الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٩

الغدير في الكتاب والسنة والأدب9%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 403

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131110 / تحميل: 9111
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٩

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

قلت وقالوا وقولي الأخير خيرٌ من قولي الأوَّل. فقال لها ابن اُم كلاب(١) .

منكِ البداء ومنكِ الغِيَرْ

ومنكِ الرياح ومنكِ المطَرْ

وأنتِ أمرتِ بقتل الإمام

وقلتِ لنا: إنَّه قد كفرْ

فهبنا أطعناكِ في قتله

وقاتله عندنا من أمرْ

ولم يسقط السقف من فوقنا

ولم ينكسف شمسنا والقمرْ

وقد بايع النّاس ذا تُدرإ

يزيل الشبا ويُقيم الصَّعَرْ

ويلبس للحرب أثوابها

وما من وفى مثلُ من قد غدرْ

فانصرفت إلى مكّة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر فستَّرت واجتمع اليها الناس فقالت: يا أيُّها الناس! إنَّ عثمان رضي الله عنه قُتل مظلوماً ووالله لأطلبنَّ بدمه.

١٠ - قال أبو عمر صاحب الاستيعاب: إنَّ الأحنف بن قيس كان عاقلاً حليماًذا دين وذكاء وفصاحة ودهاء، لَمّا قدمت عائشة البصرة أرسلت إلى الأحنف بن قيس فأبى أن يأتيها ثمَّ أرسلت اليه فأتاها فقالت: ويحك يا أحنف! بمَ تعتذر إلى الله من ترك جهاد قتلة أمير المؤمنين! عثمان رضي الله عنه؟ أمن قلّة عدد؟ أو أنَّك لا تُطاع في العشيرة؟ قال: يا اُم المؤمنين! ما كبرت السنُّ ولا طال العهد وإنَّ عهدي بكِ عام أوّل تقولين فيه وتنالين فيه. قالت: ويحك يا أحنف! إنَّهم ماصوه موص الإناء ثمَّ قتلوه. قال: يا اُم المؤمنين! إنِّي آخذٌ بأمركِ وأنتِ راضية، وأدعه وأنت ساخطة.

١١ - أخرج ابن عساكر من طريق أبي مسلم انَّه قال لأهل الشام وهم ينالون من عائشة في شأن عثمان، يا أهل الشام! أضرب لكم مثلكم ومثل امّكم هذه: مثلها و مثلكم كمثل العين في الرأس تؤذي صاحبها ولا يستطيع أن يعاقبها إلّا بالذي هو خيرٌ لها.

١٢ - قال ابن أبي الحديد: قال كلُّ من صنَّف في السير والأخبار: إنَّ عائشة كانت من أشدِّ الناس على عثمان حتّى أنَّها أخرجت ثوباً من ثياب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنصبته في منزلها وكانت تقول للداخلين اليها: هذا ثوب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبل و عثمان قد أبلى سنَّته. قالوا: أوَّل من سمّى عثمان نعثلاً عائشة، وكانت تقول: اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلا.

____________________

١ - فى لفظ ابن قتيبة: عذر والله ضعيف، يا ام المؤمنين. ثم ذكر الابيات.

٨١

١٣ - روى المدائني في كتاب الجمل قال: لَمّا قُتل عثمان كانت عائشة بمكّة وبلغ قتله إليها وهي بشراف فلم تشكّ في أنَّ طلحة هو صاحب الأمر وقالت: بُعداً لنعثل وسحقاً، ايه ذا الإصبع! ايه أبا شبل! ايه يا ابن عمّ! لكأنِّي أنظر إلى إصبعه وهو يبايع له، حثوا الابل ودعدعوها. قال: قد كان طلحة حين قُتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال وأخذ نجائب كانت لعثمان في داره ثمَّ فسد أمره فدفعها إلى عليِّ بن أبي طالب.

١٤ - قال أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتابه: إنَّ عائشة لَمّا بلغها قتل عثمان وهي بمكّة أقبلت مسرعة وهي تقول: ايه ذا الإصبع لله أبوك، أما انَّهم وجدوا طلحة لها كفواً، فلمَّا انتهت إلى شراف(١) استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له: ما عندك؟ قال: قُتل عثمان. قالت: ثمَّ ماذا؟ قال: ثمَّ حارت بهم الاُمور إلى خير محار، بايعوا عليّاً. فقالت: لوددت أنَّ السماء انطبقت على الأرض إن ثمَّ هذا، ويحك انظر ماذا تقول. قال: هو ما قلت لك يا اُمَّ المؤمنين! فولولت. فقال لها: ما شأنكِ يا اُمَّ المؤمنين؟ والله ما أعرف بين لابتيها أحداً أولى بها منه ولا أحقّ، ولا أرى له نظيراً في جميع حالاته، فلماذا تكرهين ولايته؟ قال: فما ردَّت عليه جواباً.

وقد روي من طرق مختلفة: انَّ عائشة لَمّا بلغها قتل عثمان وهي بمكّة قالت: أبعده الله، ذلك بما قدَّمت يداه وما الله بظلّام للعبيد.

١٥ - قال: وقد روى قيس بن أبي حازم: انَّه حجَّ في العام الذي قُتل فيه عثمان وكان مع عائشة لَمّا بلغها قتله فتحمَّل إلى المدينة قال: فسمعها تقول في بعض الطريق ايه ذا الإصبع. وإذا ذكرت عثمان قالت: أبعده الله. حتّى أتاها خبر بيعة عليّ فقالت: لوددت أنَّ هذه وقعت على هذه. ثمَّ أمرت بردِّ ركائبها إلى مكّة فرددت معها ورأيتها في سيرها إلى مكّة تخاطب نفسها كأنَّها تخاطب أحداً: قتلوا ابن عفان مظلوماً. فقلت لها: يا اُمَّ المؤمنين! ألم أسمعك آنفاً تقولين أبعده الله؟ وقد رأيتكِ قبلُ أشدَّ الناس عليه وأقبحهم فيه قولاً، فقالت: لقد كان ذلك ولكنّي نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتَّى إذا تركوه كالفضّة البيضاء أتوه صائماً محرماً في شهر حرام فقتلوه.

١٦ - قال: وروي من طرق اُخرى: أنّها قالت لَمّا بلغها قتله: أبعده الله قتله ذنبه،

____________________

١ - راجع صفحة ٢٣٦ من الجزء الثامن، وص ٨٠ من هذا الجزء.

٨٢

وأقاده الله بعمله، يا معشر قريش! لا يسومنَّكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه، إنَّ أحقَّ النّاس بهذا الأمر ذو الإصبع. فلمّا جاءت الأخبار ببيعة عليّعليه‌السلام قالت: تعسوا لا يردُّون الأمر في تيم أبداً. كتب طلحة والزبير إلى عائشة وهي بمكّة كتباً أن خذِّلي النّاس عن بيعة عليّ، وأظهري الطلب بدم عثمان. وحملا الكتب مع ابن اختها عبد الله بن الزبير، فلمّا قرأت الكتب كاشفت وأظهرت الطلب بدم عثمان، وكانت اُمّ سلمة رضي الله عنها بمكّة في ذلك العام فلمّا رأت صنع عائشة قابلتها بنقيض ذلك وأظهرت موالاة عليّعليه‌السلام ونصرته على مقتضى العداوة المركوزة في طباع الضرَّتين.

١٧ - قال أبو محنف: جاءت عائشة إلى اُمِّ سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان فقالت لها: يا بنت أبي اُميَّة أنت أوَّل مهاجرة من أزواج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنت كبيرة اُمَّهات المؤمنين، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسم لنا من بيتك، وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلك. فقالت اُمّ سلمة: لأمرٍ ما قلتِ هذه المقالة؟ فقالت عائشة: إنَّ عبد الله أخبرني أنّ القوم استتابوا عثمان فلمّا تاب قتلوه صائماً في شهر حرام، وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعلَّ الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا. فقالت: أنا اُمّ سلمة، إنّكِ كنت بالأمس تحرِّضين على عثمان وتقولين فيه أخبث القول، وما كان إسمه عندكِ إلّا نعثلاً، وإنَّكِ لتعرفين منزلة عليَّ بن أبي طالب عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ألحديث(١) .

١٨ - روى ابن عبد ربِّه عن العتبي قال: قال رجلٌ من بني ليث: لقيت الزبير قادماً فقلت: يا أبا عبد الله ما بالك؟ قال: مطلوبٌ مغلوبٌ يغلبني إبني ويطلبني ذنبي، قال: فقدمت المدينة فلقيت سعد بن أبي وقّاص فقلت: أبا إسحاق! مَن قتل عثمان؟ قال: قتله سيف سلّته عائشة، شحَّذه طلحة، وسمَّه عليٌّ. قلت: فما حال الزبير؟ قال: أشار بيده وصمت بلسانه.

وفي الإمامة والسياسة: كتب عمرو بن العاص إلى سعد بن أبي وقّاص يسأله عن قتل عثمان ومن قتله ومن تولّى كبره، فكتب إليه سعد: إنَّك سألتني من قتل عثمان، وإنِّي اُخبرك إنَّه قُتل بسيف سلّته عائشة، وصقَّله طلحة، وسمَّه ابن أبي طالب، و

____________________

١ - فيه فوائد جمّة لا تفوت الباحث وعليه به.

٨٣

سكت الزبير وأشار بيده، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعنا عنه، ولكن عثمان غيَّر وتغيَّر وأحسن وأساء، فإن كنّا أحسنّا فقد أحسنّا، وإن كنّا أسأنا؟ فنستغفر الله، واُخبرك أنَّ الزبير مغلوبٌ بغلبة أهله وبطلبه بذنبه، وطلحة لو يجد أن يشقَّ بطنه من حبِّ الإمارة لشقَّه.

١٩ - وقال ابن عبد ربِّه: دخل المغيرة بن شعبة على عائشة فقالت: يا أبا عبد الله! لو رأيتني يوم الجمل قد انفذت النصل هودجي حتّى وصل بعضها إلى جلدي. قال لها المغيرة: وددت والله إنَّ بعضها كان قتلك. قالت: يرحمك الله ولِمَ تقول هذا؟ قال لعلّها تكون كفّارةً في سعيكِ على عثمان. قالت: أما والله لئن قلت ذلك لما علم الله إنِّي أردت قتله، ولكن علم الله إنِّي أردت أن يُقاتل فقوتلت، وأردت أن يُرمى فرُميت، وأردت أن يُعصى فعصيت، ولو علم منِّي أنِّي أردت قتله لقُتلت.

٢٠ - وروى ابن عبد ربّه عن أبي سعيد الخدري قال: إنَّ ناساً كانوا عند فسطاط عائشة وأنا معهم بمكّة فمرَّ بنا عثمان فما بقي أحدٌ من القوم إلّا لعنه غيري فكان فيهم رجلٌ من أهل الكوفة فكان عثمان على الكوفة أجرأ منه على غيره فقال: يا كوفي! أتشتمني؟ فلمّا قدم المدينة كان يتهدِّده قال: فقيل له: عليك بطلحة، قال: فانطلق معه حتّى دخل على عثمان فقال عثمان: والله لأجلدنَّه مائة سوط. قال طلحة: والله لا تجلده مائة إلّا أن يكون زانياً. قال: والله لأحرمنَّه عطاءه. قال: الله يرزقه.

٢١ - قال ابن الأثير والفيروز آبادي وابن منظور والزبيدي: النعثل الشيخ الأحمق ونعثل يهوديٌّ كان بالمدينة. قيل شبّه به عثمان رضي الله عنه كما في التبصير، ونعثل رجلٌ من أهل مصر كان طويل اللحية، قال أبو عبيد: كان يشبه عثمان، وشاتموا عثمان يسمّونه نعثلاً، وفي حديث عثمان انَّه كان يخطب ذات يوم فقام رجلٌ فنال منه فوذأه ابن سلام فاتَّذأ فقال له رجلٌ: لا يمنعنك مكان ابن سلام أن تسبَّ نعثلاً فإنَّه من شيعته، وكان أعداء عثمان يسمّونه نعثلاً، وفي حديث عائشة: اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً. تعني عثمان، وكان هذا منها لمـّا غاضبته وذهبت إلى مكّة، وفي حياة الحيوان: النعثل كجعفر: الذكر من الضباع وكان أعداء عثمان يسمّونه نعثلاً.

٢٢ - روى البلاذري في الأنساب قال: خرجت عائشة رضي الله تعالى عنه باكية

٨٤

تقول: قُتل عثمان رحمه الله. فقال لها عمّار بن ياسر: أنتِ بالأمس تحرِّضين عليه ثمَّ أنت اليوم تبكينه.

راجع طبقات ابن سعد ٥: ٢٥ ط ليدن، انساب البلاذري ٥: ٧٠، ٧٥، ٩١، الإمامة والسياسة ١: ٤٣، ٤٦، ٥٧، تاريخ الطبري ٥: ١٤٠، ١٦٦، ١٧٢، ١٧٦، العقد الفريد ٢: ٢٦٧، ٢٧٢، تاريخ ابن عساكر ٧: ٣١٩، الاستيعاب ترجمة الأحنف صخر بن قيس، تاريخ ابي الفدا ج ١: ١٧٢، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٧٧، ٥٠٦، تذكرة السبط ص ٣٨، ٤٠، نهاية ابن الأثير ٤: ١٦٦، اسد الغابة ٣: ١٥: الكامل لابن الأثير ٣: ٨٧، القاموس ٤: ٥٩، حياة الحيوان ٢: ٣٥٩، السيرة الحلبيَّة ٣: ٣١٤، لسان العرب ١٤: ١٩٣، تاج العروس ٨: ١٤١.

قال الأميني: هذه الروايات تُعطينا درساً ضافياً بنظريَّة عائشة في عثمان وإنَّها لم تكن ترى له جدارة تسنُّم ذلك العرش، وبالغت في ذلك حتّى ودَّت إزالته عن مستوى الوجود. فأحبَّت له أن يُلقى في البحر وبرجله رحىً تجرّه إلى أعماقه، أو أنَّه يُجعل في غرارة من غرائرها وتشدُّ عليه الحبال فيقذف في عباب اليمِّ فيرسب فيه من غير خروج، أو أن يودي به حراب المتجمهرين عليه فتكسح عن الملأ معرَّة اُحدوثاته، ولذلك كانت تُثير الناس عليه بإخراج شعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثوبه ونعله، ولم تبرح تؤلِّب الملأ الدينيَّ عليه وتحثهم على مقته وتخذِّلهم عن نصرته في حضرها سفرها، وإنَّها لم تعدل عن تلكم النظريَّة حتّى بعد ما اُجهز على عثمان إلّا لمـّا علمت من انفلات الأمر عن طلحة الذي كانت عائشة تتهالك دون تأميره وتضمر تقديمه منذ كانت تُرهج النقع على عثمان، وتهيِّج الاُمَّة على قتله، فكانت تُروم أن تعيد الإمرة تيميَّة مرَّة اُخرى، و لعلّها حجَّت لبثِّ هاتيك الدعاية في طريقها وعند مجتمع الحجيج بمكّة، فكان يُسمع منها قولها في طلحة: ايه ذا الاصبع! ايه أبا شبل! ايه يا ابن عمّ! لكأنِّي أنظر إلى اصبعه وهو يبايع له، وقولها: ايه ذا الإصبع! لِلَّه أبوك، أما انَّهم وجدوا طلحة لها كفواً.

