التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام25%

التربية والتعليم في الإسلام مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 221

التربية والتعليم في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 163479 / تحميل: 9125
الحجم الحجم الحجم
التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام

مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

على تبصرة الفطنة، وتأوّل الحكمة، وموعظة العِبْرة، وسُنّة الأوّلين. فَمَن تبصّر في الفطنة، تبيّنت له الحكمة. ومن تبيّنت له الحكمة، عرف العِبْرة. ومن عرف العِبْرة، فكأنّما كان في الأوّلين.

والعدل منها على أربع شُعَب: على غائص الفهم، وغور العلم، وزُهرة الحكم، ورساخة الحلم. فمن فهم، علم غور العلم. ومن علم غور العلم، صدر عن شرائع الحكم. ومن حلُم، لم يفرّطْ في أمره، وعاش في الناس حميداً.

والجهاد منها على أربع شُعَب: على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين، فمن أمر بالمعروف، شدّ ظهور المؤمنين، ومن نهى عن المنكر، أرغم أُنوف الكافرين. ومن صدق في المواطن، قضى ما عليه. ومن شنيءَ الفاسقين وغضِب لله، غضِب اللهُ وأرضاه يوم القيامة».

وبما أنّ نقاطاً أساسية وردت في هذا الكلام بشكل مفصّل، لذلك نحجم عن الحديث حولها.

وقد ذُكرتْ أجزاء الإيمان في نهج البلاغة:«الإيمان: معرفة بالقلب، وإقرار باللّسان، وعمل بالأركان».

وعندما تكون هناك معرفة عميقة وموسّعة، وتغطّي جميع وجود الإنسان، فإنّها تبلغ مرحلة الكمال على حدّ تعبير الإمام عليعليه‌السلام : «أوّلُ الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به» ففي هذه الحالة، تغطّي المعرفة مشاعر الإنسان وعواطفه، وتجذبه إلى الموضوع، فيتكهرب ليسير بكلّ وجوده نحو ما عرفه، وصدّقه قلبه. وهنا تصبح السيادة للعقل والإيمان معاً، بالفكر وعمل الإنسان.

التربية العملية

سيرة الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام

إنّ أحد الأساليب التربوية في الإسلام هو التعريف بالأنبياء والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام والصحابة الأبرار (رضي الله عنهم) بوصفهم النماذج التي

١٦١

تمثّل الإسلام. وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومونعليهم‌السلام هم المظهر الحقيقي للإسلام الأصيل، والتجسيد الواقعي له. وكما نعلم، فإنّ السنّة أحد مصادر التشريع الإسلامي المعتبرة. وتطلق السنّة على قول المعصوم وفعله وتقريره، والتقرير هو تأييد المعصوم لعمل يقوم به أحد المسلمين، أو كلام يقوله.

وقد كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومونعليهم‌السلام يتمتعون بوحدة الشخصية التامّة، حيث كانوا يطبّقون ما يعتقدون به أو يبلّغونه.

بكلمة بديلة: كانت عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم متناسقة منسجمة. ومن وحي هذا المبدأ، فإنّ قولهم وفعلهم وتقريرهم حجّة، ومصدر للأحكام الإسلامية.

وكانت الوحدة والتناسق ملحوظين في سلوكهم، فكانوا مربّين عمليّين، ووسائل لاستمرار الرسالة وديمومتها، ومعايير للسلوك الإسلامي.

والمسلمون لم يسمعوا كلامهم فحسب، بل كانوا يشاهدون أعمالهم عن قرب. وكما ذكرنا في موضوع دمج العلم في العمل، فإنّ هذا الأُسلوب التربوي مؤثّر تماماً في تغيير سلوك الإنسان.

بالنسبة الينا نحن المسلمين، فإنّنا نعتقد أنّ تعاليم الأئمّةعليهم‌السلام قيمّة، وكذلك مطالعة قصصهم وأساليب حياتهم.

وفي متناول أيدينا كتب عديدة حول سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، تعتبر بمثابة مصادر للتربية الإسلامية العملية.

ننقل الآن عدداً من النماذج المتعلّقة بسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام .

قيمة العلم

نحن نعلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اعتبر طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم ومسلمة، وكان يرى أنّ مِداد العلماء أفضل من دماء الشهداء. وقد وردت

١٦٢

القصّة التالية في الجزء الأوّل من كتاب (قصص الأبرار) للمرحوم آية الله مطهّري، نقلاً عن كتاب (منية المريد):

دخل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم مسجد المدينة، فشاهد جماعتين من الناس، كانت الجماعة الأُولى منشغلة بالعبادة والذكر. والأُخرى بالتعليم والتعلّم، فألقى عليهما نظرة فرح واستبشار وقال للذين كانوا برفقته مشيراً إلى الفئة الثانية: ما أحسن ما يقوم به هؤلاء، ثمّ أضاف قائلاً: إنّما بُعثت للتعليم. ثمّ ذهب وجلس مع الجماعة الثانية.

ووردت القصّة التالية في الجزء الثاني من نفس الكتاب حول وصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمشاركة في مجلس العلماء.

جاء رجل من الأنصار إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله، أتّفقت جنازة، ومجلس عالم في وقت واحد فأيّهما أحبّ اليك أن أشهد؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن كان للجنازة من يتبعها ويدفنها، فإنّ حضور مجلس عالم أفضل من حضور ألف جنازة، ومن عيادة ألف مريض، ومن قيام ألف ليلة، ومن صيام ألف يوم،.... أما علمتَ أنّ الله يطاع بالعلم ويُعبد بالعلم؟ وخير الدنيا والآخرة مع العلم، وشرّ الدنيا والآخرة مع الجهل.

التعاون في شؤون الحياة اليومية

نحن نعلم بأنّ التعاون شرط مهم لاستمرار الحياة الإنسانية. فوجود الهدف المشترك، وضرورة تقسيم العمل، وتحمّل المسؤولية، وتنسيق الأعمال والنشاطات، ولمس الناس نتائج عمل بعضهم البعض، كلُّ ذلك يوضّح لنا أهميّة التعاون بين الناس. وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتّقْوَى... ) .

وحول التعاون، وردت الحكاية التالية في كتاب: (قصص الأبرار) نقلاً عن (كحل البصر).

١٦٣

اتّفق صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة على تقسيم الأعمال بينهم، لإعداد طعام لهم، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أمّا أنا فعليّ جمع الحطب، فقال الصحابة: نحن نكفيك يا رسول الله، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أعلم ذلك، إلاّ أنّني اكره أن أتميّز عليكم، فإنّ الله يكره من عبده أن يراه متميّزاً بين أصحابه. فجمع مقداراً من الحطب وأتى به».

خدمة الناس

إنّ خدمة الناس من الواجبات الملقاة على عاتق المسلمين، يقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «خير الناس من نفع الناس». ويقول: «من أصبح ولم يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم». فالسَّعي لقضاء حوائج الآخرين من الواجبات الملقاة على عاتق المسلمين أيضاً. جاء في حكاية القافلة التي كانت تريد الحج:

التحق رجل في طريق مكة بقافلة كان يعرف رجالها، فرأى الإمام السجادعليه‌السلام مشغولاً في خدمة رجال القافلة. فسألهم: أتعرفون هذا الرجل المشغول بخدمتكم وانجاز أعمالكم؟ فقالوا: لا. فقال: إنّه عليّ بن الحسين، زين العابدين. فنهض رجال القافلة، وتقدموا صوب الإمامعليه‌السلام معتذرين نادمين، فقالعليه‌السلام : إنّما رغبت بكم رفقاء للسفر لأنكم لا تعرفونني... ولهذا فإنّني أرغب أن أُسافر مع الذين لا يعرفونني كي أحظى بخدمتهم.

وجاء في الجزء الثاني من كتاب: (قصص الأبرار) تحت عنوان: (السعي في قضاء حاجة المؤمن): دخل رجل على الإمام الصادقعليه‌السلام ، وكانت عنده حاجة. فأمر الإمام أحد أصحابه لقضائها. وبعد قضاء الحاجة، قال الإمام: أما إنّك إذا أعنت أخاك المسلم أحبّ اليّ من طواف أُسبوع بالبيت. ثمّ أضاف وإنّ رجلاً أتى الإمام الحسنعليه‌السلام وقال: أعنّي على قضاء حاجة، فتنعّل الإمام وقام معه، فمرّا على الحسينعليه‌السلام وهو قائم يصلّي، فقال الإمام الحسنعليه‌السلام

١٦٤

للرجل: أين كنت عن أبي عبد الله تستعينه على حاجتك؟ قال: أردتُ أن أُعلمه بحاجتي، فأخبرني بأنّه معتكف. فقال الإمامعليه‌السلام : أما إنّه لو أعانك، كان خيراً له من اعتكافه شهراً.

وأُثر عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، ثلاثة أشياء حول حقوق المسلمين فيما بينهم: مراعاة العدل، عدم إمساك المال عن الآخرين، وذكر الله في كلِّ حال. وجاء في كتاب (قصص الأبرار) أنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام ، عندما لقي رجلاً نصرانياً أعمى، قال ما مضمونه: على الحكومة تأمين نفقاته.

السيطرة على العواطف

ذكرنا - فيما مضى - بأنّ إحدى نتائج النموّ العاطفي: السيطرة على العواطف، جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:

( ...وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ... ) ، (آل عمران: 134).

وفي مطالعة القصّة التالية، التي نقلناها فيما سبق، فائدة تعليمية توجيهيّة: أراد رجل نصراني أن يستهزئ بالإمام محمّد بن عليّ بن الحسين الملقّب بـ (الباقر)، فقال له: أنت بقرة. وبكلِّ سماحته ولطفه أجابه الباقرعليه‌السلام : لا، أنا الباقر. فمضى النصراني يُمعن باستخفافه بالإمام، فقال: أنت ابن الطبّاخة، فقال: تلك هي حرفتها! فقال: أنت ابن السوداء الزنجية البذيئة. فأجابه الإمام: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت، غفر الله لك.

