الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٩

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 403

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131041 / تحميل: 9092
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٩

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الغدير

في الكتابْ و السّنّة و الأدبْ

الجزء التاسع

يتضمن تراجم جمع من أعاظم

الصَحابة رجال الدعوة الصالحة والبحث

عمّا لفَّقته يد الإفتعال من التاريخ المزوَّر. وما

ألَّفته سماسرة الجهل والدجل من الكتب. والإعراب

عن صحيح ما في قصَّة قتيل الصَحابة « عثمان »

وإخفاق ما هنالك من جلبة ولغط، أو مكاء

وتصدية والله وليُّ التوفيق

١

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سُبحانَكَ! ما كانَ لنا أنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُوِنكَ مِنْ أولياءَ، فالحَقُّ و الحقَّ أقولُ، حَقيقٌ عليَّ أنْ لا أقولَ عَلى اللهِ إلّا الحقَّ، مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغيرِ عِلمٍ وَ لا هدىً و لا كِتابٍ مُنِير، وَ لَدينا كِتابٌ يَنطِقُ بِالحقِّ، كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَربيّاً، إذهبْ بِكتابي هذا فألقِهِ إلَيهمْ ثُمَّ تَولَّ عَنهُمْ، و قُلْ جاءَ الحَقُّ وَ زَهَقَ الباطِلُ إنَّ الباطِلَ كانَ زَهوقاً، و لقَدْ وَصَّلنا لهُمُ القولَ لعلهُم يَتذكّرونْ، وَ لِيعلمَ الذينَ اُوتوا العِلمَ أَنَّهُ الحقُّ مِنْ ربِّك فَيُؤمِنُوا بهِ فَتُخبِتَ لَهُ قُلوبهُمْ، إنَّما كان قَولُ المـُؤمِنينَ إذا دُعُوا إلى اللهِ وَ رَسُولِهِ لِيحكم بينَهُمْ أنْ يقُولوا: سمِعنا وَ أَطعنا، ألذينَ يَستمِعُونَ القولَ فيتَّبعونَ أحسَنَهُ اُولئِكَ الذِينَ هَداهُمُ الله وَ أُولئِكَ هُم اُولوا الألبابِ.

يا قوم لا أسألكمْ عَليهِ مالاً إنْ أجري إلّا على الله، لا أسألكُمْ عَليهِ أجراً إلّا المودَّة فِي القُربى، وَ مَا عَلَينا إلَّا البَلاغُ المـُبينُ، إنَّما وَليُّكُمُ اللهُ وَ رَسولُه وَ الذينَ آمَنُوا الذينَ يُقيمونَ الصّلاةَ وَ يُؤتُونَ الزَّكاةَ وَ هُم راكِعُون. فَالحَمدُ لِلَّهِ وَ سلامٌ عَلى المـُرسلينَ.

الأمينى

٢

يتبع الجزء الثامن

_٤١_

الخليفة يخرج ابن مسعود من المسجد عنفاً

أخرج البلاذري في الأنساب ٥: ٣٦ قال: حدَّثني عبّاس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف وعوانة في إسنادهما: إنَّ عبد الله بن مسعود حين ألقى مفاتيح بيت المال إلى الوليد بن عقبة قال: مَن غيَّر غيَّر الله ما به. ومن بدَّل أسخط الله عليه، وما أرى صاحبكم إلّا وقد غيَّر وبدَّل، أيُعزل مثل سعد بن أبي وقاص ويولّى الوليد؟ وكان يتكلّم بكلام لا يدعه وهو:

إنَّ أصدق القول كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشرَّ الاُمور محدثاتها، وكلّ محدَث بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار(١) .

فكتب الوليد إلى عثمان بذلك وقال: إنّه يعيبك ويطعن عليك، فكتب إليه عثمان يأمره بإشخاصه فاجتمع الناس فقالوا: أقم ونحن نمنعك أن يصل إليك شيءٌ تكرهه، فقال: إنَّ له عليَّ حقّ الطاعة ولا اُحبُّ أن أكون أوَّل من فتح باب الفتن. وفي لفظ أبي عمر: إنَّها ستكون امور وفتن لا اُحبّ أن أكون أوَّل من فتحها. فردَّ الناس وخرج اليه(٢) .

قال البلاذري: وشيّعه أهل الكوفة فأوصاهم بتقوى الله ولزوم القرآن فقالوا له: جزيت خيراً فلقد علّمتَ جاهلنا، وثبَّت عالمنا، وأقرأتنا القرآن، وفقَّهتنا في الدين، فنعم أخو الإسلام أنت ونعم الخليل، ثمَّ ودَّعوه وانصرفوا، وقدم ابن مسعود المدينة وعثمان يخطب على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا رآه قال: ألا إنّه قد قدمت عليكم دُويبة سوء من يمشي على طعامه يقيء ويسلح، فقال إبن مسعود: لست كذلك ولكني صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر ويوم بيعة الرضوان. ونادت عائشة: أي عثمان! أتقول هذا لصاحب

____________________

١ - هذه جملة من كلمة ابن مسعود وقد اخرجها برمتها ابو نعيم فى حلية الاولياء ١: ١٣٨ وهى كلمة قيمة فيها فوائد جمة.

٢ - الاستيعاب ١: ٣٧٣.

٣

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ثمَّ أمر عثمان به فاُخرج من المسجد إخراجاً عنيفاً، وضرب به عبد الله ابن زمعة الأرض، ويقال: بل احتمله « يحموم » غلام عثمان ورجلاه تختلفان على عنقه حتى ضرب به الأرض فدُقَّ ضلعه، فقال عليٌّ: يا عثمان! أتفعل هذا بصاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقول الوليد بن عقبة؟ فقال: ما بقول الوليد فعلت هذا ولكن وجّهت زُبيد بن الصلت الكندي إلى الكوفة فقال له ابن مسعود: إنَّ دم عثمان حلال، فقال عليٌّ: أحلت عن زبيد على غير ثقة.

وفي لفظ الواقدي: إنَّ ابن مسعود لمـَّا استقدم المدينة دخلها ليلة جمعة فلمَّا علم عثمان بدخوله قال: يا أيُّها الناس انّه قد طرقكم الليلة دُويبةٌ، من يمشي على طعامه يقيء ويسلح، فقال ابن مسعود: لست كذلك ولكنني صاحب رسول الله يوم بدر، و صاحبه يوم بيعة الرضوان، وصاحبه يوم الخندق، وصاحبه يوم حنين. قال: وصاحت عائشة: يا عثمان! أتقول هذا لصاحب رسول الله؟ فقال عثمان: اسكتي. ثمَّ قال لعبد الله ابن زمعة: أخرجه إخراجاً عنيفاً، فأخذه ابن زمعة فاحتمله حتى جاء به باب المسجد فضرب به الأرض فكسر ضلعاً من أضلاعه، فقال ابن مسعود: قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان.

قال البلاذري: وقام عليٌّ بأمر إبن مسعود حتى أتى به منزله، فأقام ابن مسعود بالمدينة لا يأذن له عثمان في الخروج منها إلى ناحية من النواحي، وأراد حين برىء الغزو فمنعه من ذلك وقال له مروان: إنَّ ابن مسعود أفسد عليك العراق، أفتريد أن يُفسد عليك الشام؟ فلم يبرح المدينة حتّى توفّي قبل مقتل عثمان بسنتين، وكان مقيماً بالمدينة ثلاث سنين.

وقال قومٌ: إنّه كان نازلاً على سعد بن أبي وقاص، ولمـّا مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه أتاه عثمان عائداً فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربِّي. قال: ألا أدعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب أمرضني. قال: أفلا آمر لك بعطائك؟(١) قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه، وتعطينيه وأنا مستغن عنه؟ قال: يكون لولدك، قال: رزقهم على الله. قال: إستغفر لي يا أبا عبد الرحمن، قال: أسأل الله أن

____________________

١ - قال ابن كثير فى تاريخه ٧: ١٦٣: كان قد تركه سنتين.

٤

يأخذ لي منك بحقي، وأوصى أن لا يصلّي عليه عثمان فدفن بالبقيع وعثمان لا يعلم فلمَّا علم غضب، وقال: سبقتموني به؟ فقال له عمّار بن ياسر: إنَّه أوصى أن لا تصلّي عليه.

فقال ابن الزبير(١) :

لأعرفنَّك بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زوَّدتني زادي

وفي لفظ ابن كثير في تاريخه ٧: ١٦٣: جاءه عثمان في مرضه عائداً فقال له: ما تشتكي؟ قال ذنوبي. قال فما تشتهي؟ قال: رحمة ربِّي. قال: لا آمر لك بطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني. قال: ألا آمر لك بعطائك؟ - وكان قد تركه سنتين - فقال: لا حاجة لي.

فقال: يكون لبناتك من بعدك، فقال: أتخشى على بناتي الفقر؟ إنِّي أمرت بناتي أن يقرأن كلَّ ليلة سورة الواقعة وإنِّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: مَن قرأ الواقعة كلّ ليلة لم تصبه فاقةٌ أبداً.

وقال البلاذري: كان الزبير وصيّ ابن مسعود في ماله وولده، وهو كلّم عثمان في عطائه بعد وفاته حتّى أخرجه لولده، وأوصى ابن مسعود أن يصلّي عليه عمار بن ياسر، وقومٌ يزعمون انَّ عمّاراً كان وصيّه ووصيَّة الزبير أثبت.

وأخرج البلاذري من طريق أبي موسى القروي باسناده: انَّه دخل عثمان على ابن مسعود في مرضه فاستغفر كلّ واحد منهما لصاحبه، فلمّا انصرف عثمان قال بعض من حضر: إنَّ دمه لحلال. فقال إبن مسعود: ما يسرُّني انَّني سددت إليه سهماً يخطئه وأنَّ لي مثل اُحد ذهباً.

وقال الحاكم وأبو عمرو ابن كثير: أوصى ابن مسعود إلى الزبير بن العوام فيقال: إنَّه هو الذي صلّى عليه ودفنه بالبقيع ليلاً بايصائه بذلك إليه ولم يعلم عثمان بدفنه، ثمَّ عاتب عثمان الزبير على ذلك، وقيل: بل صلّى عليه عثمان، وقيل: عمّار(٢) .

وفي رواية توجد في شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٣٦: لمـّا حضره الموت قال: مَن يتقبّل منِّي وصيَّة اوصيه بها على ما فيها؟ فسكت القوم وعرفوا الذي يريد فأعادها فقال عمّار: أنا أقبلها، فقال ابن مسعود: أن لا يصلّي عليَّ عثمان. قال: ذلك لك، فيقال:

____________________

١ - كذا والصحيح كما فى شرح ابن ابى الحديد ١: ٢٣٦: فتمثل الزبير.

٢ - المستدرك ٣: ٣١٣، الاستيعاب ١: ٣٧٣، تاريخ ابن كثير ٧: ١٦٣.

٥

إنَّه لمـّا دفن جاء عثمان منكراً لذلك فقال له قائلٌ: إنَّ عمّاراً وليُّ الأمر. فقال لعمّار: ما حملك على أن لم تؤذنِّي؟ فقال: عهد إليَّ أن لا اوذنك. إلخ. وذكر كلَّ ما رويناه عن البلاذري مع زيادة، فراجع.

وفي لفظ اليعقوبي: إعتلَّ إبن مسعود فأتاه عثمان يعوده فقال له: ما كلام بلغني عنك؟ قال: ذكرت الذي فعلته بي إنَّك أمرت بي فوطئ جوفي فلم أعقل صلاة الظهر ولا العصر ومنعتني عطائي. قال: فانِّي اقيدك من نفسي فافعل بي مثل الذي فعل بك. قال: ما كنت بالذي أفتح القصاص على الخلفاء. قال: فهذا عطاؤك فخذه، قال: منعتنيه وأنا محتاجٌ إليه. وتعطينيه وأنا غنيٌّ عنه، لا حاجة لي به. فانصرف فأقام ابن مسعود مغاضباً لعثمان حتّى توفّي. تاريخ اليعقوبي ٢: ١٤٧.

وأخرج محمَّد بن إسحاق بن محمّد بن كعب القرظي: انَّ عثمان ضرب ابن مسعود أربعين سوطاً في دفنه أبا ذر. شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٣٧.

وفي تاريخ الخميس ٢: ٢٦٨: حبس (عثمان) عبد الله بن مسعود وأبي ذر عطاءهما وأخرج أبا ذر إلى الربذة وكان بها إلى أن مات. وأوصى (عبد الله) إلى الزبير وأوصاه أن يصلّي عليه ولا يستأذن عثمان لئلّا يصلّي عليه، فلمّا دفن وصل عثمان ورثته بعطاء أبيهم خمس سنين.