وقولها في عثمان: اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد كفر وقولها لابن عبّاس: إيّاك أن تردَّ الناس عن هذا الطاغية، وقولها بمكّة: بُعداً لنعثل وسحقاً، وقولها لَمّا بلغها قتله: أبعده الله، ذلك ما قدمت يداه وما الله بظلّام للعبيد.

٨٥

لكنّها لَمّا علمت أنَّ خلافة الله الكبرى عادت علويَّة واستقرَّت في مقرِّها الجدير بها - ولم يكن لها مع أمير المؤمنينعليه‌السلام هوى - قلبت عليها ظهر المجنِّ، فطفقت تقول: لوددت انَّ السَّماء إنطبقت على الأرض إن تمَّ هذا، وأظهرت الأسف على قتل عثمان ورجعت إلى مكّة بعد ما خرجت منها، ونهضت ثائرةً تطلب بدم عثمان لعلّها تجلب الإمرة إلى طلحة من هذا الطريق، وإلّا فما هي من أولياء ذلك الدم، وقد وُضع عنها قود العساكر ومباشرة الحروب، لأنَّها امرأة خلقها الله لخدرها، وقد نهيت كبقيَّة نساء النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصَّة عن التبرُّج، وقد أنذرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحذَّرها عن خصوص واقعة الجمل، غير أنَّها أعرضت عن ذلك كلّه لما ترجَّح في نظرها من لزوم تأييد أمر طلحة، وتصاممت عن نبح كلاب الحوأب، وقد ذكره لها الصّادق الأمين عند الإنذار والتحذير، ولم تزل يقودها الأمل حتّى قُتل طلحة فألمـَّت بها الخيبة، وغلب أمر الله وهي كارهة.

٣ - حديث عبد الرحمن بن عوف

أحد العشرة المبشَّرة، شيخ الشورى، بدريٌّ

١ - أخرج البلاذري عن سعد قال: لَمّا توفِّي أبو ذر بالزبدة تذاكر عليٌّ و عبد الرّحمن بن عوف فعل عثمان فقال عليٌّ: هذا عملك. فقال عبد الرَّحمن: إذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي، انَّه قد خالف ما أعطاني.

٢ - قال أبو الفدا: لَمّا أحدث عثمان رضي الله عنه ما أحدث من توليته الأمصار للأحداث من أقاربه روي انَّه قيل لعبد الرحمن بن عوف: هذا كلّه فعلك. فقال: ما كنت أظنُّ هذا به، لكن لِلَّه عليَّ أن لا اُكلّمه ابداً، ومات عبد الرَّحمن وهو مهاجرٌ لعثمان رضي الله عنهما، ودخل عليه عثمان عائداً في مرضه فتحوَّل إلى الحائط ولم يُكلّمه.

٣ - روى البلاذري من طريق عثمان بن الشريد قال: ذُكر عثمان عند عبد الرّحمن ابن عوف في مرضه الذي مات فيه فقال عبد الرّحمن: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه فبلغ ذلك عثمان فبعث إلى بئر كان يُسقى منها نعم عبد الرَّحمن بن عوف فمنعه إيّاها فقال عبد الرحمن: اللهمَّ اجعل ماءها غوراً. فما وجدت فيها قطرة.

٤ - عن عبد الله بن ثعلبة قال: إنَّ عبد الرَّحمن بن عوف كان حلف ألا يكلّم عثمان أبداً.

٨٦

٥ - عن سعد قال: إنّ عبد الرّحمن أوصى أن لا يصلّي عليه عثمان، فصلّى عليه الزبير أو سعد بن أبي وقاص، وتوفّي سنة اثنتين وثلاثين.

٦ - قال ابن عبد ربِّه: لَمّا أحدث عثمان ما أحدث من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجلّة من أصحاب محمَّد قيل لعبد الرَّحمن: هذا عملك. قال: ما ظننت هذا. ثمَّ مضى ودخل عليه وعاتبه وقال: إنَّما قدَّمتك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فخالفتهما وحابيت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين. فقال: إنَّ عمر كان يقطع قرابته في الله و أنا أصل قرابتي في الله. قال عبد الرّحمن: لِلَّه عليَّ أن لا اُكلّمك أبداً. فلم يكلّمه أبداً حتّى مات وهو مهاجرٌ لعثمان، ودخل له عثمان عائداً له في مرضه فتحوَّل عنه إلى الحائط ولم يكلّمه.

راجع انساب البلاذري ٥: ٥٧، العقد الفريد ٢: ٢٥٨، ٢٦١، ٢٧٢، تاريخ ابي الفدا ج ١: ١٦٦.

٧ - أخرج الطبري من طريق المسور بن المخرمة قال: قدمت إبل من إبل الصدقة على عثمان فوهبها لبعض بني الحكم فبلغ ذلك عبد الرّحمن بن عوف فأرسل إلى المسور بن المخرمة وإلى عبد الرّحمن بن الأسود بن عبد يغوث فأخذاها فقسَّمها عبد الرَّحمن في الناس وعثمان في الدار.

تاريخ الطبري ٥: ١١٣، الكامل لابن الأثير ٣: ٧٠، شرح ابن أبي الحديد ١: ١٦٥.

٨ - قال أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل: اُستجيبت دعوة عليّعليه‌السلام في عثمان وعبد الرّحمن فما ماتا إلّا متهاجرين متعاديين، أرسل عبد الرَّحمن إلى عثمان يعاتبه (إلى أن قال): لَمّا بنى عثمان قصره طمار الزوراء وصنع طعاماً كثيراً ودعا الناس اليه كان فيهم عبد الرّحمن فلمّا نظر إلى البناء والطعام قال: يا ابن عفان! لقد صدَّقنا عليك ما كنّا نكذِّب فيك، وإنِّي أستعيذ بالله من بيعتك، فغضب عثمان وقال: أخرجه عنِّي يا غلام! فأخرجوه وأمر الناس أن لا يجالسوه، فلم يكن يأتيه أحدٌ إلّا ابن عبَّاس كان يأتيه فيتعلّم منه القرآن والفرائض، ومرض عبد الرّحمن فعاده عثمان وكلّمه فلم يكلّمه حتّى مات. شرح ابن أبي الحديد ١: ٦٥، ٦٦.

٨٧

قول العسكري: اُستجيبت دعوة عليٍّ. إشارةٌ إلى ما ورد من قولهعليه‌السلام يوم الشورى لعبد الرَّحمن بن عوف: والله ما فعلتها إلّا لأنَّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه دقَّ الله بينكما عطر منشم(١) .

ومنشم امرأة عطّارة من حمير، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيّبوا من طيبها، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثر القتلى فيما بينهم، فكان يقال: أشأم من عطر منشم فصار مثلاً.

وقول عبد الرّحمن: لقد صدَّقنا عليك ما كنّا نكذِّب فيك. ايعازٌ إلى قول مولانا أمير المؤمنين يوم الشورى ايضاً: أما إنِّي أعلم أنَّهم سيولون عثمان، وليحدثنّ البدع و الأحداث، ولئن بقي لأذكرنَّك، وإن قُتل أو مات ليتداولونها بنو اُميَّة بينهم، وإن كنت حيّاً لتجدني حيث تكرهون(٢) .

قال الشيخ محمد عبده في شرح نهج البلاغة ١: ٣٥: لَمّا حدث في عهد عثمان ما حدث من قيام الأحداث من أقاربه على ولاية الأمصار، ووجد عليه كبار الصحابة روي إنَّه قيل لعبد الرحمن: هذا عمل يديك. فقال: ما كنت أظنُّ هذا به ولكن لِلَّه عليَّ أن لا اُكلّمه أبداً، ثمَّ مات عبد الرحمن وهو مهاجرٌ لعثمان، حتَّى قيل: أنَّ عثمان دخل عليه في مرضه يعوده فتحوَّل إلى الحائط لا يكلّمه، والله أعلم والحكم لِلَّه يفعل ما يشاء.

وقال ابن قتيبة في المعارف ص ٢٣٩: كان عثمان بن عفّان مهاجراً لعبد الرّحمن ابن عوف حتّى ماتا.

قال الأميني، لا بدَّ أن يُسائل هؤلاء عن أشياء فيقال لهم: إنَّ سيرة الشيخين التي بويع عثمان عليها هل كانت تطابق سنَّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تخالفها؟ وعلى الأوّل فشرطها مستدركٌ، ولا شرط للخلافة إلّا مطابقة كتاب الله وسنَّة نبيِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا نقمة على تاركها إلّا بترك السنّة لا السيرة، فذكرها إلى جانب السنَّة الشريفة كضمِّ اللا حجَّة إلى الحجَّة، أو كوضع الحجر إلى جنب الإنسان، وعلى الثاني فإنَّ مِن

____________________

١ - شرح ابن ابى الحديد ١: ٦٣.

٢ - شرح ابن ابى الحديد ١: ٦٤.

٨٨

الواجب على كلّ مسلم مخالفتها بعد فرض إيمانه بالله وبكتابه ورسوله واليوم الآخر، فكان من حقِّ المقام أن ينكروا على عثمان مخالفة السنَّة فحسب. ولهذا لم يقبل مولانا أمير المؤمنين لَمّا ألقى إليه عبد الرّحمن أمر البيعة على الشرط المذكور إلّا مطابقة أمره للسنَّة والإجتهاد فيها(١) .

وليت شعري إنَّه لَمّا شرط ابن عوف على عثمان ذلك هل كان يعلم بما قلناه من الموافقة أو المخالفة أو لا؟ وعلى فرض علمه يتوجَّه عليه ما سطرناه على كلّ مِن الفرضين، وعلى تقدير عدم علمه وهو أبعد شيء، يُفرض فكيف شرط عليه ما لا يعلم حقيقته، وكيف يناط أمر الدين وزعامته الكبرى بحقيقة مجهولة؟ وما الفائدة في إشتراطه؟.

وللباقلاني في التمهيد ص ٢١٠ في بيان هذا الشرط وجهٌ نُجلُّ عنه ساحة كلِّ متعلّم فاهم فضلاً عن عالم مثله.

ثمَّ نأتي إلى عثمان فنحاسبه على قبوله لأوَّل وهلة، هل كل يعلم شيئاً ممَّا قدَّمناه من النسبة بين السنَّة والسيرة أولاً؟ فهلّا شرط الأمر على تقدير الموافقة؟ ورفضَه على فرض المخافة؟ وإن كان لا يعلم فكيف قبل شرطاً لا يدري ما هو؟ ثمَّ هل كان يعلم يومئذ أنَّه يطيق على ذلك أو لا؟ أو كان يعلم أنَّه لا يطيقه؟ وعلى الأخير فكيف قبل ما لا يطيقه؟ وعلى الثاني كيف أقدم على الخطر فيما لا يعلم أنَّه يتسنّى له أن ينوء به؟ وعلى الأوَّل فلماذا خالف ما اُشترط عليه وقبله ووجدت البيعة عليه؟ وحصل القبول والرضا من الاُمَّة به؟ ثمَّ جاء يعتذر لمـّا أخذه ابن عوف بمخالفته إيّاها بأنَّه لا يطيق ذلك فقال فيما أخرجه أحمد في مسنده ١: ٦٨ من طريق شقيق: وأمّا قوله: ولِمَ أترك سنَّة عمر؟ فإنِّي لا اُطيقها ولا هو. وذكره ابن كثير في تاريخه ٧: ٢٠٦.

وكيفما اُجيب عن هذه المسائل فعبرتنا الآن بنظريَّة عبد الرَّحمن بن عوف الأخيرة في الخليفة، وهي من أوضح الحقايق لمن استشفَّ ما ذكرناه من قوله له: إنِّي أستعيذ بالله من بيعتك. وقوله لمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا شئت فخذ سيفك وآخذ

____________________

١ - مسند احمد ١: ٧٥، تاريخ الطبرى ٥: ٤٠، تمهيد الباقلانى ص ٢٠٩، تاريخ ابن كثير ٧: ١٤٦.

٨٩

سيفى. إلخ. مستحلّا قتاله، وقوله: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه. وقد بالغ في الإنكار عليه ورأيه في سقوطه انَّه لم يره أهلاً للصَّلاة عليه وأوصى بذلك عند وفاته فصلّى عليه الزبير، وهجره وحلف أن لا يكلّمه أبداً حتّى انَّه حوَّل وجهه إلى الحائط لمـّا جاء عائداً، وإنَّه كان لا يرى لتصرّفاته نفوذاً ولذلك لمـَّا بلغه إعطاء عثمان إبل الصدقة لبعض بني الحكم أرسل إليها المسور بن المخرمة وعبد الرّحمن بن الأسود فأخذها فقسَّمها عبد الرّحمن في النّاس وعثمان في الدار، ولهذه كلّها كان يراه عثمان منافقاً و يقذفه بالنفاق كما ذكره ابن حجر في الصواعق ص ٦٨ وأجاب عنه متسالماً عليه بأنَّه كان متوحِّشاً منه لأنَّه كان يجيئه كثيراً. إقرأ واضحك. وذكره الحلبي في السيرة ٢: ٨٧ فقال: أجاب عنه ابن حجر ولم يذكر الجواب لعلمه بأنَّه اُضحوكة.

ونسائل القوم بصورة اُخرى مع قطع النظر عن جميع ما قلناه: إنَّ ما اُشترط على عثمان وعُقد عليه أمره هل كان واجب الوفاء؟ أو كان لعثمان منتدحٌ عنه بتركه؟ وعلى الأوَّل فما وجه مخالفة الخليفة له؟ ولِماذا لم يقبله مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو عيبة علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعارف بأحكامه وسننه وبصلاح الاُمَّة منذ بدء أمرها إلى منصرمه، وهل يخلع الخليفة في صورة المخالفة؟ فلماذا كان عثمان لا يروقه التنازل عن أمره لمـّا أرادت الصحابة خلعه للمخالفة؟ أو أنَّه لا يُخلع؟ فلماذا تجمهروا عليه فخلعوه وقتلوه؟ وهم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العدول كلّهم في نظر القوم، وإن كان لا يجب الوفاء به؟ فلماذا لم يبايعوا أمير المؤمنينعليه‌السلام لَمّا جاء بعدم الإلتزام بما لا يجب الوفاء به؟ وما معنى إعتذار عبد الرَّحمن بن عوف في تقديمه عثمان على أمير المؤمنينعليه‌السلام بأنّه قبل متابعة سيرة الشيخين ولم يقبلها عليٌّعليه‌السلام ؟ ولِماذا ألزموا عثمان به؟ ولِماذا التزم به عثمان؟ ولِماذا تمَّت البيعة عليه؟ ولِماذا تجمهروا عليه لَمّا شاهدوا منه المخالفة؟.

