حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 571
المشاهدات: 202879
تحميل: 4870


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202879 / تحميل: 4870
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 1

مؤلف:
العربية

بموادها في مثل: زيد قائم، و: ضرب عمرو بكرا شخصيا، وبهيئاتها المخصوصة من خصوص إعرابها نوعيا، ومنها خصوص هيئات المركبات الموضوعة لخصوصيات النسب والاضافات بمزاياها الخاصة من تأكيد وحصر وغيرهما نوعيا، بداهة أن وضعها كذلك واف بتمام المقصود منها كما لا يخفى من غير حاجة إلى وضع آخر لها بجملتها - مع استلزامه الدلالة على المعنى (تارة) بملاحظة وضع نفسها (وأخرى) بملاحظة وضع مفرداتها

______________________________

أو بمفرداته وإنما الاشكال في ثبوت وضع للمركب بمادته وهيئته زائد على الوضعين المذكورين فالمحكي عن جماعة ذلك وقد أبطله المصنف (ره) بوجهين (أحدهما) لزوم اللغوية بالوضع إن كان بلا غرض أو تحصيل الحاصل إن كان بقصد التوصل إلى التفهيم لحصوله بالوضع الاول (وثانيهما) لزوم الدلالة على المعنى مرتين إحداهما بملاحظة وضع المواد والهيئات (وثانيتهما) بملاحظة وضع المركب - مع أن الوجدان قاض بانه ليس الا دلالة واحدة، ويمكن دفع (الاول) بصلاحية كل من الوضعين للمقدمية مع العلم به ولو مع الجهل بالآخر (والثاني) بأن حكومة الوجدان بوحدة الدلالة لا تمنع من ثبوت وضعين لامكان كونه من قبيل اجتماع علتين على معلول واحد فيستند الاثر اليهما أو إلى الجامع بينهما، فالعمدة في الاشكال على القول المذكور أنه قول بلا بيان ودعوى بلا برهان (قوله: بموادها) أي بمواد المركبات لا المفردات (قوله: شخصيا) الوضع الشخصي ما يكون الموضوع فيه جامعا بين أشخاص كلفظ زيد والنوعي ما يكون الموضوع فيه جامعا بين أنواع كهيئة الفاعل المشتركة بين كثير من المواد مثل ضارب وقاتل وشارب... إلى غير ذلك، ومنه يظهر أن هيئات مفردات المركبات ليست داخلة في كلام المصنف (ره) في المفردات (قوله: وبهيئاتها) معطوف على قوله: بموادها (قوله: ومنها) يعني من هيئات المركبات (قوله: نوعيا) مفعول مطلق لقوله: الموضوعة، على حذف الموصوف

٤١

ولعل المراد من العبارات الموهمة لذلك هو وضع الهيئات على حدة غير وضع المواد، لا وضعها بجملتها علاوة على وضع كل منهما. (السابع) لا يخفى ان تبادر المعنى من اللفظ وانسباقه إلى الذهن من نفسه وبلا قرينة علامة كونه حقيقة فيه بداهة أنه لولا وضعه له لما تبادر (لا يقال): كيف يكون علامة مع توقفه على العلم بانه موضوع له - كما هو واضح - فلو كان العلم به موقوفا عليه لدار (فانه يقال): الموقوف عليه غير الموقوف عليه،