إنّ صفح الإمامعليه‌السلام وحلمه، أوجدا في نفس النصراني وروحيّته انقلاباً، أدّى بالنتيجة إلى إسلامه. وقصّة لقاء الرجل الشامي مع الإمام الحسنعليه‌السلام قصّة رائعة:

عندما عرف رجل شامي الإمام الحسنعليه‌السلام بالغ في شتمه وشتم أبيه. (وكان سبّ الإمام عليعليه‌السلام وأولاده سائداً في الشام بسبب إيحاءات

١٦٥

السلطة الأمويّة). ثمّ سأله الإمام: أَمِن أهل الشام أنت؟ فقال: نعم. فبدأ الحسنعليه‌السلام يلاطفه، ودعاه إلى بيته، وقال له: إبسط لنا حاجتك وما يعرض لك، تجدني عند أفضل ظنّك، إن شاء الله. فضاقت الأرض على الشامي الذي كان يتوقّع ردَّ فعلٍ شديد يصدر عن الإمام الحسنعليه‌السلام ، فخجل، ثمّ انصرف معتذراً.

مساواة الناس أمام القانون

للنظام الإسلامي خاصيّتان رئيستان:

الأُولى: القانون فيه يسود الناس، فالنبيّ، والأئمّة، وعلماء الدين، كلّهم يسيرون على القانون الإلهي.الثانية: يُطبّق القانون على الجميع بصورة واحدة. وما أروع قصّة ذلك الرجل المسيحي والدرع!،

ضاعت دِرْع الإمام عليعليه‌السلام أيّام حكومته بالكوفة، وبعد مدّة، وُجدت عند رجل مسيحي، فأقبل به إلى أحد القضاة، فقال له: إنّها درعي ولم أبع ولم أهب. فأنكر المسيحي ذلك، فطلب القاضي من الإمام بيّنة على مدّعاه. (البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر). فقال الإمام: مالي بيّنة. ثمّ ترك المجلس وانصرف بعد أن حكم القاضي بالدرع للرجل المسيحي. بيد أنّ المسيحي دهش من مثل هذا الحكم وانبهر حتى اعترف بأنّ الدرع لأمير المؤمنينعليه‌السلام ثمّ أسلم.

وفي زمان خلافة عمر، شكا أحد الناس عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إلى عمر بن الخطّاب في خصومة وقعت بينهما، فأحضرهما، ثمّ خاطب الشاكي باسمه، وخاطب الإمام بكنيته قاصداً أن يحترمه، فاعترض الإمام متأثّراً، وهو يقول لعمر: لم تسوّ بيني وبينه.

١٦٦

حياة المستضعفين

كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام عليعليه‌السلام يجسّدان المثل الأعلى للحاكم الإسلامي، فكانا يساويان أنفسهما بضَعَفَة الناس، عندما كانا حاكمين، وكانا يجهدان أن تظلّ حياتهما بمستوى حياة المستضعفين. وفي قصّة الإمام عليعليه‌السلام مع عاصم - المنقولة في كتاب (قصص الأبرار)، ضمن توضيح هذا الموضوع - أمران آخران يُطرحان في النظام الإسلامي، وهما:

أوّلاً: يجب أن يقنع الناس في حياتهم بالضروريات، ويتجنبوا الإسراف.

ثانياً: عدم جواز ترك الدنيا، وعدم جواز التقتير على النفس والعائلة. قال تعالى:

( ..وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ.. ) ، (البقرة: 219).

وعندما كان الإمام عليعليه‌السلام مقيماً في البصرة، ذهب ذات يوم لزيارة أحد أصحابه، وهو العلاء بن زياد الحارثي، وبعد أن وقعت عينه على دار العلاء، قال:

«ما كنتَ تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا، وأنت إليها في الآخرة كنتَ أحوج؟ وبَلى إن شئتَ بلغتَ بها الآخرة: تَقري فيها الضيف، وتصل فيها الرّحم، وتُطلع منها الحقوق مطالعَها، فإذاً أنتَ قد بلغت بها الآخرة. فقال لَهُ العلاء: يا أمير المؤمنين، أشكو اليك أخي عاصمَ بن زياد. قال: وماله؟ قال: لبس العباءة وتخلّى عن الدنيا. قال: علَيّ به. فلما جاء، قال:... أما رحمتَ أهلك وَوَلدَك؟ أترى الله أحلَّ لك الطيّبات وهو يكره أن تأخذَها! أنت أهونُ على الله من ذلك. قال: يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسِك وجشوبة مأكلك! قال: ويحك، إنّي لستُ كأنت. إنّ الله تعالى فرض على أئمّة العدل أن يُقدّروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيّغ بالفقير فَقرهُ).

وعندما احتاج الإمام علي وفاطمةعليهما‌السلام إلى خادمة، طُرح هذا الموضوع على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرغّب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمةعليها‌السلام

١٦٧

بالتسبيح.

منع تكديس الثروة

نحن نعلم أنّ القرآن الكريم قد صرّح بمنع تكديس الثروة، قال تعالى:

( ..وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ، (التوبة: 34).

وذكر عمل الإمام الصادقعليه‌السلام في كتاب: (قصص الأبرار):

عندما ازدادت عائلة الإمام الصادقعليه‌السلام وأصبح القيام بمهامها ثقيلاً، صمّمعليه‌السلام أن يشتغل بالتجارة، فأعطى مولاه مصادف، ألف دينار، وقال له: تجهّز حتى تسافر إلى مصر. أخذ مصادف رأس المال واشترى به بضاعة لها سوق رائجة عند أهل مصر، واتّجه إلى هناك مع جماعة من التجّار. عندما بلغ التجّار أبواب مصر، صادفوا قافلة خارجة منها، فسألوا تجّارها عن سوق بضاعتهم، فأخبروهم بنفاد البضاعة وبحاجة الناس إليها، ففرح التجّار القادمون إلى مصر واتّفقوا أن لا يبيعوا إلاّ بربح مضاعف. بيد أن الإمام لم يقبل هذا الربح، وذمّ ما عمله مصادف والتجّار.

مراعاة العدالة

ذكرنا - فيما مضى - أنّ العدالة أحد الدعائم الأساسية للنظام الإسلامي، قال تعالى:

( ..وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ.. ) ، (النساء: 58).

وقال تعالى:( ...وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى‏.. ) ، (الأنعام: 152).

وسلوك الإمام عليعليه‌السلام مع أخيه عقيل، إنعكاس لمبدأ العدالة، حيث دخل عليه في الكوفة أيّام خلافته، فاندهش لما شاهده من بساطة طعامه. وبعد أن

١٦٨

فرغ من طعامه، قال عقيل: أعطني ما أقضي به دَيني... قالعليه‌السلام : فكم دَيْنُك؟ قال: مائة ألف درهم، فقالعليه‌السلام : لا والله ماهي عندي ولا أملكها، ولكن انتظر حتى الصباح كيما يخرج عطائي فأُواسيكه.... فقال عقيل: بيت المال في يدك، وأنت تسوّفني إلى عطائك، وكم عطاؤك، وما عساه يكون..؟ فقالعليه‌السلام : ما أنا وأنت فيه إلاّ بمنزلة رجل من المسلمين... وبيت المال للمسلمين. وفي ظلّ إصرار عقيل، قالعليه‌السلام : انزل إلى بعض هذه الصناديق (العائدة لأهل السوق) فاكسره وخذ ما فيه، فرفض عقيل ذلك، فردّ الإمامعليه‌السلام قائلاً: أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فأُعطيك أموالهم وقد توكّلوا على الله فيه. بعد ذلك قال له الإمامعليه‌السلام : نسرق من واحد خير من أن نسرق من المسلمين جميعاً!.

قيمة العمل

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ملعون من ألقى كلَّه على الناس». مرّ علي بن أبي حمزة البطائني على الإمام الكاظمعليه‌السلام وهو يعمل في أرضه ويعدّها للزراعة بكلِّ جدّ ونشاط بحيث كان يتصبّب عرقاً، ممّا دعاه إلى سؤاله: جُعلتُ فِداك، أين الرجال؟

لماذا لا تفوّض هذا العمل إلى الآخرين؟

فقال الإمام: ولِمَ أُفوّضه إلى غيري؟... رسول الله وأمير المؤمنين وآبائي كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم.

المعايير الإسلامية

تغيّرت المعايير بعد بزوغ فجر الإسلام، وتبعاً لها، تغيّرت علاقات الناس، وعلاقات الحكّام بهم.

نحن نعلم أنّ عدداً من المسلمين هاجروا إلى الحبشة بسبب الضغوط التي

١٦٩

مارستها قريش ضدهم، وعلى أثر ذلك أراد كبار قريش أن يغروا النجاشي وأعوانه ليهيّئوا بذلك الأرضية من أجل إخراج المسلمين من الحبشة. وبعد أن التقى النجاشي ممثّلي قريش، صمّم أن يتحدث مع المسلمين، فاستعدّ المسلمون لذلك. ونظّم النجاشي لهم مجلساً مهيباً كما يفعل الأباطرة، فدخل عليه المسلمون بكلِّ طمأنينة ووقار، لم تؤثر عليهم عظمته ولم ترهبهم أُبهّته، بل إنهم لم يراعوا مراسم الدخول على الملوك والأباطرة في ذلك الوقت من قبيل الأرض أمام السلطان. وعندما اعترض أعضاء البلاط، أجابوهم فوراً بقولهم: إنّ ديننا الذي لذنا بسببه إلى هنا لا يبيح لنا السجود لغير الله الواحد الأحد.

هنا سألهم النجاشي قائلاً: ما هذا الدين الذي فارقتم قومكم بسببه...؟

فأجابه كبيرهم جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام قائلاً: أيّها الملك كنّا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويّ منّا الضعيف، وكنّا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا لتوحيد الله وعبادته... بعد ذلك تأثّر النجاشي بكلامه، ورفض تسليم المسلمين إلى ممثّلي قريش.. وبعد مدّة أسلم.

(وأثّرت سيرة النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله على نجل حاتم الطائي من خلال تعامله معه، وحديثه مع المرأة العجوز بحضوره، وحياته العاديّة البسيطة، حتى ترك دينه واعتنق الإسلام. (قصص الأبرار، ابن حاتم الطائي، ج2».

