الفصول العشرة في الغيبة

الفصول العشرة في الغيبة0%

الفصول العشرة في الغيبة مؤلف:
المحقق: الشيخ فارس تبريزيان (الحسّون)
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 144

الفصول العشرة في الغيبة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
المحقق: الشيخ فارس تبريزيان (الحسّون)
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
تصنيف: الصفحات: 144
المشاهدات: 82298
تحميل: 5401

توضيحات:

الفصول العشرة في الغيبة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 144 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82298 / تحميل: 5401
الحجم الحجم الحجم
الفصول العشرة في الغيبة

الفصول العشرة في الغيبة

مؤلف:
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ومنهم: الحرث(1) بن مضاض الجرهميّ(2) .

عاش أربعمائة سنة.

وهو القائل:

كأن لم يكن بين الْحَجُونِ(3) إلى الصفا

أنيسٌ ولم يسمرْ(4) بمكّةَ سامرُ

بلى نحنُ كُنّا أهلَها فأبادنا(5)

صروف الليالي والجدُودُ(6) العواثر(7)

وفي غير مَن ذكرت يطول بإثباته جزء الكتاب.

والفرس تزعم أنّ قدماء ملوكها جماعات طالت أعمارهم وامتدّت وزادت في الطول على أعمار مَن أثبتنا اسمه من العرب، ويذكرون أنّ من جملتهم الملك الّذي استحدث المهرجان، عاش الفي سنة وخمسمائة سنة(8) .

____________________

(1) س: الحارث، وكذا في كتاب المعمّرون.

(2) في المعمّرون: الحارث بن مضاض الجرهمي.

راجع: المعمّرون: 8، تذكرة الخواص: 365.

(3) الحجون: موضع بمكّة ناحية من البيت، وقيل الجبل المشرف ممّا يلي شعب الجزّارين بمكة.

لسان العرب 13: 109 حجن.

(4) ع. ل. ر: يسمو.

(5) في المعمّرون: فأزالنا.

(6) الجدود جمع جد، وهو: البخت والحظ.

لسان العرب 3: 107 جدد.

(7) ع. ل. ر: والحدود الغوابر.

وللتفصيل راجع: تذكرة الخواص: 365، المعمرون: 8.

(8) قال الشيخ الطوسي في الغيبة 123: وأمّا الفرس فإنّها تزعم فيما تقدّم من ملوكها جماعة طالت أعمارهم، فيردون أنّ الضحّاك صاحب الحيتين عاش ألف سنة ومائتي سنة، وافريدون العادل عاش فوق الف سنة، ويقولون انّ الملك الّذي أحدث المهرجان عاش =

١٠١

لم نتعرض لشرح أخبارهم، لظهور ما قصصتهُ من أمر العرب من أعمارهم على ما تدّعيه الفرس، ولقرب عهدها منّا وبُعد عهد أُولئك، وثبوت أخبار معمّري العرب في صحف أهل الإسلام وعند علمائهم.

وقد أسلفتُ القول بأنّ المنكر لتطاول الأعمار إنّما هم طائفة(1) من المنجمين وجماعة من الملحدين، فأمّا أهل الكتب والملل فلا يختلفون في صحّة ذلك وثبوته.

فلو لم يكن من جملة المعمّرين إلّا من التنازع في طول عمره مرتفع، وهو سلمان الفارسي(2) رحمة الله عليه، وأكثر أهل العلم يقولون: بأنّه رآى المسيح، وأدرك النبيّ صلوات الله عليه وآله، وعاش بعده، وكانت وفاته في وسط أيام عمر بن الخطاب(3) ، وهو يومئذ القاضي بين المسلمين في

____________________

= الفي سنة وخسمائة سنة استتر منها عن قومه ستمائة سنة.

وراجع: تاريخ الطبري 1: 194 - و 215، تاريخ اليعقوبي 1: 158، البحار 51: 290.

(1) ع. ر: بأنّ المنكر لتطاولِ للأعمار إنّما طائفة.

