• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76431 / تحميل: 3432
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

المجلد العاشر

تتمة الفصل الثلاثون

١٤

الحكمة ( ٣٢١ ) وَ قَالَ ع ؟ لِعَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْعَبَّاسِ ؟ وَ قَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ فِي شَيْ‏ءٍ لَمْ يُوَافِقْ رَأْيَهُ لَكَ أَنْ تُشِيرَ عَلَيَّ وَ أَرَى فَإِنْ عَصَيْتُكَ فَأَطِعْنِي أقول : هكذا في ( المصرية ) ١ و الصواب : ( فاذا عصيتك فأطعني ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٢ و ( الخطيّة ) و ما يأتي من سنده .

و في ( ابن ميثم ) بعد قوله ( لعبد اللّه بن عبّاس ) : ( رحمه اللّه ) ٣ ، و في ( ابن أبي الحديد ) : ( رضي اللّه عنه ) ٤ ، و في الأوّل بدل ( في شي‏ء ) : ( بشي‏ء ) ٥ .

ثم إنّ الأصل في العنوان : أنّ المغيرة أشار عليه عليه السّلام بإبقاء معاوية على

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٣ : ٢٣٠ .

 ( ٢ ) هكذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٣٣ و لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ٤٠٢ « فإن » أيضا .

 ( ٣ ) ليست كلمة « رحمه اللّه » في شرح ابن ميثم ٥ : ٤٠٢ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٣٣ .

 ( ٥ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٤٠٢ « في شي‏ء » أيضا .

١

الشام ، ثمّ يعزله إن شاء ، حتّى يستقر أمر سلطنته ، فلم يقبل عليه السّلام منه ، ثمّ جاء ابن عباس فصدق رأي المغيرة و أصرّ على قبوله عليه السّلام ذلك ، فقال عليه السّلام له ما قال .

ففي ( الطبري ) : روى الواقدي عن هشام بن سعد ، عن أبي هلال قال : قال ابن عبّاس : قدمت المدينة من مكّة بعد قتل عثمان بخمسة أيام فجئت عليّا عليه السّلام أدخل عليه ، فقيل لي : عنده المغيرة . فجلست بالباب ساعة فخرج المغيرة فسلّم عليّ و قال لي: متى قدمت ؟ فقلت : الساعة ، ثمّ دخلت على عليّ عليه السّلام فقلت له :

أخبرني عن شأن المغيرة و لم خلا بك ؟ قال : جاءني بعد مقتل عثمان بيومين فقال لي: اخلني ، ففعلت فقال لي : إنّ النصح رخيص و أنت بقيّة النّاس و إنّي لك ناصح ، و إنّي اشير عليك بردّ عمّال عثمان عامك هذا ، فاكتب إليهم بإثباتهم على أعمالهم ، فإذا بايعوك و اطمأنّ الأمر لك عزلت من أحببت و أقررت من أحببت . فقلت له : و اللّه لا اداهن في ديني و لا اعطي الدني في أمري . فقال : فإن كنت قد أبيت عليّ فانزع من شئت و اترك معاوية فإنّ لمعاوية جرأة ، و هو في أهل الشام يسمع منه ، و لك حجّة في إثباته كان عمر قد ولاّه الشام كلّها . فقلت له : لا و اللّه لا أستعمل معاوية يومين أبدا . فخرج من عندي على ما أشار به ، ثمّ عاد اليوم فقال لي : إنّي أشرت عليك بما أشرت فأبيت عليّ ، ثم نظرت في الأمر فإذا أنت مصيب ، لا ينبغي لك أن تأخذ أمرك بخدعة ، و لا يكون في أمرك دلسة .

فقال ابن عباس : فقلت لعليّ عليه السّلام : أمّا أوّل ما أشار به عليك فقد نصحك ،

و أمّا الآخر فغشّك ، و أنا اشير عليك بأن تثبت معاوية ، فإن بايع لك فعليّ أن أقلعه من منزله ، فقال عليه السّلام : لا و اللّه لا اعطيه إلاّ السيف ، ثم تمثل :

ما ميتة إن متّها غير عاجز بعار إذا ما غالت النفس غولها فقلت : لست بأرب بالحرب ، أما سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول : الحرب خدعة ؟

فقال : بلى . فقلت له : أما و اللّه لئن أطعتني لأصدرن بهم بعد ورد ، و لأتركنهم

٢

ينظرون في دبر الامور لا يعرفون ما كان وجهها في غير نقصان عليك و لا إثم لك . فقال : « يا بن عبّاس لست من هنياتك و هنيات معاوية في شي‏ء تشير عليّ و أرى فإن عصيتك فأطعني » فقلت : أفعل ، إنّ أيسر ما لك عندي الطاعة ١ .

و روى خبرا عن ابن عبّاس في قدومه من مكّة عليه عليه السّلام و عنده المغيرة ،

و انّه عليه السّلام قال لابن عبّاس ما أشار عليه المغيرة أوّلا و ثانيا كالأوّل .