وعندما سيطر الإمام عليعليه‌السلام على الماء في معركة صفّين، فسح المجال لجيش معاوية أن يشربوا منه، على عكس ما فعله معاوية مع المسلمين في جيش الإمام عندما كان مسيطراً على الماء حيث منعهم منه.

وسلوك طاووس اليماني مع السلطان الأموي هشام بن عبد الملك، تجسيد حقيقي للمعايير الإسلامية، فعندما قَدِم هشام مكّة المكرّمة قاصداً الحج، أمر رجاله أن يأتوه برجل من الصحابة، أو من التابعين، فجاؤوه بطاووس اليماني، فلمّا دخل عليه، خلع

١٧٠

نعليه عند حاشية بساطه، وعندما سلّم عليه، لم يسلّم بإمرة المؤمنين، بل قال: السلام عليك، ثمّ جلس بجانبه، وعندما تحدّث معه، لم يخاطبه بكنيته، وإنّما قال له: كيف أنت يا هشام؟

فغضب هشام غضباً شديداً من سلوك طاووس، وقال له: يا طاووس، ما الذي حملك على ما صنعت؟

فأجابه: وما صنعتُ؟ ثمّ قال له: ما صنعتُ إلاّ أشياء مطابقة للشرع... وأنت لست أمير المؤمنين، لأنّ كلّ الناس غير راضين بإمرتك.

وجاء في قصّة الرجل المجهول: أنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام رأى امرأة تحمل قربة الماء على كتفها وهي لا تطيق حملها، فأخذ الإمام القربة وحملها حتى أوصلها إلى دارها. ولمّا علم بوضعها حيث كان زوجها جنديّاً قُتل في مهمّة أرسله الإمام فيها... ذهب وجلب لها اللحم والدقيق والتمر، لسد حاجتها وحاجة أطفالها، ودخل البيت وشاركها في بعض الأعمال. وكان يلوم نفسه أنّه لماذا لم يعجّل في إغاثة هذه المرأة.. بعد ذلك عرفته المرأة أنّه عليّ بن أبي طالب، فاعتذرت منه. فقال لها: وا حيائي منك يا أمة الله فيما قصّرت في أمرك.

احترام الناس على أساس التقوى

ذكرنا - فيما مضى - أنّ الإسلام أحدث ثورة في مقياس التفاضل بين الناس. علماً بأنّ المقياس - سواء في الماضي أو في عصرنا الحاضر - هو المال، والمنصب، والعنصر، والموقع الاجتماعي، والانتماء العائلي، والقومية، وأمثالها. ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلّغ الناس قوله تعالى:

( ..إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ.. ) ، (الحجرات: 13).

وأزال هذه المقاييس عمليّاً. وتوضّح لنّا قصّة زواج جويبر من الذلفاء، المذكورة في كتاب (قصص الأبرار) تبدّل هذه المقاييس جيّداً.

كان جويبر من الصّحابة، وكان يقول عن نفسه بأنّه لا مال عنده ولا جَمال

١٧١

ولا حسب ولا نسب، فمن يزوّجه؟ ومن ترغب فيه؟ وهو الفقير القصير الأسود. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جويبر إنّ الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهليّة وضيعا، وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلا... وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلا، إلاّ لمن كان أتقى لله منك وأطوع.

وكانت الذلفاء شابّة جميلة، وابنة أحد أشراف المدينة ووجهائها. واتّباعاً للمعايير الإسلامية، ووفقاً لوصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أقنعت الذلفاء أباها، وصارت زوجة لجويبر.

مكافحة الخرافات

لقد قوّض الإسلام دعائم الخرافات من خلال دعوته إلى الحكمة، والكلام المنطقي، والاتّجاه العقلي. وجاء في قصّة المنجّم أنّه طلب من الإمام عليعليه‌السلام أن يغيّر ساعة تحرّكه ليظفر بعدوّه. فقال له الإمام: سأعمل خلاف ما قلت، ونتحرك الآن دون تأخير. ثمّ وجّه أوامره بالتحرّك متقدّماً نحو العدو.

الانفتاح ورحابة الصدر أمام المخالفين

قلّما تجد نظاماً في العالم كالإسلام في انفتاحه، قال تعالى:

( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ ) ، (البقرة: 256).

فالإسلام يؤكّد دائماً على الدليل والبرهان، سواء كان ذلك في مجال التوحيد والشرك، أو في المجالات الأُخرى. قال تعالى:

( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ، (البقرة: 111).

وجاء في قصّة (توحيد المفضّل) أنّ رجلاً تأثّر بعد مناظرته مع ابن أبي العوجاء الذي كان من الدهريّين، ووبّخه بحنق وغضب. فقال له ابن أبي العوجاء: إن كنت من أصحاب جعفر بن محمّد الصادق فما هكذا يخاطبنا، ولا بمثل

١٧٢

دليلك يجادلنا، ولقد سمع كلامنا أكثر مما سمعت، فما أفحش في خطابنا، ولا تعدّى في جوابنا، وأنّه الحكيم الرزين العاقل الرصين، لا يعتريه خرق ولا طيش، ولا نزق، ويسمع كلامنا، ويصغي إلينا، ويستغرق حجّتنا حتى اذا استفرغنا ما عندنا، وظننا أنّا قد قطعناه، أدحض حجّتنا بكلام يسير، وخطاب قصير، يلزمنا به الحجّة، ويقطع العذر، ولا نستطيع لجوابه ردّاً. فإنّ كنتَ من أصحابه، فخاطبنا بمثل خطابه.

مواساة الآخرين

جاء في قصّة (مرضى الجذام) المذكورة في كتاب (قصص الأبرار) أنّه كان في المدينة عدد من الأفراد المصابين بالجذام، وكانوا بالإضافة إلى تألّمهم الجسمي يتألّمون نفسيّاً لابتعاد الناس وتنفّرهم منهم. فمرّ عليهم ذات يوم عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، وهو راكب حماراً، وكانوا يتغدّون، فدعوه إلى الغداء، فقال: أما لو لا أنّي صائم لفعلت. ثمّ دعاهم إلى منزله لتناول طعام الغداء لليوم التالي. فلمّا سار الإمام إلى منزله، أمر بطعام، فصنع، ولمّا حضر الضيوف في اليوم التالي، مدّ الخوان وأكل الجميع، وأكل الإمامعليه‌السلام معهم.

مكافحة المتزمّتين

قلنا - فيما تقدّم - أنّ رسالة الإسلام رسالة ثورية، وكان أئمّتناعليهم‌السلام قادة ثوريّين في عصورهم، لم يتوانوا لحظة واحدة عن مكافحة الظلم والفساد والتقليد الأعمى والتزمّت.

وتمثّل قصّة الخوارج والكفاح ضدّهم أبرز أعمال الإمام عليعليه‌السلام وممارساته. فقد جاء في كتاب (قصص الابرار) تحت عنوان: قتل الإمام عليعليه‌السلام مايلي: كان الخوارج أُناساً تظهر عليهم آثار التنسّك، وكانوا لا يكذبون كما اعترف بذلك القاصي والداني، وكان ظاهرهم مليحاً، حيث

١٧٣

كانت علامات السجود ظاهرة على جباههم، ولهم لهجة عجيبة، وكانوا يتلون القرآن كثيراً، ويقيمون الليل بالعبادة، بيد أنّهم كانوا جُهلاء، سفهاء العقول، وينظرون إلى الإسلام بتزمّت وجمود.

كان الإمام عليعليه‌السلام يفتخر بمبارزته معهم، ويعتبرها من الأعمال المهمّة الفريدة، حيث قال: (إنّي فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليجترئَ عليها أحدٌ غيري...).

الوصيّة الأخيرة للإمام عليعليه‌السلام

تحدثنا - فيما سبق - عن التقوى المنبثقة عن أُسلوب التفكّر التوحيدي. وهنا نذكر خاصيّتين من الخصائص الجوهرية التي تُميِّز شخصيّة أئمّة الإسلام عن غيرهم:

الأُولى: شموليّة شخصيّتهم، فهم النموذج البارز للرسالة الإسلامية، والممثّل الحقيقي لها.

وكما يتحدّث الإسلام حول معرفة الله، والتقوى، والحكمة والعلم، والإيثار، والمساواة، والأُخوّة، وأمثال ذلك، فإنّ أئمّة الإسلام أيضاً - سواء كانوا في مقام التوجيه والإرشاد أو في مقام العمل - يمثّلون الأبعاد المتنوّعة للاسلام في سلوكهم.

الثانية: وحدة شخصيّتهم، نلاحظ أنّ الأئمّة المعصومين يتميّزون بشخصية واحدة، سواء كانوا في المسجد، أو البيت، أو في ساحة القتال، أو في المناظرات العلمية، وغير ذلك، فالمبادئ الأساسية هي التي تطبع سلوكهم في جميع الحالات.

وعندما نلقي نظرة قصيرة على وصيّة الإمام عليعليه‌السلام للإمام الحسنعليه‌السلام تتّضح لنا هاتان الخاصيّتان بجلاء. وقد جاء في كتاب (قصص الأبرار)، أنّ هذه الوصيّة هي آخر وصيّة للإمام، حيث قالها وهو طريح الفراش، بسبب سيف ابن ملجم.

ونلتقي في مثل هذا الظرف بوجه عليّعليه‌السلام المتألّق، إذ فكّر في الأبعاد المتنوّعة لرسالة الإسلام، حيث كان الإسلام شغله الشاغل، وفي الوقت ذاته، ودون أن يُبالي بدنوّ أجله، فإنّه يكشف لنا عن وحدة شخصيّته وشموليّتها، ضمن توجيهه وإرشاده الآخرين.

