• البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76428 / تحميل: 3432
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

قاتلت على التنزيل ، فسئل من هو ؟ قال : خاصف النعل و كان عليّ عليه السّلام يخصف نعله . . . ١ .

و روى ابن ديزيل عن يحيى بن سليمان عن أبي فضيل عن إبراهيم الهجري عن أبي صادق قال : قدم علينا أبو أيوب الأنصاري العراق ، فأهدت له الأزد جزرا بعثوها معي ، فدخلت عليه و قلت له : يا أبا أيّوب قد كرّمك اللّه بصحبة نبيّه و نزوله عليك ، فمالي أراك تستقبل النّاس بسيفك تقاتل هؤلاء مرّة و هؤلاء مرّة ؟ فقال : إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عهد إلينا أن نقاتل مع عليّ عليه السّلام الناكثين فقد قاتلناهم و عهد إلينا أن نقاتل معه القاسطين فهذا وجهنا إليهم يعني معاوية و أصحابه و عهد إلينا نقاتل معه المارقين و لم أرهم بعد ٢ .

« و ما أبالي » هكذا في ( المصرية ) ٣ ، و الصواب : ( و ما يبالي ) بالياء ،

و الفاعل ضمير ( محق ) ، كما يشهد له ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٤ .

« ما صنع الملحدون » كأبي موسى و من تخلّف عنه ، و مر قول الأشتر لأبي موسى : فو اللّه إنّك لمن المنافقين قديما .

و في ( الاستيعاب ) : و لم يزل أبو موسى واجدا على عليّ عليه السّلام بعد عزله عن الكوفة حتّى جاء منه ما قال حذيفة ، فقد روى فيه حذيفة كلاما كرهت ذكره ٥ .

و نقل ذلك ابن أبي الحديد عن ( الاستيعاب ) في موضع آخر من الكتاب .

و قال : مراده بكلام حذيفة الذي كره ذكره ، أنّ أبا موسى ذكر عند حذيفة

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ٥ : ١٠ ١٢ ، و النقل بتصرّف و تلخيص .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٠٧ .

 ( ٣ ) نهج البلاغة ٣ : ١٣٤ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٦ ، شرح ابن ميثم ٥ : ٢٠٦ .

 ( ٥ ) الاستيعاب بهامش الإصابة ٢ : ٣٧٢ .

٨١

بالدين فقال : أمّا أنتم فتقولون ذلك ، و أمّا أنا فأشهد أنّه عدوّ للّه و لرسوله و حرب لهما في الحياة الدّنيا و يوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم و لهم سوء الدار ، و كان حذيفة عارفا بالمنافقين أسرّ إليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمرهم و أعلمه أسماءهم ١.

و قال أيضا : و روي أنّ عمّارا سئل عن أبي موسى ، فقال : لقد سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما يقول : « هو صاحب البرنس الأسود » ثم كلح منه كلوحا علمت منه انّه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط ٢ .

و روى الطبريّ في ( ذيله ) : أنّ أبا موسى لقي أبا ذرّ فجعل يلزمه ، و يقول له أبو ذرّ : إليك عنّي . و يقول له أبو موسى : مرحبا بأخي . و يقول له أبو ذرّ :

لست بأخيك ٣ .

و روى ( أمالي المفيد ) : أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال : تفترق امّتي ثلاث فرق إلى أن قال و فرقة مدهدهة على ملّة السامري لا يقول لا مساس و لكنّهم يقولون : لا قتال ، إمامهم أبو موسى ٤ .

و مرّ قوله عليه السّلام في سابقه في أبي موسى لمّا صار حكما : و إنّما عهدكم بأبي موسى بالأمس يقول : إنّها فتنة ، فإن كان صادقا فقد أخطأ بمسيره غير مستكره ، و إن كان كاذبا فقد لزمته التهمة .

و مر خبر سويد بن غفلة أنّ أبا موسى قال أيّام عثمان : قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّ بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتّى بعثوا حكمين ضالّين ضلاّ و أضلاّ من اتّبعهما و لا ينفك أمر امتي حتّى يبعثوا حكمين يضلاّن

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٣١٤ ٣١٥ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ١٣ : ٣١٥ .

 ( ٣ ) ذيل تاريخ الطبري ١١ : ٥٣٣ .

 ( ٤ ) الأمالي للمفيد : ٣٠ .

٨٢

و يضلاّن من تبعهما فقال له سويد : احذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما .

فخلع قميصه و قال : أبرأ إلى اللّه من ذلك كما من قميصي هذا . . . ١ .

و كان عليه السّلام يقنت عليه في صلاته ، كما يقنت على معاوية و عمرو بن العاص ، و يقول : اللهمّ العن معاوية أوّلا ، و عمرا ثانيا ، و أبا الأعور ثالثا ، و أبا موسى رابعا ٢ .

و كطلحة و الزبير و غيرهما من المخالفين له عليه السّلام . روى الحميري في ( قرب إسناده ) عن محمّد بن عبد الحميد و عبد الصمد بن محمّد بن حنان بن سدير عن الصادق عليه السّلام قال : دخل عليّ اناس من أهل البصرة فسألوني عن طلحة و الزبير فقلت لهم: كانا من أئمّة الكفر ، إنّ عليّا عليه السّلام يوم البصرة لمّا صفّت الخيل قال لأصحابه : لا تعجلوا على القوم حتّى أعذر في ما بيني و بين اللّه تعالى ، فقام إليهم فقال : يا أهل البصرة هل تجدون عليّ جورا في حكم ؟

قالوا : لا ، قال : فحيفا في قسم ؟ قالوا : لا ، قال : فرغبة في دنيا أخذتها لي و لأهل بيتي دونكم فنقمتم عليّ ؟ قالوا : لا ، قال : فأقمت فيكم الحدود و عطّلتها عن غيركم ؟ قالوا : لا ، قال : فما لبيعتي تنكث و بيعة غيري لا تنكث ؟ إنّي ضربت الأمر أنفه و عينه، فلم أجد إلاّ الكفر أو السيف ، إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه :

و إن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون ٣ ، و الذي فلق الحبة و برأ النسمة و اصطفى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالنبوّة إنّهم لأصحاب هذه الآية و ما قوتلوا منذ نزلت ٤ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٣١٥ .