وَلَيُسْئَلُنَّ يومَ القِيامَةِ عَمّا كانُوا يَفتَروُن

فيومَئِذٍ لا يَنفَعُ الذين ظَلمُوا مَعْذِرَتُهم وَلا هُمْ يُستَعتَبون

٩٠

٤ - حديث طلحة بن عبيد الله

أحد العشرة المبشّرة، وأحد الستَّة أصحاب الشورى

١ - من كلام لمولانا أمير المؤمنين في طلحة: والله ما استعجل متجرِّداً للطلب بدم عثمان إلّا خوفاً من أن يُطالَب بدمه لأنَّه مظنَّته، ولَم يكن في القوم أحرص عليه منه، فأراد أن يغالِط بما أجلب فيه ليلبس الأمر ويقع الشك، ووالله ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث: لئن كان ابن عفّان ظالماً - كما كان يزعم - لقد كان ينبغي له أن يوازر قاتليه أو ينابذ ناصريه. ولئِن كان مظلوماً لقد كان ينبغي له أن يكون من المنهنهين عنه والمعذِّرين فيه. ولئِن كان في شكّ من الخصلتين لقد كان ينبغي له أن يعتزله ويركد جانباً ويدع النّاس معه، فما فعل واحدة من الثلاث، وجاء بأمر لم يعرف بابه، ولم تسلم معاذيره(١) .

قال إبن أبي الحديد في الشرح ٢: ٥٠٦: فإن قلت: يُمكن أن يكون طلحة إعتقد إباحة دم عثمان أوَّلاً ثمَّ تبدَّل ذلك الإعتقاد بعد قتله فاعتقد أنَّ قتله حرامٌ وأنَّه يجب أن يقتصّ من قاتليه.

قلت: لو اعترف بذلك لم يقسم عليٌّعليه‌السلام هذا التقسيم و إنَّما قسَّمه لبقائه على إعتقاد واحد، وهذا التقسيم مع فرض بقائه على إعتقاد واحد صحيحٌ لا مطعن فيه، وكذا كان حال طلحة فإنَّه لَمُ يُنقل عنه إنَّه قال: ندمت على ما فعلت بعثمان.

فإن قلت: كيف قال أمير المؤمنين: فما فعل واحدةً من الثلاث؟ وقد فعل واحدة منها لأنَّه وازر قاتليه حيث كان محصوراً. قلت: مراده: إنَّه إن كان عثمان ظالماً وجب أن يوازر قاتليه بعد قتله يحامي عنهم ويمنعهم ممَّن يروم دماءهم، ومعلوم أنّه لم يفعل ذلك. وإنّما وازرهم وعثمان حيّ وذلك غير داخل في التقسيم. اهـ.

٢ - أخرج الطبري من طريق حكيم بن جابر قال: قال عليٌّ لطلحة - وعثمان محصورٌ -: أنشدك الله إلّا رددت النّاس عن عثمان قال: لا والله حتّى تعطي بنو اُميّة الحقَّ من أنفسها.

____________________

١ - نهج البلاغة ١: ٣٢٣.

٩١

تاريخ الطبري ٥: ١٣٩، شرح ابن أبي الحديد ١: ١٦٨ فقال: فكان عليٌّعليه‌السلام يقول: لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان ما أعطاه وفعل به ما فعل.

٣ - أخرج الطبري من طريق بشر بن سعيد قال: حدّثني عبد الله بن عبّاس بن أبي ربيعة قال: دخلت على عثمان رضي الله عنه فتحدَّثت عنه ساعة فقال: يا ابن عبّاس! تعال فأخذ بيدي فأسمعني كلام مَن على باب عثمان فسمعنا كلاماً، منهم من يقول: ما تنتظرون به؟ ومنهم مَن يقول: انظروا عسى أن يراجع، فبينا أنا وهو واقفان إذ مرَّ طلحة بن عبيد الله فوقف فقال: أين ابن عديس؟ فقيل: هاهوذا. قال: فجاء ابن عديس فناجاه بشيء ثمَّ رجع ابن عديس فقال لأصحابه: لا تتركوا أحداً يدخل على هذا الرجل ولا يخرج من عنده قال: فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة بن عبيد الله ثمَّ قال عثمان: أللهمَّ اكفني طلحة بن عبيد الله فإنَّه حمل عليَّ هؤلاء وألَّبهم، والله إنِّي لأرجو أن يكون منها صفراً وأن يُسفك دمه، انّه انتهك منِّي ما لا يحلُّ له، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لا يحلُّ دم امرئ مسلم إلّا في إحدى ثلاث: رجلٌ كفر بعد إسلامه فيقتل، أو رجلٌ زنى بعد إحصانه فيرجم، أو رجلٌ قتل نفساً بغير نفس. ففيمَ اُقتل؟ قال: ثمَّ رجع عثمان. قال ابن عبّاس: فأردت أن أخرج فمنعوني حتّى مرَّ بي محمَّد بن أبي بكر فقال: خلّوه. فخلّوني. تاريخ الطبري ٥: ١٢٢، الكامل ابن الأثير ٣: ٧٣.

٤ - أخرج الطبري من طريق الحسن البصري: إنَّ طلحة بن عبيد الله باع أرضاً له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه فقال طلحة: إنَّ رجلاً تتسق هذه عنه(١) وفي بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله عزَّ وجلَّ لغريرٌ بالله سبحانه، فبات ورسوله يختلف بها في سكك المدينة يقسِّمها حتّى أصبح فأصبح وما عنده منها درهم. قال الحسن: وجاء هاهنا يطلب الدينار والدرهم. أو قال: الصفراء والبيضاء.

تاريخ الطبري ٥: ١٣٩، تاريخ ابن عساكر ٧: ٨١.

٥ - حكى ابن أبي الحديد عن الطبري: انَّ عثمان كان له على طلحة خمسون الفاً فخرج عثمان يوماً إلى المسجد فقال له طلحة: قد تهيّأ مالك فاقبضه فقال: هو لك

____________________

١ - فى شرح ابن ابى الحديد: عنده.

٩٢

يا أبا محمَّد معونة لك على مروءتك. قال: فكان عثمان يقول وهو محصورٌ جزاء سنمّار(١) .

وقال ابن أبي الحديد: كان طلحة من أشدِّ الناس تحريضاً عليه، وكان الزبير دونه في ذلك. روي انَّ عثمان قال: ويلي على ابن الحضرميَّة - يعني طلحة - أعطيته كذا وكذا بهاراً ذهباً وهو يروم دمي يحرِّض على نفسي، أللهمَّ لا تمتِّعه به ولقِّه عواقب بغيه.

قال: وروى الناس الذين صنَّفوا في واقعة الدار: انَّ طلحة كان يوم قُتل عثمان مقنّعاً بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام، ورووا ايضاً: انَّه لمـَّا اُمتنع على الذين حصروه الدخول من باب الدار حملهم طلحة إلى دارٍ لبعض الأنصار فأصعدهم إلى سطحها وتسوَّروا منها على عثمان داره فقتلوه. شرح ابن أبي الحديد ٢: ٤٠٤.

٦ - روى المدائني في كتاب مقتل عثمان: إنَّ طلحة منع من دفنه ثلاثة أيّام، وإنَّ عليّاً لم يبايع الناس إلّا بعد قتل عثمان بخمسة أيّام، وأنَّ حكيم بن حزام أحد بني أسد ابن عبد العزى وجبير بن مطعم بن الحرث بن نوفل استنجدا بعليّ على دفنه فأقعد طلحة لهم في الطريق ناساً بالحجارة فخرج به نفرٌ يسيرٌ من أهله وهم يريدون به حائطاً بالمدينة يُعرف بحشِّ كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم، فلمَّا صار هناك رجم سريره وهمُّوا بطرحه، فأرسل عليٌّ إلى الناس يعزم عليهم ليكفّوا عنه، فكفّوا فانطلقوا به حتّى دفنوه في حشِّ كوكب.

وأخرج المدائني في الكتاب قال: دُفن عثمان بين المغرب والعتمة ولم يشهد جنازته إلّا مروان بن الحكم وابنة عثمان وثلاثة من مواليه فرفعت ابنته صوتها تندبه وقد جعل طلحة ناساً هناك أكمنهم كميناً فأخذتهم الحجارة وصاحوا: نعثل نعثل، فقالوا: الحائط الحائط. فدفن في حائط هناك.

٧ - أخرج الواقدي قال: لَمّا قُتل عثمان تكلّموا في دفنه فقال طلحة: يُدفن بدير سلع. يعني مقابر اليهود. ورواه طبري في تاريخه ٥: ١٤٣ غير أنَّ فيه مكان طلحة: رجل.

٨ - أخرج الطبري بالاسناد قال: حُصر عثمان وعليٌّ بخيبر فلمّا قدم أرسل إليه

____________________

١ - هذا الحديث اخرجه الطبرى فى تاريخه ٥: ١٣٩ وليس فيه ما حكاه عنه ابن أبى الحديد (فكان عثمان يقول وهو محصور: جزاء سنمار).

٩٣

عثمان يدعوه فانطلق فقلت: لأنطلقنَّ معه ولأسمعنَّ مقالتهما، فلمّا دخل عليه كلّمه عثمان فحمد الله وأثني عليه ثمَّ قال: أمّا بعد فإنَّ لي عليك حقوقاً حقُّ الإسلام وحقُّ الإخاء، وقد علمت أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين آخى بين الصحابة آخى وبيني وبينك، وبيِّن حقَّ القرابة والصهر وما جعلت لي في عنقك من العهد والميثاق، فوالله لو لم يكن من هذا شيءٌ ثمَّ كنّا إنَّما نحن في جاهليَّة لَكان مُبطّاً على بني عبد مناف أن يبتزَّهم أخو بني تيم ملكهم. فتكلّم عليٌّ فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: أمّا بعد: فكلّ ما ذكرتَ من حقِّك عليَّ على ما ذكرت، أمّا قولك: لو كنّا في جاهليّة لَكان مُبطّاً على بني عبد مناف أن يبتزَّهم أخو بني تيم ملكهم، فصدقت وسيأتيك الخبر. ثمَّ خرج فدخل المسجد فرأى اُسامة جالساً فدعاه فاعتمد على يده فخرج يمشي إلى طلحة وتبعته فدخلنا دار طلحة بن عبيد الله وهي رجّاسٌ من الناس فقام إليه فقال: يا طلحة! ما هذا الأمر الذي وقعت فيه؟ فقال: يا أبا حسن! بعد ما مسَّ الحزام الطبيين(١) فانصرف عليٌّ ولم يُحر إليه شيئاً حتّى أتى بيت المال فقال: افتحوا هذا الباب. فلم يقدر على المفاتيح فقال: اكسروه فكُسر باب بيت المال فقال: أخرجوا المال. فجعل يُعطي النّاس فبلغ الذين في دار طلحة الذي صنع عليٌّ فجعلوا يتسلّلون إليه حتّى تُرك طلحة وحده، وبلغ الخبر عثمان فسرَّ بذلك، ثمَّ أقبل طلحة يمشي عائداً إلى دار عثمان فقلت: والله لأنظرنَّ ما يقول هذا فتتبَّعته فاستأذن على عثمان فلمّا دخل عليه قال: يا أمير المؤمنين! أستغفر الله وأتوب إليه أردت أمراً فحال الله بيني وبينه، فقال عثمان: إنّك والله ما جئت تائباً ولكنَّك جئت مغلوباً، الله حسيبك يا طلحة. تاريخ الطبري ٦: ١٥٤، كامل ابن الأثير ٣: ٧٠، شرح ابن أبي الحديد ١: ١٦٥!. تاريخ ابن خلدون ٢: ٣٩٧.

قال الأميني: هذا لفظ تاريخ الطبري المطبوع وقد لعبت به أيدي الهوى بالتحريف وزادت فيه حديث الإخاء بين عثمان وعليّ المتسالم على بطلانه بين فرق المسلمين، كأنَّ القوم آلوا على أنفسهم بأن لا يدعو حديثاً إلّا شوَّهوه بالإختلاق، وقد حكى ابن أبي الحديد هذا الحديث عن تاريخ الطبري في شرحه ٢: ٥٠٦ ولا توجد فيه مسألة الإخاء وإليك لفظه:

____________________

١ - أى: اشتدّ الامر وتفاقم. كتب عثمان الى عليّ عليه ‌السلام : قد بلغ السيل الزبا وجاوز الحزام الطبيين. تاج العروس ١: ٢٢٢.

٩٤

روى الطبري في التاريخ: أنَّ عثمان لَمّا حُصر كان عليٌّعليه‌السلام بخيبر في أمواله فلمّا قدم أرسل إليه يدعوه فلمّا دخل عليه قال له: إنَّ لي عليك حقوقاً: حقَّ الإسلام، وحقّ النسب، وحقّ مالي عليك من العهد والميثاق، ووالله إن لو لم يكن من هذا كلّه شيءٌ وكنّا في جاهليَّة لكان عاراً علي بني عبد مناف أن يبتزَّهم أخو تيم ملكهم يعني طلحة، فقال لهعليه‌السلام : سيأتيك الخبر. إلى آخر الحديث باللفظ المذكور.

وقد أسلفنا في الجزء الثالث ص ١٠٤ - ١١٦ حديث المواخاة بأوسع ما يُسطر وفيه: إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي واخى أمير المؤمنينعليه‌السلام لا غيره.

٩ - ذكر البلاذري في حديث: إنَّ طلحة قال لعثمان: إنَّك أحدثت أحداثاً لَم يكن النَّاس يعهدونها، فقال عثمان: ما أحدثت أحداثاً ولكنَّكم أظنّاء تفسدون عليَّ النّاس وتؤلّبوهم. الأنساب ٥: ٤٤.

