّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى‏ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ، (آل عمران: ١٣٤ - ١٣٥).

وتمّ تبيان أعمال المؤمنين أيضاً في الآيات التالية:

الجهاد في سبيل الله والكفاح ضدّ الطاغوت:

( الّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشّيْطَانِ إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ) ، (النساء: ٧٦).

القيام بالقسط:

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ... ) ، (النساء: ١٣٥).

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ للّهِ‏ِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى‏ أَلّا تَعْدِلُوا إِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَى‏ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ، (المائدة: ٨).

حرمة أكل أَموال الناس ومنع الكنز وتكديس الثروة:

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) (التوبة: ٣٤).

الجهاد في سبيل الحق واحتقار الدنيا في مقابل الآخرة:

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إلى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلّا قَلِيلٌ ) ، (التوبة: ٣٨).

١٥٨

تضامن المؤمنين ومودّة بعضهم البعض:

( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ... ) ، (التوبة: ٧١).

الإيمان بالله والرسول والجهاد في سبيل الله:

( إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ ) ، (الحجرات: ١٥).

دمج الإيمان في العقل

ثمّة حدّ بين العقل والإيمان في الثقافة المسيحية عادةً، فمعظم المتكلّمين المسيحيّين، والعلماء في البلدان الغربية، يفصلون نطاق العقل عن نطاق الإيمان. وبعد ظهور التناقض بين بعض النظريات العلمية، والعقائد الواردة في التوراة والإنجيل، قام بعض المتكلّمين والفلاسفة المسيحيين بالتمييز بين الموضوعين في طُرق دراستهما، وذلك من أجل إزالة التناقض القائم بين العلم والدين المسيحي. فخوّلوا العقل والمنهج العقلي أمر العلم والفلسفة، وخوّلوا الإيمان والشعور والاستنباط الشخصي، أمر الدين والأخلاق، والمُثُل بعامّة.

ومحصّلة هذا الفرز هي المحافظة على العقائد العلمية والمنطقية، وفي نفس الوقت، دعم العقائد التي عليها مسحة دينية ظاهرية، وفي الآن ذاته، منسجمة مع الأُسس العلمية والمنطقيّة.

نحن نعلم أنّ أغلب المسيحيّين يعتقدون بالتثليث والوحدة. فمن جهة، يعتقدون بالأقانيم الثلاثة: الله، عيسى، روح القُدُس، ومن جهة أُخرى، يعتبرون هذه الأقانيم الثلاثة أُقنوماً واحداً.

وقد سُمعتْ هذه العبارة الواردة على لسان بعض القساوسة، في أكثر المرّات، وهي قوله: (أنا لا أُدرك مسألة التثليث والوحدة - البُعد العقلي - بيد أنّي أعتقد بهما - البُعد الإيماني -).

١٥٩

ويطرحون هذه القضية نفسها فيما يخصّ القيم الأخلاقية، فيفرضون مبدأ الحسن والقبح مبدأً إيمانياً أو مبدأً متوكّئاً على الشعور والاستنباط الشخصي، ويعتبرون القضايا العلمية أحكاماً حِسيَّة مادية ملموسة.

ويدور الحديث في الكتب الفلسفية وكتابات المتكلّمين المسيحيّين، حول ضربين من الحُكْم: الحكم المادّي أو التقويم العلمي، والحُكْم المثالي أو التقويم المثالي. فيمكن أن يكون أمر ما قبيحاً من الناحية العقلية، بيد أنّ الإنسان يستحسنه.

وبفصل الحُكْم المثالي عن الحُكْم العقلي أو العلمي، تزول المنازعات الكلامية بين العلماء وأرباب الكنيسة. والآن لابدّ أن نلاحظ، هل يمكن - حقيقةً - التفريق بين هذين الضربين من الحكم؟

كما قلنا - فيما مضى - فإنّ الإسلام لا يفصل بين هذين اللونين من الحُكْم أو التقويم، ففي مبادئه وأُسسه، يشكّل الاستدلال والتعقّل أساس اعتقادات الناس. وما يصطلح عليه النظرة الكونية الإسلامية أو النظام التوحيدي في الإسلام، فإنّه يقوم على أساس العقل، ولذلك لا وجود لأيِّ فرق بين الأحكام العلمية والأحكام الفلسفية، ورأينا في القوانين الإسلامية أنّ العقل هو أحد مصادر الاستنباط الرئيسة في الشريعة الإسلامية. وفيما يخصّ القيم الأخلاقية أيضاً - فكما مرّبنا في فصول ماضية - يدعم الإسلام حكم العقل في هذا المجال أيضاً.

ويمتزج العقل في العاطفة في الاعتقادات الدينية أيضاً، فيعتقد الإنسان بوجود الله عن الطريق العقلي، ويضمن هذا الاعتقاد حبّه لله، يقول الإمام عليعليه‌السلام حول الإيمان كما أُثر عنه في نهج البلاغة:

«الإيمان على أربع دعائم: على الصبر واليقين والعدل والجهاد. والصبر منها على أربع شُعَب: على الشوق والشفق والزهد والترقّب. فمن اشتاق إلى الجنّة، سلا عن الشهوات. ومن أشفق من النار، اجتنب المحرّمات. ومن زهد في الدنيا، استهان بالمصيبات. من ارتقب الموت، سارع في الخيرات.

واليقين منها على أربع شُعَب:

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221