• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76404 / تحميل: 3432
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

ألفان و ثمانمائة إلى عليّ عليه السّلام إلى أن قال فو اللّه ما لبثوا الرجال أن أناموهم ،

ثم إنّ صاحب خيلهم لمّا رأى الهلاك نادى أصحابه : أن انزلوا . فذهبوا لينزلوا فلم يتقاروا حتى اهمدوا في الساعة .

« و أمّا شيطان الردهة » قال الجزري في ( نهايته ) ١ : في حديث عليّ عليه السّلام ذكر ذا الثدية فقال : « شيطان الردهة يحتدره رجل من بجيلة » الردهة : النّقرة في الجبل يستنقع فيها الماء ، و قيل : قلّة الرابية . و في حديثه : « و أمّا شيطان الردهة فقد كفيته بصيحة سمعت لها وجيب قلبه » قيل : أراد به معاوية لمّا انهزم . . . و هو كما ترى.

و في ( المعجم ) ٢ في ( ابن داب ) : قال مصعب الزبيري : شيطان الردهة وضعه ابن داب ، و هو ذو الثدية في ما زعم . قال : جاءت امّه تستسقي ماء فوقع بها شيطان فحملته فولدته . . . .

و الظاهر أنّ المصعب أشار إلى الخبر الأوّل : « شيطان الردهة يحتدره رجل من بجيلة » .

هذا ، و يقال لنوشيروان الضرير البغدادي : شيطان العراق . و هو الذي قال :

تبّا لشيطاني و ما سولا

لا انزلني اربلا

ثم قال :

قد تاب شيطاني و قد قال لي

لاعدت أهجو بعدها اربلا

« فقد كفيته » في ( ايضاح الفضل بن شاذان ) ٣ : و رويتم عن أبي خالد

ــــــــــــ

( ١ ) النهاية للجزري ٢ : ٢٦٦ .

( ٢ ) المعجم ١٦ : ١٦٢ ، في عين بن يزيد .

( ٣ ) الإيضاح لابن شاذان : ٤٢ .

٤٤١

الأحمر عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عايشة قالت : لعن اللّه عمرو بن العاص ما أكذبه لقوله : إنّه قتل ذا الثدية بمصر قلت : و الظاهر أنّها قالته لمّا أخبرها أصحابه عليه السّلام بعد رجوعهم من النهروان كيفية طلبه عليه السّلام لذي الثدية في القتلى ، كما يأتي في الخبر السادس و السابع من أخبار الخطيب العشرة .

هذا و روى ( ذيل الطبري ) ١ : أنّ الشياطين تحدّرت على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من الجبال و الأودية ، و فيهم شيطان معه شعلة نار يريد أن يحرق النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ففزع و جاءه جبرئيل فقال له : قل أعوذ بكلمات اللّه التي لا يجاوزهن برّ و لا فاجر من شرّ ما خلق و برأ و ذرأ ، و من شرّ ما ينزل من السماء ، و من شرّ ما يعرج فيها ،

و من شرّ ما ذرأ في الأرض ، و من شرّ ما يخرج منها ، و من شرّ فتن الليل و النهار ، و من شرّ كلّ طارق إلاّ طارقا يطرق بخير يا رحمان . فطفئت نار الشياطين و هزمهم اللّه.

« بصعقة » في ( النهاية ) : الصعق : الغشوة من صوت شديد و ربما مات منه ، ثم استعمل في الموت كثيرا .

« سمعت لها وجبة » أي : اضطراب .

« قلبه و رجّة » أي : اضطراب .

« صدره » .

قال ابن أبي الحديد ٢ شيطان الردهة : قال قوم : إنّه ذو الثدية صاحب النهروان ، و رووا في ذلك خبرا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقولون : إنّ ذا الثدية لم يقتل بسيف و لكنّ اللّه رماه يوم النهروان بصاعقة . و قال قوم : إنّه أحد الأبالسة

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ١١ : ٥٩٢ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٨٣ .

٤٤٢

المردة من أعوان إبليس . و رووا في ذلك خبرا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أنّه كان يتعوذ منه . و قال قوم : إنّه مارد يتصور في صورة حيّة و يكون في الردهة ، و إنّما أخذوا هذا من لفظ الشيطان لأنّ الشيطان الحيّة ، و منه قولهم : « شيطان الحماطة » و الحماطة : شجرة مخصوصة ، و يقال : إنّها كثيرة الحيّات .

قلت : الصحيح إرادته عليه السّلام ذا الثدية و قد وردت فيه روايات :

الاولى : ما رواه الخطيب في أبي سليمان المرعشي مسندا عنه قال : لمّا سار عليّ عليه السّلام إلى النهر سرت معه ، فلمّا نزلنا بحضرتهم أخذني غمّ لقتالهم لا يعلمه إلاّ اللّه حتى سقطت في الماء إلى أن قال ثم حملوا الثالثة حتى ظن الناس أنّها الهزيمة فقال عليّ عليه السّلام : و الذي فلق الحبة و برأ النّسمة لا يقتلون منكم عشرة و لا يبقى منهم عشرة . فلمّا سمع الناس ذلك حملوا عليهم فقتلوا ،

فقال : إنّ فيهم رجلا مخدج اليد أو مودن اليد فاتي به فقال عليه السّلام : من رأى منكم هذا ؟ فاسكت القوم ، ثم قال : من رأى منكم هذا ؟ فاسكت القوم ، ثم قال من رأى منكم هذا ؟ فقال رجل منهم : رأيته جاء لكذا و كذا . قال : كذبت ما رأيته ،

و لكنّ هذا أمير خارجة خرجت من الجن .

