• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76421 / تحميل: 3432
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

قوله عليه السّلام في الثاني : « و طائفة منهم » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و كلمة ( منهم ) زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ .

« عضوا على أسيافهم فضاربوا بها حتّى لقوا اللّه صادقين » المراد بهم من قتل يوم الجمل الأصغر ، خروج حكيم بن جبلة مع ثلاثة إخوة له و ثلاثمائة أكثرهم من عشيرته عبد القيس و جهادهم معهم حتّى قتلوا عن آخرهم .

قوله عليه السّلام في الأوّل : « فو اللّه لو لم يصيبوا من المسلمين إلاّ رجلا واحدا معتمّدين » أي : قاصدين لقتله .

« بلا جرم جرّه لحل لي قتل ذلك الجيش كله » فإنّ جميع النّاس لو اشتركوا في قتل واحد جاز قتل الجميع ، و الجيش و إن لم يشترك جميعهم في قتل من قتل ، بل ابن الزبير و عدّة أو هو وحده ، إلاّ انّه لمّا كان ذلك بقوّة باقي الجيش مع عدم إنكارهم و دفاعهم كما قال عليه السّلام :

« إذ حضروه فلم ينكروه و لم يدفعوا عنه بلسان و لا بيد » هكذا في ( المصرية ) ٣ ، و الصواب : « و لا يد » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٤ كان كاشتراكهم .

« دع ما انهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدّة التي دخلوا بها عليهم » يعني إذا كان قتل جميع الجيش حلالا لقتل واحد عمدا ، كيف لا يحل قتلهم لمثل تلك العدّة التي قتلوها، خزّان بيت المال كانوا أربعمائة على رواية أبي مخنف عن الصقعب ، و أصحاب حكيم بن جبلة كانوا ثلاثمائة .

و في رواية ( رسائل الكليني ) : فدعوا النّاس إلى معصيتي و نقض بيعتي ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٢ : ٢٢٨ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٢١ ، و لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٥٠ : طائفة منهم أيضا .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ٢ : ١٠٤ .

 ( ٤ ) في شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٣٠٩ و شرح ابن ميثم ٣ : ٣٣١ : و لا بيد أيضا .

٦١

فمن أطاعهم أكفروه و من عصاهم قتلوه ، فناجزهم حكيم بن جبلة فقتلوه في سبعين رجلا من عبّاد أهل البصرة و مخبتيهم يسمّون المثفنين ، كأنّ راح أكفّهم ثفنات الإبل . و أبى أن يبايعهم يزيد بن حارث اليشكري فقال : اتقيا اللّه ،

إن أوّلكم قادنا إلى الجنّة ، فلا يقودنا آخركم إلى النار ، فلا تكلفونا أن نصدق المدعي و نقضي على الغائب . أما يميني فشغلها عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ، و هذه شمالي فارغة فخذاها إن شئتما . فخنق حتّى مات .

و قام عبد اللّه بن حكيم التميمي فقال : يا طلحة هل تعرف هذا الكتاب ،

ألك ؟ قال : نعم فإذا فيه عيب عثمان و الدعاء إلى قتله فسيّره من البصرة ،

و أخذوا عاملي عثمان بن حنيف الأنصاري غدرا فمثلوا به كل مثلة و نتفوا كلّ شعرة في رأسه و وجه . . . ١ .

و أمّا عدّة طلحة و الزبير و عايشة التي دخلوا بها البصرة ، ففي ( الطبري ) : في اسناد عن الزهري أنّهم خرجوا من مكّة في سبعمائة رجل من أهل المدينة و مكة ، ثمّ لحقهم النّاس حتّى كانوا ثلاثة آلاف ٢ .

هذا و في ( صفين نصر ) : أنّه عليه السّلام لمّا ورد الكوفة بعد فتح البصرة قام إليه أبو بردة بن عوف الأزدي و كان ممّن تخلّف عنه عليه السّلام فقال : أرأيت القتلى حول عايشة و طلحة و الزبير بم قتلوا ؟ فقال عليه السّلام : قتلوا شيعتي و عمّالي ،

و قتلوا أخا ربيعة العبدي رحمة اللّه عليه في عصابة من المسلمين ، قالوا لهم لا ننكث كما نكثتم و لا نغدر كما غدرتم ، فوثبوا عليهم فقتلوهم ، فسألتهم أن يدفعوا إليّ قتلة إخواني أقتلهم بهم ، ثم كتاب اللّه حكم بيني و بينهم ، فأبوا عليّ فقاتلوني و في أعناقهم بيعتي ، و دماء قريب من ألف رجل من شيعتي فقتلتهم

ــــــــــــ

 ( ١ ) رسائل الكليني .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٥٢ ، سنة ٣٦ .

٦٢

بهم . أفي شكّ أنت من ذلك ؟ فقال : قد كنت في شك ، فأمّا الآن فقد استبان لي خطؤهم ، و إنّك أنت المهدي المصيب ١ .

