الخصال

الخصال9%

الخصال مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 653

الخصال المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 711900 / تحميل: 7447
الحجم الحجم الحجم
الخصال

الخصال

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي توحد بالوحدانية، وتفرد بالالهية، وفطر العباد على معرفته وكل الالسن عن صفته، وحجب الابصار عن رؤيته، الذي علا عن صفات المخلوقين وجل عن معاني المحدودين، فلا مثل له في الخلائق أجمعين، ولا إله غيره لجميع العالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مقر بتوحيده، راغب في كرامته، تائب من ذنوبه.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اصطفاه برسالته، وأودعه معالم دينه، وبعثه بكتابه حجة على عباده.

وأشهد أن علي بن أبي طالب وصيه وخير الخلق بعده، والقائم بأمره، و الداعي إلى سبيله، وأنه أميرالمؤمنين، وسيد الوصيين، وأولى الناس بالنبيين، وأن زوجته فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وأن الحسن والحسين والائمة [ التسعة ] من ولده أئمة الهدى، وأعلام التقى، وحجج الله على أهل الدنيا، وأشهد أن من تبعهم نجا، ومن تخلف عنهم هلك، صلوات الله عليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد فإني وجدت مشايخي وأسلافي - رحمة الله عليهم - قد صنفوا في فنون العلم كتبا وأغفلوا عن تصنيف كتاب يشتمل على الاعداد والخصال المحمودة، و المذمومة، ووجدت في تصنيفه نفعا كثيرا لطالب العلم، والراغب في الخير فتقربت إلى الله جل اسمه بتصنيف هذا الكتاب، طالبا لثوابه، وراغبا في الفوز برحمته، وأرجو أن لا يخيبني فيما أملته ورجوته منه بتطوله ومنه، إنه على كل شئ قدير.

١

باب الواحد

قال الشيخ الجليل أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الفقيه مصنف هذا الكتاب أدام الله عزه.

١ - حدثنا أبوالعباس محمد بن إبراهيم بن أسحاق الطالقاني رضي الله تعالى عنه قال: حدثنا محمد بن سعيد بن يحيى البزوري، قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، قال: حدثنا أبي، عن المعافى بن عمران، عن إسرائيل، عن المقدام بن شريح بن هانئ، عن أبيه قال: إن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقال: يا أميرالمؤمنين أتقول: إن الله واحد؟ قال: فحمل الناس عليه، وقالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أميرالمؤمنين من تقسم القلب؟ فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: دعوه فإن الذي يريده الاعرابي هو الذي نريده من القوم، ثم قال: يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام، فوجهان منها لا يجوزان على الله عزّوجلّ ووجهان يثبتان فيه، فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل: « واحد » يقصد به باب الاعداد، فهذا ما لا يجوز لان ما لا ثاني له لا يدخل في باب الاعداد، أما ترى أنه كفر من قال: « إنه ثالث ثلثة ». وقول القائل: « هو واحد من الناس » يريد به النوع من الجنس، فهذا ما لا يجوز لانه تشبيه، وجل ربنا وتعالى عن ذلك. وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل « هو واحد ليس له في الاشياء شبه » كذلك ربنا، وقول القائل: إنه عزّوجلّ أحدي المعنى، يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم كذلك ربنا عزّوجلّ.

ترك خصلة موجودة بخصلة موعودة

٢ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:

٢

طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره(١) .

خصلة من الجور

٣ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بى يحيى العطار، عن محمد بن - عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من الجور قول الراكب للراجل: الطريق.

خصلة من حب الدين

٤ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثني محمد بن أحمد بن علي بن الصلت، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبدالله، عن فضيل ابن يسار، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من حب الرجل دينه حبه إخوانه.

خصلة واحدة بخمس خصال

٥ - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله عزّوجلّ يقول: بجلالي وجمالي وبهائي وعلائي وارتفاعي لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا جعلت غناه في نفسه، وهمه في آخرته، وكففت عنه ضيعته وضمنت السماوات و الارض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر(٢) .

خصلة بخصلة

٦ - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه قال: حدثني أبي، عن عبدالله بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عن إسماعيل بن أبي - زياد السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال

______________

(١) أي لاجل أمر غير حاضر بل غائب عن حس البصر.

(٢) أي كنت له عوضا من تجارة كل تاجر، فان كل تاجر يتجر لمنفعة دنيوية أو أخروية ولما أعرض عن جميع ذلك كنت أنا ربح تجارته، أو كنت له بعد حصول تجارة كل تاجر.

٣

رسول الله صلّى الله عليه وآله من طلب رضى الناس بسخط الله جعل الله حامده من الناس ذاما.

٧ - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن الحسين بن إسحاق التاجر، عن علي بن مهزيار، عن فضالة بن أيوب، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من تمنى شيئا وهو لله عزّوجلّ رضى لم يخرج من الدنيا حتى يعطاه.

خصلة منجية

٨ - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا سعد ابن عبدالله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن النعمان بإسناده يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وآله قال: قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم أطعني فيما أمرتك ولا تعلمني ما يصلحك.

خصلة هي أفضل الدين

٩ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبدالله بن ميمون، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: فضل العلم أحب إلى الله عزّوجلّ من فضل العبادة، وأفضل دينكم الورع.

ما جمع شئ إلى شئ أفضل من خصلة إلى خصلة

١٠ - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار قال: حدثني إبراهيم بن هاشم، قال: حدثني الحسن بن أبي الحسين الفارسي، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما جمع شئ إلى شئ أفضل من حلم إلى علم.

١١ - أخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي(١) قال: حدثنا عبد الوهاب

______________

(١) قال في الامالى ص ٢٦١ أخبرنا سليمان بن أحمد اللخمى فيما كتب إلى من اصبهان. وظاهر « أخبرنا » يفيد الاجازة والكتابة كما أن لفظة « حدثنا » تفيد السماع.

٤

ابن خراجة قال: حدثنا أبوكريب قال: حدثنا علي بن حفص العبسي قال: حدثنا الحسن بن الحسين العلوي، عن أبيه الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد ابن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده ما جمع شئ إلى شئ أفضل من حلم إلى علم.

خصلة فيها شرف الدنيا والاخرة

١٢ - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري قال: حدثني أبوعبدالله الجاموراني(١) عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن سيف بن عميرة، عن منصور بن - حازم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة.

أعلم الناس من جمع خصلة إلى خصلة

١٣ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن إدريس قال: حدثني محمد بن أحمد، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن سيف، عن أخيه الحسين، عن أبيه سيف بن عميرة، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سئل أميرالمؤمنين عليه السلام عن أعلم الناس، قال: من جمع علم الناس إلى علمه.

حقيقة السعادة واحدة وحقيقة الشقاء واحدة

١٤ - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثني عمي محمد بن - أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن وهب بن وهب، عن جعفر ابن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام أنه قال: حقيقة السعادة أن يختم الرجل عمله بالسعادة، وحقيقة الشقاء أن يختم المرء عمله بالشقاء.

يثاب الناس أو يعاقبون بخصلة

١٥ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن -

______________

(١) هو محمد بن أحمد أبوعبدالله الرازي.

٥

أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن محمد بن السندي، عن علي بن الحكم، عن إبراهيم بن مهزم الاسدي، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: إن لسان ابن آدم يشرف كل يوم على جوارحه فيقول: كيف أصبحتم؟ فيقولون: بخير إن تركتنا، ويقولون: الله الله فينا، ويناشدونه، ويقولون: إنما نثاب بك، ونعاقب بك.

خصلة هي أفضل الجهاد

١٦ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثني عبدالله بن جعفر الحميري، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: سئل جعفر بن محمد عليهما السلام عن الحديث الذي جاء عن النبي صلّى الله عليه وآله « إن أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر » ما معناه؟ قال: هذا على أن يأمره بقدر معرفته وهو مع ذلك يقبل منه وإلا فلا.

أشد الاشياء خصلة لا تتقى الا بترك خصلة

١٧ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثني محمد بن أحمد بن علي بن الصلت قال: حدثني أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال الحواريون لعيسى بن مريم: يا معلم الخير أعلمنا أي الاشياء أشد؟ فقال: أشد الاشياء غضب الله عزّوجلّ، قالوا: فبم يتقى غضب الله؟ قال: بأن لا تغضبوا، قالوا: وما بدء الغضب؟ قال: الكبر والتجبر ومحقرة الناس.

شرف المؤمن في خصلة وعزه في خصلة

١٨ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثني علي بن موسى بن جعفر بن - أبي جعفر الكميداني(١) ومحمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه كف الاذى عن الناس.