الثانية : و روى الخطيب في أبي مؤمن الوائلي مسندا عنه قال : سمعت عليا عليه السّلام حين قتل الحرورية يقول : انظروا فيهم رجلا كأنّ ثدييه ثدي المرأة ،

أخبرني النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّي صاحبه . فقلبوا القتلى فلم يجدوه إلى أن قال فقالوا :

سبعة منهم لم نقلبهم . فأتوهم فقلبوهم فوجدوه ، قال أبو المؤمن : فرأيته حين جاؤوا به يجروّنه في رجله حبل ، فرأيت عليّا عليه السّلام حين جاؤوا به خرّ ساجدا .

الثالثة : و روى الخطيب أيضا في أبي كثير مولى الأنصار مسندا عنه قال : كنت مع سيدي مع عليّ عليه السّلام حين قتل أهل النهروان ، فكأنّ الناس وجدوا في أنفسهم عليه من قتلهم ، فقال عليه السّلام : أيّها الناس إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد حدّثنا

٤٤٣

بأقوام يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ثم لا يرجعون فيه حتى يرجع السهم على فوقه ، و أنّ آية ذلك أنّ فيهم رجلا أسود مخدج اليد ، إحدى يديه كثدي المرأة ، بها حلمة كحلمة ثدي المرأة ، حوله سبع هلبات ، فالتمسوه فإنّي أراه فيهم . فالتمسوه فوجدوه في شفير النهر تحت القتلى ، فأخرجوه فكبّر عليّ عليه السّلام و قال : صدق اللّه و رسوله . و كان عليه السّلام متقلّدا قوسا عربية فأخذها بيده ، و جعل يطعن بها في مخدجته ، و كبّر الناس حين رأوه و استبشروا ، و ذهب عنهم ما كانوا يجدون .

الرابعة : و روى ١ في كثير أبي الحسن البجلي الأحمسي مسندا عنه قال : لمّا قتل عليّ عليه السّلام أهل النهروان خطب فقال : ألا إنّ الصادق المصدّق صلّى اللّه عليه و آله حدّثني أنّ هؤلاء القوم يقولون الحق بأفواههم لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ألا و إنّ علامتهم ذو الخداجة . فطلبه الناس فلم يجدوا شيئا فقال : عودوا فإنّي و اللّه ما كذبت . و لا كذبت فعادوا فجي‏ء به حتى القي بين يديه ، فنظرت إليه و في يديه شعرات سود .

الخامسة : و روى ٢ في عباد بن نسيب أبي الوضي‏ء مسندا عنه قال :

شهدت عليا عليه السّلام يوم النهروان و هو يقول : اطلبوا المخدج فو اللّه ما كذبت و لا كذبت . و رواه ابن طلحة الشافعي عن مسند أبي داود زاد : قال أبو الوضي‏ء :

فكأنّي أنظر إلى المخدج : حبشي عليه قريطق ، إحدى يديه مثل ثدي المرأة ،

عليها شعرات مثل ذنب اليربوع .

السادسة : و روى ٣ في عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد مسندا : أنّ عبد اللّه دخل

ــــــــــــ

( ١ ) الخطيب ١٢ : ٤٨٠ .

( ٢ ) الخطيب ١١ : ١٠١ .

( ٣ ) الخطيب ٩ : ٤٧٤ .

٤٤٤

على عايشة مرجعه من العراق ، ليالي قتل عليّ عليه السّلام فقالت له : هل أنت صادقي عما اسألك ؟ ما شي‏ء بلغني عن أهل العراق يقولون : ذو الثدي ذو الثدي ، هل رأيته و قمت مع عليّ عليه في القتلى ؟ إلى أن قال فدعا عليّ عليه السّلام الناس فقال :

أتعرفون هذا ؟ فما أكثر من جاء يقول : قد رأيته في مسجد بني فلان يصلي .

و لم يأتوا فيه بثبت يعرف إلاّ ذاك الخبر و في النسخة سقط .

السابعة : و روى ١ في أبي قتادة الأنصاري : أنّ عليّا عليه السّلام لمّا فرغ من قتال النهروان قفل أبو قتادة و معه ستون أو سبعون من الأنصار ، فبدأ بعايشة فقالت له : ما رواءك ؟ فقال لها : لمّا تفرقت المحكمة من عسكره عليه السّلام لحقناهم فقتلناهم إلى أن قال فاقمنا ندور على القتلى حتى وقفت بغلة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السّلام راكبها ، فقال : أقلبوا القتلى . فقلبناهم في نهر حتى خرج في آخرهم رجل أسود على كتفه مثل حلمة الثدي ، فقال عليّ عليه السّلام : « اللّه أكبر و اللّه ما كذبت و لا كذبت ، كنت مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قد قسّم فيئا ، فجاء هذا فقال : يا محمد اعدل فو اللّه ما عدلت منذ اليوم . فقال : ثكلتك امّك و من يعدل إذا لم أعدل ؟