(2) هو أبو عبد الله سلمان الفارسي، وهذا اسمه بعد الاسلام، أمّا قبله، فقيل: ما به بن بوذخشان بن مورسلان، وقيل: اسمه بهبود، ويلقب: سلمان الخير وسلمان المحمّدي وسلمان ابن الاسلام، شهد الخندق - وهو الّذي اشار بحفره - ولم يفته بعد الخندق مشهداً، توفي بالمدائن سنة 35 أو 37، أو 33، وقبره ظاهر معروف بقرب ايوان كسرى، وكان سلمان وصيّ وصيّ عيسى، وقرأ الكتابين، وما سجد قط لمطلع الشمس، وكان عطاؤه خمسة آلاف وكان إذا خرج تصدّق به ويأكل من عمل يده.

وأمّا عمره فمئتان وخمسون سنة فممّا لا شك فيه، ولكن الاختلاف في الاكثر، فقيل ثلاثمائة، وقيل: ثلاثمائة وخمسون.

تهذيب التهذيب 4: 137 رقم 233، اعيان الشيعة 7: 279 - 287، كمال الدين 1: 161، الكنى والالقاب 3: 150، تذكرة الخواص: 365.

(3) أبو حفص عمر بن الخطاب، روى عن النبيّ وأبي بكر وأُبي، روى عنه اولاده وغيرهم قتل سنة 23. =

١٠٢

المدائن(1) ، ويقال: إنّه كان عاملها وجابي خراجها، وهذا أصحّ(2)

وفيما أسلفناه في هذا الباب كفاية فيما قصدناه، والحمد للة.

* * *

____________________

= طبقات الفقهاء: 19، تهذيب التهذيب 7: 438.

(1) عبارة عن مدن سبع، من بناء اكاسرة العجم، على طرف دجلة ببغداد، كان يسكنها ملوك بنى ساسان إلى زمن عمر، وفي الجانب الشرقي مشهد سلمان.

الكنى والألقاب 3: 146 - 148.

(2) نصّ أكثر المؤرخين أن سلمان كان أميراً على المدائن، واختلف في سنة وفاته، فقيل: في زمن عثمان، وقيل: في زمن أمير المؤمنين، والشيخ المفيد هنا ذهب إلى أنّها وسط ايّام عمر بن الخطاب.

للتفصيل راجع: الطبقات الكبرى 4: 75 - 93، تهذيب التهذيب 4: 137، تهذيب ابن عساكر 6: 188، حلية الأولياء 1: 185، صفة الصفوة 1: 210، تذكرة الخواص: 365، اعيان الشيعة 3: 150، الكنى والالقاب 3: 150.

١٠٣

١٠٤

الكلام في الفصل السابع

فامّا قول الخصوم: إنّه إذا استمرّت غيبة الإمام على الوجه الّذي تعتقده الإماميّة - فلم يظهر له شخص، ولا تولى(1) إقامة حدّ، ولا إنفاذ حكم، ولا دعوة إلى حقّ، ولا جهاد العدوّ - بطلت الحاجة إليه في حفظ(2) الشرع والملّة، وكان وجوده في العالم(3) كعدمه.

فصل:

فإنّا نقول فيه: إنّ الأمر بخلاف ما ظنّوه، وذلك أنّ غيبته لا تخلّ(4) بما صدقت الحاجة إليه من حفظ الشرع والملّة، واستيداعها له، وتكليفها التعرّف في كلّ وقت لأحوال الْأُمّة، وتمسّكها بالديانة أو فراقها لذلك إن فارقته، وهو الشيء الّذي ينفرد به دون غيره من كافّة رعيّته.

____________________

(1) ع. ل. ر: ولا يؤتي.

(2) ع. ل. ر: وتطلب الحاجة إليه في حقّه، وبطلت الحاجة إليه في حقّه.

(3) ر: المعالم.

(4) ع. ل: لا تحلّ.

١٠٥

ألا ترى أنّ الدعوة إليه إنّما يتولّاها شيعته وتقوم الحجّة بهم(1) في ذلك، ولا يحتاج هو إلى تولّي(2) ذلك بنفسه، كما كانت دعوة الأنبياء عليهم السلام تظهر نايباً عنهم(3) والمقرّين بحقّهم، وينقطع العذر بها فيما يتأتى(4) عن علّتهم (كذا) ومستقرّهم، ولا يحتاجون إلى قطع المسافات لذلك بأنفسهم، وقد قامت أيضاً نايباً عنهم(4) بعد وفاتهم، وتثبت الحجّة لهم في ثبوتهم(5) بامتحانهم في حياتهم وبعد موتهم، وكذلك(6) إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام، وقد يتولّاها أُمراء الأئمّة وعمّالهم(7) دونهم، كما كان يتولّى ذلك أُمراء الأنبياء عليهم السلام وولاتهم(8) ولا يخرجونهم(9) ، إلى تولّي(10) ذلك بأنفسم، وكذلك(11) القول في الجهاد، ألا ترى أنّه يقوم به الولاة من قبل الأنبياء والأئمّه دونهم، ويستغنون بذلك عن تولّيه بأنفسهم.