ذُكرت هذه الوصيّة

١٧٤

بالتفصيل في الجزء الثاني من كتاب (قصص الأبرار) تحت عنوان قتل الإمام عليعليه‌السلام ، وننقل منه هنا، النقاط الأساسية فيها بإيجاز:

«... ثم إني أُوصيكَ يا حسن، وجميع أهل بيتي وولْدي، ومن بلغه كتابي، بتقوى الله ربّكم، ولا تموتُّنَ إلاّ وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا، فإنّي سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: صلاح ذات البين أفضلُ من عامّةِ الصلاة والصيام، وإنّ المبيرة الحالقة للدين فسادُ ذات البين، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، انظروا ذوي أرحامكم، فصِلوهم، يهوّن اللهُ عليكم الحساب. الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يُضيّعوا في حضرتكم...، والله الله في جيرانكم، فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بهم، وما زال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورّثهم. والله الله في القرآن، فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم. والله الله في الصلاة، فإنّها خيرُ العمل، وإنها عمود دينكم. والله الله في بيت ربّكم، فلا يخلو منكم ما بقيتم، وإنّه إنْ تُرك، لم تُناظروا.. والله الله في شهر رمضان، فإنّ صيامه جُنّةٌ من النار. والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم.. والله الله في الزكاة، فإنّها تطفي غضب ربّكم. والله الله في ذريّة نبيّكم، فلا يظلمُنَّ بحضرتكم وبين أظهركم.. والله الله في أصحاب نبيّكم..، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بهم. والله الله في الفقراء والمساكين، فأشركوهم في معائشكم. والله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم.. ثمّ قال: الصلاة الصلاة الصلاة. لا تخافوا في الله لومة لائم، يكفيكم الله من آذاكم ومن بغى عليكم. قولوا للناس حُسناً كما أمركم الله (عزّ وجل). ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيُولّي الله أمركم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم. وعليكم يا بنيّ بالتواصل والتباذل والتبارّ، وإيّاكم والتقاطع والتدابر والتفرّق، وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتّقوا الله، إنّ الله شديد العقاب...».

١٧٥

وفيما يخصّ الإمام علياًعليه‌السلام ، فإنّ الرائع هنا هو جواب عديّ بن حاتم والد الطرفات (طرفه وطريف وطارف، أولاده) عندما أراد منه معاوية أن يصف الإمام علياًعليه‌السلام ، فقال، كما يذكر الجزء الثاني من كتاب (قصص الأبرار) تحت عنوان: (أين أبناؤك؟): (كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول عدلاً، ويحكم فصلاً، تتفجّر الحكمة من جوانبه، والعلم من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته. وكان - والله - غزير الدمعة، طويل الفكرة، يحاسب نفسه إذا خلا، ويقلّب كفّيه على ما مضى، يعجبه من اللباس القصير، ومن المعاش الخشن. وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويدنينا إذا أتيناه، ونحن مع تقريبه لنا وقربه منّا لا نكلّمه لهيبته.... يعظّم أهل الدين، ويتحبّب إلى المساكين، لا يخاف القويُّ ظلمَه، ولا ييأس الضعيفُ من عدله).

التعاون في أُمور البيت

كان الإمام عليعليه‌السلام يبذل أقصى جهده في مساعدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وكانا قد قسّما أعمال البيت بينهما، ويتعاملان ببالغ المودّة وعظيم الاحترام. وبالرغم من أنّ الإمامعليه‌السلام كان مكلّفاً بإنجاز أعمال مهمّة خارج البيت، فإنه كان يساعد فاطمةعليها‌السلام عندما رزقها الله الأولاد، فكانت هذه الأُسرة أُسرة نموذجية من جميع النواحي.

وعندما اشتكت امرأة من زوجها في حضرتهعليه‌السلام ، ذهب معها إليه، وردعه عن عمله. ثمّ أوصاه وإيّاها أن يتبادلا الاحترام والمحبّة.

المنهج العقلي في التربية الإسلامية

لقد ذكرنا في الفصل الذي يتحدّث عن خصائص النظام التربوي في الإسلام أنّ أساس النظام التربوي في الإسلام مرتكز على التعقل والفهم. قال تعالى:

١٧٦

( ادْعُ إِلَى‏ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. ) ، (النحل: 125).

فتمّ التأكيد في هذه الآية على استعمال الحكمة أو الكلام المنطقي.

وجاء في آية أُخرى:( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.. ) ، (الإسراء: 36).

فينبغي قبول مبادئ الدين عن طريق التعقّل. والسلوك الأخلاقي في الإسلام هو السلوك الذي يحظى بدعم العقل وتأييده، وقد تمّ تحديد الأحكام الإسلامية على أساس المصالح والمفاسد الواقعيّة.

والموعظة أُسلوب آخر للإرشاد والتوجيه، ويختلف أفراد النوع الإنساني بعضهم عن بعض في استيعاب الأمور، ففريق يقوم بدراستها وتحليلها عند تعامله مع موقف ما، وفريق آخر يقوم بذلك عن طريق الموعظة والنصيحة.

والمجادلة أُسلوب ثالث يُستفاد منه في ظروف خاصّة. وفي التربية والتعليم، الأصل هو الاستفادة من أساليب متنوّعة تبعاً لظروف الأشخاص والمسائل الموجودة. كما مرّبنا - فيما مضى - فإنّ التعصّب أو التعامل اللامنطقي مع الأمور محظور في الإسلام:

(من تعصّب أو تُعصّب له، خلع رِبقة الإيمان عن عنقه).

يذكر المرحوم مطهّري في الجزء الثاني من كتاب (النظرة الكونية التوحيدية) نقطة، من المناسب أن أذكرها هنا، يقول: (إنّ الإسلام دين الحقيقة والواقع. والإسلام - لغةً - هو التسليم. وهذا دليل على أنّ أوّل شروطه هو التسليم للحقائق والواقعيّات، فكلّ لون من العناد، واللجاجة، والتعصّب، والتقليد الأعمى، والتحيّز، والانانية، مرفوض ومدان من وجهة نظر الإسلام، لأنّه خلاف الحقيقة والواقع).

١٧٧

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

( وَلِتَكُن مِنكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ، (آل عمران: 104).

( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ... ) ، (آل عمران: 110).

( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُم أَولِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.. ) ، (التوبة: 71).

البعد الإرشادي أو التوجيهي

إنّ مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بوصفه أمراً اجتماعياً - ذو بعد إرشادي توجيهي في حالات متنوّعة، ولذلك فهو أُسلوب تربوي جوهري، والإنسان - بطبيعته - يتقبّل الإرشاد والنصح أفضل من توجيه الأوامر إليه. وقد يقاوم مسألة توجيه الأوامر في حالات شتى، وأحياناً يرغب في العمل خلاف الأوامر. ولا ريب فإنّ الإرشاد يطبع الاتّصال بين شخصين أو مجموعتين بطابع إنساني.

واذا كان عمل المربّي أو الوالدين ذا بعد إرشادي، فإنّه يؤثّر أكثر من الأساليب الأُخرى. وعند ممارسة الإرشاد، تُطرح المسألة بصورة أوضح، وتُدرس جوانبها، ويمكن التكهّن بنتائج العمل، ويعرض الطرفان تجاربهما. والإنسان نفسه في رحاب الإرشاد ينتبه إلى حسن العمل أو قبحه، فيقْدم عليه أو يحْجم عنه.

وعندما ينظر إلى مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أنّه واجب، فإنّه يتّخذ طابع الدافع الفردي، وتكون له آثار اجتماعية أيضاً. وعند ذلك يعتزم الإنسان مراقبة أعماله وممارساته، مضافاً إلى ذلك، فإنّه يُبادر إلى إصلاح وضعه قبل أن يقوم الآخرون بتنبيهه. من هذا المنطلق، يشعر بالمسؤولية ذاتياً فيما يخصّ سلوكه، فيحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الآخرون.

١٧٨

في المجال الاجتماعي، يتّخذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طابع المسؤولية المشتركة. فعندما يرى أحد الناس خلافاً بَدَر من شخص ما، فإنه يشعر بالمسؤولية، ويرغب أن يردعه عن ارتكاب ذلك الخلاف. هذا الشعور المشترك يحقّق فائدتين في آنٍ واحد، حيث يردع الإنسان عن ارتكاب الأعمال المشينة، وكذلك يردع المجتمع.

نستخلص من هذا، أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذو بعد تربوي على الصعيدين: الفردي والاجتماعي.

إنّ ترسيخ هذا المبدأ يُفضي إلى استمرار التربية والإصلاح المتواصل. فالفرد يجدّ في مراقبة عمله وضبطه دون انقطاع، وكذلك يفعل المجتمع، مضافاً إلى البعد الإرشادي، فإنّ الناس يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار جهات أُخرى أيضاً في عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالذي يريد أن يردع الآخرين عن ارتكاب عمل مشين، ينبغي له أن يكون مطّلعاً على ماهيّة ذلك العمل حقيقة، ويعلم بأضراره، ويكون في حالة تمكّنه من ممارسة الإرشاد. كما أنّ الظرف يجب أن يكون مساعداً، ويوحي بتأثير ذلك المبدأ وفائدته.

يُطبّق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نسبيّاً على الأشخاص، وفي ظروف معيّنة بأشكال متنوّعة. ويصادف أحياناً أن يكون عمل الشخص المخالف بشكل لا مندوحة معه من استقباحه ورفضه. وأحياناً يكون الإنسان في ظرف لا يستطيع معه أن يصارح الشخص المخالف بعمله، أو يوبّخه، ففي هذه الحالة، يعبّر الامتعاض الباطني من هذا العمل، والتزام جانب الصمت أمام المخالف، أو ترك المكان، عن نوع من الرفض والاحتجاج. ويتّفق حيناً أن يكون الشخص المخالف في حالة يمكن تنبيهه شفوياً. وهنا يضطلع المجتمع بمهمّة توبيخ المخالف وردعه. وقد تكون المخالفة انتهاكاً لحقوق الآخرين أو ممارسةً للظلم ضدّهم، عند ذلك يظهر ردّ الفعل ضدّ المخالف في نمط آخر. ويختلف ردّ الفعل الذي يبديه الناس حيال المخالفين تبعاً للظروف والحالات المتنوّعة.

١٧٩

ننقل هنا فقرة من كلام الإمام عليعليه‌السلام الذي قاله في صفّين حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

«أيّها المؤمنون، إنّه مَنْ رأى عدواناً يُعْمَلُ به، ومنكراً يُدعى إليه، فأنكرَه بقلبهِ فقد سلِمَ وبرئ، ومَنْ أنكرَه بلسانه فقد أُجر وهو أفضلُ من صاحبه، ومَنْ أنكره بالسيف لتكون كلمةُ اللهِ هي العليا وكلمة الظالمين هي السُفلى، فذلك الذي اصابَ سبيلَ الهدى وقام على الطريق، ونوّر في قلبه اليقين».