١٠ - حكى البلاذري عن أبي مخنف وغيره: حرس القوم عثمان ومنعوا من أن يُدخل عليه، وأشار عليه سعيد بن العاص بأن يُحرم ويُلبِّي ويخرج فيأتي مكّة فلا يقدم عليه. فبلغهم قوله فقالوا: والله لئن خرج لا فارقناه حتّى يحكم الله بيننا وبينه، واشتدَّ عليه طلحة بن عبيد الله في الحصار، ومنع من أن يُدخل إليه الماء حتّى غضب عليُّ ابن أبي طالب من ذلك، فاُدخلت عليه روايا الماء. الأنساب ٥: ٧١.

١١ - في رواية للبلاذري ص ٩٠: كان الزبير وطلحة قد استوليا على الأمر، و منع طلحة عثمان من أن يدخل عليه الماء العذب فأرسل عليٌّ إلى طلحة وهو في أرض له على ميل من المدينة: أن دع هذا الرجل فليشرب من مائة ومن بئره يعني بئر رومة، و لا تقتلوه من العطش. فأبى فقال عليٌّ: لولا أنِّي قد آليت يوم ذي خُشب انَّه إن لم يُعطني لا أردُّ عنه أحداً لأ دخلت عليه الماء.

وفي الإمامة والسياسة ١: ٣٤: أقام أهل الكوفة وأهل مصر بباب عثمان ليلاً و نهاراً وطلحة يحرِّض الفريقين جميعاً على عثمان، ثمَّ إنَّ طلحة قال لهم: إنَّ عثمان لا يبالي ما حضرتموه وهو يدخل إليه الطعام والشراب فامنعوه الماء أن يدخل عليه.

١٢ - قال البلاذري: قالوا: مرَّ مجمع بن جارية الأنصاري بطلحة بن عبيد الله فقال: يا مجمَّع ما فعل صاحبك؟ قال: أظنكم والله قاتليه. فقال طلحة: فإن قُتل فلا

٩٥

ملكٌ مقرَّبٌ ولا نبيٌّ مرسلٌ. الأنساب ٥: ٧٤.

١٣ - وروى البلاذري في حديث: وسلّم عثمان على جماعة فيهم طلحة فلم يردُّوا عليه فقال: يا طلحة! من كنت أرى إنِّه أعيش إلى أن اُسلّم عليك فلا تردّ عليَّ السَّلام الأنساب ٥: ٧٦.

كأنَّ هذه القضيَّة غير ما وقع في أيّام الحصار الثاني ممّا ذكره الديار بكري في تاريخ الخميس ٢: ٢٦٠ قال: أشرف عثمان عليهم ذات يوم وقال: السَّلام عليكم. فما سمع أحداً من الناس يردّ عليه إلّا أن يردَّ في نفسه. وسيوافيك حديث جبلة بن عمرو الأنصاري ونهيه الناس عن ردِّ السَّلام على عثمان إذا سلّمهم.

١٤ - أخرج البلاذري من طريق يحيى بن سعيد قال: كان طلحة قد استولى على أمر الناس في الحصار، فبعث عثمان عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب إلى عليّ بهذا البيت:

وإن كنت مأكولاً فكن أنت آكلي

وإلّا فأدركني ولمـَّا اُمزَّق(١)

وقال أبو مخنف: صلّى عليٌّ بالناس يوم النحر وعثمان محصورٌ فبعث إليه عثمان ببيت الممزّق، وكان رسوله به عبد الله بن الحارث ففرَّق عليٌّ الناس عن طلحة، فلمّا رأى ذلك طلحة دخل على عثمان فاعتذر فقال له عثمان: يا ابن الحضرميَّة! ألَّبت عليَّ الناس ودعوتهم إلى قتلي حتّى إذا فاتك ما تريد جئت معتذراً، لا قَبل الله ممّن قبل عذرك. الأنساب ٥: ٧٧.

١٥ - روى البلاذري باسناده من طريق ابن سيرين انَّه قال: لم يكن من أصحاب النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشدّ على عثمان من طلحة. الأنساب ٥: ٨١، وذكره ابن عبد ربِّه في العقد الفريد ٢: ٢٦٩.

١٦ - أخرج ابن سعد وابن عساكر قال: كان طلحة يقول يوم الجمل: إنّا داهنّا في أمر عثمان فلا نجد شيئاً أمثل من أن نبذل دماءنا فيه، أللهمَّ خذ لعثمان منِّي اليوم حتّى ترضى. طبقات ابن سعد، تاريخ ابن عساكر ٧: ٨٤، تذكرة السبط ص ٤٤.

١٧ - أخرج ابن عساكر قال: كان مروان بن الحكم في الجيش - يوم الجمل -

____________________

١ - هذا البيت للممزق العبدى شاش بن لها بن الاسود. وبه سمى الممزق.

٩٦

فقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم، فهو الذي رمى طلحة فقتله، ثمَّ قال لأبان بن عثمان: قد كفيتك بعض قتلة أبيك، وكان السهم قد وقع في عين ركبته، فكانوا إذا أمسكوها انتفخت وإذا أرسلوها انبعثت فقال: دعوها فانَّها سهمٌ أرسله الله. تاريخ ابن عساكر ٧: ٨٤.

قال أبو عمر في الاستيعاب: لا يختلف العلماء الثقات في أنَّ مروان قتل طلحة يومئذ وكان في حزبه، روى عبد الرّحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال: قال طلحة يوم الجمل:

ندمت ندامة الكُسعيِّ لمـّا

شريت رضا بني جرم برغمي(١)

أللهمَّ خذ منِّي لعثمان حتى يرضى.

« بيان » الكسع: حيٌّ من قيس عيلان، وقيل: هم حيٌّ من اليمن رماة، و منهم الكسعيُّ الذي يضرب به المثل في الندامة وهو رجلٌ رامٍ رمى بعد ما أسدف الليل عِيراً فأصابه وظنَّ انَّه أخطأه فكسَّر قوسه وقيل: وقطع إصبعه ثمَّ ندم من الغد حين نظر إلى العِير مقتولا وسهمه فيه، فصار مثلاً لكلِّ نادم على فعل يفعله. وإيّاه عني الفرزدق بقوله:

ندمت ندامة الكُسعيِّ لمـّا

غدت منِّي مطلّقةً نوارُ

وقال آخر:

ندمت ندامة الكُسعيِّ لمـّا

رأت عيناه ما فعلت يداه

وقيل: كان اسم الكُسعيِّ محارب بن قيس.

وأخرج أبو عمر من طريق ابن أبي سبرة قال: نظر مروان إلى طلحة يوم الجمل فقال: لا أطلب بثاري بعد اليوم. فرماه بسهم فقتله.

وأخرج من طريق يحيى بن سعيد عن عمِّه انَّه قال: رمى مروان طلحة بسهم ثمَّ التفت إلى أبان بن عثمان قال: قد كفينا بعض قتلة أبيك.

وأخرج من طريق قيس نقلاً عن ابن أبي شيبة انَّ مروان قتل طلحة، ومن طريق وكيع واحمد بن زهير باسنادهما عن قيس بن أبي حازم حديث: لا أطلب بثاري

____________________

١ - هذا البيت معه ثلاثة ابيات اخر ذكرها ابن الاثير فى اسد الغابة ٣: ١٠٤، وسبط ابن الجوزى فى التذكرة ص ٤٤.

٩٧

بعد اليوم. وزاد في « اسد الغابة » ما مرَّ من قول مروان لأبان.

وقال ابن حجر في الإصابة ٢: ٢٣٠: روى ابن عساكر من طرق(١) متعددة: أنَّ مروان بن الحكم هو الذي رماه فقتله، منها: وأخرجه أبو القاسم البغوي بسند صحيح عن الجارود بن أبي سبرة قال: لَمّا كان يوم الجمل نظر مروان إلى طلحة فقال: لا أطلب ثاري بعد اليوم فنزع له بسهم فقتله.

وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم أنَّ مروان بن الحكم رأى طلحة في الخيل فقال: هذا أعان على عثمان فرماه بسهم في ركبته، فما زال الدم يسيح حتّى مات. وأخرجه الحاكم في المستدرك ٣: و ٣٧٠.

أخرجه عبد الحميد بن صالح عن قيس، وأخرجه الطبراني من طريق يحيى بن سليمان الجعفي عن وكيع بهذا السند قال: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم فوقع في عين ركبته، فما زال الدم يسيح إلى أن مات.

وأخرج الحاكم في المستدرك ٣: ٣٧٠ من طريق عكراش قال: كنّا نقاتل عليّاً مع طلحة ومعنا مروان قال: فانهزمنا فقال مروان: لا أدرك بثأري بعد اليوم من طلحة فرماه بسهم فقتله.

وقال محبّ الدين الطبري في الرياض ٢: ٢٥٩: المشهور أنَّ مروان بن الحكم هو الذي قتله رماه بسهم وقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم. وذلك أنَّ طلحة زعموا انَّه كان ممَّن حاصر عثمان واشتدَّ عليه.

وأخرج البلاذري في « الأنساب » ص ١٣٥ في حديث عن روح بن زِنباع: إنَّه قال: رمى مروان طلحة فاستقاد منه لعثمان.

يوجد حديث قتل مروان بن الحكم طلحة بن عبيد الله أخذاً بثار عثمان في مروج الذهب ٢: ١١، القعد الفريد ٢: ٢٧٩، مستدرك الحاكم ٣: ٣٧٠، الكامل لابن الأثير ٣، ١٠٤، صفة الصفوة لإبن الجوزي ١: ١٣٢، اُسد الغابة ٣: ٦١، دول الإسلام للذهبي

____________________

١ - حذفتها يد الطبع الامينة على ودايع العلم حيا الله الامانة. لقد لعبت يد الشيخ عبد القادر بن بدران بتاريخ ابن عساكر لمـّا هذبه ورتبه على زعمه فأخرجه عما هو عليه، وجعله مسيخا مشوّهاً بادخال آرائه الساقطة فيه، وأسقط منه أحاديث كثيرة متنا واسناداً ممّا لا يروقه.

٩٨

١، ١٨، تاريخ ابن كثير ٧: ٢٤٧، تذكرة السبط ص ٤٤، مرآة الجنان لليافعي ١: ٩٧، تهذيب التهذيب ٥: ٢١، تاريخ ابن شحنة هامش الكامل ٧: ١٨٩.

١٨ - أخرج ابن سعد بالاسناد عن شيخ من كلب قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول: لولا أنَّ أمير المؤمنين مروان أخبرني انَّه قتل طلحة ما تركت أحداً من ولد طلحة إلّا قتلته بعثمان.

١٩ - أخرج الحميدي في النوادر من طريق سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن مروان قال: دخل موسى بن طلحة على الوليد فقال له الوليد: ما دخلتَ عليَّ قطُّ إلّا هممتُ بقتلك لولا أنَّ أبي أخبرني أنَّ مروان قتل طلحة. تهذيب التهذيب ٥: ٢٢.

٢٠ - أخرج الطبري في حديث: فقام طلحة والزبير خطيبين (يعني بالبصرة) فقالا: يا أهل البصرة توبةٌ بحوبة، إنَّما أردنا أن يُستعتب أمير المؤمنين عثمان ولم نُرد قتله فغلب سفهاء النّاس الحلماء حتّى قتلوه. فقال النّاس طلحة: يا أبا محمَّد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا. تاريخ الطبري ٥: ١٧٩.

٢١ - ذكر المسعودي في حديث وقعة الجمل: ثمَّ نادى عليٌّ رضي الله عنه طلحة حين رجع الزبير: يا أبا محمَّد! ما الذي أخرجك؟ قال: الطلب بدم عثمان. قال عليٌّ: قتل الله أولانا بدم عثمان(١) مروج الذهب ٢: ١١.

٢٢ – لمـّا نزل طلحة والزبير السبخة(٢) أتاهما عبد الله بن الحكيم التميمي لكتب كانا كتباها إليه فقال لطلحة: يا أبا محمد! أما هذه كتبك إلينا؟ قال: بلي، قال: فكتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله حتّى إذا قتلته أتيتنا ثائراً بدمه، فلعمري ما هذا رأيك، لا تريد إلّا هذه الدنيا، مهلاً إذا كان هذا رأيك فَلمَ قبلت من عليّ ما عرض عليك من البيعة؟ فبايعته طائعاً راضياً ثمَّ نكثت بيعتك، ثمَّ جئت لتدخلنا في فتنتك. ألحديث(٣) .

٢٣ - قال ابن قتيبة: ذكروا انَّه لَمّا نزل طلحة والزبير وعائشة البصرة إصطفَّ

____________________

١ - لقد استجاب الله تعالى دعاء الامام عليه‌ السلام فقتل طلحة فى اسرع وقت.

٢ - السبخة بالتحريك موضع بالبصرة.

٣ - شرح ابن ابى الحديد ٢: ٥٠٠.

٩٩

لها النّاس في الطريق يقولون: يا اُمَّ المؤمنين! ما الذي أخرجكِ من بيتكِ؟ فلمّا أكثروا عليها تكلّمت بلسان طلق وكانت من أبلغ النّاس فحمدت الله وأثنت عليه ثمَّ قالت: أيّها الناس والله ما بلغ من ذنب عثمان أن يُستحلَّ دمه(١) ولقد قُتل مظلوماً، غضبنا لكم من السوط والعصا ولا نغضب لعثمان من القتل، وإنَّ من الرأي أن تنظروا إلى قتلة عثمان فيقتلوا به ثمّ يُردُّ هذا الأمر شورى على ما جعله عمر بن الخطّاب. فمن قائل يقول: صدقت. وآخر يقول: كذبت. فلم يبرح النّاس يقولون ذلك حتّى ضرب بعضهم وجوه بعض فبينما هم كذلك أتاهم رجل من أشراف البصرة بكتاب كان كتبه طلحة في التأليب على قتل عثمان. فقال لطلحة: هل تعرف هذا الكتاب؟ قال نعم. قال: فما ردَّك على ما كنت عليه، وكنت أمس تكتب الينا تؤلِّبنا على قتل عثمان وأنت اليوم تدعونا إلى الطلب بدمه؟ وقد زعمتما انَّ عليّاً دعاكما إلى أن تكون البيعة لكما قبله إذ كنتما أسنَّ منه فأبيتما إلّا أن تقدِّ ماه لقرابته وسابقته فبايعتماه، فكيف تنكثان بيعتكما بعد الذي عرض عليكما؟ قال طلحة: دعانا إلى البيعة بعد أن اغتصبها وبايعه الناس، فعلمنا حين عرض علينا انَّه غير فاعل ولو فعل أبى ذلك المهاجرون والأنصار، وخفنا أن نردَّ بيعته فنقتل فبايعناه كارهين، قال: فما بدا لكما في عثمان؟ قال: ذكرنا ما كان من طعننا عليه و خذلاننا إيّاه، فلم نجد من ذلك مخرجاً إلّا الطلب بدمه. قال: ما تأمراني به؟ قال: بايعنا على قتال عليّ ونقض بيعته، قال: أرأيتما إن أتانا بعدكما مَن يدعونا اليه ما نصنع؟ قالا: لا تبايعه. قال ما أنصفتما أتأمراني أن اُقاتل عليّاً وأنقض بيعته وهي في أعناقكما وتنهاني عن بيعة من لا بيعة له عليكما؟ أما إنَّنا قد بايعنا عليّاً، فإن شئتما بايعناكما بيسار أيدينا. قال: ثمَّ تفرق الناس فصارت فرقةٌ مع عثمان بن حنيف، وفرقةٌ مع طلحة والزبير. ثمَّ جاء جارية بن قدامة فقال: يا اُمَّ المؤمنين! لقتل عثمان كان أهون علينا من خروجكِ من بيتكِ على هذا الجمل الملعون، انَّه كانت لكِ من الله حرمة و ستر، فهتكتِ سترَك، وأبحتِ حرمتكِ، انَّه من رأى قتالكِ، فقد رأى قتلكِ، فإن كنت يا اُمّ المؤمنين! أتيتينا طائعة؟ فارجعي إلى منزلكِ، وإن كنت أتيتينا مستكرهة؟ فاستعتبي(٢) .