وأجاب بأنّ عثمان كان مجتهداً ولم يكن من قصده حرمانه، إمّا التأخير إلى غاية أدباً، إمَّا مع حصول تلك الغاية أو دونها وصل به ورثته ولعلّه كان أنفع له.

وفي السيرة الحلبية ٢: ٨٧ من جملة ما انتُقم به على عثمان: انَّه حبس عبد الله ابن مسعود وهجره، وحبس عطاء اُبِّي بن كعب، وأشخص عبادة بن الصامت من الشام لمـّا شكاه معاوية، وضرب عمّار بن ياسر وكعب بن عبدة ضربه عشرين سوطاً ونفاه إلى بعض الجبال، وقال لعبد الرحمن بن عوف: إنَّك منافق. الخ.

قال الأميني؟ لعلّك لا تستكنه هذه الجرأة ولا تبلغ مداها حتّى تعلم أنَّ ابن مسعود مَن هو، فهنالك تؤمن بأنَّ ما فُعل به حوبٌ كبير لا يبرّر مَن ارتكب به أيّ عذر معقول فضلاً عن التافهات.

١ - أخرج مسلم وابن ماجة من طريق سعد بن أبي وقاص قال نزل قوله تعالى:

٦

ولا تطرد الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيِّ يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما مِن حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين « الأنعام ٥٢ » في ستة نفر منهم عبد الله بن مسعود.

راجع تفسير الطبري ٧: ١٢٨، المستدرك للحاكم ٣: ٣١٩، تاريخ ابن عساكر ٦: ١٠٠، تفسير القرطبى ١٦: ٤٣٢، ٤٣٣، تفسير ابن كثير ٢: ١٣٥، تفسير ابن جزي ٢: ١٠، تفسير الدر المنثور ٣: ١٣، تفسير الخازن ٢: ١٨، تفسير الشربيني ١: ٤٠٤، تفسير الشوكاني ٢: ١١٥.

٢ - أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣: ١٠٨ ط ليدن من طريق عبد الله بن مسعود نزول قوله تعالى: الذين استجابوا الله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتّقوا أجر عظيم « آل عمران ١٧٢ » في ثمانية عشر رجلاً هو أحدهم.

وذكر ابن كثير والخازن في تفسيرهما: إنّ ابن مسعود ممّن نزلت فيهم الآية.

٣ - ذكر الشربيني والخازن نزول قوله تعالى: أمّن هو قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة. في ابن مسعود وعمَّار وسلمان. يأتي تفصيله بُعيد هذا في ترجمة عمَّار.

٤ - عن عليّعليه‌السلام مرفوعاً: عبد الله يوم القيامة في الميزان أثقل من اُحد. وفي لفظ: والذي نفسي بيده لهما (يعني ساقي ابن مسعود) أثقل في الميزان من اُحد.

وفي لفظ: والذي نفسي بيده لساقا عبد الله يوم القيامة أشدُّ وأعظم من اُحد وحراء.

راجع مستدرك الحاكم ٣: ٣١٧، حلية الأولياء ١: ١٢٧، الاستيعاب ١: ٣٧١، صفة الصفوة ١: ١٥٧، تاريخ ابن كثير ٧: ١٦٣، الاصابة ٢: ٣٧٠، مجمع الزوائد للهيثمي ٩: ٢٨٩، وقال: أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجالهم رجال الصحيح غير امّ موسى وهي ثقة، ورواه من طريق البزّار والطبراني فقال: رجالهما رجال الصحيح. كنز العمّال ٦: ١٨٠، ١٨١، ج ٧: ٥٥ نقلاً عن الطبراني والضياء وإبن خزيمة وصحَّحه.

٥ - عن علقمة وعمر في حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سرَّه أن يقرأ القرآن

٧

غضّاً. أو: رطباً، كما اُنزل فليقرأه على قراءة ابن أمِّ عبد.

أخرجه أبو عبيد في فضائله. أحمد. الترمذي. النسائي. البخاري في تاريخه. إبن أبي خزيمة. إبن أبي داود. إبن الأنباري. عبد الرزاق. إبن حبان. الدارقطني إبن عساكر. أبو نعيم. الضياء المقدسي. البزّار. الطبراني. أبو يعلى. وغيرهم.

راجع سنن إبن ماجة ١: ٦٣، حلية الأولياء ١: ١٢٤، مستدرك الحاكم ٣: ٣١٨، الاستيعاب ١: ٣٧١، صفة الصفوة ١: ١٥٦، طرح التثريب ١: ٨٥، الاصابة ٢: ٣٦٩، مجمع الزوائد ٩: ٢٨٧، كنز العمّال ٦: ١٨١.

٦ - عن أبي الدرداء مرفوعاً في حديث: رضيت لاُمَّتي ما رضي الله لها وابن اُمِّ عبد، وسخطت لاُمّتي ما سخط الله لها وابن اُم عبد.

أخرجه البزار والطبراني ورجال البزّار ثقات كما قاله الهيثمي في مجمع الزوائد ٩: ٢٩٠، ورواه الحاكم في المستدرك ٣: ٣١٧، ٣١٨ وأبو عمر في الاستيعاب ١: ٣٧١ ويوجد في كنز العمّال ٦: ١٨١ و ج ٧: ٥٦.

٧ - عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : آذنك على أن ترفع الحجاب وتسمع سِوادي(١) حتّى أنهاك. قال ابن حجر: أخرجه أصحاب الصحاح.

مسند أحمد ١: ٣٨٨، سنن ابن ماجة ١: ٦٣، حلية الأولياء ١: ١٢٦، الاستيعاب ١: ٣٧١، تاريخ ابن كثير ٧: ١٦٢، الاصابة ٢: ٣٦٩.

٨ - أخرج الترمذي من طريق عبد الله في حديث قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تمسّكوا بعهد إبن اُم عبد.

وفي لفظ أحمد: تمسّكوا بعهد عمّار، وما حدَّثكم إبن مسعود فصدِّقوه.

راجع مسند أحمد ٥: ٣٨٥، حلية الأولياء ١: ١٢٨، تاريخ ابن كثير ٢: ١٦٢، الاصابة ٢: ٣٦٩، كنز العمّال ٧: ٥٥.

٩ - سُئل عليٌّ (أمير المؤمنين) عن ابن مسعود قال: علم القرآن وعلم السنّة ثمَّ انتهى وكفى به علماً.

____________________

١ - كذا فى جميع المصادر والسواد بالكسر: السرار. يقال: ساودت الرجل اى ساورته. وحسبه ناشر حلية الاولياء غلطا فجعله فى المتن « سرارى » وقال فى التعليق: فى الاصلين: سوادى.

٨

راجع حلية الأولياء لأبي نعيم ١: ١٢٩، المستدرك للحاكم ٣: ٣١٨، الاستيعاب ١: ٣٧٣، صفة الصفوة ١: ١٥٧.

١٠ - أخرج الحاكم في المستدرك ٣: ٣١٥ من طريق حبة العرني قال: إنَّ ناساً أتوا عليّاً فأثنوا على عبد الله بن مسعود فقال: أقول فيه مثل ما قالوا وأفضل: من قرأ القرآن وأحلَّ حلاله، وحرَّم حرامه، فقيهٌ في الدين، عالمٌ بالسنّة.

١١ - أخرج الترمذي باسناد رجاله ثقاتٌ من طريق حذيفة بن اليمان: إنَّ أشبه الناس هدياً ودلّاً وسمتاً بمحمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله.

وفي لفظ البخاري: ما أعرف أحداً أقرب سمتاً وهدياً ودلّاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من إبن اُم عبد، وزاد الترمذي: ولقد علم المحفوظون من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّ إبن ام عبد أقربهم إلى الله زلفى. وفي لفظ أبي نعيم: انّه من أقربهم وسيلة يوم القيمة. وفي لفظ أبي عمر: سمع حذيفة يحلف بالله ما أعلم أحداً أشبه دلّا وهدياً برسول الله من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه من عبد الله بن مسعود، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّه من أقربهم وسيلة إلى الله يوم القيامة.

وفي لفظ علقمة: كان يشبّه بالنبيِّ في هديه ودلّه وسمته.

راجع صحيح البخاري كتاب المناقب. مسند أحمد ٥: ٣٨٩، المستدرك ٣: ٣١٥، ٣٢٠ حلية الاولياء ١: ١٢٦، ١٢٧، الاستيعاب ١: ٣٧٢، مصابيح السنَّة ٢: ٢٨٣، صفة الصفوة ١: ١٥٦، ١٥٨، تاريخ ابن كثير ٢: ١٦٢، تيسير الوصول ٣: ٢٩٧ الاصابة ٢: ٣٦٩، كنز العمّال ٧: ٥٥.

١٢ - أخرج الشيخان والترمذي عن أبي موسى قال: قدمت أنا وأخي من اليمن وما نرى ابن مسعود إلّا أنّه رجلٌ من أهل بيت النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نرى من دخوله و دخول اُمِّه على النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

راجع المستدرك للحاكم ٣: ٣١٤، مصابيح السنَّة: ٢: ٢٨٤، تيسير الوصول ٣: ٢٧٩ نقلاً عن الشيخين والترمذي، تاريخ ابن كثير ٧: ١٦٢، مرآة الجنان لليافعى ١: ٨٧، الاصابة ٨: ٣٦٩ قال: عند البخاري في التاريخ بسند صحيح.

١٣ - أخرج أحمد في مسنده ٤: ٢٠٣ من طريق عمرو بن العاصي قال: مات

٩

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يحبُّ عبد الله بن مسعود وعمّار بن ياسر.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٩: ٢٩٠ بلفظ: مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو راض عنه. حكاه عن أحمد والطبراني فقال. رجال أحمد رجال الصحيح، وأخرجه ابن عساكر من طريق عثمان بن أبي العاص الثقفي كما في كنز العمّال: ٧: ٥٦.

١٤ - أخرج البخاري من طريق عبد الله بن مسعود قال: أخذت من في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعين سورة وإنَّ زيد بن ثابت لصبيٌّ من الصبيان. وفي لفظ: أحكمتها قبل أن يسلم زيد بن ثابت وله ذؤابة يلعب مع الغلمان. وفي لفظ: ما ينازعني فيها أحد.

حلية الأولياء ١: ١٢٥، والاستيعاب ١: ٣٧٣، تهذيب التهذيب ٦: ٢٨ وصحَّحه كنز العمّال ٧: ٥٦ نقلاً عن ابن أبي داود.

١٥ - أخرج البغوي من طريق تميم بن حرام(١) قال: جالست أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما رأيت أحداً أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أحبُّ إليَّ أن أكون في صلاحه من إبن مسعود، الاصابة لإبن حجر ٢: ٣٧٠.

وأخرجه البخاري في تاريخه ١ قسم ٢ ص ١٥٢ ولفظه: أدركت أبي بكر وعمر وأصحاب محمَّد عليهم السَّلام فما رأيت أحداً. الخ.

١٦ - عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: كان عبد الله صاحبِ سواد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعني سرِّه.

وعن أبي الدرداء: ألم يكن فيكم صاحب السواد عبد الله؟.

وعن عبد الله بن شدّاد: إنَّ عبد الله كان صاحب السِواد والوساد والسواك والنعلين(٢) .

راجع طبقات ابن سعد ٣: ١٠٨، حلية الأولياء ١: ١٢٦، الاستيعاب ١: ٣٧١، صفة الصفوة ١: ١٥٦، طرح التثريب ١: ٧٥.

١٧ - عن أبي وائل قال إبن مسعود: إنِّي لأعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم و

____________________

١ - فى تاريخ البخارى: حذلم.

٢ - كان يلزم رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ ويحمل نعليه. قاله ابن حجر فى تهذيب التهذيب ٦: ٢٨.

١٠

ما في كتاب الله سورة ولا آية إلّا وأنا أعلم فيم اُنزلت ومتى نزلت. قال أبو وائل: فما سمعت أحداً أنكر ذلك عليه.

أخرجه الشيخان والنسائي كما في تيسير الوصول ٣: ٢٧٩، وأبو عمر في الاستيعاب ١: ٣٧٢، وذكره اليافعي في مرآته ١: ٨٧.

