التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام25%

التربية والتعليم في الإسلام مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 221

التربية والتعليم في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 163676 / تحميل: 9136
الحجم الحجم الحجم
التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام

مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الشافعي(١) - وسيأتي(٢) - فحينئذٍ تجب الزكاة عند الحول.

ومقتضى قول المانعين من الوجوب على المديون المنع هنا ، لأنّه دَين(٣) .

وقيل : لا تجب بمعنى آخر وهو عدم استقرار الملك ، إذ لصاحبها أخذها متى وجدها(٤) .

مسألة ٢٧ : إمكان الأداء شرط في الضمان لا في الوجوب‌ ، فلو لم يتمكّن المسلم من إخراجها بعد الحول حتى تلفت لم يضمن ، ولو تلف بعض النصاب سقط من الفريضة بقدره ، وسيأتي(٥) البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.

أمّا الكافر فإنّ الزكاة وإن وجبت عليه عندنا ، لأنّه مخاطب بالفروع ، وبه قال الشافعي(٦) - خلافا لأحمد وأبي حنيفة(٧) - إلاّ أنّه لا يصح منه أداؤها حال كفره.

فإذا أسلم سقطت عنه وإن كان النصاب موجوداً ، لأنّها عبادة فسقطت بإسلامه ، لقولهعليه‌السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله )(٨) ويستأنف الحول حين الإِسلام.

ولو هلكت بتفريطه حال كفره فلا ضمان وإن أسلم.

وأما المرتدّ فلا يسقط عنه ما وجب عليه حال الإِسلام.

____________________

(١) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٢) يأتي في اللقطة ( المقصد الخامس من كتاب الأمانات ).

(٣) اُنظر : المغني ٢ : ٦٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٤) القائل هو ابن عقيل من الجمهور. اُنظر : المغني ٢ : ٦٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٥) يأتي في المسألة ١٢٤.

(٦) المجموع ٣ : ٤ و ٥ : ٣٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ٤ ، المغني ٢ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٧.

(٨) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٤ و ٢٠٥.

٤١

ثم إن كان عن فطرة انتقلت أمواله إلى ورثته في الحال وإلّا بقيت عليه ، فإذا حال الحول وجبت عليه.

وإذا أخرج في حال الردّة جاز ، وبه قال الشافعي(١) ، كما لو أطعم عن الكفارة ، وفيه له وجه آخر(٢) .

وأمّا الشرائط الخاصة فستأتي عند كلّ صنف إن شاء الله تعالى.

* * *

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٢٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٨ ، مغني المحتاج ١ : ٤٠٨.

(٢) وهو عدم إخراج المرتدّ زكاته حال ردّته. اُنظر : المجموع ٥ : ٣٢٨ ، وفتح العزيز ٥ : ٥١٩.

٤٢

٤٣

المقصد الثاني

في المحلّ‌

وقد أجمع المسلمون كافّة على إيجاب الزكاة في تسعة أشياء : الإِبل ، والبقر ، والغنم ، والذهب ، والفضة ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، واختلفوا في ما زاد على ذلك ، وسيأتي(١) ، فهنا مطالب :

الأول : في زكاة الأنعام‌ ، وفيه فصول :

____________________

(١) يأتي في المسائل ١١٠ - ١١٥.

٤٤

٤٥

الفصل الأول

في زكاة الإِبل‌

مسألة ٢٨ : يشترط فيها أربعة : الملك ، والنصاب ، والسوم ، والحول‌ ، أمّا الملك ، فلما تقدّم(١) : أنّ غير المالك لا زكاة عليه ، وأمّا النصاب فبإجماع المسلمين.

لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس فيما دون خمس ذود(٢) صدقة )(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الخمس من الإِبل شي‌ء »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فالنُصُب في الإِبل ثلاثة عشر نصاباً : خمس ، عشر ، خمس عشرة ، عشرون ، خمس وعشرون ، ستّ وعشرون ، ستّ وثلاثون ، ستّ وأربعون ، إحدى وستّون ، ستّ وسبعون ، إحدى وتسعون ، مائة‌

____________________

(١) تقدّم في المسألة ١١.

(٢) الذود من الإِبل : ما بين الثنتين الى التسع. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ١٧١ « ذود ».

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ١ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن النسائي ٥ : ٤٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٥ و ١٢٠.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦.

٤٦

وإحدى وعشرون ، ثم بعد ذلك أربعون أو خمسون بالغاً ما بلغت عند علمائنا أجمع ، وسيأتي(١) البحث في ذلك.

مسألة ٢٩ : يشترط فيها وفي غيرها من الأنعام السوم‌ ، وهي الراعية المعدّة للدرّ والنسل.

واحترزنا بذلك عن المعلوفة وإن كانت للدّر والنسل ، والعوامل وإن لم تكن معلوفةً ، فإنّه لا زكاة فيهما عند علمائنا أجمع ، وبه قال عليعليه‌السلام ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله ، ومن التابعين : سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد والحسن البصري والنخعي ، ومن الفقهاء : الشافعي وأبو حنيفة والثوري والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين من الغنم السائمة شاة )(٣) دلّ بمفهومه على انتفاء الزكاة عن المعلوفة ، وإلّا كان ذكر الوصف ضائعاً ، بل موهماً للتخصيص ، ولو لم يكن مراداً كان قبيحاً.

وقالعليه‌السلام : ( ليس في البقر العوامل صدقة )(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس على العوامل شي‌ء ، إنّما ذلك على السائمة الراعية »(٥) .

ولأنّ وصف النماء معتبر في الزكاة ، والمعلوفة يستغرق علفها نماءها.

____________________

(١) يأتي في المسائل ٣٥ - ٣٧.

(٢) المجموع ٥ : ٣٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢ ، مختصر المزني : ٤٥ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٥ ، المغني ٢ : ٤٣٨ و ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ و ٥٠١ ، عمدة القارئ ٩ : ٢٢ ، المحلّى ٦ : ٤٥.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٤ و ١١٥ / ٢ و ٣ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٠ بتفاوت فيها.

(٤) المعجم الكبير للطبراني ١١ : ٤٠ / ١٠٩٧٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠٣ / ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٢ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢١ / ٥٩.

٤٧

وقال مالك : تجب في العوامل والمعلوفة. وبه قال ربيعة ومكحول وقتادة(١) .

وقال داود : تجب في عوامل البقر والإبل ومعلوفها دون الغنم(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين شاة شاة ، وفي ثلاثين من البقر تبيع )(٣) ولأنه تجوز الأضحية به فأشبه السائمة.

والحديث يخصّه مفهوم الخطاب ، والفرق بين السائمة والمعلوفة لزوم المؤونة في المعلوفة ، والعوامل معدّة لاستعمال مباح فأشبهت الثياب.

مسألة ٣٠ : لو سامت بعض الحول ، وعلفها البعض الآخر‌ ، قال الشيخ تعالى : يحكم للأغلب(٤) . وبه قال أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعية ، لأنّ اسم السوم لا يزول مع القلّة ، وخفّة المؤونة موجودة فكانت زكاة السوم واجبةً كالزرع إذا سقي سيحاً وناضحاً(٥) .

وقال بعض الشافعية : إن علفها يوماً أو يومين لم يبطل حكم السوم ، وإن علفها ثلاثة أيّام زال حكم السوم ، لأنّ ثلاثة أيّام لا تصبر عن العلف ، وما دون ذلك تصبر عن العلف ، ولا تتلف بتركه(٦) .

وقال بعضهم : إنّما يثبت حكم العلف بأن ينوي علفها ويفعله وإن كان مرّة ، كما لو كان له ذهب فنوى صياغته وصاغه انقطع حوله(٧) .

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، القوانين الفقهية : ١٠٧ ، المغني ٢ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ ، عمدة القارئ ٩ : ٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ / ١٥٧٢.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٨.

(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٦ ، المغني ٢ : ٤٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٦ ، المجموع ٥ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٦) المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٧) حلية العلماء ٣ : ٢٣ ، المجموع ٥ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٦.

٤٨

ولأنّ السوم موجب ، والعلف مسقط ، وإذا اجتمعا غُلّب الإِسقاط ، كما لو كان معه أربعون منها واحدة معلوفة لم تجب ، تغليباً للمسقط ، والزرع اعتبر فيه الأكثر ، لأنّه غير مسقط ، بخلاف مسألتنا.

والأقرب عندي اعتبار الاسم ، فإن بقي عليها اسم السوم وجبت وإلّا سقطت.

فروع :

أ - إذا خرجت عن اسم السوم بالعلف ، ثم عادت إليه استؤنف الحول من حين العود ، ولا فرق بين أن يعلفها مالكها أو غيره ، بإذنه أو بغير إذنه من مال المالك.

ولو علفها من ماله ، فالأقرب إلحاقها بالسائمة ، لعدم المؤونة حينئذٍ ، ولا فرق بين أن يكون العلف لعذر كالثلج أو لا.

ب - لو علفها بقصد قطع الحول وخرجت عن اسم السائمة انقطع الحول.

