الفصول العشرة في الغيبة

الفصول العشرة في الغيبة0%

الفصول العشرة في الغيبة مؤلف:
المحقق: الشيخ فارس تبريزيان (الحسّون)
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 144

الفصول العشرة في الغيبة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
المحقق: الشيخ فارس تبريزيان (الحسّون)
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
تصنيف: الصفحات: 144
المشاهدات: 82315
تحميل: 5401

توضيحات:

الفصول العشرة في الغيبة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 144 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82315 / تحميل: 5401
الحجم الحجم الحجم
الفصول العشرة في الغيبة

الفصول العشرة في الغيبة

مؤلف:
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

الحمد لله الّذي ضمِن النصر لمن نصره، وأيّد بسلطان الحقّ مَن عرف سبيله فأبصره، وسلب التوفيق عمّن(2) ألحد فيه وأنكره.

وإليه الرغبة في إدامة النعمة، وبه نعوذ من العذاب والنقمة.

وصلواته في سيّدنا محمّد وآله الأئمّة المهديّة، وسلّم كثيراً.

وبعد، فإنّي قد خلّدتُ(3) من الكلام في وجوب الإمامة، واختصاص مستحقّيها(4) عليهم السلام بالعصمة، وتمييزهم من رعاياهم بالكمال والفضل بمحاسن(5) الأفعال والأعلام الدالة على الصدق منهم في الدعوى إلا ما دعوا إليه من الاعتقادات والأعمال، والنصوص الثابتة عليهم من الله تعالى، بجليّ المقال.

____________________

(1) ر. ع. س: ربّ يسّر.

(2) ع. ل: من.

(3) ر. ع: جلدت، ل: حللت.

(4) ر. ع: مستحقّها.

(5) ر. ع. س: محاسن.

٤١

وأوضحتُ عن فساد مذاهب المخالفين في ذلك والذاهبين بالجهل والضلال، بما قد ظهر في الخاصّ من الناس والعامّ، واشتهرت بين الجمهور من الأنام.

وبيّنتُ عن أسباب ظهور دعوة الناطقين منهم إلى الدين، وصمتِ المتّقين عن ذلك، لضرورتهم إليه بظلم الجبارين، والاشفاق على مهجتهم(1) [من] المبيحين لدمائهم، المعتدين بخلافٍ قِتْلَةَ(2) النبيّين والمرسلين فيما استحلّوه من ذلك. بما ضمّه الفرقان والقرآن(3) المبين، فيما ثبت في غيبة خاتم الأئمّة المهديّين عليهم أفضل السلام والتسليم، واستتاره من دولة الظالمين، ما دلّ على ايجابه إلى ذاك وضرورته إليه. مثمرٌ العلم به واليقين.

وتجدّد بعد الّذي سطرته في هذه الأبواب، وشرحتُ معانيه على وجه السؤال فيه والجواب(4) ، وشواهد الحقّ فيه بحجّة العقل والسنّة والكتاب، رغبةٌ ممّن أُوجب له حقّاً، وأُعظم له محلاً وقدراً، وأعتقد في قضاء حقّه(5) ووفاق مشربه(6) لازماً وفرضاً، في إثبات نكت من فصول خطرَتْ بباله في مواضع ذكرها، يختصّ القول فيها بإمامة صاحب الزمان عليه وعلى آبائه أفضل السلام، آثر أن يكون القول فيها على ترتيب عيّنه وميّزه من جملة ما في بابه وبيّنه.

فاستخرتُ الله تعالى في رسم ما ذكره من الفصول، والقول فيها بما تعم معرفته ذوى العقول، ولا يحتاج معه إلى فكرٍ(7) يمتدّ زمانه ويطول، ويستغنى به

____________________

(1) ر. ع. ل. ط: الى منهجهم.

(2) ع. س: لخلاف قتله، ل. ط: لخلاف قتلهم، ر: بخلاف قتلهم.

(3) ع. ل. ط: الفرقان القرآن.

(4) ر. ع: وجه السؤال فيه والسؤال والجواب.

(5) ر. ل. س. ط: فصاحته.

(6) ر. ع. س: مسرته.

(7) ل: ذكر.