فقال ابن عبّاس له عليه السّلام : نصحك في الاولى لأنّك تعلم أنّ معاوية و أصحابه أهل دنيا ، فمتى تثبتهم لا يبالون بمن ولّي هذا الأمر ، و متى تعزلهم يقولون : قد أخذ هذا الأمر بغير شورى ، و هو قتل صاحبنا و يؤلبون عليك ،

فينتقض عليك أهل الشام و أهل العراق ، مع أنّي لا آمن طلحة و الزبير أن يكرّا عليك .

فقال عليه السّلام له : أمّا ما ذكرت من إقرارهم ، فو اللّه ما أشك أنّ ذلك خير في عاجل الدّنيا لإصلاحها ، و أمّا الذي يلزمني من الحقّ و المعرفة بعمّال عثمان ،

فو اللّه لا اولّي منهم أحدا أبدا ، فإن أقبلوا فذلك لهم خير ، و إن أدبروا بذلت لهم السيف إلى أن قال قال ابن عبّاس له عليه السّلام : اكتب إلى معاوية فمنّه وعده . فأبى و قال : و اللّه لا كان هذا أبدا ٢ .

و عبّر بمضمون الخبرين المسعودي في ( مروجه ) ٣ ، و أما تبديل صاحب ( الاستيعاب ) ابن عبّاس بالحسن عليه السّلام ، و أنّه قال لأبيه : نصحك المغيرة في الاولى فغلط منه ٤ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٤٠ ٤٤١ ، سنة ٣٥ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٣٩ ٤٤٠ ، سنة ٣٥ .

 ( ٣ ) مروج الذهب ٢ : ٣٦٤ ٣٦٥ .

 ( ٤ ) الاستيعاب بهامش الإصابة ٣ : ٣٩٠ ٣٩١ .

٣

ثمّ شتّان بينه عليه السّلام و بين صدّيقهم و فاروقهم ، يشير المغيرة عليه نصحا فلا يقبله منه ، لكونه نصحا دنيويا لا دينيا ، و يرسلان إلى المغيرة يطلبان منه حيلة لاستيلائهما على الأمر ، فيشير عليهما باشتراك العباس . و لو لم يكن في حقيقته عليه السّلام و بطلان أمر الرجلين إلاّ هذا الموضع ، لكفى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد .

و من محاجات ابن عبّاس مع المغيرة و جمع آخر في مجلس معاوية ، ما رواه المدائني : أنّ المغيرة قال لابن عبّاس : أما و اللّه لقد أشرب على عليّ عليه السّلام بالنصح فآثر رأيه و مضى على غلوائه ، فكانت العاقبة عليه لا له ، و إنّي لأحسب أنّ خلفه يقتدون منهجه .

فقال له بن عبّاس : كان أمير المؤمنين عليه السّلام و اللّه أعلم بوجوه الرأي و معاقد الحزم و تصاريف الامور ، من أن يقبل مشاورتك في ما نهى اللّه عنه و عنّف عليه ، قال سبحانه : لا تجد قوما يؤمنون باللّه و اليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه و رسوله . . . ١ ، و لقد وقفك عليه السّلام على ذكر متين و آية متلوة في قوله سبحانه : . . . و ما كنت متّخذ المضلّين عضدا ٢ ، و هل يسوغ له أن يحكم في دماء المسلمين و في‏ء المؤمنين من ليس بمأمون عنده و لا موثق به في نفسه ؟ هيهات هيهات ، هو أعلم بفرض اللّه و سنّة رسوله ، أن يبطن خلاف ما يظهر إلاّ للتّقيّة و لات حين تقيّة ، مع وضوح الحق و ثبوت الجنان و كثرة الأنصار يمضي كالسيف المصلت ٣ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) المجادلة : ٢٢ .

 ( ٢ ) الكهف : ٥١ .

 ( ٣ ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٦ : ٢٩٨ ٣٠٣ .

٤

١٥

الخطبة ( ٢١٢ ) و من خطبة له عليه السّلام :

اَللَّهُمَّ أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِكَ سَمِعَ مَقَالَتَنَا اَلْعَادِلَةَ غَيْرَ اَلْجَائِرَةِ وَ اَلْمُصْلِحَةَ غَيْرَ اَلْمُفْسِدَةِ فِي اَلدِّينِ وَ اَلدُّنْيَا فَأَبَى بَعْدَ سَمْعِهِ لَهَا إِلاَّ اَلنُّكُوصَ عَنْ نُصْرَتِكَ وَ اَلْإِبْطَاءَ عَنْ إِعْزَازِ دِينِكَ فَإِنَّا نَسْتَشْهِدُكَ عَلَيْهِ بِأَكْبَرَ اَلشَّاهِدِينَ شَهَادَةً وَ نَسْتَشْهِدُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَنْ أَسْكَنْتَهُ أَرْضَكَ وَ سمَاوَاتِكَ ثُمَّ أَنْتَ بَعْدَهُ اَلْمُغْنِي عَنْ نَصْرِهِ وَ اَلْآخِذُ لَهُ بِذَنْبِهِ « اللّهمّ أيّما عبد من عبادك سمع مقالتنا العادلة » قل هذه سبيلي أدعو إلى اللّه على بصيرة أنا و من اتّبعني . . . ١ .

