الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٩

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 403

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 123919
تحميل: 8372


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 123919 / تحميل: 8372
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الفئة الباغية. وقد أخبر به النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله:

ويحك يا ابن سميَّة تقتلك الفئة الباغية.

وفي لفظ: تقتل عمَّار الفئة الباغية، وقاتله في النار.

وفي لفظ: ويح عمَّارا وويح ابن سميَّة تقتله الفئة الباغية.

وفي لفظ معاوية: تقتل عمّارا الفئة الباغية.

وفي لفظ عثمان: تقتلك الفئة الباغية، قاتل عمّار في النار.

وفي لفظ: تقتل عمّاراً الفئة الباغية عن الطريق، وإنَّ آخر رزقه من الدنيا ضياحٌ من لبن.

وفي لفظ عمّار: أخبرني حبيبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه تقتلني الفئة الباغية، وأنَّ آخر زادي مذقة من لبن.

وفي لفظ حذيفة: انَّك لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية الناكبة عن الحقِّ، يكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن.

وفي لفظ: ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنَّة ويدعونه إلى النار.

وفي لفظ أنس: ابن سميَّة تقتله الفئة الباغية قاتله وسالبه في النار.

وفي لفظ عائشة: أللهمَّ بارك في عمّار، ويحك ابن سمَّيه تقتلك الفئة الباغية، و آخر زادك من الدنيا ضياحٌ من لبن.

وفي لفظ: ويح ابن سميَّة ليسوا بالذين يقتلونك إنَّما تقتلك الفئة الباغية.

جاء هذا الحديث من طرق كثيرة تربو حدَّ التواتر منها طريق عثمان بن عفان. عمرو بن العاص. معاوية بن أبي سفيان. حذيفة بن اليمان. عبد الله بن عمر. خزيمة بن ثابت. كعب بن مالك. جابر بن عبد الله. ابن عباس. أنس بن مالك. أبي هريرة الدوسي عبد الله بن مسعود. أبي سعد. أبي امامة. أبي رافع. أبي قتادة. زيد بن أبي أوفى. عمّار بن ياسر. عبد الله بن أبي هذيل. أبي اليسر. زياد بن الفرد. جابر بن سمرة. عبد الله ابن عمرو بن العاص. اُمّ سلمة. عائشة.

راجع طبقات ابن سعد ٣: ١٨٠، سيرة ابن هشام ٢: ١١٤، مستدرك الحاكم ٣: ٣٨٦، ٣٨٧، ٣٩١، الاستيعاب ٢: ٤٣٦ وقال: تواترت الآثار عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٢١

إنَّه قال: تقتل عمّاراً الفئة الباغية. وهذا من إخباره بالغيب واعلام نبوَّته وهو من أصحِّ الأحاديث. طرح التثريب ١: ٨٨ وصحَّحه، تيسير الوصول ٣: ٢٧٨، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٧٤، تاريخ ابن كثير ٧: ٢٦٧، ٢٧٠ مجمع الزوائد ٩: ٢٩٦ وصحَّحه من عدَّة طرق، تهذيب التهذيب ٧: ٤٠٩ وذكر تواتره، الاصابة ٢: ٥١٢ وقال: تواترت الأحاديث، كنز العمّال ٦: ١٨٤، ج ٧، ٧٣، ٧٤، ونصَّ على تواتره السيوطي في الخصايص كما مرَّ في الجزء الثالث ٢٥٠ ط ٢.

وأخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد، والبزار، وعبد الرازق، والطبراني، و الدارقطني، وأبو يعلى، وأبو عوانة، والاسماعيلي، والضياء المقدسي، وأبو نعيم، وتمام، وابن قانع، وابن مندة، والبارودي، والبرقاني، وابن عساكر، والخطيب.

(عمّار في الذكر الحكيم)

هذا عمّار بين البدء والختام المحمودين وهو بينهما كما أثنى عليه الذكر الحكيم بقوله تعالى: أمَّنْ هُو قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة (الزمر ٩)

أخرج ابن سعد في الطبقات ٣: ١٧٨ ط ليدن وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس: انَّها نزلت في عمّار بن ياسر.

وذكر الزمخشري في تفسيره ٣: ٢٢: انَّها نزلت في عمّار وأبي حذيفة بن المغيرة المخزومي.

وذكر القرطبي في تفسير ١٥: ٢٣٩ عن مقاتل: انَّ مَن هو قانت: عمّار بن ياسر

وذكر الخازن في تفسيره ٣: ٥٣: انَّها نزلت في ابن مسعود وعمّار وسلمان. وذكره الخطيب الشربيني في تفسيره ٣: ٤١٠. وذكر الشوكاني في تفسيره ٤: ٤٤٢ حديث ابن سعد وابن مردويه وابن عساكر. وزاد الآلوسي عليه في تفسيره ٢٣: ٢٤٧ قوله: و أخرج جويبر عن ابن عباس انَّها نزلت في عمّار وابن مسعود وسالم مولي أبي حذيفة.

وعن عكرمة: الإقتصار على عمّار. وعن مقاتل: المراد بمن هو قانت: عمّار وصهيب و ابن مسعود وأبو ذر. وجلُّ ما ذكره الآلوسي مأخوذ من الدر المنثور ٥: ٣٢٣.

(آية ثانية) : أخرج ابن ماجة في قوله تعالى: ولا تطرد الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشيِّ يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء. الآية (الأنعام ٥٢) انَّها

٢٢

نزلت في عمّار وصهيب وبلال وخباب.

راجع تفسير الطبري ٧: ١٢٧، ١٢٨، تفسير القرطبي ١٦: ٤٣٢، تفسير البيضاوي ١: ٣٨٠، تفسير الزمخشري ١: ٤٥٣، تفسير الرازي ٤: ٥٠، تفسير ابن كثير ٢: ١٣٤، تفسير ابن جزي ٢: ١٠، الدر المنثور ٣: ١٤، تفسير الخازن ٢: ١٨، تفسير الشربيني ١: ٤٠٤، تفسير الشوكاني ٢: ١١٥.

(آية ثالثة) أخرج جمعٌ من الحفّاظ نزول قوله تعالى: إلّا مَن اُكره وقلبه مطمأنٌّ بالإيمان (سورة النحل: ١٠٦) في عمّار. وقال أبو عمر في الاستيعاب. هذا ممّا اجتمع أهل التفسير عليه. وقال القرطبي: نزلت في عمّار في قول أهل التفسير. وقال ابن حجر في الإصابة: اتَّفقوا على انَّه نزل في عمّار.

قال ابن عبّاس (في لفظ الواحدي) نزلت في عمّار بن ياسر وذلك انَّ المشركين أخذوه وأباه ياسراً واُمَّه سميّة وصهيباً وبلالاً وخباباً وسالماً، فأمَّا سمّية فإنَّها رُبطت بين بعيرين ووُجئ قُبلها بحربة، وقيل لها: إنّك أسلمتِ من أجل الرجال. فقتلت، وقتل زوجها ياسر، وهما أوَّل قتيلين قُتلا في الإسلام، وأمّا عمّار فإنَّه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً فاُخبر النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنَّ عمّاراً كفر. فقال: كلّا إنَّ عمّاراً ملئ ايماناً من قرنه إلى قدمه، واخلط الايمان بلحمه ودمه، فأتى عمّار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبكي فجعل رسول اللهعليه‌السلام يمسح عينيه وقال: إن عادوا لك فُعد لهم بما قلت. فأنزل الله تعالى هذه الآية.