هذا ابن مسعود

وهذا علمه وهديه وسمته وصلاحه وزلفته إلى نبيِّ العظمةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أضف إلى ذلك كلّه سابقته في الإسلام وهو سادس ستة، وهجرته إلى الحبشة ثمَّ إلى المدينة، وشهوده بدراً ومشاهد النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّها، وهو أحد العشرة المبشَّرة بالجنَّة كما في رواية أبي عمر في الإستيعاب، ولعلّك لا تشكُّ بعد سيرك الحثيث في غضون السيرة والتاريخ في أنَّه لم يكن له دؤب إلّا على نشر علم القرآن وسنَّة الرسول وتعليم الجاهل، وتنبيه الغافل، وتثبيت القلوب، وشدِّ أزر الدين، في كلّ ذلك هو شبيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هديه و سمته ودلِّه، فلا تجد فيه مغمزاً لغامز، ولا محلاًّ للمز لامز، وقد بعثه عمر إلى الكوفة ليعلّمهم اُمور دينهم، وبعث عمّاراً أميراً وكتب إليهم: إنَّهما من النجباء من أصحاب محمَّد من أهل بدر، فاقتدوا بهما واسمعوا من قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي(١) وقد سمعت ثناء أهل الكوفة عليه بقولهم: جُزيت خيراً، فلقد علّمت جاهلنا وثبَّتَ عالمنا، وأقرأتنا القرآن، وفقَّهتنا في الدين، فنعم أخو الإسلام أنت ونعم الخليل.

كان إبن مسعود أوَّل من جهر بالقرآن بمكّة، إجتمع يوماً أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قطّ، فمن رجلٌ يسمعهموه؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا. قالوا: إنّا نخشاهم عليك، إنَّما نريد رجلاً له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني فإنَّ الله سيمنعني، قال: فغدا ابن مسعود حتّى أتى المقام في الضحى، وقريشٌ في أنديتها، حتّى قام عند المقام ثمَّ قرأ: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم. رافعاً بها صوته. ألرحمن علّم القرآن. قال: ثمَّ استقبلها يقرؤها. قال: وتأمَّلوه، فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن اُم عبد؟ قال: ثمَّ قالوا: إنَّه ليتلو بعض ما جاء به محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقاموا إليه، فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتّى بلغ منها ما شاء

____________________

١ - الاستيعاب ١: ٣٧٣، ج ٢ ٤٣٦، الاصابة ٢: ٣٦٩.

١١

الله أن يبلغ، ثمَّ انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله أهون عليَّ منهم الآن. ولئن شئتم لاُغادينَّهم بمثلها غداً، قالوا: لا، حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون(١) .

وقد هذَّبته تلكم الأحوال وكهربته، فلم يُسق لمغضبة على باطل، ولم يحده طيشٌ إلى غاية، فهو إن قال فعن هُدى، وإن حدَّث فعن الصادع الكريم صدقاً، وإن جال ففي مستوى الحقّ، وإن صال فعلى الضلالة، وعرفه بذلك مَن عرفه من أوّل يومه، وكان معظماً مبجَّلاً لدى الصحابة وكانوا يحذرون خلافه والردَّ عليه ويعدُّونه حوباً قال أبو وائل: إنَّ ابن مسعود رأى رجلاً قد أسبل إزاره فقال: ارفع إزارك. فقال: و أنت يا ابن مسعود! فارفع إزارك. فقال: إنِّي لست مثلك إنَّ بساقي حموشة وأنا آدم الناس فبلغ ذلك عمر فضرب الرجل ويقول: أتردّ على ابن مسعود؟(٢) .

وأخرج أبو عمر بن الاستيعاب ١: ٣٧٢ بالاسناد عن علقمة قال: جاء رجلٌ إلى عمر وهو بعرفات فقال: جئتك من الكوفة وتركت بها رجلاً يحكي المصحف عن ظهر قلبه فغضب عمر غضباً شديداً وقال: ويحك ومن هو؟ قال عبد الله بن مسعود. قال: فذهب عنه ذلك الغضب وسكن وعاد إلى حاله وقال: والله ما أعلم من النّاس أحداً هو أحقُّ بذلك منه.

فلماذا يحرم هذا البدريّ العظيم عطاؤه سنين؟ ثمَّ يأتيه مَن سامه سوء العذاب وقد خالجه الندم ولات حين مَندم متظاهراً بالصلة فلا يقبلها ابن مسعود وهو في منصرم عمره، ويسأل ربّه أن يأخذ له منه بحقِّه، ثمَّ يتوجَّه إلى النعيم الخالد مُعرضاً عن الحطام الزائل، موصياً بأن لا يصلّي عليه من نال منه ذلك النيل الفجيع.

لماذا فُعل به هذا؟ ولماذا شُتم على رؤس الاشهاد؟ ولماذا اُخرج من مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مُهاناً عنفاً، ولماذا ضُرب به الأرض فدُقَّت أضالعه؟ ولما بطشوا به بطش الجبّارين؟.

كلّ ذلك لأنَّه امتنع عن أن يبيح للوليد بن عقبة الخالع الماجن من بيت مال

____________________

١ - سيرة ابن هشام ١: ٣٣٧.

٢ - الاصابة ٢: ٣٧٠، كنز العمّال: ٥٥.

١٢

الكوفة يوم كان عليه ما اُمر به، فألقى مفاتيح بيت المال لمالم يجد من الكتاب والسنَّة وهو العليم بهما مساغاً لهاتيك الإباحة ولا لأثرة الآمر بها، وعلم أنَّها سوف تتبعها من الأعطيات التي لا يقرّها كتاب ولا سنَّة، فتسلّل عن عمله وتنصّل، وما راقه أن يبوء بذلك الإثم، فلهج بما علم، وأبدى معاذيره في إلقاء المفاتيح، فغاض تلكم الأحوال داعية الشهوات، وشاخص الهوى الوليد بن عقبة، فكتب في حقّه ونمَّ وسعي، فكان من ولائد ذلك أن ارتكب من ابن مسعود ما عرفت، ولم تمنع عن ذلك سوابقه في الإسلام وفضائله وفواضله وعلمه وهديه وورعه ومعاذيره وحججه، فضلاً على أن يُشكر على ذلك كلّه، فأوجب نقمة الصحابة على مَن نال ذلك منه، وإنكار مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام وصيحة اُمّ المؤمنين في خدرها، ولم تزل البغضاء محتدمة على هذه وأمثالها حتّى كان في مغبَّة الأمر ما لم يحمده خليفة الوقت وزبانيته الذين جرَّوا إليه الويلات.

ولو ضرب المسيطر على الأمر صفحاً عن الفظاظة في الإنتقام، أو أعار لنصح صلحاء الاُمَّة اُذناً واعية، أولم يستبدل بجراثيم الفتن عن محنّكي الرجال، أولم ينبذ كتاب الله وسنَّة نبيّه وراء ظهره، لما استقبله ما جرى عليه وعلى من اكتنفه من الوأد والهوان لكنَّه لم يفعل ففعلوا، ولمحكمة العدل الآلهيِّ غداً حكمها البات.

ولابن مسعود عند القوم مظلمةٌ اُخرى وهي جلده أربعين سوطاً في موقف آخر، لماذا كان ذلك؟ لأنَّه دفن أبا ذر لمـّا حضر موته في حجَّته. وجد بالربذة في ذلك الوادي القفر الوعر ميتاً كان في الغارب والسنام من العلم والإيمان.

وجد صحابيّاً عظيماً كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقرّبه ويُدنيه قد فارق الدنيا.

وجد عالماً من علماء المسلمين قد غادرته الحياة.

وجد مثالاً للقداسة والتقوى، فتمثَّل أمام عينيه تلك الصورة المكبَّرة التي كان يشاهدها على العهد النبويِّ.

وجد شبيه عيسى بن مريم في الاُمَّة المرحومة هدياً وسمتاً ونُسكاً وزُهداً وخُلقاً، طرده خليفة الوقت عن عاصمة الإسلام.

وجد عزيزاً من أعزّاء الصحابة على الله ورسوله وعلى المؤمنين قد أودى على مستوى الهوان في قاعة المنفى مظلوماً مضطهداً.

١٣

وجد في قارعة الطريق جثمان طيِّب طاهر غريب وحيد نازح عن الأوطان تصهره الشمس، وتسفي عليه الرياح، وذكر قول رسول الله: رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده، ويحشر وحده.

فلم يدع العلم والدين ابن مسعود ومن معه من المؤمنين أن يمرُّوا على ذلك المنظر الفجيع دون أن يمتثلوا حكم الشريعة بتعجيل دفن جثمان كلِّ مسلم فضلاً عن أبي ذر الذي بشَّر بدفنه صلحاء المؤمنين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنهضوا بالواجب فأودعوه في مقرِّه الأخير والعيون عبرى، والقلوب واجدة على ما ارتكب من هذا الإنسان المبجّل، فلمّا هبطوا يثرب نقم على ابن مسعود من نقم على أبي ذر، فحسب ذلك الواجب الذي ناء به ابن مسعود حوباً كبيراً، حتّى صدر الأمر بجلده أربعين سوطاً، وذلك أمرٌ لا يُفعل بمن دفن زنديقاً لطمّ جيفته فضلاً عن مسلم لم يبلغ مبلغ أبي ذر من العظمة والعلم والتقوى والزلفة، فكيف بمثل أبي ذر وعاء العلم، وموئل التقوى، ومنبثق الايمان، وللعداء مفعولٌ قد يبلغ أكثر من هذا.

أيّ خليفة هذا لم يُراع حرمةً ولا كرامة لصلحاء الاُمَّة وعظماء الصحابة من البدريِّين الذين نزل فيهم القرآن، وأثنى عليهم النبيُّ العظيم؟ وقد جاء في مجرمٍ بدريّ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا قال عمر: إئذن لي يا رسول الله فأضرب عنقه: مهلاً يا ابن الخطّاب إنَّه قد شهد بدراً، وما يدريك لعلَّ الله قد اطَّلع على أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم فانِّي غافرٌ لكم(١) واختلق القوم حديثاً لإدخال عثمان في زمرتهم لفضلهم المتسالم عليه عند الاُمَّة جمعاء، كأنَّ الرجل آلى على نفسه أن يُطلَّ على الاُمَّة الداعية إلى الخير، الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، بالذلِّ والهوان، ويُسرَّ بذلك سماسرة الأهواء من بني أبيه، فطفق بمراده، والله من ورائهم حسيب.

والمدافع إن أعوزته المعاذير تشبَّث بالطحلب فقال:(٢) حداه إلى ذلك الإجتهاد.

ذلك العذر العام المصحّح للأباطيل، والمبرِّر للشنايع، والوسيلة المتَّخذة لإغراء

____________________

١ - أحكام القرآن ٣: ٥٣٥.

٢ - راجع التمهيد للباقلانى ص ٢٢١، الرياض النضرة ٢٦ ١٤٥، الصواعق ص ٦٨، تاريخ الخميس ٢: ٢٦٨.

١٤

بسطاء الاُمَّة، وذلك قولهم بأفواهم، وانَّ ربَّك يعلم ما تكنُّ صدورهم وما يعلنون، وإنَّ الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.

٤٢

مواقف الخليفة مع عمّار

١ - أخرج البلاذري في الأنساب ٥: ٤٨ بالاسناد من طريق أبي مخنف قال: كان في بيت المال بالمدينة سفطٌ فيه حليٌّ وجوهر، فأخذ منه عثمان ما حلّي به بعض أهله فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلّموه فيه بكلام شديد حتى أغضبوه فخطب فقال: لنأخذنَّ حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت اُنوف أقوام: فقال له عليٌّ: إذاً تُمنع من ذلك ويُحال بينك وبينه. وقال عمّار بن ياسر: اُشهد الله إنَّ أنفي أوَّل راغم من ذلك. فقال عثمان: أعليَّ يا ابن المتكاء(١) تجترئ؟ خذوه، فاُخذ ودخل عثمان ودعا به فضربه حتى غُشي عليه ثمَّ اُخرج فحمل حتى اُتي به منزل اُمّ سلمة زوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يصلِّ الظهر والعصر والمغرب فلمّا أفاق توضّأ وصلّى وقال: ألحمد لله ليس هذا أوَّل يوم اُوذينا فيه في الله، وقام هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكان عمّار حليفاً لبني مخزوم فقال: يا عثمان أمّا عليّ فاتَّقيته وبني أبيه، وأمّا نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا حتّى أشفيتَ به على التلف، أما والله لئن مات لأقتلنَّ به رجلاً من بني اميَّة عظيم السُرَّة، فقال عثمان: وإنَّك لهاهنا يا ابن القسريَّة؟ قال: فإنَّهما قسريَّتان وكانت اُمّه وجدَّته قسريَّتين من بجيلة، فشتمه عثمان وأمر به فاُخرج، فأتى اُمَّ سلمة فاذا هي قد غضبت لعمّار، وبلغ عائشة ما صنع بعمّار فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثوباً من ثيابه ونعلاً من نعاله ثمَّ قالت: ما أسرع ما تركتم سنّة نبيِّكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبلَ بعدُ. فغضب عثمان غضباً شديداً حتّى ما درى ما يقول فالتجَّ المسجد وقال الناس: سبحان الله، سبحان الله. وكان عمرو بن العاص واجداً على عثمان لعزله إيّاه عن مصر وتوليته إيّاها عبد الله بن سعد بن أبي سرح فجعل يُكثر التعجب والتسبيح.