فعُلم بما ذكرناه أنّ الذي أحوج إلى وجود الإمام ومنع من عدمة(12)

____________________

(1) ل. س. ط: لهم.

(2) ل: توالي.

(3) س. ط: بأتباعهم.

(*) ينأى.

(4) س. ط: بأتباعهم.

(5) ط: نبوّتهم.

(6) ع. ل. ر. س: ولذلك.

(7) ر: وقد يتولّى أُمراء الأئمّة لهم.

(8) ع. ر. ل. س: وولايتهم.

(9) س. ط: ولا يحوجونهم.

(10) ل: المولى، وفي حاشية ل: المتولي.

(11) ع. ر: ولذلك.

(12) ع. ل. س: عدّة.

١٠٦

ما(1) إختصّ به من حفظ الشرع، الّذي لا يجوز ائتمان(2) غيره عليه(3) ومراعاة الخلق في أداء ما كلّفوه من أدائه (آدابه).

فمن وجد منهم قائماً بذلك فهو في سعة من الإستتار والصموت، ومتى وجدهم قد أطبقوا على تركه وضّلوا عن طريق الحقّ فيما كلّفوه من نقله ظهر لتولّي ذلك بنفسه ولم يسعه إهمال القيام به، فلذلك ما وجب في حجّة العقل وجوده وفسد منها عدمه المباين لوجوده(4) أو موته المانع له من مراعاة الدين وحفظه.

وهذا بيّن لمن تدبّره.

وشيء آخر، وهو: أنّه إذا غاب الإمام للخوف على نفسه من القوم الظالمين، فضاعت(5) لذلك الحدود وانهملت به الأحكام ووقع به في الأرض الفساد، فكان السبب لذلك فعل الظالمين دون الله عز اسمه، وكانوا المأخوذين بذلك المطالبين به دونه.

فلو أماته الله تعالى وأعدم(6) ذاته، فوقع لذلك الفساد وارتفع بذلك الصلاح، كان سببه فعل الله دون العباد، ولن يجوز من الله تعالى سبب الفساد ولا رفع(7) ما يرفع الصلاح.

فوضح بذلك الفرق بين [موت] الإمام وغيبته واستتاره وثبوته، وسقط ما اعترض المستضعفون فيه من الشبهات، والمنّة لله.

____________________

(1) ع. ل. ر: ممّا.

(2) ع. ل. ر: ايمان.

(3) لفظ: عليه، لم يرد في ل. ط.

(4) ل: بوجوده.

(5) ل: وضاعت.

(6) ط: أو أعدم.

(7) كذا.

١٠٧

١٠٨

الكلام(1) في الفصل الثامن

فامّا قول المخالفين: إنّا قد ساوينا بمذهبنا في غيبة صاحبنا عليه السلام السبائية(2) في قولها: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يقتل وأنّه حيّ موجود، وقول الكيسانية: في محمّد بن الحنفية، ومذهب الناووسية: في أنّ الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام لم يمت، وقول الممطورة: في موسى ابن جعفر عليه السلام أنّه لم يمت(3) وأنّه حيّ إلى أن يخرج بالسيف، وقول أوائل الإسماعيلية وأسلافها: أنّ إسماعيل بن جعفر هو المنتظر وأنّه حيّ لم

____________________

(1) ع. ل. س: القول.

(2) ل: الكيانية.

والسبائية: فرقة قالت: إنّ عليّاً لم يقتل ولم يمت، ولا يقتل ولا يموت، حتّى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وهي أوّل فرقة قالت في الاسلام بالوقف بعد النبيّ من هذه الأُمّة، وأوّل مَن قال منها بالغلوّ، وإنّما سمّوا بالسبائية نسبة لعبدالله بن سبأ.

فرق الشيعة: 22.

