التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام25%

التربية والتعليم في الإسلام مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 221

التربية والتعليم في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 163686 / تحميل: 9140
الحجم الحجم الحجم
التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام

مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

ومنعني واحدةً، سألته فأعطاني فيك أنك أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة، وأنت معي معك لواء الحمد وأنت تحمله، وأعطاني أنك وليّ المؤمنين من بعدي ».

وقال: « وروى ابن أبي شيبة - وهو صحيح - عن عمران(١) بن حصين - رضي الله تعالى عنه - قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: علي منّي وأنا منه وعلي ولي كلّ مؤمنٍ بعدي.

وروى الإمام أحمد عن عبدالله بن بريدة [ عن أبيه ] ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليّكم بعدي.

وروى الترمذي وقال حسن غريب، والطبراني في الكبير، والحاكم، عن عمران بن حصين: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن علياً مني وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمن »(٢) .

ترجمته

قال الشعراني ما ملخّصه:

« كان عالماً، صالحاً، متفنّناً في العلم، وألّف السيرة النبوية التي جمعها من ألف كتاب، وأقبل الناس على كتابتها، ومشى فيها على أنموذج لم يسبقه إليه أحد، وكان عزباً لم يتزوَّج قط، وكان حلو المنطق، مهيب المنظر، كثير الصيام

__________________

(١). هذا هو الصحيح. وفي المصدر: عمر.

(٢). سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ١١ / ٢٩٥، ٢٩٦، ٢٩٧.

١٢١

والقيام، بتُّ عنده الليالي فما كنت أراه ينام إلّا قليلاً، وكان لا يقبل من مال الولاة وأعوانهم شيئاً، ولا يأكل من طعامهم »(١) .

وهكذا تجد الثناء بالجميل عليه في:

١ - خلاصة الأثر ٤ / ٢٣٩

٢ - وريحانة الألباء ١ / ٢٧

٣ - معجم المؤلفين ١٢ / ١٣١.

(٨٤)

رواية عبدالحق الدّهلوي

وهو: عبدالحق سيف الدين بن سعد الله الحنفي المتوفى سنة ١٠٥٢.

رواه في شرحه على المشكاة، حيث رواه الخطيب التبرزي(٢) .

ترجمته

وتوجد ترجمته في الكتب المؤلَّفة بتراجم علماء الهند وغيرها، اُنظر من ذلك مثلاً:

١ - سبحة المرجان بذكر علماء هندوستان: ٥٢.

٢ - أبجد العلوم: ٩٠٠

٣ - نزهة الخواطر ٥ / ٢٠١.

__________________

(١). ذيل طبقات الأخيار. عنه مقدمة سبل الهدى والرشاد ١ / ٣٨.

(٢). أشعة اللمعات في شرح المشكاة ٤ / ٦٦٥.

١٢٢

قال الأخير: « هو الشيخ الإمام، العالم العلّامة، المحدث الفقيه، شيخ الإسلام، وأعلم العلماء الأعلام، وحامل راية العلم والعمل في المشايخ الكرام، أوّل من نشر علم الحديث بأرض الهند، تصنيفاً وتدريساً ».

(٨٥)

رواية العصامي

وهو: عبدالملك بن حسين المكي المتوفى سنة ١١١١.

وقد رواه في عداد فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إذ قال:

« الحديث السادس والثلاثون:

عن البراء بن عازب قال: كنا عند النبي صلّى الله عليه وسلّم في سفرٍ، فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله تحت شجرة، فصلّى الظهر وأخذ بيد علي وقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ».

زاد أحمد في المناقب « وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه ».

ورواه أكثر من ثمانية عشر صحابياً.

ولقي عمر بن الخطاب علي بن أبي طالب بعد ذلك فقال له: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

وعن سالم قيل لعمر: إنك تصنع بعلي شيئاً ما نراك تصنعه بأحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: انه مولاي.

١٢٣

وعن عمر وقد جاءه أعرابيان يختصمان فقال لعلي: اقض بينهما يا أبا الحسن، فقضى علي بينهما، فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه وقال: ويحك أتدري من هذا؟ هذا مولاي ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.

وعنه وقد نازعه رجل في مسألة فقال له: بيني وبينك هذا الجالس - وأشار إلى علي بن أبي طالب - فقال الرجل: هذا الأبطن؟ فنهض عمر عن مجلسه وأخذ بتلبيبه ورفعه من الأرض ثم ضرب به الأرض فقال: أتدري من صغّرت؟ مولاي ومولى كل مؤمن أو مسلم.

خرجهن ابن السمان.

قلت: غدير خم موضع بين مكة والمدينة بالجحفة أو هو قريب منها على يمين الذاهب الى المدينة.

الحديث السابع والثلاثون.

عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرية واستعمل عليها عليّاً. قال فمضى على السرية فأصاب جارية، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: إذا لقينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبرناه بما صنع.

قال عمران بن حصين: وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدءوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم.

فلما قدمت السرية سلّموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا. فأعرض عنه. ثم قام

١٢٤

الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه. ثم قام الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا فأقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والغضب يعرف في وجهه فقال:

ماذا تريدون من علي؟ ثلاث مِرَارٍ. ان علياً مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي.

خرجه الترمذي وأبو حاتم وأحمد.

الحديث الثامن والثلاثون.

عن بريدة بن الحصيب قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرية وأمّر عليها رجلاً وأنا فيها فأصبنا سبياً، فكتب الرجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ابعث لنا من يخمّسه. فبعث علياً، وفي السبي وصيفة من أفضل السبي، قال فخمّس وقسّم، قال فخرج ورأسه يقطر، فقلنا يا أبا الحسن ما هذا؟ قال: ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي فإني قسّمت وخمّست فصارت في الخمس، ثم صارت من آل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم صارت من آل علي ووقعت بها.

فكتب الرجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك.

فقلت للرجل ابعثني مصدقاً فبعثني.

قال بريدة: فجعلت أقرأ الكتاب وأقول صدق، فأمسك النبي صلّى الله عليه وسلّم يدي والكتاب وقال لي: تبغض علياً؟ قلت: نعم. قال: فلا تبغضه، وإن كنت تحبّه فازدد له حباً، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة.

١٢٥

قال بريدة: فما كان من الناس أحد بعد قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحب إلي من علي.

وفي رواية: لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي.

خرجهما الإمام أحمد بن حنبل.

الحديث التاسع والثلاثون.

عن بريدة أيضاً « من كنت وليه فعلي وليه » أخرجه أبو حاتم.

الحديث الأربعون.

عن بريدة أيضا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ونصب الصراط على جسر جهنم ما جازها أحد حتى كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب ». خرّجه الحاكمي.

الحديث الحادي والأربعون.

عن ابن مسعود قال: أنا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيد علي وقال: « هذا وليي وأنا وليه، واليت من والاه وعاديت من عاداه » أخرجه الحاكمي.

وعن أبي صالح قال: لما حضرت ابن عباس الوفاة قال: اللهمّ إني أتقرب إليك بولاية علي بن أبي طالب.

خرّجه أحمد في المناقب »(١) .

__________________

(١). سمط النجوم العوالي ٢ / ٤٨٤.

١٢٦

ترجمته

وتوجد ترجمة العصامي في:

١ - البدر الطالع ١ / ٤٠٢

٢ - سلك الدرر ٣ / ١٣٩

٣ - معجم المؤلّفين ٦ / ١٨٢

(٨٦)

رواية الجلوتي الواعظ

وهو: الشيخ يعقوب.

رواه حيث قال: « وعن البراء قال صلّى الله عليه وسلّم لعلي: أنت منّي وأنا منك.