____________________

١ - أنّى هذا المحال والتمحل من قوارصها التى مرّت في ص ٧٧ - ٨٥.

٢ - الامامة والسياسة ١: ٦٠.

١٠٠

٢٤ - ذكر ابو مخنف من طريق مسافر بن عفيف من خطبة(١) لمولانا أمير المؤمنين قوله: اللهمَّ إنَّ طلحة نكث بيعتي وألَّب على عثمان حتى قتله ثمَّ عضهني به ورماني أللهمَّ فلا تمهله، اللهمَّ إنَّ الزبير قطع رحمي ونكث بيعتي وظاهر على عدوّي فاكفنيه اليوم بما شئت(٢) .

٢٥ - أخرج الطبري في تاريخه ٥: ١٨٣ من طريق علقمة بن وقاص الليثي قال: لَمّا خرج طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم رأيت طلحة وأحبُّ المجالس إليه أخلاها وهو ضاربٌ بلحيته على زَوره(٣) فقلت: يا أبا محمَّد! أرى أحبَّ المجالس اليك أخلاها وأنت ضاربٌ بلحيتك على زورك، إن كرهت شيئاً فاجلس. قال: فقال لي: يا علقمة بن وقّاص! بينا نحن يدٌ واحدة على مَن سوانا إذا صرنا جبلين من حديد يطلب بعضنا بعضاً انّه كان منِّي في عثمان شيءٌ ليس توبتي إلّا أن يُسفك دمي في طلب دمه.

الوجه في هذه التوبة إن صحَّت وكان الموئود من النفوس المحترمة أن يسلّم نفسه لأولياء القتيل أو لإمام الوقت فيقيدوا منه، لا أن يلقح فتنة كبرى تُراق فيها دماءٌ بريئة من دم عثمان، وتزهق أنفسٌ لم تكن هنالك في حَلّ ولا مرتحل، فيكون قد زاد ضغثاً على ابّالة، وجاء بها حشفاً وسوء كيلة.

٥ - حديث الزبير بن العوام

أحد العشرة المبشَّرة، وأحد أصحاب الشورى الستّ.

١ - أخرج الطبري في حديث وقعة الجمل: خرج عليٌّ على فرسه فدعا الزبير فتواقفا فقال عليٌّ للزبير: ما جاء بك؟ قال: أنت، ولا أراك لهذا الأمر أهلاً ولا أولى به منّا. فقال عليٌّ: لستُ(٤) له أهلاً بعد عثمان رضي الله عنه؟ قد كنّا نعدُّك من بني عبد المطلب حتّى بلغ إبنك ابن السوء ففرَّق بيننا وبينك. وعظَّم عليه أشياء فذكر أنَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرَّ عليهما فقال لعليّ: ما يقول ابن عمَّتك؟ ليقاتلنّك وهو لك ظالمٌ(٥) .

____________________

١ - ذكرها ابن ابى الحديد فى شرح النهج ١: ١٠١.

٢ - يا لها من دعوة مستجابة اصابت الرجلين من دون مهلة.

٣ - الزور: الصدر وقيل: وسط الصدر. وقيل: أعلى الصدر. وقيل: ملتقى أطراف عظام الصدر.

٤ - فى الكامل لابن الاثير: ألست.

٥ - هذا الحديث اخرجه جمع من الحفاظ كما اسلفناه فى الجزء الثالث ص ١٩١ ط ٢.

١٠١

فانصرف عنه الزبير وقال: فانِّي لا اُقاتلك، فرجع إلى ابنه عبد الله، فقال: ما لي في هذا الحرب بصيرة. فقال له ابنه: إنَّك قد خرجت على بصيرة، ولكنّك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت أنّ تحتها الموت فجبنت، فأحفظه حتّى أرعد وغضب وقال: ويحك إنّي قد حلفت له ألّا اُقاتله. فقال له إبنه: كفِّر عن يمينك بعتق غلامك (سَرجيس) فأعتقه وقام في الصفِّ معهم، وكان عليٌّ قال الزبير: أتطلب منِّي دم عثمان؟ وأنت قتلته، سلّط الله على أشدِّنا عليه اليوم ما يكره(١) .

وقول عليٍّعليه‌السلام للزبير: أتطلب منِّي دم عثمان وأنت قتلته. الخ. أخرجه أيضاً الحافظ العاصمي في زين الفتى. وفي لفظ المسعودي: قال عليٌّ: ويحك يا زبير! ما الذي أخرجك؟ قال: دم عثمان. قال عليٌّ: قتل الله أولانا بدمِ عثمان.

قال الأميني: إنّما حلف الزبير على ترك القتال لأنَّه وجده بعد تذكير الإمامعليه‌السلام له الحديث النبويَّ، وبعد إتمام الحجَّة عليه بذلك محرَّماً عليه في الدين، وانَّه من الظلم الفاحش الذي استقلَّ العقل بتحريمه، فهل التكفير بعتق الغلام يُبيح ذلك المحرَّم بالعقل والشريعة؟ ويسوِّغ الخروج على الإمام المفترض طاعته؟ لا. لكن تسويل عبد الله هو الذي فرَّق بين الزبير وبين آل عبد المطلب، وأباح له كلَّ محظور، فقاتل إمام الوقت ظالماً كما ورد في النصِّ النبويِّ، وصدَّق الخُبر الخَبر.

٢ - ذكر المسعودي في حديث: انَّ مروان بن الحكم قال - يوم الجمل -: رجع الزبير، يرجع طلحة، ما اُبالي رميت ها هنا أم هاهنا، فرماه في أكحله فقتله.

(مروج الذهب ٢: ١١)

٣ - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢: ٤٠٤: كان طلحة من أشدِّ الناس تحريضاً عليه، وكان الزبير دونه في ذلك، رووا أنَّ الزبير كان يقول: اُقتلوه فقد بدَّل دينكم. فقالوا له: إنَّ ابنك يحامي عنه بالباب. فقال: ما أكره أن يُقتل عثمان ولو بدئ با بني، إنَّ عثمان لجيفةٌ على الصراط غداً.

٤ - أخرج البلاذري في الأنساب ٥: ٧٦ من طريق أبي مخنف قال: جاء الزبير إلى عثمان فقال له: إنَّ في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعةٌ يمنعون من ظلمك، ؤ يأخذونك

____________________

١ - تاريخ الطبرى ٥: ٢٠٤، مروج الذهب ٢: ١٠، الكامل لابن ألاثير ٣: ١٠٢.

١٠٢

بالحقِّ، فأخرج فخاصم القوم إلى أزواج النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرج معه فوثب الناس عليه بالسِّلاح فقال: يا زبير! ما أرى أحداً يأخذ بحقّ، ولا يمنع من ظلم، ودخل ومضى الزبير إلى منزله.

٥ - قال البلاذري في الأنساب ٥: ١٤: وجدت في كتاب لعبد الله عن الصالح العجلي ذكروا: انَّ عثمان نازع الزبير فقال الزبير: إن شئت تقاذفنا؟ فقال عثمان: بماذا أيا لبعير يا أبا عبد الله؟ قال: لا والله ولكن بطبع خباب، وريش المقعد، وكان خباب يطبع السيوف، وكان المقعد يريش النبل.

وقال ابن المغيرة بن الأخنس متغنّياً على قعود له:

حُكيم وعمّار الشجا ومحمّد

وأشتر والمكشوح جرّوا الدواهيا

وقد كان فيها للزبير عجاجة

وصاحبه الأدنى أشاب النواصيا(١)

٦ - حديث طلحة والزبير

١ - من كلام لمولانا أمير المؤمنين في شأن الرجلين: والله ما أنكروا عليَّ منكراً ولا جعلوا بيني وبينهم نصفاً، وإنَّهم ليطلبون حقّاً هم تركوه، ودماً هم سفكوه، فإن كنت شريكهم فيه فإنَّ لهم نصيبهم منه، وإن كانوا وُلوه دوني فما الطلبة إلّا قِبَلهم، وإنَّ أوَّل عدلهم للحكم على أنفسهم، وإنَّ معي لبصيرتي ما لبَّست ولا لُبِّس عليَّ، وإنَّها للفئة الباغية فيها الحما والحُمة(٢) .

(نهج البلاغة ١: ٢٥٤).

وفي لفظ أبي عمر في « الإستيعاب » في ترجمة طلحة بن عبيد الله: إنِّي مُنيت بأربعة: أدهى النّاس وأسخاهم طلحة، وأشجع النّاس الزبير، وأطوع النّاس في النَّاس عائشة، وأسرع النّاس إلى الفتنة يعلى بن منية، والله ما أنكروا عليَّ شيئاً منكراً، ولا استأثرت بمال، ولا ملت بهوى، وانَّهم ليطلبون حقّاً تركوه، ودماً سفكوه، ولقد ولوه دوني، وإن كنت شريكهم في الإنكار لما أنكروه، وما تبعة عثمان إلّا عندهم، وانَّهم لهم الفئة الباغية. إلى قولهعليه‌السلام : والله إنَّ طلحة والزبير وعائشة ليعلمون أنِّي على الحقِّ وأنّهم مبطلون.

____________________

١ - كتاب صفين لابن مزاحم ط مصر ص ٦٠، ٦٦.

٢ - قال ابن ابى الحديد: كنى علىّ عليه‌ السلام عن الزوجة بالحمة. وهى: سم العقرب. والحما يضرب مثلا لغير الطيب ولغير الصافى.

١٠٣

٢ - من كتاب لهعليه‌السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة: أمّا بعد: فإنِّي اُخبركم عن أمر عثمان حتّى يكون سمعه كعيانه، إنَّ النَّاس طعنوا عليه فكنت رجلاً من المهاجرين اُكثر استعتابه، واُقلُّ عتابه، وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف، وأرفق حدائهما العنيف، وكان من عائشة فيه فلتة غضب، فاُتيح له قومٌ فقتلوه، وبايعني الناس غير مستكرَهين ولا مجبَرين بل طائعين مخيَّرين.

(نهج البلاغة ٢: ٢، الإمامة والسياسة ١: ٥٨).

قال ابن أبي الحديد في الشرح ٣: ٢٩٠: أمَّا طلحة والزبير فكانا شديدين عليه (على عثمان) والوجيف: سير سريعٌ وهذا مثلٌ يقال للمستمرِّين في الطعن عليه حتى أنَّ السير السريع أبطأ ما يسيران في أمره، والحداء العنيف أرفق ما يحرِّضان به عليه.

٣ - قال البلاذري: حدَّثني المدائني عن ابن الجعدبة قال: مرَّ عليٌّ بدار بعض آل أبي سفيان فسمع بعض بناته تضرب بدُف وتقول:

ظُلامة عثمان عند الزبير

وأوتر منه لنا طلحهْ

هما سعراها بأجذالها

وكانا حقيقين بالفضحهْ

فقال عليٌّ: قاتلها الله، ما أعلمها بموضع ثأرها؟ الأنساب ٥: ١٠٥.

٤ - أخرج الطبري من طريق ابن عبَّاس قال: قدمت المدينة من مكّة بعد قتل عثمان رضي الله عنه بخمسة أيَّام فجئت عليّاً أدخل عليه فقيل لي: عنده المغيرة بن شعبة فجلست بالباب ساعة فخرج المغيرة فسلّم عليَّ فقال: متي قدمت؟ فقلت: ألساعة. فدخلت على عليّ فسلّمت عليه فقال لي: لقيت الزبير وطلحة؟ قال: قلت: لقيتهما بالنواصف. قال: مَن معهما؟ قلت: أبو سعيد بن الحارث بن هشام في فئة من قريش. فقال عليٌّ: أما انَّهم لن يدعوا أن يخرجوا يقولون: نطلب بدم عثمان والله نعلم أنّهم قتلة عثمان.

(تاريخ الطبري ٥: ١٦٠).

٥ - أخرج الطبري عن عمر بن شبه من طريق عتبة بن المغيرة بن الأخنس قال: لقى سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عرق فقال: أين تذهبون؟ و ثأركم على أعجاز الإبل اقتلوهم(١) ثمَّ ارجعوا إلى منازلكم لا تقتلوا أنفسكم. قالوا:

____________________

١ - يعنى طلحة والزبير وأصحابهما.

١٠٤

بل نسير فلعلّنا نقتل قتلة عثمان جميعاً. فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال: إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني. قالا: لأحدنا أيّنا اختاره الناس. قال: بل اجعلوه لولد عثمان فانّكم خرجتم تطلبون بدمه. قالا: ندعُ شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم؟ قال: أفلا أراني أسعى لأخرجها من بني عبد مناف؟ فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن اسيد فقال المغيرة بن شعبة: الرأي ما رأى سعيد بن كان هاهنا من ثقيف فليرجع فرجع. الحديث

(تاريخ الطبري ٥: ١٦٨).

٦ - وفي كتاب كتبه ابن عبّاس إلى معاوية جواباً: وأمّا طلحة والزبير فانَّهما أجلبا عليه وضيَّقا خناقه، ثمَّ خرجا ينقضان البيعة ويطلبان الملك، فقاتلناهما على النكث كما قاتلناك على البغي. كتاب نصر بن مزاحم ص ٤٧٢، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٨٩.