وبلغ عثمان مصير هشام بن الوليد ومن مشى معه من بني مخزوم إلى اُمِّ سلمة وغضبها لعمّار فأرسل إليها: ما هذا الجمع؟ فأرسلت إليه دع ذا عنك يا عثمان! ولا

____________________

١ - المتكاء: البظراء. المفضاة. التى لا تمسك البول. العظيمة البطن.

١٥

تحمل الناس في أمرك على ما يكرهون. واستقبح الناس فعله بعمّار وشاع فيهم فاشتدَّ إنكارهم له.

وفي لفظ الزهري كما في أنساب البلاذري ص ٨٨: كان في الخزائن سفطٌ فيه حليٌّ وأخذ منه عثمان فحلّى به بعض أهله فأظهروا عند ذلك الطعن عليه وبلغه ذلك فخطب فقال: هذا مال الله اُعطيه مَن شئت وأمنعه مَن شئت فأرغم الله أنف من رغم فقال عمّار: أنا والله أوَّل من رغم أنفه من ذلك. فقال عثمان: لقد اجترأت عليَّ يا ابن سميَّة؟! و ضربه حتّى غشي عليه فقال عمّار: ما هذا بأوَّل ما اوذيت في الله. وأطلعت عائشة شعراً من رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونعله وثياباً من ثيابه - فيما يحسب وهب - ثمَّ قالت: ما أسرع ما تركتم سنَّة نبيِّكم. وقال عمرو بن العاص: هذا منبر نبيِّكم وهذه ثيابه وهذا شعره لم يبلَ فيكم وقد بدَّلتم وغيَّرتم. فغضب عثمان حتّى لم يدر ما يقول.

٢ - قال البلاذري في الأنساب ٥: ٤٩ إنَّ المقداد بن عمرو وعمّار بن ياسر وطلحة والزبير في عدَّة من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتبوا كتاباً عدَّدوا فيه أحداث عثمان و خوَّفوه ربَّه وأعلموه أنَّهم مواثبوه إن لم يُقلع فأخذ عمّار الكتاب وأتاه به فقرأ صدراً منه فقال له عثمان: أعليَّ تقدم مِن بينهم؟ فقال عمّار: لأنّي أنصحهم لك. فقال: كذبت يا ابن سميَّة! فقال: أنا والله ابن سميَّة وابن ياسر. فأمر غلمانه فمدّوا بيديه ورجليه ثمَّ ضربه عثمان برجليه وهي في الخفين على مذاكيره فأصابه الفتق، وكان ضعيفاً كبيراً فغُشي عليه.

وذكره ابن أبي الحديد في الشرح ١: ٢٣٩ نقلاً عن الشريف المرتضى من دون غمز فيه.

وقال أبو عمر في الاستيعاب ٢: ٤٢٢: وللحلف والولاء الذين بين بني مخزوم وبين عمّار وأبيه ياسر كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمّار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب حتى انفتق له فتق في بطنه ورغموا وكسروا ضلعاً من أضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات لقتلنا به أحداً غير عثمان.

صورة مفّصلة

قال ابن قتيبة: ذكروا انَّه اجتمع ناسٌ من أصحاب رسول اللهعليه‌السلام كتبوا كتاباً

_١_

١٦

ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سُنَّة رسول الله وسنَّة صاحبيه.

٢ - وما كان من هبته خمس أفريقية لمروان وفيه حقُّ الله ورسوله، ومنهم ذوو القربى واليتامى والمساكين.

٣ - وما كان من تطاوله في البنيان حتى عدّوا سبع دور بناها بالمدينة داراً لنائلة وداراً لعائشة وغيرهما من أهله وبناته.

٤ - وبنيان مروان القصور بذي خشب وعمارة الأموال بها من الخمس الواجب لِلَّه ولرسوله.

٥ - وما كان من إفشائه العمل والولايات في أهله وبني عمّه من بني اميَّة من أحداث وغلمة لا صحبة لهم من الرَّسول ولا تجربة لهم بالامور.

٦ - وما كان من الوليد بن عقبة بالكوفة إذ صلّى بهم الصبح وهو أميرٌ عليها سكران أربعة ركعات ثمَّ قال لهم: إن شئتم أن أزيدكم ركعة زدتكم.

٧ - وتعطيله إقامة الحدِّ عليه وتأخيره ذلك عنه.

٨ - وتركه المهاجرين والأنصار لا يستعملهم على شيء ولا يستشيرهم واستغنى برأيه عن رأيهم.

٩ - وما كان من الحمى الذي حمى حول المدينة.

١٠ - وما كان من إدراره القطائع والأرزاق والاعطيات على أقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النبيِّعليه‌السلام ثمَّ لا يغزون ولا يذبّون.

١١ - وما كان من مجاوزته الخيزران إلى السوط، وانَّه أوَّل من ضرب بالسياط ظهور الناس، وإنَّما كان ضرب الخليفتين قبله بالدِرَّة والخيزران.

ثمَّ تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يد عثمان وكان ممَّن حضر الكتاب عمّار بن ياسر والمقداد بن الأسود وكانوا عشرة، فلمّا خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان والكتاب في يد عمّار جعلوا يتسلّلون عن عمّار حتى بقي وحده فمضى حتى جاء دار عثمان فاستأذن عليه فأذن له في يوم شات فدخل عليه وعنده مروان بن الحكَم وأهله من بني اُميَّة فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم. قال: ومَن كان معك؟ قال: معي نفرٌ تفرَّقوا فرَقاً منك. قال: ومن هم؟ قال: اُخبرك بهم. قال: فلمَ

١٧

اجترأت عليَّ من بينهم؟ فقال مروان: يا أمير المؤمنين! إنَّ هذا العبد الأسود (يعني عمّاراً) قد جرَّأ عليك الناس وإنَّك إنْ قتلته نَكلتَ بهِ مَن وراءه. قال عُثمان: إضربوه. فضربوه وضربه عثمان معهم حتّى فتقوا بطنه فغشي عليه فجرُّوه حتى طرحوه على باب الدار، فأمرت به اُمّ سلمة زوج النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاُدخل منزلها وغضب فيه بنو المغيرة وكان حليفهم، فلمّا خرج عثمان لصلاة الظهر عرض له هشام بن الوليد بن المغيرة فقال: أما والله لئن مات عمّار من ضربه هذا لأقتلنَّ به رجلاً عظيماً من بني اُميَّة فقال عثمان: لست هناك. قال: ثمَّ خرج عثمان إلى المسجد فإذا هو بعليّ وهو شاك معصوب الرأس فقال عثمان: والله يا أبا الحسن! ما أدري أشتهي موتك أم أشتهي حياتك؟ فوالله لئن متّ ما اُحبُّ أن أبقى بعدك لغيرك، لأنِّي لا أجد منك خَلفا ولئن بقيت لا أعدم طاغياً يتَّخذك سُلّماً وعضداً ويعدّك كهفاً وملجأ، لا يمنعني منه إلّا مكانه منك ومكانك منه، فأنا منك كالابن العاق من أبيه إن مات فجعه وإن عاش عقَّه، فإمّا سِلمٌ فنسالم وإمّا حربٌ فنحارب، فلا تجعلني بين السَّماء والأرض. فإنَّك والله إن قتلتني لا تجد منِّي خلفاً، ولئن قتلتك لا أجد منك خلفاً، ولن يلي أمر هذه الاُمَّة بادئ فتنة. فقال عليٌّ: إنَّ فيما تكلّمت به لجواباً ولكني عن جوابك مشغولٌ بوجعي فأنا أقول كما قال العبد الصالح: فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون. قال مروان: إنّا والله إذاً لنكسرن رماحنا ولنقطعن سيوفنا ولا يكون في هذا الأمر خيرٌ لمن بعدنا، فقال له عثمان: اسكت، ما أنت وهذا؟. الامامة والسياسة ١ ص ٢٩.

وذكره مختصراً ابن عبد ربِّه في العقد الفريد ٢: ٢٧٢ نقلاً عن أبي بكر بن أبي شيبة من طريق الأعمش قال: كتب أصحاب عثمان عيبه وما ينقم الناس عليه في صحيفة فقالوا: من يذهب بها إليه؟ قال عمّار: أنا. فذهب بها إليه فلمّا قرأها قال: أرغم الله أنفك قال: وبأنف أبي بكر وعمر قال: فقام إليه فوطئه حتى غشي عليه ثمَّ ندم عثمان وبعث إليه طلحة والزبير يقولان له: إختر إحدى ثلاث: إمّا أن تعفو، وإمّا أن تأخذ الأرش، وإمّا أن تقتصَّ، فقال: والله لا قبلت واحدةً منها حتّى ألقى الله.

٣ - قال البلاذري في الأنساب ٥: ٥٤: وقد روي أيضاً: انَّه لمـّا بلغ عثمان موت أبي ذر بالربذة قال: رحمه الله. فقال عمّار بن ياسر: نعم فرحمه الله من كلِّ أنفسنا. فقال

١٨

عثمان: يا عاضَّ أير أبيه أتراني ندمت على تسييره؟ وأمر فدفع في قفاه وقال: ألحق بمكانه فلمّا تهيَّأ للخروج جاءت بنو مخزوم إلى عليّ فسألوه أن يُكلّم عثمان فيه فقال له عليّ: يا عثمان! إتَّق الله فإنَّك سيّرت رجلاً(١) صالحاً من المسلمين فهلك في تسييرك، ثمَّ أنت الآن تريد أن تنفي نظيره، وجرى بينهما كلامٌ حتى قال عثمان: أنت أحقُّ بالنفي منه فقال عليٌّ: رُم ذلك إن شئت. واجتمع المهاجرون فقالوا: إن كنت كلّما كلّمك رجلٌ سيِّرته ونفيته فانَّ هذا شيءٌ لا يسوغ. فكفَّ عن عمّار.

وفي لفظ اليعقوبي: لمـّا بلغ عثمان وفاة أبي ذر قال: رحم الله أبا ذر. قال عمّار: نعم رحم الله أبا ذر من كلِّ أنفسنا. فغلظ ذلك على عثمان وبلغ عثمان عن عمّار كلام فأراد أن يسيِّره أيضاً، فاجتمعت بنو مخزوم إلى عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام وسألوه إعانتهم فقال عليٌّ: لا ندع عثمان ورأيه. فجلس عمّار في بيته، وبلغ عثمان ما تكلّمت بنو مخزوم فأمسك عنه. تاريخ اليعقوبي ٢: ١٥٠.

٤ - قال البلاذري في الأنساب ٥: ٤٩: إنَّ عثمان مرَّ بقبر جديد فسأل عنه فقيل: قبر عبد الله بن مسعود فغضب على عمّار لكتمانه إيّاه موته إذ كان المتولِّي للصَّلاة عليه والقيام بشأنه فعندها وطىء عمّاراً حتّى أصابه الفتق.

وذكره ابن أبي الحديد في شرحه ١: ٢٣٩ نقلاً عن الشريف المرتضى من دون غمز فيه.

وفي لفظ اليعقوبي: توفّي « ابن مسعود » وصلّى عليه عمّار بن ياسر وكان عثمان غائباً فستر أمره فلمّا انصرف رأى عثمان القبر فقال: قبر مَن هذا؟ فقيل: قبر عبد الله ابن مسعود، قال: فكيف دُفن قبل أن أعلم؟ فقالوا: ولي أمره عمَّار بن ياسر وذكر انَّه أوصى أن لا يُخبر به ولم يلبث إلّا يسيراً حتّى مات المقداد(٢) فصلّى عليه عمّار وكان أوصى إليه ولم يؤذن عثمان به فاشتدَّ غضب عثمان على عمّار وقال: ويلي على ابن السوداء أما لقد كنت به عليماً. تاريخ اليعقوبي ٢: ١٤٧.

وفي طبقات ابن سعد ٣: ١٨٥ ط ليدن: إنَّ عقبة بن عامر هو الذي قتل عمّاراً

____________________

١ - يعنى سيدنا ابا ذر الغفارى.