وعن عمران بن حصين: إنّ علياً مني وأنا منه وهو وليّ كل مؤمن »(١) .

(٨٧)

رواية الطرابزوني

وهو: الشيخ محمد المدني.

رواه بقوله: « وأخرج الترمذي بإسنادٍ قوي عن عمران بن حصين في قصّة قال فيها: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما تريدون من علي؟ إنّ

__________________

(٢). المفاتيح شرح المصابيح - مخطوط، عن نسخته الأصلية، فرغ منها سنة ١١٣٩.

١٢٧

عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي »(١) .

(٨٨)

رواية المرعي المقدسي

رواه بلفظ: « إنّ علياً منّي وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمنٍ بعدي »(٢) .

(٨٩)

رواية الكمشخانوي

وهو: أحمد بن مصطفى النقشبندي الحنفي، المتوفى سنة ١٣١١.

روى حديث: سألت الله يا علي فيك خمساً

عن الخطيب والرافعي، عن علي.

وقد تقدّم لفظه.

(٩٠)

رواية النبهاني

وهو: أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل الشافعي، المتوفى سنة ١٣٥٠.

روى حديث الولاية في بعض مؤلَّفاته عن عمران بن حصين(٣) .

__________________

(١). شرح أسماء أهل بدر - مخطوط. فرغ من تأليفه ١١٧٤ نقلاً عن نسخةٍ تاريخا ١١٧٥.

(٢). تلخيص أوصاف المصطفى وذكر من بعده من الخلفا - مخطوط. قال: « لم أذكر في هذا المجموع اللطيف إلّاما كان صحيحاً أو حسناً عند المحدّثين، ولم أذكر فيه من ذلك إلاّما اعتمده العلماء الراسخون ».

(٣). الفتح الكبير ٣ / ٨٨. الشرف المؤيد: ٥٨.

١٢٨

ترجمته

وترجم له صاحب ( معجم المؤلّفين ) مستفيداً من مصادر كثيرة ذكرها، فقال ما ملخّصه:

« أديب، شاعر، صوفي، من القضاة، رحل إلى مصر، فانتسب إلى الأزهر، وتولّى القضاء في قصبة جنين من أعمال نابلس، ورحل إلى القسطنطينية، وعيّن قاضياً كوي سنجق من أعمال ولاية الموصل، فرئيساً لمحكمة الجزاء باللاذقية، ثم بالقدس، فرئيساً لمحكمة الحقوق ببيروت، وسافر إلى المدينة مجاوراً. ونشبت الحرب العامة الاولى، فعاد إلى مسقط رأسه إجزم، وتوفي بها في ٢٩ رمضان» أي من سنة ١٣٥٠. ثم ذكر عدداً من تآليفه الكثيرة(١) .

(٩١)

رواية المباركفوري

وهو: أبو العلى محمّد عبدالرحمان بن عبدالرحيم، المتوفى سنة ١٣٥٣.

رواه في ( شرح الترمذي ) حيث رواه الترمذي عن عمران بن حصين(٢) .

__________________

(١). معجم المؤلفين ١٣ / ٢٧٥.

(٢). تحفة الأحوذي في شرح الترمذي ١٠ / ١٤٥.

١٢٩

(٩٢)

رواية منصور علي ناصف

« عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشاً، وأمّر عليهم علياً، فمضى في السرية، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه. وتعاقد أربعة من الصحابة على أنْ يخبروا النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا رجعوا، وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدأوا برسول الله فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم. فلمـّا قدمت السرية سلّموا على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله، ألم تر إلى علي صنع كذا وكذا، فأعرض عنه النبي. ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه. ثم قام الثالث فقال مثلهما، فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا.

فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والغضب يعرف في وجهه فقال:

ما تريدون من علي - وكرّرها ثلاثاً -؟ ثم قال: إن علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي».

قال الشيخ منصور بشرحه على هذا الحديث:

« النبي صلّى الله عليه وسلّم أعرض عن شكواهم في علي، لأنه ظهر له أن ما فعله علي ليس منكراً وإلّا لأجابهم. وقوله: « وهو ولي كلّ مؤمن بعدي » هذه من قوله( « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » ) أي: وعلي ولي المؤمنين بعدي. وفيها لعلي -رضي‌الله‌عنه - أفخر منقبة»(١) .

__________________

(١). التاج الجامع للأصول ٣ / ٣٣٥.

١٣٠

(٩٣)

رواية الألباني

وهو: الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني المعاصر.

قال في التعليق على حديث عمران بن حصين في ( مشكاة المصابيح ) عن الترمذي: « قلت: وسنده صحيح »(١) .

(٩٤)

رواية عباس أحمد صقر - أحمد عبدالجواد

« قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ منّي وأنا من علي وعليّ وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ش - عن عمران بن حصين »(٢) .

__________________

(١). مشكاة المصابيح ٣ / ١٧٢٠.

(٢). جامع الأحاديث ٤ / ٥٦٧.

١٣١

١٣٢

الفصل الثاني

في الأسانيد المعتبرة

لحديث الولاية

١٣٣

١٣٤

وفي هذا الفصل أوردنا عدّةً من الأسانيد الصحيحة لحديث ( الولاية ) في الكتب المعتبرة لأهل السنّة.

إنّها أسانيد صحيحة على ضوء كلمات العلماء الأعلام في الجرح والتعديل وتراجم الرّجال استخرجناها من الكتب التالية:

١ - كتاب السنّة، لابن أبي عاصم، المتوفى سنة ٢٨٧.

٢ - كتاب خصائص أمير المؤمنين، للنسائي، المتوفى سنة ٣٠٣.

٣ - المعجم الكبير.

٤ - المعجم الأوسط وكلاهما لأبي القاسم الطبراني، المتوفى سنة ٣٦٠.

٥ - معرفة الصحابة.

٦ - حلية الأولياء وكلاهما لأبي نعيم الإصبهاني، المتوفى سنة ٤٣٠.

٧ - تاريخ دمشق، لابن عساكر الدمشقي، المتوفى سنة ٥٧١.

٨ - سير أعلام النبلاء، لشمس الدين الذهبي، المتوفى سنة ٧٤٨.

٩ - البداية والنهاية، لابن كثير الدمشقي، المتوفى سنة ٧٧٤.

وبالله التوفيق.

١٣٥

* قال ابن أبي عاصم:

« ثنا عباس بن الوليد النرس وأبو كامل. قالا:

ثنا جعفر بن سليمان، عن يزيد الرشك، عن مطرف، عن عمران بن حصين، قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: علي منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي ».

أقول:

أمّا ( ابن أبي عاصم ) فهو: أحمد بن عمرو بن الضحّاك بن مخلد الشيباني المتوفّى سنة ٢٨٧، وقد تقدمت ترجمته.

وأمّا ( عباس بن الوليد ) فهو:

من رجال الشيخين والنسائي.

ومن مشايخ: أبي يعلى الموصلي، وعبدالله بن أحمد، وآخرين(١) .

ووصفه الذهبي بـ « الحافظ الإمام الحجة » قال: « وكان متقناً صاحب حديث »(٢) .

وأمّا ( أبو كامل ) فهو: الفضيل بن الحسين الجحدري البصري.

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٥ / ١٣٣.

(٢). سير أعلام النبلاء ١١ / ٢٧.

١٣٦

من رجال الشيخين وأبي داود والنسائي(١) .

وأمّا ( جعفر بن سليمان ) فمن فوقه، فمذكورون في الكتاب بالتفصيل.

* * *

__________________

(١). تهذيب التهذيب ٨ / ٢٩٠.