٧ - قدم على حابس بن سعد سيِّد طيّ بالشام ابن عمّه فأخبره انَّه شهد قتل عثمان بالمدينة المنوَّرة وسار مع عليّ إلى الكوفة وكان له لسانٌ وهيبة فغدا به حابس إلى معاوية فقال: هذا ابن عمِّي قدم من الكوفة، وكان مع عليّ وشهد قتل عثمان بالمدينة وهو ثقةٌ فقال معاوية: حدِّثنا عن أمر عثمان. قال: نعم وليه محمَّد بن أبي بكر، وعمّار ابن ياسر، وتجرَّد في أمره ثلاث نفر: عدي بن حاتم، والأشتر النخعي، وعمرو بن الحمق، ودبَّ(١) في أمره رجلان: طلحة والزبير، وأبرأ الناس منه عليُّ بن أبي طالب ثمَّ تهافت الناس على عليّ بالبيعة تهافت الفراش حتى ضلّت(٢) النعل، وسقط الرداء، ووطئ الشيخ ولم يُذكر عثمان ولم يَذكروه. الخ.

(الإمامة والسياسة ١ ص ٧٤، كتاب صفِّين لابن مزاحم ص ٧٢، شرح ابن أبي الحديد ١: ٢٥٩).

٨ - أخرج الحاكم في المستدرك ٣: ١١٨ باسناده عن إسرائيل بن موسى انَّه قال: سمعت الحسن يقول: جاء طلحة والزبير إلى البصرة فقال لهم الناس: ما جاء بكم؟ قالوا: نطلب دم عثمان. قال الحسن: أيا سبحان الله! أفما كان للقوم عقولٌ فيقولون: والله ما قتل عثمان غيركم؟

____________________

١ - لفظ ابن مزاحم: وجدّ فى أمره رجلان.

٢ - وفى لفظ: ضاعت النعل.

١٠٥

٩ - لَمّا انتهت عائشة وطلحة والزبير إلي حُفر أبي موسى(١) قريباً من البصرة أرسل عثمان بن حنيف وهو يومئذ عامل عليّ على البصرة إلى القوم أبا الأسود الدؤلي فجاء حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها فقالت: أطلب بدم عثمان. قال: إنَّه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحدٌ، قالت. صدقت ولكنهم مع عليِّ بن أبي طالب بالمدينة وجئت استنهض اهل البصرة لقتاله، أنغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيوفكم؟ فقال لها: ما أنتِ من السوط والسيف؟ إنَّما أنتِ حبيس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمركِ أن تقرِّي في بيتك، وتتلي كتاب ربِّك، وليس على النساء قتال، ولا لهنَّ الطلب بالدماء، وانَّ عليّاً لأولى بعثمان منك وأمسّ رحماً فانَّهما إبنا عبد مناف. فقالت: لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت إليه، أفتظنُّ يا ابا الأسود! انّ أحداً يقدم على قتالي؟ قال: أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد. ثمَّ قام فأتى الزبير فقال: يا أبا عبد الله! عهد الناس بك و أنت يوم بويع أبو بكر آخذٌ بقائم سيفك تقول: لا أحد أولى بهذا الأمر من إبن أبي طالب وأين هذا المقام من ذاك؟ فذكر له دم عثمان، قال: أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا. قال: فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول. فذهب إلى طلحة فوجده سادراً في غيِّه مصرّاً على الحرب والفتنة. الحديث.

الإمامة والسياسة ١ ص ٥٧، العقد الفريد ٢: ٢٧٨، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٨١

١٠ - خرج عثمان بن الحنيف إلى طلحة والزبير في أصحابه فناشدهم الله والإسلام واذكرهما بيعتهما عليّاً فقالا: نطلب بدم عثمان. فقال لهما: وما أنتما وذاك؟ أين بنوه؟ أين بنو عمِّه الذين هم أحقّ به منكم؟ كلّا والله، ولكنّكما حسدتماه حيث إجتمع النّاس عليه، وكنتما ترجوان هذا الأمر وتعملان له، وهل كان أحدٌ أشدَّ على عثمان قولاً منكما؟ فشتماه شتماً قبيحاً وذكرا اُمَّه. ألحديث. شرح ابن أبي الحديد ٢: ٥٠٠.

١١ - لَمّا نزل طلحة والزبير وعائشة بأوطاس من أرض خيبر أقبل عليهم سعيد ابن العاصي على نجيب له فأشرف على النّاس ومعه المغيرة بن شعبة فنزل وتوكّأ على قوس له سوداء فأتى عائشة فقال لها: أين تريدين يا اُمَّ المؤمنين؟ قالت: اُريد البصرة.

____________________

١ - حفر ابن موسى هى ركايا احفرها ابو موسى الاشعرى على جادة البصرة الى مكة بينها و بين البصرة خمس ليال.

١٠٦

قال: وما تصنعين بالبصرة؟ قالت: أطلب بدم عثمان. قال: فهؤلاء قتلة عثمان معكِ، ثمَّ أقبل على مروان فقال له: أين تريد أيضاً؟ قال: البصرة. قال: وما تصنع بها؟ قال: أطلب قتلة عثمان. قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك؟ إنَّ هذين الرجلين قتلا عثمان: طلحة والزبير، وهما يريدان الأمر لأنفسهما فلمّا غلبا عليه قالا: نغسل الدم بالدم والحوبة بالتوبة.

ثمَّ قال المغيرة بن شعبة: أيّها النّاس إن كنتم إنَّما خرجتم مع اُمِّكم؟ فارجعوا بها خيراً لكم، وإن كنتم غضبتم لعثمان؟ فرؤساؤكم قتلوا عثمان، وإن كنتم نقمتم على عليّ شيئاً؟ فبيِّنوا ما نقمتم عليه، أنشدكم الله، فِتنتين في عام واحد؟ فأبوا إلّا أن يمضوا بالنّاس.

« الإمامة والسياسة ١: ٥٥ »

١٢ – لمـّا نزل طلحة والزبير البصرة قال عثمان بن حنيف: نعذر إليهما برجلين فدعا عمران بن حصين صاحب رسول الله وأبا الأسود الدؤلي فأرسلهما إلى الرجلين فذهبا إليهما فناديا: يا طلحة! فأجابهما فتكلّم أبو الأسود الدؤلي فقال: يا محمَّد؟ انَّكم قتلتم عثمان غير مؤامرين لنا في قتله، وبايعتم عليّاً غير مؤامرين لنا في ييعته، فلم نغضب لعثمان إذ قُتل، ولم نغضب لعليّ إذ بويع، ثمَّ بدا لكم فأردتم خلع عليّ ونحن على الأمر الأوّل، فعليكم المخرج ممَّا دخلتم فيه. ثمَّ تكلّم عمران فقال: يا طلحة! إنَّكم قتلتم عثمان ولم نغضب له إذ لم تغضبوا، ثمَّ بايعتم عليّاً وبايعنا مَن بايعتم، فإن كان قتل عثمان صواباً فمسيركم لماذا؟ وإن كان خطأ؟ فحظُّكم منه الأوفر، ونصيبكم منه الأوفى، فقال طلحة: يا هذان إنَّ صاحبكما لا يرى أنَّ معه في هذا الأمر غيره وليس على هذا بايعناه، وأيم الله ليسفكنَّ دمه. فقال أبو الأسود: يا عمران! أمّا هذا فقد صرَّح انَّه إنَّما غضب للملك. ثمَّ أتيا الزبير فقالا: يا أبا عبد الله! إنّا أتينا طلحة. قال الزبير: إنَّ طلحة وإيّاي كروح في جسدين، وإنَّه والله يا هذان! قد كانت منَّا في عثمان فلتات إحتجنا فيها إلى المعاذير، ولو استقبلنا من أمرنا ما استدبرناه نصرناه الحديث. « الإمامة والسياسة ١ ص ٥٦ »

١٣ - من خطبة لعمَّار بن ياسر خطبها بالكوفة فقال: يا أهل الكوفة! إن كان غاب عنكم أنباؤنا فقد انتهت اليكم اُمورنا، إنَّ قتلة عثمان لا يعتذرون من قتله إلى الناس ولا ينكرون ذلك، وقد جعلوا كتاب الله بينهم وبين محاجِّيهم فيه، أحيا الله من أحيا،

١٠٧

وأمات مَن أمات، وإنَّ طلحة والزبير كانا أوَّل من طعن وآخر من أمر، وكانا أوَّل من بايع عليّاً، فلمّا أخطأهما ما أمَّلاه نكثا بيعتهما من غير حدَث. الحديث.

« الإمامة والسياسة ١: ٥٩ »

١٤ - روى البلاذري عن المدائني قال: ولَّى عبد الملك علقمة بن صفوان بن المحرِّث مكّة فشتم طلحة والزبير على المنبر فلمّا نزل قال لأبان بن عثمان: أرضيتك في المدهنين في أمير المؤمنين عثمان؟ قال: لا والله، ولكن سؤتني، بحسبي بليَّة أن تكون شركاً في دمه.

« الأنساب للبلاذري ٥: ١٢٠ »

١٥ - أخرج أبو الحسن عليُّ بن محمَّد المدائني من طريق عبد الله بن جنادة خطبة لمولانا أمير المؤمنين منها قوله: بايعني هذان الرجلان في أوَّل مَن بايع، تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرِّقا جماعتكم، ويلقيا بأسكم بينكم، أللهمَّ فخذهما بما عملا أخذةً واحدةً رابية، ولا تنعش لهما صرعة، ولا تقل لهما عثرة، ولا تمهلهما فواقا، فانَّهما يطلبان حقّاً تركاه، ودماً سفكاه، أللهمَّ إنِّي أقتضيك وعدك فانّك قلت: وقولك الحقّ لمن بغي عليه لينصرنَّه الله، أللهمّ فانجز لي موعدك، ولا تكلني إلى نفسي إنَّك على كلِّ شيء قدير.

(شرح ابن أبي الحديد ١: ١٠٢).

١٦ - من خطبة لمولانا أمير المؤمنين ذكرها الكلبي كما في شرح ابن أبي الحديد ١: ١٠٢: فما بال طلحة والزبير؟ وليسا من هذا الأمر بسبيل، لم يصبرا عليَّ حولاً ولا أشهراً حتّى وثبا ومَرقا، ونازعاني أمراً لم يجعل الله لهما إليه سبيلا بعد أن بايعا طائعين غير مكرهين، يرتضعان اُمّا قد فطمت، ويحييان بدعةً قد اُميتت، أدم عثمان زعما؟ والله ما التبعة إلّا عندهم وفيهم، وإنَّ أعظم حجَّتهم لعلى أنفسهم، وأنا راض بحجَّة الله عليهم وعلمه فيهم. الحديث.

١٧ - من كلمة لمالك الأشتر: لعمري يا أمير المؤمنين! ما أمر طلحة والزبير و عائشة علينا بمخيَّل، ولقد دخل الرجلان فيما دخلا فيه وفارقا على غير حدث أحدثتَ ولا جور صنعتَ، زعما انَّهما يطلبان بدم عثمان فليقيدا من أنفسهما، فإنَّهما أوَّل من ألَّب عليه وأغرى الناس بدمه، واُشهد الله لئن لم يدخلا فيما خرجا منه لنلحقنَّهما بعثمان

١٠٨

فإنَّ سيوفنا في عواتقنا، وقلوبنا في صدورنا، ونحن اليوم كما كنّا أمس.

« شرح ابن أبي الحديد ١: ١٠٣ »

قال الأميني: إنَّ الأخذ بمجامع هذه الأخبار البالغة خمسين حديثاً يعطينا درساً ضافياً بأنَّ الرجلين هما أساس النهضة في قصَّة عثمان، وهما اللذان أسعرا عليه الفتنة، وانَّهما لم يريان حرجاً في إراقة دمه، وقد استباحا عندئذ ما يحرم إرتكابه في المسلمين إلّا أن يكون مهدور الدم بسبب من الأسباب الموجبة لذلك، فلم يتركاه حتّى أوديا به، وكان لطلحة هنالك مواقف مشهودة، فمنع عنه الماء الذي هو شرعٌ سواءٌ بين المسلمين، وانَّه لم يردَّ على عثمان لَمّا سلّم عليه ومن الواجب ردُّ السَّلام على كلِّ مسلم، وقد منع عن دفنه ثلاثاً في مقابر المسلمين، وقد أوجبت الشريعة الإسلاميَّة المبادرة إلى دفن المسلم، وقد أمر برمي الجنازة ورمي من يتولّى تجهيزها بالحجارة والمسلم حرمته ميتاً كحرمته حيّاً، فلم يرض طلحة بالأخير إلّا دفنه في مقبرة اليهود « حشّ كوكب » وهل لهذه الأعمال وجهٌ بعد حفظ كرامة صحبتهما؟ والقول بعدالة الصحابة كلّهم؟ و قبول ما ورد في الرجلين إنَّهما من العشرة المبشَّرة؟ إلا أن يُقال: إنَّهما كانا يريان القتيل خارجا عن حوزة المسلمين، وإلّا لردعتهما الصحبة والعدالة والبشارة عن ارتكاب تلكم الأعمال في أيّ من ساقة المسلمين فضلاً عن خليفتهم.

ونحن في هذا المقام نقف موقف المتحايد، ولسنا هاهنا إلّا في صدد بيان آراء الصحابة الأوَّلين في عثمان، وما أفضناه من رأيهما كان معروفاً عنهما في وقتهما، ولم يزل كذلك في الأجيال المتأخِّرة عنهما حتّى العصر الحاضر، إن كانت الآراء تُؤخذ من المصادر الوثيقة، وكانت حرَّة غير مشوبة بحكم العاطفة، نزهة عن الميول والشهوات وأمّا ما أظهراه من التوبة بعد أن نكثا البيعة الصحيحة المشروعة فقد قدَّمنا وجهها في ص ١٠١ في طلحة ويشاركه في ذلك الزبير ايضاً، فقد قفّيا الحوبة بالحوبة لا بالتوبة حسبا (إن كانا يصدقان) أنها تمحو السيّئة، بل الحوبة الأخيرة أعظم عند الله، فقد أراقا بها من الصفِّين في واقعة الجمل دماءً تعدُّ بالآلاف بريئة من دم عثمان.

وهتكا حرمة رسول الله بإخراج حشيَّة من حشاياه من خدرها، وقد نهىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساءه عن ذلك، وأوقفاها في محتشد العساكر وجبهة القتال الدامي، وقصدا قتل إمام الوقت

١٠٩

المفترض طاعته الواجب حفظه، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، والله من ورائهم محيط.

٧ - حديث عبد الله بن مسعود

الصحابيّ البدريّ العظيم

مرَّ في هذا الجزء ص ٦٣ شطراً من أحاديثه المعربة عن رأيه السديد في عثمان وعمّا كان حاملاً بين جنبيه من الموجدة عليه، وإنَّه كان من الناقمين عليه يعيبه ويقدح فيه، أفسد عليه العراق بذكر محدثاته، وأخذه عثمان بذلك أخذاً شديداً وحبسه وهجره ومنعه عطاءه سنين وأمر به واُخرج من مسجد رسول الله إخراجاً عنيقاً، وضُرب به الأرض فدقَّ ضلعه وضربه أربعين سوطاً.