٤٢

عن الرجوع إلى العُمد(1) الّتى أودعتها كتبي السالفة في ذلك ومهذّبه(2) فيها من الأُصول، وبالله أستعين.

* * *

____________________

(1) راجع ما كتبنا. في المقدّمة من مؤلفات المفيد مستقلاً وضمناً عن الإمام الحجّة عليه السلام.

(2) س. ط: ومهّدته.

٤٣

٤٤

ذكر الفصول على ترتيبها ونظامها وشرحها ومواضع الشبهات فيها:

الفصل الأوّل: القول فيما يدّعيه الإمامية من وجود خلفٍ لأبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا وُلِدَ في حياته، مع خفاء ذلك على أهله، واستتاره عن بني عمّه وأوليائهم وأعدائهم في وقته إلى هذه الغاية، لم يشرك الإمامية في دعوى ذلك غيرهم من الناس.

الفصل الثاني: إنكار جعفر بن عليّ بن محمّد بن عليّ(1) - أخي الحسن بن عليّ - دعوى الإمامية ولداً له، وحوزه ميراثه، والتظاهر بتكذيب من ادّعى لأخيه ولداً في حياته وبعد وفاته، ورفع خبر المدّعين ذلك إلى السلطان، حتّى بعثه(2) على حبس جواريه(3) واستبراء حالهم(4) في الحمل، فلم يَظْهر لواحدة منهنّ

____________________

(1) خرج التوقيع على عثمان العمري من الناحية المقدّسة جواب أسئلة سالها إسحاق بن يعقوب: وأمّا سبيل عمّي جعفر وولده سبيل أخوة يوسف عليه السلام.

كمال الدين: 483 - 484.

وراجع البحار 50: 227 - 232 باب 6 أحوال جعفر، و 37: 8.

(2) ر. ع: يعنه.

(3) ر. ع: جواره.

(4) ط: حالهنّ.

٤٥

حملاً، وصار ذلك شبهة في إبطال دعوى ولد الحسن عليه السلام.

الفصل الثالث: وصيّة الحسن المشهورة إلى والدته - المسمّاة بحديث(1) المكناة بأُمّ الحسن - في وقوفه وصدقاته، وامضائها(2) على شروطها، ولم يذكر فيها ولداً له موجوداً(3) ولا منتظراً.

الفصل الرابع: ما الداعي إلى ستر ولادته، والسبب إلى خفاء أمره وغيبته؟ مع ظهور نسب آبائه وولادتهم ونشئهم(4) واشتهار وجودهم، وقد كانوا في ازمانٍ التقيّة فيها أشدّ من زمن الحسن بن عليّ بن محمّد، وخوفهم فيها من ملوك بني أُميّة ومن بعدهم أعظم، ولم يِغبْ أحدٌ منهم، ولا خفيَتْ ولادته ووجوده عن الناس.

الفصل الخامس: خروج دعوى الإماميّة في غيبة الإمام عن حكم العادة في استتاره عن

____________________

(1) هي أُمّ الحسن حديث أو حديثة، وقيل: سوسن، وقيل سليل، وكانت من الصالحات المتقيات العارفات بهذا الأمر. الاعيان 1: 40.

(2) ع: وأمضا بها.

(3) ل. ط: ولداً موجوداً.

(4) ل: وموتهم.

٤٦

الخلق(1) طول المدّة التي يدّعونها لصاحبهم، وانسداد الطرق إلى الوصول إليه(2) ، وعدم معرفة(3) مكانٍ له على حالٍ.

الفصل السادس: انتقاض العادة في دعوى طول عمره وبقائه منذ ولد على قول الإماميّة قبل وفاة أبيه بسنين، وكانت وفاته في سنة ستين ومائتين إلى وقتنا هذا وهو سنة عشرة وأربعمائة.

الفصل السابع: انّ غيبته متى صحّت على الوجه الّذي تدّعيه الإماميّة بطلت الحاجة إليه، إذ كان وجود منعها كعدمه(4) من العالم، ولا تظهر له دعوة، ولا تقوم له حجّة، ولا يُقيم حدّاً، ولا ينفذ حكماً، ولا يرشد مسترشداً، ولا يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر، ولا يهدي ضالاً، ولا يجاهد في الإسلام.