٧

الكتاب ( ٥٧ ) و من كتاب له عليه السّلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة :

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ حَيِّي هَذَا إِمَّا ظَالِماً وَ إِمَّا مَظْلُوماً وَ إِمَّا بَاغِياً وَ إِمَّا مَبْغِيّاً عَلَيْهِ وَ إِنِّي أُذَكِّرُ اَللَّهَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي هَذَا لَمَّا نَفَرَ إِلَيَّ فَإِنْ كُنْتُ مُحْسِناً أَعَانَنِي وَ إِنْ كُنْتُ مُسِيئاً اِسْتَعْتَبَنِي أقول : روى هذا الكتاب أبو مخنف في ( جمله ) ، و قد نقله ( ابن أبي الحديد ) في شرح كتابه الأوّل ، روى : أنّه عليه السّلام لمّا نزل الربذة بعث هاشم بن عتبة إلى أبي موسى ، فتوعده أبو موسى ، فكتب هاشم إليه عليه السّلام بذلك ، فبعث عليه السّلام ابن عبّاس و محمّد بن أبي بكر إلى أبي موسى فأبطآ عنه عليه السّلام ، فرحل عن الربذة إلى ذي قار و بعث منها الحسن عليه السّلام و عمّارا و زيد بن صوحان و قيس بن سعد بن عبادة ، و كتب معهم هذا الكتاب . و لقد حكى مضمونه الحسن عليه السّلام و عمّار لأهل الكوفة ٢ .

ففي ( الطبري ) : أنّه عليه السّلام كتب مع الحسن و عمّار إلى أبي موسى باعتزاله ، و ولاية قرظة بن كعب مكانه ، و لمّا دخل الحسن عليه السّلام و عمّار مسجد الكوفة قالا: أيّها النّاس إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام يقول : إنّي خرجت مخرجي هذا ظالما أو مظلوما، و إنّي اذكّر اللّه رجلا دعي للّه حقا إلاّ نفر ، فإن كنت مظلوما

ــــــــــــ

 ( ١ ) وقعة صفّين : ٤ ٥ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٤ : ٩ ١١ .

٦٣

أعانني ، و إن كنت ظالما أخذ منّي . و اللّه إن طلحة و الزبير لأول من بايعني و أوّل من غدر ، فهل استأثرت بمال أو بدلت حكما ؟ فانفروا ، فمروا بمعروف ، و انهوا عن منكر ١ .

و إنّما كتب عليه السّلام إلى أهل الكوفة هذا الكتاب لأن أبا موسى كان يأمرهم بالتقاعد ، و يقول لهم : « هذه فتنة صماء ، النائم فيها خير من اليقظان ، و اليقظان خير من القاعد ، و القاعد خير من القائم ، و القائم خير من الراكب . اغمدوا سيوفكم و انصلوا أسنّتكم ، و اقطعوا أوتار قسيّكم حتّى يلتئم هذا الأمر ،

و تنجلي هذه الفتنة . و إنّي سمعت ذلك من النّبيّ » ٢ .

قول المصنّف : « و من كتاب له عليه السّلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة » قد عرفت من خبر أبي مخنف أنّه كان من ذي قار .

قوله : « أمّا بعد فإنّي خرجت من حيي هذا » هكذا في ( المصرية ) ٣ و في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٤ : « عن حيي هذا » . ثم « حيي » في كل النسخ ، قال ابن أبي الحديد : معناه منزلي ٥ . و قال ابن ميثم : قبيلتي ٦ .

و أقول : « من حيي » أو « عن حيي » تصحيف من الرضي رضي اللّه عنه ، و الأصل ( مخرجي ) . فمستنده ، و هو كتاب أبي مخنف « فاني خرجت مخرجي هذا » ٧ .

و مرّ أيضا : نقل الحسن عليه السّلام و عمّار رضى اللّه عنه كلامه عليه السّلام لأهل الكوفة بلفظ

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٠٠ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ٤ : ٤٨٦ ٤٨٧ ، سنة ٣٦ .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ٣ : ١٢٥ .

 ( ٤ ) هكذا في شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٠ ، و لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ١٩٣ : من حيّي أيضا.

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٠ .

 ( ٦ ) شرح ابن ميثم ٥ : ١٩٣ .

 ( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ١٤ : ١١ .

٦٤

( مخرجي ) و لا يخفى قربهما خطأ فاشتبه عليه .

« امّا ظالما و امّا مظلوما ، و امّا باغيا و امّا مبغيا عليه » فإن من خرج لقتال لا بد أن يكون من أحدهما .

« و إنّي » هكذا في ( المصرية ) ١ ، و الصواب : ( و انا ) ، كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ٢ و الخطية ) .

« اذكّر اللّه » اللّه مفعول ثان قدّم للأهميّة .

« من » مفعول أوّل .

« بلغه كتابي هذا لما » قال ابن أبي الحديد : « لمّا » بمعنى إلاّ كقوله تعالى :

إن كل نفس لمّا عليها حافظ ٣ ، و قال ٤ ابن ميثم : لمّا مشددة بمعنى إلاّ و مخففة ، و ( ما ) زائدة دخل عليها لام التأكيد أي : لينفرن إليّ ٥ .

قلت : كون لمّا بمعنى إلاّ إن ثبت ، شرطه تقدّم ( ان ) نفي و ليس في كلامه عليه السّلام فتعيّن الثاني .

« نفر » أي : شخص .

« إليّ فإن كنت محسنا أعانني » و روى الطبري عن محمّد بن الحنفية قال :

أقبلنا من المدينة بسبعمائة رجل ، و خرج إلينا من الكوفة سبعة آلاف ، و انضمّ إلينا من حولنا ألفان ، أكثرهم بكر بن وائل و يقال ستة آلاف ٦ .

و عن أبي الطفيل قال عليّ عليه السّلام : يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف رجل

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٣ : ١٢٥ .

 ( ٢ ) هكذا في شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٠ ، و لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ١٩٣ : و إنّي أيضا .

 ( ٣ ) الطارق : ٤ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٠ .

 ( ٥ ) شرح ابن ميثم ٥ : ١٩٣ .

 ( ٦ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٠٦ ، سنة ٣٦ .