٢ - اتفقوا على انّه مات سنة ثلاث وثلاثين، وتوفى ابن مسعود قبله بسنة او اقل او اكثر.

١٩

وهو الذي كان ضربه حين أمره عثمان ابن عفّان.

قال الأميني: هذه أفاعيل الخليفة في رجل نزل فيه القرآن شهيداً على طمأنينته بالايمان والرضا بقنوته آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة، في رجل هو أوّل مسلم إتَّخذ مسجداً في بيته يتعبَّد فيه(١) في رجل تضافر الثناء عليه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشفوعاً بالنهي المؤكّد عن بغضه ومعاداته وسبّه وتحقيره وانتقاصه بألفاظ ستقف عليها إنشاء الله تعالى. وقد أكبرته الصحابة الأوَّلون ونقمت على من آذاه وأغضبه وأبغضه، وفُعل به كلّ تلكم المناهي ولم يؤثر عن عمّار إلّا الرضا بما يُرضي الله ورسوله والغضب لهما والهتاف بالحقِّ والتجهُّم أمام الباطل رضي الناس أم غضبوا، ولم يزل على ذلك كلّه منذ بدء أمره الذي اوذي فيه هو وأبواه، فكان مرضيّاً عند الله ايمانهم وخضوعهم وبعين الله ما قاسوه من المحن فعاد ذكرهم ورداً لنبيِّ الاسلام فلم يزل يلهج بهم ويدعو لهم ويقول:

اصبروا آل ياسر! موعدكم الجنَّة. من طريق عثمان بن عفان(٢) .

ويقول: ابشروا آل ياسر! موعدكم الجنَّة. من طريق جابر(٣) .

ويقول: أللهمَّ اغفر لآل ياسر وقد فعلت. رواه عثمان أيضاً(٤) .

وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمّار وبأبيه واُمِّه - وكانوا أهل بيت اسلام - اذا حميت الظهيرة يعذِّبونهم برمضاء مكّة فيمرّ بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول: صبراً آل ياسر! موعدكم الجنَّة. صبراً آل ياسر! فإنَّ مصيركم إلى الجنَّة(٥) .

نعم: كان عمّارا هكذا عند مفتتح حياته الدينيَّة إلى منصرم عمره الذي قتلته فيه

____________________

١ - طبقات ابن سعد ٣: ١٧٨ ط ليدن، وذكره ابن كثير فى تاريخه ٧: ٣١١.

٢ - أخرجه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد ٩: ٢٩٣ فقال: رجاله ثقات، وأخرجه الطبرانى عن عمّار، والبغوى وابن مندة والخطيب وأحمد وابن عساكر عن عثمان كما فى كنز العمال ٦: ١٨٥.

٣ - مجمع الزوائد نقلا عن الطبرانى ٩: ٢٩٣ فقال: رجاله رجال الصحيح غير ابراهيم وهو ثقة.

٤ - مسند احمد ١: ٦٢، مجمع الزوائد ٩: ٢٩٣ فقال: رجاله رجال الصحيح. واخرجه البيهقى والبغوى والعقيلى والحاكم فى الكنى وابن الجوزى وابن عساكر كما فى كنز العمال ٧: ٧٢.

٥ - سيرة ابن هشام ١: ٣٤٢، حلية الاولياء ١: ١٤٠، طرح التثريب ١: ٨٧، واخرجه الحارث والضياء والحاكم والطيالسى والبغوى وابن مندة وابن عساكر كما فى كنز العمال ٧: ٧٢.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

فيها أيّ لبس أو غموض.

البيعة للإمام:

وعقد المأمون لبيعة الإمام الرضاعليه‌السلام مهرجاناً شعبياً عاماً خضرته الوزراء، وكبار رجال الدولة، وقادة القوات المسلحة وبقيّة أبناء الشعب، وفي طليعتهم العلويون والعباسيون، وكان ذلك في يوم الثلاثاء في اليوم الثاني من شهر رمضان المبارك(1) سنة (201 ه‍)(2) .

وجلس المأمون على دست الخلافة، ووضع للإمام الرضاعليه‌السلام وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلس المأمون، وعليه عمامة، وقد تقلّد سيفاً، وأمر المأمون ولده العباس أن يبايع للإمام فكان أوّل مَن بايعه(3) ثم بايعه الناس.

كيفية البيعة:

أمّا كيفية بيعة الناس للإمامعليه‌السلام فكانت فريدة لم يألفها ملوك الأمويين والعباسيين، فقد رفععليه‌السلام يده، وتلقّى بظهرها وجهه الشريف،

وباطنها وجوه المبايعين، وبهر المأمون من ذلك، وراح يقول للإمام:

(ابسط يدك للبيعة...).

فأجابهعليه‌السلام :

(إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا كان يبايع)(4) ولعلّ ذلك يستند إلى

قوله تعالى:( يد الله فوق أيديهم ) فلا يصح أن تكون يد المبايع فوق يد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو فوق يد الإمامعليه‌السلام .

الإمام يخبر بعدم تمامية هذا الأمر:

ولـمّا جلس الإمام الرضاعليه‌السلام ذلك المجلس، وقد لبس الخلع، والخطباء والشعراء يشيدون بفضله، ويدعون الناس إلى مبايعته نظرعليه‌السلام

إلى بعض مواليه، وقد داخله السرور، وعمّته الأفراح، فأشار إليه فأسرع نحوه فأسرّ إليه قائلاً:

____________________

(1) عيون التواريخ 3 / ورقة 221.

(2) سر السلسلة العلوية (ص 38) مرآة الزمان 6 / ورقة 40 تأريخ القضاعي.

(3) البحار.

(4) مقاتل الطالبيين.

٢٨١

(لا تشعل قلبك بشيء ممّا ترى من هذا الأمر، ولا تستبشر فإنه لا يتم)(1)، وتحقّق ما أخبر به الإمامعليه‌السلام فإنّه لم تتم هذه البيعة للإمام، وخاس المأمون بعهده ووعده، فغدر بالإمام ودسّ إليه سمّاً فاغتاله.

خطبة المأمون:

ولـمّا انتهت مراسيم البيعة قام المأمون فاعتلى المنبر، وخطب الناس فقال في جملة خطابه:

(أيّها الناس جاءتكم بيعة علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، والله لو قرأت هذه الأسماء على الصم البكم لبرأوا بإذن الله عزّ وجل)(2) .

خطبة الإمام الرضا:

ولـمّا تمّت البيعة للإمام الرضاعليه‌السلام ، وطلب منه المأمون أن يعتلي المنبر، ويخطب الناس، فصعد المنبر وقال بعد حمد الله والثناء عليه:

(أيّها الناس إنّ لنا عليكم حقا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكم علينا حق به، فإذا أدّيتم إلينا ذلك وجب علينا الحق لكم...).

ولم يذكر الإمام غير هذه الكلمات(3) التي أعرب فيها عن حقّه على الناس؛ لأنّه ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي برّ بدينهم ودنياهم، وأخرجهم من حياة التيه والضياع، فإذا وفوا له بحقّه، وأقاموه خليفة عليهم فقد وجب عليه أن يقيم في ربوعهم الحق، بجميع رحابه ومفاهيمه.

خطبة العبّاس:

وانبرى العباس الخطيب، فخطب خطاباً رائعاً بليغاً، وختم خطابه بهذا البيت:

____________________

(1) الفضول المهمة (ص 238).

(2) عيون أخبار الرضا 2 / 147.

(3) عيون أخبار الرضا.

٢٨٢

لا بد للناس من شمس، ومن قمر

فأنت شمس، وهذا ذلك القمر(1)

الممتنعون من البيعة للإمام:

وامتنع جماعة من البيعة للإمامعليه‌السلام ، فقد حقدوا عليه، وكرهوه، ونقموا على المأمون ببيعته بولاية العهد للإمام وهم:

1 - عيسى الجلودي.

2 - علي بن عمران.

3 - أبو يونس(2) .

وأمر المأمون بإلقاء القبض عليهم وإيداعهم في السجن.

تنفيذ حكم الإعدام فيهم:

وأمر المأمون بإخراج هؤلاء الثلاثة الممتنعين من البيعة للإمام من السجن، فلمّا مثلوا عنده رأوا الإمام إلى جانبه فتميزوا غيظاً وغضباً، وانبرى علي بن أبي عمران فقال للمأمون:

(أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تخرج هذا الأمر الذي جعله الله لكم، وخصكم به، وتجعله في أيدي أعدائكم، ومن كان آباؤك يقتلونهم، ويشردونهم في البلاد...).

فصاح المأمون: (يا بن الزانية، وأنت بعد على هذا؟...).

ثم أمر بضرب عنقه، فنفذ ذلك فيه، وأدخل عليه أبو يونس فلمّا رأى الإمام إلى جانب المأمون محاطاً بهالة من الحفاوة والتكريم ساءه ذلك، وخاطب المأمون قائلاً:

(يا أمير المؤمنين هذا الذي بجنبك، والله صنم يعبد من دون الله...).

فأمر المأمون بإعدامه فأعدم، ودخل عليه الجلودي، وكان من أعدي الناس لأهل البيتعليهم‌السلام ، وهو الذي بعثه الرشيد لسلب بنات رسول الله (ص) في

____________________

(1) تذكرة الخواص (ص 364).

(2) عيون أخبار الرضا.

٢٨٣

يثرب، ومصادرة ما عليهنّ من حلي وحلل، فجاء إلى بيت الإمام الرضاعليه‌السلام وأراد الهجوم على بيت الإمام، وسلب ما على العلويات من ثبات فأبى الإمام فلم يعن به الجلودي، وأخذ الإمام يتوسّل إليه، ويعده بأن يأتي ما أراد فانصاع لقوله، ودخل الإمام إلى بيته فجمع له كل ما على العلويات من حلي وحلل فجاء به إلى الجلودي فأخذه، وقد طلب الإمام من المأمون أن يهب له الجلودي، فقال المأمون:

(يا سيدي هذا الذي فعل ببنات محمد (ص) ما فعل من سلبهن؟...).

ونظر الجلودي إلى الإمام وهو يكلّم المأمون ويتوسّل إليه في العفو عنه فظن الغبي أنّه يريد الانتقام منه لما فعله معه، فقال للمأمون:

(يا أمير المؤمنين أسألك بالله، وبخدمتي للرشيد أن لا تقبل قول هذا في...).

والتفت المأمون إلى الإمام الرضا فقال له:

(يا أبا الحسن قد استعفى، ونحن نبرّ قسمه...).

وخاطب المأمون الجلودي فقال له:

(لا والله لا أقبل قوله فيك...).

ثم التفت إلى الشرطة، وقال لهم: ألحقوه بصاحبيه، فقُدّم وضربت عنقه(1) .

قرارات هامّة:

وأصدر المأمون قرارات هامّة بمناسبة عقده ولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام ، وهي:

1 - إعطاء الجنود رواتبهم سنة كاملة.

2 - ترك لباس الأسود الذي كان لباس العباسيين(2) ولبس اللباس الأخضر؛ لأنّ ذلك فيما أحسب هو لباس أهل الجنة، قال تعالى:( وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ) (3) .

____________________

(1) عيون أخبار الرضا 2 / 161 - 162.

(2) ورد في بعض الأخبار أنّ جبرئيل هبط على النبي (ص) في قباء أسود فقال (ص): له يا جبرئيل ما هذا الزي؟ فقال: زي ولد عمّك العبّاس، يا محمد ويل لولدك من ولد عمّك العباس، جاء ذلك في وسائل الشيعة 3 / 279.

(3) سورة الكهف: آية 31.

٢٨٤

3 - ضرب الدراهم والدنانير باسم الإمام الرضاعليه‌السلام وقد أورد السيد عبد القادر أحمد اليوسف نماذج من تلك النقود ما يلي:

(الدينار)

كتب في مركز وجهه: (لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له).

وكتب على النطاق: بسم الله ضرب هذا الدينار بسمرقند سنة اثني ومائتين.

وكتب على الطوق:( لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ) .

وكتب في مركز القفا: الله، محمد رسول الله، المأمون خليفة الله، ممّا أمر الأمير الرضا ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن علي بن أبي طالب.

وكتب على طوق مركز القفا: (محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).

(الدرهم)

نقل عبد القادر صورة الدرهم من متحف برلين المرقّم (1295) صورة الكتابة في مركز الوجه: (لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له) سنة ثلاث ومائتين.

كتابة الطوق( لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ) .

كتابة القفا: (الله، محمد رسول الله، المأمون خليفة الله، ممّا أمر به الرضا).

