التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام25%

التربية والتعليم في الإسلام مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 221

التربية والتعليم في الإسلام
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 163584 / تحميل: 9129
الحجم الحجم الحجم
التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام

مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

يوم الجمعة في المسجد لا يعيد الوضوء ، خوفاً من إنكارهم على ذلك ، ويكون قوله : « لأنه حال ضرورة » يراد به الخوف.

نعم : قد يتوجه عليه أنّ الاعتذار بعدم الوضوء ممكن ، إلاّ أن يقال : إنّ قبول هذا من أهل الخلاف غير معلوم ، ولعل الحمل المذكور أولى من حمل الشيخ ، وإن أمكن أن يوجّه التيمم بأنّه أولى من الصلاة بغيره ، وإن كان في البين إشكال.

أمّا ما اعترض به شيخناقدس‌سره في المدارك ، بعد نقله عن النهاية والمبسوط القول بالتيمم إذا منعه الزحام عن الخروج ، قائلاً : إنّه ربما كان مستنده رواية السكوني ، وهي ضعيفة السند جدّاً ، ثم قولهقدس‌سره : والأجود عدم الإعادة ، لأنه صلّى صلاة مأموراً بها ، إذ التقدير عدم التمكن من استعمال الماء قبل فوات الجمعة(١) . ففيه نظر :

أمّا أوّلاً : فلأن رواية السكوني وإن كانت ضعيفة إلا أن ما نقله هنا من رواية ابن سنان لا يخلو من اعتبار ، والجمع بينهما وبين الأخبار الدالة على نقض الوضوء بالنوم يحتاج إلى ما قاله الشيخ ، فعدم الالتفات إلى ذكر مثل هذا لا يخلو من شي‌ء.

وأمّا ثانياً : فلأن رواية السكوني إذا رُدّت بالضعف ، فجواز التيمم والحال هذه مع عدم التمكن من الماء وصحة الصلاة يقتضي أنّ الجمعة صحيحة ، والجمعة المذكورة في رواية السكوني ظاهرها أنّها مع أهل الخلاف ، فلو كانت مع غيرهم فالضرورة بعيدة ، إلاّ أن يقال بالإمكان ، وهو كاف.

__________________

(١) مدارك الاحكام ٢ : ٢٤٠ ، وهو في النهاية : ٤٧ ، والمبسوط ١ : ٣١.

٢١

قال :

باب الديدان‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله ـ ، عن أحمد بن محمد ( عن أبيه )(١) ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن(٢) الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عمن أخبره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، في الرجل يسقط منه الدواب وهو في الصلاة ، قال : « يمضي على صلاته ولا ينقض ذلك وضوءه ».

عنه ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن ظريف ـ [ يعني ](٣) ابن ناصح عن ثعلبة بن ميمون ، عن عبد الله ابن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس في حَبّ القَرْع والديدان الصغار وضوء ، إنّما هو بمنزلة القمل (٤) ».

السند‌

ليس في الأوّل : بعد ما قدمناه إلاّ الإرسال.

والثاني : فيه عبد الله بن يزيد ، وهو مشترك بين مهملين في الرجال(٥) ، وغيره قد كرّرنا القول فيه.

__________________

(١) ليس في « فض ».

(٢) في النسخ : و، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨١ / ٢٥٥.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨٢ / ٢٥٦.

(٤) في الاستبصار ١ : ٨٢ / ٢٥٦ : ما هو إلاّ بمنزلة.

(٥) رجال الطوسي : ٢٦٦ / ٦١ و ٦٢.

٢٢

المتن :

واضح الدلالة ، وحَبّ القَرْع نوع من الدود يتولد في الإنسان وغيره.

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أخي فضيل(١) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : قال في الرجل يخرج منه مثل حَبّ القَرْع قال : « عليه وضوء ».

فالوجه فيه أن نحمله على أنّه إذا كان متلطّخا بالعذرة ولا يكون نظيفاً.

والذي يدل على هذا التفصيل :

ما أخبرني به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن ( محمد بن أحمد )(٢) بن يحيى ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن مصدق ابن صدقة ، عن عمار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن الرجل (٣) يكون في صلاته فيخرج منه حَبّ القَرْع كيف يصنع؟ قال : « إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شي‌ء ولم ينقض وضوءه ، وإن خرج متلطخاً بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة ».

__________________

(١) في « فض » و « رض » : ابن أبي فضيل.

(٢) في « فض » : أحمد بن محمد.

(٣) في النسخ رجل ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨٢ / ٢٥٨.

٢٣

السند‌

في الأوّل : ابن أخي فضيل واسمه الحسن ، كما صرّح به في الكافي في باب ما ينقض الوضوء(١) ، إلاّ أنّه غير معلوم الحال.

والثاني : موثق كما تكرر القول فيه.

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه قد يتخيل عدم تماميّته ، لأنّ الخبر يفيد إطلاق الحكم فيقرب من الألغاز ، إلاّ أنّه مدفوع بما أسلفنا القول فيه ، من جواز حصول المبيّن عند وقت الحاجة للسائل ، كما في غيره من المطلقات ؛ وقد يحتمل الحمل على الاستحباب في الخبر الأوّل ، وأمّا الخبر الثاني فلا ريب في دلالته.

غير أنّه يبقى الإشكال في أنّه هل يحكم بعدم الانتقاض إلاّ إذا علم التلطخ(٢) ، أو يجب التفحص عن حال الدود ليعلم خلوّه؟ لم أجد في كلام الأصحاب تفصيل الحال ، ولعل الأوّل لا يخلو من وجه ، لتحقق الوضوء المتوقف زواله على العلم الشرعي بالرافع ، فتأمّل.

قال :

باب القي‌ء‌

أخبرني الشيخ : رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦ / ٥ ، الوسائل ١ : ٢٥٨ أبواب نواقض الوضوء ب ٥ ح ١.

(٢) في النسخ : عدم التلطّخ ، والظاهر ما أثبتناه.

٢٤

عن ابن أُذينة ، عن أبي أُسامة قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن القي‌ء هل ينقض الوضوء؟ قال : « لا ».

وأخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن علي بن الحسن الكوفي(١) ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن روح بن عبد الرحيم ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن القي‌ء ، قال : « ليس فيه وضوء وإن تقيّأ متعمّداً ».

وأخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد (٢) ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ليس في القي‌ء وضوء ».

السند‌

في الأوّل : حسن.

والثاني : كما ترى علي بن الحسن الكوفي ، وهو في النسخ التي رأيناها ، وفي التهذيب محمد بن علي بن محبوب ، عن الحسن بن علي الكوفي(٣) ، إلى آخره ، وهو الظاهر ؛ وفيه غالب بن عثمان ، والراوي عنه الحسن بن علي بن فضّال ، مهمل في الرجال(٤) ، وفي كتاب رجال الشيخ :

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٨٣ / ٢٦٠ : الحسن بن علي الكوفي.

(٢) في نسخة من الإستبصار ١ : ٨٣ / ٢٦١ زيادة : بن يحيى.

(٣) التهذيب ١ : ١٣ / ٢٧.

(٤) الفهرست : ١٢٣ / ٥٥١.

٢٥

غالب بن عثمان واقفي(١) ، ويحتمل الاتحاد ، والضرورة إلى الجزم غير داعية ؛ وفيه أيضا روح بن عبد الرحيم ثقة في النجاشي(٢) ؛ والحسن بن علي الكوفي هو ابن عبد الله بن المغيرة الثقة ؛ وابن فضّال حاله معلوم.

والثالث : لا يخفى حاله ، غير أنّه ينبغي أن يعلم أن المعروف من ابن مسكان عند الإطلاق عبد الله الثقة ، ومحمد بن مسكان وإن كان مذكوراً في كتاب الشيخ مهملا(٣) ، إلاّ أن إرادته في غاية البعد ، بل يكاد أن يقطع النفي.

نعم : اتّفق لابن إدريس في آخر السرائر ، أنّه ذكر الأحاديث التي استطرفها من كتاب محمد بن علي بن محبوب ، بهذه الصورة : أحمد بن محمد ، عن الحسن بن سعيد ، عن فضالة ، عن حسين بن عثمان ، عن ابن مسكان ، قال محمد بن إدريس : واسم ابن مسكان الحسن ، وهو ابن أخي جابر الجعفي غريق في ولايته لأهل البيتعليهم‌السلام (٤) ، انتهى.

وهذا لا يخلو من غرابة ، لأنّ رواية الحسين بن عثمان عن الحسن بن مسكان لم نقف عليها في شي‌ء من الأحاديث ، والحسن بن مسكان غير موجود في الرجال على ما رأيناه.

ولا يخفى أنّه يستلزم ضعف الأخبار الواردة عن الحسين بن عثمان عن ابن مسكان ، ولم أر من ذكر ذلك غيره ، ولا يبعد أن يكون الوهم من ابن إدريس ، وفي الرجال الحسين بن مسكان(٥) ، فيحتمل أن يكون الحسن‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٥٧ / ١.

(٢) رجال النجاشي : ١٦٨ / ٤٤٤.

(٣) رجال الطوسي : ٣٠٢ / ٣٥٠.

(٤) مستطرفات السرائر : ٩٨ / ١٨.

(٥) خلاصة العلاّمة : ٢١٧ / ١٣.

٢٦

سهواً ، إلاّ أن إرادته من رواية الحسين بن عثمان في غاية البعد ، بل يكاد أن يقطع نفيها من تتبّع الأحاديث ، والحسين بن مسكان غير معتبر في الرجال.