فقال عمر : إلاّ أقتله ؟ قال : لا ، دعه فإنّ له من يقتله » فقالت عايشة : يا أبا قتادة ما يمنعني ما بيني و بين عليّ أن أقول الحقّ : سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول : تفترق امّتي على فرقتين تمرق بينهما فرقة : محلقون رؤوسهم ، محفّون شواربهم ،

ازرهم إلى أنصاف سوقهم ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يقتلهم أحبّهم إليّ و أحبهم إلى اللّه تعالى . قال أبو قتادة : فقلت : يا ام المؤمنين فأنت تعلمين هذا ، فلم كان الذي كان منك ؟ قالت : و كان أمر اللّه قدرا مقدورا و للقدر أسباب .

الثامنة : و روى ٢ في ابن عباس مسندا عنه قال : لمّا اصيب أهل

ــــــــــــ

( ١ ) الخطيب ١ : ١٦٠ .

( ٢ ) الخطيب ١ : ١٧٤ .

٤٤٥

النهروان خرج عليّ عليه السّلام و أنا خلفه فجعل يقول : ويلكم التمسوه يعني :

المخدج فالتمسوه و قالوا : لم نجده . فعرف ذلك في وجهه ، فقال : ويلكم ضعوا عليهم القصب . فجاؤوا به فلمّا رآه خرّ ساجدا .

التاسعة : و روى ١ في أبي جحيفة السوائي مسندا عنه قال : قال عليّ عليه السّلام حين فرغنا من الحرورية : إنّ فيهم رجلا مخدجا ليس في عضده عظم ، عضده حلمة كحلمة الثدي عليها شعرات طوال عقف . فالتمسوه فلم يوجد ، و أنا في من يلتمس ، فما رأيت عليّا عليه السّلام جزع جزعا قط أشد من جزعه يومئذ ، فقالوا : ما نجده . قال : ويلكم ما اسم هذا المكان ؟ قالوا : النهروان . قال :

صدق اللّه و رسوله و كذبتم ، إنّه لفيهم فالتمسوه . فالتمسناه في ساقية فنظرت إلى عضده : ليس فيها عظم ، و عليها حلمة كحلمة ثدي المرأة ، عليها شعرات طوال عقاف.

العاشرة : و روى ٢ في عبد اللّه بن خباب مسندا عن أبي الأحوص قال :

كنّا مع عليّ عليه السّلام يوم النهروان فجاءت الحرورية ، فكانت من وراء النهر فقال:

و اللّه لا يقتل اليوم رجل من وراء النهر إلى أن قال فما لبثوا أن قتلهم فقال :

اطلبوا في القوم رجلا يده كثدي المرأة . فطلبوه فقالوا : ما وجدنا . فقال : و اللّه ما كذبت و لا كذبت ، و إنّه لفي القوم . ثلاث مرّات يجيئونه فيقول لهم هذا القول ، ثم قام هو بنفسه فجعل لا يمرّ بقتلى جميعا إلاّ بحثهم ، فلا يجده فيهم حتى انتهى إلى حفرة من الأرض فيها قتلى كثير ، فأمرهم فبحثوا فوجد فيهم .

و روى الطبري ٣ عن عبد الملك بن أبي جرة : أنّ عليا خرج في طلب ذي

ــــــــــــ

( ١ ) الخطيب ١ : ١٩٩ .

( ٢ ) الخطيب ١ : ٢٠٥ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٥ : ٨٨ .

٤٤٦

الثدية و معه سليمان بن ثمامة الحنفي أبو جبرة و الرّيان بن صبرة بن هودة ، فوجده الريان في حفرة على شاطى‏ء النهر في أربعين أو خمسين قتيلا فلمّا استخرج نظر إلى عضده ، فإذا لحم مجتمع على منكبه كثدي المرأة له حلمة عليها شعرات سود ، فإذا مدّت امتدّت حتى تحاذي طول يده الاخرى ، ثم تترك فتعود إلى منكبه كثدي المرأة . . ..

و روى ١ عن أبي مريم قال : كان عليّ عليه السّلام يحدثنا قبل خروج الحرورية إلى حروراء : أنّ قوما يخرجون من الإسلام ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، علامتهم رجل مخدج اليد . سمعت ذلك مرارا و سمعه نافع المخدج أيضا ، حتى رأيته يتكرّه طعامه من كثرة ما سمعه يقول ، و كان نافع معنا يصلّي في المسجد بالنهار و يبيت فيه بالليل ، و قد كنت كسوته برنسا فلقيته من الغد فسألته : هل كان خرج مع الناس الذين خرجوا إلى حروراء ؟

فقال : خرجت اريدهم حتى إذا بلغت بني سعد ، لقيني صبيان فنزعوا سلاحي و تلعّبوا بي فرجعت ، حتى إذا كان الحول أو نحوه خرج أهل النهر و سار عليّ عليه السّلام إليهم ، فلم أخرج معه و خرج أخي أبو عبد اللّه فأخبرني : أنّ عليّا عليه السّلام سار إليهم حتى إذا كان حذاءهم على شط النهروان أرسل إليهم يناشدهم اللّه و يأمرهم أن يرجعوا ، فلم تزل رسله تختلف إليهم حتى قتلوا رسوله ، فلمّا رأى ذلك نهض إليهم فقاتلهم حتى فرغ منهم ، ثم أمر أصحابه أن يلتمسوا المخدج فطلبوه . . . .