 ( ٢ ) نقله العلاّمة المجلسي في البحار ، ط الكمباني ٨ : ٥٦٥ ٥٦٦ .

 ( ٣ ) التوبة : ١٢ .

 ( ٤ ) قرب الإسناد : ٩٦ ٩٧ ح ٣٢٧ ، تفسير العياشي ٢ : ٧٧ .

٨٣

« و السلام » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ١ ، و ليس في ( ابن ميثم ) ٢ .

٩

الخطبة ( ١٧٠ ) و من كلام له عليه السّلام كلّم به بعض العرب ، و قد أرسله قوم من أهل البصرة ، لما قرب عليه السلام منها ، ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم ، فبيّن له عليه السّلام من أمره معهم ما علم به أنّه على الحقّ ، ثمّ قال له : بايع ، فقال : إنّي رسول قوم ،

و لا احدث حدثا حتى أرجع إليهم . فقال عليه السّلام :

أَ رَأَيْتَ لَوْ أَنَّ اَلَّذِينَ وَرَاءَكَ بَعَثُوكَ رَائِداً تَبْتَغِي لَهُمْ مَسَاقِطَ اَلْغَيْثِ فَرَجَعْتَ إِلَيْهِمْ وَ أَخْبَرْتَهُمْ عَنِ اَلْكَلَإِ وَ اَلْمَاءِ فَخَالَفُوا إِلَى اَلْمَعَاطِشِ وَ اَلْمَجَادِبِ مَا كُنْتَ صَانِعاً قَالَ كُنْتُ تَارِكَهُمْ وَ مُخَالِفَهُمْ إِلَى اَلْكَلَإِ وَ اَلْمَاءِ فَقَالَ ع فَامْدُدْ إِذاً يَدَكَ فَقَالَ اَلرَّجُلُ فَوَاللَّهِ مَا اِسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْتَنِعَ عِنْدَ قِيَامِ اَلْحُجَّةِ عَلَيَّ فَبَايَعْتُهُ ع وَ اَلرَّجُلُ يُعْرَفُ ؟ بِكُلَيْبٍ اَلْجَرْمِيِّ ؟ أقول : الأصل فيه رواية الطبريّ و رواية الواقدي ففي الأوّل : أخرج زياد بن أيّوب إليّ كتابا فيه أحاديث عن شيوخ منها : حدّثنا مصعب بن سلام التميميّ ، عن محمّد بن سوقة ، عن عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه قال :

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٣ : ١٣٤ ، شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٤٦ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٢٠٤ .

٨٤

رأيت فيما يرى النّائم أنّ رجلا يلي امور النّاس مريضا على فراشه و عند رأسه امرأة ، و النّاس يريدونه و يبهشون إليه ، فلو نهتهم المرأة لانتهوا ، و لكنّها لم تفعل فأخذوه فقتلوه ، فكنت أقص رؤياي على النّاس في السفر و الحضر فيعجبون و لا يدرون ما تأويلها ، فلمّا قتل عثمان و أتانا الخبر و نحن راجعون من غزاتنا ، فقال أصحابنا : رؤياك يا كليب . فانتهينا إلى البصرة فلم نلبث إلاّ قليلا حتّى قيل هذا طلحة و الزبير معهما امّ المؤمنين فراع النّاس و تعجبوا ، فإذا هم يزعمون للناس أنّهم خرجوا غضبا لعثمان و توبة مما صنعوا من خذلانه .

و إنّ امّ المؤمنين تقول : غضبنا لكم على عثمان في ثلاث : امارة الفتى و موقع الغمامة و ضربة السوط و العصا ، فما أنصفنا إن لم نغضب له عليكم في ثلاث جررتموها إليه حرمة الشهر و البلد و الدم .

فقال النّاس : أفلم تبايعوا عليّا و تدخلوا في أمره ؟ فقالوا : دخلنا و اللج على أعناقنا إذ قيل هذا عليّ عليه السّلام قد أظلّكم فقال قومنا لي و لرجلين معي :

انطلقوا حتّى تأتوا عليّا عليه السّلام و أصحابه فسلوهم عن هذا الأمر الذي قد اختلط علينا . فخرجنا حتّى إذا دنونا من العسكر طلع علينا رجل جميل على بغلة ،

فقلت لصاحبيّ : أرأيتم المرأة التي كنت احدثكم عنها ؟ إنّها كانت عند رأس الوالي ، فإنّها أشبه النّاس بهذا . ففطن أنّا نخوض فيه ، فلمّا انتهى قال : قفوا ما الذي قلتم حين رأيتموني ؟ فأبينا عليه ، و قال : و اللّه لا تبرحون حتّى تخبروني .