وذكر العلاّمة في الخلاصة عن ابن الغضائري أنّه قال : إن جعفر بن محمد بن مالك ، روى عنه أحاديث فاسدة(١) ، وجعفر بن محمد بن مالك متأخّر ، والحسين بن عثمان متقدم ، إذ هو من أصحاب الصادقعليه‌السلام ، واحتمال إرادة الرواية بالإرسال أو بإسناده بعيد عن المساق ؛ وهذا الذي ذكرناه وإن لم يكن له فيما نحن فيه فائدة ، إلاّ أنّ الغرض التنبيه على حقيقة الحال ، ويظهر فائدته في موضع آخر ، فلا ينبغي الغفلة عنه.

المتن :

في الأخبار ظاهر الدلالة.

قال : فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألته عما ينقض الوضوء ، قال : « الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه ، والقرقرة في البطن إلاّ شي‌ء تصبر عليه ، والضحك في الصلاة ، والقي‌ء ».

وما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن صفوان ، عن منصور ، عن‌

__________________

(١) خلاصة العلاّمة : ٢١٧ / ١٣.

٢٧

أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « الرعاف والقي‌ء(١) والتخليل يسيل الدم إذا استكرهت شيئاً ينقض الوضوء ، وإن لم تستكرهه لم ينقض الوضوء ».

فهذان الخبران يحتملان وجهين ، أحدهما : أن يكونا وردا مورد التقية ، لأن ذلك مذهب بعض العامة ، والثاني : أن يكونا محمولين على ضرب من الاستحباب لئلاّ تتناقض الأخبار.

السند‌

في الأوّل : موثّق على ما قدّمناه ، والحسن فيه أخو الحسين.

والثاني : كذلك.

المتن :

لا يخفى أن الأوّل لا يخلو من إجمال ، من حيث قوله : « والقرقرة في البطن إلاّ شي‌ء تصبر عليه » فإن ظاهره أن القرقرة التي لا تصبر عليها قسيمة للحدث ، والحال أنها متحدة إن خرجت ، ومع عدم الخروج فالصبر عليها غير واضح المعنى.

ثم الضحك في الصلاة لا يخلو إمّا أن يراد به أنّه ناقض للوضوء ، وحينئذ لم يتقدم له معارض ، وإن أُريد به نقض الصلاة لم يناسب ذكره مع غيره ، بل يحتمل كون القي‌ء مثله في إبطال الصلاة ، وحمل الشيخ له على الاستحباب يقتضي الشمول للضحك وهو غير واضح ؛ فلعل الاقتصار على الحمل على التقية فيه أولى.

__________________

(١) ليس في « رض ».

٢٨

ثمّ إن القرقرة في البطن ورد في معتبر الأخبار ما ينافي حكمها(١) ( وهو ما رواه الفضيل بن يسار قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام )(٢) : أكون في الصلاة فأجد غمزاً في بطني ، أو أذى أو ضرباناً فقال : « انصرف ثم توضّأ فابنِ على ما مضى من صلاتك ، ما لم تنقض الصلاة بالكلام » الحديث(٣) . وقد ذكرنا ما لا بد منه في موضعه ، وكان على الشيخ أن يذكره في مقام المعارضة.

وكذلك ورد في حسنة زرارة أنّ : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة »(٤) .

وأمّا الخبر الثاني : فحمله على التقية مع قوله فيه « إن استكرهت شيئاً » غير واضح ، إلاّ أن يكون موافقاً لهم في ذلك ؛ وذكر شيخنا المحقق سلّمه الله في فوائده على الكتاب أنّ حمل الخبر الثاني على التنظيف أولى ، كما ينبّه عليه الاستكراه ، وربما حمل الأوّل على قهقهة وقي‌ء تغيّب(٥) عنه نفسه. انتهى.

ولا يخفى عليك أنّ التنظيف في الرعاف والتخليل الذي يسيل منه الدم لا يخلو من خفاء ، والحمل المذكور للأول في غاية البعد ، وسيأتي من الشيخ ذكره في الباب الآتي ، وسنبيّن القول فيه.

__________________

(١) في « فض » و « رض » : الخبر ، بدل : حكمها.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦٠ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ / ١٣٧٠ ، الوسائل ٧ : ٢٣٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٩.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٤ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ / ١٣٢٤ ، الوسائل ١ : ٢٦١ أبواب نواقض الوضوء ب ٦ ح ٤.

(٥) في « رض » : تغيّر.

٢٩

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلاّمة في المختلف نقل عن ابن الجنيد أنّه قال : من قهقه في صلاته متعمداً لنظر أو سماع ما أضحكه قطع صلاته وأعاد وضوءه ، ثم حكى احتجاجه برواية سماعة ، وأجاب بأن سماعة وزرعة في طريق الحديث وهما وإن كانا ثقتين إلاّ أنهما واقفيان ، ومع ذلك. أن سماعة لم يسنده إلى إمام(١) ؛ وأنت خبير بأن عدم الإسناد إلى إمام غير وارد ، لما قررناه سابقا من أن مثل هذا الإضمار غير مضر بالحال.

قال :

باب الرعاف‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن الرعاف والحجامة وكل دم سائل ، فقال : « ليس في هذا وضوء ، إنّما الوضوء من طرفيك اللذين أنعم الله بهما عليك ».

وأخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي عبد الله ( عن أبيه )(٢) عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « لو رعفت دورقاً ما زدت على أن أمسح منّي الدم وأُصلّي ».

__________________

(١) المختلف ١ : ٩٣ ، ٩٤.

(٢) أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨٤ / ٢٦٥.

٣٠

وبهذا الاسناد : عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد ، عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن القي‌ء والرعاف والمدّة أينقض الوضوء أم لا؟ قال : « لا » (١) .

السند‌

في الأوّل : واضح الضعف.

والثاني : فيه عمرو بن شمر وقد ضعّفه النجاشي(٢) وغيره(٣) ؛ وجابر هو ابن يزيد بقرينة رواية عمرو بن شمر عنه ، وقد ذكر النجاشي أنّه مختلط(٤) ، ومن غيره لم يثبت توثيقه ولا مدحه(٥) ، والأخبار التي في الكشّي غير سليمة الطرق(٦) ، كما يعلم من مراجعتها.

ومن غريب ما اتفق للعلاّمة أنّه قال : جابر بن يزيد روى الكشّي فيه مدحاً وبعض الذم ، والطريقان ضعيفان.

ثم نَقلَ عن العقيقي رواية عن أبيه ، عن أبان ، أن الصادقعليه‌السلام ترحّم عليه ، وقال : « إنّه كان(٧) يصدق علينا » ونقل عن ابن عقدة نحو ذلك.

وعن ابن الغضائري أن جابر ثقة في نفسه ، ولكن جُلّ من روى عنه ضعيف ، فممّن أكثر عنه من الضعفاء عمرو بن شمر ، ومفضل بن صالح‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٨٤ / ٢٦٦ زيادة : ينقض شيئاً.

(٢) رجال النجاشي : ٢٨٧ / ٧٦٥.

(٣) كالعلاّمة في خلاصته : ٢٤١ ٢٤٢.

(٤) رجال النجاشي : ١٢٨ / ٣٣٢ ، وفي « فض » و « د » : مخلط.

(٥) كالطوسي في رجاله : ١١١ / ٦ و ١٦٣ / ٣٠.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٤٣٦ ٤٤٩.

(٧) لفظة : كان ، ليست في « رض » و « د ».

٣١

السكوني ، ومنخل بن جميل الأسدي ، وأرى الترك لما روى هؤلاء عنه والتوقف في الباقي إلاّ ما خرج شاهداً.

إلى أن قال العلاّمة : والأقوى عندي التوقف فيما يرويه هؤلاء عنه كما قاله الشيخ ابن الغضائري(١) .

وأنت خبير بأنّ قول ابن الغضائري ترك ما روى هؤلاء والتوقف في الباقي ، لا ما قاله العلاّمة من التوقف فيما روى هؤلاء ، فإنه يقتضي قبول قول جابر على تقدير رواية غير هؤلاء.

ولو أراد بالتوقف الرد كما يظهر منه في الخلاصة فلا يدفع الإيراد عنه ، على أن قبول قوله في عدا المذكورين إن كان لتوثيق ابن الغضائري كما هو الظاهر إذ لا وجود لتوثيقه في كلام غيره وقد عدّه العلاّمة في القسم الأوّل ، ففيه دلالة على ما قدمناه من العمل بقول ابن الغضائري ، وهو توثيق له ، غير أن ابن الغضائري قد توقف بعد ذكر التوثيق ، فلا وثوق بتوثيقه ولا وجه لعدّه في القسم الأوّل ، وإن كان من جهة انضمام ( القرائن من الإخبار التي في الكشي )(٢) وغيرها ، أمكن إلاّ أنّه كان ينبغي التنبيه عليه ، فليتأمّل.

والثالث : لا ارتياب فيه ، وأحمد هو بن محمد بن عيسى ، لأنه هو الراوي عن إبراهيم بن أبي محمود ، ولا ضير في رواية محمد بن يحيى عنه بواسطة ، وإن كان تركها في بعض الطرق بل أكثرها موجوداً.

المتن :

في الجميع ظاهر في عدم نقض الوضوء بالرعاف ، وفي الأوّل زيادة :

__________________

(١) خلاصة العلاّمة : ٣٥ ، بتفاوت يسير.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض ».

٣٢

كل دم سائل ؛ وفي الثالث زيادة : عدم نقض القي‌ء والمدّة ، فيتعين حمل ما يخالف على الاستحباب أو التقية.