« غير الجائرة » تنكيره عليه السّلام كلمة ( غير ) مع كونها صفة ( مقالتنا ) ك ( العادلة ) ، يدلّ على عدم قبولها التعريف و مثله : . . . غير المغضوب عليهم . . . ٢ ، فهو صفة ( الذين ) و استعمال المتأخرين لها معرفة غلط .

« و المصلحة غير المفسدة في الدين و الدّنيا » هكذا في ( المصرية ) ٣ ،

و الصواب : ( و المصلحة في الدين و الدّنيا غير المفسدة ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٤ و ( الخطية ) .

مقالته عليه السّلام : كانت الدعوة إلى اللّه تعالى و رسوله و الأخذ بالكتاب و السنّة ، و معلوم كونها عادلة غير جائرة ، لا كما فعل الأوّل في قضية خالد

ــــــــــــ

 ( ١ ) يوسف : ١٠٨ .

 ( ٢ ) فاتحة الكتاب : ٧ .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ٢ : ٢١٩ .

 ( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٦٠ و لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٢٧ « فالمصلحة غير المفسدة في الدين و الدنيا » أيضا .

٥

و تضييعه حدود اللّه تعالى من القصاص و حدّ الزنا في حقّه و في نظائرها ، و لا كما فعل الثاني في تفضيله الأشراف و في نظائره . و واضح كونها مصلحة في الدين و الدّنيا غير مفسدة ، لا كما فعل الثالث من نصبه من يصلّي بالناس الصبح أربعا في سكره ، و جعله بيت المال نهب أقاربه .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : في دعوة عدي بن حاتم الطائي قومه إلى نصرته عليه السّلام في الجمل ، قال عدي لقومه : أظلكم عليّ عليه السّلام و النّاس معه من المهاجرين و الأنصار ، فكونوا أكثرهم عددا ، فإن هذا سبيل للحي فيه الغنى و السرور ، و للقتيل فيه الحياة و الرزق .

فصاحت طي : نعم نعم حتّى كاد عدي أن يصمّ من صياحهم ١ .

و فيه أيضا : لمّا أقبل عليّ عليه السّلام على طي ، أقبل شيخ قد هرم من الكبر فرفع له من حاجبيه فنظر إلى عليّ عليه السّلام فقال له : أنت ابن أبي طالب ؟ قال : نعم ، قال :

مرحبا بك و أهلا قد جعلناك بيننا و بين اللّه تعالى ، و اللّه لو أتيتنا غير مبايعين لك لنصرناك لقرابتك من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أيّامك الصالحة ، و لئن كان ما يقال فيك من الخبر حقّا ان في أمرك و أمر قريش لعجبا إذ أخّروك و قدّموا غيرك ٢ .

« فأبى بعد سمعه لها إلاّ النكوص » أي : الرجوع إلى العقب .

« عن نصرتك و الإبطاء » و هو ضد السرعة .

« عن إعزاز دينك » كسعد من عشرتهم و ابن عمر من أجلتهم ، و جمع آخر كانوا عثمانية كحسان بن ثابت و زيد بن ثابت و كعب بن مالك و غيرهم .

و في ( الطبري ) : قيل لعبد اللّه بن الحسن كيف أبى هؤلاء بيعته عليه السّلام ؟

فقال : أما حسّان فكان شاعرا لا يبالي ما يصنع . و أمّا زيد بن ثابت فولاّه عثمان

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٥٧ ٥٨ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٥٨ .

٦

الديوان و بيت المال فلمّا حصر عثمان قال : يا معشر الأنصار كونوا أنصار اللّه مرتين . فقال له أبو أيوب : ما تنصره إلاّ أنّه أكثر لك من العضدان . و أمّا كعب بن مالك فاستعمله عثمان على صدقة مزينة و ترك ما أخذ منهم له ١ .

« فانا نستشهدك عليه بأكبر الشاهدين شهادة » هكذا في ( المصرية ) :

( بأكبر ) ٢ و الصواب : ( يا أكبر ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٣ و ( الخطية ) ، و لأنّ الاستشهاد على اللّه بأكبر الشاهدين يقتضي أن يكون الأكبر شهادة غيره ، مع أنّه تعالى أكبر شهادة قل أيّ شي‏ء أكبر شهادة قل اللّه . . . ٤ .

« و نستشهد عليه جميع من أسكنته أرضك و سماواتك » أي : الملائكة و الجنّ و الإنس ، بأنّه سمع و امتنع .

« ثم أنت بعده » هكذا في ( المصرية ) ٥ ، و الصواب : ( بعد ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٦ و ( الخطيّة ) .

« المغني عن نصره » إلاّ تنصروه فقد نصره اللّه . . . ٧ .

« و الآخذ له بذنبه » إلاّ تنفروا يعذبكم عذابا أليما و يستبدل قوما غيركم و لا تضرّوه شيئا . . . ٨ .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : قال عليّ عليه السّلام في خطبته : و قد فارقكم مصقلة بن

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٣٠ ، سنة ٣٥ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٢ : ٢١٩ .

 ( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٦٠ و لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٢٧ « بأكبر » أيضا.

 ( ٤ ) الأنعام : ١٩ .

 ( ٥ ) نهج البلاغة ٢ : ٢١٩ .

 ( ٦ ) في شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٦٠ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٢٧ « بعده » أيضا .

 ( ٧ ) التوبة : ٤٠ .

 ( ٨ ) التوبة : ٣٩ .

٧

هبيرة فآثر الدّنيا على الآخرة و فارقكم بسر بن أرطاة فأصبح ثقيل الظهر من الدماء ، مفتضح البطن من المال ، و فارقكم زيد بن عدي بن حاتم فأصبح يسأل الرجعة ١ .

هذا و مر في ( ١٤ ) من فصل عثمان قوله عليه السّلام : « و إنّ العامّة لم تبايعني لسلطان غالب و لا لعرض حاضر . . . » ٢ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ١١٤ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٣ : ١٢٢ الكتاب ٥٤ .

٨

الفصل الواحد و الثلاثون في الجمل و هم الناكثون

٩

يأتي في ( ١٠ ) فصل المارقين أخبار في أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله له عليه السّلام بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين .

و في ( إيضاح الفضل ) : و رويتم عن أبي الفضل ، عن زيد بن أبي زياد ، عن عبد اللّه بن الحارث قال : سمعت أمّ هاني بنت أبي طالب تقول : لقد علم من جرت عليه المواسي من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ أصحاب الجمل ملعونون على لسان النبيّ الأمّي صلّى اللّه عليه و آله و قد خاب من افترى ١ .

١

الحكمة ( ١٠٧ ) و قال عليه السّلام :

رُبَّ عَالِمٍ قَدْ قَتَلَهُ جَهْلُهُ وَ عِلْمُهُ مَعَهُ لاَ يَنْفَعُهُ أقول : قاله عليه السّلام في طلحة و الزبير فإنّهما كانا عالمين بأنّه عليه السّلام على الحقّ ،

و أنّهما على الباطل و مع ذلك قاتلاه فقتلهما جهلهما الناشى‏ء عن حبّ الدّنيا

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإيضاح : ٨٢ ٨٤ .

١٠

و الحرص على الإمارة و لم يغن علمهما بكونه عليه السّلام على الحقّ عنهما شيئا .

رواه أبو مخنف في ( جمله ) و رواه ( الإرشاد ) و في الأوّل : لمّا سار الزبير و طلحة من مكّة و معهما عايشة يريدون البصرة خطب عليّ عليه السّلام فقال :

أيّها النّاس إنّ عايشة سارت إلى البصرة و معها طلحة و الزبير ، و كلّ منهما يرى الأمر له دون صاحبه ، أمّا طلحة فابن عمّها ، و أمّا الزبير فختنها ، و اللّه لو ظفروا بما أرادوا و لن ينالوا ذلك أبدا ليضربنّ أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد و اللّه إنّ راكبة الجمل ما تقطع عقبة و لا تحلّ عقدة إلاّ في معصية اللّه و سخطه ، حتى تورد نفسها و من معها موارد الهلكة . أي و اللّه ليقتلن ثلثهم و ليهربن ثلثهم و ليتوبنّ ثلثهم ، و إنّها التي تنبحها كلاب الحوأب ،

و إنّهما ليعلمان أنّهما مخطئان ، و ربّ عالم قتله جهله و معه علمه لا ينفعه .

حسبنا اللّه و نعم الوكيل ، فقد قامت الفئة الباغية فأين المحتسبون ١ ؟

و رواه الثاني مثله لكن فيه بدل قوله : ( أما طلحة فابن عمّها ، و أما الزبير فختنها : « لا يدّعي طلحة الخلافة إلاّ أنّه ابن عمّ عايشة و لا يدّعيها الزبير إلاّ أنّه صهر أبيها » ٢ ، و هو جزء الآتي كما يأتي .

و لم يتفطّن ابن أبي الحديد و ابن ميثم للمراد ، فتوهّم الأوّل أنّ المراد بالقتل القتل الظاهري فقال : جرى مثل ذلك لابن المقفّع و فضله مشهور ، فقتله المنصور لمّا كتب كتاب أمان لعمّه عبد اللّه بن علي بأنّه إن غدر بعمّه ، فنساؤه طوالق و النّاس في حل من بيعته ٣ .

و توهّم الثاني أنّه عليه السّلام أراد بالعلم علما لا نفع فيه ، كعلم السحر

ــــــــــــ

 ( ١ ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١ : ٢٣٣ .

 ( ٢ ) الإرشاد ١ : ٢٤٦ ٢٤٧ ، بحار الأنوار ٣٢ : ١١٢ ١١٣ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٦٩ .

١١

و النيرنجات و علوم صناعية ، و بالجهل الجهل بالشرايع ١ ، و كلّ منهما نفخ في غير ضرام .

و من الغريب أنّ الأوّل نقل رواية ( جمل أبي مخنف ) عند قوله عليه السّلام في الزبير : ( يزعم انّه بايع بيده ) ٢ بلا مناسبة و هنا غفل رأسا .