أخرج حديث نزولها في عمّار، إبن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبري عن ابن عبّاس. وعبد الرزّاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصحَّحه وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر من طريق أبي عبيدة بن محمَّد عمّار عن أبيه. وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن أبي مالك.

راجع طبقات ابن سعد ٣، ١٧٨، تفسير الطبري ١٤: ١٢٢، أسباب النزول للواحدي ص ٢١٢، مستدرك الحاكم ٢: ٣٥٧، الإستيعاب ٢: ٤٣٥، تفسير القرطبي ١٠: ١٨٠، تفسير الزمخشري ٢: ١٧٦، تفسير البيضاوي ١: ٦٨٣، تفسير الرازي ٥: ٣٦٥، تفسير ابن جزي ٢: ١٦٢، تفسير النيسابوري هامش الطبري ١٤: ١٢٢، بهجة

٢٣

المحافل ١: ٩٤، تفسير ابن كثير ٢: ٥٨٧، الدرّ المنثور ٤: ١٣٢، تفسير الخازن ٣: ١٤٣، الإصابة ٢: ٥١٢، تفسير الشوكاني ٣: ١٩١، تفسير الآلوسي ١٤: ٢٣٧.

(آية رابعة) ذكر الواحدي من طريق السديّ انّ قوله تعالى: أفَمَن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمَن متَّعناه متاع الحياة الدُنيا ثمَّ هو يوم القيامة من المحضرين (القصص: ٦١) نزل في عمّار والوليد بن المغيرة.

راجع أسباب النزول للواحدي ص ٢٥٥، تفسير القرطبي ١٣: ٣٠٣، تفسير الزمخشري ٢: ٣٨٦، تفسير الخازن ٣: ٤٣، تفسير الشربيني ٣: ١٠٥.

(آية خامسة) أخرج أبو عمر من طريق إبن عبّاس في قوله تعالى: أومَن كان ميِّتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس (الأنعام: ١٢٢) إنَّه عمّار بن ياسر.

وأخرج نزولها في عمّار إبن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ راجع الإستيعاب ٢: ٤٣٥، تفسير ابن جزي ٢: ٢٠، تفسير ابن كثير ٢: ١٧٢ تفسير البيضاوي ١: ٤٠٠، تفسير السيوطي ٣: ٤٣، تفسير الشربيني ١: ٤٢٩، تفسير الخازن ٢: ٣٢، تفسير الشوكاني ٢: ١٥٢.

الثناء الجميل على عمّار

أمّا الأحاديث الواردة في الثناء عليه فحدِّث عنها ولا حرج وإليك نزراً منها:

١ - عن إبن عبّاس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث: إنَّ عمّاراً مُلئ ايمانه مِن قرنه إلى قدمه، واختلط الايمان بلحمه ودمه.

راجع حلية الأولياء ١: ١٣٩، تفسير الزمخشري ٢: ١٧٦، تفسير البيضاوي ١: ٦٨٣، بهجة المحافل ١: ٩٤، تفسير الرازي ٥: ٣٦٥، تفسير الخازن ٣: ١٤٣، كنز العمّال ٦: ١٨٤، و ج ٧، ٧٥، تفسير الآلوسي ١٤: ٢٣٧.

٢ - أخرج ابن عساكر من طريق عليّ: عمّار خلط الله الايمان ما بين قرنه إلى قدمه، وخلط الايمان بلحمه ودمه، يزول مع الحقِّ حيث زال، وليس ينبغي للنار أن تأكل منه شيئاً (كنز العمّال ٦: ١٨٣).

٣ - أخرج البزّار من طريق عائشة قالت: ما أحدٌ من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا لو شئت لقلت فيه ما خلا عمّاراً فإنِّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: مُلئ ايماناً

٢٤

إلى مشاشه. وفي لفظ أبي عمر: مُلئ عمّار ايماناً إلى أخمص قدميه. وفي لفظ له: إنَّ عمّار بن ياسر حشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة اُذنيه ايماناً.

ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٩: ٢٩٥ وقال: رجاله رجال الصحيح، وأخرجه ابن ماجة من طريق عليّ كما في طرح التثريب ١: ٨٧، وأخرجه إبن ديزيل والنسائي من طريق عمرو بن شرحبيل عن رجل مرفوعاً كما في تيسير الوصول ٣: ٢٧٩، والبداية والنهاية ٧: ٣١١، ولفظه: لقد مُلئ عمار ايماناً من قدمه إلى مشاشه. ورواه عبد الرزاق والطبراني وابن جرير وابن عساكر كما في كنز العمّال ٦: ١٨٤. وأخرجه أبو عمر بالألفاظ الثلاثة في الاستيعاب ٢: ٤٣٥.

٤ - أخرج إبن ماجة وأبو نعيم من طريق هاني بن هاني قال: كنّا عند عليّ فدخل عليه عمّار فقال: مرحباً بالطيِّب المطيِّب سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: عمّارُ ملئ ايماناً إلى مشاشه.

سنن ابن ماجة ١: ٦٥، حلية الأولياء ١: ١٣٩، الإصابة ٢: ٥١٢.

٥ - أخرج ابن سعد في الطبقات ٣: ١٨٧ ط ليدن مرفوعاً: إنَّ عمّاراً مع الحقّ والحقّ معه، يدور عمّار مع الحقِّ أينما دار، وقاتل عمّار في النار.

وأخرج الطبراني والبيهقي والحاكم من طريق إبن مسعود مرفوعاً: إذا اختلف النّاس كان ابن سميَّة مع الحقِّ.

ذكره ابن كثير في تاريخه ٧: ٢٧٠، والسيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه ٦: ١٨٤، وفي لفظ إبراهيم بن الحسين بن ديزيل - في سيرة عليّ -: جاء رجلٌ إلى ابن مسعود فقال: أرأيت إذا نزلت فتنة كيف أصنع؟ قال: عليك بكتاب الله. قال: أرأيت إن جاء قوم كلّهم يدعون إلى كتاب الله؟ فقال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إذا اختلف النّاس كان ابن سميَّة مع الحقِّ.

وأخرج أبو عمر في الإستيعاب ٢: ٤٣٦ من طريق حُذيفة: عليكم بابن سميَّة فإنَّه لن يُفارق الحقّ حتّى يموت. أو قال: فإنَّه يدور مع الحقِّ حيث دار.

٦ - أخرج ابن ماجة من طريق عطاء بن يسار عن عائشة مرفوعاً: عمّار ما عُرض عليه أمران إلّا اختار الأرشد منهما.

٢٥

وفي لفظ أحمد من طريق ابن مسعود مرفوعاً: ابن سميَّة ما عُرض عليه أمران قطّ إلّا أخذ بالأرشد منهما. وفي لفظ آخر له من طريق عائشة: لا يخيَّر بين أمرين إلّا اختار أرشدهما. وفي لفظ الترمذي: ما خُيّر عمّار بين أمرين إلّا اختار أرشدهما.

راجع مسند أحمد ١: ٣٨٩ و ج ٦: ١١٣، سنن ابن ماجة ١: ٦٦، مصابيح البغوى ٢: ٢٨٨، تفسير القرطبي ١٠: ١٨١، تيسير الوصول ٣: ٢٧٩، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٧٤، كنز العمّال ٦: ١٨٤، الإصابة ٢: ٥١٢.