كتابة الطوق: (محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين ولو كره المشركون).

صورة أخرى من الدرهم الموجود في المتحف البريطاني في لندن تحت رقم (289).

مركز الوجه: كتب عليه (لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له).

النطاق: كتب عليه سنة اثنين.

الطوق: كتب عليه (لله الأمر من قبل ومن بعد).

مركز القفا: مر به...

... المسلمين علي بن موسى

... علي بن أبي طالب

٢٨٥

... ذو الرياستين.

الطوق: محمد رسول الله.

إنّ هذه النقاط هي حروف ممحاة لأنّها مصوّرة هكذا (الكتلوكات) العالمية، ومسحت هذه الكتابة نتيجة قدم هذه النقود، وتداولها الكثير، وتوجد نماذج من الدراهم ضربت سنة (704 ه‍) تيمّناً بسكّة الإمام، وقد كتب عليها ما كتب على السكّة الأصلية(1) .

زواج الإمام بابنة المأمون:

وعرض المأمون على الإمام الرضاعليه‌السلام أن يتزوّج الأميرة السيدة أم حبيب(2) فقبل الإمام ذلك وتزوّج بها، وإنّما عمد المأمون تقرّباً للإمام، وحتى تقوى العلاقة بينهما، ويرى بعض المحلّلين للأخبار أنّ سبب ذلك أن تكون ابنته عيناً لأبيها على جميع تصرّفات الإمام وتحرّكاته، وهذا ليس ببعيد عن سياسة المأمون ودهائه.

البيعة للإمام في جميع الأقطار:

وأمر المأمون جميع ولاته وعمّاله في جميع الأقطار والأقاليم الإسلامية بأخذهم البيعة للإمام الرضا بولاية العهد من جميع المواطنين، وهذه بعض الأقاليم التي أخذ منها البيعة.

1 - يثرب:

واستقبلت يثرب بجميع قطاعاتها الشعبية نبأ ولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام بمزيد من الأفراح والابتهاج، وسارع والي يثرب عبد الجبار المساحقي إلى الجامع النبوي ليأخذ البيعة من أهالي المدينة إلى الإمام بعد أن أمره المأمون بذلك، واعتلى أعواد المنبر فخطب الناس وكان من جملة خطابه: أيّها الناس هذا الأمر الذي كنتم فيه ترغبون، والعدل الذي كنتم تنتظرون، والخير الذي كنتم ترجون، هذا على بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم.

____________________

(1) الإمام علي الرضا ولي عهد المأمون (ص 62 - 65).

(2) ذكر أبو الفرج ان الإمام الرضا تزوج بابنة المأمون أم الفضل، وهو خطأ والصحيح انه تزوج بأم حبيب.

٢٨٦

ستة آباؤهم من خير من يشرب صوب الغمام(1) .

لقد كانت البيعة للإمام الرضا من أهم ما تصبوا إليه الأمة الإسلامية، ومن أغلى أمانيها، فهي تتقرّب بفارغ الصبر رجوع الحكم للإمام؛ ليقيم فيها العدل الخالص، وينشر الأمن والرخاء في ربوعها، وينقذها من جور العباسيين وظلمهم.

2 - مصر:

وكتب المأمون إلى عامله على مصر (السري) يأمره بأخذ البيعة من المصريين لولي عهده الإمام الرضا، وقد ورد الكتاب على (السري) في شهر محرّم سنة (202 ه‍) وقام (السري) بأخذ البيعة إلى الإمامعليه‌السلام ، إلاّ أنّ إبراهيم بن المهدي شيخ المغنّين ببغداد قام في إفساد هذه البيعة فقد كتب إلى وجوه الجند وقادتهم بمصر يأمرهم بخلع المأمون وولي عهده، وبالوثوب على (السري)، وقد استجاب له جماعة منهم الحارث بن زرعة بن محزم بالفسطاط، و عبد العزيز الوزير الجروي بأسفل الأرض، وسلامة بن عبد الملك الأزدي الطحاوي بالصعيد، وسليمان بن غالب بن جبريل، وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الجبار الأزدي فناهضوا (السري)، ودعوا الناس إلى بيعة إبراهيم وجعلوا الوالي على مصر عبد العزيز الأزدي، فحاربهم (السري)، وظفر بعبد العزيز، وبجمع من أهل بيته فقتل بعضهم، وبعث ببعضهم مع ابنه عبد العزيز إلى المأمون فقتلهم، وهرب الباقون إلى الحروري وذلك لمنعته(2) وأخمدت بذلك الثورة، وبايع الناس إلى الإمام.

3 - مكّة:

ووجّه المأمون إلى مكّة المكرّمة عيسى الجلودي ليأخذ البيعة من أهلها للإمام، وكان في مكة مقيماً إبراهيم أخو الإمام الرضاعليه‌السلام ، ودعا عيسى المكيين إلى بيعة الإمام (علله السلام) والى لبس اللباس الأخضر، فاستجابوا له فرحين شاكرين، داعين للمأمون على تحقيق أمنيتهم، وأملهم في هذه البيعة(3).

4 - الكوفة:

وتلقّت الأكثرية الساحقة في الكوفة بمزيد من الفرح والسرور نبأ البيعة للإمام،

____________________

(1) العقد الفريد 5/226.

(2) الولاة وكتاب القضاء (ص 168).

(3) تاريخ اليعقوبي 3/277.

٢٨٧

وقد عهد المأمون لأخذ البيعة من الكوفيين العباس نجل الإمام موسىعليه‌السلام ، وأمدّه إبراهيم بن عبد الحميد بمائة ألف درهم، وقال له: قاتل عن أخيك فإنّ أهل الكوفة يجيبونك إلى ذلك، وأنا معك، وقام العباس بهذه المهمّة فاستجاب له جمهور كبير منهم، وقال له قوم: إن كنت تدعو للمأمون ثم من بعده لأخيك فلا حاجة لنا في دعوتك، وإن كنت تدعو إلى أخيك أو بعض أهل بيتك أو إلى نفسك أجبناك، فقال لهم العباس: أنا أدعو إلى المأمون أوّلاً، ثم من بعده لأخي الرضا.

وامتنع هؤلاء من البيعة للإمام، وأخذوا يندّدون بمَن بايع، ويدعونهم إلى نكث البيعة، ولـمّا علم إبراهيم بن المهدي تخاذل أهل الكوفة أوعز إلى جيشه المقيم في النيل بقيادة سعيد، وأبي البيط، لإخضاع الكوفة، والقضاء على التمرّد، وسرت جيوش إبراهيم حتى انتهت إلى (القنطرة) قرب (دير الأعور) فاعترضتهم قوّة عسكرية بقيادة العلوية علي بن محمد بن جعفر، وأبي عبد الله شقيق الزعيم الكبير أبي السرايا فالتحمت معها، وأخيراً انتصرت جيوش إبراهيم بن مهدي.

وزحفت جيوش إبراهيم نحو (الكوفة)، وقد ارتدت اللباس الأسود، وكان شعارها (يا منصور لا طاعة للمأمون) وجبن أهل الكوفة من مناجزتهم فأرسلوا وفداً لطلب الأمان للعباس وجماعته من القائد العام لجيش إبراهيم فأجابهم إلى ذلك، وشرط عليهم أن يخرج العباس وأصحابه من الكوفة، وأقبل الوفد إلى العباس، وهو لا يعلم بذلك فقالوا له: إنّ عامة مَن معك غوغاء، وقد ترى ما يلقى الناس من الحرب والنهب والقتل فاخرج من بين أظهرنا لا حاجة لنا فيك(1) .

وخرج العباس من الكوفة وقد انطوت نفسه على حزن عميق وأسى مرير، واستبان له أنّ أهل الكوفة لا ذمّة لهم، ولا وفاء لهم بعهد ووعد ودخلت جيوش إبراهيم الكوفة، ولم تحدث أيّة مصادمات بينها وبين الجماعة التي بايعت الإمام بولاية العهد.

هذه بعض المناطق التي أخذت فيها البيعة للإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد.

____________________

(1) تأريخ الطبري.

٢٨٨

ناقدون للإمام:

ووجّه جماعة من الشيعة وغيرهم نقداً للإمام الرضاعليه‌السلام على قبوله لولاية العهد من قبل المأمون العباسي كان منهم:

1 - محمد بن عرفة:

واقبل محمد بن عرفة نحو الإمام، وقال له: (يا بن رسول الله ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟).

فأجابه الإمام:

(ما حمل جدّي أمير المؤمنينعليه‌السلام على الدخول في الشورى)(1)

لقد أرغم الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام على الدخول في الشورى التي عقدها عمر بن الخطاب لانتخاب الخليفة من بعده، وقد أعلن الإمام عن أساه

وحزنه لانضمامه مع أعضاء الشورى، قائلاً: (فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر) وكما أرغم جده وأكره على الدخول في الشورى فكذلك أرغم هو على قبول ولاية العهد.

2 - رجل:

وأنكر عليه رجل تقلّده لولاية العهد قائلاً له:

(كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون؟).

فقالعليه‌السلام له:

- أيّهما أفضل النبي أو الوصي؟

- النبي.

- أيّهما أفضل المسلم أو المشرك؟

- لا بل المسلم.

- إنّ العزيز (عزيز مصر) كان مشركاً، وكان يوسف نبياً، وإنّ المأمون مسلم، وأنا وصي، ويوسف سأل العزيز أن يولّيه حين قال له: اجعلني على خزائن الأرض، وأنا أُجبرت على ذلك(2) .

____________________

(1) وسائل الشيعة 12 / 148.

(2) وسائل الشيعة 12 / 146.

٢٨٩

3 - الريّان بن الصلت:

ودخل الريان بن الصلت على الإمام الرضاعليه‌السلام فقال له: (يا بن رسول الله إنّ الناس يقولون: إنّك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا؟)

فأجابه الإمام:

(قد علم الله كراهتي لذلك، فلمّا خيّرت بين قبول ذلك، وبين القتل اخترت القبول على القتل، ويحهم إنّ يوسف كان نبياً رسولاً، فلمّا دفعته الضرورة إلى تولّي خزائن العزيز، قال له: اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم، ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك، على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك، على أنّي ما دخلت في هذا الأمر إلاّ دخول خارج منه، فإلى الله المشتكى، وهو المستعان)(1) .

وأعرب الإمام عن كراهته البالغة وبغضه الشديد لهذا المنصب إلاّ أنّه أرغم وأجبر على ذلك.

4 - خارجي:

وأقبل خارجي يشتد نحو الإمام فقال له: أخبرني عن دخولك لهذا الطاغية فيما دخلت فيه، وهم عندك كفّار، وأنت ابن رسول الله (ص)، فما حملك على هذا؟

فقالعليه‌السلام :

وهؤلاء أكفر عندك أم عزيز مصر وأهل مملكته؟ أليس هؤلاء على حال يزعمون أنّهم موحِّدون، وأولئك لم يوحّدوا الله ولم يعرفوه، ويوسف بن يعقوب نبي ابن نبي، فسأل العزيز وهو كافر فقال:( اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) وكان يجلس مجلس الفراعنة، وإنّما أنا رجل من ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أجبرني على هذا الأمر، وأكرهني عليه، ما الذي أنكرت، ونقمت عليّ وراح الخارجي يقول: (أشهد أنّك ابن رسول الله، وانك صادق)(2) .

وأعرب الإمامعليه‌السلام في أحاديثه مع الناقدين له عن إرغامه على قبول ولاية العهد، فقد خيّر بينها وبين القتل فاختار ولاية العهد لإنقاذ نفسه من الهلاك الذي لا يعود بأيّة فائدة على القضية الإسلامية.

____________________

(1) وسائل الشيعة 12 / 147.

(2) وسائل الشيعة 12 / 149 - 150.

٢٩٠

الناقمون على المأمون:

ونقمت القوى المعادية لأهل البيتعليهم‌السلام على المأمون لعقده بولاية العهد للإمام الرضا، واعتبروا ذلك تحويلاً للخلافة عن الأسرة العباسية التي ينعمون في ظلالها.

وكان من أشد الناقمين على المأمون الأسرة العباسية، فقد اعتبرت ذلك خطراً على مملكتهم، وقد قامت قيامتهم، وورمت أنوفهم، وقاموا بما يلي من الإجراءات:

خلع المأمون:

وخلع العباسيون بيعة المأمون، واعتبروها لاغيه، وأعلنوا أمام الجماهير عصيانهم للمأمون، وطلبوا من المواطنين رفض بيعته، وبيعة ولي عهده، فاستجاب لهم خلق كثير، وبذلك فلم تعد بيعة للمأمون في أعناقهم.