______________

(١) قال في نخبة المقال نقلا عن « صه » كمنذان بضم الكاف والميم واسكان النون وفتح الذال المعجمة قريه من قرى قم، وفى حواشى نقد الرجال أن المشهور اليوم بالياء التحتانية المثناة والدال. وفى حواشى الوسائل مثله مع اعجام الذال نسبة إلى كميذان محلة انتهى.

٦

١٩ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثني علي بن موسى بن جعفر بن - أبي جعفر الكميداني، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن عبدالله بن جبلة، عن عبدالله ابن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لجبرئيل: عظني فقال: يا محمد عش ما شئت فانك ميت، وأحبب ما شئت فانك مفارقه، واعمل ما شئت فانك ملاقيه، شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه كفه عن أعراض الناس.

٢٠ - حدثنا أبوالحسن محمد بن أحمد بن علي بن أسد الاسدي قال: حدثنا محمد بن جرير، والحسن بن عروة، وعبدالله بن محمد الوهبي قالوا: حدثنا محمد بن - حميد قال: حدثنا زافر بن سليمان قال: حدثنا محمد بن عيينة، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: جاء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلّى الله عليه وآله فقال: يا محمد عش ما شئت فانك ميت، وأحبب ما شئت فانك مفارقه، واعمل ما شئت فانك مجزي به، واعلم أن شرف الرجل قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس.

٢١ - حدثنا أبوالحسن محمد بن أحمد بن علي بن أسد الاسدي قال: حدثنا عمر بن أبي غيلان الثقفي، وعيسى بن سليمان بن عبد الملك القرشي قالا: حدثنا أبوإبراهيم الترجماني قال: حدثنا سعد بن سعيد الجرجاني قال: حدثنا نهشل بن - سعيد، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل.

مفتاح كل شر خصلة

٢٢ - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثني علي بن - الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن يونس بن عبد الرحمن، عن داود بن فرقد قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: الغضب مفتاح كل شر.

خصلة من العدل

٢٣ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد ابن عيسى، عن أبي عبدالله محمد بن خالد البرقي، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن حبيب الخثعمي، عن أبي عبدالله عليه السلام: قال: أحبوا للناس ما تحبون لانفسكم.

٧

خصلة من فعلها رضى بها حكما

٢٤ - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثني عمي محمد بن - أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن الحسن بن محبوب، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من أنصف الناس من نفسه رضي به حكما لغيره.

ادنى حق المؤمن على أخيه خصلة

٢٥ - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر قال: سئل أبوعبدالله عليه السلام: ما أدنى حق المؤمن على أخيه؟ قال: أن لا يستأثر عليه بما هو أحوج إليه منه.

التقرب إلى الله عزّوجلّ بخصلة

٢٦ - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا عبدالله بن - جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن يزيد قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: تقربوا إلى الله تعالى بمواساة إخوانكم.

ما بلا الله العباد بشئ أشد عليهم من خصلة

٢٧ - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثني عمي محمد ابن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد ابن سنان، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن دراج، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ما بلا الله العباد بشئ أشد عليهم من إخراج الدرهم.

ثمرة المعروف خصلة

٢٨ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد ابن خالد البرقي، عن أبيه، عن خلف بن حماد، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: لكل شئ ثمرة، و ثمرة المعروف تعجيل السراج.

٨

خصلة تثبت الايمان في العبد، وخصلة تخرجه منه

٢٩ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد ابن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري قال: حدثني أبوعبدالله الرازي، عن علي ابن سليمان بن رشيد، عن موسى بن سلام، عن أبان بن سويد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت: ما الذي يثبت الايمان في العبد؟ قال: الذي يثبته فيه الورع، والذي يخرجه منه الطمع.

خصلة تذهب ببهاء المؤمن

٣٠ - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثني محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن عبيد الله بن عبدالله الدهقان، عن درست بن أبي منصور الواسطي، عن إبراهيم ابن عبد الحميد، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سرعة المشي تذهب ببهاء المؤمن.

بر ليس فوقه بر، وعقوق ليس فوقه عقوق

٣١ - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن أبي همام - إسماعيل بن همام - عن محمد بن سعيد بن غزوان، عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام أن النبي صلّى الله عليه وآله قال: فوق كل بر بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله عزّوجلّ فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر. وفوق كل عقوق عقوق حتى يقتل الرجل أحد والديه. فإذا قتل أحدهما فليس فوقه عقوق.

مضمون لمن عمل خصلة أن لا يفتقر

٣٢ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد ابن أحمد، عن علي بن إسماعيل، عن محمد بن عمر، عن عبدالله بن أيوب، عن إبراهيم ابن ميمون قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر.

٩

مروءة أهل البيت عليهم السلام خصلة

٣٣ - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن ابن أبي نجران، عن حماد، عن حريز، عن زرارة قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إنا أهل بيت مروءتنا العفو عمن ظلمنا(١) .

خصلة من المروءة

٣٤ - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن إسماعيل بن مهران، عن صالح بن سعيد، عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من المروءة استصلاح المال.

خصلة مكروهة للرجل السرى

٣٥ - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رحمه الله - قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن معاوية بن - وهب قال: رآني أبوعبدالله عليه السلام بالمدينة وأنا أحمل بقلا فقال: إنه يكره للرجل السري(٢) أن يحمل الشئ الدني فيجترئ عليه.

خصلة يحبها الله وخصلة يبغضها عزّوجلّ

٣٦ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن محمد بن - الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير البجلي، عن داود الرقي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن القصد(٣) أمر يحبه الله عزّوجلّ، وإن السرف(٤)

______________

(١) كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وآله مع أهل مكة بعد فتحها لا سيما قريش مع علمه بأنهم يقاتلون أهل بيته بعده ويفعلون بهم ما لا يفعل بالمشركين من الترك والديلم.

(٢) السرى بفتح السين: صاحب المروءة في شرف، أو السخاء في مروءة. والشريف.

(٣) القصد الاستقامة. والحد بين الافراط والتفريط. والاعتدال.

(٤) السرف - بفتح السين والراء - تجاوز الحد، ضد القصد.

١٠

[ أمر ] يبغضه [ الله عزّوجلّ ] حتى طرحك النواة(١) فإنها تصلح لشئ وحتى صبك فضل شرابك.

خصلة من احتملها لم يشكر النعمة

٣٧ - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه - رحمه الله - قال: حدثني عمي محمد بن - أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن علي بن حسان، عمن ذكره، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من احتمل الجفاء لم يشكر النعمة.(٢)

من لم تغضبه خصلة لم يشكر خصلة

٣٨ - حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه، عن أبيه، عن محمد ابن أحمد، عن أحمد بن محمد السياري، عن علي بن أسباط يرفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام قال: من لم تغضبه الجفوة لم يشكر النعمة.

خصلة من التواضع

٣٩ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن - أبي عبدالله البرقي، عن محمد بن علي الكوفي، عن عثمان بن عيسى، عن هارون بن - خارجة، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من التواضع أن تسلم على من لقيت.

خصلة كادت أن تكون كفرا وخصلة كادت أن تغلب القدر

٤٠ - حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام بقم في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة قال: أخبرني علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر بن -

______________

(١) النواة: عجمة التمر. يقال لها بالفارسية: هستهء خرما.

(٢) الجفاء ضد الانس. والمعنى أن من لم يأنس بالناس لسوء خلقه وغلظته لم يشكر نعمة الانسانية. أو المراد بالجفاء الظلم والتعدى. فالمعنى أن من احتمل الظلم ولم يدفعه عن نفسه وأهله مع القدرة على دفعه فهو لم يشكر نعمة القوة الغضبية التى أعطاها الله تعالى لدفع المكروه.

١١

محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: كاد الفقر أن يكون كفرا، وكاد الحسد أن يغلب القدر.

خصلة أهلكت القرون الاولى

٤١ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد ابن عيسى، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبي الحسن الحذاء قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول لابي العباس البقباق: ما منعك من الحج؟ قال: كفالة كفلت بها، قال: مالك والكفالات، أما علمت أن الكفالة هي التي أهلكت القرون الاولى.

كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله عزّوجلّ الا خصلة

فانها لا يكفرها الا احدى ثلاث خصال

٤٢ - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن الحسن بن محبوب، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله عزّوجلّ إلا الدين [ فانه ] لا كفارة له إلا أداءه، أو يقضى صاحبه(١) أو يعفو الذي له الحق.