الفصل الثامن: بطلان دعوى الإماميّة

____________________

(1) ع. ل: في استتار الخلق، ر. س: في استتار الحقّ، والمثبت من ط ونسخة بدل في س.

(2) اي: إلى صاحبهم.

(3) ل. ع. ط: وعدم خبر معرفة.

(4) س. ط: إذا كان وجوده معها كعدمه.

٤٧

في الغيبة بما به اعتصموا في إنكار قول الممطورة(1) : إنّ موسى بن جعفر عليهما السلام حيّ موجود غائب منتظر، وبما به شنّعوا(2) على الكيسانية(3)

____________________

(1) هم: الواقفة الّذين وقفوا على موسى بن جعفر عليه السلام، وهم فِرقٌ كثيرة:

فمنهم من قال: بأنّه حيّ لم يمت ولا يموت حتّى يملك شرق الأرض وغربها، ويملأها كلّها عدلاً كما ملئت جوراً، وأنّه القائم.

ومنهم من قال: إنّه القائم وقد مات، ولا تكون الإمامة لغيره حتّى يرجع، وزعموا أنّه قد رجع بعد موته إلّا أنّه مختف في موضع من المواضع.

ومنهم من قال: إنّه القائم وقد مات ويرجع وقت قيامه.

وأنكر بعضهم قتله وقال: مات ورفعه الله إليه وانّه يردّه عند قيامه.

وإنّما لقبوا بالممطورة، لأنّ علي بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن ناظرا بعض الواقفية فقال عليّ بن اسماعيل - وقد اشتدّ الكلام بينهم -: ما أنتم إلّا كلاب ممطورة، أراد: انتن من الجيف، لأنّ الكلب إذا أصابه المطر فهو انتن من الجيف.

فرق الشيعة: 90 - 92.

(2) ل. س. ط: شكوا.

(3) هم الّذين يعتقدون بإمامة محمّد بن الحنفية، وهم فرق متعدّدة:

فمنهم من قال بإمامة محمذد بن الحنفية بعد أمير المؤمنين عليه السلام.

ومنهم من قال بإمامته بعد الحسن والحسين عليهما السلام.

ومنهم من قال بأنّه هو الإمام المهدي، سمّاه به ابوه عليه السلام لم يمت ولا يموت، وليس لأحد أن يخالفه، وإنّما خرج الحسن والحسين بإذنه.

وإنّما سمّوا بالكيسانية، لأنّ محمّد بن الحنفية استعمل المختار على العراقين، وأمره بالطلب بدم الحسين وثأره وقتل قاتليه، وسمّاه كيسان لكيسه.

فرق الشيعة: 41 - 45.

أقول: عند التأمّل في كتب التاريخ والتراجم نجزم بأنّ محمّد بن الحنفيّة لم يؤسّس هذه الفرقة، ولا له بهم صِلة، وإنّما هم نسبوا أنفسهم إليه، وانّه كان يعلم بإمامة ابن أخيه السجاد، ولم يدّع الإمامة لنفسه قط.

٤٨

والناووسية(1) والإسماعيلية(2) في دعواهم حياة ائمّتهم محمّد بن الحنفية(3) وجعفر بن محمّد

____________________

(1) هم فرقة قالوا: إنّ جعفر بن محمّد حيّ لم يمت ولا يموت، حتّى يظهر ويلي أمر الناس وإنّه هو المهدي، وزعموا أنّهم رووا عنه أنّه قال: ان رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فلا تصدّقوه، فإنّي أنا صاحبكم.

وإنّما سمّيت بالناووسية، لأنّ رئيساً لهم من أهل البصرة كان يقال له فلان بن فلان الناووس وقيل: اسمه عجلان بن ناووس، وقيل: اسمه ناوس، وقيل نُسبوا إلى قرية نوسا.

فرق الشيعة: 78.

(2) فرقة قالوا: إنّ الإمام بعد جعفر بن محمّد ابنه اسماعيل بن جعفر، وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه، وقالوا: كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس، لأنّه خاف عليه فغيّبه عنهم، وزعموا أنّ اسماعيل لا يموت حتّى يملك الأرض يقوم بأمر الناس، وأنّه هو القائم، وهذه الفرقة هي الاسماعيلية الخالصة.