فدخلتنا منه هيبة ، فأخبرناه فجاوزنا و هو يقول : و اللّه رأيت عجبا . فقلنا لأدنى أهل العسكر إلينا : من هذا ؟ فقال : محمّد بن أبي بكر . فعرفنا أنّ تلك المرأة عايشة ، فازددنا لأمرها كراهية و انتهينا إلى عليّ عليه السّلام فسلّمنا عليه ثم سألناه عن هذا الأمر ، فقال : عدا النّاس على هذا الرجل و أنا معتزل فقتلوه ، ثم ولّوني و أنا كاره ، و لو لا خشية على الدين لم أجبهم ، ثمّ طفق هذان في النكث فأخذت

٨٥

عليهما و أخذت عهودهما عند ذلك و أذنت لهما في العمرة ، فقدما على امّهما فرضيا لهما ما رغبا لنسائهما عنه ، و عرضاها لما لا يحل و لا يصلح ، فاتبعتهما لكيلا يفتقوا في الإسلام فتقا و لا يفرّقوا جماعة . فصاح بنا أصحاب عليّ عليه السّلام :

« بايعوا بايعوا » فبايع صاحباي ، و أمّا أنا فأمسكت و قلت : بعثني قومي لأمر و لا احدث شيئا حتّى أرجع إليهم . فقال عليّ عليه السّلام : فإن لم يفعلوا ؟ فقلت : لم أفعل ، فقال : أرأيت لو أنّهم بعثوك رائدا فرجعت إليهم فأخبرتهم عن الكلأ و الماء فمالوا إلى المعاطش و الجدوبة ما كنت صانعا ؟ قلت : كنت تاركهم و مخالفهم إلى الكلأ و الماء قال : « فمدّ يدك » ، فو اللّه ما استطعت أن امتنع فبسطت يدي فبايعت . و كان يقول : عليّ عليه السّلام من أدهى العرب ١ .

و في الثاني كما في ( جمل المفيد ) شيبان بن عبد الرحمن عن عاصم بن كليب عن أبيه قال : لمّا قتل عثمان ما لبثنا إلاّ قليلا ، حتّى قدم طلحة و الزبير البصرة ، ثم ما لبثنا إلاّ يسيرا حتّى أقبل عليّ عليه السّلام بذي قار ، فقال شيخان من الحي : اذهب بنا إلى هذا الرجل ننظر ما يدعو إليه ، فلمّا أتينا بذي قار قدمنا إلى أذكى العرب فو اللّه لدخل علي نسب قومي فجعلت أقول : هو أعلم به منّي و أطوع فيهم ، إلى أن قال : فقال : أفلا تبايعوني ؟ فبايعه الشيخان اللذان كانا معي و توقفت عن بيعته ، فجعل رجال عنده قد أكل السجود وجوههم يقولون :

بايع بايع .

فقال عليه السّلام : دعوا الرجل . فقلت : إنّما بعثني قومي رائدا و سأنهي إليهم ما رأيت ، فإن بايعوا بايعت . فقال : أرأيت لو أنّ قومك بعثوك رائدا فرأيت روضة و غديرا فقلت يا قومي النجعة النجعة فأبوا ما كنت بمستنجع بنفسك ، فأخذت بإصبع من أصابعه ، فقلت : ابايع على أن اطيعك ما أطعت اللّه ، فإذا عصيته فلا

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٩٠ ٤٩١ ، سنة ٣٦ .

٨٦

طاعة لك عليّ ، فقال : نعم . و طوّل صوته . . . ١ .

قول المصنّف « و من كلام له عليه السّلام كلّم به بعض العرب » هو كليب بن شهاب الجرمي .

« و قد أرسله قوم من أهل البصرة » قد عرفت من رواية الطبري أنّ أولئك القوم قومه ( جرم ) .

« لمّا قرب عليه السّلام منها » قد عرفت من رواية الواقدي أنّه عليه السّلام كان نزل ذاقار .

« ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل » لأنّهم كانوا قالوا لهم :

خرجنا غضبا لعثمان و كانت بيعتنا لعليّ مكرها .

« لتزول الشبهة من نفوسهم فبيّن له عليه السّلام » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ٢ ، و هو و إن كان صحيحا ، إلاّ أنّ الأوضح أن يقال : « فبيّن عليه السّلام له » كما لا يخفى .

« من أمره معهم ما علم به أنّه على الحق » و هو أنّه عليه السّلام كان معتزلا عن أمر عثمان ، و لم يجبر أحدا على البيعة ، و إنّما أكرهه النّاس على قبوله البيعة .

« ثم قال له بايع » قد عرفت من رواية الطبري أنّ أصحابه عليه السّلام بعد مشاهدة إتمام الحجّة عليه قالوا له و لصاحبيه : بايعوا .

« فقال إنّي رسول قوم و لا احدث حدثا حتّى أرجع إليهم » قد عرفت من رواية الطبري : أنّه عليه السّلام قال له : فإن لم يفعلوا ؟ فأجاب : إنّي أيضا لا أفعل .

فرد عليه السّلام عليه بالعنوان .

« فقال عليه السّلام » هو تأكيد و إلاّ فهو زائد بعد قوله : ( و من كلام له عليه السّلام ) .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجمل للمفيد : ٢٩٠ ٢٩٢ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٢ : ١٠٠ ، شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٩٩ .

٨٧

ثم إنّ ما نقلنا من قول المصنّف هو في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ١ ،

و أمّا ( ابن ميثم ) فبدّله بقوله : ( و من كلام له عليه السّلام ) لمّا قال لكليب الجرمي قبل وقعة الجمل : بايع . فقال : إنّي رسول قوم و لا احدث حدثا دونهم حتّى أرجع إليهم فقال ٢ ، و نسخة ( ابن ميثم ) بخط المصنّف ، فمن المحتمل ان المصنّف استنسخه ثانيا فزاد و نقص و غيّر فطول و اختصر .