ان الله تبارك وتعالى أهدى إلى محمد صلّى الله عليه وآله والى امته

هدية لم يهدها إلى أحد من الامم

٤٣ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالى أهدى إلي وإلى أمتي هدية لم يهدها إلى أحد من الامم، كرامة من الله لنا، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: الافطار في في السفر، والتقصير في الصلاة، فمن لم يفعل ذلك فقد رد على الله عزّوجلّ هديته.

______________

(١) أي يقضى عنه غيره.

١٢

من أحب أن يكثر خير بيته فليفعل خصلة عند حضور طعامه

٤٤ - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمه محمد بن أبي القاسم عن محمد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: من سره أن يكثر خير بيته فليتوضأ عند حضور طعامه.

ان الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا نظر إليه فإذا نظر

إليه أتحفه من ثلاثة بواحدة

٤٥ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثني أحمد بن إدريس، عن محمد بن - أحمد، عن علي بن السندي، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أحب الله عبدا نظر إليه فإذا نظر إليه، أتحفه من ثلاثة بواحدة: إما صداع، وإما حمى، وإما رمد.

القيامة عرس المتقين

٤٦ - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن علي بن محمد القاشاني، عمن ذكره، عن عبدالله بن - القاسم الجعفري، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: القيامة عرس المتقين.

خصلة من أجلها لا يحب الموت

٤٧ - حدثنا جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبدالله بن المغيرة الكوفي قال: حدثني جدي الحسن بن علي، عن جده عبدالله بن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال: أتى النبي صلّى الله عليه وآله رجل فقال له: مالي لا احب الموت؟ فقال له: ألك مال؟ قال: نعم، قال: فقدمته؟ قال: لا، قال: فمن ثم لا تحب الموت.

١٣

خصلة تشبه ضدها

٤٨ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لم يخلق الله عزّوجلّ يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت.

شرار الناس الذين يكرمون مخافة خصلة فيهم

٤٩ - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رحمه الله - قال: حدثنا محمد بن - الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن علي عن عبدالله(١) قال: حدثني الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام، عن النبي صلّى الله عليه وآله أنه قال: ألا إن شرار أمتي(٢) الذين يكرمون مخافة شرهم ألا ومن أكرمه الناس اتقاء شره فليس مني.

خصلة هي الزهد في الدنيا وخصلة هي شكر كل نعمة

٥٠ - حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، عن أبيه، عن محمد بن - أحمد، عن أحمد بن محمد، عن بعض النوفليين، ومحمد بن سنان رفعه إلى أميرالمؤمنين عليه السلام قال: كونوا على قبول العمل أشد عناية منكم على العمل. الزهد في الدنيا قصر الامل. وشكر كل نعمة الورع عما حرم الله عزّوجلّ. من أسخط بدنه أرضى ربه، ومن لم يسخط بدنه عصى ربه.

ما شئ أحق بطول السجن من اللسان

٥١ - حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد العلوي رضي الله عنه قال: أخبرني علي بن - إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن عيسى، عن زياد بن مروان القندي، عن أبي وكيع،

______________

(١) كذا. والظاهر الحسن بن على بن عبدالله. وهو الحسن بن على الكوفى الراوى عن الحسين بن يزيد النوفلي. (٢) في بعض النسخ « شرار أهلى ».

١٤

عن أبي إسحاق، عن الحارث قال: سمعت أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: ما من شئ أحق بطول السجن من اللسان.

من أطال أمله ساء عمله

٥٢ - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن أبي همام - إسماعيل بن همام - عن محمد بن سعيد بن غزوان، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: من: أطال أمله ساء عمله.

لا يزال الرجل المسلم يكتب محسنا مادام ساكتا

٥٣ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن موسى بن عمر، عن علي بن الحسين بن رباط، عن بعض رجاله، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لا يزال العبد المؤمن يكتب محسنا مادام ساكتا، فإذا تكلم كتب محسنا أو مسيئا.

خصلة من فعلها آمنه الله عزّوجلّ من فزع يوم القيامة

٥٤ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن - أحمد، عن حمزة بن يعلى يرفعه بإسناده قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من مقت نفسه دون مقت الناس(١) آمنه الله من فزع يوم القيامة.

رأس العقل خصلة

٥٥ - أخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي قال: حدثنا عبد الوهاب بن - خراجة، قال: حدثنا أبوكريب قال: حدثنا علي بن حفص العبسي قال: حدثنا الحسن بن الحسين العلوي، عن أبيه الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن - علي، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: رأس العقل بعد الايمان بالله عزّوجلّ التحبب إلى الناس.

______________

(١) أي من نظر إلى عيوب نفسه فأبغضها من غير أن ينظر إلى عيوب الناس.

١٥

أورع الناس، وأعبد الناس، وازهد الناس، وأشد الناس اجتهادا

٥٦ - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن العباس بن معروف، عن أبي شعيب يرفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام قال: أورع الناس من وقف عند الشبهة، أعبد الناس من أقام الفرائض، أزهد الناس من ترك الحرام، أشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب.

كفى بالندم توبة

٥٧ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن - يزيد، عن ابن أبي عمير، عن علي الجهضمي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كفى بالندم توبة.

من أصاب من الدنيا فوق قوته

٥٨ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن - يزيد، عن ابن محبوب، عن علي بن الحسين بن رباط، رفعه قال: شكى رجل إلى أميرالمؤمنين عليه السلام الحاجة فقال له: اعلم أن كل شئ تصيبه من الدنيا فوق قوتك فإنما أنت فيه خازن لغيرك.

الوصية بخصلة

٥٩ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثني علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن إسماعيل بن مهران، عن درست بن أبي منصور عن عيسى بن بشير، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما حضرت علي بن الحسين عليهما السلام الوفاة ضمني إلى صدره ثم قال: يا بني اوصيك بما أوصاني به أبي عليه السلام حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله.

١٦

خصلة نافية وخصلة مثبتة

٦٠ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثني أبوسعيد الادمي قال: حدثنا الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن محمد بن سنان، عن حذيفة بن منصور قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن قوما من قريش قلت مدارأتهم للناس فنفوا من قريش(١) وأيم الله ما كان بأحسابهم بأس. وإن قوما من غيرهم حسنت مدارأتهم فالحقوا بالبيت الرفيع. قال: ثم قال: من كف يده عن الناس فإنما يكف عنهم يدا واحدة ويكفون عنه أيادي كثيرة.

خصلة ثقلت على أهل الدنيا وخصلة خفت عليهم

٦١ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد ابن عيسى، عن الحجال، عن علاء، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام(٢) يقول: إن الخير ثقل على أهل الدنيا على قدر ثقله في موازينهم يوم القيامة وإن الشر خف على أهل الدنيا على قدر خفته في موازينهم يوم القيامة(٣) .

______________

(١) يعنى من أهل البيت عليهم السلام.

(٢) في بعض النسخ « سمعت أبا عبدالله عليه السلام ».

(٣) ميزان كل شئ بحسبه وهو المعيار الذى يعرف به قدر ذلك الشئ ولا يكون الا من جنسه ومما يناسبه على اختلاف أجناس الموزونات كذى الكفتين والقبان وما يجرى مجراها للاجرام والاثقال، والاسطرلاب للمواقيت والارتفاعات، والفرجار للدوائر، والقسى والشاقول للاعمدة، والمسطر للخطوط، والطراز للسطوح، والعروض للشعر، والمنطق للفلسفة، والحس والعقل للكل، فميزان يوم القيامة هو ما يوزن به العقائد والاعمال فيعرف قدرها، مثلا كلمة « لا اله الا الله » ميزان الايمان والكفر والمائزة بين أهل الجنة والنار. وميزان الاعمال الصلاة كما ورد « الصلاة ميزان » والانبياء والاولياء هم الموازين القسط فالقبول الراجح من الاعمال ما وافق أعمالهم والمرضى من الاخلاق والاقوال ما طابق أخلاقهم وأقوالهم، والحق من العقائد ما اقتبس من مشكاتهم والمردود منها ما خالف ذلك (راجع مفصل شرح الميزان كتاب علم اليقين للمحدث القاشانى رحمه الله ص ٢٠٨).

١٧

لا حسب الا بخصلة، ولا كرم الا بخصلة، ولا عمل

الا بخصلة، ولا عبادة الا بخصلة

٦٢ - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا عبدالله بن - جعفر الحميري قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: لا حسب لقرشي ولا لعربي إلا بتواضع، ولا كرم إلا بتقوى، ولا عمل إلا بنية، ألا وإن أبغض الناس إلى الله عزّوجلّ من يقتدي بسنة إمام ولا يقتدي بأعماله.