(3) من قوله: وقول الممطورة إلى هنا لم يرد في ر. ل. ط.

١٠٩

يمت، وقول بعضهم(1) : مثل ذلك في محمّد بن إسماعيل(2) ، وقول الزيدية: مثل ذلك(3) فيمن قتل من أئمّتها حتّى قالوه في يحيى بن عمر(4) المقتول بشاهي(5) .

وإذا كانت(6) هذه الأقاويل باطلة عند الإماميّة، وقولها في غيبة

____________________

(1) فرقة زعمت أنّ الإمام بعد الصادق عليه السلام محمّد بن اسماعيل بن جعفر، وقالوا: إنّ الأمر كان لاسماعيل في حياة أبيه، فلمّا توفي قبل أبيه جعل جعفر بن محمّد الأمر لمحمّد بن اسماعيل، وأصحاب هذا القول يسمّون المباركية لرئيس لهم يسمّى المبارك مولى اسماعيل بن جعفر.

فرق الشيعة: 80.

(2) محمّد بن اسماعيل بن جعفر بن محمّد، وهو الّذي سعى بعمّه موسى الكاظم إلى هارون الرشيد، وقال له: يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض موسى بن جعفر بالمدينة يجيء له الخراج وأنت بالعراق يجيء إليك الخراج، فقال: والله؟ قال: والله، وكان الإمام الكاظم يصل محمّد بن جعفر كثيراً، حتّى أنّ محمّداً لما فارق الإمام من المدينة قال:

يا عمّ اوصني، فقال: اوصيك أن تتقي الله في دمي.

تنقيح المقال 2: 82.

(3) ر: في مثل ذلك.

(4) يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين السبط، ثائرٌ، خرج في ايام المتوكل العباسي سنة 235 واتجه ناحية خراسان بجماعة فردّه عبد الله بن طاهر إلى بغداد فضرب وحبس ثمّ أُطلق، فأقام مدّة في بغداد وتوجّه إلى الكوفة في أيام المستعين بالله، وقاربها وأخذ ما في بيت المال وفتح السجون وعسكر بالفلوجة، وقصده جيش فظفر عليه يحيى، وأقبل عليه جيش آخر جهّزه محمّد بن عبد الله بن طاهر، فاقتتلا بشاهي قرب الكوفة، فتفرق عسكر الطالبي وبقي في عدد قليل، وتقنطر به فرسه فقتل، وحمل رأسه إلى المستعين.

راجع: الأعلام 8: 160، وما ذكره من مصادر الترجمة.

(5) قال الحموي: موضع قرب القادسية فيما احسب.

معجم البلدان 3: 316.

(6) ع. ل. ر: كان.

١١٠

صاحبها نظيرها فقد بطلت أيضاً ووضح فسادها.

فصل:

فإنّا نقول: إنّ هذا توهمٌ من الخصوم لو تيقظوا(1) لفساد ما اعتمدوه في حجاج أهل الحقّ وظنّوه نظيراً لمقالهم: وذلك أنّ قتل من سمّوه قد كان محسوساً مدركاً بالعيان، وشهد(2) به أئمّة قاموا(3) بعدهم ثبتت إمامتهم بالشيء الذي به ثبتت(4) إمامة من تقدّمهم، والإنكار للمحسوسات باطلٌ عند كافّة العقلاء، وشهادة الأئمّة المعصومين بصحّة موت الماضين منهم مزيلة لكلّ ريبة، فبطلت الشبهة فيه على ما بيّناه.

وليس كذلك قول الإماميّة في دعوى وجود صاحبهم عليه السلام، لأنّ دعوى وجود صاحبهم عليه السلام لا تتضمن دفع المشاهَد، ولا له إنكار المحسوس(5) ، ولا قام بعد الثاني عشر من أئمّة الهدى عليهم السلام إمامٌ عدلٌ معصومٌ يشهد بفساد دعوى الإمامية أو وجود إمامها وغيبته.

فأيّ نسبة بين الأمرين، لو لا التحريف في الكلام، والعمل على أوّل خاطر يخطر للإنسان من غير فكرٍ(6) فيه ولا إثبات.

____________________

(1) س. ل: تفطّنوا.

(2) ع. ل. س: وشهدوا.

(3) ل: فاتموا.

(4) ل. ر: تثبت.

(5) س: انكاراً بمحسوس.