٦٥

و رجل ، فقعدت على نجفة ذي قار ، فأحصيتهم فما زادوا رجلا و لا نقصوا رجلا١.

« و إن كنت مسيئا استعتبني » أي : طلب رجوعي .

في ( خلفاء ابن قتيبة ) : قال عمّار لأهل الكوفة : أيّها النّاس إنّ أبا موسى ينهاكم عن الشخوص إلى هاتين الجماعتين ، و ما صدق فيما قال و ما رضي اللّه عن عباده بما قال ، قال عزّ و جل : و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتّى تفي‏ء إلى أمر اللّه فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل و أقسطوا إنّ اللّه يحب المقسطين ٢ . و قال تعالى : و قاتلوهم حتّى لا تكون فتنة و يكون الدين كلّه للّه . . . ٣ ، فلم يرض من عباده بما ذكره أبو موسى ، من أن يجلسوا في بيوتهم و يخلّوا النّاس فيسفك بعضهم دماء بعض ، فسيروا معنا إلى هاتين الجماعتين و اسمعوا من حججهم و انظروا من أولى بالنصر فاتّبعوه ، فإن أصلح اللّه أمرهم رجعتم مأجورين ، و قد قضيتم حق اللّه ، و إن بغى بعضهم على بعض ،

نظرتم إلى الفئة الباغية فقاتلتموها حتّى تفي‏ء إلى أمر اللّه كما أمركم اللّه و افترض عليكم ٤ .

و روى ( جمل أبي مخنف ) : أنّ عمّارا قال لأبي موسى : أما إنّي أشهد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر عليّا بقتال النّاس ، و سمّى له فيهم من سمّى ، و أمرهم بقتال القاسطين و إن شئت لأقيمن لك شهودا يشهدون أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّما نهاك

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه ٤ : ٥٠٠ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) الحجرات : ٩ .

 ( ٣ ) الأنفال : ٣٩ .

 ( ٤ ) الإمامة و السياسة ١ : ٦٦ .

٦٦

وحدك و حذّرك من الدخول في الفتنة ١ .

قلت : و نهي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأبي موسى وحده ، كما نقله عمّار من آيات نبوّته ، فأبو موسى صار منشأ لفتنتين ، الاولى فتنة تثبيطه النّاس عن أمير المؤمنين عليه السّلام ، فهو كان متفرّدا في ذلك ، فعبد اللّه بن عمر و سعد بن أبي وقاص و محمّد بن مسلمة و المغيرة بن شعبة اعتزلوه عليه السّلام و اعتزلوا غيره و لم يثبطوا النّاس مثل أبي موسى عنه عليه السّلام .

و قد أشار إلى ذلك زيد بن صوحان و كان من الجلال بمكان اعترفت به عايشة مع كونها مبغضة لشيعة أمير المؤمنين عليه السّلام مثله ٢ .

ففي ( الطبري ) : لمّا أمر أبو موسى النّاس بالتثبيط ، قام إليه زيد بن صوحان و شال يده المقطوعة و أومى إلى أبي موسى و تلا : ألم أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون و لقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الذين صدقوا و ليعلمنّ الكاذبين ٣ ثم نادى : سيروا إلى أمير المؤمنين صراط سيّد المرسلين ، و انفروا إليه أجمعين ٤ .

و الثانية : فتنة حكميته و خبطه في ذلك أيضا واضح لا يحتاج إلى بيان .

و قد رد على أبي موسى غير عمّار و زيد عبد خير الخيواني ، ففي ( الطبري ) : أنّه قال لأبي موسى : أخبرني عن هذين الرجلين ألم يبايعا عليّا عليه السّلام ؟ قال : بلى . قال : أفأحدث عليّ عليه السّلام حدثا يحل به نقض بيعته ؟ قال : لا أدري ، قال : لا دريت و لا أتيت ، إذا كنت لا تدري فنحن تاركوك حتّى تدري ،

أخبرني هل تعلم أحدا خارجا عن هذه الفرق الأربع عليّ بظهر الكوفة و طلحة

ــــــــــــ

 ( ١ ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ١٤ : ١٥ .

 ( ٢ ) انظر الجمل للمفيد : ٥١ ، ٢٤٨ ، ٢٥١ ، ٤٣١ ، و أماليه : ٢١٧ ٢١٨ .

 ( ٣ ) العنكبوت : ١ ٣ .

 ( ٤ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٨٤ ، سنة ٣٦ .

٦٧

و الزبير . البصرة و معاوية بالشام و فرقة رابعة بالحجاز قعود لا يجبى بهم في‏ء و لا يقاتل بهم عدوّ ؟ قال أبو موسى : أولئك خير النّاس ، فقال له عبد خير :

اسكت يا أبا موسى فقد غلب عليك غشّك ١ .