٧ - أخرج الترمذي من طريق عليّ قال: إستأذن عمّار على النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: إئذنوا له: مرحباً بالطيِّب المطيِّب. فقال: حسنٌ صحيحٌ.

وأخرجه الطبراني وابن أبي شيبة وأحمد في المسند ١: ١٠٠، ١٢٦، ١٣٨، والبخاري في تاريخه ٤: ٢٢٩ من القسم الثاني، وابن جرير وصحَّحه والحاكم والشاشي وسعيد بن منصور وأبو نعيم في حلية الأولياء ١: ١٤٠، والبغوي في المصابيح ٢: ٢٨٨، وأبو عمر في الإستيعاب ٢: ٤٣٥، وابن ماجة في السنن ١: ٦٥، وابن كثير في البداية ٧: ٣١١، وابن الديبع في التيسير ٣: ٢٧٨، والعراقي في طرح التثريب ١: ٨٧، و السيوطي في الجامع الكبير ٧: ٧١.

٨ - عن أنس بن مالك مرفوعاً: إنَّ الجنَّة تشتاق إلى أربعة: عليّ بن أبي طالب، وعمّار بن ياسر، وسلمان الفارسي، والمقداد.

وفي لفظ الترمذي والحاكم وابن عساكر: إشتاقت الجنَّة الى ثلاثة: عليٌّ وعمّار وسلمان.

وفي لفظ لابن عساكر: إشتاقت الجنَّة إلى ثلاثة: إلى عليّ وعمّار وبلال.

أخرجه أبو نعيم في الحلية ١: ١٤٢، والحاكم في المستدرك ٣: ١٣٧، وصحَّحه هو والذهبي، والترمذي والطبراني كما في تفسير القرطبي ١٠: ١٨١، وتاريخ ابن كثير ٧: ٣١١، ومجمع الزوائد للهيثمي ٩: ٣٠٧، وأخرجه إبن عساكر في تاريخه ٣: ٣٠٦ وفي ج ٦: ١٩٨، ١٩٩، وأبو عمر في الإستيعاب ٢: ٤٣٥.

٩ - أخرج البزّار من طريق عليّ مرفوعاً: دم عمّار ولحمه حرامٌ على النّار أن تطمعه. وفي لفظ ابن عساكر: دم عمّار ولحمه حرامٌ على النّار أن تأكله أو تمسّه.

٢٦

مجمع الزوائد ٩: ٢٩٥، كنز العمّال ٦: ١٨٤، ج ٧: ٧٥.

١٠ - أخرج ابن هشام مرفوعاً: ما لهم ولعمّار؟ يدعوهم إلى الجنَّة ويدعونه إلى النّار، إنَّ عمَّاراً جِلدةٌ ما بين عينيَّ وأنفي، فإذا بُلغ ذلك من الرجل فلم يُستبق فاجتنبوه.

سيرة ابن هشام ٢: ١١٥، العقد الفريد ٢: ٢٨٩، شرح إبن أبي الحديد ٣: ٢٧٤ ولفظه: ما لقريش ولعمّار يدعوهم إلى الجنَّة ويدعونه إلى النّار، قاتله وسالبه في النار، وبهذا اللفظ ذكره ابن كثير في تاريخه ٧: ٢٦٨.

١١ - أخرج الطبراني وابن عساكر من طريق عائشة مرفوعاً: كم من ذي طمرين لا ثوب له لو أقسم على الله لأبرَّه، منهم: عمّار بن ياسر. (مجمع الزوائد ٩: ٢٩٤، كنز العمال ٦: ١٨٤).

١٢ - أخرج أحمد من طريق خالد بن الوليد مرفوعاً: مَن عادى عمّاراً عاداه الله، ومَن أبغض عمّاراً أبغضه الله. صحَّحه الحاكم والذهبي بطريقين، وصحَّحه الهيثمي.

وفي لفظ: من يسبّ عمَّاراً يسبُّه الله، ومَن يبغض عمّاراً يبغضه الله، ومَن يسفّه عمّاراً يسفهه الله. صحّحه الحاكم والذهبي.

وفي لفظ: مَن يسبّ عماراً، يسبّه الله ومَن يُعادِ عمّاراً يُعادِه الله، صحَّحه الحاكم والذهبي.

وفي لفظ لأحمد: مَن يعاد عمّاراً يعاده الله عزَّ وجلَّ، ومَن يبغضه يبغضه الله عزَّ وجلَّ، ومَن يسبّه يسبّه الله عزَّ وجلَّ.

وفي لفظ الحاكم: مَن يحقِّر عمّاراً يحقِّره الله ومن يسبّ عمّاراً يسبّه الله، ومن يبغض عمّاراً يبغضه الله.

وفي لفظ ابن النجار: من سبَّ عمّاراً سبَّه الله، ومن حقَّر عمّاراً حقَّره الله، ومن سفَّه عمّاراً سفهه الله.

وفي لفظ ابن عساكر: من يبغض عمّاراً يبغضه الله، ومن يلعن عمّاراً يلعنه الله.

وفي لفظ الطبراني: من يُعادي عمّاراً يعاديه الله، ومن يبغض عمّاراً يبغضه الله، ومن يسبُّ عمّاراً يسبُّه الله، ومن يسفِّه عمّاراً يسفهه الله، ومن يحقّر عمّاراً يحقّره الله

٢٧

وفي لفظ الطبراني أيضاً: من يحقِّر عمّاراً يحقِّره الله، ومن يسب عمّاراً يسبّه الله، ومن ينتقص عمّاراً ينتقصه الله، ومن يعاد عمّاراً يعاده الله. قال الهيثمي: رجاله ثقات.

أخرج هذا الحديث على اختلاف ألفاظه جمعٌ كثير من الحفّاظ وأئمة الفنِّ راجع مسند أحمد ٤: ٨٩، مستدرك الحاكم ٣: ٣٩٠، ٣٩١، تاريخ الخطيب ١: ١٥٢، الاستيعاب ٢: ٤٣٥، اُسد الغابة ٤: ٤٥، طرح التثريب ١: ٨٨، تاريخ ابن كثير ٧: ٣١١، الاصابة ٢: ٥١٢، كنز العمّال ٦: ١٨٥، ج ٧: ٧١ - ٧٥.

١٣ - عن حذيفة انَّه قيل له: إنَّ عثمان قد قُتل فما تأمرنا؟ قال: ألزموا عمّاراً قيل: إنَّ عمّاراً لا يفارق عليّاً قال: إنَّ الحسد هو أهلك للجسد، وإنَّما ينفركم من عمّار قربه من عليّ.

فوالله لعليٌّ أفضل من عمّار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإنَّ عمّاراً من الأخيار. أخرجه ابن عساكر في كنز العمّال ٧: ٧٣.

١٤ - عن عبد الله بن جعفر قال: ما رأيت مثل عمّار بن ياسر ومحمّد بن أبي بكر كانا لا يحبّان أن يعصيا الله طرفة عين، ولا يخالفان الحقّ قيد شعرة. أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد ٩: ٢٩٢.

١٥ - ذكر الأبشيهي في المستطرف ١: ١٦٦ في حديث: هبط جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم اُحد (وكان يسأل عن أصحابه) إلى أن قال: من هذا الذي بين يديك يتَّقي عنك؟ قال: عمّار بن ياسر. قال: بشِّره بالجنّة حرمت النار على عمّار.

