حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 571
المشاهدات: 202930
تحميل: 4870


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202930 / تحميل: 4870
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 1

مؤلف:
العربية

حقائق الاصول

وهى

تعليقة على (كفاية) الاستاذ الاعظم المحقق الخراساني قدس سره

تأليف

المحقق الاوحدي علم الشريعة ومرجع الشيعة

السيد محسن الطباطبائى الحكيم

قدس سره

الجزء الاول

من منشورات مكتبة بصيرتي

قم - ارم

١

٢

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه صحف لم يقدر لها أن تنشر قبل اليوم (والامور مرهونة باوقاتها) أملاها سيدى الوالد - مد ظله العالي - منذ عهد بعيد لا يقل عن ستة وعشرين عاما يوم كان يدرس طلابه كتاب أستاذه الاعظم (كفاية الاصول) ذلك الكتاب الذى توفق كل التوفيق والذى عكف عليه طلاب أصول الفقه قراءة وتفهما، وكل ماكان يريده - مد ظله - يومئذ أن يشرح كلمات استاذه، ويكشف القناع عن معمياتها، ولم يشأ أن يعرض لآراء أساتذته الآخرين وغيرهم ومناقشتها الحساب على أنه - مد ظله - لم يظن على قرائه من إبداء ملاحظاته ومآخذه على الكتاب المذكور وتحقيق ما يراه حقا لا محيد عنه.

أما اليوم وقد آن لهذه الصحف أن تنشر، فلم يكن في مقدور سيدنا أن ينظر فيها مجددا، نظرا للظروف والملابسات التى تحيط به من كل جانب وفى كل وقت، ولم يكن منه تجاهها سوى الاذن في نشرها، تقريبا لها من الانتفاع، وتبعيدا لها من الضياع. على انها - مع اختصارها - والاختصار عادة لسيدي - مد ظله العالي - في جميع مؤلفاته - حاوية لحقائق الاصول، خالية من كل فضول، والله سبحانه ولى العصمة والسداد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

١٧ محرم الحرام ١٣٧٢ ه‍ يوسف الطباطبائى الحكيم

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمدك اللهم يامن اضاء على مطالع العقول والالباب وانار عليها بسواطع السنة والكتاب فاحكم الفروع باصولها في كل باب ونصلي على افضل من أوتي الحكمة وفصل الخطاب وعلى آله الطاهرين الاطياب لا سيما المخصوص بالاخوة سيد اولى الالباب ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول وآل الرسول فاغفر لنا ذنوبنا وقنا سوء الحساب واللعنة على اعدائهم من اليوم إلى يوم الحساب (وبعد) فالعلم على تشعب شؤنه وتفنن غصونه مفتقر إلى علم الاصول افتقار الرعية إلى السلطان ونافذ حكمه عليها بالوجدان ولا سيما العلوم الدينية وخصوصا الاحكام الشرعية فلولا الاصول لم تقع في علم الفقه على محصول فبه استقرت قواعد الدين وبه صار الفقه كشجرة طيبة تؤتي اكلها كل حين فلذا بادر علماء الامصار وفضلاء الاعصار في كل دور من الادوار إلى تمهيد قواعده وتقييد شوارده وتبيين ضوابطه وتوضيح روابطه وتهذيب اصوله واحكام قوانينه وترتيب فصوله لكنه لما فيه من محاسن النكت والفقر ولطائف معان تدق دونها الفكر جل عن ان يكون شرعة لكل وارد أو ان يطلع على حقايقه إلا واحد بعد واحد فنهض بها من اولى البصائر كابر بعد كابر فلله درهم من عصاتة تلقوا

______________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

٤

واذعنوا وبرعوا فاتقنوا وأجادوا فجادوا وصنفوا وأفادوا اثابهم الله برضوانه وبوأهم بحبوحات جنانه حتى انتهى الامر إلى اوحد علماء العصر قطب فلك الفقاهة والاجتهاد ومركز دائرة البحث والانتقاد الطود الشامخ والعلم الراسخ محي الشريعة وحامى الشيعة النحرير الاواه والمجاهد في سبيل الله خاتم الفقهاء والمجتهدين وحجة الاسلام والمسلمين الوفي الصفى مولانا الاخوند ملا محمد كاظم الهروي الطوسي النجفي مد الله اطناب ظلاله على رؤس الانام وعمر بوجوده دوارس شرع الاسلام فقد فاز دام ظله منه بالقدح المعلى وجل عن قول اين وانى وجرى بفكر صائب تقف دونه الافكار ونظر ثاقب يكاد سنا برقه يذهب بالابصار فلذا اذعن بفضله الفحول وتلقوه بانعم القبول واظهر صحفا هي المنتهى في التبيان ذوات نكت لم يطمثهن قبله انس ولا جان ويغنيك العيان عن البيان والوجدان عن البرهان فما قدمته لك احدى مقالاته الشافية ورسائله الكافية فقد اخذت بجزئيها على شطري الاصول الاصلية من مباحث الالفاظ والادلة العقلية واغنت بالاشارة عن المطولات فهي النهاية والمحصول فحري بان يسمى بكفاية الاصول فاين من يعرف قدرها ولا يرخص مهرها وعلى الله قصد السبيل وهو حسبي ونعم الوكيل قال - ادام الله ظله - بعد التسمية والتحميد والتصلية: وبعد فقد رتبته على مقدمة ومقاصد وخاتمة اما المقدمة ففي بيان أمور (الاول) ان موضوع كل علم