يتحدّث الإمام هنا حول الظلم والعمل القبيح.

للمخالفة أهميّة خاصّة، وقد يكون لها بُعد اجتماعي. وهنا تُطرح ثلاثة ضروب من ردّ الفعل حيال هذا الموضوع:

الأوّل: الاستنكار القلبي، أي إنّ الإنسان يُنكر عمل المخالفين بقلبه.

الثاني: الاستنكار اللساني.

الثالث: الاستنكار بالسيف. وهنا يثب الإنسان لقبر الظلم والدفاع عن الحق ومكافحة الباطل. ويُلاحَظ هنا أنّ أجر الشخص الثاني أفضل من أجر الأوّل، والثالث وثب في سبيل الحقّ، فردُّ فعله أسمى من ردِّ فعل الآخرين، ويلاحظ أنّ الجهاد ضدّ الظلم في حالة معيّنة يجب أن يتحقّق عن طريق الحرب والصراع المستميت.

في ضوء ما تقدّم، فإنّ نطاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نطاق فسيح الأرجاء. وعلى أصحاب المسؤولية إبداء ردّ فعل قويّ حيال ضروب الخلاف، سواء كان خلافاً لاأخلاقياً بسيطاً ذا بعد فردي، أو كان ظلماً يهدّد حياة المجتمع بالخطر.

ولو كان مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطبَّقاً في المجتمع، فإنه لا يسمح أحد لنفسه أن ينتهك حقوق الآخرين،ومبدئيّاً،لاتتاح أيّة فرصة للظالمين أنينتهكوا حقوق الناس أو يستغلّوهم. وفي مثل هذا المجتمع، لا يبرز أيّ حاكم جائر، وذلك لأنّ الجائرين يعلمون بأنّهم سيكونون وجهاً لوجه، أمام شعوبهم، وستنالهم نقمتهم بمجرّد انتهاكهم لحقوق الآخرين.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وتقسيمه إلى نظري، وعام، وتجاري، ومماثلة البرامج الدراسية في الفرع النظري لنظيراتها في الفرع العام على عدم وجود أيّ أساس لهذا البرنامج.

وكان إعداد المعلّم مؤسفاً في ما يسمّى بهذا النظام، حيث كان خرّيجو المدارس الابتدائية يزاولون التعليم بعد أن يتلقّوا برامج خاصّة، خلال سنتين أو ثلاث سنوات، ثمّ يتولّون تربية أبناء العشائر والأرياف في بلادنا. وكانت رسالة المعلّم غير واضحة لدى واضعي ذلك النظام.

وبالرغم من وجود آلاف الخرّيجين من المرحلة الإعدادية مع تجربة دراسية جيّدة، كان (الدكتور صديق أعلم) يصرّ على بقاء دار المعلمين الابتدائية لأنّه كان مؤسسها. فكان يقبل الأحداث من أبناء الخمس عشرة سنة في الدار، حيث يدرسون سنتين، ثمّ يعيّنهم معلّمين في المدارس الابتدائية.

وكانت كتائب التعليم(*) محاكاةً لما هو سائد في أقطار أُخرى مثل تركيا. وفي تركيا حيث كانوا مجبورين على منح خرّيج الإعدادية رتبة ضابط في الجيش، مع عدم وجود حاجة إلى كلِّ ذلك العدد من الضبّاط، لذلك كانوا يعيّنونهم معلّمين. بعد ذلك رأوا أنّهم معلّمون غير جيّدين في عملهم. طرحت هذه التجربة العقيمة في إيران بوصفها من إنجازات (محمد رضا بهلوي)، حيث كانوا يدخلون خرّيجي الاعداديات في دورةٍ مدّتها ستّة أشهر، يتلقّون خلالها تدريباً عسكرياً، ودروساً في التربية والتعليم، ثمّ يعيّنونهم معلّمين في المدارس الابتدائية.

لقد تحدّثتُ بالتفصيل حول ما يُسمّى بالنظام التربوي الجديد في كتاب: (المجتمع والتربية والتعليم)، لذلك أتجنّب تكرار هذا الموضوع.

إنّ النظام المذكور لم ينجح في مجال إعداد أصحاب المهنة، ولا في الحيلولة دون ما يسمّونه بتهافت الخرّيجين على الجامعات. وعلى العموم، لم يكن واضحاً من حيث

____________________

(*) وهي الكتائب التي أسّسها محمّد رضا بهلوي ملك إيران آنذاك لنشر التعليم حسب زعمه، وفشلت آخر الآمر.

٢٠١

الهدف، ولم يكن ذا بُعد علمي ومنطقي من حيث المناهج.

التعليم العالي في إيران

كان وضع التعليم العالي أيضاً مؤسفاً أكثر من التعليم الابتدائي والثانوي. إنّ دار الفنون التي هي من إنجازات ومكاسب ابن الوطن البار الميرزا تقي خان أمير كبير، تحوّلت إلى جامعة. وعُدّ تأسيس جامعة طهران من إنجازات رضا خان بهلوي.

لم يكن التخطيط لجامعة طهران مُطابقاً للمواضيع العلمية، كما لم يُلبّ حاجات المجتمع. وعموماً ليس له نشاط أساس في الفروع الدراسية، ما عدا فرع الطب، وإلى حدٍّ ما فروع: الهندسة، والحقوق، والزراعة. وبعد أيلول عام ١٩٤١، كانت هناك مبادرات لتأسيس جامعات ومدارس عالية في طهران وسائر المدن أُسوة بجامعة تبريز، التي تأسّست من قبل الديمقراطيّين في آذربايجان. وعندما كانوا يرومون تأسيس مدرسة عالية، فإنّهم لم يأخذوا بعين الاعتبار، حتى الضروريّات الأوليّة لإنشائها، من نحو: التخطيط الصحيح، والأُستاذ، والوسائل التعليمية، والمكان المناسب. والآن نلاحظ عشرات الجامعات والمدارس العالية منبثّة في أرجاء البلاد، بيد أنّ برامج كثير منها لا تتناسب مع حاجات البلاد.

ووضع الهيئة التعليمية في المؤسّسات التابعة للتعليم العالي مؤسف للغاية، ولا وجود للوسائل التعليمية في مثل هذه المؤسّسات.

إنّ الملحوظ في هذه المؤسّسات هو العدد الكبير للطلبة الجامعيّين، حيث نرى أنّ خرّيجي الإعداديات كافة يطمحون إلى دخول الجامعات بسبب النظام التعليمي الخاطئ المُطبّق في مرحلة التعليم الثانوي، في حين أنّ الجامعات تسع فقط لأقل من عُشر المتقدّمين.

إنّ الأهداف التربوية، والأساليب الأساسية في التعليم، والبرامج التعليمية، وضرورة وجود نظام للتعليم العالي يكون متناسقاً مع النظام العام للمجتمع، كلُّ

٢٠٢

اولئك لم يحظ باهتمام الجهات المختصّة.

من هذا المنطلق، فإنّ الحديث عن نظام التعليم العالي أيضاً حديث عقيم لا يجدي نفعاً.

النظام التربوي في الحوزات العلمية

إنّ ما طرحناه من ملاحظات حول النظام التربوي لا ينطبق على النظام السائد في الحوزات الدينية. فإنّ النظام التعليمي الوحيد الذي تأسّس في إيران منذ قرون، ولا زالت له فاعليّته هو النظام التربوي المطبّق في الحوزات الدينيّة. فلهذا النظام أهداف معيّنة، تنسجم معها برامجه التعليمية، وله منهج محدّد، ورائع من الناحية التربوية.

إنّ للمدارس الدينية مواصفات أساسية من الناحية التربوية، فهناك علاقة حيوية أو عضوية بين الأهداف، والبرامج التعليمية، ومحتوى هذه البرامج، والأُسلوب التعليمي السائد. وللنظام التربوي القائم في المدارس الدينية علاقة عضوية أو حيوية مع النظام الإسلامي.

في ضوء ما تقدّم من مواصفات، فإنّ النظام التربوي للمدارس الدينية، هو النظام التربوي الوحيد الذي وُلد من رحم مجتمعنا، وترعرع في أجوائه، متأثراً بالثقافة الإسلامية الأصلية، وبعيداً عن الأفكار الوافدة الدخلية.

لقد خصّ المرحوم الدكتور شريعتي في كتابه: (فلسفة التربية والتعليم) الكتاتيب القديمة والمدارس الدينية بالدراسة، ذاكراً مواصفاتها. فمن المفيد - للراغبين في المسائل التربوية، والذين يرومون التعرّف على المجالات الاجتماعية والثقافية للكتاتيب والمدارس الدينية - مطالعة هذا الكتاب.

لقد ذكر المرحوم آية الله المطهّري ملاحظات بارزة حول التعليم السائد في الحوزات، وذلك في كتابه: (عشر مقالات)، موضوع: الخطابة والمنبر، القسم الثاني، تحت عنوان: (ميّزات الحوزات الدينية).

٢٠٣

الأهداف في النظام التربوي للحوزات الدينية

الأهداف المعنوية والتربوية:

١ - إعداد أشخاص موحّدين. ٢ - إعداد أشخاص متّقين.

٣ - إعداد أشخاص مفكّرين. ٤ - إعداد أشخاص متدينين.

٥ - إعداد أشخاص زاهدين، ويهمهّم كسب المُثُل والقيم المعنوية.

٦ - إعداد علماء.

٧ - إعداد أشخاص ملتزمين ومسؤولين حيال النظام الفكري والمجتمع.

الأهداف التعليمية:

١ - التعرّف على أُسس التوحيد. ٢ - التعرّف على القرآن.

٣ - التعرّف على الأخبار والأحاديث الموثوقة.

٤ - تربية القدرة على استنباط الأحكام الإسلامية.

٥ - التعرّف على العلوم الأوّليّة:

التعرّف على أُسس الصرف والنحو، البلاغة والأدب العربي، الأُصول من أجل فهم واستيعاب المفاهيم والأحكام الإسلامية بشكل أفضل، آراء الفقهاء.