هذا عمّار

إذا درستَ هذه كلّها فهل تجد من الحقِّ أن يُعمل معه تلكم الفظاظات مرّة بعد اُخرى؟ وهل تجد مبرِّراً لشيء منها؟ فإن زعمت انَّها تأديبٌ من خليفة الوقت فانَّ التأديبٌ لا يسوغ إلّا على إسائة في الأدب، وزور من القول، ومناقضة للحقِّ، ومضادَّة للشريعة، ويُجلّ عمّار عن كلِّ ذلك، فلم يصدر منه غير دُعاء إلى الحقِّ، وأذان بالحقيقة، وتضجُّرٍ لمظلوم، وعمل بالوصيَّة واجب، ورسالةٍ عن اُناس مؤمنين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فهل حظر الإسلام شيئاً من هذه فأراد الخليفة أن يعيد عمّاراً إلى نصاب الحقِّ؟ أو أنَّ الخليفة مفوّضٌ في النفوس كما يرى انّه مفوّضٌ في الأموال

٢٨

فيراغم فيها عامَّة المسلمين بارضاء من يجب إرغامهم من اُناس لا خلاق لهم؟ وكذلك يفعل بالنفوس فعل المستبدِّين ولوازم الدكتاتوريَّة ومقتضيات الملك العضوض.

ولو كان الخليفة ناصباً نفسه للتأديب فهل أدَّب أمثال عبيد الله بن عمر، والحكم ابن أبي العاص، ومروان بن الحكم، والوليد بن عقبة، وسعيد بن العاص، ونظرائهم من رجال العيث والفساد المستحقَين للتأديب حيناً بعد حين؟ وهو كان يرنو إلى أعمالهم من كثَب، لكنَّه لم يصدر منه إلّا إرضائهم وتوفير العطاء لهم والدفاع عنهم، وتسليطهم على النفوس والأموال حتى أوردوه مورد الهلكة، ولقدادَّ خر تأديبه كلّه لصلحاء الاُمَّة مثل عمّار وأبي ذر وابن مسعود ومن حذا حذوهم، فإلى الله المشتكى.

وإنَّك لو أمعنت النظرة في أعماله وأفعاله لتجدنَّه لا يقيم وزناً لأيِّ صالح من الاُمَّة، ولقد ترقّى ذلك أو تسافل حتى انَّه جابه مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام غير مرَّة بقوارص كلماته وممّا قال له ممّا مرَّ في صفحة « ١٨، ١٩ » قوله: أنت أحقُّ بالنفي منه. وقوله: لئن بقيتُ لا أعدم طاغياً يتخذك سلّماً وعضداً ويعدُّك كهفاً وملجأ. يريد بالطاغي أباذر وعمّار وأمثالهما ويجعل الامامعليه‌السلام سُلّماً وعضداً وكهفاً وملجأ لمن سمَّاهم الطغاة.

كبرت كلمةً تخرج من أفواههم.

كأنَّ الرجل لم يصاحب النبيَّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أولم يَعِ إلى ما هتف به من فضائل مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام من أوَّل يومه آناء الليل وأطراف النهار في حلّه ومرتحله، في ظعنه وإقامته، عند أفراد من أصحابه أو في محتشد منهم، ولدى الحوادث والوقايع وعند كلِّ مناسبة، وفي حروبه ومغازيه.

وكأنَّه لم يشهد بلاء مولانا الإمامعليه‌السلام في مآزق الاسلام الحرجة، ولم يشهد كرَّاته وقد فرَّ أصحابه، وتفانيه في سبيل الدعوة عند خذلان غيره، واقتحامه المهالك لصالح الإسلام حيث ركنوا إلى دعة، وتقهقر بهم الفرَق، وثبَّطهم الخول.

يزعم القوم أنَّ الخليفة كان حافظاً للقرآن وانَّه كان يتلوه في ركعة في لياليه ولو صحَّ ما يقولون فهلّا كان يمرُّ بآية التطهير ومولانا الإمامعليه‌السلام أحد الخمسة الذين اُريدوا بها؟ وبآية المباهلة وهو نفس النبيِّ فيها؟ إلى آيات اُخرى نازلة فيها بالغة إلى

٢٩

ثلاثمائة آية كما يقوله حبر الاُمَّة عبد الله بن العباس(١) أو أنّه كان يمرُّ بها على حين غفلة من مفادها؟ أو يمرُّ بها وقد بلغ منه اللغوب من كثرة التلاوة فلا يلتفت اليها؟ أو أنَّه كان يرتِّلها ملتفتاً إلى مغازيها؟ ولكن...

أنا لا أدري بماذا يُعلّل قوارص الخليفة عليّاًعليه‌السلام إبنا حجر وكثير وأمثالهما المعلّلون أقوال الخليفة وأفعاله في مثل أبي ذر وابن مسعود ومالك الأشتر، بانَّ مصلحة بقائهم في الأوساط الإسلاميَّة مع الحريَّة في المقال لا تكافئ المفسدة المترتَّبة عليه من سقوط اُبَّهة الخلافة. على انَّه ما كان عند القوم إلّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهل يجرُّهم الحبُّ المعمي والمصمُّ إلى أن يقولوا بمثل ذلك في حقِّ عظيم الدنيا والدين مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟ فهل كانت مفسدة هنا لك مترتّبة على مقام الإمام في المدينة حتى يكون نفيه عنها أولى؟ وهل هو إلّا الصلاح كلّه؟وهل المصالح النوعي َّ ة والفرديَّة يُستقى من غيره؟ ولعمر الحقِّ انَّ اُبّهة تسقط لمكان أمير المؤمنينعليه‌السلام وفضله ونزاهته وعلمه وإصلاحه لحريَّةٌ بالسقوط، وأيم الله لو وسع اُولئك المـُدافِعون عن تلكم العظائم لدنَّسوا ساحَة قُدس الإمام بالفرية الشائِنة، واتَّهموه بمثل ما اتَّهموا به غيره من صُلَحاء الاُمَّة وأعلام الصحابة والخيرة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ولكن...

ولو كان الخليفة يعير لنصائح الإمامعليه‌السلام اُذناً واعية لصانه عن المهالك، ولم تزل الاُبَّهة مصونة له، والعزُّ والنجاح ذخراً له ولأهل الإسلام، وكان خيراً له من ركوبه النها بير التي جرَّعته الغصص و أودت به وجرَّت الويلات على الاُمَّة حتى اليوم، ولكنَّه...

لا جرم انَّ الله يعلم ما يسرُّون و مايعلنون، إنَّ هؤلاء يحبّون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلا.

_٤٣_

تسيير الخليفة صلحاء الكوفة إلى الشام

روى البلاذري عن عبّاس بن هشام بن أبيه عن أبي مخنف في إسناده قال: لَمّا

____________________

١ - راجع ما مرّ في الجزء الاول ص ٣٣٤ ط ٢.