______________________________

(قوله قدس سره: الاول أن موضوع كل علم) جرت عادة المصنفين على ذكر أمور تسمى بالمبادئ، وهي القول الشارح لموضوع العلم، وأجزائه وجزئياته، وأعراضها التي هي موضوعات مسائله، والمقدمات التي تبتني عليها قياسات العلم، وأدلته، وتسمى الاول بالمبادئ التصورية، والثانية بالمبادئ التصديقية فجرى المصنف (ره) على ذلك أيضا، فساق الامر الاول لبيان موضوع علم الاصول، ولما كان نوعا من مطلق الموضوع ناسب تعرضه لبيان

٥

وهو الذى يبحث فيه عن عوارضه الذاتية أي بلا واسطة في العروض

______________________________

*

مطلق موضوع العلم فقال: إن موضوع... الخ (قوله: وهو الذي يبحث) هذا تعريف المشهور لموضوع العلم (قوله: عن عوارضه الذاتية) العوارض جمع العارض وهو - كما ذكر بعض المحققين - مطلق الخارج عن الشئ المحمول عليه، فيشمل العرض المعبر عنه في لسان أهل المعقول بالعرضي المقابل في باب الكليات بالذاتي، المنقسم إلى الخاصة والعرض العام، ويشمل غيره مثل كل من الجنس والفصل بالاضافة إلى الآخر والنوع بالاضافة اليهما، وقيل: العرض المبحوث عنه في الفنون هو الاول بشرط كونه ذاتيا بالمعنى الآتي بيانه (قوله: بلا واسطة في العروض) أشار بهذا إلى انقسام الواسطة إلى اقسامها الثلاثة أعني (الواسطة في العروض) وهي التي يقوم بها العرض حقيقة، وينسب إلى ذيها عناية ومسامحة من قبيل وصف الشئ بحال متعلقه، وهي قد تكون جلية على نحو تكون نسبة العرض إلى ذيها مجازا عرفا مثل الحركة والبياض الواسطتين في نسبة السرعة والشدة إلى الجسم، وقد تكون خفية بحيث لا يخرج التوصيف عن كونه حقيقة في نظر العرف وان كان مجازا بتعمل من العقل مثل السطح الذي هو واسطة في نسبة البياض إلى الجسم، فان البياض إنما يقوم حقيقة بالسطح لا بالجسم لكنه ينسب إلى الجسم حقيقة بنظر العرف وان كان مجازا بالنظر الدقيق (والواسطة في الثبوت) وهي علة ثبوت العرض حقيقة لمعروضه سواء أكان العرض قائما بها أيضا كالنار والشمس العلتين لثبوت الحرارة للماء أم لا كالحركة التي هي علة لعروض الحرارة على الجسم (والواسطة في الاثبات) وهي التي يكون العلم بها علة للعلم بالثبوت كالوسط في القياس، والاولتان بالنسبة إلى عرض واحد متباينتان لاعتبار القيام حقيقة في الثانية وعدمه في الاولى، ويتصادقان بالنسبة إلى عرضين، إذ لا مانع من ان تكون الواسطة في العروض علة لثبوت عرض آخر لمعروض آخر غير ذيها، واما الثالثة فتتحد مع كل واحدة منهما بالاضافة إلى خصوص ذلك العرض بعينه، وتفترق عن الاخرى، إذ قد يكون الوسط في القياس علة لثبوت الاكبر

٦

للاصغر، وقد يكون واسطة في عروضه له، وقد تفترق عنهما معا، كما إذا كان الوسط لازما لثبوت الاكبر للاصغر أو ملازما له. ثم إن العرض قسمان ذاتي وغريب، لانه إما ان يلحق الشئ لذاته. أو لجزئه المساوي، أو للخارج المساوي، أو لجزئه الاعم، أو للخارج الاعم، أو للخارج الاخص، والثلاثة الاول أعراض ذاتية على المشهور، بل أدعي عليه الاتفاق، ولذا اشتهر تعريف العرض الذاتي بأنه ما يلحق الشئ لذاته أو لما يساويه، والاخيران عرضان غريبان بالاتفاق أيضا، وأما الرابع فالمنسوب إلى مشهور المتأخرين أنه من الاعراض الذاتية، وهو ظاهر الشمسية وصريح شرحيها للرازي والتفتازاني، وعن جماعة من المتأخرين - تبعا للقدماء - أنه من الاعراض الغريبة، بل نسبه في الفصول إلى المشهور، وظاهر المصنف (ره) حيث عدل عن تعريف المشهور المتقدم للعرض الذاتي فعرفه - تبعا للفصول - بما يلحق الشئ بلا واسطة في العروض خلاف ذلك، إذ عليه يكون القسم الثالث من الاعراض الغريبة كالاخيرين لكون الاقسام الثلاثة عندهم كلها مما يكون بواسطة في العروض، كما صرح به بعض الاجلة، ويظهر من كلماتهم وأمثلتهم، وكأن الوجه فيه ما أشار إليه في الفصول وغيره من أن ما يلحق الشئ بواسطة الخارج المساوي ينبغي أن يبحث عنه في فن يكون موضوعه تلك الواسطة ولا ينبغي ان يبحث عنه في فن يكون موضوعه غيرها، وفيه - مع انه قد لا تكون لتلك الاعراض أهمية صالحة لتدوينها في فن مستقل - وانه ينافي ما ذكره من كون الجامع بين شتات المسائل اشتراكها في الغرض، إذ قد يكون البحث عن العارض بواسطة المساوي دخيلا في الغرض المقصود من العلم - أنه إنما يتم لو فرض انحصار العرض المبحوث عنه في الفنون بما ذكر، إلا أن دعوى الانحصار لا بينة ولا عليها بينة، بل ظاهر كلام غير واحد المفروغية عن أنه قد يكون موضوع بعض مسائل الفنون عوارض نفس الموضوع فيكون محمولها من قبيل عرض الموضوع بواسطة في العروض، فلاحظ كلماتهم في تعريف موضوع العلم وفى الخاتمة، والالتزام بالاستطراد في البحث