هذا ، و صريح خبر الخطيب الأول كون ذي الثدية من الجنّ ، و لم يره قبل أحد من الناس ، و هو مفاد خبره السادس ، و لكنّ خبره السابع تضمّن أنّه عليه السّلام قال : إنّه جاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله وقت تقسيم في‏ء و قال له : ما عدلت . كما أنّ خبر

ــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٩١ .

٤٤٧

الطبري الثاني تضمّن أنّه كان مع الناس يصلّي في المسجد و اسمه نافع ،

و يمكن حمل الخبر الأخير من الخطيب على أنّه ظهر أيّام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أيضا وقتا ، ثم لم ير بعد . و أمّا خبر الطبري الثاني فغير قابل للحمل ، و رواه ( سنن أبي داود ) ١ مختصرا و قال : و اسمه عند الناس حرقوس .

و روى أيضا عن أبي سعيد الخدري قال : بعث عليّ عليه السّلام إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بذهية في تربتها ، فقسمها بين الأقرع الحنظلي و عيينية الفزاري و زيد الخيل الطائي و علقمة الكلابي ، فغضبت قريش و الأنصار و قالت : يعطي صناديد أهل نجد و يدعنا . فقال : إنّما اتالفهم فأقبل رجل غائر العينين ، مشرف الوجنتين ،

ناتى‏ء الجبين ، كث اللحية ، محلوق فقال : اتق اللّه يا محمّد . فقال : من يطع اللّه إذا عصيته ؟ أيأمنني اللّه على أهل الأرض و لا تأمنوني ؟ فسأل رجل قتله احسبه خالد بن الوليد فمنعه فلمّا ولّى قال : إنّ من ضئضي هذا أو في عقب هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية ، يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الاوثان ، لئن أدركتهم قتلتهم قتل عاد .

« و لئن أذن اللّه في الكرة عليهم لاديلن منهم » في ( الصحاح ) : أدالنا اللّه من عدونا ، من الدولة ، و الإدالة : الغلبة .

« إلاّ ما يتشذّر في أطراف البلاد تشذّرا » أي : يتفرّق تفرّقا ، و ليس ( تشذرا ) في نسخة ابن ميثم ٢ .

كتب معاوية بعد قتل عثمان و انتقال الأمر إليه عليه السّلام إلى عبد اللّه بن عامر : و كأنّي بكم يا بني اميّة شعارير كأوراق تقودها الحداة ، أو كرخم

ــــــــــــ

( ١ ) السنن لأبي داود .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٣٠٦ .

٤٤٨

الخندمة تذرق خوف العقاب ، فثب الآن قبل أن يستسري الفساد و ندب السوط جديد و الجرح لمّا يندمل ، و من قبل استضراء الأسد و التقاء لحييه على فريسته . و كتب إلى الوليد بن عقبة : فلو قد استتب هذا الأمر لمريده ألفيت كشريد النعام ، يفزع من ظل الطائر ، و عن قليل تشرب الرنق ، و تستشعر الخوف .

و مرّ في ( ٧ ) من الفصل التاسع عنوانان ، و في ( ٨ ) منه عنوان ، و في ( ٩ ) عنوان .

٤٤٩

الفصل الرابع و الثلاثون في ما يتعلق بالغارات

٤٥٠

١

الخطبة ( ٢٥ ) و من خطبة له عليه السّلام و قد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد ، و قدم عليه عاملاه على اليمن ، و هما عبيد اللّه بن عباس و سعيد بن نمران لمّا غلب عليهما بسر بن أبي أرطاة ،

فقام عليه السّلام على المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد ، و مخالفتهم له في الرأي، فقال :

مَا هِيَ إِلاَّ ؟ اَلْكُوفَةُ ؟ أَقْبِضُهَا وَ أَبْسُطُهَا إِنْ لَمْ تَكُونِي إِلاَّ أَنْتِ تَهُبُّ أَعَاصِيرُكِ فَقَبَّحَكِ اَللَّهُ وَ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ اَلشَّاعِرِ

لَعَمْرُ أَبِيكَ اَلْخَيْرِ يَا ؟ عَمْرُو ؟ إِنَّنِي

عَلَى وَضَرٍ مِنْ ذَا اَلْإِنَاءِ قَلِيلِ

ثُمَّ قَالَ ع أُنْبِئْتُ ؟ بُسْراً ؟ قَدِ اِطَّلَعَ ؟ اَلْيَمَنَ ؟ وَ إِنِّي وَ اَللَّهِ لَأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمَ سَيُدَالُونَ