٨

الكتاب ( ٦٣ ) و من كتاب له عليه السّلام إلى أبي موسى الأشعريّ و هو عامله على الكوفة و قد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج إليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل :

مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ ؟ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ إِلَى ؟ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ؟ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ قَوْلٌ هُوَ لَكَ وَ عَلَيْكَ فَإِذَا قَدِمَ رَسُولِي عَلَيْكَ فَارْفَعْ ذَيْلَكَ وَ اُشْدُدْ مِئْزَرَكَ وَ اُخْرُجْ مِنْ جُحْرِكَ وَ اُنْدُبْ مَنْ مَعَكَ فَإِنْ تَحَقَّقْتَ فَانْفُذْ وَ إِنْ تَفَشَّلْتَ فَابْعُدْ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَتُؤْتَيَنَّ مِنْ حَيْثُ أَنْتَ وَ لاَ تُتْرَكُ حَتَّى يُخْلَطَ زُبْدُكَ بِخَاثِرِكَ وَ ذَائِبُكَ بِجَامِدِكَ وَ حَتَّى تُعْجَلُ عَنْ قِعْدَتِكَ وَ تَحْذَرَ مِنْ أَمَامِكَ كَحَذَرِكَ مِنْ خَلْفِكَ وَ مَا هِيَ بِالْهُوَيْنَى اَلَّتِي تَرْجُو وَ لَكِنَّهَا اَلدَّاهِيَةُ اَلْكُبْرَى يُرْكَبُ جَمَلُهَا وَ يُذَلُّ صَعْبُهَا وَ يُسَهَّلُ جَبَلُهَا فَاعْقِلْ عَقْلَكَ وَ اِمْلِكْ أَمْرَكَ وَ خُذْ نَصِيبَكَ وَ حَظَّكَ فَإِنْ كَرِهْتَ فَتَنَحَّ إِلَى غَيْرِ رَحْبٍ وَ لاَ فِي نَجَاةٍ فَبِالْحَرِيِّ لَتُكْفَيَنَّ وَ أَنْتَ نَائِمٌ حَتَّى لاَ يُقَالَ أَيْنَ فُلاَنٌ وَ اَللَّهِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مَعَ مُحِقٍّ وَ مَا أُبَالِي مَا صَنَعَ اَلْمُلْحِدُونَ وَ اَلسَّلاَمُ قول الصنّف « و من كتاب له عليه السّلام إلى أبي موسى الأشعري و هو عامله على الكوفة » في ( تاريخ اليعقوبي ) : عزل عليّ عليه السّلام عمّال عثمان عن البلدان خلا

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٨٦ ، سنة ٣٦ .

٦٨

أبي موسى و هو الأشعريّ كلّمه الأشتر ، فأقرّه ١ .

« و قد بلغه عنه تثبيطه » أي : توقيفه .

« النّاس عن » و في ( المصرية ) : ( على ) ٢ غلط .

« و الخروج إليه لمّا ندبهم لحرب الجمل » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ٣ و لكن ليس في ( ابن ميثم ) : جملة ( لمّا ندبهم ) ٤ و لعلّه سقط من النسخة .

و كيف كان ففي ( المروج ) : لمّا كاتب عليّ عليه السّلام أبا موسى فثبّطهم و قال :

إنّما هي فتنة ، فنمى ذلك إليه عليه السّلام ولّى على الكوفة قرظة بن كعب الأنصاري و كتب إلى أبي موسى : « اعتزل عملنا يابن الحائك مذؤوما مدحورا ، فما هذا أوّل يومنا منك ، و إن لك فيها لهنات و هنيات » ٥ .

و عن محمّد بن إسحاق : قدم محمّد بن جعفر و محمّد بن أبي بكر الكوفة لاستنفار النّاس ، فدخل قوم منهم على أبي موسى ليلا فقالوا له : أشر علينا برأيك في الخروج مع هذين الرجلين إلى عليّ ، فقال لهم : أمّا سبيل الآخرة فالزموا بيوتكم ، و أمّا سبيل الدّنيا فاشخصوا معهما . فمنع بذلك أهل الكوفة من الخروج ، و بلغهما ذلك فأغلظا له ، فقال لهما : إنّ بيعة عثمان لفي عنق عليّ و عنقي و أعناقكما . . . ٦ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٩ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٣ : ١٣٣ .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ٣ : ١٣٣ ، شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٦ .

 ( ٤ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٠٤ : لمّا ندبهم لحرب أصحاب الجمل أيضا .

 ( ٥ ) مروج الذهب ٢ : ٣٦٨ ٣٦٩ .

 ( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٤ : ٩ .

٦٩

و مثله ( خلفاء ابن قتيبة ) إلاّ أنّه قال : بعث عمّارا و محمّد بن أبي بكر ١ .

و عن أبي مخنف : أنّ عليّا عليه السّلام بعث من الربذة هاشم بن عتبة إلى أبي موسى ، و كتب إليه : أنّي قد بعثت إليك هاشما لتشخص إلى من قبلك من المسلمين ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي و قتلوا شيعتي و أحدثوا في الإسلام هذا الحدث العظيم ، فاشخص بالناس إليّ معه حين يقدم إليك ، فاني لم أولك المصر الذي أنت فيه ، و لم اقرّك عليه إلاّ لتكون من أعواني على الحقّ ،

و أنصاري على هذا الأمر ٢ .

و رواه الطبريّ مع اختصار ٣ .

و عن أبي مخنف : فبعث هاشم بن عتبة من الكوفة المحل بن خليفة إلى عليّ عليه السّلام بالربذة ، و كتب معه إليه عليه السّلام : « إنّي قدمت بكتابك على امرى‏ء مشاق بعيد الود ، ظاهر الغل و الشنآن ، فتهددني بالسجن و خوفني بالقتل .

فبعث عليه السّلام ابن عبّاس و محمّد بن أبي بكر إليه و كتب معهما إليه : أما بعد يابن الحائك يا عاضّ اير أبيه ، فو اللّه إنّي كنت لأرى أنّ بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعلك اللّه له أهلا ، و لا جعل لك فيه نصيبا ، سيمنعك من ردّ أمري و الابتزاز عليّ ، و قد بعثت إليك ابن عبّاس و ابن أبي بكر فخلّهما و المصر و أهله ، و اعتزل عملنا مذؤوما مدحورا ، فإن فعلت و إلاّ فإنّي قد أمرتهما على أن ينابذاك على سواء ، . . . إنّ اللّه لا يهدي كيد الخائنين ٤ ، فإذا ظهرا عليك قطعاك إربا إربا ،

و السلام على من شكر النعمة و وفى بالبيعة و عمل برجاء العاقبة ٥ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٦٥ ٦٦ .