فرق الشيعة: 80.

أقول: منشأ اشتباه. هذه الفرقة هو أنّ إسماعيل كان أكبر ولد أبيه الصادق، وكان رجلاً صالحاً، وكان أبوه شديد المحبّة له والبرّ به، وكان يظنّ قوم من الشيعة في حياة أبيه انّه القائم بعده.

ولما مات اسماعيل في حياة أبيه بالعريض وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة، أمر الإمام بوضع السرير على الأرض قبل دفنه مراراً، وكان يكشف عن وجهه وينظر إليه، يريد بذلك تحيق أمر وفاته عن الظانّين خلافته له من بعده وإزالة الشبهة عنه.

ومع كلّ هذه الإجرائات منه، نرى تمسّك فرقة بإمامة اسماعيل بعد أبيه.

(3) هو: أبو القاسم محمّد الأكبر بن عليّ بن أبي طالب، والحنفية لقب أُمّه خولة بنت جعفر، كان كثير العلم والورع شديد القوة، وحديث منازعته في الإمامة مع عليّ بن الحسين عليه السلام وإذعانه بإمامته بعد شهادة الحجر له مشهور، بل في بعضها: وقوعه على قدمي السجاد بعد شهادة الحجر، ولم ينازعه بعد ذلك بوجه، توفّي سنة 80 ه وقيل: 81ه.

الطبقات الكبرى 5: 91، وفيات الأعيان 4: 169، وتنقيح المقال 3: 115.

٤٩

وإسماعيل بن جعفر(1) ، وتناقض(2) مقالهم في ذلك.

الفصل التاسع: اعتراف الإماميّة بأنّ الله تعالى أباح للإمام(3) الاستتار عن الخلق، وسوّغ له الغيبة عنهم بحيث لا يلقاه أحدٌ منهم فيعرفه بالمشاهدة لطفاً له في ذلك ولهم، وإقرارهم بأنّ الله سبحانه لا يبيح إلّا ما هو صلاح ولا يسوّغ إلّا ما هو في التدبير صواب ولا يفعل بعباده إلّا ما بهم حاجة إليه ما دامت المحنة(4) والتكليف باقياً، وهذا ينقض قولهم في مشاهدته وأخذ معالم الدين فيه(5) مصلحة تامّة وأنّ بظهوره تمام المصالح والنظام والتدبير(6) .

الفصل العاشر: اضطرار الإماميّة عند

____________________

(1) اسماعيل بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب الهاشمي المدني، رجل صالح، مات في حياة أبيه بالعريض، وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة حتّى دفن بالبقيع، وحزن عليه الصادق حزناً عظيماً، وتقدّم سريره بغير حذاء ولا رداء.

تنقيح المقال 1: 131 - 132، وفيه بحث كامل حول ما تصوّره البعض من ورود الذمّ لإسماعيل.

(2) ع: ويناقض.

(3) ع. ل: الإمام.

(4) ر: المحبّة.

(5) ط: عنه.

(6) ع. ل. ر: والنظام التدبير.

٥٠

قولهم بالغيبة في إثبات الأعلام بالمعجزات لإمامهم عند ظهوره، إذ كان لا يعرفه متى ظهر أحدٌ بشخصه، وإنّما يصل إلى معرفته بمعجزه الدالّ على صدقه بصحّة(1) نسبه وثبوت إمامته ووجوب طاعته، وهذا إخراج الآيات(2) عن دلائلها، وإيجاب لظهورها على غير من اختصّت به(3) من الأنبياء والرسل عليهم السلام، وفي ذلك إفساد أدلّة النبوّة وأعلام الرسالة، وذلك باطل باتفاق أهل الملل كلّها.

____________________

(1) ر: لصحّة.

(2) ع: للآيات.

(3) ط: والحاد لظهورها على غير من اختصّت به.

٥١

٥٢

الكلام في الفصل الأوّل

وأقول: إنّ استتار ولادة المهدي بن الحسن بن عليّ عليهم السلام عن جمهور أهله وغيرهم، وخفاء ذلك عليهم، واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف، ولا مخالفاً لحكم العادات، بل العلم محيطٌ بتمام مثله في أولاد الملوك والسُّوقَه(1) ، لأسباب تقتضيه لا شبهة فيها على العقلاء.