وقال الشافعي : لا ينقطع(١) . وسيأتي بحثه في قاصد الفرار بالسبك(٢) .

ج - لو تساوى زمان العلف والسوم ، فعندنا لا زكاة ، وعلى قول الشيخ من اعتبار الأغلب ينبغي السقوط أيضاً.

د - لو اعتلفت من نفسها حتى خرجت عن اسم السائمة سقطت الزكاة ، ومن اعتبر القصد من الشافعيّة لم يسقطها ، وأسقطها بعضهم ، لخروجها عن اسم السوم(٣) .

ه- لو غصب سائمته غاصب فلا زكاة عندنا.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٥٨.

(٢) يأتي في الفرع « و» من المسألة ٧١.

(٣) المجموع ٥ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٦ - ٤٩٧.

٤٩

ومن أوجبها في المغصوب فعنده وجهان : الوجوب ، لأنّ فعل الغاصب عديم الأثر ، وكذا لو غصب ذهباً واتّخذ منه حُليّاً لا تسقط. وهو ممنوع.

والعدم ، لفوات شرط السوم ، كما لو ذبح بعض الماشية(١) .

ولو غصب معلوفة وأسامها ، فوجهان : الوجوب ، لحصول الرفق ، كما لو غصب حنطة وبذرها يجب العشر في النابت ، والمنع(٢) ، لما تقدّم.

فإن وجبت قيل : تجب على الغاصب ، لأنّه من فعله. وقيل : على المالك.

ففي رجوعه على الغاصب وجهان : المنع ، لأنّ السبب في الوجوب ملك المالك ، والرجوع ، لأنّه لو لا الإِسامة لم تجب.

وهل يرجع قبل الإِخراج أو بعده؟ وجهان(٣) ؛ وهذا كلّه ساقط عندنا.

مسألة ٣١ : المال الذي تجب فيه الزكاة ضربان : ما هو نماء في نفسه ، وما يرصد للنماء ، فالأول الحبوب والثمار ، فإذا تكامل نماؤه وجبت فيه الزكاة ولا يعتبر فيه حول.

وما يرصد للنماء كالمواشي يرصد للدرّ والنسل ، والذهب والفضّة للتجارة ، فإنه لا تجب فيه الزكاة حتى يمضي حول من حين تمّ نصابه في ملكه ، وبه قال جميع الفقهاء(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٥) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٩ - ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٣) المجموع ٥ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ - ٤٩٨.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦١.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ - ١٠١ / ١٥٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ - ٩١ / ٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٥.

٥٠

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « ليس على العوامل من الإِبل والبقر شي‌ء ، إنما الصدقات على السائمة الراعية ، وكلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه فيه ، فإذا حال الحول وجب عليه »(١) .

وقول الباقرعليه‌السلام : « الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحرّكه »(٢) .

وحكي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قالا : إذا استفاد المال زكّاه في الحال ، ثم تتكرّر الزكاة بتكرّر الحول(٣) ؛ لأنّه مال تجب فيه الزكاة فوجبت حال استفادته كالحبوب والثمار.

والفرق : أن الغلّات يتكامل نماؤها دفعة ، ولهذا لا تتكرّر الزكاة فيها بخلاف هذه.

مسألة ٣٢ : يشترط بقاء النصاب طول الحول‌ ، فلو نقص في وسطه أو أحد طرفيه وكمل اعتبر ابتداء الحول من حين الكمال ، وسقط حكم الأول عند علمائنا ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٥) وهو يقتضي مرور الحول على جميعه.

ولأنّ ما اعتبر في طرفي الحول اعتبر في وسطه كالملك والإِسلام.

وحكي عن أبي حنيفة : أنّ النصاب إذا كمل طرفي الحول لم يضرّ نقصه‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ - ١ ، التهذيب ٤ : ٤١ - ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ - ٦٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٥ - ٩٠.

(٣) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥ ، الميزان للشعراني ٢ : ٢.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦٠ ، المغني ٢ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤.

(٥) تقدمت مصادره في المسألة ٣١.

٥١

في وسطه(١) . وليس بجيّد.

مسألة ٣٣ : وحولان الحول هو مضيّ أحد عشر شهراً كاملة على المال‌ ، فإذا دخل الثاني عشر وجبت الزكاة وإن لم تكمل أيامه ، بل تجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع.

لقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل عن رجل كانت له مائتا درهم فوهبها بعض إخوانه أو ولده أو أهله فراراً من الزكاة : « إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه الزكاة »(٢) .

فروع :

أ - في احتساب الثاني عشر من الحول الأول أو الثاني إشكال ينشأ من أنّه من تمام الأول حقيقةً ، ومن صدق الحولان باستهلال الثاني عشر.

ب - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده يجب الجميع إن فرّط وإلّا فبالنسبة.

ج - لو ارتدّ في أثناء الحول عن فطرة استأنف ورثته الحول ، ولو كان عن غيرها أتمّ.

مسألة ٣٤ : لا تجب الزكاة في السخال‌ وهي أولاد الغنم أوّل ما تلدها حتى يحول عليها الحول من حين سومها ، ولا يبنى على حول الاُمّهات ، فلو كان عنده أربع ، ثم نتجت وجبت الشاة إذا استغنت بالرعي حولاً.

ولو كان عنده خمس ستة أشهر ، ثم نتجت خمساً ، وتمّ الحول وجبت الزكاة في الخمس لا غير عند علمائنا ، وبه قال الحسن البصري والنخعي(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٤)

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٥١ ، المغني ٢ : ٤٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٦ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٦ / ٩٢.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٠ ، المجموع ٥ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٣١.

٥٢

ولأصالة البراءة.

وقال الشافعي : السخال تضمّ إلى الاُمّهات في حولها بثلاث شرائط : أن تكون متولّدةً منها ، وأن تكون الاُمّهات نصاباً ، وأن توجد معها في بعض الحول ، فلو لم تكن متولّدةً منها ، بل كان الأصل نصاباً ، فاستفاد مالاً من غيرها ، وكانت الفائدة من غير عينها لم تضمّ إليها ، وكان حول الفائدة معتبراً بنفسها سواء كانت الفائدة من جنسها بأن يحول على خمسة من الإِبل ستة أشهر ، ثم تملّك خمساً منها أو من غير جنسها مثل أن حال على خمسة من الإِبل ستة أشهر ، ثمّ ملك ثلاثين بقرة.

ولو ملك عشرين شاة ستة أشهر فزادت حتى بلغت أربعين كان ابتداء الحول من حين كملت نصاباً سواء كانت الفائدة من عينها أو من غيرها ؛ لقصور الاُمّهات عن النصاب.

ولو وجدت بعد انقضاء الحول لم تضمّ إليها.

واحتجّ على التبعيّة : بقول عليعليه‌السلام : « اعتد عليهم بالكبار والصغار »(١) .

وقال عمر لساعيه : اعتد عليهم بالسخلة(٢) . ولا مخالف لهما فكان إجماعاً ، ولأنّ النماء إذا تبع الأصل في الملك تبعه في الزكاة كأموال التجارة(٣) .

والجواب : نقول بموجب الحديث ، فإنّ السخال والصغار تجب فيهما الزكاة مع حصول السوم ، ونمنع حكم الأصل.

ونازع أبو حنيفة الشافعي في الشرط الأول ، فقال : إذا استفاد سخالاً‌

____________________

(١و٢) أورد قولهما أبو إسحاق الشيرازي في المهذب ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، والرافعي في فتح العزيز ٥ : ٤٨٣ ، وانظر أيضاً لقول عمر : الموطأ ١ : ٢٦٥ ذيل الحديث ٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠١.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣.

٥٣

من غير غنمه في أثناء الحول ضمّ إلى ماله إذا كان من جنسه ، وكان حول الاُمّهات حول السخال ، وإن لم تكن من جنسه كسخال الإِبل مع الغنم لم تضمّ ، فلو كان عنده خمس من الإِبل حولاً إلّا يوماً فملك خمساً من الإِبل ، ثم مضى اليوم زكّى المالين معاً ، وبه قال مالك(١) .

لكن انفرد أبو حنيفة بأنّه إن زكّى بدلها لم تضمّ مثل أن كان عنده خمس من الإِبل ومائتا درهم أخرج زكاة المائتين ، ثم اشترى بها خمساً من الإِبل لم تضمّ إلى التي كانت عنده في الحول ، وإن لم يزكّ المبدل ضمّهما معاً ، ولو كان عنده عبد وأخرج زكاة الفطرة عنه ، ثم اشترى به خمساً من الإِبل ضمّها إلى ما عنده(٢) .

واحتجّ أبو حنيفة على الضمّ وإن لم يكن من أصله : بأنّ الحول أحد شرطي الزكاة فوجب أن يضمّ المستفاد إلى النصاب فيه كالنصاب - وينتقض بالمزكّى بدله - ولأنّ الضمّ في النصاب إنّما هو في المستقبل فكذا في الحول.

وينتقض بقولهعليه‌السلام : ( ليس في مال المستفيد زكاة حتى يحول عليه الحول )(٣) .