(6) ع. ل. ر. س: من فكر، والمثبت من ط، وهو الأنسب.

١١١

فصل:

ونحن فلم(1) ننكر غيبة من سمّاه الخصوم لتطاول زمانها، فيكون ذلك حجّةً علينا في تطاول مدّة غيبة صاحبنا، وإنّما أنكرناها بما ذكرناه من المعرفة واليقين بقتل من قتل منهم وموت مَن مات من جملتهم، وحصول العلم بذلك من جهة الإدراك بالحواسّ.

ولأن في جملة مَن ذكروه من لم يثبت له إمامة من الجهات التي تثبت لمستحقّها على حال، فلا يضرّ لذلك دعوى مَن ادّعى له الغيبة والاستتار.

ومَن تأمّل ما ذكرناه عرف الحقّ منه، ووضح له الفرق بيننا وبين الضالّة من المنتسبين إلى الإماميّة والزيدية ولم(2) يَخْفَ الفصلُ بين مذهبنا في صاحبنا عليه السلام ومذاهبهم الفاسدة بما قدّمناه، والمنّة لله.

* * *

____________________

(1) س. ط: لم.

(2) ع. ل. ر: لم، بدون واو.

١١٢

وأمّا الكلام في الفصل التاسع(1)

وهو قول الخصوم: إنّ(2) الإماميّة تناقض مذهبها في إيجابهم الإمامة(3) ، وقولهم بشمول(4) المصلحة للأنام بوجود الإمام وظهوره وأمره ونهيه وتدبيره، واستشهادهم على ذلك بحكم العادات في عموم المصالح بنظر السلطان العادل وتمكّنه من(5) البلاد والعباد.

وقولهم مع ذلك: إنّ الله تعالى قد أباح للإمام(6) الغيبة عن الخلق وسوّغ له(7) الاستتار عنهم، وأنّ ذلك هو المصلحة وصواب التدبير للعباد.

وهذه مناقضة لا تخفى على العقلاء.

____________________

(1) ع. ل: فصل: وأمّا الكلام في الفصل التاسع.

(2) ع. ل. ر: وإنّ.

(3) ع. س: للإمامة.

(4) ع. ر. س. ط: لشمول.

(5) في س. ط: وتمكنه في البلاد والعباد.

(6) ع. ل: الإمام.

(7) ع. ل. س: وسوّغه.

(8) ع. س: للإستتار.

١١٣

فصل:

وأقول: إنّ هذه الشبهة الداخلة على المخالف إنّما استولت عليه لبعده عن سبيل الاعتبار ووجوه(1) الصلاح وأسباب الفساد، وذلك أنّ المصالح تختلف باختلاف الأحوال، ولا تتفق مع تضادّها، بل يتغيّر تدبير الحكماء في حسن النظر والاستصلاح بتغيّر(2) آراء المستصلحين وأفعالهم وأغراضهم في الأعمال.

ألا ترى أنّ الحكيم من البشر يدبّر ولده وأحبّته(3) وأهله وعبيده وحشمه بما(4) يكسبهم(5) المعرفة والآداب، ويبعثهم على الأعمال الحسنات، ليستثمروا(6) بذلك المدح وحسن الثناء والإعظام من كلّ أحدٍ والإكرام، ويمكّنوهم من المتاجر والمكاسب للأموال(7) ، لتتصل مسارّهم بذلك، وينالوا بما يحصل لهم من الأرباح الملذات(8) ، وذلك هو الأصلح لهم، مع توقّرهم(9) على ما دبّرهم به من أسباب ما ذكرناه.

فمتى أقبلوا على العمل بذلك والجِدّ فيه، أداموا لهم ما يتمكّنون به

____________________

(1) ل. ط: ووجود.

(2) س. ط: بتغيير.

(3) ل: وأخيه.

(4) ع. س. ط: ما.

(5) ل. ط: ينبؤهم، ويحتمل في ع. ر: يكسهم.

(6) ل. ط: ليستمرّوا.

(7) ل: الأموال، ط: في الأعمال.

(8) ع. ل. ر: اللذات.

(9) ع. ط: توفّرهم.

١١٤

منه، وسهّلوا عليهم سبيله، وكان ذلك(1) هو الصلاح العام، وما أخذوا بتدبيرهم إليه وأحبّوه منهم وأبرّوه لهم.