وكان ابن مسعود على اعتقاده السيِّء في الرجل مغاضباً له حتّى لفظ نفسه الأخير وأوصى أن لا يصلّي عليه، وفي الفتنة الكبرى ص ١٧١: روي انَّ ابن مسعود كان يستحلُّ دم عثمان أيّام كان في الكوفة، وهو كان يخطب الناس فيقول: إنَّ شرَّ الاُمور محدثاتها، وكلّ محدث بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار(١) يعرض في ذلك بعثمان و عامله الوليد.ا ه.

هذا رأي ذلك الصحابيِّ العظيم في الرَّجل، فبأيّ تمحُّل يتأتّى للباحث تقديس عثمان بعد ما يستحلُّ دمه أو يشدِّد النكير عليه ويراه صاحب محدثات وبدع مثل ابن مسعود أشبه النّاس هدياً ودلّاً وسمتاً بمحمَّد نبيِّ العظمةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟.

٨ - حديث عمار بن ياسر

البدريِّ العظيم الممدوح بالكتاب والسنّة

١ - من خطبة لعمّار خطبها يوم صفِّين قال:

انهضوا معي عباد الله إلى قوم يزعمون انَّهم يطلبون بدم ظالم إنَّما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم ولو دَرَس هذا الدين: لِمَ قتلتموه؟ فقلنا لأحداثه، فقالوا: إنَّه لم يُحدث

____________________

١ - راجع ص ٣ من هذا الجزء.

١١٠

شيئاً، وذلك لأنّه مكّنهم من الدُنيا فهم يأكلونها و يرعونها، ولا يبالون لو انهدمت الجبال، والله ما أظنّهم يطلبون بدم، ولكن القوم ذاقوا الدُنيا فاستحلّوها واستمرؤها وعلموا: أنَّ صاحب الحقِّ لو وليهم لحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون منها، إنَّ القوم لم يكن لهم سابقةٌ في الإسلام يستحقّون بها الطاعة والولاية، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قُتل إمامنا مظلوماً ليكونوا جبابرة وملوكاً، تلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولاها ما تابعهم من الناس رجلٌ. إلخ.

وفي لفظ نصر بن مزاحم في كتاب صفِّين: امضوا (معي) عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله، إنَّما قتله الصالحون المنكرون للعدوان. إلخ. وله لفظٌ آخر يأتي بُعيد هذا.

وفي لفظ الطبري في تاريخه: أيّها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفّان ويزعمون انَّه قتل مظلوماً. إلخ.

راجع كتاب صفِّين لإبن مزاحم ط مصر ص ٣٦١، ٣٦٩، تاريخ الطبري ٦: ٢١، الكامل لابن الأثير ٣: ١٢٣، شرح ابن أبي الحديد ١: ٥٠٤، تاريخ ابن كثير ٧: ٢٦٦، جمهرة الخطب ١: ١٨١.

٢ - خطب معاوية يوم وفد إليه وفدٌ(١) بعثه إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال:

أمّا بعد فإنَّكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة، فأمّا الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا وهي، وأمّا الطاعة لصاحبكم فإنّا لا نراها، إنَّ صاحبكم قتل خليفتنا، وفرَّق جماعتنا، وآوى ثأرنا وقتلنا، وصاحبكم يزعم انَّه لم يقتله، فنحن لا نردُّ ذلك عليه، أرأيتم قتلة صاحبنا؟ ألستم تعلمون أنَّهم أصحاب صاحبكم؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به، ثمَّ نحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة.

فقال له شبث بن ربعي: أيسرُّك يا معاوية! انَّك اُمكنت من عمَّار تقتله؟ وفي لفظ ابن كثير: لو تمكّنت من عمّار أكُنت قاتله بعثمان؟ فقال معاوية: وما يمنعني من ذلك؟ والله لو اُمكنت(٢) من ابن سميَّة ما قتلته بعثمان رضي الله عنه، ولكن

____________________

١ - كان فيه: عديّ بن حاتم، يزيد بن قيس، شبث بن ربعي، زياد بن حفصة.

٢ - فى لفظ ابن مزاحم: لو امكننى صاحبكم من ابن سمية.

١١١

كنت قاتله بناتل مولى عثمان.

فقال شبث: وإله الأرض وإله السّماء ما عدلت معتدلاً، لا والذي لا إله إلّا هو، لا تصل إلى عمَّار حتّى تندر الهام عن كواهل الأقوام، وتضيق الأرض الفضاءُ عليك برحبها.. إلخ.

كتاب صفِّين لإبن مزاحم ص ٢٢٣، تاريخ الطبري ٦: ٣، الكامل لإبن الأثير ٣: ١٢٤، شرح ابن أبي الحديد ١: ٣٤٤، تاريخ ابن كثير ٧: ٢٥٧، جمهرة الخطب ١: ١٥٨.

٣ - أرسل أمير المؤمنين إبنه الحسن وعمّار بن ياسر إلى الكوفة فلمّا قدماها كان أوَّل مَن أتاهما مسروق بن الأجدع فسلّم عليهما وأقبل على عمَّار فقال: يا أبا اليقظان! علام قتلتم عثمان رضي الله عنه؟ قال: على شتم أعراضنا، وضرب أبشارنا(١) . فقال: والله ما عوقبتم بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لكان خيراً للصابرين.

فخرج أبو موسى فلقي الحسن فضمَّه إليه وأقبل على عمّار فقال: يا أبا اليقظان! أعدوت(٢) فيمن عدا على أمير المؤمنين فأحللت نفسك مع الفجّار؟ قال: لم أفعل ولم يسؤني، فقطع عليهما الحسن فأقبل على أبي موسى فقال: يا أبا موسى! لِمَ تُثبِّط الناس عنّا؟ فوالله ما أردنا إلّا الإصلاح وما مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء، فقال: صدقت بأبي أنت واُمِّي، ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّها ستكون فتنة القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم خيرٌ ما الماشي، والماشي خيرٌ من الراكب، وقد جعلنا الله عزَّ وجلَّ إخواناً وحرَّم علينا أموالنا ودماءنا وقال: يا أيُّها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و لا تقتلوا أنفسكم إنَّ الله بكم رحيما. الآية. فغضب عمّار وساءه وقام وقال: يا أيُّها النّاس إنَّما قال رسول الله له خاصَّة: أنت فيها قاعداً خيرٌ منك قائماً. وقام رجلٌ مِن بني تميم فقال لعمّار: اُسكت أيُّها العبد أنت أمس مع الغوغاء واليوم تسافه أميرنا و

____________________

١ - ابشار جمع البشرة: أعلى جلدة الوجه والجسد من الانسان.

٢ - شرح ابن ابي الحديد: غدوت فيما غدا.

_٧_

١١٢

ثار زيد بن صوحان. ألحديث(١) .

تاريخ الطبري ٥: ١٨٧، شرح ابن أبي الحديد ٣: ٢٨٥، الكامل لابن الأثير ٣: ٩٧.

٤ - قال الباقلاني في التمهيد ص ٢٢٠: روي انَّ عمّاراً كان يقول: عثمان كافرٌ. وكان يقول بعد قتله: قتلنا عثمان يوم قتلناه كافراً. وهذا سرفٌ عظيمٌ من خرج إلى ما هو دونه استحقَّ الأدب من الإمام. فلعلَّ عثمان انتهره وأدَّ به لكثرة قوله: قد خلعت عثمان وأنا بريءٌ منه، فأوّى الأدب إلى فتق أمعائه، ولو أدّى الأدب إلى تلف النفس لم يكن بذلك مأثوماً ولا مستحقّاً للخلع، فإمّا أن يكون ضربه باطلاً وإمّا أن يكون صحيحاً فيكون ردعاً وتأديباً ونهياً عن الإغراق والسرف، وذلك صوابٌ من فعل عثمان، وهفوةٌ من عمّار.

قال الأميني: هذه التمحّلات تضادُّ ما صحَّ وثبت عن النبيِّ الأقدس في عمّار، ونحن لا يسعنا تكذيب النبيِّ الصادق الأمين تحفّظاً على كرامة أيِّ ابن اُنثى فضلاً عن أن يكون من أبناء الشجرة المنعوتة في القرآن.

٥ - روى أبو مخنف عن موسى بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: أقبلنا مع الحسن وعمّار بن ياسر من ذي قال حتّى نزلنا القادسيَّة فنزل الحسن وعمَّار ونزلنا معهما، فاحتبى عمَّار بحمائل سيفه، ثمَّ جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة وعن حالهم، ثمَّ سمعته يقول: ما تركت في نفسي حزَّة أهمّ إليَّ من أن لا نكون نبشنا عثمان من قبره ثمَّ أحرقناه بالنار. « شرح ابن أبي الحديد ٣: ٢٩٢ »

٦ - جاء في محاورة وقعت بين عمَّار بن ياسر وعمرو بن العاص فيما أخرجه نصر في كتابه: قال له عمرو: فما ترى في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب كلّ سوء. قال عمرو: فعليٌّ قتله، قال عمّار: بل الله ربّ عليّ قتله وعليٌّ معه. قال عمرو: أكنت فيمن قتله؟ قال: كنت معَ من قتله وأنا اليوم اُقاتل معهم. قال عمرو: فلِمَ قتلتموه؟ قال عمّار: أراد أن يغيِّر ديننا فقتلناه؟ فقال عمرو: ألا تسمعون؟ قد اعترف بقتل عثمان. قال عمّار: وقد

____________________

١ - فى هذا الحديث اشياء موضوعة حذف بعضها ابن الاثير فى الكامل وزاد فيه أيضاً، وهو من مكاتبات السرى وكلها باطل فيها دجل.

١١٣

قالها فرعون قبلك لقومه: ألا تسمعون؟. الحديث.

كتاب صفِّين لا بن مزاحم ص ٣٨٤، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٢٧٣:

٧ - إنَّ عمّار بن ياسر نادى يوم صفين(١) : أين من يبغي رضوان ربِّه ولا يؤوب إلى مال ولا ولد؟ قال: فأتته عصابةٌ من الناس فقال: أيُّها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبغون دم عثمان ويزعمون أنَّه قُتل مظلوماً، والله إن كان إلّا ظالماً لنفسه الحاكم بغير ما أنزل الله. « كتاب صفِّين ص ٣٦٩ »

وفي الفتنة الكبرى ص ١٧١: فقد روي أنَّ عمّار بن ياسر كان يكفِّر عثمان و يستحلُّ دمه ويسمِّيه نعثل.

قال الأميني: هذا الصحابيُّ البطل الذي عرفته في صفحة ٢٠ - ٢٨ من هذا الجزء عمّار بن ياسر المعنيّ في عدَّة آيات كريمة من الذكر الحكيم، ومصبِّ الثناء البالغ المتكرّر المستفيض من صاحب الرسالة، من ذلك: أنَّه مُلئ ايماناً من قرنه إلى قدمه، وانَّه مع الحقِّ والحقُّ معه يدور معه أينما دار، وأنَّه ما عُرض عليه أمران إلاّ أخذ بالأرشد منهما، وانّه من نفر تشتاق اليهم الجنَّة، وإنَّه جِلدة بين عينيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنَّه تقتله الفئة الباغية، فمعتقد هذا الرجل العظيم وهو متلفِّعٌ بهاتيك الفضائل كلّها في الخليفة ما تراه يكرّره من أنَّه كان ظالماً لنفسه، حاكماً بغير ما أنزل الله، مُريداً تغيير دين الله تغييراً أباح لهم قتله، وانَّه قتله الصالحون، المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان، إلى ما لهذه من عقائد تركته جازماً بما نطق به، مصرّاً على ما ارتكبه، معترفاً بأنَّه كان مع المجهزين عليه، متأسِّفاً على ما فاته من نبش قبره وإحراقه بالنار، فلم يبرح كذلك حتى أخذ يقاتل الطالبين بثاره مع قاتليه وخاذليه، مذعناً بأنَّ الثائرين له مبطلون يجب قتالهم فلم يفتأ على هذه المعتقد حتى قتلته الفئة الباغية. أصحاب معاوية، وقاتله وسالبه وباغضه في النار نصّاً من النبيِّ المختارصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٩ - حديث المقداد

ابن الأسود الكندي فارس يوم بدر

قال اليعقوبي في تاريخه ٢: ١٤٠ في بيعته عثمان واستخلافه: مال قومٌ مع عليٍّ

____________________

١ - فى شرح ابن ابى الحديد ٢: ٢٦٩: ناداه فى صفين قبل مقتله بيوم او يومين.

١١٤

ابن أبي طالب، وتحاملوا في القول على عثمان، فروى بعضهم قال: دخلت مسجد رسول الله فرأيت رجلاً جاثياً على ركبتيه يتلهف تلهّف من كأنَّ الدنيا كانت له فسلبها وهو يقول: واعجباً لقريش ودفعهم هذا الأمر على أهل بيت نبيِّهم، وفيهم أوَّل المؤمنين، وابن عمّ رسول الله، أعلم الناس وأفقههم في دين الله، وأعظمهم عناءاً في الإسلام، وأبصرهم بالطريق، وأهداهم للصراط المستقيم، والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الظاهر النقيّ، وما أرادوا إصلاحاً للاُمَّة، ولا صواباً في المذهب، ولكنَّهم آثروا الدنيا على الآخرة، فبعداً وسحقاً للقوم الظالمين.

فدنوت منه فقلت: مَن أنت يرحمك الله ومن هذا الرجل؟ فقال: أنا المقداد بن عمرو وهذا الرجل عليُّ بن أبي طالب، قال فقلت: ألا تقوم بهذا الأمر بهذا فاعينك عليه؟ فقال: يا ابن أخي! إنَّ هذا الأمر لا يُجزي فيه الرجل ولا الرجلان، ثمَّ خرجت فلقيت أبا ذر فذكرت له ذلك، فقال: صدق أخي المقداد، ثمَّ أتيت عبد الله بن مسعود فذكرت ذلك له، فقال لقد أخبرنا فلم نأل.