قوله عليه السّلام « أ رأيت » في ( الصحاح ) : قد يحذف همز رأيت قال : صاح هل ريت أو سمعت براع ردّ في الضرع ما فرى في الحلاب ٣ .

« لو أنّ الذين من ورائك » و هم قومه جرم .

« بعثوك رائدا » في ( الصحاح ) : الرائد الذي يرسل في طلب الكلاء ( راد الكلاء يروده رودا و ريادا و ارتاده ارتيادا ) بمعنى ، أي : طلبه ٤ .

« تبتغي » أي : تطلب .

« لهم مساقط الغيث » مواضع نزول المطر فاخضرت و حصل كلاء .

« فرجعت إليهم و أخبرتهم عن الكلاء » أي : العشب .

« و الماء فخالفوا » من الكلاء و الماء .

« إلى المعاطش » مواضع العطش التي لا ماء فيها .

« و المجاذب » أي : محال المحل و القحط .

« ما كنت صانعا » توافقهم أو تخالفهم .

« قال كنت تاركهم و مخالفهم إلى الكلاء و الماء » فان كل عاقل يفعل ذلك .

« فقال عليه السّلام فامدد إذن يدك » يعني كما يحكم العقل ثمة بوجوب مخالفتهم

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٢ : ١٠٠ ، شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٩٩ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٢٦ .

 ( ٣ ) الصحاح ٦ : ٢٣٤٨ ، مادة : ( رأى ) و البيت لإسماعيل بن بشّار .

 ( ٤ ) المصدر نفسه ٢ : ٤٧٨ ، مادة : ( رود ) .

٨٨

كذلك هنا بل هنا أولى ، لأن ثمة يحصل إلاّ من الهلكة موقتا و هنا أبدا .

ثم ( إذن يدك ) في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ١ ، و لكن في ( ابن ميثم ) :

( يدك إذن ) ٢ .

« فقال الرجل : فو اللّه ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة عليّ فبايعته » و نظير بعث جرم رجلا منهم إليه عليه السّلام فرآه على الحق فأقرّ به عليه السّلام ، بعث طلحة و الزبير و بعث عايشة رجلا فاهتدى به .

روى الكافي في ( باب ما يفصل به بين دعوى المحقّ و المبطل في أمر الإمامة ) : أنّ طلحة و الزبير بعثا رجلا من عبد القيس يقال له ( خداش ) إلى أمير المؤمنين عليه السّلام ، و قالا له : إنّا نبعثك إلى رجل طال ما نعرفه و أهل بيته بالسحر و الكهانة ، و أنت أوثق من بحضرتنا من أنفسنا أن تحاجّه لنا ، و اعلم أنّه أعظم النّاس دعوى فلا يكسرنك ذلك عنه و من الأبواب التي يخدع بها النّاس الطعام و الشراب و العسل و الدهن ، فلا تأكل له طعاما و لا تشرب له شرابا ، و لا تمس له عسلا و لا دهنا و لا تخل معه . و احذر هذا كلّه منه فإذا رأيته فاقرأ آية السخرة ،

و تعوّذ باللّه من كيده و كيد الشيطان ، فإذا جلست إليه فلا تمكّنه من بصرك كلّه و لا تستأنس به . ثم قل له : إنّ أخويك في الدين و ابني عمّك في القرابة يناشدانك القطيعة ، و يقولان لك : أما تعلم انّا تركنا النّاس لك و خالفنا عشائرنا فيك منذ قبض اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله ، فلمّا نلت أدنى مناك ، ضيّعت حرمتنا و قطعت رجاءنا ، ثم قد رأيت أفعالنا فيك و قدرتنا على النّاس ، و إنّ من كان يصرفك عنّا و عن صلتنا كان أقل نفعا لك و أضعف دفعا منا ، و قد وضح الصبح لذي عينين و قد بلغنا انتهاك منك لنا و دعاء علينا ، فما الذي يحملك على ذلك ؟ فقد كنّا نرى

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٢ : ١٠١ ، شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٩٩ .

 ( ٢ ) في شرح ابن ميثم ٣ : ٣٢٦ : إذا يدك أيضا .

٨٩

أنّك أشجع فرسان العرب ، أتتخذ اللعن دينا و ترى أنّ ذلك يكسرنا عنك ؟ . فلما أتى خداش إليه عليه السّلام صنع ما أمراه به ، فلمّا نظر عليه السّلام إليه و هو يناجي نفسه ضحك ، و أشار له إلى مجلس قريب منه : ادن هاهنا . فقال : ما أوسع المكان ،

اريد أن اؤدي إليك رسالة . فقال عليه السّلام له : بل تطعم و تشرب و تحل ثيابك و تدهن ثم تؤدي رسالتك . قم يا قنبر فأنزله .

قال : مالي إلى شي‏ء ممّا ذكرت حاجة .

قال : فأخلو بك .

قال : كل سر لي علانية .