______________________________

(قوله: ولعل المراد) لا ينبغي التأمل في كون ذلك هو المراد فلتلحظ عباراتهم

التبادر

(قوله: وبلا قرينة) مقالية أو حالية ولو كانت مقدمات الحكمة (ومنه) يظهر أن فهم الوجوب النفسي العيني التعييني من صيغة (افعل) لا يقتضي كونها حقيقة فيه لان فهم ذلك بواسطة مقدمات الحكمة كما سيأتي بيانه انشاء الله تعالى (قوله: لو لا وضعه له لما) التبادر عبارة عن انسباق المعنى من اللفظ بحيث يكون سماع اللفظ موجبا لحضور المعنى في الذهن وهذا الانسباق هو الدلالة التصورية وحينئذ يشكل ترتبه على الوضع أو العلم به (اما) على الاول فواضح (واما) على الثاني فلان حضور المعنى حاصل من جهة العلم بالوضع لا من جهة اللفظ نعم قد يترتب على العلم بالوضع الدلالة التصديقية المتقدم بيانها لكنها غير التبادر فلا يبعد إذا أن يقال: إن تبادر المعنى من اللفظ إنما يكون بتوسط الملازمة الذهنية بينهما الحاصلة من كثرة استعماله فيه سواء أكان عن وضع اللفظ له أم مجازا بقرينة حتى يبلغ حدا يوجب فهم المعنى عند سماع اللفظ فالتبادر دائما يكون علامة لهذه الملازمة الذهنية التي هي وضع تعيني لو لم يكن اللفظ قد وضع للمعنى (قوله: مع توقفه على العلم) قد عرفت أنه لا يرتبط بالعلم بالوضع (قوله: الموقوف عليه) يعنى العلم الموقوف على التبادر غير العلم الموقوف عليه التبادر فضمير (عليه) الاول

٤٢

فان العلم التفصيلي بكونه موضوعا له موقوف على التبادر، وهو موقوف على العلم الاجمالي الارتكازي به لا التفصيلي فلا دور هذا إذا كان المراد به التبادر عند المستعلم وأما إذا كان المراد به التبادر عند أهل المحاورة فالتغاير أوضح من ان يخفى ثم إن هذا فيما لو علم استناد الانسباق إلى نفس اللفظ، وأما فيما احتمل استناده إلى قرينة فلا يجدي اصالة عدم القرينة في احراز كون الاستناد إليه لا إليها - كما قيل - لعدم الدليل على اعتبارها الا في إحراز المراد لا الاستناد (ثم) إن عدم صحة سلب اللفظ بمعناه المعلوم المرتكز في الذهن اجمالا

______________________________

راجع إلى التبادر (والثاني) راجع إلى الموصول المراد به العلم (قوله: فان العلم التفصيلي) العلم التفصيلي بالوضع بمعنى التخصيص لا يحصل من مجرد التبادر لما عرفت من ان التبادر إنما يدل على الملازمة الذهنية الحاصلة من كثرة الاستعمال ولو عن تخصص لا على التخصيص نعم لو انحصر الوجه في الاستعمال بالتخصيص دل عليه (قوله: وهو موقوف على) قد عرفت أنه لا يتوقف على العلم بالوضع بل هو مستحيل فتأمل، وإنما يتوقف عليه الدلالة التصديقية ولا فرق فيما ذكرنا بين تبادر المستعلم وغيره (قوله: لعدم الدليل) تعليل لقوله: لا يجدى... الخ يعني لا تجري اصالة عدم القرينة لاثبات كون التبادر من حاق اللفظ لان الدليل ان كان أدلة الاستصحاب فهي مختصة بما إذا كان المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي وليس كذلك عدم القرينة، وإن كان بناء العقلاء - كما اشتهر من حجية الاصول المثبتة في الالفاظ لبناء العقلاء عليها - فذلك مسلم إلا أنه في غير المقام فان الشك في القرينة (تارة) يكون مع الشك في المعنى الحقيقي (واخرى) مع الشك في المراد مع وضوح المعنى الحقيقي فان كان الشك من قبيل الثاني جرت اصالة عدم القرينة وان كان من قبيل الاول - ومنه المقام - لم تجر لعدم بناء العقلاء على جريانها، ولذا اشتهر أن الاستعمال أعم من الحقيقة (قوله: إحراز المراد) يعني مراد المتكلم

٤٣

عن معنى كذلك يكون علامة كونه حقيقة فيه، كما ان صحة سلبه علامة كونه مجازا في الجملة (والتفصيل) أن عدم صحة السلب عنه وصحة الحمل عليه بالحمل الاولي الذاتي الذي كان ملاكه الاتحاد مفهوما علامة كونه نفس المعنى وبالحمل الشايع الصناعي الذى ملاكه الاتحاد وجودا بنحو من انحاء الاتحاد علامة كونه من مصاديقه وافراده(١) الحقيقية، كما أن صحة سلبه كذلك علامة أنه ليس منها وان لم نقل بأن اطلاقه عليه من باب المجاز في الكلمة،