ومن البرامج التعليمية الأُخرى - كما سنلاحظ - هي مطالعة ودراسة المنطق لتربية القدرة الفكرية للطلاّب، وكذلك مطالعة ودراسة الفلسفة الإسلامية.

البرامج التعليمية

الصرف والنحو:

يتعلّم الطلاّب المبادئ الأوّلية للصرف والنحو والمنطق من خلال دراسة كتاب: (جامع المقدّمات)، وهذه الدراسة ذات مستويات متنوّعة هي:

المستوى التمهيدي، المستوى المتوسط، المستوى العالي، ففي المستوى التمهيدي، تدرّس كتب: شرح الأمثلة، والصرف للمير شريف الجرجاني، وأمثالهما في الصرف، وكتاب العوامل، والهداية في النحو، وكتاب (الكبرى) في المنطق.

وفي المستوى العالي: يُدرّس كتابا: شرح قطر الندى، والسيوطي في النحو، وكتاب (المطوّل) في المعاني والبيان، وكتاب (حاشية الملاّ عبد الله، وشرح الشمسية)، في المنطق. وكذلك شرح المنظومة لبعض الطلاّب، وهي في المنطق أيضاً.

٢٠٤

الأُصول:

يدرس الطلاّب كتباً في الأصول بصورة تدريجيّة، وأوّل هذه الكتب هو كتاب (معالم الأُصول)، ثمّ كتاب (القوانين) أو كتاب (الفصُول) المماثل له، في الأُصول أيضاً.

الفقه:

يدرس الطلاّب الفقه أو آراء الفقهاء الماضين تدريجاً. ومن الكتب المتداولة في الحوزات العلمية هي: (الشرائع) في أربعة أجزاء و(شرح اللمعة الدمشقية) في جزأين.

الفقه والأُصول في المرحلة العليا:

تُدرَّس في هذه المرحلة كتب: (الرسائل) و(الكفاية) بجزئيها في الأُصول، وكتاب: (المكاسب) في الفقه، وثمّة كتب جديدة في الفقه والأُصول تأخذ طريقها إلى التدريس لتحلّ محلّ الكتب القديمة. ويقوم الطلاّب بدراسة تفسير القرآن ونهج البلاغة تدريجاً.

الفلسفة:

يدرس بعض الطلاّب الراغبين في الفلسفة كتاب: (المنظومة) للملاّ هادي السبزواري، في الحكمة، والذين يرغبون في مواصلة دراستهم في الفلسفة، يدرسون: (الإشارات) و(الأسفار) لصدر المتألّهين الشيرازي.

في هذه المراحل التي ينشغل فيها الطالب بالدراسة في ما يُسمّى بالمرحلة التمهيديّة(*) ، فإنّ الكتاب الدراسي هو المصدر الرئيسي في الدراسة.

مرونة البرنامج التعليمي

البرنامج الدراسي غير مدوّن سابقاً، ووقت التدريس في كلِّ حلقة دراسية غير محدّد، والتعليم لا يجري في مستوى واحد لكلِّ الطلاّب، أمّا التنظيم المتّبع في انتخاب الدروس فتنظيم منطقي، والتعليم ليس مقسّماً على مراحل كالتقليد المتّبع في المدارس الجديدة، أو المدارس الموجودة في الدول الأوربية والأميركية.

بكلمة بديلة: لا وجود

____________________

(*) ويُطلق عليها: مرحلة (السطوح) وهي تعني المرحلة الأوليّة في الدراسة الحوزويّة.

٢٠٥

لصفوف منظّمة معيّنة، عادةً، ينطبق البرنامج التعليمي على حالة الدارس أو الدارسين. والكتاب المقرّر في التدريس غير محدود أيضاً، وفي حالات متنوّعة، يتمّ انتخاب الأُستاذ من قِبَل الدارس.

إنّ البرامج التعليمية في مدارسنا، ومدارس الأقطار الأوربية والأميركية غير مَرِنة، فهي - في الأعمّ الأغلب - محدّدة سابقاً، والطالب والأُستاذ مرغمان على العمل بها. وما عدا حالات استثنائية، فإنّ جميع الطلاّب يجب أن يتعلّموا دروساً معيّنة خلال تسعة أشهر أو أربعة أشهر ونصف. وفي هذه المدارس، بالرغم من أنّ الحديث يدور حول الفروق الفردية، بيد أنّ التعليم - في الصعيد العملي - يطبّق على الجميع بصورة متساوية. فالطالب الذكي، والمتوسط، والضعيف، كلّهم يخضعون للتعليم.

في المدارس الجديدة، لا يجري انتخاب المواد الدراسية وفق تنظيم منطقي في جميع الحالات. وفي المدارس الدينية، مالم يدرس الطالب المبادئ الأوّليّة في الصرف والنحو، فإنّه لا يستطيع دراسة الصرف والنحو في المرحلة العليا، وما لم يدرس الصرف والنحو جيّداً، فإنّه لا يستطيع دراسة الفقه والأُصول. فالتنظيم المنطقي يُراعى في انتخاب المواد الدراسية.

نحن نعلم أنّ صفوفاً عديدة ومنظّمة موجودة في المدارس الجديدة، ابتدائية كانت أو ثانوية. وينبغي للطالب إتمام برنامج صفّ معيّن ليتسنّى له الدخول في صفّ أعلى، في حين أنّ الطلاّب في المدارس الدينيّة غير مقسّمين من هذه الناحية. وبالرغم من أنّ المربّي الأميركي (جون ديوي) أسّس في أواخر القرن التاسع عشر مدرسة اختبارية بدون صفوف عديدة (بشيكاغو)، بيد أنّ مدارس أميركا، لا زالت على نظامها القديم، من حيث وجود صفوف عديدة في المرحلة الابتدائية، والثانوية.

والآن يطالب بعض المربّين بإلغاء التقسيم المتّبع للصفوف.

وبالرغم ممّا يقال حول المدارس الجديدة، من أنّ البرامج التعليميّة يجب أن تكون متناسبة مع وضع الطلاّب، بيد أنّ هناك برنامجاً موحّداً يُفرض على الجميع

٢٠٦

عمليّاً. وهذا الأُسلوب متبع حتى في التعليم العالي، وفي المدارس الجديدة، لاسيّما في دوراتها العالية، يُستفاد من كتب متنوّعة.

ليس للطلاّب حريّة انتخاب الأُستاذ، حتى في الدورات العالية. وفي أميركا، حيث النظام التعليمي المتطوّر من الناحية النظرية، فإنّ الامكانيات الضروريّة لانتخاب الأُستاذ، وتعيين الأُستاذ المرشد، ليست في تصرّف الطالب حتى على مستوى التعليم العالي.

في المدارس الدينيّة، قد يجتاز أحد الطلاّب المرحلة الأُولى للدراسة التقليديّة في خمس سنوات، في حين يجتازها طالب آخر في عشر سنوات أو خمس عشرة سنة.

إنّ التنظيم المنطقي للدروس ذو معطيات تعليمية منها:

الأوّل: ما لم يتعلّم الطالب درساً معيّناً، ويهضمه جيّداً، لا يستطيع الانتقال منه إلى درس آخر، وهذا ما يُفضي إلى أنّ بعض الطلاّب الذين يتعلّمون الدرس الثالث ويهضمونه جيّداً، يستطيعون تدريس الدرس الأوّل بسهولة، وهذه العملية تتيح الإمكانية للطالب من أجل انتخاب الأُستاذ.

الثاني: بما أنّ الطالب يطمح إلى تصعيد مستواه العلمي، لذلك ينبغي له أن يستوعب كلَّ درسٍ بصورة جيدة، حتى يستطيع أن يُعدّ نفسه لتعلّم الدروس القادمة.

الثالث: إنّ العلاقة المنطقية للدروس، تُفضي إلى إلمام الطلاّب بالمواضيع أكثر، وتُفضي كذلك، إلى حضور ذهني لديه عند تعامله معها.

وتُراعى الفروق الفردية في هذا النظام التعليمي جيّداً، فيمكن أن ينشغل أحد الطلاّب بتكرار درس ما، في حين نجد زميله يتقدّم في درسه، ويواصل عمله مع أُستاذه. وفقاً للأُسلوب المتّبع في المدارس الدينية، نجد أنّ عدد الأساتذة المختصّين في تدريس بعض المواد يتضاعف بشكل متواصل.

في ضوء ذلك، يمكن للطالب أن يتقدّم وفقاً لاستعداده، وهو غير مضطر أن يطابق وضعه مع وضع الطلاّب الآخرين.

٢٠٧

إنّ التقويم أو الامتحان بالشكل المطبّق في المدارس الجديدة غير موجود في المدارس الدينية. فالامتحان يجري بمعناه الحقيقي في كلّ جلسة، وفي الدرس، يحاول الطالب - بسبب تحضيره السابق - أن يتعلم الدرس، وينتبه إلى الإشكال الموجود في عمله عند التعلّم، فيبذل جهده في الوقت من أجل إزالته، وفي الدرس القادم، لم يكن قد تعلّم الدرس الماضي فحسب، بل وعنده الاستعداد لتعلّم الدرس القادم أيضاً.

طريقة التعلّم

استعداد الطالب:

ما لم يكن الطالب مستعدّاً، فلا يواصل دراسته في فرع معيّن. والقصد من الاستعداد هنا هو امتلاك النموّ الكافي لاستيعاب مختلف المواضيع. وبما أنّ العمر ليس شرطاً في الدراسة، لذلك يمكن للأشخاص أن يبادروا إلى الدراسة في سنين متنوّعة. وعندما يشعر الطالب أنّه غير مستعد لتعلّم درس معيّن فإنّه غير ملزم في انتخاب ذلك الدرس، أو المشاركة مع طلاّب آخرين ممّن لهم الاستعداد في ذلك الدرس.

بكلمة بديلة: يقوم الطلاّب بانتخاب الدروس وفقاً لاستعداداتهم.

التجارب السابقة:

تعتبر التجارب السابقة لكلّ طالب عاملاً أساسيّاً في انتخاب الدرس الجديد. وفي المدارس الجديدة - بما فيها الجامعات - قد تُعرض دروس لا علاقة لها بالتجارب السابقة للطلاّب، وفي مثل هذه الحالة، يضطرّ الطالب إلى ترسيخ الدرس الجديد في ذهنه كالببغاء، لكي يتسنى له أن يحضر في الصف، أو في دورة معيّنة.