ولأنّها فائدة لم تتولّد ممّا عنده فلم تضمّ إليه في حوله كالتي زكّي بدلها أو كانت من غير جنسه.

ونازع مالك الشافعي في الشرط الثاني ، فقال : لو كانت الغنم أقلّ من أربعين ، ومضى عليها بعض الحول ، ثم توالدت وتمّت الأربعين اعتبر الحول من حين ملك الاُصول ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ؛ لأنّ السخال إنّما تضمّ في الزكاة فتجب أن تضمّ إلى ما دون النصاب كأرباح التجارات(٤) .

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣ - ٤٨٤ ، القوانين الفقهية : ١٠٧ - ١٠٨.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٨٤.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ / ٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٤.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٢ ، التفريع ١ : ٢٨٣ ، المغني ٢ : ٤٧٠ - ٤٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

٥٤

ونمنع الحكم في الأصل ، وللفرق بأنّ مراعاة القيمة في كلّ حال يشقّ فاعتبر آخر الحول بخلاف السخال ؛ لأنّ الزكاة تجب في عينها فلا يشقّ ذلك فيه فاعتبر في جميع الحول ، كما لو تمّت بغير سخالها.

فروع :

أ - لو نتجت بعد الحول وقبل إمكان الأداء لم تضمّ عندنا ، وهو ظاهر.

وللشافعي قولان مبنيّان على وجوب الزكاة هل يتعلّق بإمكان الأداء أم لا؟

فإن قيل : بأنّه شرط الوجوب ضمّت ، وإن قيل : إنّه شرط الضمان لم تضمّ(١) .

ب - لا تؤخذ السخلة في الزكاة إجماعاً ، أمّا عندنا ، فلعدم الوجوب ، وأمّا المخالف ، فلقول عمر : اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يديه ولا تأخذها منهم(٢) .

ولو كان النصاب كلّه صغاراً جاز أخذ الصغيرة ، وإنّما يتصوّر عندهم لو بدّل كباراً بصغار في أثناء الحول ، أو كان عنده نصاب من الكبار فتوالدت نصاباً من الصغار ثم ماتت الاُمّهات ، وحال الحول على الصغار ، وهو ظاهر قول أحمد(٣) .

وقال مالك : لا يؤخذ إلّا كبيرةً تجزي في الاُضحية(٤) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( إنّما حقّنا في الجذعة أو الثنيّة )(٥) .

وهو محمول على ما فيه كبار.

ج - لو ملك نصاباً من الصغار انعقد عليه حول الزكاة من حين ملكه إذا‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) نقله ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٠٩.

(٣و٤) المغني ٢ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٦.

(٥) أورده ابنا قدامة في المغني ١ : ٤٧١ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٠٦.

٥٥

صدق عليه اسم السوم وإلّا فلا.

وقال أبو حنيفة وأحمد - في رواية - : لا ينعقد عليه الحول حتى يبلغ سنّاً يجزئ مثله في الزكاة ، وهو محكي عن الشعبي(١) .

لقولهعليه‌السلام : ( ليس في السخال زكاة )(٢) .

ولأنّ السنّ معنى يتغيّر به الفرض فكان لنقصانه تأثير في الزكاة كالعدد.

وفي رواية عن أحمد : أنّها ينعقد عليها الحول من حين الملك وإن لم تكن سائمةً ؛ لأنّها تعدّ مع غيرها فتعدّ منفردة كالامّهات(٣) ، والعلّة ممنوعة.

د - قد بيّنا أنّه لا زكاة في السخال ، ولا تضمّ مع الاُمّهات ، وعند الشافعي تضمّ بالشروط الثلاثة(٤) .

فلو اختلف الساعي وربّ المال في شرط منها ، فقال المالك : هذه السخال من غيرها ، أو كانت أقلّ من نصاب ، أو نتجتها بعد تمام الحول.

وخالف الساعي ، قدّم قول المالك ؛ لأنّه أمين فيما في يده ، لأنّها تجب على طريق المواساة والرفق ، فقبل قوله فيه من غير يمين.

ه- إذا ضمّت السخال إلى الاُمّهات - على رأي الشافعي - ثم تلف بعض الاُمّهات أو جميعها وبقي نصاب لم ينقطع الحول ، وبه قال مالك(٥) ؛ لأنّ السخال قد ثبت لها حكم الحول تبعاً للاُمّهات ، فصارت كما لو كانت موجودةً في جميع الحول ، فموت الاُمّهات أو نقصانها لا يبطل ما ثبت لها ، كما أنّ ولد أُمّ الولد ثبت له حكم الاستيلاد على وجه التبع لاُمّه ، فإذا ماتت‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٦٤.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٣.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣‌

(٥) التفريع ١ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، بلغة السالك ١ : ٢٠٧ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

٥٦

الاُمّ لم يبطل حكم الاستيلاد للولد.

وقال بعض الشافعية : إذا نقصت الاُمّهات عن النصاب بطل حكم الحول فيها وفي السخال ؛ لأنّ السخال إنّما ضمّت إليها على وجه التبع ، فإذا نقصت الاُمّهات لم تتبعها السخال ، كما لا تتبعها في الابتداء لو كانت ناقصةً(١) .

ولو تلفت جميع الاُمّهات ، قال الشافعي : لا ينقطع الحول إذا كانت نصاباً(٢) ؛ لأنّ كلّ نوع يعدّ في الزكاة مع غيره يعدّ وحده كالثنايا والجذاع.

وقال أبو حنيفة : ينقطع الحول وإن كانت نصاباً ، ولو بقي واحدة لم ينقطع(٣) .

ولو ملك أربعين صغيرة انعقد الحول عند الشافعي(٤) ، خلافاً له(٥) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ليس في السخال زكاة )(٦) .

و - لو كانت في الإِبل فُصلان ، وفي البقر عجاجيل ، فإن سامت حولاً اعتبرت ، وإلّا فلا ، والمخالفون في السخال خالفوا هنا.

إذا عرفت هذا ، فلو كانت الإِبل كلّها فُصلاناً والبقر عجاجيل اُخذ واحد منها.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٢) الاُم ٢ : ١٢ ، مختصر المزني : ٤٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، و ٤٨٦.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٣١ - ٣٢ ، شرح العناية ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ و ٤٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٦.

(٥) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٣٩ - ١٤٠.

(٦) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الفرع « ج ».

٥٧

وقال بعض الشافعية : لا يؤخذ إلّا السنّ المنصوص عليه ، لأنّا لو أخذنا واحداً منها لسوّينا بين خمس وعشرين وإحدى وستين ، وأخذنا فصيلاً من كلّ واحد من العددين وهو غير جائز ، فتؤخذ كبيرة بالقيمة بأن يقول : كم قيمة خمس وعشرين كباراً؟ فإذا قيل : مائة ، قيل : كم قيمة بنت مخاض؟ فإذا قيل : عشرة ، فيقال : كم قيمتها فُصلاناً؟ فيقال : خمسون. اُخذ بنت مخاض قيمتها خمسة(١) .

وقال بعض الشافعية : إنّما يفعل ذلك ما دام الفرض يتغيّر بالكبر ، فإذا تغيّر بالعدد كستّ وسبعين اُخذ من الصغار(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأدائه إلى التسوية بين الأربعين والخمسين ، وبين الثلاثين والأربعين في البقر ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فرّق بينهما(٣) .

مسألة ٣٥ : أوّل نُصب الإِبل خمس ، وفيها شاة‌ ، فلا يجب فيما دونها شي‌ء ، ثم عَشر ، وفيه شاتان ، ثم خمس عشرة ، وفيه ثلاث شياه ، ثم عشرون ، وفيه أربع شياه ، وهذا كلّه بإجماع علماء الإِسلام.

فإذا بلغت خمساً وعشرين ، فأكثر علمائنا على أنّ فيها خمس شياه إلى ست وعشرين ، ففيها حينئذٍ بنت مخاض(٤) .

لقول عليعليه‌السلام : « في خمس وعشرين خمس شياه »(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في خمس‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ - ٣٨١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٣٨١.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ و ١٠١ / ١٥٧٢ و ١٥٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠ / ٦٢٢ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥ - ٢٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٤ / ٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٨ - ٩٩.

(٤) منهم : السيد المرتضى في الانتصار : ٨٠ والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٩١ ، وسلّار في المراسم ١٢٩ - ١٣٠ ، والمحقّق في المعتبر : ٢٥٩.

(٥) سنن البيهقي ٤ : ٩٣.

٥٨

وعشرين خمس من الغنم »(١) .

ولأنّ الخمس الزائدة على العشرين كالخمس السابقة ، ولأنّا لا ننتقل من الشاة إلى الجنس بزيادة خمس في شي‌ء من نُصب الزكاة المنصوصة.

وقال ابن أبي عقيل منّا : في خمس وعشرين بنت مخاض(٢) ، وهو قول الجمهور(٣) كافة ؛ لأنّ أبا بكر كتب لأنس لمـّا وجّهه إلى البحرين كتاب الصدقة التي فرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في كلّ خمسٍ شاةً حتى تبلغ خمساً وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها بنت مخاض »(٥) .