 ( ٢ ) نقله عنه المفيد في الجمل : ٢٤٢ و ابن أبي الحديد في شرح النهج ١٤ : ٩ .

 ( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٩٩ ، سنة ٣٦ .

 ( ٤ ) يوسف : ٥٢ .

 ( ٥ ) نقله عنه المفيد في الجمل : ٢٤٢ ٢٤٣ و ابن أبي الحديد في شرح النهج ١٤ : ٩ ١٠ .

٧٠

و رواه الطبري إلاّ أنّه قال : بعث الحسن عليه السّلام و عمّارا يستنفران النّاس ،

و بعث قرظة أميرا و كتب معه إلى أبي موسى : فقد كنت أرى أنّ عزوبك عن هذا الأمر الذي لم يجعل اللّه تعالى لك منه نصيبا ، سيمنعك من ردّ أمري ، و قد بعثت الحسن و عمّارا يستنفران النّاس ، و بعثت قرظة واليا على المصر ، فاعتزل عملنا مذؤوما مدحورا، فإن لم تفعل فإنّي قد أمرته أن ينابذك فإن نابذته فظفر بك ان يقطعك آرابا ١ .

قوله عليه السّلام « من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ٢ و لكن ليس في ( ابن ميثم ) : كلمة ( عليّ ) ٣ .

« إلى عبد اللّه بن قيس » و هو أبو موسى الأشعريّ .

« اما بعد فقد بلغني عنك قول هو لك و عليك » .

قال ابن أبي الحديد : أراد به أنّ أبا موسى كان يقول لأهل الكوفة : إنّ عليّا إمام هدى و بيعته صحيحة ، إلاّ أنّه لا يجوز القتال معه مع أهل القبلة ، و هذا القول بعضه حقّ و بعضه باطل ٤ .

قلت : كون المراد ما ذكر غير معلوم ، فلم يعلم أوّلا أنّ أبا موسى قال ما نسب إليه ، و إنّما روى المفيد في ( جمله ) : أنّ ابن عبّاس خدعه بأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام يقرّه على حكومته ، فأخذ البيعة له من النّاس .

فروى أنّ ابن عبّاس قال له عليه السّلام : ابعث إلى الكوفة ابنك الحسن عليه السّلام و عمّارا و أنا أخرج معهما ، فلمّا وصلوا قال لهما : إنّ أبا موسى عاق ، فإذا رفقنا به أدركنا حاجتنا ، فقالا له : افعل ما شئت .

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٩٩ ٥٠٠ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٣ : ١٣٣ : شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٦ .

 ( ٣ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٠٤ : عليّ أمير المؤمنين أيضا .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٦ .

٧١

فقال لأبي موسى : إنّ عليّا عليه السّلام أرسلنا إليك لما يظن من سرعتك إلى طاعة اللّه و رسوله ، و مصيرك إلى ما أحبنا أهل البيت ، و قد علمت فضله و سابقته في الإسلام و يقول لك : أن تبايع النّاس يقرّك على عملك و يرضى عنك . فانخدع و صعد المنبر فبايع له عليه السّلام ثم نزل ١ .

و ثانيا : إنّه لو ثبت ما نسب إليه ، لم يعلم صحّة التعبير عنه بأنه ( قول لك و عليك ) ، و لعل في الرواية تحريفا ، و أنّ الأصل : ( قول هو عليك لا لك ) .

فروى ابن قتيبة و أبو مخنف : إنّ أبا موسى قال لرسوليه عليه السّلام محمّد بن أبي بكر و عمّارا و محمّد بن جعفر : بأنّا لو أردنا قتالا ما كنّا نبدأ بأحد من قتلة عثمان ٢ .

و لازمه نصره له عليه السّلام في حربه مع طلحة و الزبير و عايشة لاعترافه بدخالتهم في قتل عثمان ، و اعتزاله عليه السّلام عنه فيكون قوله عليه لا له .

و يمكن أيضا بأن يقال : بأنّ قوله ذاك عليه لا له ، بأن قوله يستلزم حلية قتل عمّار ، مع ان من المتواتر قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله : « عمّار تقتله الفئة الباغية » ،

فضلا عن كونه مجمعا على جلاله .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : انّ عمّارا قال : يا أهل الكوفة إن كان غابت عنكم امورنا فقد انتهت إليكم أنباؤنا ، إن قتلة عثمان لا يعتذرون من قتله إلى النّاس ، و لا ينكرون ذلك ، و قد جعلوا كتاب اللّه بينهم و بين محاجّيهم ،

فبه أحيى اللّه من أحيى و أمات من أمات ، و إنّ طلحة و الزبير كانا أوّل من طعن و آخر من أمر ، و كانا أوّل من بايع عليّا عليه السّلام ، فلمّا أخطأهما ما أمّلاه

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٢٦١ .

 ( ٢ ) الإمامة و السياسة ١ : ٦٦ ، شرح ابن أبي الحديد ١٤ : ٩ .

٧٢

نكثا بيعتهما من غير حدث ١ .

و أي قول كان من أبي موسى له و قد بيّن عمّار كون قوله كلّه عليه .