فقال عليه السّلام له : هل علماك كلاما تقوله إذا أتيتني ؟ قال : اللهمّ نعم . قال عليه السّلام :

آية السخرة ؟ قال : نعم . قال : فاقرأها . و جعل عليه السّلام يكرّرها و يردّدها و يصحّح عليه إذا أخطأ ، حتّى قرأها سبعين مرّة . فقال الرجل : ما يرى أمير المؤمنين يرددها سبعين مرّة . قال : أتجد قلبك اطمأن ؟ قال : أي و الذي نفسي بيده . قال :

فما قالا لك ؟ فأخبره و قال : قل لهما كفى بنطقكما حجّة عليكما ، و لكن اللّه لا يهدي القوم الظالمين ، زعمتم أنّكم أخواي في الدين و أبناء عمّي في النسب ، أمّا النسب فلا انكره و إن كان النسب مقطوعا ، إلاّ ما وصله اللّه ، و أمّا قولكما إنّكما أخواي في الدين ، فإن كنتما صادقين فقد فارقتما كتاب اللّه و عصيتما أمره ،

بأفعالكما في أخيكما في الدين ، و إلاّ فقد كذبتما و افتريتما بادعائكما أنّكما أخواي في الدين . و أما مفارقتكما النّاس منذ قبض اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله ، فإن كنتما فارقتما النّاس بحق فقد نقضتما ذلك الحق بفراقكما إيّاي أخيرا ، و إن فارقتماهم بباطل فقد وقع إثم ذلك الباطل عليكما مع الحدث الذي أحدثتما ، مع أنّ صفتكما بمفارقتكما النّاس لم يكن إلاّ لطمع الدّنيا ، زعمتما و ذلك قولكما فقطعت رجاءنا و أنتما لا تعيبان بحمد اللّه من ديني شيئا ، و أمّا الذي صرفني

٩٠

عن صلتكما فالذي صرفكما عن الحق و حملكما على خلعه من رقابكما ، كخلع الحرون لجامه هو اللّه ربي لا اشرك به شيئا فلا تقولا أقل نفعا و أضعف دفعا ،

فتستحقا اسم الشرك مع النفاق .

و أما قولكما إنّي اشجّع فرسان العرب و هربكما من لعني و دعائي ، فإن لكل موقف عملا ، فاذا اختلفت الأسنة و ماجت لبود الخيل و ملأ سحراكما أجوافكما فثم يكفيني اللّه بكمال القلب .

و أما إذ أبيتما بأنّي أدعو اللّه فلا تجرعا من أن يدعو عليكما رجل ساحر من قوم سحرة زعمتما ، اللهم اقعص الزبير بشرّ قتلة و اسفك دمه على ضلاله ، و عرف طلحة المذلّة ، و ادخر لهما في الآخرة شرّا من ذلك إن كانا ظلماني و افتريا عليّ و كتما شهادتهما و عصياك و عصيا رسولك فيّ قل آمين قال خداش : آمين .

ثم قال خداش لنفسه : و اللّه ما رأيت لحية قط أبين خطأ منك ، حامل حجّة ينقض بعضها بعضا لم يجعل اللّه لهما مساكا ، أنا بري‏ء إلى اللّه منهما و قال عليه السّلام له : ارجع إليهما و أعلمهما ما قلت . قال : لا و اللّه حتّى تسأل اللّه أن يردّني إليك عاجلا ، و أن يوفقني لرضاه فيك . ففعل فلم يلبث أن انصرف و قتل معه عليه السّلام يوم الجمل ١ .

و روى ( بصائر الصفار ) في ( باب أنّهم عليهم السّلام يخبرون شيعتهم بأفعالهم و أفعال غيرهم و هم غيب ) : أنّ عايشة قالت : التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرجل ، حتّى أبعثه إليه . فأتيت به ، فمثل بين يديها ، فرفعت إليه رأسها فقالت له : ما بلغت من عداوتك لهذا الرجل ؟

فقال : كثيرا ما أتمنى على ربّي أنّه و أصحابه في وسطي فضربته

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ١ : ٣٤٣ ٣٤٥ بتصرّف و تلخيص من الشارح .

٩١

ضربة بالسيف يسبق السيف الدم . قالت : فأنت له اذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ، ظاعنا رأيته أو مقيما ، أما إنّك إن رأيته ظاعنا رأيته راكبا على بلغة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله متنكبا قوسه ، معلقا كنانته على قربوس سرجه و أصحابه خلفه كأنّهم طير صواف فتعطيه كتابي هذا ، و إن عرض عليك طعامه و شرابه فلا تناولن منه شيئا فإن فيه السحر.

قال : فاستقبلت عليّا عليه السّلام فناولته الكتاب ، ففضّ خاتمه ثم قرأه فقال : تبلغ إلى منازلنا فتصيب من طعامنا و شرابنا ، فنكتب جواب كتابك . فقال : هذا ما لا يكون . فسار خلفه و أحدق به أصحابه .

ثم قال له : أسألك ؟ قال : نعم . قال : و تجيبني ؟ قال : نعم . قال : نشدتك اللّه هل قالت عايشة : التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرجل ؟ فاتي بك ، فقالت لك : ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل ؟ فقلت : كثيرا ما أتمنى على ربّي أنّه و أصحابه في وسطي ، و أنا ضربته ضربة سبق السيف الدم ؟ قال : اللهمّ نعم .

قال : فنشدتك اللّه أقالت لك : اذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ظاعنا كان أو مقيما أما إنّك إن رأيته على بلغة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، متنكبا قوسه ، معلقا كنانته بقربوس سرجه و أصحابه خلفه كأنّهم طير صواف ؟ قال : اللهم نعم .

قال عليه السّلام : فنشدتك اللّه هل قالت لك : إن عرض عليك طعامه و شرابه فلا تناولن منه شيئا فإنّ فيه السحر ؟ قال : اللهمّ نعم . قال : فتبلغ أنت عني ؟ فقال :

اللهمّ نعم ، فاني قد أتيتك و ما في الأرض خلق أبغض إليّ منك ، و أنا الساعة ما في الأرض خلق أحبّ إليّ منك ، فمرني بما شئت .

قال عليه السّلام : ارجع إليها بكتابي هذا ، و قل لها : ما أطعت اللّه حيث أمرك بلزوم بيتك فخرجت ترددين في العسكر .