ونمنع الاحتجاج برواية أبي بكر ، لجواز أن يكون رأياً له ، أو يضمر فيها زيادة واحدة ، وهو جواب الثانية.

وقال ابن الجنيد : يجب بنت مخاض أو ابن لبون ، فإن تعذّر فخمس شياه(٦) .

مسألة ٣٦ : إذا بلغت ستّا وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين‌ ، فإذا زادت واحدة ففيها حِقّة إلى ستين ، فإذا زادت واحدة وبلغت إحدى وستّين‌

____________________

(١) المعتبر : ٢٥٩ ، الفقيه ٢ : ١٢ / ٣٣ وفيه عن الإِمام الباقرعليه‌السلام ، والتهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، والاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦ وفيهما عن الإِمام الصادقعليه‌السلام .

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٥٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٨ ، المغني ٢ : ٤٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ١٨ - ١٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩.

(٦) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٢٥٩.

٥٩

ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإذا صارت ستّاً وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا صارت إحدى وتسعين ففيها حقّتان إلى مائة وعشرين ، وهذا كلّه لا خلاف فيه بين العلماء ، لأنّه في كتاب أبي بكر لأنس(١) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « فإذا كانت خمساً وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون اُنثى إلى خمس وأربعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين ، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى [ خمس و ](٢) سبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين ومائة ، فإذا كثرت الإِبل ففي كلّ خمسين حقّة »(٣) .

مسألة ٣٧ : إذا زادت على مائة وعشرين ولو واحدة وجب في كلّ خمسين حقّة‌ ، وفي كل أربعين بنت لبون ، فتجب هنا ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين ففيها حقّة وبنتا لبون إلى مائة وأربعين ففيها حقّتان وبنت لبون إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق ، وعلى هذا الحساب بالغاً ما بلغ عند علمائنا ، وبه قال ابن عمر وأبو ثور والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين ، ومالك في إحدى الروايتين(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كلّ أربعين بنت لبون )(٥) والواحدة زيادة.

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة السابقة (٣٥).

(٢) زيادة أثبتناها من المصدر.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦‌

(٤) الاُم ٢ : ٤ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٩ ، المغني ٢ : ٤٤٥ - ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، التفريع ١ : ٢٨٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

على تبصرة الفطنة، وتأوّل الحكمة، وموعظة العِبْرة، وسُنّة الأوّلين. فَمَن تبصّر في الفطنة، تبيّنت له الحكمة. ومن تبيّنت له الحكمة، عرف العِبْرة. ومن عرف العِبْرة، فكأنّما كان في الأوّلين.

والعدل منها على أربع شُعَب: على غائص الفهم، وغور العلم، وزُهرة الحكم، ورساخة الحلم. فمن فهم، علم غور العلم. ومن علم غور العلم، صدر عن شرائع الحكم. ومن حلُم، لم يفرّطْ في أمره، وعاش في الناس حميداً.

والجهاد منها على أربع شُعَب: على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين، فمن أمر بالمعروف، شدّ ظهور المؤمنين، ومن نهى عن المنكر، أرغم أُنوف الكافرين. ومن صدق في المواطن، قضى ما عليه. ومن شنيءَ الفاسقين وغضِب لله، غضِب اللهُ وأرضاه يوم القيامة».

وبما أنّ نقاطاً أساسية وردت في هذا الكلام بشكل مفصّل، لذلك نحجم عن الحديث حولها.

وقد ذُكرتْ أجزاء الإيمان في نهج البلاغة:«الإيمان: معرفة بالقلب، وإقرار باللّسان، وعمل بالأركان».

وعندما تكون هناك معرفة عميقة وموسّعة، وتغطّي جميع وجود الإنسان، فإنّها تبلغ مرحلة الكمال على حدّ تعبير الإمام عليعليه‌السلام : «أوّلُ الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به» ففي هذه الحالة، تغطّي المعرفة مشاعر الإنسان وعواطفه، وتجذبه إلى الموضوع، فيتكهرب ليسير بكلّ وجوده نحو ما عرفه، وصدّقه قلبه. وهنا تصبح السيادة للعقل والإيمان معاً، بالفكر وعمل الإنسان.

التربية العملية

سيرة الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام

إنّ أحد الأساليب التربوية في الإسلام هو التعريف بالأنبياء والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام والصحابة الأبرار (رضي الله عنهم) بوصفهم النماذج التي

١٦١

تمثّل الإسلام. وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومونعليهم‌السلام هم المظهر الحقيقي للإسلام الأصيل، والتجسيد الواقعي له. وكما نعلم، فإنّ السنّة أحد مصادر التشريع الإسلامي المعتبرة. وتطلق السنّة على قول المعصوم وفعله وتقريره، والتقرير هو تأييد المعصوم لعمل يقوم به أحد المسلمين، أو كلام يقوله.

وقد كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومونعليهم‌السلام يتمتعون بوحدة الشخصية التامّة، حيث كانوا يطبّقون ما يعتقدون به أو يبلّغونه.

بكلمة بديلة: كانت عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم متناسقة منسجمة. ومن وحي هذا المبدأ، فإنّ قولهم وفعلهم وتقريرهم حجّة، ومصدر للأحكام الإسلامية.

وكانت الوحدة والتناسق ملحوظين في سلوكهم، فكانوا مربّين عمليّين، ووسائل لاستمرار الرسالة وديمومتها، ومعايير للسلوك الإسلامي.

والمسلمون لم يسمعوا كلامهم فحسب، بل كانوا يشاهدون أعمالهم عن قرب. وكما ذكرنا في موضوع دمج العلم في العمل، فإنّ هذا الأُسلوب التربوي مؤثّر تماماً في تغيير سلوك الإنسان.

بالنسبة الينا نحن المسلمين، فإنّنا نعتقد أنّ تعاليم الأئمّةعليهم‌السلام قيمّة، وكذلك مطالعة قصصهم وأساليب حياتهم.

وفي متناول أيدينا كتب عديدة حول سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، تعتبر بمثابة مصادر للتربية الإسلامية العملية.

ننقل الآن عدداً من النماذج المتعلّقة بسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام .

قيمة العلم

نحن نعلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اعتبر طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم ومسلمة، وكان يرى أنّ مِداد العلماء أفضل من دماء الشهداء. وقد وردت

١٦٢

القصّة التالية في الجزء الأوّل من كتاب (قصص الأبرار) للمرحوم آية الله مطهّري، نقلاً عن كتاب (منية المريد):

دخل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم مسجد المدينة، فشاهد جماعتين من الناس، كانت الجماعة الأُولى منشغلة بالعبادة والذكر. والأُخرى بالتعليم والتعلّم، فألقى عليهما نظرة فرح واستبشار وقال للذين كانوا برفقته مشيراً إلى الفئة الثانية: ما أحسن ما يقوم به هؤلاء، ثمّ أضاف قائلاً: إنّما بُعثت للتعليم. ثمّ ذهب وجلس مع الجماعة الثانية.

ووردت القصّة التالية في الجزء الثاني من نفس الكتاب حول وصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمشاركة في مجلس العلماء.

جاء رجل من الأنصار إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله، أتّفقت جنازة، ومجلس عالم في وقت واحد فأيّهما أحبّ اليك أن أشهد؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن كان للجنازة من يتبعها ويدفنها، فإنّ حضور مجلس عالم أفضل من حضور ألف جنازة، ومن عيادة ألف مريض، ومن قيام ألف ليلة، ومن صيام ألف يوم،.... أما علمتَ أنّ الله يطاع بالعلم ويُعبد بالعلم؟ وخير الدنيا والآخرة مع العلم، وشرّ الدنيا والآخرة مع الجهل.

التعاون في شؤون الحياة اليومية

نحن نعلم بأنّ التعاون شرط مهم لاستمرار الحياة الإنسانية. فوجود الهدف المشترك، وضرورة تقسيم العمل، وتحمّل المسؤولية، وتنسيق الأعمال والنشاطات، ولمس الناس نتائج عمل بعضهم البعض، كلُّ ذلك يوضّح لنا أهميّة التعاون بين الناس. وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتّقْوَى... ) .

وحول التعاون، وردت الحكاية التالية في كتاب: (قصص الأبرار) نقلاً عن (كحل البصر).

١٦٣

اتّفق صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة على تقسيم الأعمال بينهم، لإعداد طعام لهم، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أمّا أنا فعليّ جمع الحطب، فقال الصحابة: نحن نكفيك يا رسول الله، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أعلم ذلك، إلاّ أنّني اكره أن أتميّز عليكم، فإنّ الله يكره من عبده أن يراه متميّزاً بين أصحابه. فجمع مقداراً من الحطب وأتى به».