فمنها: أن يكون للإنسان(2) ولد من جارية قد أستر(3) تملّكها من زوجته وأهله، فتحمل منه فيخفي ذلك عن كلّ مَن يشفق(4) منه أن يذكره ويستره عمّن لا يأمن إذاعة الخبر به، لئلّا يفسد الأمر عليه مع زوجته بأهلها وأنصارها، ويتم الفساد به ضرر(5) عليه يضف عن دفاعه عنه، وينشؤ الولد وليس أحدٌ من أهل الرجل وبني عمّه وإخوانه وأصدقائه يعرفه، ويمرّ(6) على ذلك إلى أن يزول خوفه من الإخبار عنه، فيعرّف به إذ ذاك،

____________________

(1) هم بمنزلة الرعيّة التي تسوسها الملوك، سمّوا بذلك لأن الملوك يسوقونهم فينساقون لهم.

لسان العرب 10: 170 سوق.

(2) ر. ل: الانسان.

(3) ر. س. ط: استتر.

(4) ل: شنق.

(5) ط: ويتمّ الفساد به ويترتّب ضررٌ.

(6) ل. ط: يمرّ، بدون واو.

٥٣

وربّما تمّ ذلك إلى أن تحضره وفاته، فيعرّف به عند حضورها، تحرّجاً من تضييع(1) نسبه، وإيثاراً لوصوله إلى مستحقّه من ميراثه.

وقد يولد للملك ولدٌ لا يؤذِن به حتّى ينشؤ ويترعرع، فإن رآه على الصورة التي تعجبه...(2)

وقد ذكر الناس ذلك عن جماعة من ملوك الفرس والروم(3) والهند(4) في الدولتين معاً(5) ، فسطروا(6) أخبارهم في ذلك، وأثبتوا قصّة كيخسرو بن سياوخش بن كيقاوس ملك الفرس(7) ، الّذي جمع ملك بابل(8) والمشرق،

____________________

(1) س. ط: تضيع.

(2) كذا في جميع النسخ، ويصلح أن يكون مكانه عبارة: فيؤذن به ويعلن عنه، وإلّا فلا.

(3) جيل معروف في بلادٍ واسعة، واختلف في أصل نسبهم، فقيل: انّهم من وُلد روم بن سماحيق... بن إبراهيم عليه السلام، وحدود الروم: من الشمال والشرق: الترك والخزر ورسّ وهم الروس، ومن الجنوب: الشام والاسكندرية، ومن المغرب: البحر والاندلس وكانت الرقة والشامات كلّها تعدّ في حدود الروم أيام الأكاسرة.

معجم البلدان 3: 97 - 98.

(4) دولة في جنوب آسيا، يحدها من الغرب باكستان الغربية، ومن الشمال الصين ونيبال، ومن الشرق بورما وباكستان الغربية، عاصمتها نيودلهي.

المنجد: 731.

(5) كذا في النسخ.

(6) ر. س: فينظروا.

(7) هذه الإسماء وردت مضطربة في النسخ، وما اثبتناه. من س والصدر.

ففي ع: كيسخرو بن سواخس وكنفار بن ملك الفرس.

وفي ل. ر: كسيخرو بن سواخس وكنفان بن ملك الفرس.

وفي ط: كيخسرو أو ابن سياوخش وكيقاوس ملك الفرس.

وفي المصادر الفارسية: كيخسرو بن سياوش بن كيكاوس.

(8) ناحية من الكوفة والحلّة، وكان ينزلها الكلدانيون، ويقال: اوّل من سكنها نوح عليه السلام بعد الطوفان.

معجم البلدان 1: 309.

٥٤

وما كان من ستر أُمّه حملها وإخفاء ولادتها لكيخسرو(1) ، وأُمّه(2) هذه المسمّاة بوسفا فريد(3) بنت فراسياب(4) ملك الترك، فخفي أمره مع الجِدِّ(5) كان من كيقاوس - جدّه الملك الأعظم(6) - في البحث عن أمره والطلب له، فلم يظفر بذلك حيناً طويلاً.