٤٥١

مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَ تَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ وَ بِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي اَلْحَقِّ وَ طَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ فِي اَلْبَاطِلِ وَ بِأَدَائِهِمُ اَلْأَمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَ خِيَانَتِكُمْ وَ بِصَلاَحِهِمْ فِي بِلاَدِهِمْ وَ فَسَادِكُمْ فَلَوِ اِئْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاَقَتِهِ اَللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَ سَئِمْتُهُمْ وَ سَئِمُونِي فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وَ أَبْدِلْهُمْ بِي شَرّاً مِنِّي اَللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ اَلْمِلْحُ فِي اَلْمَاءِ أَمَا وَ اَللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ ؟ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ ؟

هُنَالِكَ لَوْ دَعَوْتَ أَتَاكَ مِنْهُمْ

فَوَارِسُ مِثْلُ أَرْمِيَةِ اَلْحَمِيمِ

ثُمَّ نَزَلَ ع مِنَ اَلْمِنْبَرِ . قال الشّريف : « أقول : الأرمية جمع رميّ ، و هو السحاب ، و الحميم هاهنا : وقت الصّيف ، و إنّما خصّ الشاعر سحاب الصيف بالذّكر لأنّه أشدّ جفولا ، و أسرع خفوفا لأنّه لا ماء فيه ، و إنّما يكون السحاب ثقيل السّير بالماء ، و ذلك لا يكون في الأكثر إلاّ زمان الشّتاء ، و إنّما أراد الشّاعر وصفهم بالسّرعة إذا دعوا ، و الإغاثة إذا استغيثوا ،

و الدليل على ذلك قوله :

( هنالك لو دعوت أتاك منهم )

» . أقول : رواها ( مروج المسعودي ) ١ مع اختلاف ، روى عن المنقري عن عبد العزيز بن الخطاب الكوفي عن فضيل بن مرزوق قال : لمّا غلب بسر على اليمن و كان قتله لا بني عبيد اللّه بن العباس ، و لأهل مكة و المدينة ما كان قام عليّ عليه السّلام خطيبا ثم قال : « إنّ بسر بن أرطاة قد غلب على اليمن ، و اللّه ما أرى هؤلاء القوم إلاّ سيغلبون على ما في أيديكم ، و ما ذلك بحق في أيديهم ، و لكن بطاعتهم و استقامتهم ( لمعاوية ظ ) و معصيتكم لي ، و تناصرهم و تخاذلكم ،

ــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ١٤٢ .

٤٥٢

و إصلاح بلادهم و إفساد بلادكم ، و تاللّه يا أهل الكوفة لوددت أنّي صرفتكم صرف الدنانير العشرة بواحد ثم رفع يديه فقال اللهم إنّي قد مللتهم و ملّوني و سئمتهم و سئموني فأبدلني بهم خيرا و أبدلهم بي شرّا مني . اللهم عجّل عليهم بالغلام الثقفي الذيال الميال ، يأكل خضراها و يلبس فرواها و يحكم فيها بحكم الجاهلية ، لا يقبل من محسنها و لا يتجاوز عن مسيئها » و ما كان ولد الحجاج يومئذ .

و جعل البلاذري غارة بسر الخامس من غارات معاوية ، و روى عن أبي مخنف باسناده : أنّه عليه السّلام لمّا بلغه خبر بسر صعد المنبر ثم قال : أمّا بعد فإنّي دعوتكم عودا و بدءا و سرا و جهرا ، في الليل و النهار و الغدو و الآصال ، فما زادكم دعائي إلاّ فرارا و إدبارا ، أما ينفعكم العظة و الدعاء إلى الهدى ؟ و إنّي لعالم بما يصلحكم و يقيم أودكم و لكنّي و اللّه لا أرى إصلاحكم بفساد نفسي . إنّ من ذلّ المسلمين و هلاك هذا الدين أنّ ابن أبي سفيان يدعو الأشرار فيجاب ، و أدعوكم و أنتم الأفضلون الأخيار فتراوغون و تدافعون قول المصنف : « و من خطبة له عليه السّلام » و له عليه السّلام خطبة اخرى في مسير بسر إلى اليمن ، رواها ( الإرشاد ) ١ فقال : و من كلامه عليه السّلام في استنفار القوم و استبطائهم عن الجهاد ، و قد بلغه مسير بسر إلى اليمن : « أمّا بعد أيّها الناس ،

فإنّ أوّل رفثكم و بدء نقضكم ذهاب اولي النهى و أهل الرأي منكم ، الذين كانوا يلقون فيصدقون ، و يقولون فيعدلون ، و يدعون فيجيبون ، و إنّي و اللّه قد دعوتكم عودا و بدءا و سرا و جهرا ، و في الليل و النهار و الغدو و الآصال ، ما يزيدكم دعائي إلاّ فرارا و إدبارا ، اما ينفعكم العظة و الدعاء إلى الهدى و الحكمة ؟ و إنّي لعالم بما يصلحكم و يقيم أودكم و لكنّي و اللّه لا اصلحكم

ــــــــــــ

( ١ ) الإرشاد : ١٤٥ .