خدمة الناس

إنّ خدمة الناس من الواجبات الملقاة على عاتق المسلمين، يقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «خير الناس من نفع الناس». ويقول: «من أصبح ولم يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم». فالسَّعي لقضاء حوائج الآخرين من الواجبات الملقاة على عاتق المسلمين أيضاً. جاء في حكاية القافلة التي كانت تريد الحج:

التحق رجل في طريق مكة بقافلة كان يعرف رجالها، فرأى الإمام السجادعليه‌السلام مشغولاً في خدمة رجال القافلة. فسألهم: أتعرفون هذا الرجل المشغول بخدمتكم وانجاز أعمالكم؟ فقالوا: لا. فقال: إنّه عليّ بن الحسين، زين العابدين. فنهض رجال القافلة، وتقدموا صوب الإمامعليه‌السلام معتذرين نادمين، فقالعليه‌السلام : إنّما رغبت بكم رفقاء للسفر لأنكم لا تعرفونني... ولهذا فإنّني أرغب أن أُسافر مع الذين لا يعرفونني كي أحظى بخدمتهم.

وجاء في الجزء الثاني من كتاب: (قصص الأبرار) تحت عنوان: (السعي في قضاء حاجة المؤمن): دخل رجل على الإمام الصادقعليه‌السلام ، وكانت عنده حاجة. فأمر الإمام أحد أصحابه لقضائها. وبعد قضاء الحاجة، قال الإمام: أما إنّك إذا أعنت أخاك المسلم أحبّ اليّ من طواف أُسبوع بالبيت. ثمّ أضاف وإنّ رجلاً أتى الإمام الحسنعليه‌السلام وقال: أعنّي على قضاء حاجة، فتنعّل الإمام وقام معه، فمرّا على الحسينعليه‌السلام وهو قائم يصلّي، فقال الإمام الحسنعليه‌السلام

١٦٤

للرجل: أين كنت عن أبي عبد الله تستعينه على حاجتك؟ قال: أردتُ أن أُعلمه بحاجتي، فأخبرني بأنّه معتكف. فقال الإمامعليه‌السلام : أما إنّه لو أعانك، كان خيراً له من اعتكافه شهراً.

وأُثر عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، ثلاثة أشياء حول حقوق المسلمين فيما بينهم: مراعاة العدل، عدم إمساك المال عن الآخرين، وذكر الله في كلِّ حال. وجاء في كتاب (قصص الأبرار) أنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام ، عندما لقي رجلاً نصرانياً أعمى، قال ما مضمونه: على الحكومة تأمين نفقاته.

السيطرة على العواطف

ذكرنا - فيما مضى - بأنّ إحدى نتائج النموّ العاطفي: السيطرة على العواطف، جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:

( ...وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ... ) ، (آل عمران: ١٣٤).

وفي مطالعة القصّة التالية، التي نقلناها فيما سبق، فائدة تعليمية توجيهيّة: أراد رجل نصراني أن يستهزئ بالإمام محمّد بن عليّ بن الحسين الملقّب بـ (الباقر)، فقال له: أنت بقرة. وبكلِّ سماحته ولطفه أجابه الباقرعليه‌السلام : لا، أنا الباقر. فمضى النصراني يُمعن باستخفافه بالإمام، فقال: أنت ابن الطبّاخة، فقال: تلك هي حرفتها! فقال: أنت ابن السوداء الزنجية البذيئة. فأجابه الإمام: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت، غفر الله لك.

إنّ صفح الإمامعليه‌السلام وحلمه، أوجدا في نفس النصراني وروحيّته انقلاباً، أدّى بالنتيجة إلى إسلامه. وقصّة لقاء الرجل الشامي مع الإمام الحسنعليه‌السلام قصّة رائعة:

عندما عرف رجل شامي الإمام الحسنعليه‌السلام بالغ في شتمه وشتم أبيه. (وكان سبّ الإمام عليعليه‌السلام وأولاده سائداً في الشام بسبب إيحاءات

١٦٥

السلطة الأمويّة). ثمّ سأله الإمام: أَمِن أهل الشام أنت؟ فقال: نعم. فبدأ الحسنعليه‌السلام يلاطفه، ودعاه إلى بيته، وقال له: إبسط لنا حاجتك وما يعرض لك، تجدني عند أفضل ظنّك، إن شاء الله. فضاقت الأرض على الشامي الذي كان يتوقّع ردَّ فعلٍ شديد يصدر عن الإمام الحسنعليه‌السلام ، فخجل، ثمّ انصرف معتذراً.

مساواة الناس أمام القانون

للنظام الإسلامي خاصيّتان رئيستان:

الأُولى: القانون فيه يسود الناس، فالنبيّ، والأئمّة، وعلماء الدين، كلّهم يسيرون على القانون الإلهي.الثانية: يُطبّق القانون على الجميع بصورة واحدة. وما أروع قصّة ذلك الرجل المسيحي والدرع!،

ضاعت دِرْع الإمام عليعليه‌السلام أيّام حكومته بالكوفة، وبعد مدّة، وُجدت عند رجل مسيحي، فأقبل به إلى أحد القضاة، فقال له: إنّها درعي ولم أبع ولم أهب. فأنكر المسيحي ذلك، فطلب القاضي من الإمام بيّنة على مدّعاه. (البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر). فقال الإمام: مالي بيّنة. ثمّ ترك المجلس وانصرف بعد أن حكم القاضي بالدرع للرجل المسيحي. بيد أنّ المسيحي دهش من مثل هذا الحكم وانبهر حتى اعترف بأنّ الدرع لأمير المؤمنينعليه‌السلام ثمّ أسلم.

وفي زمان خلافة عمر، شكا أحد الناس عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إلى عمر بن الخطّاب في خصومة وقعت بينهما، فأحضرهما، ثمّ خاطب الشاكي باسمه، وخاطب الإمام بكنيته قاصداً أن يحترمه، فاعترض الإمام متأثّراً، وهو يقول لعمر: لم تسوّ بيني وبينه.

١٦٦

حياة المستضعفين

كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام عليعليه‌السلام يجسّدان المثل الأعلى للحاكم الإسلامي، فكانا يساويان أنفسهما بضَعَفَة الناس، عندما كانا حاكمين، وكانا يجهدان أن تظلّ حياتهما بمستوى حياة المستضعفين. وفي قصّة الإمام عليعليه‌السلام مع عاصم - المنقولة في كتاب (قصص الأبرار)، ضمن توضيح هذا الموضوع - أمران آخران يُطرحان في النظام الإسلامي، وهما:

أوّلاً: يجب أن يقنع الناس في حياتهم بالضروريات، ويتجنبوا الإسراف.

ثانياً: عدم جواز ترك الدنيا، وعدم جواز التقتير على النفس والعائلة. قال تعالى:

( ..وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ.. ) ، (البقرة: ٢١٩).

وعندما كان الإمام عليعليه‌السلام مقيماً في البصرة، ذهب ذات يوم لزيارة أحد أصحابه، وهو العلاء بن زياد الحارثي، وبعد أن وقعت عينه على دار العلاء، قال:

«ما كنتَ تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا، وأنت إليها في الآخرة كنتَ أحوج؟ وبَلى إن شئتَ بلغتَ بها الآخرة: تَقري فيها الضيف، وتصل فيها الرّحم، وتُطلع منها الحقوق مطالعَها، فإذاً أنتَ قد بلغت بها الآخرة. فقال لَهُ العلاء: يا أمير المؤمنين، أشكو اليك أخي عاصمَ بن زياد. قال: وماله؟ قال: لبس العباءة وتخلّى عن الدنيا. قال: علَيّ به. فلما جاء، قال:... أما رحمتَ أهلك وَوَلدَك؟ أترى الله أحلَّ لك الطيّبات وهو يكره أن تأخذَها! أنت أهونُ على الله من ذلك. قال: يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسِك وجشوبة مأكلك! قال: ويحك، إنّي لستُ كأنت. إنّ الله تعالى فرض على أئمّة العدل أن يُقدّروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيّغ بالفقير فَقرهُ).

وعندما احتاج الإمام علي وفاطمةعليهما‌السلام إلى خادمة، طُرح هذا الموضوع على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرغّب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمةعليها‌السلام

١٦٧

بالتسبيح.

منع تكديس الثروة

نحن نعلم أنّ القرآن الكريم قد صرّح بمنع تكديس الثروة، قال تعالى:

( ..وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ، (التوبة: ٣٤).

وذكر عمل الإمام الصادقعليه‌السلام في كتاب: (قصص الأبرار):

عندما ازدادت عائلة الإمام الصادقعليه‌السلام وأصبح القيام بمهامها ثقيلاً، صمّمعليه‌السلام أن يشتغل بالتجارة، فأعطى مولاه مصادف، ألف دينار، وقال له: تجهّز حتى تسافر إلى مصر. أخذ مصادف رأس المال واشترى به بضاعة لها سوق رائجة عند أهل مصر، واتّجه إلى هناك مع جماعة من التجّار. عندما بلغ التجّار أبواب مصر، صادفوا قافلة خارجة منها، فسألوا تجّارها عن سوق بضاعتهم، فأخبروهم بنفاد البضاعة وبحاجة الناس إليها، ففرح التجّار القادمون إلى مصر واتّفقوا أن لا يبيعوا إلاّ بربح مضاعف. بيد أن الإمام لم يقبل هذا الربح، وذمّ ما عمله مصادف والتجّار.