خصلة تنفع في أربعة أشياء

٦٣ - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رحمه الله - قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن حماد ابن عثمان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: الكحل ينبت الشعر، ويجفف الدمعة، ويعذب الريق، ويجلو البصر.

إذا أحب الله عزّوجلّ عبدا ابتلاه بعظيم البلاء

٦٤ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثني سهل بن زياد الآدمي قال: حدثنا الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن محمد بن - سنان، عن زيد أبي اسامة الشحام، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إن عظيم البلاء يكافى به عظيم الجزاء، وإذا أحب الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء فمن رضي فله الرضا عند الله عزّوجلّ، ومن سخط البلاء فله السخط.

خصلة تورث الباسور(١)

٦٥ - حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثني أبوسعيد الآدمي قال: حدثني الحسن بن الحسين اللؤلؤي،

______________

(١) في بعض النسخ « تورث الناسور ».

١٨

عن محمد بن سعيد بن غزوان، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبدالله جعفر بن - محمد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: طول الجلوس على الخلاء يورث الباسور.(١)

ما طهرت كف فيها خاتم من حديد

٦٦ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا محمد بن - الحسين بن أبي الخطاب، عن صفوان بن يحيى، عن السري بن خالد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما طهرت كف فيها خاتم من حديد.

من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه

٦٧ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن إبراهيم بن - هاشم، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبدالله، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه، وقال عليه السلام: لا تدع إلى طعامك أحدا حتى يسلم.

خصلة من فعلها أو فعلت له برئ من دين محمد صلّى الله عليه وآله

٦٨ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن - يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من تكهن أو تكهن له(٢) فقد برئ من دين محمد صلّى الله عليه وآله. قلت:

______________

(١) الباسور علة معروفة والجمع بواسير وفى بعض النسخ « الناسور » بالسين والصاد جميعا قرحة لها غور يسيل منها القيح والصديد دائما وقلما يندمل. فارسيه ريش روان قد يحدث في ماق العين وقد يحدث في حوالى المقعد.

(٢) كهن له كمنع ونصر وكرم كهانة - بالفتح - وتكهن تكهينا وتكهنا: قضى له بالغيب فهو كاهن.

١٩

فالقافة(١) قال: ما احب أن تأتيهم، وقل ما يقولون(٢) شيئا إلا كان قريبا مما يقولون، وقال: القيافة فضلة من النبوة ذهبت في الناس.

ما بقى من أمثال الانبياء الا كلمة

٦٩ - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن أسباط، عن الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال: ما بقي من أمثال الانبياء إلا كلمة: إذا لم تستحي فاعمل ما شئت. وقال: أما انها في بني امية.

إذا أراد الله تبارك وتعالى بعبد خيرا عجل عقوبته في الدنيا وإذا

أراد به سوءا أخر عقوبته

٧٠ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن السري بن خالد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إذا أراد الله بعبد خيرا عجل عقوبته في الدنيا، وإذا أراد الله بعبد سوءا أمسك عليه ذنوبه حتى يوافي بها يوم القيامة.

الصبر على أعداء النعم

٧١ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثني يعقوب ابن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن معاوية بن وهب، عن معاذ بن مسلم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: اصبر على أعداء النعم، فإنك لن تكافي من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه.

______________

(١) القائف من يعرف الاثار، الجمع قافة. وقاف أثره: تبعه كقفاه وأقفاه. وفى بعض النسخ « فالقيافة » وهى تتبع الاثر.

(٢) في بعض النسخ « وقيل ما تقولون » فيحتمل أن يكون لفظ قيل من كلام الامام عليه السلام أو كلام الصدوق (ره) والمعنى: أنتم تقولون أيضا قريبا مما يقولون مثل أن تقولوا فلان يشبه أباه كما يقولون هذا أيضا.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) )

التّفسير

خلق الإنسان :

بعد ذكر خلق نماذج من مخلوقات الله في الآيات السابقة ، تأتي هذه الآيات لتبيّن أن الهدف الأساسي من إيجاد كل الخليقة إنّما هو خلق الإنسان. وتتطرق الآيات إلى جزئيات عديدة في شأن الخلق ، زاخرة بالمعاني.

وقبل الدخول في بحوث مفصلة حول بعض المسائل التي ذكرت في الآيات المباركات نشرع بتفسير إجمالى

يقول تعالى في البداية :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) ، «الصلصال» هو التراب اليابس الذي لو اصطدم به شيء أحدث صوتا و «الحمأ المسنون» هو طين متعفن.

( وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ) .

«السّموم» لغة : الهواء الحارق ، وسمّي بالسموم لأنّه يخترق جميع مسامات بدن الإنسان ، وكذلك يطلق على المادة القاتلة (السم) لأنّها تنفذ في بدن الإنسان وتقتله.

ثمّ يعود القرآن الكريم إلى خلق الإنسان مرّة أخرى فيتعرض إلى كلام الله تعالى مع الملائكة قبل خلق الإنسان :( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) وهي روح شريفة طاهرة جليلة( فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ) .

وبعد أن تمّ خلق الإنسان من الجسم والروح المناسبين( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ) .

٦١

ولم يعص هذا الأمر إلّا إبليس :( إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ) .

وهنا سأل الله إبليس :( قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ) .

فأجاب إبليس بعد أن كان غارقا في بحر الغرور المظلم ، وتائها في حب النفس المقتم، وبعد أن غطى حجاب الخسران عقله أجاب بوقاحة( قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) فأين النّار المضيئة من التراب الأسود المتعفن! وهل لموجود شريف مثلي أن يتواضع ويخضع لموجود أدنى منه! أيّ قانون هذا؟!

ونتيجة للغرور وحب النفس ، فقد جهل أسرار الخليقة ، ونسي بركات التراب الذي هو منبع كل خير وبركة ، والأهم من ذلك كله فقد تجاهل شرافة تلك الروح التي أودعها الرّب في آدم وكنتيجة طبيعية لهذا السلوك المنحرف فقد هوى من ذلك المقام المرموق بعد أن أصبح غير لائق لأن يكون في درجة الملائكة وبين صفوفهم ، فجاء الأمر الإلهي مقرعا :( قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ) ، أي أخرج من الجنّة ، أو من السماوات أو اخرج من بين صفوف الملائكة.

واعلم يا إبليس بأنّ غرورك أصبح سببا لكفرك ، وكفرك قد أوجب طردك الأبدي( وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ ) أي ، إلى يوم القيامة.

وهنا حينما وجد إبليس نفسه مطرودا من الساحة الإلهية ، ساوره إحساس بأنّ خلق الإنسان هو سبب شقائه فاشتعلت نار الحقد والضغينة في قلبه لينتقم لنفسه من أولاد آدمعليه‌السلام .

فبالرغم من أنّ السبب الحقيقي يرجع إلى إبليس نفسه وليس لآدم دخل في ذلك ، إلّا أن غروره وحبّه لنفسه وعناده المستحكم لم يعطياه الفرصة لدرك حقيقة شقاءه ، ولهذا( قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ، ليركز عناده وعداءه!

وقبل الله تعالى طلبه :( قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ) .

ولكن ليس إلى يوم يبعثون كما أراد ، بل( إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) . فما هو

٦٢

يوم الوقت المعلوم؟

قال بعض المفسّرين : هو نهاية هذا العالم وانتهاء التكليف ، لأنّ بعد ذلك (كما يفهم من ظاهر الآيات القرآنية) تحلّ نهاية حياة جميع الكائنات ، ولا يبقى حي إلّا الذات الإلهية المقدسة ، ومن هذا نفهم حصول الموافقة على بعض طلب إبليس.

وقال بعض آخر : هو زمان معين لا يعلمه إلّا الله ، لأنّه لو أظهرهعزوجل لكان لإبليس ذريعة في المزيد من التمرد والمعاصي.

وثمة من قال : إنّه يوم القيامة ، لأنّ إبليس أراد أن يكون حيا إلى ذلك اليوم ليكون بذلك من الخالدين في الحياة ، وإن يوم الوقت المعلوم قد ورد بمعنى يوم القيامة في سورة الواقعة (الآية) ، وهو ما يعزز هذا القول.

ويبدو أن هذا الاحتمال بعيد جدا لأنه يتضمن الموافقة الإلهية على كل طلب إبليس، والحال أن ظاهر الآيات المذكورة لا تعطي هذا المعنى ، فلم تبيّن الآيات أن الله استجاب لطلبه بالكامل ، بل يوم الوقت المعلوم ومن هنا يكون التّفسير الأوّل أكثر توافقا مع روح وظاهر الآية ، وكذلك ينسجم مع بعض الرّوايات عن الإمام الصّادقعليه‌السلام بهذا الخصوص(1) .