أمّا في المدارس الدينية، فإنّ وجود العلاقة المنطقية بين الدروس، يُفضي إلى أن يقوم الطالب بانتخاب الدرس الجديد بعد كسب التجارب الضرورية، أو بعد

٢٠٨

انتخاب الدروس التمهيديّة.

المحفّز على التعلّم:

إنّ الطالب في المدارس الدينية واعٍ لهدف الدراسة، فهو يعلم - مبدئيّاً - لماذا انتخب فرع العلوم والمعارف الإسلامية، وما هو سبب دراسة النحو أو الأُصول. هذا الوعي نفسه هو الذي يحفّزه على التعلّم.

بكلمة بديلة: يشجّع الهدف - بوصفه محفِّزاً قوياً - الطالب على الدراسة.

أمّا في المدارس الجديدة أو في المدارس العالية، فيُلاحَظ غالباً، أنّ الهدف من تعلّم درس معيّن غير واضح، بالنسبة إلى المعلّم والطالب، لذلك لا يبدي الطالب رغبة في الدراسة، وليس له محفِّز عليها إلاّ أداء الواجب، واجتياز الدورة، والحصول على الشهادة.

دور الطالب

للطالب في المدارس الدينية دور فاعل، فهو يُطالع درسه سابقاً، ويؤدّي دوره في عمليّة التعلّم بمشاركته في المناقشة والمباحثة، وسعيه لتوضيح المفاهيم والآراء. في حين نجد أنّ للطالب - في المدارس الجديدة - دور المنفعل.

بكلمة بديلة: هو مستعدّ لتقبّل ما يُطرح في الدرس وحفظه. أمّا المعلم فهو فاعل نشط في هذه المدارس، لذلك نجد أنّ التعلّم في مثل هذه المدارس سطحي، ويتّخذ طابع الحفظ غالباً.

بما أنّ الطالب في المدارس الدينية فاعل نشيط، لذلك نجد أنّ الفهم والتعقّل يرافقان التعلّم، بينما يتقبّل الطالب الموضوع بالشكل المطروح.

انتقال التعلّم:

إنّ انتقال التعلّم من مكان إلى آخر يجري بسهولة في المدارس الدينية. ويتطلّب التنظيم المنطقي للدروس أن يتعلّم الطالب مفاهيم كلِّ درس، ونظرياته، ومبادئه، وقوانينه. ومثل هذه الأمور قابلة للتعميم.

وعندما يستوعب الطالب المفاهيم والنظريات، فإنّه يستطيع أن ينقل ما تعلّمه في مكان ما إلى أماكن

٢٠٩

أُخرى بيُسر.

يجب الالتفات إلى أنّ التشابه بين مكانين، واستعمال المفاهيم والمبادئ في مكانين، والأهم من ذلك كلّه، الفهم، كلّ هذه الأشياء تُفضي إلى انتقال التعلّم من وسط إلى وسط آخر.

الفهم والتعقّل:

ذكرنا - فيما تقدّم - أنّ الفهم والتعقّل - في صعيد واسع - يميّزان التعليم في المدارس الدينية عن التعليم في المدارس الجديدة، وحتى عن التعليم في كثير من المدارس العالية. في هذا المجال، فإنّ العلاقة المنطقية للدروس جميعها تؤثّر في تصعيد مستوى استيعاب الطالب.

مضافاً إلى استيعاب المواضيع، ينبري الطالب نفسه إلى التقويم وإبداء وجهات النظر. ومن أجل تقويم الآراء ووجهات النظر، فإنّ الطالب مضطر إلى أن يدرس كلَّ رأي ووجهة نظر، دراسةً عقلية، وبواسطة هذا العمل، يفصل الآراء المنطقيّة عن الآراء غير المنطقية.

إنّ علاقة الدروس فيما بينها تؤثّر في التيّار العام للتعلّم.

أُسلوب التعلّم في المدارس الدينية

إنّ أُسلوب التعلّم هو أحد الدعائم الأساسية في الدراسة، حيث نجد أنّ معظم المشاكل التي ترافق التعلّم ناجمة عن الأساليب الخاطئة المتّبعة في التعليم، فبساطة الطلاّب وضحالة مستوياتهم، وعدم رغبتهم في التعلّم، كلّ ذلك بسبب الأُسلوب الخاطئ الذي ينتهجه المعلّمون.

ثمّة ثلاثة أساليب رئيسة للتعليم:

١ - أُسلوب طرح المواضيع:

المعلّم هنا فاعل نشيط، فما تعلّمه في حياته الدراسية ينقله إلى طلاّبه، ويتقبّل ذلك بسبب الحالة الانفعالية التي هم

٢١٠

عليها. وبما أنّ نشاط المعلّم ذو بُعد واحد، فمن المحتمل أنّه يستطيع أن يقوّم ما يطرحه من مواضيع، وربّما يطرح مواضيع غير صحيحة كآراء ونظريات مُبرهِنة.

يتّسم هذا الأُسلوب بأنّه ذو بعد ديكتاتوري، لأنّ المعلم يفرض رأيه على الطلاّب فرضاً، وذهن الطالب بمثابة مستودع يملأه المعلّم. علماً بأنّ تعلّم المواضيع العلمية غير مؤثّر في تغيير سلوك الطالب، فيلاقي الطالب صعوبة في فهم المواضيع واستيعابها، ويستمدّ العون من ذاكرته لتعلّم المواضيع المطروحة، وينقل إلى ذهنه أشياء غير مترابطة من خلال القراءة المتكرّرة.

٢ - أُسلوب إبداء الرأي:

تطرح هنا مواضيع متنوّعة، فيُبدي الطلاّب آراءهم فيها. إنّ طريقة إبداء الرأي أو التعبير عن وجهة النظر من قِبَل الطلاّب غير مصحوبة بحركة فكرية، فما يدور في الصف هو عرض آراء غير منطقية، وإبداء وجهات نظر ضحلة.

كلُّ طالب حر في التعبير عن رأيه. وكما مرّ بنا - فيما مضى - فإنّ المناقشة ليس بالشكل الذي يفيد الطالب من قوّة تفكيره، لإبداء رأيه، أو مناقشة آراء الآخرين. المعلّم غير فعّال في تطبيق هذا الأُسلوب، أمّا نشاط الطالب فإنّه غير مثمر، إذ ليس هناك مسألة أو موضوع يوجّه المناقشة، والنتيجة هي تضييع الوقت، ومن ثمّ حفظ المواضيع الموجودة في الكتاب الدراسي.

٣ - أُسلوب البحث والتحقيق:

إنّ الأُسلوب الأساس في التعليم هو أُسلوب البحث والتحقيق، بيد أنّه يجب أن تتّضح هويّة البحث، والتحقيق، لكي لا يتّخذ تطبيق هذا الأُسلوب طابعَ إبداءِ الرأي.

يعمل المعلّم والطالب على تحديد المسائل الأساسية عند تعاملهما مع مواضيع الكتاب، وبالإستفادة من تجاربهما.

فيتمّ طرح المسائل عن طريق التفكّر والبحث. ولعلّ أمراً ما يكون مشكلة

٢١١

بالنسبة إلى أحد الطلاّب، بيد أنّ قليلاً من الإمعان سوف يلفت نظره إلى عكس ما تصوّره.

بإيجاز: تُطرح المسائل ذات العلاقة، قبل عرض أيّ بحث، وبعد تحديد المسائل، يحاول الطالب علاجها بالاستفادة من المصادر المتنوّعة، وباستعمال فكره. في هذا الإطار، يمكن أن يقوم كلُّ طالب أو مجاميع صغيرة من الطلاّب بجمع المعلومات والآراء من أجل حلّ المسائل، فيقدّم أحدهم نتيجة مشاهداته، ويعرض الآخر ما تمخّضت عنه تجربته وتحليله، ويطرح الثالث عصارة تفكّره في المسألة. في هذه المرحلة بالذات، يضع كلُّ واحد من الطلاّب معلوماته المتجمعّة تحت تصرّف الآخرين، وفي هذه العملية، يدقّق الطالب كيفيّة تنظيم المواضيع، وكيفيّة تبيانها، وعلاقة ما يُطرح بالمسألة التي هي مَثار البحث، ومن ثمّ يتعلّم أشياء أساسيّة. عند ذلك يتحول الصف أو الدرس إلى ميدان للبحث والتحقيق في المسألة ذات العلاقة، والمواضيع المرتبطة بها. يتمّ بعد ذلك تحليل الآراء المطروحة، ويستطيع الطالب أن يحدّد دليله على كلِّ رأي، ويوضّح صلة ذلك بالموضوع المطروح. وفي هذا الأُسلوب، يقدّم المعلّم المواضيع اللازمة حيناً، وحيناً آخر يقدّمها الطالب. بيد أنّ طرح الموضوع يتحقق من خلال المسألة التي هي مَثار البحث. وينبغي أن يستوعب المعلّم والطالب كلاهما المواضيع المقدّمة، ويعملا على تقويمها، ويقرّا - آخر الأمر - بالرأي الأكثر موضوعية ومنطقيّة. وفي تطبيق كلّ بعد من هذه العملية، يتعلّم المعلّم والطالب أشياء أساسيّة.

إنّ هذا الأُسلوب لا يصعِّد من المستوى العلمي للطلاّب فحسب، بل ويؤثّر في تغيير أفكارهم، وتربية مهاراتهم الأساسية في الاستدلال.

يستفاد من هذا الأُسلوب - عادةً - في المدارس الدينية، فيقوم الطالب بالمطالعة قبل الدرس، ويبذل جهده لتحديد المسائل الأساسية، ويعدّ نفسه للمشاركة في البحث عن طريق المطالعة. في عقيدتي، إنّ هذا الأُسلوب صالح للتطبيق في مؤسّساتنا التعليمية.