٧

هو نفس موضوعات مسائله عينا وما يتحد معها خارجا وان كان يغايرها مفهوما تغاير الكلي ومصاديقه والطبيعي وافراده والمسائل عبارة عن جملة من قضايا متشتة جمعها اشتراكها في الدخل في الغرض الذى لاجله دون هذا العلم

______________________________

عن تلك المسائل لا ملزم به (قوله: هو نفس) هذا خبر (إن) يعني أن موضوع العلم هو الجامع بين موضوعات... الخ وهذا راجع إلى تعريف المشهور، والعدول إليه بقصد الايضاح. هذا ولا يخفى ان مقتضى ما صرحوا به من ان موضوع المسألة إما نفس موضوع العلم أو جزؤه أو جزئيه أو عرضه الذاتي عدم تمامية التعريفين كليهما إذ ليس هناك امر واحد يبحث عن عوارضه، ولا جامع مطرد بين موضوعات تلك المسائل إلا بنحو من الاعتبار مثل: أحد الموضوعات، ونحوه، ولذا التجأ المحقق الدواني - على ما حكي عنه - إلى دعوى طي في العبارة، وأن المراد ما يبحث في العلم عن عوارضه، أو عوارض أجزائه أو عوارض جزئياته أو عوارض أعراضه، وما حكي عن الشيخ الرئيس من ارجاعها إلى كل واحد موقوف على فرض الجامع بين تلك الموضوعات المختلفة ولا سيما في خصوص بعض الفنون كفن الفقه الذي يكون موضوع مسائله أحد النقيضين من الفعل والترك على أنه لا يرتفع به التنافي بين تعريف الموضوع وما ذكروه هناك كما هو ظاهر بملاحظة الضمائر المجرورة في قولهم: أو جزئه أو جزئيه أو عرضه، إذ لا يعقل ان يكون الشئ جامعا بين نفسه وغيره هذا - مضافا إلى أن عوارض جزئيات الموضوع أعراض غريبة بالاتفاق فكيف تصح دعوى كون الموضوع هو الجامع بين الموضوعات وأنه يبحث في العلم عن عوارضه الذاتية، وارجاع عوارض الجزئيات إلى عوارض الكلي بعيد جدا إذ البحث في تلك المسائل كان عن نفس الجزئيات بخصوصيتها لا بما هي كلي والامر سهل في أمثال المقام (قوله: وما يتحد) عطف تفسير (قوله: والطبيعي) عطف تفسير أيضا (قوله: في الدخل في الغرض) ليس المراد من الدخل دخل العلية إذ ليس نفس المسائل مما له مقدمية لحصول الغرض وانما العلم بها له دخل في حصول العلم بحصول الغرض، بل الدخيل

٨

فلذا قد يتداخل بعض العلوم في بعض المسائل مما كان له دخل في مهمين لاجل كل منهما دون علم على حدة فيصير من مسائل العلمين (لا يقال): على هذا يمكن تداخل علمين في تمام مسائلهما فيما كلا هناك مهمان متلازمان في الترتب على جملة من القضايا لا يكاد يمكن انفكاكهما (فانه يقال): مضافا إلى بعد ذلك بل امتناعه عادة لا يكاد يصح لذلك تدوين علمين وتسميتهما باسمين بل تدوين علم واحد يبحث فيه تارة لكلا المهمين وأخرى لاحدهما وهذا بخلاف التداخل في بعض المسائل فان حسن تدوين علمين كانا مشتركين في مسألة أو أزيد في جملة مسائلهما المختلفة لاجل مهمين مما لا يخفى، وقد انقدح

______________________________

في حصول الغرض إرادة تطبيق العمل على المسائل المعلومة. مثلا علمنا بأن الفاعل مرفوع له نحو دخل في علمنا بمطابقة كلامنا لكلام العرب أما نفس المطابقة فانما تكون ناشئة عن ارادة المتكلم لها. فاثبات الدخل لها بهذا الاعتبار فتأمل (قوله: فلذا قد يتداخل) هذا تفريع على قوله: جمعها اشتراكها... الخ لكنه انما يتفرع عليه بخصوصه لو لم يكن جامع آخر بين المسائل غير وحدة الغرض أما لو كان جامع آخر إما لكونه جامعا بين موضوعاتها - كما فرضه - أو بين محمولاتها بنحو الجامع بين الموضوعات فيمكن التداخل ايضا، وليس الجامع الغرضي بأولى من غيره في ترتب التداخل عليه إذ من المعلوم ان كل واحدة من المسائل انما يترتب عليها شخص خاص من الغرض لا يترتب على غيرها فاعتبار جامع بين تلك الاغراض كما يكون جامعا لشتات المسائل ويترتب عليه التداخل في العلوم يصح مثله في الموضوعات والمحمولات، ويكون كذلك في كونه جامعا لشتات المسائل وترتب التداخل (قوله: مما كان) بيان لبعض المسائل يعني: إذا كان بعض المسائل يترتب عليه غرضان لعلمين يدخل ذلك البعض في كل من العلمين فيشترك العلمان فيه (قوله: وهذا بخلاف) إذ ليس المدعى ان تعدد العلوم بتعدد الاغراض حتى يلزم كون المسائل التي يترتب عليها غرضان متلازمان علمين: بل المدعى ان