٤٥٣

بفساد نفسي ، و لكن أمهلوني قليلا فكأنّكم و اللّه بامرى‏ء قد جاءكم يحرمكم و يعذبكم ، فيعذّبه اللّه كما يعذبكم إنّ من ذل المسلمين و هلاك الدين أنّ ابن أبي سفيان يدعو الأرذال الأشرار فيجاب ، و أدعوكم و أنتم الأفضلون الأخيار فتراوغون و تدافعون و ما هذا بفعل المتقين » :

و الظاهر أنّ هذه الخطبة كانت في أوّل مسير بسر و خطبة المتن في آخره .

« و قد تواترت » قال ابن أبي الحديد ١ : عدّه بعضهم من أغلاط الخاصة .

و قال : التواتر لا يكون إلاّ مع فترات ، فقوله تعالى : ثم أرسلنا رسلنا تترى . . . ٢ ليس المراد أنّهم مترادفون ، بل بين كل نبيين فترة لأنّ تترى : من الوتر .

قلت : ممّن قاله الثعالبي ، و ليس كما قال ، ففي خبر نعي محمّد بن أبي بكر إليه عليه السّلام حدثه الفزاري : أنّه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشراء من قبل عمرو بن العاص تترى يتبع بعضها بعضا بفتح مصر و قتل محمّد .

و في ( الأغاني ) ٣ قالت زوجة عبيد اللّه بن العباس في ابنيها اللذين قتلهما بسر:

تتابع بين و لولة

و بين مدامع تترى

« عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد » في ( الطبري ) ٤ :

في سنة ( ٣٩ ) كان تفريق معاوية جيوشه في أطراف عليّ عليه السّلام فوجّه النعمان بن بشير في الفين إلى عين التمر ، و بعث سفيان بن عوف في ستة آلاف إلى

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٣٣ .

( ٢ ) المؤمنون : ٤٤ .

( ٣ ) الأغاني ١٦ : ٢٦٥ .

( ٤ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٣٣ .

٤٥٤

هيت و الأنبار و المدائن ، و وجّه عبد اللّه بن مسعدة الفزاري في ألف و سبعمائة رجل إلى تيماء ، و وجّه الضحّاك بن قيس إلى واقصة و الأعراب و الثعلبيّة و القطقطانة .

« و قدم عليه عاملاه على اليمن » الأوّل على صنعاء اليمن ، و الثاني على جند اليمن و جند أعظم من صنعاء .

« و هما عبيد اللّه بن عباس » هكذا في ( المصرية ) ١ و الصواب : ( العباس ) كما في ( ابن أبي الحديد ٢ و ابن ميثم ٣ و الخطية ) .

و في ( الإستيعاب ) ٤ : كان عبيد اللّه أصغر من أخيه عبد اللّه بسنة ،

استعمله عليّ عليه السّلام على اليمن و أمّره على الموسم ، فحج بالناس سنة ( ٣٦ ) و ( ٣٧ ) ، و كان أحد الأجواد و كان يقال : من أراد الجمال و الفقه و السخاء فليأت دار العباس . الجمال للفضل و الفقه لعبد اللّه و السخاء لعبيد اللّه ، و عبيد اللّه هو الذي ترك عسكر الحسن عليه السّلام و لحق بمعاوية .

« و سعيد بن نمران » كان سعيد من سبعة من أصحاب حجر نجوا من القتل ، استشفع له إلى معاوية حمزة بن مالك ، لكون كلّ منهما من همدان ،

فوهبه له .

و في ( الطبري ) ٥ : لمّا أقبل الأعور الذي بعثه معاوية لقتل حجر و أصحابه ، قال كريم بن عفيف الخثعمي : حين رأى الأعور يقتل نصفنا و ينجو نصفنا فقال سعيد بن نمران : اللهم اجعلني ممّن ينجو و أنت عنه راض .

ــــــــــــ

( ١ ) المصرية ١ : ٥٩ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٣٢ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٦ .

( ٤ ) الإستيعاب ٢ : ٤٣٠ .

( ٥ ) تاريخ الطبري ٥ : ٢٧٤ .

٤٥٥

و في ( الإستيعاب ) ١ : كان سعيد كاتبا لعليّ عليه السّلام .

« لمّا غلب عليهما » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( عليها ) أي : على اليمن كما في المدرك ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« بسر بن أبي أرطاة » كونه بسر بن أبي أرطاة في ( الطبري ٢ و انساب البلاذري ) . و رواه عن أبي مخنف ، و بعضهم جعله ابن أرطاة .

و روى البلاذري : أنّ بسرا لمّا قتل عمرو بن أراكة خليفة عبيد اللّه بن عباس على اليمن قال أبوه :

لعمري لقد اردى ابن أرطاة فارسا

بصنعاء كالليث الهزبر إلى اجر

و في ( الإستيعاب ) ٣ : بسر بن أرطاة بن أبي أرطاة عويمر بن عمران من عامر بن لؤي .

و فيه ذكر ابن الكلبي في ( صفينه ) : أنّ بسرا بارز عليّا عليه السّلام فطعنه عليّ عليه السّلام فصرعه فكفّ عنه ، كما عرض له عليه السّلام مع عمرو بن العاص .