١٣٧

* وقال الحافظ النسائي:

« ثنا واصل بن عبدالأعلى، عن ابن فضيل، عن الأجلح، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، قال:

بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن مع خالد بن الوليد، وبعث عليّاً على آخر وقال: إنْ التقيتما فعليٌ على الناس، وإنْ تفرّقتما فكلّ واحدٍ منكما على جنده، فلقينا بني زبيد من أهل اليمن، وظفر المسلمون على المشركين، فقاتلنا المقاتلة وسبينا الذريّة، فاصطفى علي جاريةً لنفسه من السبي، فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأمرني أنْ أنال منه.

قال: فدفعت الكتاب إليه، ونلت من علي.

فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

فقلت: هذا مكان العائذ. بعثتني مع رجلٍ، وأمرتني بطاعته، فبلَّغت ما اُرسلت به.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم [ لي ]:

لا تقعنَّ - يا بريدة - في علي، فإنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي »(١) .

__________________

(١). خصائص علي بن أبي طالب: ٧٥.

١٣٨

أقول:

أمّا ( واصل بن عبدالأعلى ) فهو:

من رجال مسلم والأربعة.

ومن مشايخ: أبي حاتم، وأبي زرعة، ومطيَّن، وأبي يعلى، وآخرين.

قال أبو حاتم: صدوق.

وقال مطيّن والنسائي: ثقة.

قال الحافظ: « ثقة »(١) .

وأمّا ( ابن فضيل ) فهو: محمّد بن فضيل بن غزوان.

من رجال الصحاح الستّة.

قال الحافظ: « صدوق عارف، رمي بالتشيّع »(٢) .

وأمّا (الأجلح ) والبقية، فقد عرفتهم في الكتاب.

* * *

__________________

(١). تقريب التهذيب ٢ / ٣٢٨، تهذيب التهذيب ١١ / ٩٢.

(٢). تقريب التهذيب ٢ / ٢٠٠.

١٣٩

* وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني:

« حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، ثنا العباس بن الوليد الفرضي(١) .

ح وحدثنا معاذ بن المثنى، فنا مسدد.

ح وحدثنا بشر بن موسى والحسن بن المتوكّل البغدادي، ثنا خالد بن(٢) يزيد العدني.

قالوا:

ثنا جعفر بن سليمان، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبدالله، عن عمران بن حصين، قال:

« بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرية، فاستعمل عليهم عليّاً، فمضى على السرية، فأصاب علي جاريةً، فأنكروا ذلك عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: إذا لقينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبرناه بما صنع.

قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفرٍ بدأوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسلّموا عليه ثم انصرفوا.

فلمـّا قدمت السرية، سلّموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقام

__________________

(١). كذا، والصحيح: النرسي. وهو من رجال رواية ابن أبي عاصم.

(٢). كذا، والصحيح: خالد بن أبي يزيد القرني، كما ستعلم.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

على تبصرة الفطنة، وتأوّل الحكمة، وموعظة العِبْرة، وسُنّة الأوّلين. فَمَن تبصّر في الفطنة، تبيّنت له الحكمة. ومن تبيّنت له الحكمة، عرف العِبْرة. ومن عرف العِبْرة، فكأنّما كان في الأوّلين.

والعدل منها على أربع شُعَب: على غائص الفهم، وغور العلم، وزُهرة الحكم، ورساخة الحلم. فمن فهم، علم غور العلم. ومن علم غور العلم، صدر عن شرائع الحكم. ومن حلُم، لم يفرّطْ في أمره، وعاش في الناس حميداً.

والجهاد منها على أربع شُعَب: على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين، فمن أمر بالمعروف، شدّ ظهور المؤمنين، ومن نهى عن المنكر، أرغم أُنوف الكافرين. ومن صدق في المواطن، قضى ما عليه. ومن شنيءَ الفاسقين وغضِب لله، غضِب اللهُ وأرضاه يوم القيامة».

وبما أنّ نقاطاً أساسية وردت في هذا الكلام بشكل مفصّل، لذلك نحجم عن الحديث حولها.

وقد ذُكرتْ أجزاء الإيمان في نهج البلاغة:«الإيمان: معرفة بالقلب، وإقرار باللّسان، وعمل بالأركان».

وعندما تكون هناك معرفة عميقة وموسّعة، وتغطّي جميع وجود الإنسان، فإنّها تبلغ مرحلة الكمال على حدّ تعبير الإمام عليعليه‌السلام : «أوّلُ الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به» ففي هذه الحالة، تغطّي المعرفة مشاعر الإنسان وعواطفه، وتجذبه إلى الموضوع، فيتكهرب ليسير بكلّ وجوده نحو ما عرفه، وصدّقه قلبه. وهنا تصبح السيادة للعقل والإيمان معاً، بالفكر وعمل الإنسان.

التربية العملية

سيرة الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام

إنّ أحد الأساليب التربوية في الإسلام هو التعريف بالأنبياء والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام والصحابة الأبرار (رضي الله عنهم) بوصفهم النماذج التي

١٦١

تمثّل الإسلام. وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومونعليهم‌السلام هم المظهر الحقيقي للإسلام الأصيل، والتجسيد الواقعي له. وكما نعلم، فإنّ السنّة أحد مصادر التشريع الإسلامي المعتبرة. وتطلق السنّة على قول المعصوم وفعله وتقريره، والتقرير هو تأييد المعصوم لعمل يقوم به أحد المسلمين، أو كلام يقوله.

وقد كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومونعليهم‌السلام يتمتعون بوحدة الشخصية التامّة، حيث كانوا يطبّقون ما يعتقدون به أو يبلّغونه.

بكلمة بديلة: كانت عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم متناسقة منسجمة. ومن وحي هذا المبدأ، فإنّ قولهم وفعلهم وتقريرهم حجّة، ومصدر للأحكام الإسلامية.

وكانت الوحدة والتناسق ملحوظين في سلوكهم، فكانوا مربّين عمليّين، ووسائل لاستمرار الرسالة وديمومتها، ومعايير للسلوك الإسلامي.

والمسلمون لم يسمعوا كلامهم فحسب، بل كانوا يشاهدون أعمالهم عن قرب. وكما ذكرنا في موضوع دمج العلم في العمل، فإنّ هذا الأُسلوب التربوي مؤثّر تماماً في تغيير سلوك الإنسان.

بالنسبة الينا نحن المسلمين، فإنّنا نعتقد أنّ تعاليم الأئمّةعليهم‌السلام قيمّة، وكذلك مطالعة قصصهم وأساليب حياتهم.

وفي متناول أيدينا كتب عديدة حول سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، تعتبر بمثابة مصادر للتربية الإسلامية العملية.

ننقل الآن عدداً من النماذج المتعلّقة بسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام .

قيمة العلم

نحن نعلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اعتبر طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم ومسلمة، وكان يرى أنّ مِداد العلماء أفضل من دماء الشهداء. وقد وردت

١٦٢

القصّة التالية في الجزء الأوّل من كتاب (قصص الأبرار) للمرحوم آية الله مطهّري، نقلاً عن كتاب (منية المريد):

دخل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم مسجد المدينة، فشاهد جماعتين من الناس، كانت الجماعة الأُولى منشغلة بالعبادة والذكر. والأُخرى بالتعليم والتعلّم، فألقى عليهما نظرة فرح واستبشار وقال للذين كانوا برفقته مشيراً إلى الفئة الثانية: ما أحسن ما يقوم به هؤلاء، ثمّ أضاف قائلاً: إنّما بُعثت للتعليم. ثمّ ذهب وجلس مع الجماعة الثانية.