______________________________

صحة السلب

(قوله: عن معنى كذلك) يعني كالتبادر يكون علامة الحقيقة (قوله: في الجملة) متعلق بقوله: مجازا، يعني صحة السلب علامة كونه مجازا في الجملة إما في الكلمة - كما هو المشهور - أو في غيرها كما يراه السكاكي وياتي تفصيله (قوله: ملاكه الاتحاد) كما في حمل أحد المترادفين على الآخر مع الجهل بمعنى المحمول تفصيلا (مثلا) إذا شككنا في أن البشر هو الانسان أو غيره نجعل البشر محمولا على الانسان فنقول: الانسان بشر، فان صح الحمل دل على كون البشر موضوعا للانسان، وأما حمل الحد التام على المحدود فليس مما نحن فيه لان الحد التام يجب أن يكون أجلى من المحدود لتتضح به حقيقته (قوله: الاتحاد وجودا) كما في جميع موارد حمل الكلي على الفرد أو على كلي آخر (قوله: علامة كونه) كما تقول: هذا البليد إنسان، لتعرف أن البليد من افراد الانسان، أما مثل: زيد بشر، فليس داخلا في كلام المصنف (ره) إذ الشك فيه في مفهوم الكلي لا في فردية فرده (قوله: وافراده الحقيقية) يعني حيث يكون الحمل بين الفرد والكلي أما لو كان بين كليين فيدل الحمل على اتحادهما خارجا وان اختلفا مفهوما وكان بينهما عموم من وجه كما اشار إليه

______________

(١) فيما إذا كان المحمول والمحمول عليه كليا وفردا لا فيما إذا كان كليين متساويين أو غيرهما كما لا يخفى. من الماتن قدس سره (*)

٤٤

بل من باب الحقيقة وان التصرف فيه في أمر عقلي - كما صار إليه السكاكي - واستعلام حال اللفظ وأنه حقيقة أو مجاز في هذا المعنى بهما ليس على وجه دائر، لما عرفت في التبادر من التغاير بين الموقوف والموقوف عليه بالاجمال والتفصيل، أو الاضافة إلى المستعلم والعالم فتأمل جيدا (ثم) إنه قد ذكر الاطراد وعدمه علامة للحقيقة والمجاز أيضا، ولعله بملاحظة نوع العلائق المذكورة في المجازات حيث لا يطرد صحة استعمال اللفظ معها والا فبملاحظة خصوص ما يصح معه الاستعمال فالمجاز مطرد كالحقيقة، وزيادة قيد:

______________________________

المصنف (ره) في حاشيته (فعلى) هذا تكون الاقسام ثلاثة حمل احد المترادفين على الآخر، وحمل الكلي على الفرد، وحمل أحد الكليين على الآخر (والاول) يدل على كون الموضوع نفس المعنى (والثاني) يدل على انه من افراده (والثالث) لا يدل على حقيقة أو مجاز وإنما يدل على الاتحاد في الخارج سواء أكانا متساويين كالنوع والفصل أم بينهما عموم مطلق كالنوع أو الفصل والجنس، أو عموم من وجه كالحيوان والابيض (قوله: الحقيقة) يعني في الكلمة (قوله: لما عرفت في التبادر) مما عرفت هناك تعرف حقيقة الحال هنا فانهما من باب واحد والكلام في المقامين مطرد

الاطراد

(قوله: قد ذكر الاطراد) الاطراد عبارة عن كون اللفظ المستعمل في مورد بلحاظ معنى بحيث يصح استعماله في ذلك المورد وفي غيره من الموارد بلحاظ ذلك المعنى كما في لفظ الانسان الذي يطلق على زيد بلحاظ كونه حيوانا ناطقا فانه يصح إطلاقه على جميع افراد الحيوان الناطق بلحاظه ويقابله عدم الاطراد ثم إن هذه العلامة ليست مذكورة في كلام الاكثر وإنما نص عليها بعض من تأخر كما قيل (قوله: ولعله بملاحظة) دفع للاشكال على العلامة المذكورة