٣٠

عزل عثمان رضي الله عنه الوليدبن عقبة عن الكوفة ولّاها سعيد بن العاص وأمره بمداراة أهلها، فكان يجالس قرّاءها ووجوه أهلها ويسامرهم فيجتمع عنده منهم: مالك بن الحارث الأشتر النخعي، وزيد وصعصعة إبنا صوحان العبديَّان، وحرقوص بن زهير السعدي، وجندب بن زهير الأزدي، وشريح بن أوفى بن يزيد بن زاهر العبسي، وكعب ابن عبدة النهدي، وكان يقال لعبدة بن سعد بن ذو الحبكة -، وكان كعب ناسكاّ وهو الذي قتله بُسر بن أرطاة بتثليث - وعدي بن حاتم الجواد الطائي ويكنّى أبا طريف، وكدام بن حضري بن عامر، ومالك بن حبيب بن خراش، وقيس بن عطارد بن حاجب، وزياد بن خصفة بن ثقف، ويزيد بن قيس الأرحبي، وغيرهم ف ا نَّهم لعنده وقد صلّوا العصر إذ تذاكروا السَّواد والجبل ففضلوا السواد وقالوا: هو ينبت ما ينبت الجبل وله هذا النخل، وكان حسّان بن محدوج الذهلي الذي إبتدأ الكلام في ذلك فقال عبد الرحمن بن خُنيس الأسدي صاحب شرطة: لوددت أنَّه للأمير وانَّ لكم أفضل منه. فقال له الأشتر: تمنَّ للأمير أفضل منه ولا تمنَّ له أموالنا. فقال عبد الرحمن: ما يضرّكِ من تمنّي حتّى تزوي ما بين عينيك فوالله لو شاء كان له. فقال الأشتر: والله لو رام ذلك ما قدر عليه. فغضب سعيد وقال: إنَّما السّواد بستان لقريش. فقال الأشتر: أتجعل مراكز رماحنا وما أفاء الله علينا بستاناً لك ولقومك؟ والله لو رامه أحدٌ لقُرع قرعاً يتصأصأ منه. ووثب بابن خنيس فأخذته الأيدي.

فكتب سعيد بن العاص بذلك إلى عثمان وقال: إنِّي لا أملك من الكوفة مع الأشتر وأصحابه الذين يُدعون القرّاء وهم السفهاء شيئاً. فكتب إليه أن سيِّرهم إلى الشام. وكتب إلى الأشتر: إنِّي لأراك تضمر شيئاً لو أظهرته لحلَّ دمك وما أظنّك منتهياً حتّى يصيبك قارعةٌ لا بُقيا بعدها، فإذا أتاك كتابي هذا فسر إلى الشام لإفسادك مَن قِبلك وإنَّك لا تألوهم خبالا. فسيَّر سعيد الأشتر ومَن كان وثب مع الأشتر وهم: زيد و صعصعة إبنا صوحان، وعائذ من حملة الطُهوي من بني تميم، وكميل بن زياد النخعي، وجُندب بن زهير الأزدي، والحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، ويزيد بن المكفف النخعي، وثابت بن قيس بن المنقع النخعي، وأصعر(١) بن قيس بن الحارث الحارثي

____________________

١ - كذا فى انساب الاشراف بالعين المهملة وفي الإصابة بالمعجمة.

٣١

فخرج المسيِّرون من قرّاء أهل الكوفة فاجتمعوا بدمشق نزلوا مع عمرو بن زرارة فبرَّهم معاوية وأكرمهم، ثمَّ انَّه جرى بينه وبين الأشتر قولٌ حتّى تغالظا فحبسه معاوية فقام عمرو بن زرارة فقال: لئن حبسته لتجدنَّ من يمنعه. فأمر بحبس عمرو فتكلّم سائر القوم فقالوا: أحسن جوارنا يا معاوية! ثمَّ سكتوا فقال معاوية: مالكم لا تكلّمون فقال زيد بن صوحان: وما نصنع بالكلام؟ لئن كنّا ظالمين فنحن نتوب إلى الله، وإن كنّا مظلومين فانّا نسأل الله العافية. فقال معاوية: يا أبا عائشة! أنت رجل صدق. وأذن له في اللحاق بالكوفة، وكتب إلى سعيد بن العاص: أمّا بعد: فانِّي قد أذنت لزيد بن صوحان في المسير إلى منزله بالكوفة لما رأيت من فضله وقصده وحسن هديه فأحسن جواره وكفّ الأذى عنه وأقبل إليه بوجهك وودّك، فانَّه قد أعطاني موثقاً أن لا ترى منه مكروهاً. فشكر زيد معاوية وسأله عند وداعه إخراج مَن حبس ففعل.

وبلغ معاوية أنَّ قوماً من أهل دمشق يجالسون الأشتر وأصحابه فكتب إلى عثمان: إنَّك بعثت إليَّ قوماً أفسدوا مصرهم وأنغلوه، ولا آمن أن يفسدوا طاعة مَن قِبلي و يعلموهم ما لا يُحسنونه حتّى تعود سلامتهم غائلة، واستقامتهم اعوجاجا.

فكتب إلى معاوية يأمره أن يسيِّرهم إلى حمص، ففعل وكان واليها عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة، ويقال: إنَّ عثمان كتب في ردِّهم إلى الكوفة فضجَّ منهم سعيد ثانية فكتب في تسييرهم إلى حمص فنزلوا الساحل.

الأنساب ٥: ٣٩ - ٤٣.

صورة مفصّلة

إنَّ عثمان أحدث أحداثاً مشهورة نقمها الصحابة من تأمير بني اُميَّة ولا سيّما الفسّاق منهم وأرباب السفه وقلّة الدين، وإخراج مال الفئ إليهم وما جرى في أمر عمار وأبي ذر وعبد الله بن مسعود وغير ذلك من الاُمور التي جرت في أواخر خلافته، ثمَّ اتَّفق انَّ الوليد بن عقبة لمـّا كان عاملاً على الكوفة وشهد عليه بشرب الخمر صرفه، وولَّى سعيد بن العاص مكانه فقدم سعيد الكوفة واستخلص من أهلها قوماً يسمرون عنده فقال سعيد يوماً: إنَّ السَّواد بستان لقريش وبني اُميَّة، فقال الأشتر النخغي: وتزعم انَّ السَّواد الذي أفاءه الله على المسلمين بأسيافنا بستانٌ لك ولقومك؟ فقال صاحب شرطته: أتردُّ على الأمير مقالته؟ وأغلظ له، فقال الأشتر لمن حوله من النخع وغيرهم

_٢_

٣٢

من أشراف الكوفة: ألا تسمعون؟ فوثبوا عليه بحضرة سعيد فوطؤه وطأ عنيفاً وجرُّوا برجله، فغلظ ذلك على سعيد وأبعد سماره، فلم يأذن بعدُ لهم فجعلوا يشتمون سعيداً في مجالسهم ثمَّ تعدوا ذلك إلى شتم عثمان، واجتمع إليهم ناسٌ كثيرٌ حتّى غلظ أمرهم فكتب سعيد إلى عثمان في أمرهم فكتب إليه أن يسيَّرهم إلى الشام لئلّا يفسدوا أهل الكوفة وكتب إلى معاوية وهو والي الشام: إنَّ نفراً من أهل الكوفة قد همَّوا بإثارة الفتنة وقد سيِّرتهم، إليك، فانههم فإن آنست منهم رشداً فأحسن إليهم وارددهم إلى بلادهم.

فلمّا قدموا على معاوية، وكانوا: الأشتر، ومالك بن كعب الأرحبي، والأسود بن يزيد النخعي، وعلقمة بن قيس النخعي، وصعصعة بن صوحان العبدي، وغيرهم جمعهم يوماً وقال لهم:

إنَّكم قومٌ من العرب ذووا أسنان وألسنة وقد أدركتم بالإسلام شرفاً وغلبتم الاُمم وحويتم مواريثهم، وقد بلغني انَّكم ذممتم قريشاً، ونقمتم على الولاة منها، ولولا قريش لكنتم أذلَّة إنَّ أئمَّتكم لكم جُنَّة فلا تفرَّقوا عن جنَّتكم، إنَّ أئمَّتكم ليصبرون على الجور ويحتملون فيكم العتاب، والله لتنتهينَّ أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم الخسف ولا يحمدكم على الصبر ثمَّ تكون شركاؤهم فيما جررتم عليه الرعيَّة في حياتكم وبعد وفاتكم.