وهنا أظهر إبليس نيته الباطنية( قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي ) وكان هذا الإنسان سببا لشقائي( لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ) نعمها المادية( وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) بإلهائهم بتلك النعم.

إلّا أنّه يعلم جيدا بأن وساوسه سوف لن تؤثر في قلوب عباد الله المخلصين ، وأنّهم متحصنون من الوقوع في شباكه ، لأنّ قوة الإيمان ودرجة الإخلاص عندهم بمكان يكفي لدرء الخطر عنهم بتحطيم قيود الشيطان عن أنفسهم ولهذا نراه قد استثنى في طلبه( إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) .

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 3 ، ص 13 ، الحديث 45.

٦٣

من البديهي أنّ الله سبحانه منزّه عن تضليل خلقه ، إلّا أنّ محاولة إبليس لتبرير ضلاله وتبرئة نفسه جعلته ينسب ذلك إلى الله سبحانه وتعالى. هذا الموقف هو ديدن جميع الأبالسة والشياطين ، فهم يلقون تبعة ذنوبهم على الآخرين أوّلا ومن ثمّ يسعون لتبرير أعمالهم القبيحة بمنطق مغلوط ثانيا ، والمصيبة أن مواقفهم تلك إنّما يواجهون بها ربّ العزة والجبروت ، وكأنّهم لا يعلمون أنّه لا تخفى عليه خافية.

وينبغي ملاحظة أن «المخلصين» جمع مخلص (بفتح اللام) وهو ـ كما بيّناه في تفسير سورة يوسف ـ المؤمن الذي وصل إلى مرحلة عالية من الإيمان والعمل بعد تعلم وتربية ومجاهدة مع النفس ، فيكون ممتنعا من نفوذ وساوس الشيطان وأيّ وسواس آخر.

ثمّ قال تعالى تحقيرا للشيطان وتقوية لقلوب العباد المؤمنين السالكين درب التوحيد الخالص :( قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) .

يعني ، يا إبليس ليس لك القدرة على إضلال الناس ، لكن الذين يتبعونك إن هم إلّا المنحرفين عن الصراط المستقيم والمستجيبين لدواعي رغباتهم وميولهم.

وبعبارة أخرى إنّ الإنسان حر الإرادة ، وإنّ إبليس وجنوده لا يقوون على أن يجبروا إنسانا واحدا على السير في طريق الفساد والضلال ، لكنّه الإنسان هو الذي يلبي دعوتهم ويفتح قلبه أمامهم ويأذن لهم في الدخول فيه!

وخلاصة القول : إنّ الوساوس الشيطانية وإن كانت لا تخلو من أثر في تضليل وانحراف الإنسان ، إلّا أنّ القرار الفعلي للانصياع للوساوس أو رفضها يرجع بالكامل إلى الإنسان ، ولا يستطيع الشيطان وجنوده مهما بلغوا من مكر أن يدخلوا قلب إنسان صاحب إرادة موجهة صوب الإيمان المخلص.

وأراد الله سبحانه بهذا القول نزع الخيال الباطل والغرور الساذج من فكر

٦٤

الشيطان من أنّه سيجد سلطة فائقة على الناس وبلا منازع ، يمكنه من خلالها إغواء من يريد.

ثمّ يهدد الله بشدّة أتباع الشيطان :( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ) وأن ليس هناك وسيلة للفرار ، والكل سيحاسب في مكان واحد.

( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) .

هي أبواب للذنوب التي يدخلون جهنم بسببها ، وكل يحاسب بذنبه كما هو الحال في أبواب الجنّة التي هي عبارة عن طاعات وأعمال صالحة ومجاهدة للنفس يدخل بها المؤمنون الجنّة.

* * *

بحوث

1 ـ التكبر والغرور من المهالك العظام :

المستفاد تربويا من قصة إبليس في القرآن هو أن الكبر والغرور من الأسباب الخطيرة في عملية الانهيار والسقوط من المكانة المحترمة الوسيط المرموقة إلى مدارك الدون والخسران.

فكما هو معلوم أنّ إبليس لم يكن من الملائكة (كما تشير إلى ذلك الآية الخمسون من سورة الكهف) إلّا أنّه ارتقى الدرجات العلا ونال شرف العيش بين صفوف الملائكة نتيجة لطاعته السابقة للهعزوجل ، حتى أنّ البعض قال عنه : إنّه كان معلما للملائكة ، ويستفاد من الخطبة القاصعة في (نهج البلاغة) أنّه عبد اللهعزوجل آلاف السنين.

لكن شراك التعصب الأعمى وعبادة هوى النفس المهلك قد أدّيا الى خسرانه كل ذلك في لحظة تكبر وغرور.

بل إنّ حب الذات والغرور والتعصب والتكبر قد جعلته يستمر في موقفه

٦٥

المريض ويوغل قدمه في وحل الإصرار على الإثمّ والسير المتخبط في جادة العناد ، فنسي أو تناسى ما للتوبة والاستغفار من أثر إيجابي ، حتى دعته الحال لأن يشارك كل الظلمة والمذنبين من بني آدم في جرائمهم وذنوبهم بوسوسته لهم وبات عليه أن يتحمل نصيبه من عذاب الجميع يوم الفزع الأكبر.

وليس إبليس فحسب ، بل إنّ التأريخ يحدثنا عن أصحاب النفوس المريضة ممن ركبهم الغرور والكبر فعاثوا في الأرض فسادا بعد أن غطت العصبية رؤاهم ، وحجب الجهل بصيرتهم، وسلكوا طريق الظلم والاستبداد وسادوا على الرقاب بكل جنون فهبطوا إلى أدنى درجات الرذيلة والانحراف عن الطريق القويم.

إنّ هاتين السمتين الأخلاقيتين (التكبر والغرور) في الواقع نار رهيبة محرقة. فكما أن من صرف وطرأ من عمره في بناء وتأنيث دار ، لربّما في لحظات معدودات يتحول إلى هباء منثور بسبب شرارة صغيرة فالتكبر والغرور يفعل فعل النّار في الحطب ولا تنفع معه تلك السنين المعمورة بالطاعة والبناء.

فأيّ درس أنطق من قصة إبليس وأبلغ؟!

إنّ إبليس قد اختلطت عليه معاني الأشياء فراح يضع المعاني حسب تصوراته الخادعة المحدودة ولم يدرك أن النّار ليست أفضل وأشرف من التراب ، والتراب مصدر جميع البركات كالنباتات والحيوانات والمعادن وهو محل حفظ المياه ، وبعبارة اشمل هو منبع وأصل كل الكائنات الحية ، وما عمل النّار إلّا الإحراق وكثيرا ما تكون مخربة ومهلكة.

ويصف أمير المؤمنينعليه‌السلام إبليس بأنّه «عدو لله ، إمام المتعصبين وسلف المستكبرين» ثمّ يقول : «ألا ترون كيف صغّره الله بتكبره ووضعه بترفعه ، فجعله في الدنيا مدحورا وأعد له في الآخرة سعيرا»(1) .

__________________

(1) نهج البلاغة ، من الخطبة 192.

٦٦

وكما أشرنا سابقا أنّ إبليس كان أوّل من وضع أسس مذهب الجبر الذي ينكره وجدان أي إنسان. حيث أنّ الدافع المهم لأصحاب هذا المذهب تبرئة ساحة المذنبين من أعمالهم المخالفة لشرع الله ، وكما قرأنا في الآيات مورد البحث من أنّ إبليس تذرع بتلك الكذبة الكبيرة لأجل تبرئة نفسه ، وأنّه على حق في إضلاله لبني آدم حين قال :( رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) .

2 ـ على من يتسلط الشيطان؟

نرى من الضروري أن نكرر القول بأنّ نفوذ الوساوس الشيطانية في قلب الإنسان لا تأتي فجأة أو إجبارا ، وإنما بوجود الرغبة الكافية عند الإنسان بفسح المجال أمام دخول الوساوس إلى دواخله ، وعلى هذا فالشيطان يعلم تماما بأن ليس له سبيل على المخلصين الذين طهّروا أنفسهم في ظل التربية الخالصة من الشوائب والأدران وغسلوا قلوبهم من صدأ الشرك والضلال. وبتعبير القرآن الكريم إنّ رابطة الشيطان مع الضالين هي رابطة التابع والمتبوع وليس رابطة المجبر والمجبور.

3 ـ أبواب جهنم!