وذكر ابن عبد ربِّه في العقد ٢: ٢٦٠ في حديث بيعة عثمان: فقال عمّار بن ياسر (لعبد الرَّحمن): إن أردت أن لا يختلف المسلمون؟ فبايع عليّاً، فقال المقداد بن الأسود: صدق عمّار إن بايعت عليّاً قلنا: سمعنا وأطعنا. قال ابن ابي سرح: إن أردت أن لا تختلف قريش؟ فبايع عثمان، إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا. فشتم عمّار إبن أبي سرح وقال: متى كنت تنصح المسلمين؟ فتكلَّم بنو هاشم وبنو اُميَّة فقال عمّار: ايُّها الناس إنَّ الله أكرمنا بنبيِّنا وأعزَّنا بدينه، فأنَّى تُصرفون هذا الأمر عن بيت نبيِّكم؟ فقال له رجلٌ من بني مخزوم: لقد عدوت طورك يا بن سميّة، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها؟ فقال سعد بن أبي وقاص: أفزع قبل أن يفتتن الناس، فلا تجعلنَّ أيُّها الرهط على أنفسكم سبيلا. ودعا عليّاً فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملنَّ بكتاب الله وسنَّة نبيِّه وسيرة الخليفتين من بعده، قال: أعمل بمبلغ علمي وطاقتي، ثمَّ دعا عثمان فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملنَّ بكتاب الله وسنَّة نبيِّه وسيرة الخليفتين من بعده، فقال: نعم. فبايعه فقال عليٌّ حبوته محاباة ليس ذا بأوَّل يوم تظاهرتم فيه علينا، أما والله ما ولّيت عثمان إلّا ليردّ الأمر اليك، والله كلّ يوم هو في شأن. فقال عبد الرَّحمن: يا عليُّ لا تجعل على نفسك

١١٥

سبيلاً فإنِّي قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان أحداً، فخرج عليٌّ و هو يقول: سيبلغ الكتاب أجله، قال المقداد: أما والله لقد تركته من الذين يقضون بالحقِّ وبه يعدلون، فقال: يا مقداد! والله لقد اجتهدت للمسلمين. قال: لئن كنت أردت بذلك الله فأثابك الله ثواب المحسنين.ثم َّ قال المقداد: ما رأيت مثل ما اوتي أهل هذا البيت بعد نبيِّهم، ولا أقضى منهم بالعدل، ولا أعرف بالحقِّ، أما والله لو أجد أعواناً.قال له عبد الرّحمن: يا مقداد! اتَّق الله فانِّي أخشى عليك الفتنة.وأخرج الطبري نحوه في تاريخه ٥: ٣٧، وذكره ابن الأثير في الكامل ٣: ٢٩، ٣٠، وابن أبي الحديد في شرح النهج ١: ٦٥.

وفي لفظ المسعودي في المروج ١: ٤٤٠: فقام عمّار في المسجد فقال: يا معشر قريش! أما إذا صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيِّكم ههنا مرَّة وههنا مرَّة فما أنا بآمن أن ينزعه الله فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله، وقام المقداد فقال: ما رأيت مثل ما أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيِّهم. فقال له عبد الرّحمن بن عوف: وما أنت وذاك يا مقداد بن عمرو؟ فقال: إنِّي والله لأحبهم بحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن الحق معهم وفيهم يا عبد الرحمن! أعجب من قريش - وأنت تطولهم على الناس أهل هذا البيت - قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعده من أيديهم، أما وأيم الله يا عبد الرّحمن! لو أجد على قريش أنصار لقاتلتهم كقتالي إيّاهم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر. وجرى بينهم من الكلام خطبٌ طويل قد أتينا ذكره في كتابنا أخبار الزمان في اخبار الشورى والدار.

ومرَّ في هذا الجزء ص ١٧: أنَّ المقداد أحد الجمع الذين كتبوا كتاباً عدَّدوا فيه أحداث عثمان وخوَّفوه ربَّه وأعلموه انَّهم مواثبوه إن لم يُقلع. راجع حديث البلاذري المذكور.

قال الأميني: لعلّك تعرف المقداد ومبلغه من العظمة، ومبوَّأه من الدين، ومثواه من الفضيلة، قال أبو عمر: كان من الفضلاء النجباء الكبار الخيار. هاجر الهجرتين وشهد بدراً والمشاهد كلّها، أوَّل من حارب فارساً في الإسلام. كان فارساً يوم بدر، ولم يثبت انَّه كان فيها على فرس غيره، وهو عند القوم أحد السبعة الذين أظهروا الإسلام، وأحد

١١٦

النجباء الأربعة عشر وزراء رسول الله ورفقائه(١) سمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوّاباً كما في حديث أخرجه أبو عمر في « الاستيعاب »

وأنِّى يسع للباحث أن يستكنه ما لهذا الصحابيِّ العظيم من الفضائل أو يدرك شأوه وبين يديه قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الثناء عليه: إنَّ الله أمرني بحبِّ أربعة، وأخبرني أنَّه يحبّهم: عليٌّ. والمقداد. وأبوذر. وسلمان؟(٢) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ الجنَّة تشتاق إلى أربعة: عليٌّ. وعمّار و سلمان. والمقداد أخرجه ابو نعيم في حلية الأولياء ١: ١٤٢.

فهذا الرجل الدينيُّ الذي يحبّه الله ويأمر نبيَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحبِّه كان ناقماً على الخليفة واجداً على خلافته من أوَّل يومه، متلهِّفاً على استخلافه تلهُّف من كأنَّ الدنيا كانت له فسلبها، وكان يُثبِّط الناس ويُخذِّلهم عنه، ويرى إمرته إمراً من الأمر وإدّا، يعتقدها ظلماً على أهل بيت العصمة، ويستنجد أعواناً يقاتل بهم مستخلفيه كقتاله إيّاهم يوم بدر، هذا رأيه في عثمان من يوم الشورى قبل بوائقه، فكيف بعد ما شاهد منه من هنات وهنات.

_١٠_

حديث حجر بن عدي

الكوفي سلام الله عليه وعلى أصحابه

إنَّ معاوية بن أبي سفيان لمـّا ولّى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة ٤١ دعاه فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: أمّا بعد: فإنَّ لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا، وقد قال المتلمس(٣) :

لذي الحِلم قبل اليوم ما تُقرع العصا

وما عُلّم الإنسان إلّا ليعلمها

وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا

____________________

١ - مستدرك الحاكم ٣: ٣٤٨، ٣٤٩، الاستيعاب ١: ٢٨٩، اسد الغابة ٤: ٤١٠، الاصابة ٣: ٤٥٥.

٢ - أخرجه الترمذى فى جامعه، وابو عمر فى الاستيعاب ١: ٢٩٠، وذكره ابن الاثير فى اسد الغابة ٤، ٤١٠، وابن حجر فى الاصابة ٣: ٤٥٥.

٣ - هو جرير بن عبد المسيح من بنى ضبيعة، توجد ترجمته فى (الشعر والشعراء) لابن قتيبة ص ٥٢، وفى (المؤتلف والمختلف) ص ٧١، ٢٠٢، ٢٠٧.

١١٧

تاركها إعتماداً على بصرك بما يرضيني، ويسعد سلطاني، ويصلح به رعيّتي، ولست تاركاً ايصاءك بخصلة: لا تتحمَّ عن شتم عليّ وذمِّه، والترحم على عثمان والاستغفار له والعيب على أصحاب عليّ والإقصاء لهم وترك الإسماع منهم، وباطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه والإدناء لهم والإستماع منهم. فقال المغيرة: قد جرَّبت وجُرِّبت و عملت قبلك لغيرك فلم يُذمم بي دفعٌ ولا رفعٌ ولا وضعٌ، فستبلو فتحمد أو تذمّ ثمَّ قال: بل نحمد إن شاء الله.

فأقام المغيرة بالكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين وأشهراً لا يدع ذمّ عليّ والوقوع فيه، والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم، والدعاء لعثمان بالرحمة والإستغفار له والتذكية لأصحابه، فكان حُجر بن عدي إذا سمع ذلك قال: بل إيّاكم فذمّم الله ولعن. ثمَّ قام فقال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: كونوا قوّامين بالقسط شهداء لِلَّه، وأنا أشهد أنَّ من تذمّون وتعيرون لأحقُّ بالفضل، وانَّ من تزكّون وتُطرون أولى بالذمِّ. فيقول له المغيرة: يا حجر! لقد رُمي بسهمك إذ كنت أنا الوالي عليك، يا حجر! ويحك إتَّق السلطان، إتَّق غضبه وسطوته، فإنَّ غضبة السلطان أحياناً ممّا يهلك أمثالك كثيراً، ثمَّ يكفّ عنه ويصفح، فلم يزل حتى كان في آخر إمارته قام المغيرة فقال في عليّ وعثمان كما كان يقول وكانت مقالته: اللهمَّ أرحم عثمان بن عفان وتجاوز عنه واجزه بأحسن عمله فإنَّه عمل بكتابك واتَّبع سنَّة نبيِّكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجمع كلمتنا وحقن دمائنا وقُتل مظلوماً، اللهمَّ فارحم أنصاره وأولياءه ومحبِّيه والطالبين بدمه. ويدعو على قتلته فقام حجر بن عدي فنعر نعرةً بالمغيرة سمعها كلّ مَن كان في المسجد وخارجاً منه وقال: إنّك لا تدري بمن تولّع من هرمك أيُّها الإنسان! مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا فإنّك قد حبستها عنّا وليس ذلك لك، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك، وقد أصبحت بذمِّ أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين. قال: فقام معه أكثر من ثلثي الناس يقولون: صدق والله حجر وبرَّ، مُر لنا بأرزاقنا واعطياتنا، فانّا لا ننتفع بقولك هذا، ولا يجدي علينا شيئاً وأكثروا في مثل هذا القول ونحوه.

إلى أن هلك المغيرة سنة ٥١ فجمعت الكوفة والبصرة لزياد بن أبي سفيان فأقبل حتى دخل القصر بالكوفة ثمَّ صعد المنبر فخطب ثمَّ ذكر عثمان وأصحابه فقرَّ ظهم وذكر

١١٨

قتلته ولعنهم، فقام حجر ففعل مثل الذي كان يفعل بالمغيرة.

قال محمَّد بن سيرين: خطب زياد يوماً في الجمعة فأطال الخطبة وأخَّر الصَّلاة فقال له حجر بن عدي: الصَّلاة. فمضى في خطبته ثمَّ قال: الصّلاة فمضى في خطبته، فلمّا خشى حجر فوت الصَّلاة ضرب بيده إلى كفّ من الحصا وثار إلى الصَّلاة وثار الناس معه، فلمّا رأى ذلك زياد نزل فصّلى بالناس، فلمّا فرغ من صلاته كتب إلى معاوية في أمره وكثَّر عليه فكتب إليه معاوية: أن شدَّه في الحديد ثمَّ احمله إليَّ. فلمَّا أن جاء كتاب معاوية أراد قوم حجر أن يمنعوه فقال: لا، ولكن سمعٌ وطاعةٌ، فشُدَّ في الحديد ثمَّ حُمل إلى معاوية. ساروا به وبأصحابه وهم:

١ - الأرقم بن عبد الله الكندي من بني الأرقم.

٢ - شريك بن شدّاد الحضرمي.

٣ - صيفي بن فسيل الشيباني.

٤ - قبيصة بن ضُبيعة بن حرملة العبسي.

٥ - كريم بن عفيف الخثعمي من بني عامر ثمَّ من قحافة.

٦ - عاصم بن عوف البجلي.

٧ - ورقاء بن سميِّ البجلي.

٨ - كدام بن حيّان العنزي.

٩ - عبد الرَّحمن بن حسَّان العنزي.

١٠ - مُحرز بن شهاب التميمي من بني منقر.

١١ - عبد الله بن حوية السعدي من بني تميم.

وأتبعهم زياد برجلين وهما: عتبة بن الأخنس السعدي، وسعيد بن نمران الهمداني، فمضوا بهم حتى انتهوا إلى مرج عذراء (بينها وبين دمشق اثنا عشر ميلاً) فحبسوا بها فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستّة وبقتل ثمانية، فقال لهم رسول معاوية: إنّا قد اُمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليّ واللعن له فإن فعلتم تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم، وإنَّ أمير المؤمنين يزعم انَّ دماءكم قد حلّت بشهادة أهل مصركم عليكم غير انّه قد عفى عن ذلك، فابرؤا من هذا الرجل نخلّ سبيلكم قالوا: أللهمَّ إنّا

١١٩

لسنا فاعلي ذلك. فأمر بقبورهم فحفرت واُدنيت أكفانهم، وقاموا الليل كلّه يصلّون فلمّا أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء! لقد رأيناكم البارحة قد أطلتم الصَّلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا: هو أوَّل من جار في الحكم وعمل بغير الحقِّ. فقال أصحاب معاوية: أمير المؤمنين كان أعلم بكم. ثمَّ قاموا إليهم فقالوا: تبرؤن من هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولّاه ونتبرَّأ ممَّن تبرَّأ منه. فأخذ كلُّ رجل منهم رجلاً ليقتله وأقبلوا يقتلونهم واحداً واحداً حتّى قتلوا ستَّة وهم.

١ - حُجر ٢ - شريك ٣ - صيفي ٤ - قبيصة ٥ - محرز ٦ - كدام.

أخذنا من القصَّة ما يهمّنا ذكره راجع الأغاني لأبي الفرج ١٦: ٢ - ١١، تاريخ الطبري ٦: ١٤١ - ١٦٠، تاريخ ابن عساكر ٢: ٣٧٠ - ٣٨١، الكامل لإبن الأثير ٣: ٢٠٢ - ٢١٠، تاريخ ابن كثير ٨: ٤٩ - ٥٥.

قال الأميني: هذه نظريَّة الصحابيّ العظيم حجر وأصحابه العظماء الصلحاء الأخيار في عثمان فكانوا يرونه أوَّل من جار في الحكم وعمل بغير الحقِّ، وكان حجر يراه من المجرمين فيما جابه به المغيرة بالكوفة، وقد بلغ هو وزملائه الأبرار من ذلك حدّا إستساغوا القتل دون ما يرونه، وأبوا أن يتحوَّلوا عن عقائدهم، وبرز الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، فاستمرؤا جُرَع الموت في سبيلها زُعافاً مُمقراً.

_١١_

حديث عبد الرحمن

ابن حسّان العنزي الكوفي

لمـَّا قُتل حجر بن عدي سلام الله عليه وخمسة من أصحابه رضوان الله عليهم قال عبد الرَّحمن بن حسّان وكريم بن عفيف الخثعمي (وكانا من أصحاب حُجر): ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته. فبعثوا إلى معاوية فاخبروه فبعث: إئتوني بهما فالتفتا إلى حجر فقال له العنزي: لا تبعد يا حجر! ولا يبعد مثواك فنعم أخو الإسلام كنتَ. وقال الخثعمي نحوذ لك. ثمَّ مضى بهما فالتفت العنزي فقال متمثّلاً:

كفى بشفاة القبر بُعداً لهالك

وبالموت قطَّاعاً لحبل القرائنِ

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403