فقال له صعصعة بن صوحان: أمّا قريش فإنَّها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهليَّة، وإنَّ غيرها من العرب لأكثر منها وأمنع.

فقال معاوية: إنَّك لخطيب القوم ولا أرى لك عقلاً وقد عرفتكم الآن، وعلمت أنَّ الذي أغراكم قلّة العقول، اُعظّم عليكم أمر الإسلام فتذكروني الجاهليَّة، أخزى الله قوماً عظّموا أمركم، إفقهوا عنِّي ولا أظنُّكم تفقهون: إنَّ قريشاً لم تعزّ في جاهليَّة ولا في الإسلام إلّا بالله وحده، لم تكن بأكثر العرب ولا أشدِّها ولكنَّهم كانوا أكرمهم أحساباً، وأمحضهم أنساباً، وأكملهم مروءة، ولم يمتنعوا في الجاهليَّة والناس تأكل بعضهم بعضا إلّا بالله، فبوَّأهم حرماً آمناً يتخطَّف الناس من حولهم، هل تعرفون عرباً أو عجماً أو سوداً أو حمراً؟ إلّا وقد أصابهم الدهر في بلدهم وحرمهم إلّا ما كان من قريش، فانّه لم يردّهم أحدٌ من الناس بكيد إلّا جعل الله خدَّه الأسفل حتّى أراد الله تعالى أن يستنقذ

٣٣

من اكرمه باتِّباع دينه من هوان الدنيا وسوء مردِّ الآخرة، فارتضى لذلك خير خلقه، ثمَّ ارتضى له أصحاباً، وكان خيارهم قريشاً، ثمَّ بنى هذا الملك عليهم وجعل هذه الخلافة فيهم فلا يصحُّ الأمر إلّا بهم، وقد كان الله يحوطهم في الجاهليَّة وهم على كفرهم، أفتراه لا يحوطهم وهم على دينه؟ اُفٍ لك ولأصحابك، أمّا أنت يا صعصعة! فانَّ قريتك شرُّ القرى، أنتنها نبتاً، وأعمقها وادياً، وألأمها جيراناً، وأعرفها بالشرِّ، لم يسكنها شريفٌ قطُّ، ولا وضيع إلّا شبَّ بها نزاع الاُمم وعبيد فارس، وأنت شرُّ قومك أحين أبرزك الإسلام وخلطك بالناس أقبلت تبغي دين الله عوجا، وتنزع إلى الغواية؟ إنّه لن يضرَّ ذلك قريشاً ولا يضعهم ولا يمنعهم من تأدية ما عليهم، إنَّ الشيطان عنكم لغير غافل، قد عرفكم بالشرِّ فأغراكم بالناس، وهو صارعكم وإنَّكم لا تدركون بالشرِّ أمراً إلاّ فتح عليكم شرُّ منه وأخزى، قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم، لا ينفع الله بكم أحداً أبداً ولا يضرُّه، ولستم برجال منفعة ولا مضرَّة، فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتكم ولا نبطرنكم النعمة، فإنّ البطر لا يجرُّ خيرا، اذهبوا حيث شئتم، فسأكتب إلى أمير المؤمنين فيكم.

وكتب إلى عثمان: إنَّه قدم عليَّ قومٌ ليست لهم عقولٌ ولا أديان، أضجرهم العدل لا يريدون الله بشيء، ولا يتكلّمون بحجَّة، إنَّما هممهم الفتنة والله مبتليهم وفاضحهم وليسوا بالذين نخاف نكايتهم، وليسوا الأكثر ممَّن له شعب ونكير. ثمَّ أخرجهم من الشام.

وروى الحسن المدائني: انَّه كان لهم مع معاوية بالشام مجالس طالت فيها المحاورات والمخاطبات بينهم، وإنَّ معاوية قال لهم في جملة ما قاله: إنَّ قريشاً قد عرفت انَّ أبا سفيان أكرمها وابن أكرمها إلّا ما جعل الله لنبيِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانَّه إنتجبه وأكرمه، و لو انَّ أبا سفيان ولد الناس كلّهم لكانوا حلماء.

فقال له صعصعة بن صوحان: كذبت، قد ولدهم خيرٌ من أبي سفيان، مَن خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة فسجدوا له، فكان فيهم البرُّ والفاجر والكيِّس والأحمق.

قال: ومن المجالس التي دارت بينهم: إنَّ معاوية قال لهم: أيُّها القوم ردُوا خيراً

٣٤

واسكنوا وتفكّروا وانظروا فيما ينفعكم والمسلمين فاطلبوه وأطيعوني.

فقال له صعصعة: لست بأهل لذلك ولا كرامة لك أن تطاع في معصية الله.

فقال: إنَّ أول كلام ابتدأتُ به أن أمرتكم بتقوى الله وطاعة رسوله وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا.

فقال صعصعة: بل أمرت بالفرقة وخلاف ما جاء به النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال: إن كنتُ فعلتُ فإنِّي الآن أتوب وآمركم بتقوى الله وطاعته ولزوم الجماعة وأن توقّروا أئمَّتكم وتطيعوهم.

فقال صعصعة: إذا كنت تبت فإنّا نأمرك أن تعتزل أمرك فإنَّ في المسلمين من هو أحقّ به منك ممّن كان أبوه أحسن أثراً في الاسلام من أبيك، وهو أحسن قَدماً في الإسلام منك.

فقال معاوية: إنَّ لي في الإسلام لقدماً وإن كان غيري أحسن قدماً منِّي لكنَّه ليس في زماني أحدٌ أقوى على ما أنا فيه منِّي، ولقد رأى ذلك عمر بن الخطاب، فلو كان غيري أقوى منِّي لم يكن عند عمر هوادة لي ولغيري، ولا حدث ما ينبغي له أن أعتزل عملي، ولو رأى ذلك أمير المؤمنين لكتب إليَّ فاعتزلت عمله، ولو قضى الله أن يفعل ذلك لرجوت أن لا يعزم له على ذلك إلّا وهو خير، فمهلاً فإنَّ فيَّ دون ما أنتم فيه، ما يأمر فيَّ الشيطان وينهى، ولعمري لو كانت الاُمور تقضي على رأيكم وأهوائكم ما استقامت الاُمور لأهل الإسلام يوماً وليلة، فعودوا الخير وقولوه. فقالوا: لست لذلك أهلاً. فقال: أما والله إنّ لِلّه لسطوات ونقمات وإنِّي لخائفٌ عليكم أن تتبايعوا إلى مطاوعة الشيطان ومعصية الرَّحمن فيحلّكم ذلك دار الهوان في العاجل والآجل.