ففي ( خلفاء ابن قتيبة ) : لمّا صعد أبو موسى المنبر و قال : أيّها النّاس إنّ أصحاب محمّد الذين صحبوه في المواطن أعلم باللّه و رسوله ممّن لم يصحبه ، و إنّ لكم حقّا عليّ أن اؤديه إليكم ، إنّ هذه الفتنة النائم فيها خير من اليقظان ، و القاعد خير من القائم ، و القائم فيها خير من الساعي ، و الساعي خير من الراكب ، فاغمدوا سيوفكم حتّى تنجلي هذه الفتنة ، قام عمّار و قال : أيّها النّاس إنّ أبا موسى ينهاكم عن الشخوص إلى هاتين الجماعتين و ما صدق فيما قال و لا رضي اللّه من عباده بما قال قال عزّ و جل : و ان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتّى تفي‏ء إلى أمر اللّه فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل و أقسطوا . . . ٢ و قال تعالى : و قاتلوهم حتّى لا تكون فتنة و يكون الدين كلّه للّه . . . ٣ ، فلم يرض من عباده بما ذكر أبو موسى من أن يجلسوا في بيوتهم و يخلوا النّاس فيسفك بعضهم دماء بعض فسيروا معنا إلى هاتين الجماعتين و اسمعوا من حججهم ، و انظروا من أولى بالنصرة فاتبعوه ، فإن أصلح اللّه أمرهم رجعتم مأجورين و قد قضيتم حق اللّه تعالى ، و إن بغى بعضهم على بعض نظرتم إلى الفئة الباغية ، فقاتلوهم حتّى تفي‏ء إلى أمر اللّه كما امرتم و افترض عليكم ٤ .

و كذلك ردّ على أبي موسى قوله كلّه عبد خير الخيواني كما مر في العنوان السابق .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٦٧ .

 ( ٢ ) الحجرات : ٩ .

 ( ٣ ) الأنفال : ٣٩ .

 ( ٤ ) الإمامة و السياسة ١ : ٦٦ .

٧٣

و لو صحّت رواية المصنّف : ( قول هو لك و عليك ) ، فمحمول على أنّ ما نقله أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال له : إنّ هذه الفتنة النائم فيها خير من اليقظان ، قاله له خاصة لعلمه صلّى اللّه عليه و آله بانحرافه عنه ، فقال صلّى اللّه عليه و آله له : من كان في فتنة الناكثين نائما كسعد و ابن عمرو لم يخذلا النّاس عنه عليه السّلام كما لم ينصراه ، خير من أبي موسى الذي كان قائما بخذل النّاس عنه عليه السّلام .

و يشهد له رواية أبي مخنف : ( لمّا صعد أبو موسى المنبر و قال : كأني أسمع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالأمس يذكر الفتن فيقول : أنت فيها نائما خير منك قاعدا إلى أن قال قام عمّار و قال له : إن كنت صادقا فإنّما عناك بذلك وحدك و اتخذ عليك الحجّة ، فالزم بيتك و لا تدخلن في الفتنة ، أما إنّي أشهد أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر عليّا بقتال الناكثين و سمّى له فيهم من سمّى و أمره بقتال القاسطين ، و إن شئت لأقيمن لك شهودا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّما نهاك وحدك و حذّرك من الدخول في الفتنة ثم قال له : اعطني يدك على ما سمعت فمد يده إليه فقال له عمّار :

غلب اللّه من غالبه و جاحده ثم جذبه فنزل ١ .

و رواه الطبريّ مختصرا ٢ .

« فاذا قدم رسولي » و لعل المراد به قرظة بن كعب الأنصاري كما مر عن ( المروج ) ٣ .

« عليك فارفع ذيلك » ( ارفع ذيلك ) كقولك شمّر ذيلك .

« و اشدد مئزرك » كقولك : ( اشدد حيازيمك ) .

« و اخرج من جحرك » قال ابن أبي الحديد : كناية غض عن أبي موسى

ــــــــــــ

 ( ١ ) نقله عنه المفيد في الجمل : ٢٥٢ .

 ( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٨٦ ٤٨٧ ، سنة ٣٦ .

 ( ٣ ) مروج الذهب ٢ : ٣٦٨ ٣٦٩ .

٧٤

جعله ثعلبا أو ضبا ١ .

قلت : فيه أوّلا : أنّ الجحر لم يأت للثعلب بل للضب و الحيّة ، و إنّما يأتي للثعلب كالأرنب المكو كما صرح به الثعالبي في ( فقه لغته ) ٢ .

و قال الشاعر :

و لا ترى الضب بها ينجحر

و في كلامه عليه السّلام : أو انجحر انجحار الضبة في جحرها ٣ و ثانيا : من أين أنّه كناية غض و ليس من قبيل قولهم : « دخلوا في مجاحرهم » أي : في مكامنهم ، و يشهد له كونه في سياق ( ارفع ذيلك و اشدد مئزرك ) ، فيكون الكل في معنى الأمر بالجد في الأمر و إنّ بعده .

« فاندب » أي : إلى حرب أهل البصرة .

« من معك » أي : من أهل الكوفة .

« فان تحققت » هكذا في ( المصرية ) ٤ ، و الصواب : ( فان حققت ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٥ .

« فانفذ » أي : إذا تبيّن لك ان حرب الناكثين حق فأجر الندب إليهم .

« و إن تفشلت » أي : خفت و جبنت من أن يكون حقّا .

« فابعد » من امرنا و عملنا .

« و ايم اللّه لتؤتين من حيث » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ٦ ، و لكن

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٧ .