ثمّ إنّه عليه السّلام و إن قال الكلام في الناكثين ، إلاّ أنّه يجري في القاسطين و المارقين و في الثلاثة المتقدمين عليه ، و قد عبّر بمعنى الكلام للجميع في الشقشقية ، في قوله عليه السّلام بعد ذكرهم : « كأنّهم لم يسمعوا اللّه حيث يقول تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتّقين ٣ ، بلى و اللّه لقد سمعوها و لكن حليت الدّنيا في أعينهم وراقهم زبرجها » ٤ .

و قد قال عليه السّلام قريبا من هذا الكلام في كعب بن سور قاضي البصرة ، لمّا مر عليه السّلام به قتيلا في أهل الجمل ، فروى أبو مخنف في ( جمله ) عن الأصبغ قال :

لمّا انهزم أهل البصرة ركب عليّ عليه السّلام بغلة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الشهباء و كانت باقية عنده و سار في القتلى يستعرضهم فمر بكعب بن سور قاضي البصرة و هو قتيل ، فقال : أجلسوه فأجلس فقال : « ويل أمّك كعب بن سور لقد كان لك علم لو نفعك و لكن الشيطان أضلّك فأزلك فعجلك إلى النّار أرسلوه » ٥ .

هذا و عدّ ( فهرست الشيخ ) في مصنّفات حيدر بن محمّد بن نعيم تلميذ

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٣٣ عند شرح الخطبة ٨ .

( ٣ ) القصص : ٨٣ .

( ٤ ) نهج البلاغة ١ : ٣١ الخطبة ٣ .

( ٥ ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١ : ٢٤٨ .

١٢

العياشي ، كتاب تنبيه عالم قتله علمه الذي هو معه ١ .

و في ( عيون القتيبي ) : كتب كسرى إلى بزرجمهر و هو في الحبس : كان ثمرة علمك أن صرت بها أهلا للحبس و القتل . فكتب إليه بزرجمهر : أمّا ما كان مع الجدّ فقد كنت أنتفع بثمرة العلم ، فالآن إذ لا جد صرت أنتفع بثمرة الصبر ،

مع أنّي إن كنت فقدت كثير الخير فقد استرحت من كثير الشرّ ٢ .

و في ( الأغاني ) : كان لإبراهيم بن العبّاس الصولي الشاعر قينة كان يهواها ، فغضبت عليه فقال فيها :

و علّمتني كيف الهوى و جهلته

و علّمكم صبري على ظلمكم ظلمي

و أعلم مالي عندكم فيردّني

هواي إلى جهل فأقصر عن علمي ٣

و لبعضهم :

لا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة ، يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم ٤ .

٢

الخطبة ( ١٤٨ ) و من كلام له عليه السّلام في ذكر أهل البصرة :

كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْجُو اَلْأَمْرَ لَهُ وَ يَعْطِفُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ لاَ يَمُتَّانِ إِلَى اَللَّهِ بِحَبْلٍ وَ لاَ يَمُدَّانِ إِلَيْهِ بِسَبَبٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَامِلُ ضَبٍّ لِصَاحِبِهِ وَ عَمَّا قَلِيلٍ يُكْشَفُ قِنَاعُهُ بِهِ وَ اَللَّهِ لَئِنْ أَصَابُوا اَلَّذِي يُرِيدُونَ لَيَنْتَزِعَنَّ هَذَا نَفْسَ هَذَا وَ لَيَأْتِيَنَّ هَذَا

ــــــــــــ

( ١ ) الطوسي : الفهرست ، ص ٦٤ ، رقم ٢٤٩ بمنشورات المكتبة المرتضوية ، النجف .

( ٢ ) عيون الأخبار ٢ : ١٢٦ .

 ( ٣ ) الأغاني ١٠ : ٦٠ .

( ٤ ) عيون الأخبار ٢ : ١٢٥ .

١٣

عَلَى هَذَا قَدْ قَامَتِ اَلْفِئَةُ اَلْبَاغِيَةُ فَأَيْنَ اَلْمُحْتَسِبُونَ فَقَدْ سُنَّتْ لَهُمُ اَلسُّنَنُ وَ قُدِّمَ لَهُمُ اَلْخَبَرُ وَ لِكُلِّ ضَلَّةٍ عِلَّةٌ وَ لِكُلِّ نَاكِثٍ شُبْهَةٌ وَ اَللَّهِ لاَ أَكُونُ كَمُسْتَمِعِ اَللَّدْمِ يَسْمَعُ اَلنَّاعِيَ وَ يَحْضُرُ اَلْبَاكِيَ ثُمَّ لاَ يَعْتَبِرُ

أقول : قد عرفت في سابقة أنّ الأصل فيهما واحد رواهما أبو مخنف ١ و المفيد ٢ ، و غفل ابن أبي الحديد هنا كما غفل ثمة ، و إنّما نقل رواية أبي مخنف عند قوله عليه السّلام : ( يزعم أنّه بايع بيده ) ٣ ، و هي : أيّها النّاس إنّ عايشة سارت إلى البصرة معها طلحة و الزبير و كلّ منهما يرى الأمر له دون صاحبه .