وما تضمنه الأوّل من حصر الناقض في الخارج من الطرفين قد تقدم فيه القول ، ويزيد أن قوله : « اللذين أنعم الله بهما عليك » ربما دل على ما أشرنا إليه سابقاً ، لولا الإجماع وضعف الحديث ، إلاّ أن له مساعداً من الأخبار.

اللغة :

قال في القاموس : الدورق الجرّة ذات عروة(١) . وفي الصحاح : الدورق مكيال للشراب فارسي معرّب(٢) ، والمدّة بالكسر والتشديد ما يجتمع في الجروح من القيح على ما في الحبل المتين(٣) ، معرّب.

قال :

فأمّا ما رواه أبو عبيدة الحذّاء في الخبر الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا(٤) ، من قوله : إذا استكره الدم نقض وإن لم يستكره لم ينقض.

وما رواه أيوب بن الحرّ ، عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل (٥) أصابه دم سائل قال : « يتوضّأ ويعيد » قال‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٢٣٨ ( درق ).

(٢) الصحاح ٤ : ١٤٧٤ ( درق ).

(٣) الحبل المتين : ٣٢.

(٤) راجع ص ٢٥.

(٥) في الاستبصار ١ : ٨٥ / ٢٦٧ : عن رجل.

٣٣

« وإن لم يكن سائلاً توضّأ وبنى » قال : « ويصنع ذلك بين الصفا والمروة ».

أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن بنت إلياس ، قال : سمعته يقول : « رأيت أبيعليه‌السلام وقد رعف بعد ما توضّأ دماً سائلاً فتوضّأ ».

فيحتمل وجوها ، أحدها : أن تحمل على ضرب من التقية على ما قدمنا القول فيه.

والثاني : أن نحملها على الاستحباب دون الوجوب.

والثالث : أن نحملها على غسل الموضع ، لأنّ ذلك يسمّى وضوءاً على ما بيّناه في كتاب تهذيب الأحكام(١) ، ويدل على هذا المعنى :

ما أخبرني به الشيخقدس‌سره ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن أبي حبيب الأسدي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول في الرجل يرعف وهو على وضوء قال : « يغسل آثار الدم ويصلّي ».

وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان ، عن سماعة ، عن أبي بصير قال : سمعته يقول : « إذا قاء الرجل وهو على طهر فليتمضمض ، وإذا رعف وهو على وضوء فليغسل أنفه ، فإنّ ذلك يجزيه ولا يبعد وضوءه ».

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣.

٣٤

السند‌

في الأوّل : قد تقدم(١) .

والثاني : لم يعلم الطريق من الشيخ إلى أيوب بن الحر ؛ إذ ليس في المشيخة ، وفي الفهرست طريقه إلى كتابه غير سليم(٢) ، ولا ينفع بتقدير صحته هنا ، إلاّ إذا علم أنّ الحديث من الكتاب.

وقد اشتبه على بعض الأصحاب الحال في طرق الفهرست ، فظن أنّ الطريق في الفهرست كاف لما هنا ، والحق أنّ ما يذكره الشيخ في الفهرست إن ورد بلفظ جميع روايات الرجل يشمل ما يذكره هنا ، وإلاّ فالمشمول غير واضح.

فإن قلت : ما وجه عدم الوضوح؟

قلت : لأنّ الشيخ في المشيخة لهذا الكتاب قال : وكنت سلكت في أول الكتاب إيراد الأحاديث بأسانيدها ، وعلى ذلك اعتمدت في الجزء الأوّل والثاني ، ثم اختصرت في الجزء الثالث وعوّلت على الابتداء بذكر الراوي الذي أخذت الحديث من كتابه وأصله(٣) .

وهذا كما ترى يدل على أنّه في هذا الجزء الأوّل لم يعتمد على ذكر الرجل الذي أخذت الحديث من كتابه ، وإذا لم يكن ذلك ، لم يعلم أنّ الحديث من كتاب الرجل ، فإذا قال في الفهرست : له كتاب ، وذكر الطريق إليه ، لم يدخل ما في الجزء الأوّل والثاني من الكتاب إذا بدأ بالرجل.

__________________

(١) راجع ص ٢٨.

(٢) الفهرست : ١٦ / ٥٠.

(٣) الاستبصار ٤ : ٣٠٤.

٣٥

فإن قلت : الحكم غير مطرد في الجزءين الأولين ، لأن الشيخ كثيراً ما يبدأ بالرجل الذي لم يلقه ، وقد صرح في المشيخة بذكر الأحاديث بأسانيدها في الجزءين.

قلت : هذا كثيراً ما يخطر بالبال ولم أعلم وجهه ، إلاّ أنّه ليس بنافع في الاكتفاء بالطريق الذي في الفهرست إلى كتاب الرجل ، على أنّ الذي نجده في الجزء الثالث على نحو ما في الأولين.

نعم : ربما يقال إنّ قول الشيخرحمه‌الله في آخر المشيخة : ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارس للشيوخ ، ربما يدل على أنّ الطرق في الفهرست مشتركة ، فإذا أخبر بأنّ فلاناً مثل أيوب بن الحرّ له كتاب وذكر الطريق إليه ، قد يظن منه أنّ الحديث من كتابه ، لكن لا يخفى أنّ للكلام فيه مجالاً واسعاً ، فينبغي التأمّل في ذلك.

والثالث : حسن بالحسن على ما أظن.

والرابع : فيه جهالة أبي حبيب.

والخامس : فيه عثمان بن عيسى على الظاهر ، وأبو بصير وسماعة ، حالهما على ما قدمناه(١) .

المتن :

في الأوّل : قد سبق فيه القول.

والثاني : ظاهر في الفرق بين السيلان وعدمه بالنسبة إلى إعادة الصلاة والبناء ، إلاّ أنّه واضح الدلالة على نقض الوضوء في الحالتين.

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٧٢ ، ٨٣ ، ١٠٨ ١١١ ، ١٢٥.

٣٦

والشيخ في التهذيب ادعى الإجماع على عدم البناء مع نقض الوضوء ، لأنّه قال في باب التيمم : لا خلاف بين أصحابنا أن من أحدث في الصلاة ما يقطع صلاته يجب عليه استئنافه(١) . وهذا وإن كان محل كلام ذكرناه في موضعه ، إلاّ أنّ إطلاق القول هنا بالحمل على الاستحباب في جملة الوجوه لا يخلو من إشكال.

وأمّا الخبر الثالث : فقد أوضحت القول فيه في حاشية التهذيب ، والحاصل من الكلام فيه الحمل على التقية ، غير أنّ القول لا يخرج عن مطابقة الواقع ، إذ لا مانع من وقوع الوضوء بعد الرعاف لكن لا بسبب الرعاف ، وحكايته عن أبيهعليه‌السلام لأنّ الواقع ذلك ( وإلاّ لما )(٢) احتاج إلى النقل عن أبيه كما لا يخفى.

وما قاله الشيخرحمه‌الله هنا من الحمل على التقية مجمل ، أمّا في الحديث الأوّل فلما قدمناه من أنّ الفرق بين الاستكراه وعدمه مبني على موافقة أهل الخلاف ، ليتم الحمل فيه على التقية.

وأمّا الثاني فلما ذكرناه هنا.

وأمّا الحمل على غَسل الموضع فمستبعد في الأخير ، لأن قوله : « بعد ما توضأ » يدل بظاهره على أنّ الوضوء واحد في الموضعين ، غير أن استعمال كل من أفراد المشترك مع اللفظ الموضوع له لا ريب فيه ، والإجمال فيه بسبب التقية ، فهو راجع في الحقيقة إليها ، أو أن السائل فهم ذلك بقرينة ، وكان على الشيخ أن ينبه على ذلك.

والخبران المذكوران واضحا الدلالة على عدم النقض ، فإن أراد الشيخ‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠٥.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض ».

٣٧

دلالتهما على الغَسل فلا ريب فيه ولا احتياج إلى الخبرين ، وإن أراد الدلالة على عدم النقض فليس بمطلوب ، وإن أراد الدلالة على إطلاق الوضوء على الغَسل فلا يخلو من خفاء ، غير أنّه يمكن توجيهه بأنّ الخبرين إذا دلاّ على عدم النقض بل الغَسل علمنا أن المراد بالوضوء الغَسل ، وأنت خبير بأنّ الأولى بيان صحة إطلاق الوضوء على الغَسل مع الخبرين ، بل إذا ثبت ذلك يستغنى به عن الخبرين ، والأمر سهل.

قال :

باب الضحك والقهقهة‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن سالم أبي الفضل(١) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « ليس ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم الله بهما عليك ».

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سهل ، عن زكريا بن آدم ، قال : سألت الرضاعليه‌السلام عن الناصور (٢) ، قال (٣) : « إنّما ينقض الوضوء ثلاثة : البول ، والغائط ، والريح ».

__________________

(١) في بعض نسخ الاستبصار ١ : ٨٥ / ٢٧١ : سالم أبي الفضيل.

(٢) النّاصُور : علة تحدث في البدن من المقعدة وغيرها بمادة خبيثة ضيقة الفم يعسر برؤها ـ المصباح المنير : ٦٠٨ ( نصر ).

(٣) في الاستبصار ١ : ٨٦ / ٢٧٢ : فقال.

٣٨

السند‌

في الأوّل : قد ذكرنا القول فيه ، وسالم أبو الفضل فيه ثقة ، وقد يصغّر الفضل ، وظن بعض المغايرة بين أبي الفضل وأبي الفضيل ، كما يعلم من كتاب شيخنا المحقق ـ سلمه الله ـ في الرجال(١) .