٩

بما ذكرنا أن تمايز العلوم انما هو باختلاف الاغراض الداعية إلى التدوين لا الموضوعات ولا المحمولات وإلا كان كل باب بل كل مسألة من كل علم علما على حدة كما هو واضح لمن كان له أدنى تأمل فلا يكون الاختلاف بحسب الموضوع أو المحمول موجبا للتعدد كما لا يكون وحدتهما سببا لان يكون من الواحد (ثم) انه ربما لا يكون لموضوع العلم وهو الكلي المتحد مع موضوعات المسائل عنوان خاص واسم مخصوص فيصح أن يعبر عنه بكل ما دل عليه بداهة عدم دخل ذلك في موضوعيته أصلا. وقد انقدح بذلك أن موضوع علم الاصول هو الكلي المنطبق على موضوعات مسائله المتشتة

______________________________

*

المميز للعلوم بعضها عن بعض هو الاغراض وفى الفرض لا اثنينية حتى يرجع إلى المميز بل أمر واحد يترتب عليه غرضان طوليان أو عرضيان بخلاف ما إذا اشتركت ببعض المسائل فانه يكفي في الاثنينية الاختلاف في بعض المسائل الاخر (قوله: بما ذكرنا) يعني في تعريف المسائل من أن الجامع بينها اشتراكها في الدخل في الغرض (قوله: باختلاف الاغراض) قد أشرنا إلى انه يمكن التمييز بالموضوعات بالمعنى المتقدم في كلام الدواني، أو بالمعنى المتقدم في كلام المشهور، والمصنف. نعم قد يشكل حيث لا يكون الجامع له مفهوم محصل واضح بعد امكان فرضه فيكون التمييز حينئذ بالمحمولات أو بالاغراض، وقد يكون الامر بالعكس، وقد يكون التمييز عن طائفة من العلوم بالموضوع وعن طائفة أخرى بالمحمول كما في العلوم العربية فان امتياز بعضها عن بعض بالمحمولات وامتيازها أجمع بالموضوعات أمر ممكن (قوله: لا الموضوعات) قد اشتهر أن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات فاشكل بأنه قد يكون الامر الواحد موضوعا لعلوم متعددة مثل العلوم العربية لكنهم دفعوا هذا الاشكال بقولهم: ان تمايز الموضوعات بتمايز الحيثيات، يعنون بها الاضافات إلى محمولاتها مثل كون الكلمة من حيث الاعراب والبناء موضوعا لعلم النحو وهي من حيث المعنى موضوع لعلم اللغة، وهكذا لكنه راجع إلى التمييز بالمحمولات كما عرفت (قوله: والا كان كل باب... الخ)

١٠

هذا انما يترتب لو قيل بالتمييز بالموضوعات أو المحمولات بعناوينها الخاصة في المسائل فان موضوع مسائل باب الفاعل غير موضوع مسائل باب المفعول كما ان محمول مسائل باب المرفوعات غير محمول مسائل باب المنصوبات مثلا، أما لو أريد الجامع بين موضوعات المسائل فلا يرد عليه ذلك، وإنما يرد عليه ما عرفت مما تنبهوا له وأجابوا عنه. ثم ان ترتب هذا اللازم على ما ذكر ليس على الاطلاق بل يختلف باختلاف كيفية التبويب فان كان من قبيل (باب الفاعل) (باب المفعول) مما تشترك فيه المسائل موضوعا وتختلف محمولا لزم أن يكون كل باب علما لو كان التمييز بالموضوعات اما لو كان بالمحمولات لزم أن يكون كل مسألة من باب مع ما يتحد معها محمولا من مسائل الابواب الاخر علما، وان كان التبويب من قبيل (باب المرفوع) (باب المنصوب) ترتب على القولين ما ذكر على العكس، ومنه يظهر أن ترتب ان يكون كل مسألة علما على كل من القولين لا يكون إلا مع اختلاف جميع المسائل في الموضوع والمحمول معا بحيث تكون كل مسألة بابا مستقلا فلاحظ. ثم انك قد عرفت الاشارة إلى أن كل مسألة يترتب عليها غرض خاص لا تشاركها فيه أختها من المسائل وإنما الاشتراك بملاحظة جامع بين الاغراض وهذا الجامع يختلف سعة وضيقا باختلاف المناسبات التي يلحظها واضعوا الفن فقد يلحظ الواضع جامعا واسع الدائرة فتكثر مسائل الفن المسمى باسم كذا وقد يلحظه ضيق الدائرة فتقل مسائله، مثلا قد يلحظ الجامع بين الاغراض المترتبة على مسائل باب الفاعل فقط فيسمي مسائل باب الفاعل فنا كذائيا في قبال مسائل باب المفعول، وهكذا، وقد يكون أوسع كالغرض المترتب على مسائل باب المرفوعات أو مسائل النحو أو مع الصرف أو هما مع سائر مسائل العلوم العربية فيسميه الفن العربي وتكون مسائل النحو كباب من أبوابه أو فصل من فصوله فالتحديد بالغرض انما هو يتبع اعتباره ضيقا أو واسعا حسب الاعتبارات والجهات المقتضية لذلك في نظر مدوني الفنون.