 ( ٢ ) فقه اللغة للثعالبي : ٤٣٦ المكتبة التجارية ، مصر ، ١٩٣٨ م . و في نسخة ( كموء ) بدل ( مكو ) و هو قلب مكاني .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ١ : ١١٣ ، الخطبة ٦٩ .

 ( ٤ ) في نهج البلاغة ٣ : ١٣٣ : فإن حقّقت .

 ( ٥ ) في شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٦ : فإن تحقّقت ، و في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٠٤ : فان حقّقت.

 ( ٦ ) نهج البلاغة ٣ : ١٣٣ ، شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٦ .

٧٥

في ( ابن ميثم ) : ( حيث ) ١ .

« أنت و لا تترك حتّى يخلط زبدك » و الزبد : خلاصة اللبن التي تحصل مخضه .

« بخاثرك » و الخاثر : بقيّة اللبن الدون ، في ( الصحاح ) في المثل : « اخلط الخاثر بالزباد » و زباد اللبن بالضم و التشديد ما لا خير فيه ٢ .

و هو كما ترى فإنّ الظاهر أنّ الزباد بمعنى الزبد و أنّه أحسن اللبن ،

و الخاثر أدونه .

« و ذائبك بجامدك » في ( الصحاح ) : في المثل : « ما يدري أيخثر أم يذيب » ٣ .

« و حتّى تعجل عن » و في ( المصرية ) : ( في ) ٤ غلط .

« قعدتك » اي : لا تمهل حتّى تقعد ، فبعث عليه السّلام إليه الأشتر و كان على المنبر فلم يمهله يتم كلامه .

ففي الطبري : إنّ الأشتر استأذن عليا عليه السّلام في إتيان الكوفة بعد الحسن عليه السّلام و عمّار ، فأذن له فأقبل حتّى دخل الكوفة ، و قد اجتمع النّاس في المسجد الأعظم ، فجعل لا يمر بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلاّ دعاهم و يقول : اتبعوني إلى القصر ، فانتهى إلى القصر في جماعة من النّاس فاقتحم القصر و أبو موسى قائم في المسجد يخطب النّاس و يثبطهم إلى أن قال قال أبو مريم الثقفي : و اللّه إنّي لفي المسجد و عمّار يخاطب النّاس إذ خرج علينا غلمان أبي موسى يشتدون ينادون يا أبا موسى هذا الأشتر دخل القصر و ضربنا و أخرجنا فنزل أبو موسى فدخل القصر و صاح به الأشتر : اخرج

ــــــــــــ

 ( ١ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٠٤ : « من حيث » أيضا .

 ( ٢ ) الصحاح ٢ : ٤٨٠ ، مادة : ( زبد ) .

 ( ٣ ) الصحاح ١ : ١٢٩ ، مادة : ( ذوب ) .

 ( ٤ ) نهج البلاغة ٣ : ١٣٣ .

٧٦

من قصرنا ، أخرج اللّه نفسك ، فو اللّه إنّك لمن المنافقين قديما و دخل النّاس ينتهبون متاع أبي موسى ، فمنعهم الأشتر و قال : إنّي قد أخرجته فكفّ النّاس عنه ١ .

« و تحذّر من أمامك كحذرك من خلفك » و هو كناية عن كمال توجّه أسباب الخطر ، فإنّ الإنسان غالبا يحذر من خلفه الذي لا يراه ، لا من أمامه الذي نصب عينيه .

ثمّ الظاهر كونه إشارة إلى أنّه إن أدام برأيه في الخذلان عنه ، لم ينحصر خوفه بمن يأتيه من عنده ، بل يحصل له الخوف من بلد هو فيه ، فقد عرفت أنّه لمّا جاءه الأشتر و هدّده نهب النّاس متاعه .

« و ما هي » أي : خصلته التي تخلق بها من خذلان النّاس عنه عليه السّلام .

« بالهوينا » تصغير الهون ، و من الغريب عدم تعرّض كتب اللغة حتّى ( القاموس ) له.

« الّتي ترجو » رجا أبو موسى لما هوّن عمر أمره عليه السّلام بتفويض الأمر إلى بني اميّة بنصب عثمان أن يكون أمره عليه السّلام هيّنا حتّى يقدر هو على مخالفته عليه السّلام.

« و لكنّها الداهية الكبرى » أي : أمر عظيم و شدّة شديدة .

« يركب جملها » فيهزم الناكثين و أهل الجمل .

« و يذلّ صعبها و يسهل جبلها » في القاسطين ، فيقتل عليه السّلام منهم حتّى أرادوا الفرار .

هذا و قال ابن أبي الحديد : معنى قوله عليه السّلام : « و ايم اللّه لتؤتين من حيث أنت » إن أقمت على تثبيط أهل الكوفة ، ليأتينكم و أنتم في منازلكم أهل البصرة

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٨٦ ٤٨٧ ، سنة ٣٦ .

٧٧

مع طلحة ، و نأتينّكم نحن بأهل المدينة فيجتمع عليكم سيفان من أمامكم و خلفكم .

قال : و معنى قوله عليه السّلام : « و تحذّر من أمامك كحذرك من خلفك » إن أقمت على منع النّاس عن الحرب معنا و معهم ، يأتيك أهل البصرة و أهل المدينة فتكون كما قال تعالى : إذ جاؤكم من فوقكم و من أسفل منكم . . . ١ .

قال : و معنى قوله عليه السّلام : « يركب جملها و يذل صعبها و يسهل جبلها » لا تقل إنّ هذا أي قصد الجيوش من الجانبين الكوفة أمر صعب فإنّه إن دام الأمر على ما أشرت إلى أهل الكوفة من التخاذل ، ليرتكبن أهل المدينة و أهل البصرة هذا المستصعب فنطلب نحن و أهل البصرة ان نملك الكوفة فيجتمع عليها الفريقان ٢ .