قرأنا في الآيات مورد البحث أن لجهنم سبعة أبواب (وليس بعيدا أن يكون ذكر العدد في هذا المورد للكثرة كما ورد هذا العدد في الآية السابعة والعشرين من سورة لقمان بهذا المعنى أيضا).

ومن الواضح أنّ تعدد أبواب جهنم (كما هو تعدد أبواب الجنّة) لم يكن لتسهيل أمر دخول الواردين نتيجة لكثرتهم ، بل هي إشارة إلى الأسباب والعوامل المتعددة التي تؤدي لدخول الناس في جهنم ، وأنّ لكل من هذه الذنوب باب معين

٦٧

يؤدي إلى مدركه.

ففي نهج البلاغة : «إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه»(1) ، وفي الحديث المعروف : «إن السيوف مقاليد الجنّة» فهذه التعبيرات تبيّن لنا بوضوح ما المقصود من تعدد أبواب الجنّة والنّار.

وثمة نكتة لطيفة في ما روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام : «إنّ للجنة ثمانية أبواب»(2) ،في حين أن الآيات تذكر أن لجهنم سبعة أبواب ، وهذا الاختلاف في العددين إشارة إلى أنّه مع كثرة أبواب العذاب والهلاك إلّا أن أبواب الوصول إلى السعادة والنعيم أكثر ، (وقد تحدثنا عن ذلك في تفسير الآية الثّالثة والعشرين من سورة الرعد).

4 ـ (الحمأ المسنون) و (روح الله) :

يستفاد من الآيات أن خلق الإنسان تمّ بشيئين متغايرين ، أحدهما في أعلى درجات الشرف والآخر في أدنى الدرجات (بقياس ظاهر القيمة).

فالطين المتعفن خلق منه الجانب المادي منه الإنسان ، في حين جانبه الروحي والمعنوي خلق بشيء سمي (روح الله).

وبديهي أنّ الله سبحانه منزّه عن الجسيمة وليس له روح ، وإنّما أضيف الروح إلى لفظ الجلالة لإضفاء التشريف عليها وللدلالة على أنّها روح ذات شأن جليل قد أودعت في بدن الإنسان ، بالضبط كما تسمّى الكعبة (بيت الله) لجلالة قدرها ، وشهر رمضان المبارك (شهر الله) لبركته.

ولهذا السبب نرى أن الخط التصاعدي الإنسان يتساهى في العلو حتى يصل الى أن لا يرى سوى اللهعزوجل ، وخط تسافله من الانحطاط حتى يركد في

__________________

(1) نهج البلاغة ، الخطبة 27.

(2) الخصال للشيخ الصدوق ـ باب الثمانية.

٦٨

أدنى مرتبة من الحيوانات( بَلْ هُمْ أَضَلُ ) وهذا البون الشاسع بين الخطين التصاعدي والتنازلي بحد ذاته دليل على الأهمية الاستثنائية لهذا المخلوق.

إنّ شرف مقام الإنسان وتكريمه يأتي من خلال هذا التركيب الخاص ، ولكن ليس بفضل جنبته المادية لأنّه ليس سوى (حمأ مسنون) وإنّما بفضل الروح الإلهية المودعة فيه ، بما تحمل من استعدادات ولياقة لأن تكون منعكسا للأنوار الإلهية ، تلك الأنوار التي استمد منها الإنسان شرف قدره ومقامه ولا سبيل لتكامل الإنسان إلّا ببنائه الروحي ووضع بعده المادي في خدمة طريق التكامل والوصول لساحة رضوانه جل شأنه.

والمستفاد من الآيات المتعلقة بخلق آدم في أوائل سورة البقرة أنّ مسألة سجود الملائكة لآدم ، كان لما أودع فيه من العلم الإلهي الخاص.

وقد أجبنا على سؤال : كيف يصحّ السجود لغير الله؟ وهل أنّ سجود الملائكة كان في حقيقة للهعزوجل لأجل هذا الخلق العجيب؟ أم كان لآدم؟ في تفسير الآيات المتعلقة بخلق آدم سورة البقرة.

5 ـ ما هو الجان؟

إنّ كلمة (الجن) في الأصل بمعنى : الشيء الذي يستر عن حس الإنسان ، فمثلا نقول (جنّه الليل) أو (فلما جنّ عليه الليل) أي عند ما غطته ستارة الليل السوداء ، ويقال (مجنون) لمن فقد عقله أي ستر ، و (الجنين) للطفل المستور في رحم أمّه ، و (الجنّة) للبستان الذي تغطي أشجاره أرضه ، و (الجنان) للقلب الذي ستر داخل صدر الإنسان، و (الجنّه) للدرع الذي يحمي الإنسان من ضربات الأعداد.

والمستفاد من آيات القرآن أن «الجنّ» نوع من الموجودات العاقلة قد سترت عن حس الإنسان ، وخلقت من النّار ، أو من مارج من نار ، أي من صافي

٦٩

شعلتها ، وإبليس من هذا الصنف.

وقد عبّر بعض العلماء عن الجن بأنّها : نوع من الأرواح العاقلة المجردة من المادة (وواضح أن تجردها ليس كاملا ، فما يخلق من المادة فهو مادي ، ولكن يمكن أن يكون نصف تجرد لأنه لا يدرك بحواسنا ، وبتعبير آخر : إنّه نوع من الجسم اللطيف).

ويستفاد من الآيات القرآنية أيضا أنّ الجن فيهم المؤمن المطيع والكافر العاصي ، وأنّهم مكلفون شرعا ، ومسئولون.

ومن الطبيعي أنّ شرح هذه الأمور ومسألة انسجامها مع العلم الحديث يتطلب منا بحثا مطولا ، وسنتناوله إن شاء الله في تفسير سورة الجن.

وممّا ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد أنّ كلمة «الجان» الواردة في الآيات مورد البحث هي من مادة (الجن) ولكن هل ترمزان إلى معنى واحد؟ فقد ذهب بعض المفسّرين إلى أن الجان نوع خاص من الجن ، ولكننا لا نرى ذلك.

فلو جمعنا الآيات القرآنية الواردة بهذا الشأن مع بعضها البعض لا تضح أن كلا المعنيين واحد ، لأن الآيات القرآنية وضعت «الجن» في قبال الإنسان تارة ، ووضعت «الجان» تارة أخرى.

فمثلا نقرأ في الآية (88) من سورة الإسراء( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ ) .

وفي بعض الآية (56) من سورة الذاريات( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) .

في حين نقرأ في الآية (15) من سورة الرحمن( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ ) .

وفي الآية (39) من نفس السورة( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ ) .

فمن مجموع الآيات أعلاه والآيات القرآنية الأخرى يستفاد بوضوح أن الجنّ والجان لفظان لمعنى واحد ، ولهذا وردت في الآيات السابقة كلمة «الجن»

٧٠

في مقابل الإنسان ، وكذا الحال بالنسبة «للجان».

وينبغي التنويه إلى أن القرآن الكريم قد ذكر «الجان» ويريد به نوعا من الأفاعي كما جاء في قصة موسىعليه‌السلام ( كَأَنَّها جَانٌ ) في سورة القصص ـ 31 ، إلّا أنّ ذلك خارج نطاق بحثنا.

6 ـ القرآن وخلق الإنسان :

شاهدنا في الآيات الأنفة أن القرآن قد تناول مسألة خلق الإنسان بشكل مختصر ومكثف تقريبا ، لأنّ الهدف الأساسي من التناول هو الجانب التربوي في الخلق ، وورد نظير ذلك في أماكن أخرى من القرآن ، كما في سورة السجدة ، والمؤمنون ، وسورة ص ، وغيرها.

وبما أنّ القرآن الكريم ليس كتابا للعلوم الطبيعية بقدر ما هو كتاب حياة الإنسان يرسم له فيه أساليب التربية وأسس التكامل. فلا ينتظره منه أن يتناول جزئيات هذه العلوم من قبيل تفاصيل : النمو ، التشريح ، علم الأجنّة ، علم النبات وما شابه ذلك ، إلّا أنّه لا يمنع من أن يتطرق بإشارات مختصرة إلى قسم من هذه العلوم بما يتناسب مع البحث التربوي المراد طرحه.

بعد هذه المقدمة نشرع بالموضوع من خلال بحثين :

1 ـ التكامل النوعي من الناحية العلمية.

2 ـ التكامل النوعي وفق المنظور القرآني.