١١

لا خصوص الادلة الاربعة بما هي أدلة بل ولا بما هي هي ضرورة أن البحث في غير واحد من مسائله المهمة ليس من عوارضها وهو واضح لو كان المراد بالسنة منها هو نفس قول المعصوم أو فعله أو تقريره كما هو المصطلح فيها لوضوح عدم البحث في كثير من مباحثها المهمة

______________________________

موضوع علم الاصول

(قوله: لا خصوص الادلة) يعني كما هو المشهور يعنون بها الكتاب والسنة والاجماع والعقل (قوله: ولا بما هي هي) كما ذكر في الفصول فرارا عما قيل على ما هو ظاهر المشهور: من أن البحث في كثير من مسائل الاصول عن كون الشئ دليلا مثل مسألة حجية الخبر وظاهر الكتاب ونحوهما ليس هو بحثا عن عارض الادلة بل بحث عن نفس دليليتها فلا يكون من مسائل الفن بل من مباديه التصديقية فتأمل، وطريق فرار الفصول ان الموضوع المبحوث عن احواله في علم الاصول ذوات الادلة أعني نفس الكتاب واخوته معراة عن صفة الدليلية وتكون هي حينئذ من العوارض المبحوث عنها فيه كغيرها من العوارض (قوله: ضرورة ان البحث في غير) هذا شروع في بيان بطلان ما هو المشهور وما هو صريح الفصول وحاصله أن السنة التي هي أحد الادلة إما أن يراد منها ما هو المصطلح فيها أعني نفس قول المعصوم وفعله وتقريره أو ما هو أعم منها ومن الطريق الحاكي عنها كالخبر وغيره من الطرق، فان كان المراد منها الاول توجه الاشكال بأن مسألة حجية الخبر ونحوها وجملة من مسائل مبحث باب التعارض لا يبحث فيها عن عوارض الادلة لا بما هي ادلة ولا بما هي هي بل انما يبحث فيها عن عوارض الخبر الحاكي عنها وليس هو أحد الادلة الاربعة - كما هو ظاهر - لا بما هي أدلة ولا

١٢

كعمدة مباحث التعادل والتراجيح بل ومسألة حجية خبر الواحد لا عنها ولا عن سائر الادلة (ورجوع) البحث فيهما في الحقيقة إلى البحث عن ثبوت السنة بخبر الواحد في مسألة حجية الخبر كما افيد وبأي الخبرين في باب التعارض فانه ايضا بحث في الحقيقة عن حجية الخبر في هذا الحال (غير مفيد) فان البحث عن ثبوت الموضوع وما هو مفاد كان التامة ليس بحثا عن عوارضه فانها مفاد

______________________________

بما هي هي ومثله البحث عن حجية الشهرة ومطلق الظن، وكأن الاقتصار في كلام المصنف على هاتين المسألتين لمزيد الاهتمام بهما، وان كان المراد منها الثاني فسيأتي ما فيه (قوله: كعمدة مباحث... الخ) مثل البحث عن حجية أحدهما وعدمها وانها على التخيير أو الترجيح والبحث عن المرجحات. نعم في مسائلها ما كان بحثا عن حال الدليل مثل البحث عن تعيين الظاهر والاظهر ونحوه. (قوله: ورجوع البحث فيهما... الخ) اشارة إلى ما أجاب به شيخنا الاعظم " قده " عن هذا الاشكال وحاصله انه يمكن ارجاع البحث في هاتين المسألتين وما يشبههما إلى البحث عن أحوال السنة بالمعنى المتقدم لان مرجع البحث عن الحجية إلى البحث عن ثبوت قول المعصوم عليه السلام أو فعله أو تقريره بالخبر في مسألة حجية الخبر، أو بأحد الخبرين في باب التعارض وعدمه فيكون الموضوع حينئذ نفس السنة وجعل (ره) ذلك مغنيا عن تجشم الفصول في دفع الاشكال (قوله: مفاد كان التامة... الخ) يراد به معنى: كان زيد، أي وجد، وهو نسبة الوجود إلى الماهية ومفاد: كان الناقصة، يراد به نسبة بقية العوارض الزائدة على الوجود إلى الماهية مثل: كان زيد قائما، وكذا ما يقال: مفاد ليس التامة، وليس الناقصة، يعنون بهما نفي الوجود ونفي ما عداه من العوارض وإن كانت ليس لا تستعمل في لغة العرب إلا ناقصة وتوضيح الاشكال على شيخنا الاعظم (ره) أن المراد من الثبوت الذي هو مرجع البحث في مسألة حجية الخبر ونحوها إن كان هو الثبوت الحقيقي فهو - مع انه ليس محلا للنزاع ضرورة - أنه ليس

١٣

كان الناقصة (لا يقال): هذا في الثبوت الواقعي (وأما) الثبوت التعبدى كما هو المهم في هذه المباحث فهو في الحقيقة يكون مفاد كان الناقصة (فانه يقال): نعم لكنه مما لا يعرض السنة بل الخبر الحاكي لها فان الثبوت التعبدي يرجع إلى وجوب العمل على طبق الخبر كالسنة المحكية به وهذا من عوارضه لا عوارضها كما لا يخفى (وبالجملة) الثبوت الواقعي ليس من العوارض والتعبدي وان كان منها إلا انه ليس للسنة بل للخبر فتأمل جيدا، واما إذا كان المراد من السنة ما يعم حكايتها فلان البحث في تلك المباحث وان كان عن أحوال السنة بهذا المعنى الا ان البحث في غير واحد