و قل لهما : ما أنصفتما اللّه و رسوله حيث خلفتم حلائلكم في بيوتكم

٩٢

و أخرجتم حليلة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فجاء بكتابه فطرحه إليها و أبلغها مقالته ، ثم رجع إليه فاصيب بصفّين ، فقالت : ما نبعث إليه بأحد إلاّ أفسده علينا ١ .

قول المصنّف :

« و الرجل يعرف بكليب الجرمي » .

هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ٢ ، و ليس في ( ابن ميثم ) ٣ ، و كيف كان فكليب الجرمي عنونه ( الاستيعاب ) . و روى أنّه قال : خرجت مع أبي إلى جنازة شهدها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أنا غلام أفهم و أعقل ، فقال صلّى اللّه عليه و آله : إنّ اللّه تعالى يحب من العاقل إذا عمل عملا أن يحسن ٤ .

قلت : الأصل في خبره كما روى ( الكافي ) : أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله رأى في قبر عثمان بن مظعون خللا فقال ذلك .

و الرجل و إن كان قال أنا في حال كوني غلاما أفهم و أعقل ، إلاّ أنّه بعد صيرورته شيخا ما كان يعقل ، فتوهم أنّه يجوز له تقليده قومه في أمر الدين كأمر الدّنيا ، حتّى ضرب عليه السّلام له المثل مع أن مثله فطري و لذا بايع صاحباه .

ثم إنّه بعد ما رأى منه عليه السّلام الآيات لم يعرف أنّه لا محل للشرط معه عليه السّلام، كما عرفته من خبر الواقدي .

هذا و ( جرم ) بالفتح و السكون ينصرف إلى جرم قضاعة ، و إن قالوا : إنّ في بجيلة و عامله وطي أيضا جرم .

ــــــــــــ

 ( ١ ) بصائر الدرجات : ٢٦٣ ٢٦٤ .

 ( ٢ ) نهج البلاغة ٢ : ١٠١ ، شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٩٩ .

 ( ٣ ) و العبارة موجودة في شرح ابن ميثم ٣ : ٣٢٦ أيضا .

 ( ٤ ) الاستيعاب بهامش الإصابة ٣ : ٣١٣ .

٩٣

١٠

الخطبة ( ١٥٦ ) و من كلام له عليه السّلام خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم :

فَمَنِ اِسْتَطَاعَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَعْتَقِلَ نَفْسَهُ عَلَى اَللَّهِ فَلْيَفْعَلْ فَإِنْ أَطَعْتُمُونِي فَإِنِّي حَامِلُكُمْ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ عَلَى سَبِيلِ اَلْجَنَّةِ وَ إِنْ كَانَ ذَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَ مَذَاقَةٍ مَرِيرَةٍ وَ أَمَّا فُلاَنَةُ فَأَدْرَكَهَا رَأْيُ اَلنِّسَاءِ وَ ضِغْنٌ غَلاَ فِي صَدْرِهَا كَمِرْجَلِ اَلْقَيْنِ وَ لَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَيْرِي مَا أَتَتْ إِلَيَّ لَمْ تَفْعَلْ وَ لَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا اَلْأُولَى وَ اَلْحِسَابُ عَلَى اَللَّهِ قول المصنّف « و من كلام له عليه السّلام خاطب به » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ١ ، و لكن في ( ابن ميثم ) : ( و من خطبة له عليه السّلام خاطب بها ) ٢ .

« أهل البصرة » بعد فتحها .

« و على جهة اقتصاص الملاحم » جمع الملحمة : الوقعة العظيمة في الفتن ، و يمكن أن يريد عليه السّلام ملاحم عصره من معاوية و أتباعه و ملاحم بعده .

قوله عليه السّلام :

« فمن استطاع عند ذلك » أي : وقوع ملحمة اقتصها عليه السّلام لهم .

« أن يعتقل » أي : يحبس .

« نفسه على اللّه فليفعل » فقد قال تعالى : . . . و من يتق اللّه يجعل له مخرجا ، و يرزقه من حيث لا يحتسب . . . ٣ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهج البلاغة ٢ : ٦٢ ، شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٨٩ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٥٨ .

 ( ٣ ) الطلاق : ٢ ٣ .

٩٤

« فإن أطعمتوني فإنّي حاملكم إن شاء اللّه على سبيل الجنّة » سبيلها : العمل بالحق ، و معلوم من حاله عليه السّلام أيّام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أيّام المتقدمين عليه و أيّامه التزامه بالعمل بالحق و حمل النّاس عليه .

و قد كان أعداؤه معترفين بذلك ، ففي ( الخلفاء ) : قال عمر يوم الشورى له عليه السّلام و إنّك أحرى القوم ، إن وليتها تقيم على الحق المبين و الصراط المستقيم .

و في ( الطبريّ ) : لمّا بلغ عمرو بن العاص و هو بوادي السباع قتل عثمان ،

قال : و إن يل الأمر بعده ابن أبي طالب فلا أراه إلاّ سيستنظف الحقّ ، و هو أكره من يليه إليّ ١ .

« و إن كان » أي : سبيل الجنّة .

« ذا مشقّة شديدة و مذاقة مريرة » أي : مرّة « لأنّ الجنّة حفّت بالمكاره ، كما أنّ النار حفّت بالشهوات » ٢ ، و أمّا من خاف مقام ربّه و نهى النفس عن الهوى . فإنّ الجنّة هي المأوى ٣ .

« و أمّا فلانة » هي بنت فلان الذي قال عليه السّلام فيه : « أما و اللّه لقد تقمصها فلان و إنّه ليعلم أنّ محلي منها محل القطب من الرحى » ٤ .