ووردت القصّة التالية في الجزء الثاني من نفس الكتاب حول وصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمشاركة في مجلس العلماء.

جاء رجل من الأنصار إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله، أتّفقت جنازة، ومجلس عالم في وقت واحد فأيّهما أحبّ اليك أن أشهد؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن كان للجنازة من يتبعها ويدفنها، فإنّ حضور مجلس عالم أفضل من حضور ألف جنازة، ومن عيادة ألف مريض، ومن قيام ألف ليلة، ومن صيام ألف يوم،.... أما علمتَ أنّ الله يطاع بالعلم ويُعبد بالعلم؟ وخير الدنيا والآخرة مع العلم، وشرّ الدنيا والآخرة مع الجهل.

التعاون في شؤون الحياة اليومية

نحن نعلم بأنّ التعاون شرط مهم لاستمرار الحياة الإنسانية. فوجود الهدف المشترك، وضرورة تقسيم العمل، وتحمّل المسؤولية، وتنسيق الأعمال والنشاطات، ولمس الناس نتائج عمل بعضهم البعض، كلُّ ذلك يوضّح لنا أهميّة التعاون بين الناس. وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتّقْوَى... ) .

وحول التعاون، وردت الحكاية التالية في كتاب: (قصص الأبرار) نقلاً عن (كحل البصر).

١٦٣

اتّفق صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة على تقسيم الأعمال بينهم، لإعداد طعام لهم، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أمّا أنا فعليّ جمع الحطب، فقال الصحابة: نحن نكفيك يا رسول الله، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أعلم ذلك، إلاّ أنّني اكره أن أتميّز عليكم، فإنّ الله يكره من عبده أن يراه متميّزاً بين أصحابه. فجمع مقداراً من الحطب وأتى به».

خدمة الناس

إنّ خدمة الناس من الواجبات الملقاة على عاتق المسلمين، يقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «خير الناس من نفع الناس». ويقول: «من أصبح ولم يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم». فالسَّعي لقضاء حوائج الآخرين من الواجبات الملقاة على عاتق المسلمين أيضاً. جاء في حكاية القافلة التي كانت تريد الحج:

التحق رجل في طريق مكة بقافلة كان يعرف رجالها، فرأى الإمام السجادعليه‌السلام مشغولاً في خدمة رجال القافلة. فسألهم: أتعرفون هذا الرجل المشغول بخدمتكم وانجاز أعمالكم؟ فقالوا: لا. فقال: إنّه عليّ بن الحسين، زين العابدين. فنهض رجال القافلة، وتقدموا صوب الإمامعليه‌السلام معتذرين نادمين، فقالعليه‌السلام : إنّما رغبت بكم رفقاء للسفر لأنكم لا تعرفونني... ولهذا فإنّني أرغب أن أُسافر مع الذين لا يعرفونني كي أحظى بخدمتهم.

وجاء في الجزء الثاني من كتاب: (قصص الأبرار) تحت عنوان: (السعي في قضاء حاجة المؤمن): دخل رجل على الإمام الصادقعليه‌السلام ، وكانت عنده حاجة. فأمر الإمام أحد أصحابه لقضائها. وبعد قضاء الحاجة، قال الإمام: أما إنّك إذا أعنت أخاك المسلم أحبّ اليّ من طواف أُسبوع بالبيت. ثمّ أضاف وإنّ رجلاً أتى الإمام الحسنعليه‌السلام وقال: أعنّي على قضاء حاجة، فتنعّل الإمام وقام معه، فمرّا على الحسينعليه‌السلام وهو قائم يصلّي، فقال الإمام الحسنعليه‌السلام

١٦٤

للرجل: أين كنت عن أبي عبد الله تستعينه على حاجتك؟ قال: أردتُ أن أُعلمه بحاجتي، فأخبرني بأنّه معتكف. فقال الإمامعليه‌السلام : أما إنّه لو أعانك، كان خيراً له من اعتكافه شهراً.

وأُثر عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، ثلاثة أشياء حول حقوق المسلمين فيما بينهم: مراعاة العدل، عدم إمساك المال عن الآخرين، وذكر الله في كلِّ حال. وجاء في كتاب (قصص الأبرار) أنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام ، عندما لقي رجلاً نصرانياً أعمى، قال ما مضمونه: على الحكومة تأمين نفقاته.

السيطرة على العواطف

ذكرنا - فيما مضى - بأنّ إحدى نتائج النموّ العاطفي: السيطرة على العواطف، جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:

( ...وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ... ) ، (آل عمران: ١٣٤).

وفي مطالعة القصّة التالية، التي نقلناها فيما سبق، فائدة تعليمية توجيهيّة: أراد رجل نصراني أن يستهزئ بالإمام محمّد بن عليّ بن الحسين الملقّب بـ (الباقر)، فقال له: أنت بقرة. وبكلِّ سماحته ولطفه أجابه الباقرعليه‌السلام : لا، أنا الباقر. فمضى النصراني يُمعن باستخفافه بالإمام، فقال: أنت ابن الطبّاخة، فقال: تلك هي حرفتها! فقال: أنت ابن السوداء الزنجية البذيئة. فأجابه الإمام: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت، غفر الله لك.

إنّ صفح الإمامعليه‌السلام وحلمه، أوجدا في نفس النصراني وروحيّته انقلاباً، أدّى بالنتيجة إلى إسلامه. وقصّة لقاء الرجل الشامي مع الإمام الحسنعليه‌السلام قصّة رائعة:

عندما عرف رجل شامي الإمام الحسنعليه‌السلام بالغ في شتمه وشتم أبيه. (وكان سبّ الإمام عليعليه‌السلام وأولاده سائداً في الشام بسبب إيحاءات

١٦٥

السلطة الأمويّة). ثمّ سأله الإمام: أَمِن أهل الشام أنت؟ فقال: نعم. فبدأ الحسنعليه‌السلام يلاطفه، ودعاه إلى بيته، وقال له: إبسط لنا حاجتك وما يعرض لك، تجدني عند أفضل ظنّك، إن شاء الله. فضاقت الأرض على الشامي الذي كان يتوقّع ردَّ فعلٍ شديد يصدر عن الإمام الحسنعليه‌السلام ، فخجل، ثمّ انصرف معتذراً.

مساواة الناس أمام القانون

للنظام الإسلامي خاصيّتان رئيستان:

الأُولى: القانون فيه يسود الناس، فالنبيّ، والأئمّة، وعلماء الدين، كلّهم يسيرون على القانون الإلهي.الثانية: يُطبّق القانون على الجميع بصورة واحدة. وما أروع قصّة ذلك الرجل المسيحي والدرع!،

ضاعت دِرْع الإمام عليعليه‌السلام أيّام حكومته بالكوفة، وبعد مدّة، وُجدت عند رجل مسيحي، فأقبل به إلى أحد القضاة، فقال له: إنّها درعي ولم أبع ولم أهب. فأنكر المسيحي ذلك، فطلب القاضي من الإمام بيّنة على مدّعاه. (البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر). فقال الإمام: مالي بيّنة. ثمّ ترك المجلس وانصرف بعد أن حكم القاضي بالدرع للرجل المسيحي. بيد أنّ المسيحي دهش من مثل هذا الحكم وانبهر حتى اعترف بأنّ الدرع لأمير المؤمنينعليه‌السلام ثمّ أسلم.

وفي زمان خلافة عمر، شكا أحد الناس عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إلى عمر بن الخطّاب في خصومة وقعت بينهما، فأحضرهما، ثمّ خاطب الشاكي باسمه، وخاطب الإمام بكنيته قاصداً أن يحترمه، فاعترض الإمام متأثّراً، وهو يقول لعمر: لم تسوّ بيني وبينه.