البيعة لإبراهيم بن شكلة:

وعمد العباسيون إلى بيعة عميدهم إبراهيم بن شكلة(1) شيخ المغنّين، والموسيقين في بغداد، ودعي له بالخلافة، وسمّي بالمرضي(2) وكانت خلافته موضع استهزاء وسخرية من قبل الأوساط الواعية والمفكّرة؛ وذلك لاستهتاره، وتحلّله من جميع القيم والأعراف وفيه يقول الشاعر الاجتماعي الثائر دعبل الخزاعي:

نصر ابن شكلة بالعراق وأهله

فهفا إليه كل أطلس مائقِ(3)

إن كان إبراهيم مضطلعاً بها

فلتصلحن من بعده لمخارقِ

ولتصلحن من بعد ذاك لزلزلٍ

ولتصلحن من بعده للمارقِ

أنّى يكون وليس ذاك بكائنٍ

يرث الخلافة فاسقٌ عن فاسقِ(4)

لقد سخر دعبل من الخلافة التي تولاّها هذا المائق المتحلّل، وإذا صلحت له فلتصلح من بعده لأقرانه المغنّين أمثال: زلزل ومخارق، ومن سخرية الأقدار أن تؤول الخلافة الإسلامية لإبراهيم، ويتولّى شؤون المسلمين وكان إبراهيم - فيما يقول

____________________

(1) شكلة: أم إبراهيم وكانت جارية سوداء، وكان إبراهيم شديد عظيم الجثة حتى قيل له التنين، وفيات الأعيان 1 / 20.

(2) تأريخ اليعقوبي.

(3) نعر: صاح، والأطلس: الذئب، والمائق: المغيظ الباكي.

(4) وفيات الأعيان 1 / 21، تأريخ بغداد لطيفور (ص 160).

٢٩١

المؤرّخون - من أعدى الناس لآل عليعليه‌السلام ، وحينما علم بعقد ولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام ورم أنفه وانتفخت أوداجه غيظاً وغضباً وأثر عنه من الشعر في ذلك هذه الأبيات:

فلا جزيت بنو العباس خيراً

على زعمي ولا اغتبطت بري

أتوني مهطعين وقد أتاهم

بوار الدهر بالخير الجلي

وحلّ عصائب الأملاك منها

وشدّت في رؤوس بني علي

فضجّت أن تشد على رؤوس

تطالبها بميراث النبي(1)

وفي عهده أصيبت الخزينة المركزية بالعجز، واجتمع الأجناد على بلاطه مطالبين بأرزاقهم، فخرج إليهم رسوله، وقال لهم: إنّه لا مال عنده، وطلب أحد الظرفاء، فقال: بدلاً من المال فليخرج الخليفة فيغنّي لأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، ولأهل ذلك الجانب ثلاثة أصوات(2) .

ونظم دعبل هذه الصورة المضحكة بقوله:

يا معشر الأجناد لا تقنطوا

وارضوا بما كان ولا تسخطوا

فسوف تعطون حنينية

يلتذّها الأمرد والأشمط(3)

والمعبديات لقوادكم

لا تدخل الكيس ولا تربط(4)

وهكذا يرزق قوّاده

خليفة مصحفه البربط(5)

قد ختم الصك بأرزاقكم

وصحّح العزم فلا تسخطوا

بيعة إبراهيم مشؤومة

يقتل فيها الخلق أو يقحطوا(6)

رسالة المأمون للعبّاسيين:

وتبودلت رسائل السب والقذف بين المأمون وأعمامه وأقربائه العباسيين، وكان من بينها هذه الرسالة التي بعثها المأمون للعباسيين(7) ، وهذا نصّها بعد البسملة:

____________________

(1) الولاة وكتاب القضاة (ص 168).                              (2) وفيات الأعيان 1 / 21.

(3) الأمرد: الذي لا لحية له، الأشمط: الذي له لحية.

(4) المعبديات: أصوات من الغناء تنسب إلى معبد المغني.

(5) البربط: الطبل.                                                  (6) عصر المأمون 3 / 255 - 256

(7) وهي جواب عن رسائلهم التي بعثوها للمأمون، وطلبوا منه الإجابة عليها فأجابهم بهذه الرسالة التي جرّدتهم من كل محتوى نبيل وشريف.

٢٩٢

(الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآل محمد على رغم أنف الراغمين، أمّا بعد:

عرف المأمون كتابكم، وتدبير أمركم، ومخض زبدتكم، وأشرف على قلوب صغيركم وكبيركم، وعرفكم مقبلين ومدبرين، وما آل إليه كتابكم قبل كتابكم في مراوضة الباطل، وصرف وجوه الحق عن مواضعها، ونبذكم كتاب الله والآثار، وكلّما جاءكم به الصادق محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى كأنّكم من الأمم السالفة، التي هلكت بالخسفة والغرق، والريح والصيحة والصواعق والرجم.

أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟ والذي هو أقرب إلى المأمون من حبل الوريد، لولا أن يقول قائل: إنّ المأمون ترك الجواب عجزاً لما أجبتكم، من سوء أخلاقكم، وقلّة أخطاركم وركاكة عقولكم، ومن سخافة ما تأوون إليه من آرائكم، فليستمع مستمع، فليبلغ شاهد غائباً...).

وحفل هذا المقطع من كلام المأمون بما يلي:

1 - إنّه ابتدأ رسالته بالصلاة على النبي، ثم عطف عليه آله فصلّى عليهم وعقّب ذلك بقوله: (على رغم الراغمين) وعنى الراغمين بني العباس الذين جهدوا على محو ذكر آل النبي (ص)، وإزالة أرصدتهم الروحية والفكرية من دنيا الإسلام.

2 - إنّ المأمون مطّلع على خفايا نفوس العباسيين، وعالم بدخائل قلوبهم، عرفهم مقبلين ومدبرين، عرفهم مندفعين نحو الباطل نابذين للحق، تاركين لكتاب الله، وما جاء به الرسول الأعظم (ص).

3 - إنّه إنّما أجابهم عن رسائلهم لا عناية بهم، وإنّما كي لا يقال إنّه عاجز عن الجواب... ولنعد لنقرأ الفصل الثاني من رسالة المأمون.

(أمّا بعد: فإنّ الله تعالى بعث محمداً (ص) على فترة من الرسل، وقريش في أنفسها وأموالها، لا يرون أحداً يساميهم، ولا يباريهم، فكان نبينا (ص) أميناً من أوسطهم بيتاً، وأقلّهم مالاً فكان أول مَن آمن به خديجة بنت خويلد، فواسته بمالها، ثم آمن به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو ابن سبع سنين، لم يشرك بالله شيئاً طرفة عين، ولم يعبد وثناً، ولم يأكل رباً، ولم يشاكل الجاهلية في جهالاتهم، وكانت عمومة رسول الله إمّا مسلم مهين أو كافر معاند، إلاّ حمزة فإنّه لم يمتنع من الإسلام،

٢٩٣

ولا يمتنع الإسلام منه، فمضى لسبيله على بينة من ربّه.

وأمّا أبو طالب فإنّه كفله وربّاه، ولم يزل مدافعاً عنه، ومانعاً منه، فلمّا قبض الله أبا طالب فهم القوم، واجتمعوا عليه ليقتلوه فهاجر إلى القوم الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم، يحبون مَن هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة ممّا أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون...).

عرض هذا المقطع إلى بعثة الرسول الأعظم (ص) في مجتمع متكبّر يرى أنّه لا يدانيه، ولا يساويه أحد، وفي فجر الدعوة المشرقة ما آمن به إلاّ أم المؤمنين السيدة خديجة، وقد رصدت لدعوته جميع أموالها، ومن بعدها آمن به الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، وكان عمره الشريف سبع سنين، ولم يسجد لصنم ولم يعبد وثناً، وإنّما عبد الله تعالى عن إيمان وإخلاص.

أمّا أعمام النبي (ص) فكان فيهم المشرك والحاقد والضال، وهو أبو لهب.

وكان فيهم بطل الإسلام أسد الله الشهيد حمزة الذي أعزّ الله به الإسلام، ونافح عن الرسول بكل بسالة حتى استشهد.

وخيرة أعمام النبي (ص) هو أبو طالب الذي آمن بالإسلام واعتنق أهدافه ومبادئه، ووقف إلى جانب الرسول (ص) يحميه، ويدفع عنه كيد المعتدين، ولـمّا انتقل هذا العملاق العظيم إلى حظيرة القدس، فقد النبي (ص) المحامي والمدافع عنه، وهمّت قريش بقتله فخرج (ص) مهاجراً إلى (يثرب) فاتخذها مقرّاً لدعوته، وعاصمة لحكومته، فقد وجد فيها الصفوة الصادقة المتفانية في الذب عنه، ولنعد إلى فصل آخر من فصول هذه الرسالة:

(ولم يقم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحد من المهاجرين كقيام علي بن أبي طالب، فإنه آزره، ووقاه بنفسه، ونام في مضجعه، ثم لم يزل بعد مستمسّكاً بأطراف الثغور، وينازل الأبطال، ولا ينكل عن قرن، ولا يولّي عن جيش، منيع القلب يؤمر على الجميع، ولا يؤمر عليه أحد، أشد الناس وطأة على المشركين، وأعظمهم جهادا في الله، وأفقههم في دين الله، وأقرأهم لكتاب الله وأعرفهم بالحلال

والحرام.

وهو صاحب الولاية في حديث (غدير خم) وصاحب قوله (ص): (أنت منّي

٢٩٤

بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبي بعدي) وصاحب يوم الطائف، وكان أحب الخلق إلى الله تعالى والى رسول الله (ص)، وصاحب الباب فتح له، وسد أبواب المسجد وهو صاحب الراية يوم خيبر، وصاحب عمرو بن عبد ود في المبارزة، وأخو رسول الله (ص) حين آخى بين المسلمين.

وهو منيع جزيل، وهو صاحب آية( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ) وهو زوج فاطمة سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة، وهو ختن خديجة، وهو ابن عم رسول الله (ص) رباه وكفله، وهو ابن أبي طالب في نصرته وجهاده، وهو نفس رسول الله (ص) في يوم المباهلة.

وهو الذي لم يكن أبو بكر وعمر يتقلدان أمرا حتى يسألانه عنه، فما رأى أنفذاه، ولم يره ردّاه، وهو دخل من بني هاشم في الشورى، ولعمري لو قدر أصحابه على دفعه عنه، كما دفع العباس رضوان الله عليه، ووجدوا إلى ذلك سبيلاً لدفعوه.

فأمّا تقديمكم العباس عليه، فإنّ الله تعالى يقول:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ ) .

والله لو كان ما في أمير المؤمنين من المناقب والفضائل والآي المفسّرة في القرآن خلّة واحدة في رجل من رجالكم أو غيره؛ لكان مستأهلاً للخلافة، مقدّماً على أصحاب رسول الله (ص) بتلك الخلّة، ثم لم تزل الأمور تترقّى به إلى أن ولي أمور المسلمين فلم يعن بأحد من بني هاشم إلاّ بعبد الله بن عباس، تعظيماً لحقه، ووصلة لرحمه، وثقة به فكان من أمره الذي يغفر الله له...).

وعرض هذا المقطع إلى بعض فضائل الإمام أبي الحسين رائد الحكمة والعلم في دنيا الإسلام، والتي منها دفاعه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد آزره، ووقاه بنفسه ومهجته، وبات على فراشه حينما احتمت قريش على قتلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نازل الأبطال، فحصد رؤوسهم دفاعا عن الإسلام، فكان من أشدّ الناس وطأة على الكافرين والملحدين، فما أعظم عائدته على الإسلام!

ومن فضائله أنّه كان أعلم المسلمين، وأفقههم، وأكثرهم إحاطة ودراية بأحكام الدين، وشريعة سيد المرسلين وقد عقد النبي (ص) له الولاية، وجعله خليفة من بعده في (غدير خم) وقال مقالته الذائعة: (مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه

٢٩٥

اللهم من والاه، وعاد من عاداه)، وأشاد النبي (ص) به مرّة أخرى فقال له: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي).

وكان من سموّ منزلته، وعظيم شأنه عند النبي (ص) أنّه أمر بسد جميع الأبواب التي كانت على جامعه الأعظم، ولم يستثن منها إلاّ باب علي فإنّها ظلّت مفتوحة، لم تغلق، ومن مناقبه أنّه صاحب الراية (يوم خيبر )، فهو الذي فتح حصون (خيبر ) وقضى على اليهود، وهو صاحب عمرو بن عبد ود الذي جبن المسلمون عن منازلته، فلم يبرز إليه سوى بطل الإسلام وحاميه الإمامعليه‌السلام .