قال الحارث بن النضر السهمي :

أ في كل يوم فارس ليس ينتهي

و عورته وسط العجاجة باديه

يكف لها عنه على سنانه

و يضحك عنه في الخلاء معاويه

بدت أمس من عمرو فقنّع رأسه

و عورة بسر مثلها حذو حاذيه

فقولا لعمرو ثم بسر ألا انظرا

سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيه

و لا تحمدا إلاّ الحيا و خصاكما

هما كانتا و اللّه للنفس واقيه

و إنّما انصرف عليّ عليه السّلام عنهما لأنّه كان يرى في قتال الباغين عليه ألاّ

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإستيعاب ٢ : ١٤ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٥ : ١٣٩ .

( ٣ ) الإستيعاب ١ : ١٥٤ .

٤٥٦

يتبع مدبرا ، إلاّ أنّ أبا حنيفة قال : ان انهزم الباغي إلى فئة أتبع و إلى غير فئة لم يتبع .

قلت : لا يدري صاحب ( الإستيعاب ) ما يقول ، فأبو حنيفة و غيره إنّما عرفوا أحكام جهاد الباغين من سيرته عليه السّلام مع أهل الجمل و صفّين ،

فالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يبيّن أحكامهم قولا و لا اتّفق له ذلك فعلا ، و إنّما كف عن عمرو بن العاص و بسر بن ارطاة لانّهما كشفا دبرهما ، لا أنّهما أدبرا من الحرب .

و في ( الإستيعاب ) ١ عن أبي مخنف : لمّا توجّه بسر بن أرطاة إلى اليمن هرب عبيد اللّه ، فأتى بسر بابني عبيد اللّه فذبحهما ، فنال امّهما من ذلك أمر عظيم ، فأنشأت تقول:

يا من أحس بابنيّ اللذين هما

سمعي و عقلي فقلبي اليوم مزدهف

حدثت بسرا و ما صدقت ما زعموا

من فعلهم و من الإثم الذي اقترفوا

أنحى على ودجي ابني مرهفة

مشحوذة و كذاك الإثم يقترف

ثم وسوست فكانت تقف في الموسم تنشد هذا الشعر ، و تهيم على وجهها .

و في ( الأغاني ) ٢ قال الاصمعي : و سمع رجل من أهل اليمن و قد قدم مكة امرأة عبيد اللّه تندب ابنيها اللذين قتلهما بسر بن أرطاة بقولها : « يا من أحس . . . » فرقّ لها و اتصل ببسر حتى وثق به ، ثم احتال لقتل ابنيه فخرج بهما إلى وادي أوطاس ، فقتلهما و هرب ، و قال :

يا بسر بسر بني أرطاة ما طلعت

شمس النهار و لا غابت على الناس

خير من الهاشميين الذين همو

عين الهدى و سمام الأسوق القاس

ــــــــــــ

( ١ ) الإستيعاب ١ : ١٥٦ .

( ٢ ) الأغاني ١٦ : ٢٧٢ .

٤٥٧

ماذا أردت إلى طفلي مولّهة

تبكى و تنشد من انكلت في الناس

إمّا قتلتهما ظلما فقد شرقت

من صاحبيك قناتي يوم أوطاس

فاشرب بكأسهما ثكلا كما شربت

امّ الصبيين أو ذاق ابن عباس

و في ( المروج ) ١ : كان عليّ عليه السّلام حين اتاه خبر قتل بسر ابني عبيد اللّه دعا على بسر فقال : اللهم اسلبه دينه و عقله . فخرف حتى ذهل عقله و كان لا يفارقه السيف ، فجعل له سيف من خشب ، و جعل في يديه زقّ منفوخ كلمّا تخرّق ابدل ، فلم يزل يضرب ذلك الزقّ بذلك السيف حتى مات ذاهل العقل يلعب بخرئه ، و ربّما كان يتناول ثم يقبل على من يراه فيقول : انظروا كيف يطعمني هذان الغلامان ابنا عبيد اللّه . و كان ربّما شدّت يداه إلى وراء منعا من ذلك ، فأنجى ذات يوم في مكانه ثم أهوى بفيه فتناول منه ، فبادروا إلى منعه فقال : أنتم تمنعونني و عبد الرحمن و قثم ابني عبيد اللّه يطعماني . مات في أيام الوليد بن عبد الملك .

و فيه و في ( الأغاني ) ٢ : دخل عبيد اللّه يوما على معاوية و عنده بسر بن أرطاة ، فقال له عبيد اللّه : أنت قاتل الصبيين ؟ قال : نعم . قال : و اللّه لوددت أنّ الأرض انبتتني عندك يومئذ . فقال له بسر : قد أنبتتك الساعة . فقال عبيد اللّه : ألا سيف ؟ فقال : هاك سيفي . فلمّا أهوى عبيد اللّه إلى السيف ليتناوله قبض معاوية على يد عبيد اللّه قبل أن يقبض على السيف ، ثم أقبل على بسر فقال : أخزاك اللّه من شيخ قد كبرت و ذهل عقلك ، تعمد إلى رجل موتور من بني هاشم فتدفع إليه سيفك ؟ إنّك لغافل عن قلوب بني هاشم ، و اللّه لو تمكن من السيف لبدأ بي قبلك . قال عبيد اللّه : ذلك و اللّه أردت .

ــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ١٧٢ .

( ٢ ) الأغاني ١٦ : ٢٧٢ .