١٦٦

حياة المستضعفين

كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام عليعليه‌السلام يجسّدان المثل الأعلى للحاكم الإسلامي، فكانا يساويان أنفسهما بضَعَفَة الناس، عندما كانا حاكمين، وكانا يجهدان أن تظلّ حياتهما بمستوى حياة المستضعفين. وفي قصّة الإمام عليعليه‌السلام مع عاصم - المنقولة في كتاب (قصص الأبرار)، ضمن توضيح هذا الموضوع - أمران آخران يُطرحان في النظام الإسلامي، وهما:

أوّلاً: يجب أن يقنع الناس في حياتهم بالضروريات، ويتجنبوا الإسراف.

ثانياً: عدم جواز ترك الدنيا، وعدم جواز التقتير على النفس والعائلة. قال تعالى:

( ..وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ.. ) ، (البقرة: ٢١٩).

وعندما كان الإمام عليعليه‌السلام مقيماً في البصرة، ذهب ذات يوم لزيارة أحد أصحابه، وهو العلاء بن زياد الحارثي، وبعد أن وقعت عينه على دار العلاء، قال:

«ما كنتَ تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا، وأنت إليها في الآخرة كنتَ أحوج؟ وبَلى إن شئتَ بلغتَ بها الآخرة: تَقري فيها الضيف، وتصل فيها الرّحم، وتُطلع منها الحقوق مطالعَها، فإذاً أنتَ قد بلغت بها الآخرة. فقال لَهُ العلاء: يا أمير المؤمنين، أشكو اليك أخي عاصمَ بن زياد. قال: وماله؟ قال: لبس العباءة وتخلّى عن الدنيا. قال: علَيّ به. فلما جاء، قال:... أما رحمتَ أهلك وَوَلدَك؟ أترى الله أحلَّ لك الطيّبات وهو يكره أن تأخذَها! أنت أهونُ على الله من ذلك. قال: يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسِك وجشوبة مأكلك! قال: ويحك، إنّي لستُ كأنت. إنّ الله تعالى فرض على أئمّة العدل أن يُقدّروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيّغ بالفقير فَقرهُ).

وعندما احتاج الإمام علي وفاطمةعليهما‌السلام إلى خادمة، طُرح هذا الموضوع على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرغّب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمةعليها‌السلام

١٦٧

بالتسبيح.

منع تكديس الثروة

نحن نعلم أنّ القرآن الكريم قد صرّح بمنع تكديس الثروة، قال تعالى:

( ..وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ، (التوبة: ٣٤).

وذكر عمل الإمام الصادقعليه‌السلام في كتاب: (قصص الأبرار):

عندما ازدادت عائلة الإمام الصادقعليه‌السلام وأصبح القيام بمهامها ثقيلاً، صمّمعليه‌السلام أن يشتغل بالتجارة، فأعطى مولاه مصادف، ألف دينار، وقال له: تجهّز حتى تسافر إلى مصر. أخذ مصادف رأس المال واشترى به بضاعة لها سوق رائجة عند أهل مصر، واتّجه إلى هناك مع جماعة من التجّار. عندما بلغ التجّار أبواب مصر، صادفوا قافلة خارجة منها، فسألوا تجّارها عن سوق بضاعتهم، فأخبروهم بنفاد البضاعة وبحاجة الناس إليها، ففرح التجّار القادمون إلى مصر واتّفقوا أن لا يبيعوا إلاّ بربح مضاعف. بيد أن الإمام لم يقبل هذا الربح، وذمّ ما عمله مصادف والتجّار.

مراعاة العدالة

ذكرنا - فيما مضى - أنّ العدالة أحد الدعائم الأساسية للنظام الإسلامي، قال تعالى:

( ..وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ.. ) ، (النساء: ٥٨).

وقال تعالى:( ...وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى‏.. ) ، (الأنعام: ١٥٢).

وسلوك الإمام عليعليه‌السلام مع أخيه عقيل، إنعكاس لمبدأ العدالة، حيث دخل عليه في الكوفة أيّام خلافته، فاندهش لما شاهده من بساطة طعامه. وبعد أن

١٦٨

فرغ من طعامه، قال عقيل: أعطني ما أقضي به دَيني... قالعليه‌السلام : فكم دَيْنُك؟ قال: مائة ألف درهم، فقالعليه‌السلام : لا والله ماهي عندي ولا أملكها، ولكن انتظر حتى الصباح كيما يخرج عطائي فأُواسيكه.... فقال عقيل: بيت المال في يدك، وأنت تسوّفني إلى عطائك، وكم عطاؤك، وما عساه يكون..؟ فقالعليه‌السلام : ما أنا وأنت فيه إلاّ بمنزلة رجل من المسلمين... وبيت المال للمسلمين. وفي ظلّ إصرار عقيل، قالعليه‌السلام : انزل إلى بعض هذه الصناديق (العائدة لأهل السوق) فاكسره وخذ ما فيه، فرفض عقيل ذلك، فردّ الإمامعليه‌السلام قائلاً: أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فأُعطيك أموالهم وقد توكّلوا على الله فيه. بعد ذلك قال له الإمامعليه‌السلام : نسرق من واحد خير من أن نسرق من المسلمين جميعاً!.

قيمة العمل

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ملعون من ألقى كلَّه على الناس». مرّ علي بن أبي حمزة البطائني على الإمام الكاظمعليه‌السلام وهو يعمل في أرضه ويعدّها للزراعة بكلِّ جدّ ونشاط بحيث كان يتصبّب عرقاً، ممّا دعاه إلى سؤاله: جُعلتُ فِداك، أين الرجال؟

لماذا لا تفوّض هذا العمل إلى الآخرين؟

فقال الإمام: ولِمَ أُفوّضه إلى غيري؟... رسول الله وأمير المؤمنين وآبائي كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم.

المعايير الإسلامية

تغيّرت المعايير بعد بزوغ فجر الإسلام، وتبعاً لها، تغيّرت علاقات الناس، وعلاقات الحكّام بهم.

نحن نعلم أنّ عدداً من المسلمين هاجروا إلى الحبشة بسبب الضغوط التي

١٦٩

مارستها قريش ضدهم، وعلى أثر ذلك أراد كبار قريش أن يغروا النجاشي وأعوانه ليهيّئوا بذلك الأرضية من أجل إخراج المسلمين من الحبشة. وبعد أن التقى النجاشي ممثّلي قريش، صمّم أن يتحدث مع المسلمين، فاستعدّ المسلمون لذلك. ونظّم النجاشي لهم مجلساً مهيباً كما يفعل الأباطرة، فدخل عليه المسلمون بكلِّ طمأنينة ووقار، لم تؤثر عليهم عظمته ولم ترهبهم أُبهّته، بل إنهم لم يراعوا مراسم الدخول على الملوك والأباطرة في ذلك الوقت من قبيل الأرض أمام السلطان. وعندما اعترض أعضاء البلاط، أجابوهم فوراً بقولهم: إنّ ديننا الذي لذنا بسببه إلى هنا لا يبيح لنا السجود لغير الله الواحد الأحد.

هنا سألهم النجاشي قائلاً: ما هذا الدين الذي فارقتم قومكم بسببه...؟

فأجابه كبيرهم جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام قائلاً: أيّها الملك كنّا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويّ منّا الضعيف، وكنّا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا لتوحيد الله وعبادته... بعد ذلك تأثّر النجاشي بكلامه، ورفض تسليم المسلمين إلى ممثّلي قريش.. وبعد مدّة أسلم.