والثاني : فيه محمد بن سهل ، وهو ابن سهل بن اليسع ، بقرينة رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه ، كما قال في الفهرست(٢) ، وما في النجاشي من أن الراوي عنه أحمد بن محمد عن أبيه(٣) ، ربما يقال : إنّه لا مانع من رواية أحمد عنه كأبيه.

واحتمال أن يكون الشيخ في الفهرست قد سها قلمه عن ذكر أبيه ممكن ، إلاّ أن وجود رواية أحمد عنه في هذه الرواية قرينة الصحة ، واحتمال كون محمد بن سهل غير ابن اليسع لما ذكر بعيد ، وعلى كل حال ، محمد المذكور مهمل في الرجال ؛ وأمّا زكريا بن آدم فقد وثّقه النجاشي(٤) .

المتن :

ظن الشيخ منه أنّ الحصر المستفاد من الخبرين يفيد نفي الوضوء من القهقهة والضحك ، وقد يتوجه عليه أنّ الحصر لا بُدّ من كونه إضافياً ، وحينئذ لا ينافي ما دل على أنّ الضحك والقهقهة تنقضان الوضوء ، كما ثبت‌

__________________

(١) منهج المقال : ١٥٧.

(٢) الفهرست : ١٤٧ / ٦٢٠.

(٣) رجال النجاشي : ٣٦٧ / ٩٩٦.

(٤) رجال النجاشي : ١٧٤ / ٤٥٨.

٣٩

النقض بغيرهما في الأخبار ، وحينئذ لا يتم الحمل الآتي منه في المعارض ، وستسمع القول في ذلك مع الجواب.

وما تضمنه الخبر الأوّل من قوله : « اللذين أنعم الله بهما عليك » يؤيّده غيره من الأخبار الدالّة عليه ، كما تقدم عن قريب ، فإذا خرج من هذا ما انعقد عليه الاتفاق وهو ما اعتاد من غيرهما ، أو انسد الطبيعي ، بقي الإشكال في خروج الغائط والبول من غير ما ذكر ، بل ربما يرجح عدم النقض حينئذ ـ وإن ظن بعض كالشيخ أنّ خروج الغائط من تحت المعدة ناقض(١) ـ لأنّ مطلق الأخبار الدالة على ذلك بل والقرآن يقيد بمثل هذا الخبر ، كما ذكرنا مفصّلاً في حاشية التهذيب ، فليتأمّل.

فإن قلت : هذا الخبر حاله بمحمد بن إسماعيل غير خفية ، وغيره ممّا تقدم ليس بسليم السند.

قلت : قد روى الشيخ في التهذيب بسند لا ارتياب فيه عند الأصحاب عن زرارة قال : قلت : لأبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام ما ينقض الوضوء؟ فقالا : « ما خرج من طرفيك الأسفلين » الحديث(٢) .

على أنّ رواية محمد بن اسماعيل ؛ لا أرى فرقاً بينها وبين رواية أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد الواقع في طريق رواية زرارة المذكورة ، وكذلك : أحمد بن محمد بن يحيى ، وما ضاهاهما ممّن لم ينص أصحاب الرجال على توثيقهما ، فالحكم بصحة ما رواه أحمد بن محمد بن الوليد ونحوه ، دون ما رواه محمد بن إسماعيل غير واضح‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧ ، الخلاف ١ : ١١٥.

(٢) التهذيب ١ : ٩ / ١٥ ، الوسائل ١ : ٢٤٩ أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

التعليم في الإسلام

٨١

٨٢

التعليم في الإسلام

اتجاهان رئيسان في التّربية والتّعليم

الدراسة والتدريب

يجب أن نفصل بين اتّجاهين في أمر التربية والتعليم. ويُعرّف هذان الاتّجاهان في الأوساط التربوية بالدراسة، والتدريب، علماً بأنّ بعض المربِّين ينظر إليهما على أنّهما اتّجاه واحد، معتبرين الدراسة هي التدريب نفسه.

طريقة تعلّم الإنسان

يتعلّم الإنسان في حياته كثيراً من الأشياء، ويُمارس أفراد النوع الإنساني عادات متنوّعة خلال المراحل المختلفة للنمو. ويمكن القول بأنّ رغبات الإنسان تعلّمية أيضاً، لأسباب متنوّعة وتمثّل بعض رغباته حاجاته الأساسية التي كانت تعتبر في الماضي غرائز. وهذه الرغبات نفسها من حيث الشكل يتمّ تعلّمها بأشكال متباينة في الحضارات المتنوّعة. فالرغبة في الاستطلاع والرغبة في الحياة مع الآخرين، والرغبة في الطعام، والرغبة في الحركة والنشاط، والرغبة في الاستراحة، هي من الرغبات الجوهرية للإنسان. بيد أنّ ظهورها وإشباعها يختلفان تبعاً للحضارات المتنوّعة، والشرائح الاجتماعية المعيّنة. فبعض الرغبات من نحو الرغبات المتعلّقة بالنشاطات العلمية، ومطالعة الكتب، والنشاطات النفنيّة،

٨٣

والرياضة، والنشاطات الاجتماعية، والنشاطات الدينيّة على صعيد واسع هي رغبات تعلّميّة. ولابدّ للإنسان أن يكتسب مهارات معيّنة في تعامله مع الطبيعة، ومع بني جنسه، وكذلك في تعامله مع مختلف المسائل والمشاكل. تبدأ هذه المهارات من أشكال بسيطة، نحو: قطف الثمار، وفصل الحبوب، وتنتهي بمهارات معقّدة من نحو: تصليح السيّارة والباخرة، وكذلك المهارات الفكرية في التعامل مع مختلف المسائل، فهذه المهارات يتمّ تعلّمها أيضاً.

مضافاً إلى العادات والرغبات والمهارات، فإنّ الإنسان - تدريجاً وفي ظلّ دراسة الظواهر المتنوّعة - يقوم بتدوين العلم والفلسفة والفن والأخلاق، ويأتي بمعلومات متنوّعة في هذه الحقول. ومن أجل أن يتعرف الأشخاص على الظواهر، لابدّ لهم من الحصول على المعلومات الضرورية، وعلى نفس النسق، فإنّ فهم الأفراد للأُمور المختلفة، وكذلك طريقة حياتهم، من الأشياء التي يتعلّمونها.

إنّ الحديث يدور حول كيفية تعلّم الإنسان لهذه الأشياء. مضافاً إلى ذلك، فإنّ القضية الأساسية تتمثّل في الشكل الذي تتحقق فيه طريقة التعلّم، والظروف التي تكون فيها مفيدة للإنسان، بحيث تحدث تطوّرات جذرية في سلوكه. وبالنظر إلى أنّ الدراسة ترتبط بعملية التعلّم، لذلك يجب أن نلحظ كيف يتّخذ هذا الاتّجاه طابعاً تربوياً.

اتجاهان في التعلّم

الأول: التدريب(*)

إنّ مدرسة السلوك هي واضعة الحجر الأساس لهذا الاتّجاه، فلقد طُرح التعلّم

____________________

(*) ويطلق عليه الترويض، والترابط، ويعبّر عنه بعض العلماء بقولهم: النظرية الترابطية لوجود الترابط بين المثير والاستجابة. المعرِّب.

٨٤

عن طريق التدريب، أو بتعبير علمي أدق عن الطّريق الترابطي أو الشرطي من قِبَل العالم الروسي (بافلوف)، حيث تنبّه هذا العالِم إلى البعد الشرطي في السلوك من خلال دراسته لسلوك الكلب وردّ الفعل الذي أبداه حيال المثير. ولحظ في تجاربه أنّ مجاورة شيء - من طبيعته أنّه يدفع الحيوان إلى إبداء ردّ فعل معيّن - يؤدّي إلى انتقال ردّ فعل الحيوان إلى ذلك الشيء. وكان (بافلوف) يعلم بأنّ الكلب عندما تقع عينه على قطعة من اللحم، يسيل لعابه ذاتياً، فالقطعة هي المثير أو العامل الطبيعي، والحيوان يبدي ردّ فعل حياله لا إرادياً، وسيل اللعاب في فم الكلب هو ردّ فعل أيضاً إزاء مشاهدة اللحم. فعَلِم (بافلوف) بأنّه لو تمّ قرع الجرس، متزامناً مع تقديم قطعة اللحم أمام الكلب، وتكرر هذا الأمر في ظرف خاص، فإنّ صوت الجرس - بوصفه مثيراً شرطيّاً أو غير طبيعي - هو الذي يحدث ردّ الفعل الطبيعي أو سيل اللعاب. بكلمة بديلة، يتدرّب الكلب على إبداء ردّ الفعل الطبيعي بمجرّد سماع صوت الجرس، وذلك بسبب مجاورة صوت الجرس لقطعة اللحم. وفي المعسكرات تتدرّب الخيول على النوم تدريجاً بمجرّد سماع صوت الصفّارة، علماً أنّه في بادئ الأمر كان الجنود يجبرون الخيول على النوم بمجرّد سماع صوت الصفّارة، بيد أنّ صوت الصفّارة ذاتياً أحدث ردّ الفعل هذا عند الخيول تدريجاً.

يتعلم الإنسان كثيراً من الأشياء عن هذا الطريق أيضاً. على سبيل المثال، يتعلم الأطفال أسماء الأشياء عن هذا الطريق، ففي البداية يسمع الأطفال كلمات ليس لها معنى عندهم، بيد أنّ مجاورة هذه الكلمات للأشياء أو الحركات المعيّنة تفضي إلى تعلّمها من قبلهم.