______________________________

من العوارض التي يبحث عنها في العلوم، وان كان هو الثبوت التعبدى الظاهري فهو راجع في الحقيقة إلى جعل أحكام ثبوت السنة الحقيقي لما هو مشكوك الثبوت ومن المعلوم ان هذا ليس من عوارض السنة بل من عوارض الخبر الحاكي عنها فيرجع الاشكال بحاله. هذا ويمكن الخدش فيه أولا من جهة حصر العوارض بغير الوجود وهو لا يساعده التعريف المتقدم للعارض، ولا ما صرح به بعض المحققين من علماء المعقول من عموم العوارض المبحوث عنها له، وثانيا من جهة ارجاع البحث إلى البحث عن عوارض الخبر الحاكي فانه غير ظاهر بل هي حينئذ من عوارض مؤداه إلا أن يكون الخبر ملحوظا طريقا إليه. ثم ان بعض الاعيان من مشايخنا المعاصرين دفع الاشكال من أصله بأن مرجع النزاع في الحجية إلى النزاع في أن السنة هل تعلم بالخبر أولا ؟ لان مرجع حجية شئ بعنوان الطريقية إلى انه علم بالمؤدى تنزيلا - كما سيأتي في محله انشاء الله - ولكن لا يخفى انه لا يدفع الاشكال في كلام المصنف (ره) إذ يقال حينئذ: ليس النزاع في انها تعلم حقيقة بالخبر قطعا بل النزاع في أنها تعلم تعبدا أولا، وهو راجع إلى جعل احكام العلم بالسنة للخبر الحاكي عنها، فهو أولى بالاشكال من جواب شيخنا الاعظم (ره) (قوله: كان الناقصة) لان الثبوت التعبدي زائد على ثبوت السنة الحقيقي فيكون من عوارضها (قوله: بل الخبر) قد عرفت انه لمؤداه (قوله: واما إذا كان المراد.. الخ) هذا هو مراد الفصول (قوله: الا ان البحث في غير)

١٤

من مسائلها كمباحث الالفاظ وجملة من غيرها لا يخص الادلة بل يعم غيرها وان كان المهم معرفة احوال خصوصها كما لا يخفى ويؤيد ذلك تعريف الاصول بانه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الاحكام الشرعية وان كان الاولى تعريفه بأنه صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن ان تقع في طريق استنباط الاحكام

______________________________

يعني فيكون البحث عن العارض بواسطة الخارج الاعم لكنه تنبه لذلك في الفصول وأجاب عنه بأن البحث عنها باعتبار وقوعها في الكتاب والسنة ولا يقدح في ذلك بيانهم لوضعه اللغوي أو العرفي، إذ المقصود بيان مداليل تلك الالفاظ بأي وجه كان.. الخ كما أشار إليه المصنف (ره) بقوله: وان كان المهم.. الخ إذ من المعلوم أن عموم النزاع وخصوصه تابع لعموم الغرض وخصوصه (قوله: وجملة من مباحث) أي من غير مباحث الالفاظ كما يذكر في المباحث العقلية من حسن العقاب وقبحه فانه لا يخص الادلة بل يعم المباحث الكلامية (قوله: ويؤيد ذلك) أي كون البحث في الاصول ليس عن خصوص الادلة ووجه التأييد عدم تقييد القواعد بأن موضوعها الادلة.

تعريف الاصول

(قوله: تعريفه بأنه صناعة.. الخ) هذا التعريف يخالف التعريف المشهور من وجوه (الاول) خلوه من ذكر العلم وهو في محله لما عرفت من ان الفن نفس المسائل التي تكون موضوعا للعلم تارة وللجهل أخرى، وقد صرح بما ذكرنا جماعة منهم التفتازاني في بعض كلماته، ولعل الباعث على ذكره في التعريف كونه منشأ الاثر في الفنون دون نفس المعلوم، والمصحح لهذا الاستعمال وحدة العلم والمعلوم حقيقة وان اختلفا اعتبارا (الثاني) جعله نفس الصناعة التي يعرف بها القواعد، وهذا شئ تفرد به المصنف (ره) فيما أعلم ولازمه كون

١٥

أو التي ينتهى إليها في مقام العمل

______________________________

المتون المشتملة على نفس القواعد ليست من الاصول مع ان الاقيسة ليست من الفن بل من مباديه التصديقية (الثالث) خلوه عن اعتبار التمهيد للاستنباط، ولازمه دخول اكثر مسائل الفنون التي يتوقف عليها الاستنباط كالعلوم العربية في علم الاصول. وهو كما ترى، إلا ان يراد من طريق الاستنباط خصوص القياس المنتج للوظيفة العملية لكنه يلزم منه خروج جملة من مسائل الاصول أيضا، إذ ليست هي في رتبة واحدة وكيف كان فيعم الممهدة وغيرها، أما تعريف المشهور فابعد عن الاشكال المتقدم لان مسائل تلك الفنون لم تمهد للاستنباط وانما مهدت لغايات أخر فيختص الاصول بالمسائل التي لم تمهد لغاية اخرى بحيث يلزم الاصولي تمهيدها للاستنباط. هذا ولكنه لا ينطبق على ما لم يمهد أصلا إلا ان يراد من الممهدة الاعم من الشأنية والفعلية لكن عليه يرجع الاشكال الاول، إلا ان يراد شأنية نفس التمهيد لا شأنية كونه للاستنباط، وكيف كان فذكر الممهدة اولى فتأمل جيدا (الرابع) خلوه عن تقييد الاحكام بقيد الشرعية كما في تعريف المشهور ولابد منه. ولعله اكتفى بتعريفها بلام العهد (الخامس) اضافة قوله: أو التي ينتهى.. الخ وقد اشار إلى وجهه، وتوضيحه انهم اختلفوا في تقرير مقدمات الانسداد من حيث أن مقتضاها الكشف أو الحكومة على قولين (أحدهما) الكشف بمعنى ان مقدمات الانسداد تكشف عن حكم الشارع الاقدس بحجية الظن فيكون كسائر الحجج الشرعية غاية الامر انه يفارقها في طريق اثبات الحجيته فان طريق ثبوت حجيته هو المقدمات المذكورة وطريق حجيتها هو غيرها من الكتاب والسنة وغيرهما (ثانيهما) الحكومة بمعنى انها تكون منشأ لحكم العقل بوجوب العمل على طبق الظن ويكون حال الظن حال العلم في كون حجيته عقلية، ويترتب على الاول ان مؤداه حكما شرعيا ظاهريا كسائر الحجج الشرعية وليس كذلك على الثاني وحينئذ فمسألة حجية الظن لا تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي على الحكومة فتخرج عن الاصول بمقتضى