وإن عدلوا عن ذلك إلى السفه والظلم، وسوء الأدب والبطالة، واللهو واللعب، ووضع المعونة على الخيرات في الفساد، كانت المصلحة لهم قطع موادّ السِعة(2) عنهم في الأموال، والاستخفاف بهم، والإهانة والعقاب.

وليس في ذلك تناقض بين أغراض العاقل، ولا تضادّ في صواب التدبير والاستصلاح.

وعلى الوجه الّذي بيّناه كان تدبير الله تعالى لخلقه، وإرادته عمومهم بالصلاح.

ألا ترى أنّه خلقهم فأكمل عقولهم وكلّفهم الأعمال الصالحات، ليكسبهم(3) بذلك حالاً(4) في العاجلة، ومدحاً وثناءً حسناً وإكراماً وإعظاماً وثواباً في الآجل، ويدوم نعيمهم في دار المقام.

فان تمسّكوا بأوامر الله ونواهيه وجب في الحكم إمدادهم بما يزدادون به منه، وسهّل عليهم سبيله، ويسّره لهم.

وإن خالفوا. ذلك وعصوه تعالى وارتكبوا نواهيه، تغيّرت(5) الحال فيما يكون فيه استصلاحهم، وصواب التدبير لهم، يوجب(6) قطع موادّ(7)

____________________

(1) لفظ: ذلك، لم يرد في ل. ط.

(2) ع. ل. ر. س: الشيعة، يحتمل: الشنعة.

(3) ل: ليكسهم.

(4) س. ط: جمالاً.

(5) ل: لغيّرت.

(6) ل: لوجب.

(7) ع. ل. ر: موات.

١١٥

التوفيق عنهم، - وحَسُنَ منه ذمّهم وحربهم، ووجب عليهم(1) به العقاب، وكان ذلك هو الأصلح لهم(2) والأصوب(3) في تدبيرهم ممّا كان يجب في الحِكمة لو أحسنوا ولزموا السداد.

فليس ذلك بمتناقض في العقل ولا متضادّ في قول أهل العدل، بل هو ملتئم على المناسب والاتّفاق.

فصل:

ألا ترى أنّ الله تعالى دعا الخلق إلى الإقرار به وإظهار التوحيد والإيمان برسله عليهم السلام لمصلحتهم، وأنّه لا شيء أصوب في تدبيرهم من ذلك، فمتى اضطرّوا إلى إظهار كلمة الكفر للخوف على دمائهم كان الأصلح لهم والأصوب في تدبيرهم ترك الإقرار بالله والعدول عن إظهار التوحيد والمظاهرة بالكفر بالرسل، وإنّما تغيّرت المصلحة بتغيّر الأحوال، وكان في تغيير التدبير الّذي دبّرهم الله به فيما خلقهم له مصلحة للمتقين، وإن كان ما اقتضاه من فعل الظالمين قبيحاً منهم ومفسدةً يستحقّون بة العقاب الأليم.

وقد فرض الله تعالى الحجّ والجهاد وجعلهما صلاحاً للعباد، فإذا تمكّنوا منه عمّت به المصلحة، وإذا منعوا منه بإفساد المجرمين كانت المصلحة لهم تركه والكفّ عنه، وكانوا في ذلك معذورين وكان المجرمون به ملومين(4) .

فهذا نظيرٌ لمصلحة الخلق بظهور الأئمّة عليهم السلام وتدبيرهم إيّاهم

____________________

(1) ل. ط: وحسن منه ذمهم وحر عليهم، وفي س. ع: جربهم، بدلاً من: حربهم.

(2) إلى هنا انتهت نسخة ع، فالاعتماد في ضبط النصّ يكون على نسخة: ل. ر. س. ط.

(3) ر. س: والأحقّ.

(4) ل. ر: ملومون.

١١٦

متى أطاعوهم وانطووا على النصرة لهم والمعونَة، وإن عصوهم وسعوا في سفك دمائهم تغيّرت الحال فيما يكون به تدبير مصالحهم، وصارت المصلحة له ولهم غيبته وتغييبه(1) واستتاره، ولم يكن عليه في ذلك لوم، وكان الملوم(2) هو المسبّب له بإفساده وسوء اعتقاده.