وهنا يصرّ أتْباعُ مدرسة السلوك أن يفسّروا جميع نشاطات الإنسان في ضوء هذا الاتّجاه، حتى أنّهم يرون أنّ الإدراك البسيط للأشياء، وكذلك الممارسات المعقدة كالتفكير والاستدلال، تخضع للتفسير وفقاً لهذا الاتّجاه.

وكما تقدّم، فإنّ الإنسان لا يتعلم أسماء الأشياء بهذا المنحى فحسب، بل

٨٥

يمكنه أن يحصل على معلوماته بواسطته أيضاً. على سبيل المثال، نجد الطفل الموهوب يقوم بما يسمّى تعلّم القصيدة وعنوانها أو حفظها. ففي بادئ الأمر، نرى أنّه لا يتبادر إلى ذهن الطفل أيّ موضوع من وراء عنوان القصيدة، بيد أنّ تكرار العنوان ومجاورته لأبيات معيّنة يجعلان الطفل يقرأ تلك الأبيات بمجرّد ذكر العنوان. كما يلحظ أنّ الفهم والتعقّل غير ضروريين في مثل هذه الحالة. وفي الأعمّ الأغلب، فإنّ الطلاّب يتعلمون مواضيع درس ما على نفس النسق، حيث يطرح المعلّم عنوان الموضوع، ثم تستتليه مباشرة ما يتعلّق به من آراء أو مواضيع.

إنّ مجاورة العنوان للمواضيع تُحدِثُ علاقةً ميكانيكية في ذهن الطالب، فبمجرّد طرح العنوان، تأتي المواضيع في ذهنه تباعاً. ويصادف أحياناً أن تكون ذاكرة الطلاّب جيّدة، فيستطيعون أن يستعيدوا شريط المواضيع المسموعة أو المقروءة بسهولة، وأحياناً يعتريهم خلل عند تذكّر المواضيع. وعندما تكون هناك حلول معيّنة للمسائل المتنوّعة، وتطرح كلّ مسألة مع حلولها، فإنّ هذه الحلول تباشر ذهن الطالب اوتوماتيكيّاً بمجرّد طرح المسألة.

بيد أنّ الإنسان يمكن أن يتعلّم حتى أسماء الأشياء عن طريق الفهم والتعقل. لقد أصبحت نظرية بافلوف في الإتّحاد السوفيتي (سابقاً) أساس الدراسات الخاصّة بعلم النفس والطبّ النفساني. ويفاد من هذه النظرية أيضاً في الدراسة، ثم أصبحت هذه النظرية - كما ذكرنا - أساس مدرسة السلوك في الولايات المتّحدة.

لقد جاء بعد واتسون، عالم النفس الأميركي: (سكينر)، فواصَلَ أبحاثَه حول ردّ الفعل الشرطي، وبادر إلى طرح النظرية الشرطية - العملية. وفي ضوء هذه النظرية، فإنّ الكائن الحي يقوم بنشاط معيّن إرادياً، ولو كان هذا النشاط مقروناً بالمكافأة، فإنّ الكائن الحي سيقوم بنفس النشاط في ظروف خاصّة مستقبلاً. وعلى هذا الأساس، فإنّ المكافأة ترسّخ سلوكاً معيّناً فيه. والعقوبة أيضاً تردع الكائن الحي - بنفس الشكل - عن القيام بذلك النشاط. فلا ريب أنّ المكافأة والعقوبة

٨٦

مؤثّرتان في ترسيخ سلوك معيّن أو تركه، ويخضع أفراد النوع الإنساني لتأثير هذين العاملين أيضاً.

كان لآراء (سكينر) تأثير بالغ في نظام التربية والتعليم في أميركا، حتى قامت بعض المدارس التربوية بجعل آرائه أساساً لبرامجها التعليميّة.

وهنا لا ننوي أن نتحدث حول النظرية الشرطية، علماً بأنّ ثمّة شبهاً واختلافاً بين النظرية الشرطية الكلاسيكية المتوكّئة على تجارب (بافلوف)، وبين النظرية الشرطية - العملية. فيجب الرجوع إلى كتب علم النفس، للحصول على معلومات أكثر في هذا المجال.

بيد أنّ المقطوع به هو تأثّر النظام التربوي في أميركا بتعاليم (واتسون) و(سكينر) وبقيّة رجال مدرسة السلوك. وبالرغم من أنّ (ديوي) وعدداً من المتخصّصين في حقل التربية والتعليم لم يثمّنوا مدرسة السلوك أو الاتّجاه الشرطي من الناحية التربوية، بيد أنّ كثيراً من المربّين تأثّروا بأُسس هذه المدرسة. من جهة أُخرى، بما أنّ الأبحاث التجريبيّة في هذا المجال تجري بشكل أيسر، وأنّ الباحثين يقدّمون نتائج تجاربهم بالإفادة من التقنيات الإحصائية غالباً، لذلك توجّهت أنظار الأوساط التربوية إلى هذه المدرسة أكثر. وسوف نلحظ أنّ البحث التجريبي فيما يخصّ الفهم والتعقّل لا يتحقّق بسهولة، لذلك فإنّ كثيراً من علماء النفس يبدون اهتماماً أقل بمثل هذه الأمور. وسوف نلحظ في البحوث القادمة بأنّ الفهم والتعقل يشكّلان أساس الدراسة.

الثاني: الدراسة

تخرج عملية التعليم من شكلها الميكانيكي في هذا الاتّجاه، وقد رأينا في حديثنا عن التدريب أنّ مجرّد المجاورة أو التضاد أو الشبه، يكفي بعقد صلة بين أمرين، فينتقل ذهن الإنسان من أمرٍ إلى آخر ذاتياً، أو ينتقل ردّ فعله من أحدهما

٨٧

الى الآخر.

وللتفكير دورٌ أساس في هذا الاتّجاه. فما يريد الإنسان أن يتعرّف عليه أو يتعلّمه، يجب أن يتّخذ طابع المشكلة ليثير تفكيره، وعندها ينبري للتعرّف على الموضوع أو تعلّمه.

إنّ تعلّم اسم الأشياء - حتى في هذا الاتّجاه - بالفهم والتعقّل أيضاً. يقوم الإنسان بتحليل الظرف المحيط به حتى يتسنّى له تحديد المشكلة ذات العلاقة أو الموضوع المراد معرفته. في الآن ذاته، تدخل عناصر ظرف ما، أو إدراك الصلة بين المشكلة ذات العلاقة مع المشاكل الأُخرى، ضمن النشاطات الأساسية في هذا الاتّجاه. وعندما تتحقّق المعرفة أو التعلّم عن طريق طرح المشكلة، فإنّ الشخص يتوفّر على تشخيص تلك المشكلة، ويكون مرغماً على تحديد عناصر أو أجزاء المشكلة، وإدراك صلتها مع بعضها، ثمّ الأخذ بنظر الاعتبار كيفيّة التعامل مع مثل هذه المشاكل ضمن الإفادة من تجاربه، وعند ذلك يبادر إلى حلّ المشكلة. فنشاطه - بعامّة - يشكّل أساس العمل، والمعلّم - هنا - يؤدّي دور المرشد والموجّه، وعلى الشخص نفسه تبيان المشكلة.

ولابدّ له أن ينظّم تجاربه الشخصيّة فيما يخصّ المشكلة المعنيّة، ويستفيد من تجارب الآخرين، ويجعل تجاربه مع تجارب الآخرين في خطّة منطقيّة، ويحاول - عن هذا الطريق - أن يدوّن العلاج الأساس، ووجهة النظر التي ساعدته على معرفة الموضوع. بعامّة، فهو يدرس ويقوّم الأُمور المختلفة عن طريق التفكير والتعقّل، ويبادر هو بنفسه إلى معرفة الموضوع المعنيّ أو علاج المشكل بالإفادة من توجيهات الآخرين.

الاتّجاه التربوي في عصرنا

إنّ الاتّجاه التربوي في عصرنا متوكّئ على التدريب أو الترابط الشرطي، لعدّة

٨٨

أسباب: الأوّل: إنّ مدرسة السلوك في علم النفس تعزّز هذا الإتّجاه.

فكما تقدّم، أنّ العالم الفسلجي الروسي (بافلوف) يعتبر الترابط الشرطي أساس السلوك الاعتيادي وغير الاعتيادي، ويجري النظام التعليمي في الاتّحاد السوفيتي وفقاً لهذه النظرية.

الثاني: إنّ بعض الأبحاث في حقل علم النفس تدعم النظرية الشرطية في تعلّم الأمور المتنوّعة. كما قلنا - فيما سبق - فإنّ قياس التعلّم عن الطريق الشرطي، وتوقّع نتائجه يخضع للبحث والدراسة بشكل أيسر. بكلمة بديلة، يمكن قياس ما يتعلّمه المرء نتيجة مجاورة شيئين، وهذا قابل للتوقّع في حالات مماثلة. فالتعلّم عن هذا الطريق أيسر. يطرح المعلّم موضوعاً، ويكرّره، وبعد التكرار يمكنه أن يتوقّع بأنّ الطالب قد تعلّم ذلك الموضوع. وكذلك على الصعيد العملي. وعند تعلّم كثير من الأُمور، فإنّ للمكافأة دوراً حاسماً. وعالم النفس يستطيع أن يحدّد هذا الدور أثناء التجربة، ويتوقع أثره. لذلك يبدو أنّ للإتكاء على النظرية الشرطية بعداً علمياً. ومن هذا المنطلق، فهي تقنع المربّي. والتعلّم عن هذا الطريق ينسجم أكثر مع التفسير الماديّ لنشاطات الإنسان.