في البدء ، نتناول البحث الأوّل وندرس المسألة وفق المقاييس الخاصة للمعلوم الطبيعية بعيدا عن الآيات والرّوايات :

ثمة فرضيتان مطروحتان في أوساط علماء الطبيعة بشأن خلق الكائنات الحية بما فيها الحيوانات والنباتات :

ألف : فرضية تطوّر الأنواع (ترانسفورميسم) والتي تقول : إنّ الكائنات الحية

٧١

لم تكن في البداية على ما هي عليه الآن ، وإنّما كانت على هيئة موجودات ذات خلية واحدة تعيش في مياه المحيطات ، وظهرت بطفرة خاصة من تعرقات طين أعماق البحار.

أيّ أنّها كانت موجودات عديمة الروح ، وقد تولدت منها أوّل خلية حية نتيجة لظروف خاصّة.

وهذه الكائنات الحية لصغرها لا ترى بالعين المجرّدة وقد مرت بمراحل التكامل التدريجي وتحولت من نوع إلى آخر.

وتمّ انتقالها من البحار إلى الصحاري ومنها إلى الهواء فتكونت بذلك أنواع النباتات والحيوانات المائية والبرية والطيور.

وإن أكمل مرحلة وأتمّ حلقه لهذا التكامل هو الإنسان الذي نراه اليوم ، الذي تحول من موجودات تشبه القرود إلى القرود التي تشبه الإنسان ثمّ وصل إلى صورته الحالية.

ب ـ فرضية ثبوت الأنواع (فيكنسيسم) ، والتي تقول : إنّ أنواع الكائنات الحية منذ بدايتها وما زالت تحمل ذات الأشكال والخواص ، ولم يتغير أيّ من الأنواع إلى نوع آخر، ومن جملتها الإنسان فكان له صورته الخاصّة به منذ بداية خلقه.

وقد كتب علماء كلا الفريقين بحوثا مطولة لإثبات عقيدتهم ، وجرت مناظرات ومنازعات كثيرة في المحافل العلمية حول هذه المسألة ، وقد اشتد النزاع عند ما عرض كل من (لامارك) العالم الفرنسي المعروف المتخصص بعلوم الأحياء والذي عاش بين أؤخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر ، و (داروين) عالم الأحياء الإنكليزي الذي عاش في القرن التاسع عشر نظراتهما في مسألة تطوّر الأنواع بأدلة جديدة.

وممّا ينبغي التنوية إليه ، هو أنّ معظم علماء اليوم يميلون إلى فريضة تطوّر أو

٧٢

تكامل الأنواع هذه خصوصا في محافل العلوم الطبيعية.

أدلة القائلين بالتكامل :

يمكننا تلخيص أدلتهم بثلاثة أقسام :

الأوّل : الأدلة المأخوذة من الهياكل العظيمة المتحجرة للكائنات الحيّة القديمة فإن الدراسات لطبقات الأرض المختلفة (حسب اعتقادهم) تظهر أن الكائنات الحيّة قد تحولت من صور بسيطة إلى أخرى أكمل وأكثر تعقيدا ، ولا يمكن تفسير ما عثر عليه من متحجرات الكائنات الحية إلّا بفرضية التكامل هذه.

الثّاني : مجموع القرائن التي جمعت في (التشريح المقارن).

ويؤكّد هؤلاء العلماء عبر بحوثهم المطولة المفصلة : إنّنا عند ما نشرّح الهياكل العظيمة للحيوانات المختلفة ونقارنها فيما بينها ، نجد أن ثمّة تشابها كبيرا فيما بينها ، ممّا يشير إلى أنّها جاءت من أصل واحد.

الثّالث : مجموع القرائن التي حصل عليها من (علم الأجنّة).

فيقولون : إنّنا لو وضعنا جميع الحيوانات في حالتها الجنينية ـ قبل أن تأخذ شكلها الكامل ـ مع بعضها ، فسنرى أنّ الأجنّة قبل أن تتكامل في رحم أمهاتها أو في داخل البيوض تتشابه إلى حد كبير وهذا ما يؤكّد على أنّها قد جاءت في الأصل من شيء واحد.

أجوبة القائلين بثبوت الأنواع :

إلّا أن القائلين بفرضية ثبوت الأنواع لديهم جواب واحد لجميع أدلة القائلين بالتكامل وهو : أن القرائن المذكورة لا تملك قوّة الإقناع ، والذي لا يمكن إنكاره أن الأدلة الثلاثة توجد في الذهن احتمالا ظنيا لمسألة التكامل ، إلّا أنّها لا تقوى أن تصل إلى حال اليقين أبدا.

٧٣

وبعبارة أوضح : إنّ إثبات فرضية التكامل وانتقالها من صورة فرض علمي إلى قانون علمي قطعي إمّا أن يكون عن طريق الدليل العقلي ، أو عن طريق الحس والتجربة والإختيار ، ولا ثالث لها.

أمّا الأدلة العقلية والفلسفية فليس لها طريق إلى هذه المسائل كما نعلم ، وأما يد التجربة والإختيار فأقصر من أن تمتد إلى مسائل قد امتدت جذورها إلى ملايين السنين.

إنّ ما ندركه بالحس والتجربة لا يتعدى بعض الحالات السطحية ، ولفترة زمنية متباعدة ، على شكل طفرة وراثية (موتاسيون) في كل من الحيوان والنبات.

فمثلا نرى أحيانا في نسل الأغنام العادية ولادة مفاجئة لخروف ذي صوف يختلف عن صوف الخراف العادية ، فيكون أنعم وأكثر لينا من العادية بكثير ، فيكون بداية لظهور نسل جديد يسمّى (أغنام مرينوس).

أو أنّ حيوانات تحصل فيها الطفرة الوارثية فيتغير لون عيونها أو أظفارها أو شكل جلودها وما شابه ذلك لكنّه لم يشاهد لحدّ الآن طفرة تؤدي إلى حصول تغيير مهم في الأعضاء الأصلية لبدن أيّ حيوان ، أو يتبدل نوع منها إلى نوع آخر.

بناء على ذلك يمكننا أن نتخيل أنّ نوعا من الحيوان يتحول إلى نوع آخر بطريق تراكم الطفرة الوراثية ، كأن تتحول الزواحف الى طيور ولكنّ ذلك ليس سوى حدس ومجرّد تخيل لا غير ، ولم نر الطفرات الوارثية قد غيرت عضوا أصليا لحيوان ما إلى صورة أخرى.

نخلص ممّا تقدم إلى النتيجة التالية : إن الأدلة التي يطرحها أنصار فرضية (الترانسفورميسم) لا تتجاوز كونها فرضا لا غير ، لذا نرى أنصارها يعبرون عنها ب (فرضية تطوّر الأنواع) ولم يجرأ أيّ منهم من تسميتها بالقانون أو الحقيقة العلمية.

٧٤

نظرية التكامل و.. الإيمان بالله :

الكثير ممّن يحاولون تصوير نوع من التضاد بين هذه الفرضية ومسألة الإيمان بالله ، ولعل الحق يعطى لهم من جهة ، حيث أنّ العقيدة الداروينية في واقعها قد أوجدت حربا شعواء بين أصحاب الكنيسة من جانب ومؤيدي داروين من جانب آخر ، حتى وصل الصراع ذروته بين الطرفين في تلك الفترة بعد ما لعب الظرف السياسي وكذا الاجتماعي دورهما (ممّا لا يسع المجال لشرح ذلك هنا) ، فكانت النتيجة أن اتهم أصحاب الكنيسة الداروينية بأنّها لا تنسجم مع الإيمان بالله.

وقد كشفت الأيّام عن عدم وجود تضاد بين الأمرين ، فإنّنا سواء قبلنا بفرضية التكامل أو نفيناها لفقدانها الدليل ، فلا يمنع من الإيمان بالله بكلا الاحتمالين.

فإذا قبلنا بالفرضية فلكونها قانونا علميا مبنيا على العلة والمعلول ، ولا فرق في العلاقة بين العلة والمعلول في عالم الكائنات الحية وبقية الموجودات ، فهل يعتبر اكتشاف العلل الطبيعية من قبيل نزول الأمطار ، المد والجزر في البحار ، الزلازل وما شابهها ، مانعا من الإيمان بالله؟ الجواب بالنفي قطعا. إذن فاكتشاف وجود رابطة وعلاقة تكاملية بين أنواع الموجودات الحية لا يؤدي إلى تعارض مع مسألة الإيمان بالله كذلك.

إذن ، فالأشخاص الذين يتصورون أن كشف العلل الطبيعية ينافي الإيمان بوجود الله هم الذين يذهبون هذا المذهب وإلّا فإنّ كشف هذه العلل ليس ـ فقط ـ لا يتعارض مع التوحيد ، وإنّما سيعطينا أدلة جديدة من عالم الخليقة لإثبات وجوده سبحانه وتعالى.