« فأدركها رأي النساء » و في ( ابن أبي الحديد ) ٥ : ضعف رأي النساء .

في ( الخلفاء ) : أنكر عليّ عليه السّلام على طلحة إخراجه بعائشة ، فقال طلحة : إنّها إنّما جاءت للإصلاح . فقال عليّ عليه السّلام : هي لعمر اللّه إلى من يصلح

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٦٠ ، سنة ٣٦ .

 ( ٢ ) مأخوذ من نهج البلاغة ٢ : ١١٠ ، الخطبة ١٧٦ .

 ( ٣ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

 ( ٤ ) نهج البلاغة ١ : ٢٥ الخطبة ٣ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٩٢ .

٩٥

لها أمرها أحوج ١ .

و في ( جمل المفيد ) : روى الواقدي عن الحسن البصريّ قال : أقبل أبو بكرة يريد أن يدخل مع طلحة و الزبير في أمرهما ، فلمّا رأى أنّ عايشة تدبرهما رجع عنهما فقيل له : مالك لم تدخل ؟ قال : رأيت امرأة تلي أمرهما ، و قد سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قد ذكر ملكة سبأ يقول : « لا أفلح قوم تدبر أمرهم امرأة » فكرهت الدخول معهما ٢ .

و قال ابن أبي الحديد في شرح ( و من كلام له عليه السّلام عند ذكر السائرين إلى البصرة ) : في ( غريب حديث ابن قتيبة ) : في حديث حذيفة ذكر خروج عائشة قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : تقاتل معها مضر مضرها اللّه في النار و أزر عمان سلت اللّه أقدامها ، و إنّ قيسا لا تنفك تبغي دين اللّه شرّا حتى يركبها اللّه بالملائكة فلا يمحو ذنب تلعة .

و هذا الحديث من أعلام نبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، لأنّه إخبار عن غيب تلقاه حذيفة قبل الجمل ، و هذا الحديث يؤكد مذهب أصحابنا في فسق أهل الجمل ، إلاّ من ثبت توبته و هم الثلاثة ٣ .

قلت : لو كان قال بثبوت عدم توبتهم كان أقرب إلى الحقّ و الواقع .

و في ( العقد ) : دخلت امّ أو فى العبدية بعد الجمل على عائشة فقالت : يا امّ المؤمنين ما تقولين في امرأة قتلت ابنا لها صغيرا ؟ قالت : وجبت لها النار .

قالت : فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفا في صعيد واحد . قالت : خذوا بيد عدوّة اللّه . و ماتت عايشة في أيّام معاوية ، و قد قاربت

ــــــــــــ

 ( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٧٥ .

 ( ٢ ) الجمل للمفيد : ٢٩٧ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٢١ ١٢٢ .

٩٦

السبعين و قيل لها تدفنين مع النّبيّ ، فقالت : إنّي أحدثت بعده حدثا فادفنوني مع إخوتي بالبقيع .

و قد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لها : يا حميرا كأنّي بك تنبحك كلاب الحوأب ،

تقاتلين عليّا و أنت له ظالمة .

و الحوأب : قرية في طريق المدينة إلى البصرة ، و بعض النّاس يسمّونها الحوب ، و قد زعموا أنّ الحوأب ماء في طريق البصرة ، قال في ذلك بعض الشيعة :

إنّي ادين بحبّ آل محمّد

و بني الوصيّ شهودهم و الغيّب

و أنا البري‏ء من الزبير و طلحة

و من التي نبحت كلاب الحوأب ١

و في ( فصول المرتضى ) المنتخبة من ( محاسن المفيد ) : مرّ فضّال بن الحسن بن فضّال الكوفي بأبي حنيفة و هو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه و حديثه فقال فضّال لصاحب كان معه : و اللّه لا أبرح أو اخجل أبا حنيفة .

فقال صاحبه : إنّ أبا حنيفة ممّن قد علت حاله و ظهرت حجّته . فقال : مه هل رأيت حجّة كافر علت على مؤمن . ثم دنا منه فسلّم عليه و قال له : إنّ لي أخا يقول خير النّاس بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليّ ، و أنا أقول : أبو بكر ثم عمر ، فما تقول أنت ؟ فأطرق مليا ، ثمّ رفع رأسه و قال : كفى بمكانهما من النّبيّ كرما و فخرا ،

أما علمت انّهما ضجيعاه في قبره ، فأي حجّة أوضح لك من هذا ؟ فقال فضال:

قد قلت ذلك لأخي ، فقال : و اللّه إن كان الموضع للنّبي صلّى اللّه عليه و آله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حقّ ، و إن كان الموضع لهما فوهباه للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله لقد أساءا و ما أحسنا إذ رجعا في هبتهما و نكثا عهدهما فأطرق

ــــــــــــ

 ( ١ ) العقد الفريد ٥ : ٧٩ .

٩٧

أبو حنيفة ساعة . ثم قال : قل له لم يكن لهما و لا له خاصّة ، و لكنّهما نظرا في حق عايشة و حفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما .

فقال له فضال : قد قلت ذلك له ، فقال : أنت تعلم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مات عن تسع حشايا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ، ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر ، فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك ؟ و بعد فما بال عايشة و حفصة ترثان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و فاطمة ابنته عليها السّلام تمنع الميراث ؟ فقال أبو حنيفة:

يا قوم نحّوه فإنّه رافضيّ خبيث ١ .

قلت : و الغريب « أنّ عمر لمّا طعن بعث إلى عايشة يستأذن منها في دفنه مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ٢ ، فلم لم يستأذن ابنته حفصة كما قال أبو حنيفة ؟ لكنّه أراد أن يجرئها و يعرّفها مالكة للبيت ، حتّى تمنع دفن بني هاشم فيه ، كما منعت من دفن الحسن عليه السّلام فيه .