٤٥٨

قال ابن أبي الحديد ١ : إنّ الذي هاج معاوية على تسريح بسر إلى اليمن :

أنّ قوما بصنعاء كانوا من شيعة عثمان يعظّمون قتله ، و لكن لم يكن لهم رأس فبايعوا لعليّ عليه السّلام على ما في أنفسهم ، و عامله عليه السّلام على صنعاء يومئذ عبيد اللّه ، و على الجند سعيد ، فلمّا اختلف الناس عليه بالعراق ، و قتل محمّد بن أبي بكر بمصر ، و كثرت غارات أهل الشام دعوا إلى الطلب بدم عثمان ، فبلغ ذلك عبيد اللّه فأرسل إلى وجوههم فقال : ما الذي بلغني عنكم ؟ قالوا : إنّا لم نزل ننكر قتل عثمان و نرى مجاهدة من سعى عليه . فحبسهم فكتبوا إلى من بالجند من أصحابهم ، فثاروا بسعيد و اخرجوه من الجند و أظهروا أمرهم ، و خرج إليهم من كان بصنعاء و انضمّ إليهم كلّ من كان على رأيهم ، و لحق بهم قوم لم يكونوا على رأيهم لكن ارادوا منع الصدقة ، فالتقى عبيد اللّه و سعيد فقال عبيد اللّه لسعيد : لقد اجتمع هؤلاء و إنّهم لنا لمقاربون ، و إن قاتلناهم لا ندري على من تكون الدبرة ؟ فهلمّ فكتب إلى أمير المؤمنين عليه السّلام بخبرهم فكتبا ذلك ،

فكتب عليه السّلام إليهما :

أتاني كتابكما تذكران خروج هذه الخارجة و تعظّمان من شأنها صغيرا ، و تكثّران من عددها قليلا ، و قد علمت أنّ نحب أفئدتكما و صغر أنفسكما ، و عدم ثبات رأيكما و سوء تدبيريكما هو الذي أفسد عليكما من لم يكن عليكما فاسدا ، و جرّأ عليكما من كان عن لقائكما جبانا ، فإذا قدم رسولي عليكما فامضيا إلى القوم حتى تقرئا عليهم كتابي ، و تدعواهم إلى حظهم و تقوى ربهم ، فإن أجابوا حمدنا اللّه و قبلناهم ، و ان حاربوا استعنا باللّه عليهم و نابذناهم على سواء ، إنّ اللّه لا يحب الخائنين .

قالوا : و قال عليه السّلام ليزيد بن قيس الأرحبي : ألا ترى إلى ما صنع قومك ؟

ــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢ .

٤٥٩

فقال : إنّ ظنّي بقومي لحسن في طاعتك ، فإن شئت خرجت إليهم فكففتهم ، و إن شئت كتبت إليهم فننظر ما يجيبون ؟ و كتب عليه السّلام إليهم : من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى من شاقّ و غدر من أهل الجند و صنعاء ، أمّا بعد ، فإنّي أحمد اللّه الذي لا إله إلاّ هو الذي لا يعقب له حكم ، و لا يرد له قضاء و لا يرد بأسه عن القوم المجرمين ، و قد بلغني تجرّيكم و شقاقكم و إعراضكم عن دينكم بعد الطاعة و إعطاء البيعة ، فسألت أهل الدين الخالص و الورع الصادق و اللب الراجح ، عن بدء محرككم و ما نويتم به و ما أحمشكم له ، فحدثت عن ذلك بما لم أر لكم في شي‏ء منه عذرا مبينا ، و لا مقالا جميلا و لا حجة ظاهرة ، فإذا أتاكم رسولي فتفرقوا و انصرفوا إلى رحالكم ، أعف عنكم و أصفح عن جاهلكم و أحفظ قاصيكم و أعمل فيكم بحكم الكتاب ، فإن لم تفعلوا فاستعدوا لعدو من جيش جمّ الفرسان ، عظيم الأركان يقصد لمن طغى و عصى فتطحنوا كطحن الرحى ، فمن أحسن فلنفسه و من اساء فعليها . . . و ما ربك بظلاّم للعبيد ١ .

و وجّه الكتاب مع رجل من همدان فقدم عليهم بالكتاب فلم يجيبوه إلى خير ،

فقال لهم : إنّي تركت أمير المؤمنين عليه السّلام يريد أن يوجّه إليكم يزيد بن قيس الأرحبي في جيش كثيف ، فلم يمنعه إلاّ انتظار جوابكم ، فقالوا : نحن سامعون مطيعون إن عزل عنا هذين الرجلين : عبيد اللّه و سعيد . فرجع و أخبره عليه السّلام .

قالوا و كتب تلك العصابة حين جاءهم كتاب عليّ عليه السّلام إلى معاوية يخبرونه ، و كتبوا في كتابهم :

معاوي ألاّ تسرع السير نحونا

نبايع عليّا أو يزيد اليمانيا

فلمّا قدم كتابهم دعا بسر بن أبي أرطاة و كان قاسي القلب فظّا غليظا سفّاكا للدماء، لا رأفة عنده و لا رحمة فأمره أن يأخذ طريق الحجاز و المدينة

ــــــــــــ

( ١ ) فصّلت : ٤٦ .

٤٦٠