مراعاة العدالة

ذكرنا - فيما مضى - أنّ العدالة أحد الدعائم الأساسية للنظام الإسلامي، قال تعالى:

( ..وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ.. ) ، (النساء: ٥٨).

وقال تعالى:( ...وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى‏.. ) ، (الأنعام: ١٥٢).

وسلوك الإمام عليعليه‌السلام مع أخيه عقيل، إنعكاس لمبدأ العدالة، حيث دخل عليه في الكوفة أيّام خلافته، فاندهش لما شاهده من بساطة طعامه. وبعد أن

١٦٨

فرغ من طعامه، قال عقيل: أعطني ما أقضي به دَيني... قالعليه‌السلام : فكم دَيْنُك؟ قال: مائة ألف درهم، فقالعليه‌السلام : لا والله ماهي عندي ولا أملكها، ولكن انتظر حتى الصباح كيما يخرج عطائي فأُواسيكه.... فقال عقيل: بيت المال في يدك، وأنت تسوّفني إلى عطائك، وكم عطاؤك، وما عساه يكون..؟ فقالعليه‌السلام : ما أنا وأنت فيه إلاّ بمنزلة رجل من المسلمين... وبيت المال للمسلمين. وفي ظلّ إصرار عقيل، قالعليه‌السلام : انزل إلى بعض هذه الصناديق (العائدة لأهل السوق) فاكسره وخذ ما فيه، فرفض عقيل ذلك، فردّ الإمامعليه‌السلام قائلاً: أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فأُعطيك أموالهم وقد توكّلوا على الله فيه. بعد ذلك قال له الإمامعليه‌السلام : نسرق من واحد خير من أن نسرق من المسلمين جميعاً!.

قيمة العمل

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ملعون من ألقى كلَّه على الناس». مرّ علي بن أبي حمزة البطائني على الإمام الكاظمعليه‌السلام وهو يعمل في أرضه ويعدّها للزراعة بكلِّ جدّ ونشاط بحيث كان يتصبّب عرقاً، ممّا دعاه إلى سؤاله: جُعلتُ فِداك، أين الرجال؟

لماذا لا تفوّض هذا العمل إلى الآخرين؟

فقال الإمام: ولِمَ أُفوّضه إلى غيري؟... رسول الله وأمير المؤمنين وآبائي كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم.

المعايير الإسلامية

تغيّرت المعايير بعد بزوغ فجر الإسلام، وتبعاً لها، تغيّرت علاقات الناس، وعلاقات الحكّام بهم.

نحن نعلم أنّ عدداً من المسلمين هاجروا إلى الحبشة بسبب الضغوط التي

١٦٩

مارستها قريش ضدهم، وعلى أثر ذلك أراد كبار قريش أن يغروا النجاشي وأعوانه ليهيّئوا بذلك الأرضية من أجل إخراج المسلمين من الحبشة. وبعد أن التقى النجاشي ممثّلي قريش، صمّم أن يتحدث مع المسلمين، فاستعدّ المسلمون لذلك. ونظّم النجاشي لهم مجلساً مهيباً كما يفعل الأباطرة، فدخل عليه المسلمون بكلِّ طمأنينة ووقار، لم تؤثر عليهم عظمته ولم ترهبهم أُبهّته، بل إنهم لم يراعوا مراسم الدخول على الملوك والأباطرة في ذلك الوقت من قبيل الأرض أمام السلطان. وعندما اعترض أعضاء البلاط، أجابوهم فوراً بقولهم: إنّ ديننا الذي لذنا بسببه إلى هنا لا يبيح لنا السجود لغير الله الواحد الأحد.

هنا سألهم النجاشي قائلاً: ما هذا الدين الذي فارقتم قومكم بسببه...؟

فأجابه كبيرهم جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام قائلاً: أيّها الملك كنّا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويّ منّا الضعيف، وكنّا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا لتوحيد الله وعبادته... بعد ذلك تأثّر النجاشي بكلامه، ورفض تسليم المسلمين إلى ممثّلي قريش.. وبعد مدّة أسلم.

(وأثّرت سيرة النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله على نجل حاتم الطائي من خلال تعامله معه، وحديثه مع المرأة العجوز بحضوره، وحياته العاديّة البسيطة، حتى ترك دينه واعتنق الإسلام. (قصص الأبرار، ابن حاتم الطائي، ج٢».

وعندما سيطر الإمام عليعليه‌السلام على الماء في معركة صفّين، فسح المجال لجيش معاوية أن يشربوا منه، على عكس ما فعله معاوية مع المسلمين في جيش الإمام عندما كان مسيطراً على الماء حيث منعهم منه.

وسلوك طاووس اليماني مع السلطان الأموي هشام بن عبد الملك، تجسيد حقيقي للمعايير الإسلامية، فعندما قَدِم هشام مكّة المكرّمة قاصداً الحج، أمر رجاله أن يأتوه برجل من الصحابة، أو من التابعين، فجاؤوه بطاووس اليماني، فلمّا دخل عليه، خلع

١٧٠

نعليه عند حاشية بساطه، وعندما سلّم عليه، لم يسلّم بإمرة المؤمنين، بل قال: السلام عليك، ثمّ جلس بجانبه، وعندما تحدّث معه، لم يخاطبه بكنيته، وإنّما قال له: كيف أنت يا هشام؟

فغضب هشام غضباً شديداً من سلوك طاووس، وقال له: يا طاووس، ما الذي حملك على ما صنعت؟

فأجابه: وما صنعتُ؟ ثمّ قال له: ما صنعتُ إلاّ أشياء مطابقة للشرع... وأنت لست أمير المؤمنين، لأنّ كلّ الناس غير راضين بإمرتك.

وجاء في قصّة الرجل المجهول: أنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام رأى امرأة تحمل قربة الماء على كتفها وهي لا تطيق حملها، فأخذ الإمام القربة وحملها حتى أوصلها إلى دارها. ولمّا علم بوضعها حيث كان زوجها جنديّاً قُتل في مهمّة أرسله الإمام فيها... ذهب وجلب لها اللحم والدقيق والتمر، لسد حاجتها وحاجة أطفالها، ودخل البيت وشاركها في بعض الأعمال. وكان يلوم نفسه أنّه لماذا لم يعجّل في إغاثة هذه المرأة.. بعد ذلك عرفته المرأة أنّه عليّ بن أبي طالب، فاعتذرت منه. فقال لها: وا حيائي منك يا أمة الله فيما قصّرت في أمرك.

احترام الناس على أساس التقوى

ذكرنا - فيما مضى - أنّ الإسلام أحدث ثورة في مقياس التفاضل بين الناس. علماً بأنّ المقياس - سواء في الماضي أو في عصرنا الحاضر - هو المال، والمنصب، والعنصر، والموقع الاجتماعي، والانتماء العائلي، والقومية، وأمثالها. ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلّغ الناس قوله تعالى:

( ..إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ.. ) ، (الحجرات: ١٣).

وأزال هذه المقاييس عمليّاً. وتوضّح لنّا قصّة زواج جويبر من الذلفاء، المذكورة في كتاب (قصص الأبرار) تبدّل هذه المقاييس جيّداً.

كان جويبر من الصّحابة، وكان يقول عن نفسه بأنّه لا مال عنده ولا جَمال

١٧١

ولا حسب ولا نسب، فمن يزوّجه؟ ومن ترغب فيه؟ وهو الفقير القصير الأسود. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جويبر إنّ الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهليّة وضيعا، وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلا... وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلا، إلاّ لمن كان أتقى لله منك وأطوع.

وكانت الذلفاء شابّة جميلة، وابنة أحد أشراف المدينة ووجهائها. واتّباعاً للمعايير الإسلامية، ووفقاً لوصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أقنعت الذلفاء أباها، وصارت زوجة لجويبر.

مكافحة الخرافات

لقد قوّض الإسلام دعائم الخرافات من خلال دعوته إلى الحكمة، والكلام المنطقي، والاتّجاه العقلي. وجاء في قصّة المنجّم أنّه طلب من الإمام عليعليه‌السلام أن يغيّر ساعة تحرّكه ليظفر بعدوّه. فقال له الإمام: سأعمل خلاف ما قلت، ونتحرك الآن دون تأخير. ثمّ وجّه أوامره بالتحرّك متقدّماً نحو العدو.

الانفتاح ورحابة الصدر أمام المخالفين

قلّما تجد نظاماً في العالم كالإسلام في انفتاحه، قال تعالى:

( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ ) ، (البقرة: ٢٥٦).

فالإسلام يؤكّد دائماً على الدليل والبرهان، سواء كان ذلك في مجال التوحيد والشرك، أو في المجالات الأُخرى. قال تعالى:

( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ، (البقرة: ١١١).