ولم يمنع كون الصلاح باستتاره(3) وجوب وجوده وظهوره، مع العلم ببقائه وسلامته وكون(4) ذلك هو الأصلح والأولى في التدبير، وأنّه الأصل(5) الّذي أجرى(6) بخلق العباد إليه وكلّفوا من أجله حسبما ذكرناه.

فصل:

فإنّ الشبهة الداخلة على خصومنا في هذا الباب، واعتقادها أنّ مذهب الإماميّة في غيبة إمامها مع عقدها في وجوب الإمامة متناقضٌ، حسبما ظنّوه في ذلك وتخيّلوه، لا يدخل إلّا على عمىً منهم مضعوف بعيد عن معرفة مذهب سلفه وخلفه في الإمامة، لا يشعر بما يرجع إليه في مقالهم به:

وذلك أنّهم بين رجلين:

أحدهما: يوجب الإمامة عقلاً وسمعاً، وهم البغداديّون من

____________________

(1) ل: وتغيبته.

(2) ل. ر: المليم.

(3) ل. ر: باستتار.

(4) ل. ر. س: كون، بدون واو.

(5) ر. س: للأصل.

(6) س. ط: احرى.

والمعنى: أن الصلاح الالهي الذي اقتضى غيبة الإمام هو الأصل الذي كان خلق العباد للتوصل إليه ومن أجله.

١١٧

المعتزلة(1) وكثير من المرجئة(2) .

والآخر: يعتقد وجوبها(3) سمعاً وينكر أن تكون العقول توجبها، وهم البصريّون من المعتزلة(4) وجاعة المجبّرة(5) وجمهور الزيدية.

وكلّهم وإن خالف الإماميّة في وجوب النصّ على الأئمّة بأعيانهم، وقال بالاختيار أو الخروج بالسيف والدعوة إلى الجهاد، فإنّهم يقولون: إنّ وجوب اختيار الأئمّة إنّما هو لمصالح الخلق، والبغداديّون من المعتزلة خاصّة يزعمون أنّه الأصلح في الدين والدنيا معاً، ويعترفون بأنّ وقوع الاختيار وثبوت الإمامة هو المصلحة العامّة، لكنّه متى تعذّر ذلك بمنع الظالمين منه كان الّذين إليهم العقد والنهوض(1) بالدعوة في سعةٍ من ترك ذلك وفي غير حرجٍ من الكفّ عنه، وأنّ تركهم له حينئذٍ يكون هو الأصلح، وإباحة الله تعالى لهم التقيّة في العدول عنه هو الْأولى في الحِكمة وصواب التدبير في الدنيا والدين.

____________________

(1) وهم أصحاب أبي الحسين بن أبي عمرو الخياط مع تلميذه أبي القاسم بن محمّد الكعبي ويعبّر عن مذهبهما بالخياطيّة والكعبية.

الملل والنحل 1: 73.

(2) ل: وهم البغداديّون من المعتزلة وكثير من المعتزلة وكثير من المرجئة.

(3) ر. ل. س: أنّ وجوبها.

(4) وهم أصحاب أبي عليّ محمّد بن عبد الوهاب الجبائي وأبنه أبي هاشم عبد السلام، ويعبّر عن مذهبهما بالجبائية والبَهشَميّة.

الملل والنحل 1: 73.

(5) الجبريّة اصناف، فالجبربة الخالصة: هي الّتى لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً، وأمّا من أثبت للقدرة الحادثة أثراً ما في الفعل وسمّي ذلك كسباً فليس بجبريّ.

الملل والنحل 1: 79.

(6) ع. ط: النهوض، بدون واو.

١١٨

وهذا هو القول الّذي أنكره المستضعفون منهم على الإمامية: في ظهور الإمام وغيبته، والقيام بالسيف وكفّه عنه وتقيته، وإباحة شيعته عند ذلك الخوف على أنفسهم ترك الدعوة إليه على الإعلان، والإاعراض عن ذلك للضرورة إليه، والإمساك عن الذكر له باللسان.

فكيف خفي الأمر فيه على الجهّال من خصومنا، حتّى ظنّوا بنا المناقضة وبمذهبنا في معناه التضادّ، وهو قولهم بعينه على السواء، لولا عدم التوفيق لهم وعموم الضلالة لقلوبهم بالخذلان، والله المستعان.

* * *

١١٩

١٢٠