قلت : و كلامه كما ترى بمراحل فأي وجه لأن يوعد عليه السّلام أهل الكوفة فلم يكونوا كأهل البصرة منابذين له عليه السّلام ؟ و إنّما كان أبو موسى شخصه منابذا له عليه السّلام ، و لم يكن سلطان الكوفة حتّى يحتاج إلى جمع جيشه عليه السّلام و جيش طلحة و الزبير عليه ، فقد عرفت أنّه عليه السّلام لمّا بعث الأشتر وحده إليه فر ، و إمارته إنّما كانت من قبله عليه السّلام بطلب الأشتر أوّلا ذلك منه ، و بعزله كان يصير نفرا من عرض النّاس ، و من ولاّه بدله كان يقدر على عقوبته كل العقوبة .

فمرّ رواية أبي مخنف في بعثه عليه السّلام ابن عبّاس و محمّد بن أبي بكر إليه و كتابه عليه السّلام إليه : فإذا ظهرا عليك قطعاك اربا ٣ .

و مرّ رواية الطبري في بعثه عليه السّلام قرظة إليه ، و كتابه إليه : فإذا نابذته

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأحزاب : ١٠ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٧ ٢٤٨ .

 ( ٣ ) نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج ١٤ : ٩ ١٠ .

٧٨

فظفر أمرته أن يقطّعك آرابا ١ .

مع أنّ أبا موسى انّما كان يثبّط النّاس عنه عليه السّلام ، لأنّه كان يعلم أنّه عليه السّلام لا يستعمل مثله منافقا ، و أما طلحة و الزبير فإن كانا غلبا لم يخش منهما عدم توليته لكونهم جميعا على رأي واحد ، و إنّما أمر أهل الكوفة بملازمة بيوتهم لأنّه لم يتوقع منهم مساعدة طلحة و الزبير ، فإنّ ميلهم كان معه عليه السّلام لا معهما ،

و كان يقول لأهل الكوفة كما روى أبو مخنف : أنّ عليّا إنّما يستنفركم لجهاد امّكم عايشة و طلحة و الزبير حواري النّبيّ . و كان يقول لأهل الكوفة كما روى الواقدي : إنّ عايشة كتبت إليّ أن اكفني من قبلك ، و هذا عليّ قادم إليكم يريد أن يسفك بكم دماء المسلمين ٢ . و بالجملة تفسيره في غاية السقوط .

« فاعقل عقلك » أي : احبس عقلك عن الخطأ .

« و املك أمرك » بأن لا تتبع هواك .

« و خذ نصيبك و حظّك » أي : من أمري .

« فإن كرهت » أمري .

« فتنحّ » أي : ابعد .

« إلى غير رحب » أي : سعة .

« و لا في نجاة » من بأس اللّه .

« فبالحري » أي : فبالجدير .

« لتكفين و أنت نائم حتّى لا يقال أين فلان » أي : يأخذ البيعة من أهل الكوفة رجال كثيرون ، و لا يحتاج ذلك إليك حتّى يسأل عنك و لا أثر لوجودك .

« و اللّه إنّه لحق مع محق » قال ابن أبي الحديد : إشارة إلى قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٠٠ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٢٥٧ .

٧٩

فيه عليه السّلام اللهمّ أدر الحق معه حيثما دار ١ .

قلت : و روى أبو مخنف : إنّ رجلا قام إليه عليه السّلام فقال : أي : فتنة أعظم من هذه ؟ إنّ البدرية تمشي بعضها إلى بعض بالسيف فقال عليه السّلام : ويحك أتكون فتنة أنا أميرها و قائدها ، و الذي بعث محمّدا بالحق و كرّم وجهه ما كذبت و لا كذبت ، و لا ظللت و لا ضلّ بي ، و لا زللت و لا زلّ بي ، و إنّي لعلى بيّنة من ربي بيّنها اللّه لرسوله و بيّنها رسوله لي ٢ .

و روى ابن ديزيل عن يحيى بن سليمان ، عن يحيى بن عبد الملك ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن محمّد بن فضيل ، عن الأعمش عن أبي سعيد الخدري قال : كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم فانقطع شسع نعله فألقاها إلى عليّ عليه السّلام يصلحها ثم قال : إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله . فقال أبو بكر :

أنا هو ؟ قال : لا فقال عمر : أنا هو ؟ قال : لا ، و لكنّه خاصف النعل و يد عليّ عليه السّلام على نعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم يصلحها . قال أبو سعيد : فأتيت عليّا عليه السّلام فبشّرته بذلك ، فلم يحفل به كأنّه شي‏ء كان علمه من قبل ٣ .

و روى محمّد بن يعقوب عن حفص بن غياث عن جعفر بن محمّد عليه السّلام :

أنّ رجلا سأل أباه عن حروب جدّه عليّ عليه السّلام فقال له : بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بخمسة أسياف ثلاثة منها شاهرة و سيف مكفوف إلى أن قال و أمّا السيف المكفوف فسيف على أهل البغي و التأويل ، قال تعالى : و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا إلى فقاتلوا التي تبغي حتّى تفي‏ء إلى أمر اللّه . . . ٤ . فلمّا نزلت هذه الآية قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله : إنّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل ، كما

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٩ .

 ( ٢ ) نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ١ : ٢٦٥ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٠٧ .

 ( ٤ ) الحجرات : ٩ .

٨٠