فوثبوا عليه فأخذوا برأسه ولحيته فقال: مَهْ، إنَّ هذه ليست بأرض الكوفة والله لو رأى أهل الشام ما صنعتم بي وأنا إمامهم ما ملكتُ أن أنهاهم عنكم حتّى يقتلوكم فلعمري إنَّ صنيعكم ليشبه بعضه بعضا، ثمَّ قام من عندهم فقال: والله لا أدخل عليكم مدخلاً ما بقيت وكتب إلى عثمان:

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، لعبد الله عثمان أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان أمَّا بعد: يا أمير المؤمنين! فانَّك بعثت إليَّ أقواماً يتكلّمون بألسنة الشياطين وما يملون

٣٥

عليهم ويأتون النّاس زعموا منِ قبل القرآن فيشبِّهون على النّاس، وليس كلّ النّاس يعلم ما يريدون، وإنَّما يريدون فُرقة، ويقرِّبون فتنة، قد أثقلهم الإسلام وأضجرهم، و تمكّنت رُقى الشيطان من قلوبهم، فقد أفسدوا كثيراً من النّاس ممَّن كانوا بين ظهرانيهم من أهل الكوفة، ولست آمن إن أقاموا وسط أهل الشام أن يغرُّوهم بسحرهم و فجورهم فارددهم إلى مصرهم، فلتكن دارهم في مصرهم الذي نجم فيه نفاقهم. والسَّلام.

فكتب إليه عثمان يأمره أن يردَّهم إلى سعيد بن العاص بالكوفة فردَّهم إليه فلم يكونوا إلّا أطلق ألسنةً منهم حين رجعوا، وكتب سعيد إلى عثمان بضجُّ منهم، فكتب عثمان إلى سعيد أن سيِّرهم إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وكان أميراً على حمص وهم: الأشتر، وثابت بن قيس الهمداني(١) وكميل بن زياد النخعي، وزيد بن صوحان وأخوه صعصعة، وجندب بن زهير الغامدي، وحبيب بن كعب الأزدي، وعروة ابن الجعد(٢) وعمرو بن الحمق الخزاعي.

وكتب عثمان إلى الأشتر وأصحابه: أمَّا بعد: فانَّي قد سيَّرتكم إلى حمص فإذا أتاكم كتابي هذا فاخرجوا إليها فإنَّكم لستم تألون الإسلام وأهله شرّاً. والسَّلام.

فلمَّا قرأ الأشتر الكتاب قال: ألّلهمَّ أسوأنا نظراً للرعيَّة، وأعملنا فيهم بالمعصية فعجّل له النقمة. فكتب بذلك سعيد إلى عثمان، وسار الأشتر وأصحابه إلى حمص فأنزلهم عبد الرحمن بن خالد الساحل وأجرى عليهم رزقاً.

وروى الواقدي: إنَّ عبد الرحمن بن خالد جمعهم بعد أن أنزلهم أيّاماً وفرض لهم طعاماً ثمّ قال لهم: يا بني الشيطان! لا مرحباً بكم ولا أهلاً، قد رجع الشيطان محسوراً وأنتم بعدُ في بساط ضلالكم وغيّكم، جزى الله عبد الرحمن إن لم يؤذكم، يا معشر مَن لا أدري أعربٌ هم أم عجم، أتراكم تقولون لي ما قلتم لمعاوية؟ أنا ابن خالد بن الوليد، أنا ابن مَن عجمته العاجمات، أنا ابن فاقئُ عين الردَّة، والله يا ابن صوحان! لأطيرنَّ بك طيرة بعيدة المهوى إن بلغني أنَّ أحداً ممَّن معي دقَّ أنفك فاقتنعت رأسك، قال: فأقاموا عنده شهراً كلّما ركب أمشاهم معه ويقول لصعصعة: يا ابن الخطية! إنَّ مَن لم

____________________

١ - فى تاريخ الطبرى: النخعى. بدل: الهمدانى.

٢ - فى اسد الغابة ٣: ٤٠٣: كان ممّن سيره عثمان رضي الله عنه الى الشام من أهل الكوفة.

٣٦

يُصلحه الخير أصلحه الشرُّ، مالك لا تقول كما كنت تقول لسعيد ومعاوية؟ فيقولون: نتوب إلى الله، أقلنا أقالك الله، فما زال ذاك دأبه ودأبهم حتى قال: تاب الله عليكم. فكتب إلى عثمان يسترضيه عنهم ويسأله فيهم فردَّهم إلى الكوفة.

تاريخ الطبري ٥: ٨٨ - ٩٠، الكامل لابن الأثير ٣: ٥٧ - ٦٠، شرح ابن أبي الحديد ١: ١٥٨ - ١٦٠ ورأى هذه الصورة أصحَّ ما ذكر في القضيَّة، تاريخ ابن خلدون ٢: ٣٨٧ - ٣٨٩، تاريخ أبي الفدا ج ١: ١٦٨ في حوادث سنة ٣٣.

قال الأميني: كان في عظمة أكثر هؤلاء القوم وصلاحهم المتسالم عليه وتقواهم المعترَف بها مُرتدَعٌ عن أذاهم وإجفالهم عن مستوى عزِّهم وموطن إقامتهم وتسييرهم من مَنفي إلى منفى، والإصاخة الى سعاية ذلك الشابِّ المستهتر والله سبحانه يقول: إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيَّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على‏ ما فعلتم نادمين(١) وكان على الخليفة أن يبعث اليه باللائمة بل يعاقبه على ما فرط في جنب أولياء الله بتسميته إيّاهم السفهاء وهم قرّاء المصر، وزعماء الملأ، ونسَّاك القطر، وفقهاء القارَّة، وهم القدوة في التقوى والنسك، وبهم الاسوة في الفقه والأخلاق، ولم يكن عليهم إلّا عدم التنازل لميول ذلك الغلام الزائف، وعدم مماشاتهم إيّاه على شهواته ومزاعمه، وهلّا استشفَّ الخليفة حقيقة ما شجر بينه وبين القوم حتى يحكم فيه بالحقِّ، لكنَّه بدل أن يَّتخذ تلكم الطريقة المثلى في القضيَّة استهواه ذلك الشابُّ المترف فمال اليه بكلّه، ونال من القوم ما نال، وأوقع بهم ما حبَّذه له الحبُّ والمعمي والمصمّ، لكن الدين وملأه أنكرا ذلك عليه وحفظه التاريخ ممّا نقم به على عثمان.

كانت لائمة معاوية للقوم مزيجها الملاينة لاعن حلم، وخشونة لا يستمرُّ عليها، كلّ ذلك لم يكن لنصرة حقّ أو ابتغاء إصلاح، وإنّما كان يكاشفهم جلباً لمرضاة الخليفة، ويوادعهم لما كان يدور في خلده من هوى الخلافة غداً، وكان يعرف القوم بالشدَّة والمتبوعيَّة، فما كان يروقه قطع خطِّ الرجعة بينه وبينهم متى تسنّى له الحصول على غايته المتوخّاة، وكانت هذه الخواطر لا تبارحه، ولا يزال هو يعدّ الدقائق والثواني للتوصُّل إليها، وكان أحبّ الأشياء إليه إكتساح العراقيل دونها، ولذلك أطلقُ سراح

____________________

١ - سورة الحجرات: ٦.

٣٧

القوم وتثبَّط عن النهضة لنصرة عثمان لمـّا استنصره (كما سيأتي تفصيله) حتّى قُتل و معاوية في الخاذلين له.

وأمّا إبن خالد فقد مجرى أبيه في الفظاظة والغلظة، فلم يعاملهم إلّا بالرعونة ولم يُجاملهم إلّا بالقسوة، وكلّ إناء بالذي فيه ينضح.