والخبر بأمره مشهور، وسبب ستره وإخفاء شخصه معروف، قد ذكره علماء الفرس(7) ، وأثبته محمّد بن جرير الطبري(8) في كتابه التاريخ(9)

____________________

(1) س. ط: للكيخسرو.

(2) في النسخ: أو أمّه، والظاهر ما اثبتناه، لتعارف كثير من المستنسخين على ان يضعوا ألفاً بعد الواو دائماً.

(3) ر. ع. ل: يوسفارند، ص: يوسفافريد، والمثبت من ط والمصدر.

وفي المصادر الفارسية: فرنكسيس أو فرنكيز.

(4) س. ط: افراسياب.

وكذا في المصادر الفارسيّة.

(5) أي: الإجتهاد، يحتمل أن تكون العبارة هكذا: مع الجِدّ وما كان من...

(6) ع: له أعظم.

(7) ذكر الخبر ومصادره علي أكبر دهخدا في كتابه «لغتنامه» 29 / 744 حرف السين، و 38 / 457 حرف الكاف، و 35 / 200 حرف الفاء، و 22 / 535 حرف الخاء.

(8) أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، المؤرّخ، عامي، ولد بآمل طبرستان سنة 224 وتوفي سنة 310 ببغداد، له مؤلّفات كثيرة منها التفسير الكبير وكتاب طرق حديث الغدير الّذي قال الذهبي: إنّي وقفت عليه فاندهشت لكثرة طرقه.

وامّا كتابه التاريخ (تاريخ الاُمم والملوك) فهو من أحسن كتب التاريخ، جمع فيه أنواع الأخبار وروى فنون الآثار واشتمل على صنوف العلم.

النجاشي: 322 رقم 879، الكنى والالقاب 1: 236 - 237.

(9) تاريخ الاُمم والملوك (تاريخ الطبري) 1 / 504 - 509.

وملخّص القصّة: أنّه وُلد لكيقاوس ابن، لم يُر مثله في عصره في جماله وكماله وتمام خلقه، فسمّاه أبوه سياوخش... وربّاه أحسن تربية إلى أن كبر، وكان كيقاوص تزوّج =

٥٥

وهو نظير لما أنكره الخصوم في خفاء أمر ولد الحسن بن عليّ عليهما السلام، واستتار(1) شخصه، ووجوده وولادته، بل ذلك أعجب.

ومن الناس كل من يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم(2) في حقّه وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد، فلا يزال مستوراً حتّى يتمكّن من

____________________

= ابنة فراسياب في ملك الترك، وكانت ساحرة، فهويت ابن زوجها سياوخش ودعته إلى نفسها، وأنّه امتنع عليها، فلمّا رأت امتناعه عليها حاولت إفساده على أبيه، فتغير كيقاوس على ابنه، وتوجّه سياوخش لحرب فراسياب - لسبب منع فراسياب بعض ما كان ضمن لكيقاوس عند انكاحه ابنته إيّاه - مريداً بذلك البعد عن والده والتنحّي عمّا تكيده به زوجة والده، فلمّا صار سياوخش إلى فراسياب جرى بينهما صلح، وكتب بذلك سياوخش إلى أبيه يعلمه ما جرى بينه وبين فراسياب من الصلح، فكتب إليه والده بمناهضة فراسياب ومناجزته الحرب، فرأى سياوخش أنّ في فعله ما كتب به إليه أبوه عاراً عليه، فامتنع من انفاذ أمر أبيه وارسل فراسياب في أخذ الأمان لنفسه منه، فأجابه فراسياب، فلمّا صار سياوخش إلى فراسياب بوّأه وأكرمه وزوجه ابنة له يقال لها وسفا فريد ثمّ لم يزل له مكرماً حتّى ظهر له أدب سياوخش وعقله وكماله ما اشفق على ملكه منه وسعى على سياوخش إلى فراسياب ابنين لفراسياب واخ، حتّى قتل فراسياب سياوخش ومثّل به، وامرأته - ابنة فراسياب - حامل منه، فطلبوا الحيلة لإسقاطها ما في بطنها فلم يسقط، فوضعوها تحت رقابة فيران إلى ان تضع ليقتل الطفل، فلمّا وضعت فراسياب حملها: كيخسرو، رقّ فيران لها وللمولود، فترك قتله وستر أمره حتّى بلغ المولود فوجّه كيقاوس إلى بلاد الترك بيّ ليبحث عن المولود ليأتي به إليه مع أُمّه، وانّ بيّ لم يزل يفحص عن أمر ذلك المولود متنكراً حيناً من الزمان فلا يعرف له خبراً ولا يدلّه عليه أحد ثمّ وقف بعد ذلك على خبره، فاحتال فيه وفي أُمّه حتّى أخرجهما من أرض الترك إلى كيقاوس....