٤٥

من غير تأويل، أو: على وجه الحقيقة، وان كان موجبا لاختصاص الاطراد كذلك بالحقيقة الا انه حينئذ لا يكون علامة لها الا على وجه دائر، ولا يتأتى التفصي عن الدور بما ذكر في التبادر هنا ضرورة أنه مع العلم بكون الاستعمال على نحو الحقيقة لا يبقى مجال لاستعلام حال الاستعمال بالاطراد أو بغيره

______________________________

(اما الاشكال) فهو أن الاطراد بالمعنى المتقدم حاصل في المجاز ايضا فان كل لفظ يصح استعماله في غير معناه مطردا مع تحقق العلاقة فلفظ الاسد يصح استعماله في كل من يشابه الاسد في الشجاعة وهكذا غيره ولاجل ذلك قيل: إن المجازات موضوعة بالوضع النوعي (واما الدفع) فلان الاطراد في المجاز إنما كان بلحاظ العلاقة المصححة لا مطلقا وإلا فلا يجوز استعمال كل لفظ في كل معنى له نحو من المشابهة فلا يجوز استعمال لفظ الاسد في الجبان بملاحظة المشابهة في البخر، فجعل الاطراد من علائم الحقيقة كان بملاحظة نوع العلائق في المجاز فانه لا اطراد فيه بملاحظته وان كان بملاحظة خصوص العلاقة المصححة للاستعمال يكون مطردا كالحقيقة كما ذكر في الاشكال (قوله: من غير تأويل) يعني وان كان حقيقة في الكلمة فهو اشارة إلى مذهب السكاكي (قوله: على وجه الحقيقة) يعني في الكلمة فهو بلحاظ مذهب المشهور (قوله: ضرورة انه مع) تعليل لعدم تاتي التفصي السابق في التبادر (وتوضيح) الفرق بين المقامين أن كون الاطراد على نحو الحقيقة قد أخذ بنفسه قيدا لكون الاطراد علامة فلا يمكن الاستعلام به حتى يعلم أنه على وجه الحقيقة ومع هذا العلم لا مجال للاستعلام لانه تحصيل للحاصل وفى التبادر لم يؤخذ العلم بالوضع قيدا للتبادر الذي هو علامة بل أخذ نفس التبادر علامة، غاية الامر أنه لا يتحقق الا مع العلم بالوضع ولو اجمالا. ثم إن ههنا علامتين أخريين إحداهما تنصيص الواضع أو اهل اللغة، ثانيتهما صحة الاستعمال فيه بلا عناية كما تكرر تمسك المصنف (ره) بها على نحو الحقيقة، والله سبحانه أعلم.

٤٦

(الثامن) انه للفظ احوال خمسة وهي التجوز والاشتراك والتخصيص والنقل والاضمار لا يكاد يصار إلى احدها فيما إذا دار الامر بينه وبين المعنى الحقيقي الا بقرينة صارفة عنه إليه، وأما إذا دار الامر بينها فالاصوليون - وان ذكروا لترجيح بعضها على بعض وجوها - إلا أنها استحسانية لا اعتبار بها الا إذا كانت موجبة لظهور اللفظ في المعنى لعدم مساعدة دليل على اعتبارها بدون ذلك كما لا يخفى (التاسع) انه اختلفوا في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه على أقوال، وقبل الخوض في تحقيق الحال لا بأس بتمهيد مقال وهو أن الوضع التعييني كما يحصل بالتصريح بانشائه كذلك يحصل باستعمال اللفظ في غير ما وضع له كما إذا وضع له، بان يقصد الحكاية عنه

______________________________

احوال اللفظ

(قوله: إذا دار الامر بينه وبين) العبارة لا تخلو عن حزازة إذ المراد الدوران بين كل واحد منها وعدمه غاية الامر ان البناء على العدم في بعضها يقتضي الحمل على المعنى الحقيقي. ثم إن الظاهر من العقلاء البناء على عدم كل واحد من المذكورات عند الشك فيه فيجب العمل على بنائهم لحجيته حيث لا يكون رادع - كما في المقام - كما أن وظيفة اصالة العدم في مثل الاشتراك والنقل تشخيص ظهور الكلام وفى الباقي وجوب العمل بالظاهر فالاول نظير اصالة عدم القرينة والثاني نظير اصالة الحقيقة فتدبر