(وأثّرت سيرة النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله على نجل حاتم الطائي من خلال تعامله معه، وحديثه مع المرأة العجوز بحضوره، وحياته العاديّة البسيطة، حتى ترك دينه واعتنق الإسلام. (قصص الأبرار، ابن حاتم الطائي، ج٢».

وعندما سيطر الإمام عليعليه‌السلام على الماء في معركة صفّين، فسح المجال لجيش معاوية أن يشربوا منه، على عكس ما فعله معاوية مع المسلمين في جيش الإمام عندما كان مسيطراً على الماء حيث منعهم منه.

وسلوك طاووس اليماني مع السلطان الأموي هشام بن عبد الملك، تجسيد حقيقي للمعايير الإسلامية، فعندما قَدِم هشام مكّة المكرّمة قاصداً الحج، أمر رجاله أن يأتوه برجل من الصحابة، أو من التابعين، فجاؤوه بطاووس اليماني، فلمّا دخل عليه، خلع

١٧٠

نعليه عند حاشية بساطه، وعندما سلّم عليه، لم يسلّم بإمرة المؤمنين، بل قال: السلام عليك، ثمّ جلس بجانبه، وعندما تحدّث معه، لم يخاطبه بكنيته، وإنّما قال له: كيف أنت يا هشام؟

فغضب هشام غضباً شديداً من سلوك طاووس، وقال له: يا طاووس، ما الذي حملك على ما صنعت؟

فأجابه: وما صنعتُ؟ ثمّ قال له: ما صنعتُ إلاّ أشياء مطابقة للشرع... وأنت لست أمير المؤمنين، لأنّ كلّ الناس غير راضين بإمرتك.

وجاء في قصّة الرجل المجهول: أنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام رأى امرأة تحمل قربة الماء على كتفها وهي لا تطيق حملها، فأخذ الإمام القربة وحملها حتى أوصلها إلى دارها. ولمّا علم بوضعها حيث كان زوجها جنديّاً قُتل في مهمّة أرسله الإمام فيها... ذهب وجلب لها اللحم والدقيق والتمر، لسد حاجتها وحاجة أطفالها، ودخل البيت وشاركها في بعض الأعمال. وكان يلوم نفسه أنّه لماذا لم يعجّل في إغاثة هذه المرأة.. بعد ذلك عرفته المرأة أنّه عليّ بن أبي طالب، فاعتذرت منه. فقال لها: وا حيائي منك يا أمة الله فيما قصّرت في أمرك.

احترام الناس على أساس التقوى

ذكرنا - فيما مضى - أنّ الإسلام أحدث ثورة في مقياس التفاضل بين الناس. علماً بأنّ المقياس - سواء في الماضي أو في عصرنا الحاضر - هو المال، والمنصب، والعنصر، والموقع الاجتماعي، والانتماء العائلي، والقومية، وأمثالها. ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلّغ الناس قوله تعالى:

( ..إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ.. ) ، (الحجرات: ١٣).

وأزال هذه المقاييس عمليّاً. وتوضّح لنّا قصّة زواج جويبر من الذلفاء، المذكورة في كتاب (قصص الأبرار) تبدّل هذه المقاييس جيّداً.

كان جويبر من الصّحابة، وكان يقول عن نفسه بأنّه لا مال عنده ولا جَمال

١٧١

ولا حسب ولا نسب، فمن يزوّجه؟ ومن ترغب فيه؟ وهو الفقير القصير الأسود. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جويبر إنّ الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهليّة وضيعا، وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلا... وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلا، إلاّ لمن كان أتقى لله منك وأطوع.

وكانت الذلفاء شابّة جميلة، وابنة أحد أشراف المدينة ووجهائها. واتّباعاً للمعايير الإسلامية، ووفقاً لوصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أقنعت الذلفاء أباها، وصارت زوجة لجويبر.

مكافحة الخرافات

لقد قوّض الإسلام دعائم الخرافات من خلال دعوته إلى الحكمة، والكلام المنطقي، والاتّجاه العقلي. وجاء في قصّة المنجّم أنّه طلب من الإمام عليعليه‌السلام أن يغيّر ساعة تحرّكه ليظفر بعدوّه. فقال له الإمام: سأعمل خلاف ما قلت، ونتحرك الآن دون تأخير. ثمّ وجّه أوامره بالتحرّك متقدّماً نحو العدو.

الانفتاح ورحابة الصدر أمام المخالفين

قلّما تجد نظاماً في العالم كالإسلام في انفتاحه، قال تعالى:

( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ ) ، (البقرة: ٢٥٦).

فالإسلام يؤكّد دائماً على الدليل والبرهان، سواء كان ذلك في مجال التوحيد والشرك، أو في المجالات الأُخرى. قال تعالى:

( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ، (البقرة: ١١١).

وجاء في قصّة (توحيد المفضّل) أنّ رجلاً تأثّر بعد مناظرته مع ابن أبي العوجاء الذي كان من الدهريّين، ووبّخه بحنق وغضب. فقال له ابن أبي العوجاء: إن كنت من أصحاب جعفر بن محمّد الصادق فما هكذا يخاطبنا، ولا بمثل

١٧٢

دليلك يجادلنا، ولقد سمع كلامنا أكثر مما سمعت، فما أفحش في خطابنا، ولا تعدّى في جوابنا، وأنّه الحكيم الرزين العاقل الرصين، لا يعتريه خرق ولا طيش، ولا نزق، ويسمع كلامنا، ويصغي إلينا، ويستغرق حجّتنا حتى اذا استفرغنا ما عندنا، وظننا أنّا قد قطعناه، أدحض حجّتنا بكلام يسير، وخطاب قصير، يلزمنا به الحجّة، ويقطع العذر، ولا نستطيع لجوابه ردّاً. فإنّ كنتَ من أصحابه، فخاطبنا بمثل خطابه.

مواساة الآخرين

جاء في قصّة (مرضى الجذام) المذكورة في كتاب (قصص الأبرار) أنّه كان في المدينة عدد من الأفراد المصابين بالجذام، وكانوا بالإضافة إلى تألّمهم الجسمي يتألّمون نفسيّاً لابتعاد الناس وتنفّرهم منهم. فمرّ عليهم ذات يوم عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، وهو راكب حماراً، وكانوا يتغدّون، فدعوه إلى الغداء، فقال: أما لو لا أنّي صائم لفعلت. ثمّ دعاهم إلى منزله لتناول طعام الغداء لليوم التالي. فلمّا سار الإمام إلى منزله، أمر بطعام، فصنع، ولمّا حضر الضيوف في اليوم التالي، مدّ الخوان وأكل الجميع، وأكل الإمامعليه‌السلام معهم.

مكافحة المتزمّتين

قلنا - فيما تقدّم - أنّ رسالة الإسلام رسالة ثورية، وكان أئمّتناعليهم‌السلام قادة ثوريّين في عصورهم، لم يتوانوا لحظة واحدة عن مكافحة الظلم والفساد والتقليد الأعمى والتزمّت.

وتمثّل قصّة الخوارج والكفاح ضدّهم أبرز أعمال الإمام عليعليه‌السلام وممارساته. فقد جاء في كتاب (قصص الابرار) تحت عنوان: قتل الإمام عليعليه‌السلام مايلي: كان الخوارج أُناساً تظهر عليهم آثار التنسّك، وكانوا لا يكذبون كما اعترف بذلك القاصي والداني، وكان ظاهرهم مليحاً، حيث

١٧٣

كانت علامات السجود ظاهرة على جباههم، ولهم لهجة عجيبة، وكانوا يتلون القرآن كثيراً، ويقيمون الليل بالعبادة، بيد أنّهم كانوا جُهلاء، سفهاء العقول، وينظرون إلى الإسلام بتزمّت وجمود.