الثالث: إنّ الإنسان - كما ذكرنا آنفاً - يقبل كثيراً من الأُمور عن الطريق الشرطي. عندما شاركت في المؤتمر العالمي للتربية والتعليم في بلجيكا، كان أحد المتخصّصين في التربية والتعليم يتحدث عن (التأهيل الاجتماعي) و(الإعداد الثقافي) للأشخاص، وكان موضوع المؤتمر: التربية والتعليم عن طريق نموّ الشخصية. فتحدّثتُ مع أخصائي ألماني حول التأهيل الاجتماعي والإعداد الثقافي ودورهما في نموّ شخصية الفرد، فقلت له: إنّ التأهيل والإعداد عمليتان شرطيتان، فإذا وضعوا الإنسان في وسط اجتماعي معين، فإنّه يتعلم التقاليد والآداب الاجتماعية ذاتياً، كما إنّ ولادة فرد من الأفراد ونشأته في مجتمع معين، تفضيان إلى أن يتعلّم ذلك الفرد لغة ذلك المجتمع. كذلك فإنّ لتأهيل الفرد اجتماعياً - بالشكل الذي يجعلونه في

٨٩

وسط اجتماعي معين، ويتعلّم التقاليد والآداب ذاتياً - بعداً شرطياً لا ينسجم مع اتجاه الدراسة.

إنّ حضور الفرد في شريحة اجتماعية، وتعامله المكرر مع ذلك الموقع يؤدي إلى أن يتعلّم أشياء معيّنة ذاتياً، وكما قلنا سالفاً، فإنّ هذه الطريقة من التعلّم لا تقترن بالفهم والتعقّل، وفي هذه العملية يؤهّلون الفرد اجتماعياً أو يعرّفونه على تقاليد وآداب معيّنة، وبواسطة هذا العمل يهيّئون مستلزمات انسجامه مع المجتمع.

الرابع: إن ما هو قائم في المجتمعات الغربية من نظام مثالي تقرّه الحضارة الغربية نفسها، وعليه طابع ديني وإنساني شكلياً، بيد أنّه - في الحقيقة - ضد الدين والأخلاق والإنسانية - يُملى على الطلاب ويُلَقَّنونه. وكما نعلم، فإنّ الاستعمار والاستغلال من سمات الحضارة الغربية، حيث إنَّ خلفيات دول مثل: إنجلترا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والولايات المتّحدة، في علاقاتها مع الدول النامية تدلّ على الطابع الاستعماري والاستغلالي الذي تَتَسم به توجّهات تلك الدول. وقد خرج الدين - بشكل عام - عن شكله الحقيقي فيها، حيث تمّ حصره في ما يسمّى بقوالب ومبادئ لا تخضع للبحث والدراسة.

لقد سلبت المنظّمات الدينية - مع رعاية تسلسلها الهرمي - الفرصة من الأفراد لإبداء وجهات نظرهم. والنشاطات الدينية ذات بعد رسمي غالباً، أو أنّها تأخذ طابع ما يسمّى بالأعمال الخيرية. يسيطر النظام الرأسمالي على الحضارة الغربية. والدين أيضاً يخضع لنفوذ هذا النظام. وبالرغم من وجود توجّهات اشتراكية وديموقراطية في بعض المجتمعات الغربية، بيد أنّ هذه التوجّهات تخضع أيضاً لنفوذ الحضارة الغربية والاتّجاه الاستعماري والاستغلالي لها بكلّ قوّة.

فعندما يؤخذ أربعة مستشارين كرهائن في مكان ما، أو يقع (جومبو) أو (محمد رضا بهلوي) في مأزق، فإنّ جميع الأوساط السياسية والدينية والاجتماعية الغربية ترفع أصواتها بالاحتجاج. ولكن عندما يُذبح مائة شخص بريء من الناس

٩٠

العُزّل، فلا أحد ينبس ببنت شفة، إلاّ بعض وكالات الأنباء، إذ قد تذكُر خبرهم بشكل عابر. والقصد هو أنّ الاشتراكية، والدين، والديمقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان تطرح في إطار معيّن، وتفقد هذه المفاهيم معناها الحقيقي في علاقات الدول الغربية مع دول العالم الثالث أو الدول النامية، وتطرح بشكل مشوّه، وما أبدته الأوساط المتنوّعة حول السفارة الأميركية في طهران، يدعم وجهة نظرنا حول الموضوع.

يصرّح (كارتر) بأنّه يمتنع عن تسليم (محمد رضا بهلوي) التزاماً بالمبادئ التي يؤمن بها على حدّ زعمه، ولا يبالي بأيّ تهديد في هذا الشأن، ثمّ يصدر أوامره بتجميد الأموال الإيرانية الموجودة في الولايات المتحدّة، وكذلك يأمر بمنع استيراد النفط من إيران. وثمّة سياسيّون آخرون في أميركا من أمثال: (إدوارد كيندي)، و(مك غاورن)، يعلنون عن دعمهم للإجراءات التي اتّخذها (كارتر). وعلى أثر الدعايات التي تبثّها الحكومة الأميركية، يقوم أفراد من الشعب الأميركي بمهاجمة الإيرانيين المقيمين في أميركا، وتنشر الإذاعة والتلفزيون وبعض الصحف والمجلاّت ما تطلبه الحكومة الأميركية منها.

وتَعتبر بعض وكالات الأنباء وبعض الإذاعات، مثل: الإذاعة البريطانية - نقلاً عن معلّقيها - مسألة حجز بعض الأميركيين كرهائن مخالفاً للعهود والمواثيق الدولية، وبعيداً عمّا يتوقّع من شعب متحضّر. ويرسل البابا ممثّلاً عنه للتوسّط في قضية إطلاق سراحهم، ويطالب مجلس الأمن بالإفراج عنهم أيضاً.

إنّ أكثر هذه الأوساط تدين إيران على أساس المعايير الإنسانية، بزعمها، وبذريعة عدم مراعاة العهود والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان، ولا أحد يثير السؤال التالي: هل إنّ السفارة الأجنبية مركز للتفاهم، وتبادل وجهات النظر، وتوطيد العلاقات الوديّة بين البلدين، أو هي مركز للتآمر والتجسّس والتحريض ضدّ الشعب؟ ولا أحد يسأل: لماذا سمحتْ أميركا للشاه أن يدخل أراضيها؟ ولماذا دعمته؟ فهل هذا العمل هو

٩١

كما تزمّر الأبواق الإعلامية بأنّه عمل إنساني منبثق عن حب الإنسان؟ ولو كان كذلك، فلماذا لا تسمح أميركا لبعض الناس غير الرسميّين أن يسافروا إليها للعلاج؟ هل إنّ دعم الولايات المتّحدة للشاه من أجل مراعاة حقوق الإنسان؟ أمْ هو إيواء لرجل دموي فاسد محتال وعميل لها؟ هل إنّ اقتراح الطلبة الجامعيّين الذين احتجزوا الرهائن، هو شيء آخر غير محاكمة مجرم دولي؟ ألا يجب على الأوساط المسمّاة بالأوساط الحضارية أو التقدمية أن تدعم قضية تسليم مثل هذا المجرم؟ إنّ دعاء (كارتر) للرهائن في الكنيسة يدلّ على إدراكه لقضية الدين. وما يتّضح من هذه الحادثة الصغيرة هو أنّ الأوساط الغربية لا تنادي بالديمقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان، والأخلاق، والدين، والعلاقات الدولية، ومُثُل إنسانية أُخرى إلاّ على أساس المصالح الاستعمارية. طبيعياً، أنّ هذه الحالة وحدها ليست دليلاً على هذا التقويم والحكم، بيد أنّ ما يُلحَظ في التاريخ المعاصر للمجتمع البشري من علاقات الدول الغربية مع الدول الضعيفة يدعم هذه الحقيقة، ولو كان هناك متكلّم أو كاتب يدافع عن المثل الإنسانية، فإنّه لايصمد أمام أجهزة الدعاية الإعلامية في الغرب، ولا يصل صوته إلى مكان.

إنّ الأجهزة التربوية في الدول الغربية - سواء كانت واعية أو غير واعية - تقع تحت تأثير النُظُم الموجودة فيها. وبالرغم من أنّ الحديث في بعض الأوساط التربوية الغربية يدور حول حريّة الفكر والديمقراطية، بيد أنّ المعلّمين يلقّنون الطلاّب أفكاراً وآراء ونزعات معيّنة بصورة غير مباشرة. وفي المجال التاريخي والاجتماعي، تقدّم الحقائق الملموسة إلى الطلاّب غالباً بشكل مشوّه، وعندما يلتقي الأجانب بطلاّب المدارس والجامعات في المجتمعات الغربية، يشعرون إلى أيّ مدى يعيش هؤلاء الطلاّب بمنأى عن الحقائق الواقعية. أما وسائل الإعلام فهي ناطقة باسم هذه النظم إلى حدّ بعيد، وهي تملي على الشعب آراء خاصّة، وحقائق معيّنة، وأساليب استنباط محدودة، ونزعات خاصّة. ويبدو أنّ الأشخاص أحرار في اختيار

٩٢

الدين، واتّخاذ نهج معيّن، وإيجاد نزعات اجتماعية، والمناقشة والتعبير عن آرائهم حول مختلف المسائل، بيد أنّ الدعايات الإذاعية، والمقالات الصادرة في الصحف والمجلاّت، تؤثّر على أُسلوب التفكير الذي ينهجه الناس، وتقوم الشركات التجارية الكبرى - عادة - والفئات المتنفّذة، ومنظّرو الأحزاب بجعل أفكار الناس حسب الشكل الذي يريدونه، وذلك عن طريق الصحف، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية.