وجاء في قصّة (توحيد المفضّل) أنّ رجلاً تأثّر بعد مناظرته مع ابن أبي العوجاء الذي كان من الدهريّين، ووبّخه بحنق وغضب. فقال له ابن أبي العوجاء: إن كنت من أصحاب جعفر بن محمّد الصادق فما هكذا يخاطبنا، ولا بمثل

١٧٢

دليلك يجادلنا، ولقد سمع كلامنا أكثر مما سمعت، فما أفحش في خطابنا، ولا تعدّى في جوابنا، وأنّه الحكيم الرزين العاقل الرصين، لا يعتريه خرق ولا طيش، ولا نزق، ويسمع كلامنا، ويصغي إلينا، ويستغرق حجّتنا حتى اذا استفرغنا ما عندنا، وظننا أنّا قد قطعناه، أدحض حجّتنا بكلام يسير، وخطاب قصير، يلزمنا به الحجّة، ويقطع العذر، ولا نستطيع لجوابه ردّاً. فإنّ كنتَ من أصحابه، فخاطبنا بمثل خطابه.

مواساة الآخرين

جاء في قصّة (مرضى الجذام) المذكورة في كتاب (قصص الأبرار) أنّه كان في المدينة عدد من الأفراد المصابين بالجذام، وكانوا بالإضافة إلى تألّمهم الجسمي يتألّمون نفسيّاً لابتعاد الناس وتنفّرهم منهم. فمرّ عليهم ذات يوم عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، وهو راكب حماراً، وكانوا يتغدّون، فدعوه إلى الغداء، فقال: أما لو لا أنّي صائم لفعلت. ثمّ دعاهم إلى منزله لتناول طعام الغداء لليوم التالي. فلمّا سار الإمام إلى منزله، أمر بطعام، فصنع، ولمّا حضر الضيوف في اليوم التالي، مدّ الخوان وأكل الجميع، وأكل الإمامعليه‌السلام معهم.

مكافحة المتزمّتين

قلنا - فيما تقدّم - أنّ رسالة الإسلام رسالة ثورية، وكان أئمّتناعليهم‌السلام قادة ثوريّين في عصورهم، لم يتوانوا لحظة واحدة عن مكافحة الظلم والفساد والتقليد الأعمى والتزمّت.

وتمثّل قصّة الخوارج والكفاح ضدّهم أبرز أعمال الإمام عليعليه‌السلام وممارساته. فقد جاء في كتاب (قصص الابرار) تحت عنوان: قتل الإمام عليعليه‌السلام مايلي: كان الخوارج أُناساً تظهر عليهم آثار التنسّك، وكانوا لا يكذبون كما اعترف بذلك القاصي والداني، وكان ظاهرهم مليحاً، حيث

١٧٣

كانت علامات السجود ظاهرة على جباههم، ولهم لهجة عجيبة، وكانوا يتلون القرآن كثيراً، ويقيمون الليل بالعبادة، بيد أنّهم كانوا جُهلاء، سفهاء العقول، وينظرون إلى الإسلام بتزمّت وجمود.

كان الإمام عليعليه‌السلام يفتخر بمبارزته معهم، ويعتبرها من الأعمال المهمّة الفريدة، حيث قال: (إنّي فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليجترئَ عليها أحدٌ غيري...).

الوصيّة الأخيرة للإمام عليعليه‌السلام

تحدثنا - فيما سبق - عن التقوى المنبثقة عن أُسلوب التفكّر التوحيدي. وهنا نذكر خاصيّتين من الخصائص الجوهرية التي تُميِّز شخصيّة أئمّة الإسلام عن غيرهم:

الأُولى: شموليّة شخصيّتهم، فهم النموذج البارز للرسالة الإسلامية، والممثّل الحقيقي لها.

وكما يتحدّث الإسلام حول معرفة الله، والتقوى، والحكمة والعلم، والإيثار، والمساواة، والأُخوّة، وأمثال ذلك، فإنّ أئمّة الإسلام أيضاً - سواء كانوا في مقام التوجيه والإرشاد أو في مقام العمل - يمثّلون الأبعاد المتنوّعة للاسلام في سلوكهم.

الثانية: وحدة شخصيّتهم، نلاحظ أنّ الأئمّة المعصومين يتميّزون بشخصية واحدة، سواء كانوا في المسجد، أو البيت، أو في ساحة القتال، أو في المناظرات العلمية، وغير ذلك، فالمبادئ الأساسية هي التي تطبع سلوكهم في جميع الحالات.

وعندما نلقي نظرة قصيرة على وصيّة الإمام عليعليه‌السلام للإمام الحسنعليه‌السلام تتّضح لنا هاتان الخاصيّتان بجلاء. وقد جاء في كتاب (قصص الأبرار)، أنّ هذه الوصيّة هي آخر وصيّة للإمام، حيث قالها وهو طريح الفراش، بسبب سيف ابن ملجم.

ونلتقي في مثل هذا الظرف بوجه عليّعليه‌السلام المتألّق، إذ فكّر في الأبعاد المتنوّعة لرسالة الإسلام، حيث كان الإسلام شغله الشاغل، وفي الوقت ذاته، ودون أن يُبالي بدنوّ أجله، فإنّه يكشف لنا عن وحدة شخصيّته وشموليّتها، ضمن توجيهه وإرشاده الآخرين.

ذُكرت هذه الوصيّة

١٧٤

بالتفصيل في الجزء الثاني من كتاب (قصص الأبرار) تحت عنوان قتل الإمام عليعليه‌السلام ، وننقل منه هنا، النقاط الأساسية فيها بإيجاز:

«... ثم إني أُوصيكَ يا حسن، وجميع أهل بيتي وولْدي، ومن بلغه كتابي، بتقوى الله ربّكم، ولا تموتُّنَ إلاّ وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا، فإنّي سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: صلاح ذات البين أفضلُ من عامّةِ الصلاة والصيام، وإنّ المبيرة الحالقة للدين فسادُ ذات البين، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، انظروا ذوي أرحامكم، فصِلوهم، يهوّن اللهُ عليكم الحساب. الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يُضيّعوا في حضرتكم...، والله الله في جيرانكم، فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بهم، وما زال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورّثهم. والله الله في القرآن، فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم. والله الله في الصلاة، فإنّها خيرُ العمل، وإنها عمود دينكم. والله الله في بيت ربّكم، فلا يخلو منكم ما بقيتم، وإنّه إنْ تُرك، لم تُناظروا.. والله الله في شهر رمضان، فإنّ صيامه جُنّةٌ من النار. والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم.. والله الله في الزكاة، فإنّها تطفي غضب ربّكم. والله الله في ذريّة نبيّكم، فلا يظلمُنَّ بحضرتكم وبين أظهركم.. والله الله في أصحاب نبيّكم..، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بهم. والله الله في الفقراء والمساكين، فأشركوهم في معائشكم. والله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم.. ثمّ قال: الصلاة الصلاة الصلاة. لا تخافوا في الله لومة لائم، يكفيكم الله من آذاكم ومن بغى عليكم. قولوا للناس حُسناً كما أمركم الله (عزّ وجل). ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيُولّي الله أمركم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم. وعليكم يا بنيّ بالتواصل والتباذل والتبارّ، وإيّاكم والتقاطع والتدابر والتفرّق، وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتّقوا الله، إنّ الله شديد العقاب...».

١٧٥

وفيما يخصّ الإمام علياًعليه‌السلام ، فإنّ الرائع هنا هو جواب عديّ بن حاتم والد الطرفات (طرفه وطريف وطارف، أولاده) عندما أراد منه معاوية أن يصف الإمام علياًعليه‌السلام ، فقال، كما يذكر الجزء الثاني من كتاب (قصص الأبرار) تحت عنوان: (أين أبناؤك؟): (كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول عدلاً، ويحكم فصلاً، تتفجّر الحكمة من جوانبه، والعلم من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته. وكان - والله - غزير الدمعة، طويل الفكرة، يحاسب نفسه إذا خلا، ويقلّب كفّيه على ما مضى، يعجبه من اللباس القصير، ومن المعاش الخشن. وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويدنينا إذا أتيناه، ونحن مع تقريبه لنا وقربه منّا لا نكلّمه لهيبته.... يعظّم أهل الدين، ويتحبّب إلى المساكين، لا يخاف القويُّ ظلمَه، ولا ييأس الضعيفُ من عدله).

التعاون في أُمور البيت

كان الإمام عليعليه‌السلام يبذل أقصى جهده في مساعدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وكانا قد قسّما أعمال البيت بينهما، ويتعاملان ببالغ المودّة وعظيم الاحترام. وبالرغم من أنّ الإمامعليه‌السلام كان مكلّفاً بإنجاز أعمال مهمّة خارج البيت، فإنه كان يساعد فاطمةعليها‌السلام عندما رزقها الله الأولاد، فكانت هذه الأُسرة أُسرة نموذجية من جميع النواحي.

وعندما اشتكت امرأة من زوجها في حضرتهعليه‌السلام ، ذهب معها إليه، وردعه عن عمله. ثمّ أوصاه وإيّاها أن يتبادلا الاحترام والمحبّة.