وهاهنا نوقفك على نُبذ من أحوال مَن يهمّك الوقوف على حياته الثمينة مِن اُولئك الرجال المنفيِّين الأبرار، حتّى تعلم أن ما تقوَّلوه فيهم وفعلوه بهم في منتأىً عنهم، وإنَّما كان ذلك ظلماً وعدواناً، وتعلم أنَّ ابن حجر مائنٌ فيما يصف به الأشتر من المروق(١) غير مصيب في قذفه، متجانف للإثم في الدفاع عن عثمان بقوله: إنَّ المجتهد لا يُعترض عليه في اُموره الإجتهاديَّة، لكن اُولئك الملاعين المعترضون لا فهم لهم بل ولا عقل(٢) .

الأشتر

١ - مالك بن الحارث الأشتر، أدرك النبيَّ الأعظم وقد أثنى عليه كلُّ مَن ذكره، ولم أجد أحداً يغمز فيه، وثَّقة العجلي وذكره ابن حبان في الثقات، ولا يُحمل عدم رواية أيِّ إمام عنه على تضعيفه، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ١٠: ١٢: قال مهنّا: سألت أحمد عن الأشتر يروي عنه الحديث؟ قال: لا. قال: ولم يرد أحمد بذلك تضعيفه، وإنَّما نفى أن تكون له رواية. وكفاه فضلاً ومنعة كلمات مولانا أمير المؤمنين في الثناء عليه في حياته وبعد المنون، وإليك بعض ما جاء في ذلك البطل العظيم:

١ - من كتاب لمولانا أمير المؤمنين كتبه إلى أهل مصر لَمّا ولَّى عليهم الأشتر: أمّا بعد: فقد بعثت إليكم عبداً من عباد الله لا ينام أيّام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الروع، أشدّ على الفجّار من حريق النَّار. و هو: مالك بن الحارث أخو مذحج فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحقّ، فإنَّه سيفٌ مِن سيوف الله، لا كليل الظُبة(٣) ولا نابي الضريبة، فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنَّه لا يُقدم ولا يُحجم، ولا يؤخِّر ولا يُقدِّم إلّا عن أمري، وقد

____________________

١ - راجع الصواعق ص ٦٨.

٢ - راجع الصواعق ص ٦٨.

٣ - الظبة بتخفيف الموحدة: حدّ السيف.

٣٨

آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم، وشدَّة شكيمته على عدوّكم. إلخ.

تاريخ الطبري ٦: ٥٥، نهج البلاغة ٢: ٦١، شرح إبن أبي الحديد ٢: ٣٠.

صورة اُخرى

رواها الشعبي من طريق صعصعة بن صوحان.

أمّا بعد: فإنِّي قد بعثت إليكم عبداً من عباد الله لا ينام أيّام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء حذار الدوائر، لا ناكلٌ من قدم، ولا واهٍ في عزم، مِن أشدّ عباد الله بأساً، وأكرمهم حسباً، أضرّ على الفجّار من حريق النّار، وأبعد الناس من دنس أو عار، وهو: مالك بن الحرث الأشتر، حسامٌ صارمٌ، لا نابي الضريبة، ولا كليل الحدّ، حكيمٌ في السِّلم، رزينٌ في الحرب، ذو رأي أصيل، وصبر جميل، فاسمعوا له وأطيعوا أمره، فإن أمركم بالنفر فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنَّه لا يُقدم ولا يُحجم إلّا بأمري، وقد آثرتكم به نفسي نصيحة لكم، وشدَّة شكيمته على عدوّكم. إلخ(١) .

٢ - من كتاب للمولى أمير المؤمنين كتبه إلى أميرين من اُمراء جيشه.

وقد أمَّرت عليكما وعلى من في حيّزكما مالك بن الحارث الأشتر، فاسمعا له وأطيعا واجعلاه درعاً ومجنّاً، فإنَّه ممَّن لا يخاف وهنه ولا سقطته، ولا بطؤه عمّا الإسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل.

قال إبن أبي الحديد في شرحه ٣: ٤١٧: فأمّا ثناء أمير المؤمنينعليه‌السلام عليه في هذا الفصل فقد بلغ مع اختصاره ما لا يبلغ بالكلام الطويل، ولعمري كان الأشتر أهلاً لذلك، كان شديد البأس جواداً رئيساً حليماً فصيحاً شاعراً، وكان يجمع بين اللين والعنف، فيسطو في موضع السطوة، ويرفق في موضع الرفق، ومن كلام عمر: إنَّ هذا الأمر لا يصلح إلّا لقويّ في غير عُنف، وليِّن في غير ضعف.ا ه.

٣ - من كتاب كتبه مولانا أمير المؤمنين إلى محمَّد بن أبي بكر يذكر فيه الأشتر فيقول:

إنَّ الرجل الذي كنت ولّيته مصر كان لنا نصيحاً، وعلى عدوّنا شديداً، وقد

____________________

١ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢: ٢٩، جمهرة الرسائل: ١: ٥٤٩.

٣٩

استكمل أيّامه، ولاقى حمامه، ونحن عنه راضون، فرضي الله عنه، وضاعف له الثواب، وأحسن له المآب.

تاريخ الطبري ٦: ٥٥، نهج البلاغة ٢: ٥٩، الكامل لإبن الأثير ٣: ١٥٣، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٣٠.

٤ - لمـّا بلغ عليّاً (أمير المؤمنين) موت الأشتر قال: إنّا لِلَّه وإنّا إليه راجعون والحمد لِلَّه ربِّ العالمين؛ أللهمَّ إنِّي أحتسبه عندك فإنَّ موته من مصائب الدهر. ثمَّ قال: رحم الله مالكاً فقد كان وفى بعهده، وقضى نحبه، ولقي ربَّه، مع أنّا قد وطَّنا أنفسنا أن نصبر على كلِّ مصيبة بعد مصابنا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنَّها من أعظم المصائب، قال المغيرة الضبي: لم يزل أمر عليّ شديداً حتى مات الأشتر(١) .

٥ - عن جماعة من أشياخ النخع قالوا: دخلنا على عليّ أمير المؤمنين حين بلغه موت الأشتر فوجدناه يتلهَّف و يتأسَّف عليه ثمَّ قال: لِلَّه درُّ مالك، وما مالك؟ لو كان مِن جبل لَكان فِنداً(٢) ، ولو كان من حجر لكان صلدا، أما والله ليهدنَّ موتك عالماً، وليفرحنَّ عالماً، على مثل مالك فليبك البواكي، وهل موجودٌ كما لك؟.

وقال علقمة بن قيس النخعي: فما زال علىٌّ يتلهَّف ويتأسَّف حتّى ظننّا انّه المصاب دوننا، وعرف ذلك في وجهه أيّاماً.

وفي لفظ الشريف الرضي والزبيدي: لو كان جبلاً لكان فِنداً، لا يرتقيه حافر، ولا يوفى عليه الطائر.

نهج البلاغة ٢: ٢٣٩، شرح إبن أبي الحديد ٢: ٣٠، لسان العرب ٤: ٣٣٦، الكامل لإبن الأثير ٣: ١٥٣، تاج العروس ٢: ٤٥٤.

٦ - قال ابن أبي الحديد في شرحه ٣: ٤١٦: كان فارساً شجاعاً رئيساً من أكابر الشيعة وعظمائها، شديد التحقق بولاء أمير المؤمنينعليه‌السلام و نصره وقال فيه بعد موته: رحم الله مالكاً فلقد كان لي كما كنت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٧ - دسَّ معاوية بن أبي سفيان للأشتر مولى عمر فسقاه شربة سويق فيها سمُّ فمات

____________________

١ - شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٩.

٢ - الفند بالكسر: القطعة العظيمة من الجبل.

٤٠