١٦

بناء على أن مسألة حجية الظن على الحكومة ومسائل الاصول العملية في الشبهات الحكمية من الاصول - كما هو كذلك - ضرورة أنه لا وجه لالتزام الاستطراد في مثل هذه المهمات (الامر الثاني) الوضع

______________________________

*

تعريف المشهور، وكذا الحال في مسائل الاصول العملية العقلية كالبراءة والاشتغال والتخيير في الشبهات الحكمية فانه لا يتوصل بها إلى حكم شرعي، بل وبعض الاصول الشرعية كحديث الرفع بناء على اقتضائه مجرد نفي الالزام بلا جعل للاباحة فان نفي الالزام وان كان شرعيا الا انه ليس حكما شرعيا وإلا كانت الاحكام عشرة لا خمسة إلا ان يراد من الحكم هنا ما يعمه، وهذه كلها تدخل في علم الاصول على تعريف المصنف (ره) لانها ينتهي إليها المكلف في مقام العمل (قوله: بناء) متعلق بقوله: أو التي ينتهى... الخ (قوله: على الحكومة) قيد للحجية (قوله: مسائل الاصول) معطوف على مسألة حجية الظن اما الاصول الشرعية مثل كل شئ لك حلال... الخ ونحوه فتقع في طريق استنباط الاحكام الشرعية (قوله: في الشبهات الحكمية) وهي الشبهات في الحكم الكلي أما الجارية في الشبهات الموضوعية كالشك في ان المايع خمر أو خل فليست من الاصول لانها لا يستفاد منها حكم كلي بل جزئي، ولذا لا يختص اجراؤها بالمجتهد (قوله: من الاصول) خبر (إن) في قوله: على أن (قول: الوضع) الاضافة على نحوين منها ما يكون فيها للمتضايفين هيئة خاصة كالفوقية والتحتية ونحوهما فان لزيد مع السقف الذي يكون فوقه هيئة خاصة مباينة لهيئته مع الارض التي تكون تحته ومنها مالا يكون كذلك كالملكية والزوجية ونحوهما فان الهيئة الحاصلة لزيد مع فرسه قبل ان تكون ملكا له هي هيئته معها بعد ما صارت ملكا له، وفى كون النحو الاول مما له حظ من الخارج بحيث لا يتوقف على وجود لاحظ أولا ؟ خلاف كما قيل، أما الثاني فلا اشكال في انه لاحظ له من الخارج بل يكون بمحض الاعتبار، وانما يكون الخارج

١٧

ظرفا لمنشأ اعتباره ونسبته إلى منشأ اعتباره ليست نسبة المتأثر إلى المأثر.

*

هذا ولا ريب في أن الوضع من النحو الثاني إذ ليس للفظ مع معناه هيئة خاصة بل هو معه بعده كحاله معه قبله، كما لا ريب في انه ليس من الاضافات الناشئة عن خصوصية في المتضايفين كاضافة التلازم بين المتلازمين بل له منشأ آخر وانما الاشكال في انه مجعول قصدا بحيث يعتبر من مجرد جعله أو منتزع من ارادة ذكر اللفظ عند ارادة تفهيم المعنى، وهذا الخلاف فيه ربما يأتي في مثله من الاحكام الوضعية (المختار) لبعض الاكابر هو الثاني وقد يستدل له (تارة) بالوجدان، فان الانسان لا يجد من نفسه عند إرادة تسمية ولده أو كتابه إلا ارادة ذكر الاسم عند إرادة تفهيم المعنى (وأخرى) بان تفهيم المعنى باللفظ انما يكون بتوسط الملازمة الذهنية بينهما وحيث أنه لا ملازمة ذاتية ذهنية كما هو المفروض، ولا يمكن جعلها أيضا لانها خارجة عن الاختيار فلم يبق إلا تحقيق ما يؤدي إليها من الملازمة بين ذكر اللفظ وإرادة المعنى، فإذا تحققت هذه الملازمة بارادة ذكر اللفظ عند ارادة تفهيم المعنى حصلت الملازمة الذهنية بتوسط العلم بالارادة، وإلا فلا طريق إلى حصولها أصلا، وهذه الارادة هي منشأ اعتبار الوضع (واورد) عليه بعض الاعيان بما توضيحه أن الارادة المتعلقة باللفظ ارداة غيرية ناشئة عن إرادة تفهيم المعنى، والارادة الغيرية تابعة للمقدمية، إذ لو لم يكن الشئ مقدمة لم يكن مرادا بارادة غيرية فلا بد من ثبوت المقدمية للفظ في رتبة سابقة على الارادة وهذه المقدمية يمتنع نشؤها من هذه الارادة للزوم الدور، ولا من غيرها لانه خلاف الوجدان (أولا) وللزوم اجتماع المثلين في محل واحد وهو ممتنع (ثانيا) فان قلت: لا مانع من اجتماعهما على أن تكون إحداهما مؤكدة للاخرى (قلت): يمتنع التأكد في المقام لاختلاف الرتبة إذ الوجود المتأكد في رتبة واحدة، ولانه يقال في الارادة الاخرى التي تنشأ عنها المقدمية هي إما نفسية، - وهو خلاف الوجدان - وإما غيرية فلابد من ثبوت مقدميتها في رتبة سابقة عليها فيجري فيها ذلك أيضا وهكذا فتأمل، فيتعين الالتزام بأن المقدمية مجعولة