إلى آخر القصة، وهي طويلة جدّاً اقتصرنا على محلّ الشاهد منها، من أرادها فليراجعها.

وللتفصيل راجع مروج الذهب 1: 250.

(1) ر: واستتاره.

(2) ع. ر: سعيهم.

٥٦

إظهاره على أمان منه عليه ممّن سمّيناه.

ومنهم مَن يستر ذلك ليرغب في العقد له مَن لا يؤثر مناكحة صاحب الولد من الناس، فيتمّ له(1) في ستر ولده وإخفاء شخصه وأمره، والتظاهر بأنّه لم يتعرّض بنكاح من قبل ولا له ولدٌ من حرّة ولا أمة، وقد شاهدنا مَن فعل ذلك، والخبر عن النساء به(2) أظهر منه عن الرجال(3) .

واشتهر من الملوك من ستر ولدٍ وإخفاء شخصه(4) من رعيّته لضربٍ من التدبير، في إقامة خليفة له، وامتحان جنده بذلك في طاعته، إذ كانوا يرون انّه لا يجوز في التدبير استخلاف مَن ليس له بنسيب(5) مع وجود ولده ثم يُظهر بعد ذلك أمر الولد عند التمكّن من إظهاره برضى القوم، وصرف الأمر عن الولد إلى غيره، أو لعزل مستخلفٍ عن المقام، على وجه ينتظم للملك أُمور لم يكن يتمكّن من التدبير الّذي كان منه على ما شرحناه.

وغير ذلك ممّا يكثر تعداده من أسباب ستر الأولاد وإظهار موتهم، واستتار الملوك أنفسهم، والإرجاف بوفاتهم، وامتحان رعاياهم بذلك، وأغراض لهم معروفة قد جرت من المسلمين بالعمل عليها العادات.

وكم وجدنا من نسيب(6) ثبت بعد موت أبيه بدهرٍ طويل، ولم يكن أحد من الخلق يعرفه بذلك حتّى شهد له بذلك رجلان مسلمان، وذلك لداعٍ دعا الأب إلى ستر ولادته عن كلّ أحد من قريب وبعيد، إلّا مَن شهد

____________________

(1) أي: العقد.

(2) لفظ: به، لم يرد في ل.

(3) ل. س. ط: أظهر من الرجال.

(4) س. ط: مَن ستر ولده وأخفى شخصه.

(5) ل. س. ط: بنسب.

(6) س. ط: نسبٍ.

٥٧

به من بعد عليه بإقراره به على الستر(1) لذلك والوصية بكتمانه، أو بالفراش الموجب لحكم الشريعة إلحاق الولد بوالده.

فصل:

وقد أجمع العلماء من الملل على ما كان من ستر ولادة أبي(2) إبراهيم الخليل عليه السلام وأُمّه لذلك، وتدبيرهم في إخفاء أمره عن(3) ملك زمانه لخوفهم عليه منه(4) .

وبستر(5) ولادة موسى بن عمران عليه السلام، وبمجئ القران بشرح(6) ذلك على البيان، والخبر بأنّ أُمّه ألقته في اليمّ على ثقةٍ منها بسلامته وعوده إليها، وكان ذلك منها بالوحي إليها به بتدبير الله جلّ وعلا(7) لمصالح العباد(8) .

فما الّذي ينكر خصوم الإماميّة من قولهم في ستر الحسن عليه السلام ولادة ابنه المهديّ عن أهله وبني عمّه وغيرهم من الناس، وأسباب ذلك أظهر من أسباب ستر من عددناه وسمّيناه، وسنذكرها عند الحاجة إلى ذكرها من بعد إن شاء الله.

____________________

(1) ع: السرّ.

(2) لفظ: أبي، لم يرد في ل.