ومن مناقب الإمام أمير المؤمنين أنّ النبي (ص) لـمّا آخى بين المسلمين، فبقي علي وحده فآخاه النبي (ص) وقال له: يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة.

ومن مناقبه وفضائله أنّه نزلت فيه وفي ولديه وزوجته سيدة نساء العالمين الآية الكريمة( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ) .

ومن مناقبه أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله زوّجه بسيدة نساء المسلمين وبضعته فاطمة الزهراءعليها‌السلام فلم يكن لها كفوء سواه.

ومن عظيم مناقبه أنّه نفس النبي (ص) كما دلّت على ذلك بوضوح آية المباهلة، فكان سلام الله عليه بمواهبه وعبقرياته امتداداً ذاتياً لشخصية الرسول

الكريم التي ملأت الآفاق نوراً.

ونظراً لسموّ ذاته، وعظيم مكانته كان أبو بكر وعمر لا ينفذان أمراً حتى يأخذا رأيه فيه، ومن الطبيعي أنّ ذلك الأمر ممّا يتعلّق بأحكام الدين.

وفي هذا المقطع أنّه لو وجدت بعض فضائل الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في رجل من المسلمين لكان أهلاً ليتقلّد الخلافة والإمرة على المسلمين، هذا بعض ما قاله المأمون في هذا المقطع، ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة يقول:

(ثم نحن وهم يد واحدة - كما زعمتم - حتى قضى الله تعالى بالأمر إلينا،

فأخفناهم، وضيّقنا عليهم، وقتلناهم أكثر من قتل بني أمية إيّاهم، ويحكم إنّ بني أمية إنّما قتلوا مَن سلّ منهم سيفاً، وإنّا معشر بني العباس قتلناهم جملاً فلتسألن أعظم الهاشمية، بأيّ ذنبٍ قتلت، ولتسألن نفوساً ألقيت في دجلة والفرات، ونفوس دفنت ببغداد والكوفة أحياء، هيهات، إنّه مَن عمل مثقال ذرة خير يره، ومَن يعمل مثقال

٢٩٦

ذرة شراً يره).

عرض هذا المقطع إلى بعض ما جرى على آل النبي (ص) من المأسي من حكّام بني العباس، فقد جهدوا على ظلمهم، وتصفيتهم جسدياً، يقول المنصور الدوانيقي للإمام الصادقعليه‌السلام : (لأقتلنّك، ولأقتلن أهلك، حتى لا أبقي منكم قامة سوط)(1) .

وقال المنصور: (قتلت من ذرّية فاطمة ألفاً أو يزيدون، وتركت سيّدهم ومولاهم جعفر بن محمد...)(2) .

وقال إسماعيل الديباج عندما هرب من المنصور:

لم يروه ما أراق البغي من دمنا

في كل أرض فلم يقصر من الطلبِ

وليس يشفي غليلاً في حشاه سوى

أن لا يرى فوقها ابنا لبنت نبي(3)

وقد عرض المأمون إلى ألوان رهيبة ممّا صبّه العباسيون على السادة العلويين من المآسي، والتي منها:

أ - إبادة العلويين جملاً.

ب - إلقاؤهم وهم أحياء في حوض دجلة والفرات حتى ماتوا غرقاً.

ج - دفنهم وهم أحياء في بغداد والكوفة.

إلى غير ذلك من صنوف الإرهاق والتنكيل الذي عاناه أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من العباسيين...

ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة:

(وأمّا ما وصفتم في أمر المخلوع، وما كان فيه من لبس، فلعمري ما لبس عليه أحد غيركم، إذ هونتم عليه النكث، وزينتم له الغدر، وقلتم له: ما عسى أن يكون من أمر أخيك، وهو رجل مغرب، ومعك الأموال والرجال، نبعث إليه فيؤتى به، فكذبتم ودبرتم، ونسيتم قول الله تعالى:( ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ ) وأعرب المأمون - في هذا المقطع - عن الأحداث التي جرت بينه وبين أخيه الأمين، وإنّها

____________________

(1) المناقب 3 / 357، البحار 47 / 178.

(2) الأدب في ظل التشيع (ص 68).

(3) النزاع والتخاصم للمقريزي (ص 51).

٢٩٧

تستند إلى العباسيين فهم الذين حبّبوا إليه خلع المأمون والنكاية به، ولم يكن ما وقع عن رأي الأمين وتدبيره، وهذا فصل آخر من هذه الرسالة:

(وأمّا ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضا فما بايع له المأمون إلاّ مستبصراً في أمره، عالماً بأنّه لم يبق أحد على ظهرها أبين فضلاً، ولا أظهر عفّة، ولا أورع ورعاً، ولا أزهد زهداً في الدنيا، ولا أطلق نفساً، ولا أرضى في الخاصة والعامة، ولا أشد في ذات الله منه، وأنّ البيعة له لموافقة رضى الربّ عزّ وجل، ولقد جهدت وما أجد في الله لومة لائم.

ولعمري لو كانت بيعتي محاباة لكان العباس ابني وسائر ولدي أحبّ إلى قلبي، وأحلى في عيني، ولكن أردت أمراً، وأراد الله أمراً، فلم يسبق أمري أمر الله).

وحكى هذا المقطع بيعته للإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد، وأنّها لم تكن محاباة، أو اندفاعاً وراء العواطف والأهواء، وإنّما كانت عن اجتهاد وتبصّر، وتدبّر في أمور المسلمين؛ وذلك لما يتمتّع به الإمام العظيم من الصفات الرفيعة، والتي منها:

أ - إنّ الإمام أفضل إنسان على وجه الأرض.

ب - إنّ الإمام أعفّ إنسان.

ج - الورع عن محارم الله.

د - إجماع المسلمين على تعظيمه، وتقديمه بالفضل على غيره.

ه‍ - إنّهعليه‌السلام لا تأخذه في الله لومة لائم.

وهذه الصفات هي التي دفعت المأمون إلى البيعة للإمام بولاية العهد، ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة يقول:

(وأمّا ما ذكرتم ممّا مسّكم من الجفاء في ولايتي فلعمري ما كان ذلك إلاّ منكم بمظافرتكم علي، وممايلتكم إيّاه، فلمّا قتلته، وتفرّقتم عباديد فطوراً أتباعاً لابن أبي خالد، وطوراً أتباعاً لأعرابي، وطوراً أتباعاً لابن شكلة، ثم لكل مَن سلّ سيفاً عليّ، ولولا أنّ شيمتي العفو، وطبيعتي التجاوز ما تركت على وجهها منكم أحداً، فكلكم حلال الدم محل بنفسه).

وأعرب المأمون عن الجفاء والحرمان الذي لحق بالعباسيين في عهده، فإنّهم هم السبب في ذلك، فقد أيّدوا الأمين وناصروه، ولـمّا قُتل انضموا إلى كل مَن أعلن

٢٩٨

التمرّد على حكومته أمثال: إبراهيم بن شكلة، وغيره؛ وبذلك فقد ملأوا قلب المأمون حقداً عليهم، ولولا أنّ طبيعته التجاوز - كما يقول - لما أبقى عباسياً على وجه الأرض، وهذا فصل آخر من رسالته يقول:

(وأمّا ما سألتم من البيعة للعباس ابني... أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ ويلكم إنّ العباس غلام حدث السن، ولم يؤنس رشده، ولم يمهل وحده، ولم تحكمه التجارب، تدبّره النساء، وتكلّفه الإماء، ثم لم يتفقّه في الدين، ولم يعرف حلالاً من حرام إلاّ معرفة لا تأتي به رعية، ولا تقوم به حجّة، ولو كان مستأهلاً قد أحكمته التجارب، وتفقّه في الدين، وبلغ مبلغ أمير العدل في الزهد في الدنيا، وصرف النفس عنها ما كان له عندي إلاّ ما كان لرجل من عك وحمير، فلا تكثروا من هذا المقال فإنّ لساني لم يزل مخزوناً عن أمور وأنباء كراهية أن تخنث النفوس عندما تنكشف، علماً بأنّ الله بالغ أمره، ومظهر قضاه يوماً.

فإذا أبيتم إلاّ كشف الغطاء، وقشر العظاء، فالرشيد أخبرني عن آبائه، عمّا وجده في كتاب الدولة وغيرها، أنّ السابع من ولد العباس، لا يقوم لبني العباس بعده قائمة، ولا تزال النعمة متعلّقة عليهم بحياته، فإذا أودعت فودعها، إذا فقدتم شخصي فاطلبوا لأنفسكم معقلاً، وهيهات مالكم إلاّ السيف، يأتيكم الحسني الثائر البائر، فيحصدكم حصداً، أو السفياني المرغم، والقائم المهدي لا يحقن دماءكم إلاّ بحقّها...).

وحفل هذا المقطع بذكر الأسباب التي دعت المأمون إلى عدم ترشيح ولده العباس لولاية العهد، فإنّه لم يستجمع الشرائط التي ينبغي توفّرها في ولي العهد من العلم والفضل والتقوى وغيرها، فقد كان العباس غلاماً لم تهذّبه الأيام، ولم تصقله التجارب، ولم يقم على تكوينه علم أو ثقافة، وإنّما كان صبياً تدير أموره النسوان، وتدبّر شؤونه الأمهات، فكيف يصح أن يرشّحه لهذا المنصب الخطير؟

وأضاف المأمون بعد هذا إلى أنّ الرشيد أخبره عمّا وجده في كتاب الدولة من أنّ نهاية الدولة العباسية تكون بعد الملك السابع من بني العباس، وبعده لا تقوم للعباسيين قائمة.

وقد أخطأ الرشيد فقد استمرّت الدولة العباسية بعد السابع من ملوكهم، وكانت نهايتها على يد هولاكو التتار، فقد حصد رؤوس العباسيين، وأزال ملكهم

٢٩٩

وسلطانهم... ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الرسالة يقول:

(وأمّا ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى بعد استحقاق لها في نفسه، واختيار منّي له، فما كان ذلك منّي إلاّ أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودّة بيننا وبينهم، وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب، ومواساتهم في الفيء بيسير ما يصيبهم منه...).

وأعرب المأمون أنّ بيعته للإمام الرضاعليه‌السلام كانت من أجل صالح العباسيين، ففي هذه البيعة قد حقن دماءهم، ولعلّ سبب ذلك هو انفجار البلاد

بثورات متصلة تنادي للرضا من آل محمد (ص) ليقيم في ربوع الوطن العدل السياسي والعدل الاجتماعي، وحينما جاء بالإمام الرضا ونصبه ولي عهده خمدت تلك الثورات، ولو استمرّت لقضت على الحكم العباسي، وقضت على العباسيين...

ونعود لفصل آخر من هذه الرسالة يقول:

(وإن تزعموا أنّي أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة فإنّي في تدبيركم والنظر لكم ولعقبكم، وأبنائكم من بعدكم وأنتم ساهون، لاهون، تائهون، في غمرة تعمهون لا تعلمون ما يراد بكم، وما أظللتم عليه من النقمة، وابتزاز النعمة، همّة أحدكم أن يمسي مركوباً، ويصبح مخموراً، تباهون بالمعاصي، وتبتهجون بها، وآلهتكم البرابط، مخنّثون مأفونون، لا يتفكّر متفكّر منكم في إصلاح معيشة، ولا استدامه نعمة، ولا اصطناع مكرمة، ولا كسب حسنة يمد بها عنقه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ مَن أتى الله بقلب سليم.

أضعتم الصلاة، واتبعتم الشهوات، وأكببتم على اللذات فسوف تلقون غيّاً، وأيم الله لربّما أفكر في أمركم فلا أجد أمّة من الأمم استحقوا العذاب حتى نزل بهم لخلّة من الخلال إلاّ أصبت تلك الخلّة بعينها فيكم، مع خلال كثيرة لم أكن أظن أنّ إبليس اهتدى إليها، ولا أمر بالعمل بها، وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز عن قوم صالح أنّه كان فيهم تسعة رهط يفسدون في الأرض، وقد اتخذتموهم شعاراً ودثاراً، استخفافاً بالمعاد وقلّة يقين بالحساب، وأيّكم له رأي يتبع أو روية تنفع فشاهت الوجوه، وعفرت الخدود...).

لقد وصف المأمون أسرته بأقبح الصفات التي لا يتصف بها إلاّ أراذل البشر، وشذّاذ الآفاق، لقد صوّرهم بصورة تشمئز منها النفوس، ويترفّع عنها أقل الناس

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403