وممّا ينبغي ذكره : أنّ داروين قد تبرأ من تهمة الإلحاد وصرح في كتابه (أصل الأنواع) قائلا : إنّني مع قبولي لتكامل الأنواع فإنّي اعتقد بوجود الله ، وأساسا فإنّه

٧٥

بدون الاعتقاد بوجود الله لا يمكن توجيه مسألة التكامل.

وقد كتب عن داروين بما نصه : (إنّه بقي مؤمنا بالله الواحد رغم قبوله بالعلل الطبيعية في ظهور الأنواع المختلفة من الأحياء ، وقد كان إحساسه بوجود قدرة ما فوق البشر يشتد في أعماقه كلما تقدم في السن ، معتبرا أن لغز الخلق يبقى لغزا محيرا للإنسان)(1) .

كان يعتقد أن توجيه هذا التكامل النوعي المعقد والعجيب ، وتحويل كائن حي بسيط جدّا إلى كل هذه الأنواع المختلفة من الأحياء لا يتمّ إلّا بوجود خطة دقيقة يضعها ويسيرها عقل كلي.

وهو كذلك إذ كيف يمكن إيجاد كل هذه الأنواع العجيبة والمحيرة والتي لكل منها تفصيلات وشؤون واسعة ، من مادة واحدة بسيطة جدا وحقيرة كيف يمكن ذلك بدون الاستناد على علم وقدرة مطلقين؟!

النتيجة : إنّ الضجّة المفتعلة في وجود تضاد بين عقيدة التكامل النوعي وبين مسألة الإيمان بالله إنّما هي بلا أساس وفاقدة للدليل (سواء قبلنا بالفرضية أو لم نقبلها).

تبقى أمامنا مسألة جديرة بالبحث وهي : هل أنّ فرضية تطور الأنواع تتعارض مع ما ذكره القرآن حول قصة خلق آدم ، أو لا؟

القرآن ومسألة التكامل :

الجدير بالذكر أن كلّا من مؤيدي ومنكري فرضية التكامل النوعي ـ نعني المسلمين منهم ـ قد استدل بآيات القرآن الكريم لإثبات مقصوده ، ولكنّهما في بعض الأحيان وتحت تأثير موقفهما قد استدلا بآيات لا ترتبط بمقصودهما إلّا من

__________________

(1) الداروينية ، تأليف محمود بهزاد ، الصفحة 75 و 76.

٧٦

بعيد ، ولذلك سنتطرق إلى الآيات القابلة للبحث والمناقشة.

أهم آية يتمسك بها مؤيد والفرضية ، الآية الثّالثة والثلاثون من سورة آل عمران( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ ، وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) .

فيقولون : كما أنّ نوحا وآل إبراهيم وآل عمران كانوا يعيشون ضمن أممهم فاصطفاهم الله من بينهم فكذلك آدم ، أي ينبغي أنّه كان في عصره وزمانه أناس باسم «العالمين» فاصطفاه الله من بينهم ، وهذا يشير إلى أن آدم لم يكن أوّل إنسان على وجه الأرض ، بل كان قبله أناس آخرون ، ثمّ امتاز آدم من بينهم بالطفرة الفكرية والروحية فكانت سببا لاصطفائه من دونهم.

هذا وذكروا آيات أخر ولكنّها من حيث الأصل لا ترتبط بمسألة البحث ، ولا يعدو تفسيرها بالتكامل أن يكون تفسيرا بالرأي ، وبالبعض الآخر مع كونه ينسجم مع التكامل النوعي إلّا أنّه ينسجم مع الثبوت النوعي والخلق المستقل لآدم كذلك ، ولهذا ارتأينا صرف النظر عنها.

أمّا ما يؤخذ على هذا الاستدلال فهو أنّ كلمة «العالمين» إن كانت بمعنى الناس المعاصرين لآدمعليه‌السلام وأنّ الاصطفاء كان من بينهم ، كان ذلك مقبولا ، أمّا لو اعتبرنا «العالمين» أعم من المعاصرين لآدم ، حيث تشمل حتى غير المعاصرين ، كما روي في الحديث المعروف عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل فاطمةعليها‌السلام حيث قال : «أمّا ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين» ، ففي هذه الحال سوف لا تكون لهذه الآية دلالة على مقصودهم ، وهو شبيه بقول قائل : إنّ الله تعالى اصطفى عدّة أشخاص من بين الناس جميعا في كل القرون والأزمان ، وآدمعليه‌السلام أحدهم ، وعندها سوف لا يكون لازما وجود أناس في زمان آدم كي يطلق عليهم اسم «العالمين» أو يصطفى آدم من بينهم، وخصوصا أن الاصطفاء إلهي ، واللهعزوجل مطلع على المستقبل وعلى كافة الأجيال في كل

٧٧

الأزمان(1) .

وأمّا مؤيد وثبوت الأنواع فقد اختاروا الآيات مورد البحث وما شابهها ، حيث نقول إنّ الله تعالى خلق الإنسان من تراب من طين متعفن.

ومن الملفت للنظر أن هذا التعبير قد ورد في صفة خلق «الإنسان»( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) ـ الآية السادسة والعشرون من سورة الحجر ـ وأيضا في صفة خلق «البشر»( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) ـ الآية الثامنة والعشرون من سورة الحجر ـ وفي مسألة سجود الملائكة بعد خلق شخص آدم أيضا (لاحظ الآيات 29 ، 30 ، 31 من سورة الحجر).

عند الملاحظة الأولى للآيات يظهر أن خلق آدم كان من الحمأ المسنون أوّلا ، ومن ثمّ اكتملت هيئته بنفخ الروح الإلهية فيه فسجد له الملائكة إلّا إبليس.

ثمّ إنّ أسلوب تتابع الآيات لا ينم عن وجود أيّ من الأنواع الأخرى منذ أن خلق آدم من تراب حتى الصورة الحالية لبنيه.

وعلى الرغم من استعمال الحرف «ثمّ» في بعض من هذه الآيات لبيان الفاصلة بين الأمرين ، إلّا أنّه لا يدل أبدا على مرور ملايين السنين ووجود آلاف الأنواع خلال تلك الفاصلة.

بل لا مانع إطلاقا من كونه إشارة إلى نفس مرحلة خلق آدم من الحمأ المسنون ، ثمّ مرحلة خلقه من الصلصال ، فخلق بدن آدم ، ونفخ الروح فيه.

وذلك ما ملاحظه في استعمال «ثمّ» في مسألة خلق الإنسان في عالم الجنين والمراحل التي يطويها( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا

__________________

(1) وهناك احتمال آخر وهو : أن اصطفاء آدم من بين أولاده بعد أن مرت عليهم مدة ليست بالطويلة فتشكل من بينهم مجتمع صغير.

٧٨

أَشُدَّكُمْ ) (1) .

فهذه الآية المباركة تدلل على أن استعمال «ثم» يعبر عن وجود فاصلة ليس من الضروري أن تكون طويلة ، فيمكن كونها فاصلة طويلة أو قصيرة.

وخلاصة ما ذكر : أن الآيات القرآنية وإن لم تتطرق مباشرة لمسألة التكامل النوعي أو ثبوت الأنواع ، لكنّ ظاهرها (في خصوص الإنسان) ينسجم مع مسألة الخلق المستقل ، وإن لم يكن بالتصريح المفصل ، لأنّ أكثر ما يدور ظاهر الآيات حول الخلق المستقل المباشر ، أمّا ما يتعلق بخلق سائر الأحياء (من غير الإنسان) فقد سكت القرآن عنه.

* * *

__________________

(1) سورة الحج ، 5.

٧٩

الآيات

( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49 وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) )

التّفسير

نعم الجنّة الثّمان :

رأينا في الآيات السابقة كيف وصف الله تعالى عاقبة أمر الشيطان وأنصاره وأتباعه ، وأنّ جهنم بأبوابها السبعة مفتحة لهم.

وجريا على أسلوب القرآن في التربية والتعليم جاءت هذه الآيات المباركات (ومن باب المقارنة) لترفع الستار عن حال الجنّة وأهلها وما ترفل به من نعم مادية ومعنوية ، جسدية وروحية.

وقد عرضت الآيات ثمانية نعم كبيرة (مادية ومعنوية) بما يساوي عدد أبواب الجنّة.

1 ـ أشارت في البدء إلى نعمة جسمانية مهمّة حيث :( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) ويلاحظ أنّ هذه الآية قد اتخذت من صفة (التقوى) أساسا لها ، وهي

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653