(3) س. ط: من.

(4) تاريخ الطبري 1: 234، كمال الدين 1: 138 رقم 1، قصص الأنبياء: 103.

(5) س. ط: وستر.

(6) ل: ومجئ القرآن بشرح.

(7) ل. ط: عزّ وجلّ.

(8) راجع سورة القصص 28: 7 - 13، وسورة طه 20: 38 - 40.

وللتفصل راجع: كمال الدين 1: 147 رقم 13، قصص الانبياء: 148 - 150.

٥٨

والخبر بصحّة ولد الحسن عليه السلام قد ثبت بأوكد ما تثبت(1) به أنساب الجمهور من الناس، إذ كان النسب يثبت: بقول القابلة، ومثلها من النساء اللاتي جرت عادتهنّ بحضور ولادة النساء وتولّي معونتهم(2) عليه، وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون مَن سواه، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه.

وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الحسن بن عليّ(3) عليهما السلام: أنّه اعترف بولده المهديّ عليه السلام، وآذنهم بوجوده، ونصّ لهم على إمامته من بعده، وبمشاهدة بعضهم له طفلاً، وبعضهم له يافعاً وشاباً كاملاً، وإخراجهم إلى شيعته بعد أبيه الأوامر والنواهي والأجوبة عن المسائل، وتسليمهم له حقوق الأئمّة من أصحابه.

وقد ذكرتُ اسماء جماعة ممّن وصفتُ حالهم من ثقات الحسن بن عليّ عليهما السلام وخاصّته المعروفين بخدمته والتحقيق به، وأثبتُ ما رووه عنه في وجود ولده ومشاهدتهم من بعده وسماعهم(4) النصّ بالإمامة عليه.

وذلك موجود في مواضع من كتبي، وخاصّة في كتابيّ المعررف أحدهما:

____________________

(1) ع: ما ثبت.

(2) س. ط: معونتهنّ.

(3) ر. س. ع: عن الحسن بن محمّد بن عليّ. وهو سهوٌ.

(4) ل. ع. ر: ومشاهدتهم من بعد لمن سماتهم، والظاهر أن لفظة لمروياتهم هي المقصودة من لمن سماتهم، والمثبت من س. ط.

٥٩

بـ الارشاد في معرفة حجج(1) الله على العباد(2) ، والثاني: بـ الايضاح(3) في الإمامة والغيبة(4) .

ووجود ذلك فيما ذكرت يغني عن تكلّف(5) إثباته في هذا الكتاب.

____________________

(1) لفظ: حجج، اثبتناه من س، ولم يرد في بقيّة النسخ.

(2) الإرشاد: 350، باب ذكر من رأى الإمام الثاني عشر.

وكتاب الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، فيه تواريخ الأئمّة الطاهرين الاثني عشر عليهم السلام، والنصوص عليهم، ومعجزاتهم، وطرف من أخبارهم من ولادتهم ووفياتهم ومدّة اعمارهم وعدّة من خواص أصحابهم وغير ذلك.

طبع في إيران مكرراً، وطبعت ترجمته الفارسية الموسومة بتحفه سليمانية.

نسخة منه في المكتبة العامّة لآية المرعشي رقم 1144 كتبت سنة 565، وأُخرى في المجلس النيابي كتبت سنة 575 رقم 14302، وأخرى في مكتبة آية الله الكلبايكاني من القرن السابع والثامن.

النجاشي: 399، الذريعة 1: 509 - 510 رقم 2506، ومعلومات أخرى متفرقة.

(3) ع. ل. ط: الإيضاح.

(4) بدأ فيه بردّ شبهات العامّة وأدلّتهم على إثبات الخلافة، ثمّ ذكر أدلّة إمامة المعصومين عليهم السلام، له نسخة في مكتبة السيّد راجه محمّد مهدي في ضلع فيض آباد الهند.

وما ربّما يتوهّم من كونه متحداً مع الإفصاح فهو بعيد جدّاً، لأنّ ما أحال عليه في هذا الكتاب في عدّة موارد غير موجود في الإفصاح، وصرّح النجاشي بتعدّدها.

راجع: النجاشي: 399، الذريعة 2: 490 رقم 1925.

(5) س. ط: تكليف.

٦٠