إنّ تطبيق أُسلوب البحث والتحقيق يعلّم المعلّم والطالب معاً، كيفية التعامل

٢١٢

مع المسائل، وطريقة تقويم الآراء، والمهارات الأساسية في الاستدلال. علماً بأنّ إصرار المدارس الدينية على دراسة المنطق هو لأجل أن يعدّ الطلاّب أنفسهم لتطبيق أُسلوب البحث والتحقيق. وفي تطبيق هذا الأُسلوب، ينمو الطالب من الناحية الفكرية، ويصبح له رأيه المستقلّ تدريجياً، ويُبادر شخصياً إلى قبول الآراء أو رفضها.

مرحلة الدراسة العليا(*) في الحوزات الدينية

يلتحق الطالب بهذه المرحلة الدراسية بعد اجتيازه المرحلة التمهيدية (مرحلة السطوح) للدراسات الدينية، فتزول محدودية الكتاب والدرس في هذه المرحلة، حيث يُفترض أن يكون الطالب قد كسب المعلومات اللازمة. وهنا يُطبّق أُسلوب البحث والتحقيق في هذه المرحلة بنحوٍ تام. ويدير الدراسة في هذه المرحلة أساتذة بارزون، وتظهر قوّة الإبداع المودعة عند الطلاّب مضافاً إلى الفهم والتعقّل، ويجتاز الطالب فيها مرحلة مناقشة مواضيع الآخرين ودراستها، ليقوم بنفسه بطرح مواضيع جديدة. الدراسة في هذه المرحلة، مثال رائع للعلماء وأساتذة الجامعات، من الناحية التربوية.

على العموم، إنّ ما يُميّز النظام التربوي للحوزات الدينية هو مايلي:

١ - الجمع بين التقوى والعلم.

٢ - الإيمان بالأشياء التي يتعلّمها الطالب.

٣ - شموليّة الأهداف وسعتها.

٤ - مرونة البرامج الدراسية.

٥ - يتمّ انتخاب موادّ البرنامج حسب الأهداف.

٦ - يتماثل محتوى كلِّ مادّة مع الأهداف التربوية والتعلميمية.

____________________

(*) ويُصطلح عليها (البحث الخارج) حوزويّاً. تقابل هذه المرحلة مرحلة الدراسات العليا في الجامعات، بل هي أركز منها وأعمق، وبما أنّ هذا الاصطلاح الحوزوي ليس اصطلاحاً عربياً، لذلك آثرت تعريبه وفقاً لموضوعه.

٢١٣

٧ - ينصبُّ الاهتمام عمليّاً على ما هو مؤثّر في التعلّم.

٨ - إنّ المحفِّز على الدراسة والتعلّم، أفضل من الحصول على الشهادة أو نيل الامتيازات الماديّة.

٩ - تُراعى الفروق الفردية بنحو تام.

١٠ - يُحتَرَم استقلال الطالب في انتخاب الأُستاذ، والدرس، والكتاب، وفي التعبير عن رأيه.

١١ - يواكب الأُستاذ والطالب كلاهما هدفاً واحداً.

٢١٤

الفهرس

مقدّمة المترجم٥

تمهيد ٩

الثورة الثقافيّة والتعليميّة١١

الثقافة١٣

التربية والتعليم والتراث الثقافي ١٥

الثقافة الإسلاميّة١٥

المساهمة الجماعية في الثورة الثقافيّة١٦

الثورة التعليميّة١٦

المسألة الأساسيّة في التربية والتعليم١٨

الالتزام والاختصاص ١٨

التعليم ماقبل المرحلة الابتدائية٢٠

التعليم الابتدائي ٢٠

التخطيط في المرحلة الابتدائية٢٠

التخطيط في المرحلة المتوسّطة٢٠

التعليم الثانوي ٢١

التعليم العالي ٢٢

إعداد المعلّمين ٢٥

خاصّيّتان أساسيّتان للإنسان ٢٧

مقارنة الإسلام مع النُظُم القائمة في الشرق والغرب ٣١

النّظام التّربوي في الإسلام٣٧

خصائص النظام التربوي في الإسلام٣٩

الأُولى: البُعد الإلهي ٣٩

خصائص التربية الإلهيّة٤٠

٢١٥

الكمال ٤١

الانسجام مع الفطرة البشرية (المرونة)٤١

خلود الحياة البشرية٤٢

التربية الإلهيّة والسعادة الأبدية٤٣

الثانية: البعد الإرشادي (التوجيهي)٤٣

الهداية التكوينيّة٤٤

الهداية التشريعيّة٤٤

هداية الإنسان ٤٤

الهداية والتربية والتعليم٤٦

هداية الفرد٤٧

الإسلام وهداية الفرد٥٠

البُعد الإيماني ٥٠

الجانب العقلي ٥٢

هوية العقل ٥٣

مراحل النشاط العقلي ٥٤

١- تحليل الظرف أو الوضع ٥٤

٢ - تحديد المشكلة٥٤

٣ - جمع المعلومات ٥٥

٤ - إعداد الحلول ٥٦

٥ - انتخاب أفضل الحلول ٥٧

البعد العاطفي ٥٧

الوعي العاطفي ٥٩

البُعد الاجتماعي ٦١

التكييف الاجتماعي ٦١

٢١٦

التعاون ٦٣

المعارضة٦٤

الوفاق ٦٦

العلاقات مع الآخرين ٦٦

التربية البدنية٦٦

الثالثة: البُعد الحركي ٦٧

الرابعة: البُعد العقلي ٧٠

الأحكام الإسلامية٧٤

القيم الأخلاقية٧٥

التعليم في الإسلام٨١

اتجاهان رئيسان في التّربية والتّعليم٨٣

الدراسة والتدريب ٨٣

طريقة تعلّم الإنسان ٨٣

اتجاهان في التعلّم٨٤

الأول: التدريب ٨٤

الثاني: الدراسة٨٧

الاتّجاه التربوي في عصرنا ٨٨

التدريب ٩٤

الخضوع للتوقّع ٩٦

الدراسة٩٧

الأُسس التربوية في الإسلام١٠٠

الخامس: البُعد الثوري ١٠٤

تبديل النظام القائم١٠٨

منع الكنز وتكديس الثروة١٠٩

الأحاديث ١١٣

٢١٧

السادس: استمرار التربية والتعليم١١٤

السابع: عموميّة التربية والتعليم١١٧

الأهداف التربويّة في الإسلام١٢١

عبادة الله هدف تربوي أساس ١٢٣

التقوى ١٢٥

التقوى والحريّة١٣٣

تعليم الحكمة هدف تربوي أساس ١٣٨

تربية روح الدعوة إلى العدالة هدف تربوي ١٤١

تكامل الإنسان كهدف تربوي ١٤٣

هويّة الإنسان ١٤٣

مراحل النفس ١٤٣

الفضيلة والرذيلة في الإنسان ١٤٤

استقلال الشخص ١٤٤

مسؤولية الإنسان ١٤٥

تغيير سلوك الإنسان ١٤٦

احترام الإنسان ١٤٧

الإيمان بكفاءة الناس ١٤٩

الأُخوّة والتعاون كهدفين تربويين ١٥٠

الصداقة مع الشعوب الأُخرى إحدى الأهداف التربوية الأساسية أيضاً١٥١

تربية قوّة التفكّر هدف تربوي أساس ١٥٢

تربية الروح الاجتماعية هدف تربوي أساس ١٥٣

تربية الشخصية الأخلاقية هدف أساس آخر للتربية١٥٣

الأساليب التربوية في الإسلام١٥٤

دمج العلم في العمل ١٥٤

العلم والعمل في التعليم١٥٥

علاقة العلم بالتفكّر والأخلاق ١٥٦

٢١٨

الجمع بين الإيمان والعمل ١٥٧

الجهاد في سبيل الله والكفاح ضدّ الطاغوت:١٥٨

القيام بالقسط:١٥٨

حرمة أكل أَموال الناس ومنع الكنز وتكديس الثروة:١٥٨

الجهاد في سبيل الحق واحتقار الدنيا في مقابل الآخرة:١٥٨

تضامن المؤمنين ومودّة بعضهم البعض:١٥٩

الإيمان بالله والرسول والجهاد في سبيل الله:١٥٩

دمج الإيمان في العقل ١٥٩

التربية العملية١٦١

سيرة الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام ١٦١

قيمة العلم١٦٢

التعاون في شؤون الحياة اليومية١٦٣

خدمة الناس ١٦٤

السيطرة على العواطف ١٦٥

مساواة الناس أمام القانون ١٦٦

حياة المستضعفين ١٦٧

منع تكديس الثروة١٦٨

مراعاة العدالة١٦٨

قيمة العمل ١٦٩

المعايير الإسلامية١٦٩

احترام الناس على أساس التقوى ١٧١

مكافحة الخرافات ١٧٢

الانفتاح ورحابة الصدر أمام المخالفين ١٧٢

مواساة الآخرين ١٧٣

مكافحة المتزمّتين ١٧٣

٢١٩

الوصيّة الأخيرة للإمام علي عليه‌السلام ١٧٤

التعاون في أُمور البيت ١٧٦

المنهج العقلي في التربية الإسلامية١٧٦

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر١٧٨

البعد الإرشادي أو التوجيهي ١٧٨

الجهاد أُسلوب تربوي حاسم١٨١

جهاد النفس ١٨٢

المكافأة والعقوبة١٨٤

أساس علم النفس ١٨٥

التوبة أُسلوب تربوي ١٨٨

النصيحة والموعظة١٨٩

التربية عن طريق ذكر المثل ١٩٠

التربية عن طريق قصص الأُمم والشعوب ١٩٠

الدعاء والتضرّع ١٩١

الدعاء للهداية١٩٢

الدعاء للاستغفار والتوبة١٩٢

الدعاء لذكر الله دائماً١٩٢

الدعاء في مجال الإخلاص ١٩٢

محتوى النظام التربوي في الإسلام١٩٦

ما هو النظام التربوي؟١٩٧

النظام التربوي في إيران ١٩٨

المؤسّسات التعليمية الجديدة١٩٨

النظام المصطلح عليه حديثاً: التربية والتعليم٢٠٠

التعليم العالي في إيران ٢٠٢

النظام التربوي في الحوزات العلمية٢٠٣

الأهداف في النظام التربوي للحوزات الدينية٢٠٤

٢٢٠

221