أمّا طلحة فابن عمّها ، و أمّا الزبير فختنها و اللّه لو ظفروا بما أرادوا و لن ينالوا ذلك أبدا ليضربنّ أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد ،

و اللّه إنّ راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة و لا تحل عقدة إلاّ في معصية اللّه و سخطه ، حتى تورد نفسها و من معها موارد الهلكة ، أي و اللّه ليقتلن ثلثهم و ليهربن ثلثهم و ليتوبن ثلثهم ، و إنّها التي تنبحها كلاب الحوأب ،

و إنّهما ليعلمان أنّهما مخطئان ، و ربّ عالم قتله جهله و معه علمه لا ينفعه ،

حسبنا اللّه و نعم الوكيل ، فقد قامت الفتنة ، فيها الفئة الباغية ، أين المحتسبون أين المؤمنون ، مالي و لقريش أما و اللّه لقد قتلتهم كافرين و لأقتلنهم مفتونين ، و ما لنا إلى عايشة من ذنب إلاّ أنّا أدخلناها في حيزنا ، و اللّه لأبقرن الباطل حتّى يظهر الحقّ من خاصرته ، فقل لقريش فلتضجّ ضجيجها ٤ .

ــــــــــــ

( ١ ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ : ٢٣٣ .

( ٢ ) الإرشاد ١ : ٢٤٦ ٢٤٧ ، بحار الأنوار ٣٢ : ١١٢ ١١٣ .

( ٣ ) نهج البلاغة ١ : ٣٨ ، الخطبة ٨ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٣٣ .

١٤

و مثله ( الإرشاد ) مع اختلاف يسير ١ .

قول المصنف « و من كلام له عليه السّلام » هكذا في ( المصرية ) ٢ و مثله في ( ابن ميثم ) ٣ و لكن في ( ابن أبي الحديد ) ٤ و ( الخطية ) : « و من خطبة له عليه السّلام » .

« في ذكر أهل البصرة » كان عليه أن يقول ( في طلحة و الزبير لمّا سارا إلى البصرة ) فإنّ المنصرف من أهل البصرة أهلها الأصليون و ليس الكلام فيهم بل فيهما .

قوله عليه السّلام « كلّ واحد منهما يرجو الأمر له و يعطفه عليه دون صاحبه » في ( الطبري ) : أذن مروان حين فصل من مكّة ، ثمّ جاء حتى وقف على طلحة و الزبير فقال : أيّكما أسلّم عليه بالامرة و اوزنه بالصلاة ، فقال عبد اللّه بن الزبير على أبي عبد اللّه ، و قال محمّد بن طلحة على أبي محمّد ، فأرسلت عايشة إلى مروان : مالك تريد أن تفرّق أمرنا ليصلّ ابن اختي ، فكان يصلّي بهم ابن الزبير حتّى قدموا البصرة ، فكان معاذ بن عبيد اللّه يقول : و اللّه لو ظفرنا لأفتتنا ما خلى الزبير بين طلحة و الأمر و لا خلّى طلحة بين الزبير و الأمر ٥ .

و في ( المروج ) : تشاحّ طلحة و الزبير في الصلاة بالناس في البصرة ، ثمّ اتّفقوا على أن يصلّي ابن الزبير يوما و ابن طلحة يوما في خطب طويل كان بين طلحة و الزبير ، و جذب صاحبه حتّى فات وقت الصلاة ، و صاح النّاس :

الصلاة الصلاة يا أصحاب محمّد ٦ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإرشاد ١ : ٢٤٦ ٢٤٧ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٢ : ٤٤ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٥ .

 ( ٤ ) في شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٠٩ « من كلام له عليه السّلام » أيضا .

 ( ٥ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٥٤ ٤٥٥ ، سنة ٣٦ .

 ( ٦ ) مروج الذهب ٢ : ٣٦٧ .

١٥

و في ( جمل أبي مخنف ) : لمّا صفت البصرة لطلحة و الزبير بعد قتل حكيم بن جبلة و أصحابه ، و طرد عثمان بن حنيف عنها ، اختلفا في الصلاة و أراد كل منهما أن يؤمّ بالنّاس و خاف أن تكون صلاته خلف صاحبه تسليما و رضى بتقدمه ، فأصلحت عايشة بينهما ١ .

و في ( جمل المفيد ) نقلا عن ابن دأب و أبي مخنف و الواقدي و المدائني :

أنّ طلحة و الزبير لمّا ظفرا في البصرة بعثمان بن حنيف و حكيم بن جبلة ، نزلا دار الإمارة فقدمت عايشة و حملت مالا من بيت المال لتفرّقه على أنصارها ،

فدخل عليها طلحة و الزبير في طائفة معهما و احتملا منه شيئا كثيرا ، فلمّا خرجا نصبا على أبوابه الأقفال و وكلا به من قبلهما قوما ، فأمرت عايشة بختمه فبدر طلحة ليختمه فمنعه الزبير ، و أراد الزبير أن يختمه فتدافعا ، فبلغ ذلك عايشة فقالت : يختمها عنّي ابن اختي عبد اللّه فنختم يومئذ بثلاثة ختوم ٢ .