كان الإمام عليعليه‌السلام يفتخر بمبارزته معهم، ويعتبرها من الأعمال المهمّة الفريدة، حيث قال: (إنّي فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليجترئَ عليها أحدٌ غيري...).

الوصيّة الأخيرة للإمام عليعليه‌السلام

تحدثنا - فيما سبق - عن التقوى المنبثقة عن أُسلوب التفكّر التوحيدي. وهنا نذكر خاصيّتين من الخصائص الجوهرية التي تُميِّز شخصيّة أئمّة الإسلام عن غيرهم:

الأُولى: شموليّة شخصيّتهم، فهم النموذج البارز للرسالة الإسلامية، والممثّل الحقيقي لها.

وكما يتحدّث الإسلام حول معرفة الله، والتقوى، والحكمة والعلم، والإيثار، والمساواة، والأُخوّة، وأمثال ذلك، فإنّ أئمّة الإسلام أيضاً - سواء كانوا في مقام التوجيه والإرشاد أو في مقام العمل - يمثّلون الأبعاد المتنوّعة للاسلام في سلوكهم.

الثانية: وحدة شخصيّتهم، نلاحظ أنّ الأئمّة المعصومين يتميّزون بشخصية واحدة، سواء كانوا في المسجد، أو البيت، أو في ساحة القتال، أو في المناظرات العلمية، وغير ذلك، فالمبادئ الأساسية هي التي تطبع سلوكهم في جميع الحالات.

وعندما نلقي نظرة قصيرة على وصيّة الإمام عليعليه‌السلام للإمام الحسنعليه‌السلام تتّضح لنا هاتان الخاصيّتان بجلاء. وقد جاء في كتاب (قصص الأبرار)، أنّ هذه الوصيّة هي آخر وصيّة للإمام، حيث قالها وهو طريح الفراش، بسبب سيف ابن ملجم.

ونلتقي في مثل هذا الظرف بوجه عليّعليه‌السلام المتألّق، إذ فكّر في الأبعاد المتنوّعة لرسالة الإسلام، حيث كان الإسلام شغله الشاغل، وفي الوقت ذاته، ودون أن يُبالي بدنوّ أجله، فإنّه يكشف لنا عن وحدة شخصيّته وشموليّتها، ضمن توجيهه وإرشاده الآخرين.

ذُكرت هذه الوصيّة

١٧٤

بالتفصيل في الجزء الثاني من كتاب (قصص الأبرار) تحت عنوان قتل الإمام عليعليه‌السلام ، وننقل منه هنا، النقاط الأساسية فيها بإيجاز:

«... ثم إني أُوصيكَ يا حسن، وجميع أهل بيتي وولْدي، ومن بلغه كتابي، بتقوى الله ربّكم، ولا تموتُّنَ إلاّ وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا، فإنّي سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: صلاح ذات البين أفضلُ من عامّةِ الصلاة والصيام، وإنّ المبيرة الحالقة للدين فسادُ ذات البين، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، انظروا ذوي أرحامكم، فصِلوهم، يهوّن اللهُ عليكم الحساب. الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يُضيّعوا في حضرتكم...، والله الله في جيرانكم، فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بهم، وما زال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورّثهم. والله الله في القرآن، فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم. والله الله في الصلاة، فإنّها خيرُ العمل، وإنها عمود دينكم. والله الله في بيت ربّكم، فلا يخلو منكم ما بقيتم، وإنّه إنْ تُرك، لم تُناظروا.. والله الله في شهر رمضان، فإنّ صيامه جُنّةٌ من النار. والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم.. والله الله في الزكاة، فإنّها تطفي غضب ربّكم. والله الله في ذريّة نبيّكم، فلا يظلمُنَّ بحضرتكم وبين أظهركم.. والله الله في أصحاب نبيّكم..، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بهم. والله الله في الفقراء والمساكين، فأشركوهم في معائشكم. والله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم.. ثمّ قال: الصلاة الصلاة الصلاة. لا تخافوا في الله لومة لائم، يكفيكم الله من آذاكم ومن بغى عليكم. قولوا للناس حُسناً كما أمركم الله (عزّ وجل). ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيُولّي الله أمركم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم. وعليكم يا بنيّ بالتواصل والتباذل والتبارّ، وإيّاكم والتقاطع والتدابر والتفرّق، وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتّقوا الله، إنّ الله شديد العقاب...».

١٧٥

وفيما يخصّ الإمام علياًعليه‌السلام ، فإنّ الرائع هنا هو جواب عديّ بن حاتم والد الطرفات (طرفه وطريف وطارف، أولاده) عندما أراد منه معاوية أن يصف الإمام علياًعليه‌السلام ، فقال، كما يذكر الجزء الثاني من كتاب (قصص الأبرار) تحت عنوان: (أين أبناؤك؟): (كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول عدلاً، ويحكم فصلاً، تتفجّر الحكمة من جوانبه، والعلم من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته. وكان - والله - غزير الدمعة، طويل الفكرة، يحاسب نفسه إذا خلا، ويقلّب كفّيه على ما مضى، يعجبه من اللباس القصير، ومن المعاش الخشن. وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويدنينا إذا أتيناه، ونحن مع تقريبه لنا وقربه منّا لا نكلّمه لهيبته.... يعظّم أهل الدين، ويتحبّب إلى المساكين، لا يخاف القويُّ ظلمَه، ولا ييأس الضعيفُ من عدله).

التعاون في أُمور البيت

كان الإمام عليعليه‌السلام يبذل أقصى جهده في مساعدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وكانا قد قسّما أعمال البيت بينهما، ويتعاملان ببالغ المودّة وعظيم الاحترام. وبالرغم من أنّ الإمامعليه‌السلام كان مكلّفاً بإنجاز أعمال مهمّة خارج البيت، فإنه كان يساعد فاطمةعليها‌السلام عندما رزقها الله الأولاد، فكانت هذه الأُسرة أُسرة نموذجية من جميع النواحي.

وعندما اشتكت امرأة من زوجها في حضرتهعليه‌السلام ، ذهب معها إليه، وردعه عن عمله. ثمّ أوصاه وإيّاها أن يتبادلا الاحترام والمحبّة.

المنهج العقلي في التربية الإسلامية

لقد ذكرنا في الفصل الذي يتحدّث عن خصائص النظام التربوي في الإسلام أنّ أساس النظام التربوي في الإسلام مرتكز على التعقل والفهم. قال تعالى:

١٧٦

( ادْعُ إِلَى‏ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. ) ، (النحل: ١٢٥).

فتمّ التأكيد في هذه الآية على استعمال الحكمة أو الكلام المنطقي.

وجاء في آية أُخرى:( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.. ) ، (الإسراء: ٣٦).

فينبغي قبول مبادئ الدين عن طريق التعقّل. والسلوك الأخلاقي في الإسلام هو السلوك الذي يحظى بدعم العقل وتأييده، وقد تمّ تحديد الأحكام الإسلامية على أساس المصالح والمفاسد الواقعيّة.

والموعظة أُسلوب آخر للإرشاد والتوجيه، ويختلف أفراد النوع الإنساني بعضهم عن بعض في استيعاب الأمور، ففريق يقوم بدراستها وتحليلها عند تعامله مع موقف ما، وفريق آخر يقوم بذلك عن طريق الموعظة والنصيحة.

والمجادلة أُسلوب ثالث يُستفاد منه في ظروف خاصّة. وفي التربية والتعليم، الأصل هو الاستفادة من أساليب متنوّعة تبعاً لظروف الأشخاص والمسائل الموجودة. كما مرّبنا - فيما مضى - فإنّ التعصّب أو التعامل اللامنطقي مع الأمور محظور في الإسلام:

(من تعصّب أو تُعصّب له، خلع رِبقة الإيمان عن عنقه).