المنهج العقلي في التربية الإسلامية

لقد ذكرنا في الفصل الذي يتحدّث عن خصائص النظام التربوي في الإسلام أنّ أساس النظام التربوي في الإسلام مرتكز على التعقل والفهم. قال تعالى:

١٧٦

( ادْعُ إِلَى‏ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. ) ، (النحل: ١٢٥).

فتمّ التأكيد في هذه الآية على استعمال الحكمة أو الكلام المنطقي.

وجاء في آية أُخرى:( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.. ) ، (الإسراء: ٣٦).

فينبغي قبول مبادئ الدين عن طريق التعقّل. والسلوك الأخلاقي في الإسلام هو السلوك الذي يحظى بدعم العقل وتأييده، وقد تمّ تحديد الأحكام الإسلامية على أساس المصالح والمفاسد الواقعيّة.

والموعظة أُسلوب آخر للإرشاد والتوجيه، ويختلف أفراد النوع الإنساني بعضهم عن بعض في استيعاب الأمور، ففريق يقوم بدراستها وتحليلها عند تعامله مع موقف ما، وفريق آخر يقوم بذلك عن طريق الموعظة والنصيحة.

والمجادلة أُسلوب ثالث يُستفاد منه في ظروف خاصّة. وفي التربية والتعليم، الأصل هو الاستفادة من أساليب متنوّعة تبعاً لظروف الأشخاص والمسائل الموجودة. كما مرّبنا - فيما مضى - فإنّ التعصّب أو التعامل اللامنطقي مع الأمور محظور في الإسلام:

(من تعصّب أو تُعصّب له، خلع رِبقة الإيمان عن عنقه).

يذكر المرحوم مطهّري في الجزء الثاني من كتاب (النظرة الكونية التوحيدية) نقطة، من المناسب أن أذكرها هنا، يقول: (إنّ الإسلام دين الحقيقة والواقع. والإسلام - لغةً - هو التسليم. وهذا دليل على أنّ أوّل شروطه هو التسليم للحقائق والواقعيّات، فكلّ لون من العناد، واللجاجة، والتعصّب، والتقليد الأعمى، والتحيّز، والانانية، مرفوض ومدان من وجهة نظر الإسلام، لأنّه خلاف الحقيقة والواقع).

١٧٧

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

( وَلِتَكُن مِنكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ، (آل عمران: ١٠٤).

( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ... ) ، (آل عمران: ١١٠).

( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُم أَولِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.. ) ، (التوبة: ٧١).

البعد الإرشادي أو التوجيهي

إنّ مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بوصفه أمراً اجتماعياً - ذو بعد إرشادي توجيهي في حالات متنوّعة، ولذلك فهو أُسلوب تربوي جوهري، والإنسان - بطبيعته - يتقبّل الإرشاد والنصح أفضل من توجيه الأوامر إليه. وقد يقاوم مسألة توجيه الأوامر في حالات شتى، وأحياناً يرغب في العمل خلاف الأوامر. ولا ريب فإنّ الإرشاد يطبع الاتّصال بين شخصين أو مجموعتين بطابع إنساني.

واذا كان عمل المربّي أو الوالدين ذا بعد إرشادي، فإنّه يؤثّر أكثر من الأساليب الأُخرى. وعند ممارسة الإرشاد، تُطرح المسألة بصورة أوضح، وتُدرس جوانبها، ويمكن التكهّن بنتائج العمل، ويعرض الطرفان تجاربهما. والإنسان نفسه في رحاب الإرشاد ينتبه إلى حسن العمل أو قبحه، فيقْدم عليه أو يحْجم عنه.

وعندما ينظر إلى مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أنّه واجب، فإنّه يتّخذ طابع الدافع الفردي، وتكون له آثار اجتماعية أيضاً. وعند ذلك يعتزم الإنسان مراقبة أعماله وممارساته، مضافاً إلى ذلك، فإنّه يُبادر إلى إصلاح وضعه قبل أن يقوم الآخرون بتنبيهه. من هذا المنطلق، يشعر بالمسؤولية ذاتياً فيما يخصّ سلوكه، فيحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الآخرون.

١٧٨

في المجال الاجتماعي، يتّخذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طابع المسؤولية المشتركة. فعندما يرى أحد الناس خلافاً بَدَر من شخص ما، فإنه يشعر بالمسؤولية، ويرغب أن يردعه عن ارتكاب ذلك الخلاف. هذا الشعور المشترك يحقّق فائدتين في آنٍ واحد، حيث يردع الإنسان عن ارتكاب الأعمال المشينة، وكذلك يردع المجتمع.

نستخلص من هذا، أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذو بعد تربوي على الصعيدين: الفردي والاجتماعي.

إنّ ترسيخ هذا المبدأ يُفضي إلى استمرار التربية والإصلاح المتواصل. فالفرد يجدّ في مراقبة عمله وضبطه دون انقطاع، وكذلك يفعل المجتمع، مضافاً إلى البعد الإرشادي، فإنّ الناس يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار جهات أُخرى أيضاً في عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالذي يريد أن يردع الآخرين عن ارتكاب عمل مشين، ينبغي له أن يكون مطّلعاً على ماهيّة ذلك العمل حقيقة، ويعلم بأضراره، ويكون في حالة تمكّنه من ممارسة الإرشاد. كما أنّ الظرف يجب أن يكون مساعداً، ويوحي بتأثير ذلك المبدأ وفائدته.

يُطبّق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نسبيّاً على الأشخاص، وفي ظروف معيّنة بأشكال متنوّعة. ويصادف أحياناً أن يكون عمل الشخص المخالف بشكل لا مندوحة معه من استقباحه ورفضه. وأحياناً يكون الإنسان في ظرف لا يستطيع معه أن يصارح الشخص المخالف بعمله، أو يوبّخه، ففي هذه الحالة، يعبّر الامتعاض الباطني من هذا العمل، والتزام جانب الصمت أمام المخالف، أو ترك المكان، عن نوع من الرفض والاحتجاج. ويتّفق حيناً أن يكون الشخص المخالف في حالة يمكن تنبيهه شفوياً. وهنا يضطلع المجتمع بمهمّة توبيخ المخالف وردعه. وقد تكون المخالفة انتهاكاً لحقوق الآخرين أو ممارسةً للظلم ضدّهم، عند ذلك يظهر ردّ الفعل ضدّ المخالف في نمط آخر. ويختلف ردّ الفعل الذي يبديه الناس حيال المخالفين تبعاً للظروف والحالات المتنوّعة.

١٧٩

ننقل هنا فقرة من كلام الإمام عليعليه‌السلام الذي قاله في صفّين حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

«أيّها المؤمنون، إنّه مَنْ رأى عدواناً يُعْمَلُ به، ومنكراً يُدعى إليه، فأنكرَه بقلبهِ فقد سلِمَ وبرئ، ومَنْ أنكرَه بلسانه فقد أُجر وهو أفضلُ من صاحبه، ومَنْ أنكره بالسيف لتكون كلمةُ اللهِ هي العليا وكلمة الظالمين هي السُفلى، فذلك الذي اصابَ سبيلَ الهدى وقام على الطريق، ونوّر في قلبه اليقين».

يتحدّث الإمام هنا حول الظلم والعمل القبيح.

للمخالفة أهميّة خاصّة، وقد يكون لها بُعد اجتماعي. وهنا تُطرح ثلاثة ضروب من ردّ الفعل حيال هذا الموضوع:

الأوّل: الاستنكار القلبي، أي إنّ الإنسان يُنكر عمل المخالفين بقلبه.

الثاني: الاستنكار اللساني.

الثالث: الاستنكار بالسيف. وهنا يثب الإنسان لقبر الظلم والدفاع عن الحق ومكافحة الباطل. ويُلاحَظ هنا أنّ أجر الشخص الثاني أفضل من أجر الأوّل، والثالث وثب في سبيل الحقّ، فردُّ فعله أسمى من ردِّ فعل الآخرين، ويلاحظ أنّ الجهاد ضدّ الظلم في حالة معيّنة يجب أن يتحقّق عن طريق الحرب والصراع المستميت.

في ضوء ما تقدّم، فإنّ نطاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نطاق فسيح الأرجاء. وعلى أصحاب المسؤولية إبداء ردّ فعل قويّ حيال ضروب الخلاف، سواء كان خلافاً لاأخلاقياً بسيطاً ذا بعد فردي، أو كان ظلماً يهدّد حياة المجتمع بالخطر.

ولو كان مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطبَّقاً في المجتمع، فإنه لا يسمح أحد لنفسه أن ينتهك حقوق الآخرين،ومبدئيّاً،لاتتاح أيّة فرصة للظالمين أنينتهكوا حقوق الناس أو يستغلّوهم. وفي مثل هذا المجتمع، لا يبرز أيّ حاكم جائر، وذلك لأنّ الجائرين يعلمون بأنّهم سيكونون وجهاً لوجه، أمام شعوبهم، وستنالهم نقمتهم بمجرّد انتهاكهم لحقوق الآخرين.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221