بإيجاز، إنَّ هناك آراء وتصوّرات معروفة سابقاً، تُلقى على الناس، سواء في الأجهزة التربوية، أو في وسائل الإعلام، حتى عندما يدور الحديث حول المسائل الاجتماعية والسياسية.

في الأقطار الشيوعية، تسيطر الإيديولوجية الماركسية - من خلال نظام فكري معيّن - على الشؤون الفكرية والتربوية للمجتمع، وفي مثل هذه الأقطار، فإنّ الفرضية تقضي بأنّ هذه الإيديولوجية حدّدت معالم الحركة الفكرية للإنسان في المجالات المتنوّعة، ولا سيّما في: علم الاجتماع، علم النفس، الفلسفة، التاريخ، وفي بعض الفروع العلمية، وهذا الفهم يسيطر على المؤسّسات التربوية والعلمية، وعلى وسائل الإعلام أيضاً.

إنّ عمل التربية والتعليم هو - إلى حدّ بعيد - تقديم الإيديولوجية المتبناة والتعريف بها. وينبغي الالتفات إلى أنّ هذه الإيديولوجية تأخذ طابعاً رسمياً. بكلمة بديلة، فإنّ تفسير الإيديولوجية من شأن العلماء الثقاة، والممثّلين الرسميين للحزب. وجميع الأفراد لا يستطيعون مناقشة الإيديولوجية، وإبداء انطباعاتهم عنها بحريّة. في المؤتمر العالمي آنف الذكر، وبعد أن ألقى ممثّل ألمانيا الشرقية كلمته، وجهّت إليه سؤالاً، فقلت له: أَنتم تعلمون بأنّ الاستقلال الفكري هو روح التربية والتعليم، وعمل المربّي هو إعداد الأفراد الذين يمارسون أعمالَهم مستقلّين في عملية التفكير، وأنتم في مدارسكم تفرضون إيديولوجيّتكم، وتريدون من الطلاّب قبولها، فهنا يثار سؤال هو: كيف ينسجم فرض إيديولوجية معيّنة مع الاستقلال الفكري؟

٩٣

ومن هذا المنطق، فلا يمكن الحديث عن التربية والتعليم في مثل هذه الحالة.

لذلك فإنّ الاتّجاه التربوي الأساس في الظروف المعاصرة - سواء بين الغربيّين أو الشرقيّين - ينسجم مع التدريب أكثر من انسجامه مع الدراسة الصحيحة.

إنّ الفهم ذا البعد الواحد لماهيّة الإنسان - الإنسان كالحيوان ويفترق عنه في بعض الأمور - والإصرار على أنّ الإنسان يتعلّم الأمور المختلفة كالحيوان، والسعي لتفسير عملية التعلّم، والتفكّر، وإبداع الإنسان عن الطريق الشرطي والبعد العلمي، ومحاولة فرض نظام خاص في المجتمعات الغربية، وفرض إيديولوجية معيّنة في المجتمعات الشيوعية، كل ذلك يخرج العملية التربوية عن صورة الدراسة الحقيقيّة، ويجعلها في صورة التدريب. وقبل أن نقوم بدراسة التربية والتعليم في الإسلام، نذكر سمات هاتين العمليتين.

التدريب

التيار الشرطي: ذكرنا فيما سبق أنّ أساس التدريب هو إحداث ردّ فعل شَرْطيّ عند الفرد. ومن خلال ذكر عنوان ما، وطرح مواضيع معيّنة، وتكرار هذا الأمر، تتكون علاقة بين ذينك الشيئين في ذهن الفرد، وينقل الفرد المواضيع المطروحة إلى ذهنه ذاتياً بمجرّد طرح العنوان. لذلك فإنّ الشرط الأساس في مثل هذا اللون من التعلّم هو وجود المجاورة والتكرار والتمرين. فكما يسمع الطفل اسم الشيء مقروناً معه مرّات عديدة، فيتعلّم اسم ذلك الشيء ذاتياً، كذلك يتعلّم مختلف الأمور عن طريق وسائل الإعلام أو في الصف.

يذكر المعلّم عنوان بحث ما، تتلوه مواضيع خاصّة تتعلّق به، يكرّر ذلك العمل، نلحظ هنا أنّ التكرار يفضي إلى أنّ المواضيع المطروحة ترتبط مع عنوان البحث، عند ذلك يتذكّر الطالب الموضوع المطلوب من خلال طرح العنوان.

وعندما يكون عمل المعلّم طرح مواضيع معيّنة، سواء كانت نظريات علمية، أو

٩٤

نظاماً مثاليّاً خاصّاً أو أفكاراً وعقائدَ معيّنة، ففي مثل هذه الحالة تنتقل المواضيع إلى ذهن الطالب عن طريق التكرار، ويتّخذ الامتحان طابع عرض المعلومات المخزونة في الذهن. يذكر الطالب عنوان بحثٍ لنفسه، فيقرأ المواضيع المتعلّقة به في كتاب أو كرّاس، وبتكرار هذا العمل، يودع أشياء في ذهنه، تنساب إلى الورق عند الامتحان.

كما ذكرنا آنفاً، لو تمّ عرض المواضيع العلمية، وطرح المبادئ الأخلاقية، وانتقال أُسس إيديولوجية ما بهذا الشكل، فإنّ الطالب يستطيع أن يتعلم المواضيع عن طريق التكرار والتمرين. وكما أنّ اللاعبين في السيرك يعلّمون الحيوانات القيام ببعض الأعمال. ومن خلال المجاورة بين قرع الجرس أو تحريك الخشبة، أوأيّ نشاط خاص، يدفعون الحيوان إلى القيام بالفعل، بنفس الشكل ينقل المعلّمون أو وسائل الإعلام موضوعاً ما إلى ذهن الأشخاص.

التلقين: في عملية التدريب يتقبّل الطالب ما يُعرض عليه، فعندما يُلقي المعلّم موضوعاً، ويستمع إليه الطالب، وتتكرر هذه العملية مرّات، ففي هذه الحالة، يتقبل الطالب ما يعرض ذاتياً، وبدون وعي وإرادة. وما ينشر في الصحف أو المجلاّت، أو ما يبث من الإذاعة أو التلفزيون، يلقى قبولاً لدى الناس دون نقاش.

إذا بادر الطالب إلى قراءة موضوع ما، وتفاعل مع ما هو مكتوب دون نقاش، فقد تأثّر بكاتب ذلك الموضوع، وشمله تلقينه أيضاً. والذين يتعلّمون مواضيع متنوّعة دون نقاش، وينقلونها إلى الآخرين، فقد خضعوا لعملية تلقين الكتّاب، وأخضعوا الآخرين لتلقين ما حفظوه.

ليس مهمّا في التحصيل الدراسي سعة محفوظات الفرد أو معلوماته، بل المهم هو كيف يقبل الفرد المواضيع المعيّنة. بكلمة بديلة، إنّ مَن عمل على تصعيد معلوماته أو محفوظاته، واستطاع أن يتحدث حول موضوع معيّن لساعات، بيد أنّه - شخصيّاً - لم يدقّق فيما حصل عليه من علم، ولم يناقش ذلك، فقد شمله تلقين

٩٥

الآخرين.

الخضوع للتوقّع

إنّ نتيجة التعلّم - في عملية التدريب - خاضعة للتوقّع، فما يُلقى على الحيوان، يمكن توقّع القيام به من قبل الحيوان في ظروف خاصّة. وفي المعسكرات تنام الخيول بإطلاق صوت الصفّارة، فيمكن توقّع رقود الخيول في الليلة الخامسة مثلاً، بمجرّد إطلاق صوت الصفّارة.

وعندما يقرأ تلميذ في الابتدائية قصيدة عدّة مرات، أو يحفظ جدول الضرب، فيمكن التوقّع بسهولة أن يقرأ القصيدة بمجرّد سماع عنوانها، أو عندما يُسأل عن ناتج ضرب العدد (٥) في نفسه، يجيب: خمسة وعشرون.

بعامّة، عندما يُلقَّن أحد عقيدةً، أو فكراً، أو رأياً، أو أُسلوباً، أو طريقة عمل، أو اموراً من هذا القبيل، يمكن أن نتوقّع منه عرضَ ما تلقّاه بنفس الشكل، أو بشكل ناقص في الوقت المعيّن. كما أنّ قيام الحيوان بنشاط معيّن، خاضع للتوقّع في ظروف خاصّة، فكذلك نتيجة هذا الضرب من التعلّم، إذ هي بيّنة جليّة. والفرد كجهاز التسجيل - وهو أقّل بطبيعة الحال - يخزن في ذهنه ما يسمعه، ثمّ ينقل ذلك بنفس الشكل أو بشكل ناقص، وفي مثل هذه الحالة، يمكن أن يتعلم الفرد مواضيع متناقضة، ثم لا يدرك تناقضها. إنّ مثل هذا اللون من التعلّم لا يؤثّر في تغيير شخصيّة الفرد وأعماله، ولو كان له أثر، فهو أثر طفيف، عابر، مؤقت.

إنّ مؤاخذة الناس العاديّين طلاّبَ المدارس تعكس هذا الأمر ذاته، فالوالدان الأُميّان يلحظان ولدهما يذهب إلى المدرسة وقد تعلّم بعض الأشياء، بيد أنّ تغييراً ملحوظاً لم يطرأ على سلوكه.

ففرق الطالب عن غيره يكمن في حجم معلوماته. بكلمة بديلة، إنّ ما يميّز الطالب عن غيره ليس أسلوب التفكير، والعادات، والرغبات، وطريقة التعامل، بل

٩٦

المعلومات التي حصل عليها الطالب خلال مرحلة الدراسة.