يذكر المرحوم مطهّري في الجزء الثاني من كتاب (النظرة الكونية التوحيدية) نقطة، من المناسب أن أذكرها هنا، يقول: (إنّ الإسلام دين الحقيقة والواقع. والإسلام - لغةً - هو التسليم. وهذا دليل على أنّ أوّل شروطه هو التسليم للحقائق والواقعيّات، فكلّ لون من العناد، واللجاجة، والتعصّب، والتقليد الأعمى، والتحيّز، والانانية، مرفوض ومدان من وجهة نظر الإسلام، لأنّه خلاف الحقيقة والواقع).

١٧٧

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

( وَلِتَكُن مِنكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ، (آل عمران: ١٠٤).

( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ... ) ، (آل عمران: ١١٠).

( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُم أَولِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.. ) ، (التوبة: ٧١).

البعد الإرشادي أو التوجيهي

إنّ مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بوصفه أمراً اجتماعياً - ذو بعد إرشادي توجيهي في حالات متنوّعة، ولذلك فهو أُسلوب تربوي جوهري، والإنسان - بطبيعته - يتقبّل الإرشاد والنصح أفضل من توجيه الأوامر إليه. وقد يقاوم مسألة توجيه الأوامر في حالات شتى، وأحياناً يرغب في العمل خلاف الأوامر. ولا ريب فإنّ الإرشاد يطبع الاتّصال بين شخصين أو مجموعتين بطابع إنساني.

واذا كان عمل المربّي أو الوالدين ذا بعد إرشادي، فإنّه يؤثّر أكثر من الأساليب الأُخرى. وعند ممارسة الإرشاد، تُطرح المسألة بصورة أوضح، وتُدرس جوانبها، ويمكن التكهّن بنتائج العمل، ويعرض الطرفان تجاربهما. والإنسان نفسه في رحاب الإرشاد ينتبه إلى حسن العمل أو قبحه، فيقْدم عليه أو يحْجم عنه.

وعندما ينظر إلى مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أنّه واجب، فإنّه يتّخذ طابع الدافع الفردي، وتكون له آثار اجتماعية أيضاً. وعند ذلك يعتزم الإنسان مراقبة أعماله وممارساته، مضافاً إلى ذلك، فإنّه يُبادر إلى إصلاح وضعه قبل أن يقوم الآخرون بتنبيهه. من هذا المنطلق، يشعر بالمسؤولية ذاتياً فيما يخصّ سلوكه، فيحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الآخرون.

١٧٨

في المجال الاجتماعي، يتّخذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طابع المسؤولية المشتركة. فعندما يرى أحد الناس خلافاً بَدَر من شخص ما، فإنه يشعر بالمسؤولية، ويرغب أن يردعه عن ارتكاب ذلك الخلاف. هذا الشعور المشترك يحقّق فائدتين في آنٍ واحد، حيث يردع الإنسان عن ارتكاب الأعمال المشينة، وكذلك يردع المجتمع.

نستخلص من هذا، أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذو بعد تربوي على الصعيدين: الفردي والاجتماعي.

إنّ ترسيخ هذا المبدأ يُفضي إلى استمرار التربية والإصلاح المتواصل. فالفرد يجدّ في مراقبة عمله وضبطه دون انقطاع، وكذلك يفعل المجتمع، مضافاً إلى البعد الإرشادي، فإنّ الناس يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار جهات أُخرى أيضاً في عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالذي يريد أن يردع الآخرين عن ارتكاب عمل مشين، ينبغي له أن يكون مطّلعاً على ماهيّة ذلك العمل حقيقة، ويعلم بأضراره، ويكون في حالة تمكّنه من ممارسة الإرشاد. كما أنّ الظرف يجب أن يكون مساعداً، ويوحي بتأثير ذلك المبدأ وفائدته.

يُطبّق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نسبيّاً على الأشخاص، وفي ظروف معيّنة بأشكال متنوّعة. ويصادف أحياناً أن يكون عمل الشخص المخالف بشكل لا مندوحة معه من استقباحه ورفضه. وأحياناً يكون الإنسان في ظرف لا يستطيع معه أن يصارح الشخص المخالف بعمله، أو يوبّخه، ففي هذه الحالة، يعبّر الامتعاض الباطني من هذا العمل، والتزام جانب الصمت أمام المخالف، أو ترك المكان، عن نوع من الرفض والاحتجاج. ويتّفق حيناً أن يكون الشخص المخالف في حالة يمكن تنبيهه شفوياً. وهنا يضطلع المجتمع بمهمّة توبيخ المخالف وردعه. وقد تكون المخالفة انتهاكاً لحقوق الآخرين أو ممارسةً للظلم ضدّهم، عند ذلك يظهر ردّ الفعل ضدّ المخالف في نمط آخر. ويختلف ردّ الفعل الذي يبديه الناس حيال المخالفين تبعاً للظروف والحالات المتنوّعة.

١٧٩

ننقل هنا فقرة من كلام الإمام عليعليه‌السلام الذي قاله في صفّين حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

«أيّها المؤمنون، إنّه مَنْ رأى عدواناً يُعْمَلُ به، ومنكراً يُدعى إليه، فأنكرَه بقلبهِ فقد سلِمَ وبرئ، ومَنْ أنكرَه بلسانه فقد أُجر وهو أفضلُ من صاحبه، ومَنْ أنكره بالسيف لتكون كلمةُ اللهِ هي العليا وكلمة الظالمين هي السُفلى، فذلك الذي اصابَ سبيلَ الهدى وقام على الطريق، ونوّر في قلبه اليقين».

يتحدّث الإمام هنا حول الظلم والعمل القبيح.

للمخالفة أهميّة خاصّة، وقد يكون لها بُعد اجتماعي. وهنا تُطرح ثلاثة ضروب من ردّ الفعل حيال هذا الموضوع:

الأوّل: الاستنكار القلبي، أي إنّ الإنسان يُنكر عمل المخالفين بقلبه.

الثاني: الاستنكار اللساني.

الثالث: الاستنكار بالسيف. وهنا يثب الإنسان لقبر الظلم والدفاع عن الحق ومكافحة الباطل. ويُلاحَظ هنا أنّ أجر الشخص الثاني أفضل من أجر الأوّل، والثالث وثب في سبيل الحقّ، فردُّ فعله أسمى من ردِّ فعل الآخرين، ويلاحظ أنّ الجهاد ضدّ الظلم في حالة معيّنة يجب أن يتحقّق عن طريق الحرب والصراع المستميت.

في ضوء ما تقدّم، فإنّ نطاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نطاق فسيح الأرجاء. وعلى أصحاب المسؤولية إبداء ردّ فعل قويّ حيال ضروب الخلاف، سواء كان خلافاً لاأخلاقياً بسيطاً ذا بعد فردي، أو كان ظلماً يهدّد حياة المجتمع بالخطر.

ولو كان مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطبَّقاً في المجتمع، فإنه لا يسمح أحد لنفسه أن ينتهك حقوق الآخرين،ومبدئيّاً،لاتتاح أيّة فرصة للظالمين أنينتهكوا حقوق الناس أو يستغلّوهم. وفي مثل هذا المجتمع، لا يبرز أيّ حاكم جائر، وذلك لأنّ الجائرين يعلمون بأنّهم سيكونون وجهاً لوجه، أمام شعوبهم، وستنالهم نقمتهم بمجرّد انتهاكهم لحقوق الآخرين.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221