ففي ( مقاتل أبي الفرج ) : قال يحيى بن الحسن : سمعت عليّ بن طاهر بن زيد يقول لمّا أرادوا دفن الحسن بن عليّ عليه السّلام : ركبت عايشة بغلا و استعونت بني اميّة و مروان و من كان هناك منهم و من حشمهم ، و هو قول القائل :

فيوما على بغل و يوما على جمل ٣

و في ( تاريخ اليعقوبي ) : في دفن الحسن عليه السّلام قيل : أنّ عايشة ركبت بغلة شهباء و قالت : بيتي لا آذن فيه لأحد ، فأتاها القاسم بن محمّد بن أبي بكر فقال لها : يا عمّة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر ، أتريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء ٤ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) فصول المرتضى : ٧٤ ، الاحتجاج ٢ : ٣٨٢ .

 ( ٢ ) نقله ابن سعد في الطبقات ٣ : ٣٦٣ .

 ( ٣ ) مقاتل الطالبيين : ٤٩ .

 ( ٤ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٢٥ .

٩٨

و في ( الكافي ) بأسانيد عن أبي جعفر عليه السّلام : لمّا احتضر الحسن عليه السّلام قال لأخيه عليه السّلام : اوصيك بوصيّة فأحفظها ، إذا مت هيئني ثم وجّهني إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأحدث به عهدا ، ثم اصرفني إلى امّي ، ثم ردني فادفنّي بالبقيع،

و اعلم أنّه سيصيبني من الحمراء ما يعلم النّاس من ضغنها و عداوتها للّه و رسوله و عداوتها لنا أهل البيت .

فلمّا قبض الحسن عليه السّلام وضع على سريره ، و انطلقوا به إلى مصلّى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الذي كان يصلّي فيه على الجنائز ، فصلّوا على الحسن عليه السّلام ، ثمّ حمل فلمّا أوقف على قبر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بلغ عايشة الخبر ، و قيل لها : إنّهم أقبلوا به ليدفن مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فخرجت مبادرة على بغل بسرج . فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجا ، فوقفت و قالت : نحّوا ابنكم عن بيتي ، فإنّه لا يدفن فيه و لا يهتك على النّبيّ حجابه . فقال لها الحسين عليه السّلام : قديما هتكت أنت و أبوك حجاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و أدخلت بيته من لا يحبّ قربه و إنّ اللّه يسألك عن ذلك ، يا عائشة إنّ أخي أمرني أن اقرّبه من أبيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليحدث به عهدا ،

و اعلمي أنّ أخي أعلم النّاس باللّه و رسوله ، و أعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على النّبيّ سرّه و إنّ اللّه تعالى يقول :

يا أيّها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلاّ أن يؤذن لكم . . . ١ ، و قد أدخلت أنت بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الرجال بغير إذنه ، و قد قال تعالى : يا أيّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النّبيّ . . . ٢ ، و لعمري لقد ضربت أنت لأبيك و فاروقه عند اذن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله المعاول . و قال تعالى : إنّ الذين يغضون

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأحزاب : ٥٣ .

 ( ٢ ) الحجرات : ٢ .

٩٩

أصواتهم عند رسول اللّه اولئك الذين امتحن اللّه قلوبهم للتقوى . . . ١ و لعمري لقد أدخل أبوك و فاروقه على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقربهما منه الأذى و ما رعيا من حقّه ما أمرهما اللّه به على لسان رسوله ان اللّه حرّم من المؤمنين امواتا ، ما حرّم منهم أحياء . و تاللّه يا عايشة لو كان هذا الذي كرهته من دفن الحسن عليه السّلام عند أبيه جائزا فيما بيننا و بين اللّه تعالى ، لعلمت أنّه سيدفن و إن رغم معطسك .

ثم تكلم محمّد بن الحنفية و قال : يا عايشة يوما على بغل و يوما على جمل ، فما تملكين نفسك عداوة لبني هاشم . . . ٢ .

و في ( أمالي الشيخ ) بأسانيد عن ابن عبّاس في وصية الحسن عليه السّلام و دفنه إلى أن قال قال ابن عبّاس : فإذا أنا بعايشة في أربعين راكبا على بغل مرحل تقدمهم و تأمرهم بالقتال ، فلمّا رأتني قالت : إليّ إليّ يا بن عبّاس ، لقد اجترأتم عليّ في الدّنيا تؤذونني مرّة بعد اخرى ، تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى و لا احبّ . فقلت : و اسوأتاه يوم على بغل و يوم على جمل ، تريدين أن تطفئي نور اللّه و تقاتلي أولياء اللّه ، و تحولي بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بين حبيبه أن يدفن معه ارجعي فقد كفى اللّه المؤونة ، و دفن الحسن إلى جنب امّه ، فلم يزدد من اللّه إلاّ قربا و ما ازددتم منه و اللّه إلاّ بعدا . يا سوأتاه انصرفي فقد رأيت ما سرّك .

فقطبت في وجهي و نادت بأعلى صوتها : ما نسيتم الجمل يا بن عبّاس إنّكم لذووا أحقاد فقلت : أم و اللّه ما نسيه أهل السماء فكيف ينساه أهل الأرض .

فانصرفت و هي تقول :

ــــــــــــ

 ( ١ ) الحجرات : ٣ .

 ( ٢ ) الكافي ١ : ٣٠٢ ٣٠٣ ، الإرشاد ٢ : ١٧ ١٩ ، شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٤٩ .

١٠٠