« لا يمتّان » أي : لا يتوسلان .

« إلى اللّه بحبل و لا يمدّان إليه بسبب » أي : توصل .

في ( الطبري ) عن عوف الأعرابي قال : جاء رجل إلى طلحة و الزبير و هما في المسجد بالبصرة فقال : نشدتكما باللّه في مسيركما أعهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إليكما فيه شيئا ؟ فقام طلحة و لم يجبه ، فناشد الزبير فقال : لا ، و لكن بلغنا أنّ عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها ٣ .

و عن الزهري : أنّ طلحة و الزبير قاما خطيبين فقالا : يا أهل البصرة توبة بحوبة إنّما أردنا أن نستعتب عثمان و لم نرد قتله ، فغلب سفهاء النّاس الحلماء

ــــــــــــ

 ( ١ ) قريب منه ما في الجمل للمفيد : ٢٨١ ٢٨٢ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨١ ، تاريخ الطبريّ ٤: ٤٦٨ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٢٨٤ .

 ( ٣ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٧٥ ، سنة ٣٦ .

١٦

حتّى قتلوه . فقال النّاس لطلحة : قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا . فقال لهم الزبير :

فهل جاءكم منّي كتاب في شأنه ؟ ثمّ ذكر قتل عثمان و ما أتى إليه و أظهر عيب عليّ عليه السّلام ، فقام إليه رجل من عبد القيس فقال : أيّها الرجل انصت حتّى نتكلّم ،

فقال له ابن الزبير : مالك و للكلام . فقال الرجل : يا معشر المهاجرين أنتم أوّل من أجاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فكان لكم بذلك فضل ، ثم دخل النّاس في الإسلام كما دخلتم ، فلمّا توفي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بايعتم رجلا منكم و اللّه ما استأمرتمونا في شي‏ء من ذلك فرضينا ، ثم أنكرتم من عثمان فقتلتموه عن غير مشورة منّا ، ثمّ بايعتم عليّا عن غير مشورة ، فما الذي نقمتم عليه فنقاتله ، هل استأثر بفي‏ء ، أو عمل بغير الحق ، أو عمل شيئا تنكرونه فنكون معكم عليه ؟ و إلاّ فما هذا فهمّوا بقتل ذلك الرجل ، فقام من دونه عشيرته فلمّا كان الغد و ثبوا عليه و على من كان معه فقتلوا سبعين رجلا ١ .

« كلّ واحد منهم حامل ضب » في ( الأساس ) : ( في قلبه ضبّ ) أي : غل داخل كالضب الممعن في جحره .

قال سابق البربريّ :

و لا تك ذا وجهين يبدي بشاشة

و في صدره ضبّ من الغلّ كامن ٢

« لصاحبه و عمّا قليل يكشف قناعه به » أي : عنه ، و أهل الدّنيا كلّهم كذلك،

و اصطلاحهم في الظاهر إنّما هو من حيث أنّ الدّنيا محبوبة جميعهم ، في قبال مبغضيها. و أمّا هم في أنفسهم و تزاحمهم عليها فيتهارشون كل مع الآخر حال الكلاب و الجيفة.

« و اللّه لئن أصابوا الذي يريدون » أي : من نيل الإمارة ، و قد عرفت من رواية

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٦٩ ٤٧٠ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) أساس البلاغة : ٢٦٥ ، مادة : ( ضبب ) .

١٧

أبي مخنف أنّه عليه السّلام أخبر بعدم نيلهما ذلك ، كما أخبر عليه السّلام بقتل ثلث أهل الجمل و هرب ثلثهم و توبة ثلثهم .

« لينزعن هذا نفس هذا و ليأتين هذا على نفس هذا » قد عرفت أنّ رواية أبي مخنف بدله بقوله : ( ليضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد ) .

و كذلك أهل الدّنيا في كل عصر ، فانتزع عبد الملك بن مروان لمّا نال الأمر نفس عمرو بن سعيد الأشدق و ذبحه بيده ، و انتزع منصور الدوانيقي نفس أبي مسلم الخراساني ، و قتل المأمون الأمين . قال هارون لرجل : ما عندك في ما كان من العهد الذي عهدت إلى ولاة العهد ؟ فاستعفاه فلم يعفه . فقال :

رأيتك قد أخذت ثلاثة أسياف مشحوذة فجعلتها في غمد واحد .

و روى ( أمالي الشيخ ) عن الصادق عليه السّلام : أنّ إيتلاف قلوب الأبرار إذا التقوا و إن لم يظهروا التودّد بألسنتهم كسرعة اختلاط قطر السماء على مياه الأنهار ، و إنّ بعد إيتلاف قلوب الفجّار إذا التقوا و إن أظهروا التودّد بألسنتهم ،

كبعد البهائم من التعاطف و إن طال اعتلافها على مذود واحد ١ .

« قد قامت الفئة الباغية » التي أخبر بها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله .

« فأين المحتسبون » في جهادهم .

« فقد » هكذا في ( المصرية ) ٢ ، و لكن في ( ابن ميثم ) ٣ : ( و قد ) و في ( ابن أبي الحديد ) ٤ و ( الخطية ) : ( قد ) .

« سنّت لهم السنن » في حرب الناكثين .

« و قدم لهم الخبر » في ( الطبري ) عن أبي عمرة مولى الزبير قال : لمّا

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأمالي للشيخ الطوسيّ رحمه اللّه ٢ : ٢٥ ٢٦ ، بحار الأنوار ٧٤ : ٢٨١.

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٢ : ٤٤ .

 ( ٣ ) في شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٥ « فقد » أيضا .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٠٩ .

١٨

بايعهما أهل البصرة قال الزبير : ألا ألف فارس أسير بهم إلى عليّ ، فأمّا بيّته و أما صبّحته لعليّ أقتله قبل أن يصل إلينا . فلم يجبه أحد فقال : إنّ هذه لهي الفتنة التي كنّا نحدّث عنها ، فقال له مولاه : أتسميها فتنة و تقاتل فيها ؟ قال :

ويحك إنّا نبصر و لا نصبر ١ .

و في ( جمل المفيد ) : روى عبد اللّه بن رباح مولى الأنصار عن عبد اللّه بن زياد مولى عثمان قال : خرج عمّار يوم الجمل إلينا فقال : يا هؤلاء على أي شي‏ء تقاتلونا ؟ فقلنا : على أنّ عثمان قتل مؤمنا ، فقال : نحن نقاتلكم على أنّه قتل كافرا . و قال : و اللّه لو ضربتمونا حتّى نبلغ سعفات هجر ، إنّا على الحقّ و إنّكم على الباطل . و قال : ما نزل تأويل هذه الآية يا أيّها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي اللّه بقوم يحبّهم و يحبونه . . . الاّ اليوم ٢ .

« و لكل ضلّة علة و لكل ناكث شبهة » يعني و أمّا طلحة و الزبير فلا علّة لضلّتهم بقتالهم معه عليه السّلام ، و لا شبهة لهما في نكث بيعته عليه السّلام ، فعلّة ضلّتهم كانت طلب دم عثمان و هم كانوا قاتليه ، و قد عرفت أنّ الرجل العبدي قال لطلحة : جاءت كتبك بقتل عثمان ، و سبب نكثهم كان عدم توليتهم الولايات ،

و ليس هو شبهة و إنّما تكون شبهة لو كان أمكنهم ادّعاء وقوع خلاف شرع منه عليه السّلام .

و روى ( أمالي المفيد ) : عن أبي عثمان مؤذن بني افصى أنّه سمع عليّا عليه السّلام حين خرج طلحة و الزبير لقتاله تلا هذه الآية و إن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمّة الكفر انهم لا أيمان

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبريّ ٤ : ٤٧٥ ٤٧٦ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٣٦٦ ، و الآية ٥٤ من سورة المائدة .

١٩

لهم لعلهم ينتهون ١ .

« و اللّه لا أكون كمستمع اللدم » في ( الصحاح ) لدمت المرأة وجهها أي :

ضربته ، و التدام النساء : ضربهن صدورهن في النياحة ٢ .

« يسمع الناعي » و هو الذي يأتي بخبر الميّت .

« و يحضر الباكي » و المراد أنّي لا اساهل في أمر طلحة و الزبير ، اخليهما و إفساد البلاد .

و قال الشاعر :

و لست كمن يرضى بما غيره الرضا

و يمسح رأس الذئب و الذئب آكله

و قال ابن أبي الحديد في معنى قوله عليه السّلام : ( و اللّه ) إلى مستمع اللدم :

كناية عن الضبع تسمع وقع الحجر بباب حجرها من يد الصائد ، فتنخذل و تكف جوارحها إليها حتى يدخل عليها فيربطها ، يعني لا أكون مقرّا بالضيم أسمع الناعي المخبر عن قتل عسكر الجمل ، حكيم بن جبلة و أتباعه ، فلا يكون عندي من التغير و الإنكار لذلك ، إلاّ أن أسمعه و أحضر الباكين على قتلاهم ٣ .

و تبعه الخوئيّ ٤ .

و قال ابن ميثم : أقسم عليه السّلام أنّه لا يكون معهم كمن يسمع الضرب و البكاء ، الذي هو مظنّة الخطر ، ثم لا يصدق حتّى يجي‏ء لمشاهدة الحال و يحضر الباكي ، و قد كان الأولى أن يكتفي بذلك السماع و يأخذ في الاستعداد للعدوّ و الهرب منه ٥ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأمالي للمفيد رحمه اللّه : ٧٣ ، و الآية ١٢ من سورة التوبة .

 ( ٢ ) الصحاح ٥ : ٢٠٢٨ ٢٠٢٩ ، مادة : ( لدم ) .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٠٩ ١١٠ .

 ( ٤ ) منهاج البراعة ٩ : ١٠٩ .

 ( ٥ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٠٧ .

٢٠