الدراسة

الفهم: يحلّ الفهم محلّ المجاورة والتكرار في عملية الدراسة. والفهم يعني أن يقوم الطالب بالتدقيق في كلّ ما يشاهده أو يسمعه. على سبيل المثال، ثمّة عنوان ما واضح لديه، وهو يستطيع أن يتمثّل صورة في ذهنه عن ذلك العنوان.

مضافاً إلى ذلك، فإنّ صلة العنوان بالمواضيع التي هي مدار البحث واضحة عنده أيضاً. على سبيل المثال، هو يدرك جيّداً معنى كلمة الحرارة، وصلة هذه الكلمة بالمباحث ذات العلاقة. ويعلم ماذا يدرس، وخطّة البحث أو كيفية طرح المواضيع واضحة بالنسبة إليه.

فالتكرار والتمرين ليسا شرطين ضرورين للتعلّم في هذه العملية، فأحياناً يمكن أن يتعلّم الطالب ما يُلقى عليه من خلال طرح عنوان ما وتقديم موضوع معيّن. عندما تطرح معادلة في الرياضيات، ويتّضح مفهومها بالنسبة إلى الطالب، يمكن أن يبادر إلى حلِّها أيضاً قبل أن يقوم المعلّم بذلك. ودليل هذا الأمر هو إدراك معنى عنوان المعادلة وصلتها بطريقة الحل.

إنّ عنوان قصيدة من الشعر وأبياتها واضح بالنسبة إلى الطالب من ناحية المعنى والترابط الموجود فيها، وفي جدول الضرب يستطيع الطالب أن يتصوّر معنى ضرب العدد (٤) في العدد (٥)، ويلحظ - عن هذا الطريق - لماذا يكون ناتج ضرب العددين عشريناً.

التعقل: إنّ العامل الأساس الثاني في عملية الدراسة هو التعقّل أو التفكير، فلا يدرك الطالب ما يطرح فحسب، بل يقوم بتقويمه، ويحكم عليه بالصواب أو الخطأ أيضاً.

٩٧

ولو سألتَ الطالبَ: ماذا تعلّم؟، فإنّه يستطيع أن يبيّن - بوضوح - ما تعلّمه، ويفهم مغزى بيانه. وكذلك لو سألته عن موضوع ما، هل هو صحيح أم لا؟ فسيقوم بتقويم الآراء، والنظريات، والأساليب، وينتقي ما هو منطقي ومبرهَن ليقدّمه ويقرّبَه.

بعامّة، في عملية الدراسة، فإنّ تربية القابلية على تقديم الحكم الصحيح المتوكّئ على الدليل، تشكّل أساس العمل. وفي الدراسة الحقيقية يقوم المعلّم أو المربّي بمساعدة الطالب في كلّ مرحلة من النمو أو التحصيل الدراسي، لينبري إلى تحليل ما يريده أو يسمعه. يدرس أدلّة وشواهد رأي أو فرضية، أو تصميم، وبعد ذلك يحكم على الموضوع الذي هو موضع البحث والنقاش.

يدور الحديث - في روضة الأطفال - حول اللعب أو القصص. وفي هذا المركز التربوي، إذا كان المربّي واعياً ومدركاً لمفهوم الدراسة الصحيحة، فإنّه سيقوم - عند طرحه للقضية - بذكر دليل جودتها أو انتخابها. وعندما يوصي الأطفال بممارسة لعبة من الألعاب، فإنّه يشفع ذلك بالدليل. وفي المقابل، هو - أيضاً - يطلب من الأطفال أن يذكروا دليل انتخابهم لعبةً معيّنة أو استحسانهم قصّةً من القصص، وكلّما ازداد نموّ الفرد، وتمرّس على المسائل العلمية والاجتماعية أكثر، فإنّه يظفر بفرصة أكبر للتقويم الصحيح.

إنّ دراسة قيمة شعر، أو نصيحة، أو كلام قصير، أو نظرية علمية، أو رأي تاريخي، أو أُسلوب، أو مهارة، أو نظام فكري، وأمثال ذلك، تجري في جميع المراحل التربوية بشكل منطقي، فيقوم المربوّن بمساعدة الفرد ليأخذ بما هو مبرهَن ضمن دراسة الأُمور المختلفة، وينبذ ما هو غير مبرهن. إنّ توظيف الفكر والعقل هو المطلوب في قبول شتى الأُمور أو رفضها، وفي طرح المواضيع.

وينبغي انتهاج هذا الأسلوب نفسه في وسائل الإعلام، إذ على الكاتب أن يأتي بالدليل على ما يطرحه من مواضيع، وعليه أن يفيد من الأسلوب العلمي في

٩٨

الدراسات الاجتماعية، وأن يكون ما يعرضه مدعوماً بالدليل. كذلك ينبغي على العاملين في الحقل الإذاعي والتلفزيوني، وبعامّة، كلّ الذين لهم برامج في مثل هذه الوسائل الإعلامية، عليهم الاهتمام بمنطقيّة مقالاتهم، وأن يحاولوا بأن تكون كتاباتهم وكلماتهم مشفوعة بالدليل.

النتيجة غير خاضعة للتوقّع: عندما تكون عملية الدراسة مرتكزة على الفكر، فإنّ النتيجة غير خاضعة للتوقّع مسبقاً، ولا يقبل في عملية التفكير أو الاستدلال إلاّ ما هو منطقي، لا ما يخزنه المربّي أو المتكلّم في ذاكرته منذ البداية. بكلمة بديلة، إنّ الفرد - في هذه العملية - لا يقرّ بأمر مقتَرح من البداية ما لم يكن مدعوماً بالدليل، وإذا كان ما يطرحه المتكلّم أو الكاتب أو العالم منطقيّاً، فإنّ الفرد يقبله.

ويصادف أحياناً أن يُبدي عالِمٌ من العلماء وجهةَ نظرٍ معيّنة، بيدَ أنّه يلتفت إلى ضعفها أثناء حديثه، فيغيّرها. أو أنّ عالماً آخر يأتي بالدليل على ضعفها، فيقرّ ذلك العالم بضعف وجهة نظره. من هذا المنطلق يقال بأنّ النتيجة على شكل أمر معيّن غير معروفة سابقاً في عملية الدراسة.

إنّ عملية الدراسة الصحيحة تترك آثاراً متألّقة، فينمو الطالب خلالها من الناحية الفكرية بشكل ملحوظ، فهو لا يتعلّم مواضيع جديدة فحسب، بل يُقرن تعلّمه بالفهم، ويبدي رأيه حول صوابها أو خطأها. لذلك فإنّه يتعلّم مواضيع علمية وأدبية، وكذلك يتعلّم كيفية التقويم، والتفكير، والحكم، والتفريق بين الرأي المبرهن من غير المبرهن. هذا النحو من التعلّم - كما قيل - يحدث تغييراً في شخصية الفرد وسلوكه، كما يوفر مستلزمات تطوّره وتكامله.

إنّ الطالب - بحضوره في الصف، أو استماعه لمحاضرة، أو مطالعته لمقالة - لا يتعرّف على مفاهيم، ونظريات، ومبادئ، وقواعد جديدة فحسب، بل يتطوّر أُسلوبُ تفكيره أيضاً ضمن تعلّمه لمثل هذه الأُمور، فهو يُعنى بالمسائل المتنوّعة بصورة

٩٩

مبدئية، ويتجنّب إصدار الأحكام السطحية الساذجة، ولا يقبل شيئاً ما لم يقم عليه الدليل، كما لا يرفض شيئاً على نفس النسق، ويبادر إلى تربية قوّته الفكرية أيضاً مقرونة بتصعيد مستواه العلمي.

وكما لحظنا، فإنّ الفهم والتعقل هما الركنان الأصليان في عملية الدراسة. وفيما يلي نقوم بدراسة الأُسس التربوية في الإسلام:

الأُسس التربوية في الإسلام

إنّ القرّاء على علم بأنّ بحثنا يدور حول خصائص النظام الفكري أو النظام التربوي في الإسلام، وفي هذا القسم، ندرس البعد العقلي في النظام الإسلامي. وبما أنّ للتربية والتعليم في الإسلام بعداً عقلياً إلى حدّ بعيد، فإنّنا نقوم بدراسة الأُسس التربوية في الإسلام. وسنذكر بعض الأُسس التربوية في طيّات حديثنا عن الأهداف، والأساليب. والنظام التعليمي في المدارس الدينية. ونناقش - هنا - الملاحظة القائلة بأنّ الإسلام، ضمن تأكيده على الفهم والعقل، لا يرى في نظامه التربوي بأنّ التدريب من شأن الإنسان، ويطرح الدراسة الحقيقيّة. جاء في الجزء الأوّل من الكافي، (ص٢٠) أنّ هشام بن الحكم روى عن الإمام الكاظمعليه‌السلام قوله:

قال لي أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام : «يا هشام إنّ الله تبارك وتعالى بشّر أهلَ العقل والفهم في كتابه، فقال:( فَبَشّرْ عِبَادِ * الّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، أُولئِكَ الّذِينَ هَدَاهُمُ اللّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبَابِ ) ».

«يا هشام: إنّ الله - تبارك وتعالى - أكملَ للناس الحُجج بالعقول، ونصرَ النبيّين بالبيان، ودلّهم على ربوبيّته بالأدلّة، فقال:( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ الرّحْمنُ الرّحِيمُ * إِنّ فِي خَلْقِ السّموَات... لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ».

لقد ورد في هذا الكلام - وما تضمّنه من آيات قرآنية - عددٌ من النقاط

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221