١٨

هو نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما ناشئ من تخصيصه به (تارة) ومن كثرة استعماله فيه (أخرى) وبهذا المعنى صح تقسيمه إلى التعييني والتعيني كمالا يخفى. ثم

______________________________

مع قطع النظر عن الارادة وذلك بجعل اللفظ للمعنى (ودعوى) امتناع ذلك لان ما ليس بينهما العلاقة يمتنع جعل العلاقة بينهما (مدفوعة) بأن ذلك يتم في الامور الحقيقة لا الاعتبارية التي منها ما نحن فيه وهي وان لم توجب اللزوم بين اللفظ والمعنى ذهنا مستقلة إلا أنها بضميمة الاعلام بها توجب ذلك والمفروض انه لابد منه على كل من القولين. هذا ويمكن ان يقال: مقدمية ذكر اللفظ لتفهيم المعنى ذاتية لان المقدمية كما سيأتي منتزعة من صدق قولنا: لولا كذا لم يكن كذا، ويصدق في المقام: لولا اللفظ لم يفهم المعنى، غاية الامر ليس هو تمام المقدمة بل يتوقف على مقدمة اخرى مثل العلم بالارادة فلا مجال للاشكالات المذكورة نعم المانع عن كونه نفس الارادة كونه خلاف المرتكزه ؟ من معناه فيقال: أردت أن أضع لفظ كذا، كما يقال: أردت أن افعل كذا، وذلك مما يابى عن كونه نفس الارادة (فالتحقيق) انه منتزع من الالتزام النفسي بذكر اللفظ عند ارادة التفهيم، وهذا الالتزام فعل اختياري للنفس كغيره من أفعالها، فان تحقق صح اعتبار الاضافة المذكورة عند العقلاء، وإن لم يجعل شئ أصلا، وان لم يتحقق امتنع اعتبارها عندهم وإن جعل اللفظ للمعنى. وهذا الدوران شاهد ما ذكرنا. هذا كله في الوضع التعييني وسيأتي انشاء الله في الاحكام الوضعية ما له نفع تام في المقام والله سبحانه أعلم (قوله: هو نحو اختصاص) الانسب تعريفه بتخصيص اللفظ بالمعنى لانه من مقولة الفعل والاختصاص من مقولة الانفعال، والباعث له على ذلك تقسيمه إلى التعييني والتعيني كما سيأتي (قوله: من تخصيصه به) سواء أكان بالقول كسميت ولدي عليا، أم بالفعل باستعماله فيه بقصد جعله له، إذ الانشاء يكون بالفعل كالقول عند المشهور على تأمل ذكرناه في محله (قوله: وبهذا المعنى صح)

١٩

إن الملحوظ حال الوضع إما يكون معنى عاما فيوضع اللفظ له تارة ولافراده ومصاديقه اخرى، وإما يكون معنى خاصا لا يكاد يصح إلا وضع اللفظ له دون العام فتكون الاقسام ثلاثة، وذلك لان العام يصلح لان يكون آلة للحاظ أفراده ومصاديقه بما هو كذلك، فانه من وجوهها ومعرفة وجه الشئ معرفته بوجه، بخلاف الخاص فانه - بما هو خاص - لا يكون وجها للعام ولا لسائر الافراد فلا يكون معرفته وتصوره

______________________________

*

أقول: يمكن تقسيمه إلى القسمين بناء على كونه التخصيص أيضا بأن يراد منه ما هو أعم مما كان عن قصد كما في التعييني أولا كما في التعيني (قوله: ان الملحوظ حال) الظاهر عدم الفرق في مجيئ الاقسام بين الوضع التعييني والوضع التعيني، غاية الامر لحاظ العام والخاص يكون في الثاني لاجل الاستعمال الذي هو المصحح لاعتبار الوضع. ثم إن لحاظ الموضوع له " تارة " يكون تفصيليا " وأخرى " يكون إجماليا ببعض وجوه الملحوظة والمراد بوجه الشئ ما يكون لحاظه مميزا للموجه عما عداه ويكون النظر إليه نظرا إليه في الجملة (قوله: فيوضع اللفظ) وحينئذ يكون الوضع عاما والموضوع له عاما (قوله: أخرى) فيكون الوضع عاما والموضوع له خاصا (قوله: إلا وضع) فيكون الوضع خاصا والموضوع له خاصا (قوله: وذلك لان) بيان لوجه انحصار الاقسام في الثلاثة (قوله: بما هو كذلك) أي بما هو عام (قوله: فانه من وجوهها) العام بما هو عام لا يكون وجها للخاص، وإنما يصلح لذلك بتوسط تحديده وتضييق دائرته، كما أن دلالته على الخاص إنما تكون بذلك أيضا، لان العام صالح لان يكون وجها لكل واحد من أفراده فكونه وجها لواحد منها بخصوصه إنما يكون بتقييده بنحو لا ينطبق إلا عليه، فالعام الحاكي عن تمام أفراده بخصوصيتها ليس عاما في الحقيقة بل يكون خاصا مرادفا لقولنا: تمام الافراد فتأمل (قوله: معرفته) أي معرفة الشئ ذي الوجه (قوله: فانه بما هو خاص) يعني أن الخاص بما أنه خاص يمتنع أن يكون حاكيا عن العام، لان العام صالح للانطباق علي

٢٠