الحقيقة الشرعية

(قوله: بالتصريح بانشائه) يعني انشاءه بالقول كأن يقول: سميت ولدي عليا (قوله: كذلك يحصل) الظرف متعلق بقوله: يحصل، (قوله: باستعمال اللفظ) يعني انشاءه بالفعل، فان الوضع بناء على كونه انشائيا يكون

٤٧

والدلالة عليه بنفسه لا بالقرينة وان كان لا بد حينئذ من نصب قرينة إلا أنه للدلالة على ذلك لا على ارادة المعنى كما في المجاز (فافهم) وكون استعمال اللفظ فيه كذلك في غير ما وضع له بلا مراعات ما اعتبر في المجاز فلا يكون بحقيقة ولا مجاز غير ضائر بعد ما كان مما

______________________________

كسائر الانشائيات التي تنشأ بالفعل تارة، وبالقول أخرى كالمعاطاة والفسخ والرجوع في الطلاق وغيرها. نعم يعتبر في انشائه بالفعل أن يكون بقصد الانشاء، فنفس الاستعمال لا بقصد انشاء الوضع لا يكون انشاء له. ثم إنه يمكن الاشكال في تحقق الانشاء بالفعل كليا من جهة ان الافعال ليست مما يتسبب بها عند العقلاء إلى تحقق المفاهيم الانشائية، والافعال في المعاطاة وغيرها مما ذكر ليست صادرة بقصد الانشاء بها أصلا، بل صادرة جريا على الالتزامات النفسية فلا تصلح الا للحكاية عنها (ويشكل) في خصوص المقام من جهة أن قصد وضع اللفظ للمعنى يتوقف على ملاحظة كل من اللفظ والمعنى مستقلا والاستعمال يتوقف على ملاحظة اللفظ عبرة وآلة لملاحظة المعنى بحيث يكون فانيا فيه فالاستعمال الصادر عن قصد تحقق الوضع يؤدي إلى اجتماع لحاظين للفظ آلي واستقلالي في زمان واحد (فتأمل) (قوله: والدلالة عليه بنفسه) كيف يمكن قصد الدلالة على المعنى بنفس اللفظ مع ان اللفظ لا يصلح لذلك إلا بالوضع (قوله: للدلالة على ذلك) أي على كون الاستعمال بقصد الحكاية عن المعنى بنفس اللفظ لا بالقرينة لكن عرفت أن مجرد ذلك غير كاف في تحقق الوضع ما لم يكن عن قصد الوضع، فلا بد أيضا من قرينة دالة على ذلك، وقد تفيد ذلك كله قرينة واحدة، ولعله إلى بعض ما ذكرنا اشار بقوله: فافهم، (قوله: في غير ما وضع له) إذ الوضع انما يكون بالاستعمال فالمعنى قبله غير موضوع له فلا يكون الاستعمال فيه استعمالا فيما وضع له (قوله: مراعات ما اعتبر في المجاز) يعني من ملاحظة المناسبة بين المستعمل فيه المعنى الحقيقي فانه قد لا يكون له معنى حقيقي أصلا، وقد يكون لكن الاستعمال بلا مناسبة أو بلا ملاحظتها (قوله: غير ضائر) خبر كون الاستعمال (قوله: بعد ما كان مما) أقول: إذا بني على صحة الانشاء بالفعل فلا يعتبر في صحة إنشاء

٤٨

يقبله الطبع ولا يستنكره، وقد عرفت سابقا أنه في الاستعمالات الشايعة في المحاورات ما ليس بحقيقة ولا مجاز، إذا عرفت هذا فدعوى الوضع التعييني في الالفاظ المتداولة في لسان الشارع هكذا قريبة جدا ومدعي القطع به غير مجازف قطعا، ويدل عليه تبادر المعاني الشرعية منها في محاوراته، ويؤيد ذلك أنه ربما لا يكون علاقة معتبرة

______________________________

الوضع بالاستعمال أن يكون صحيحا، فلو فرض أن الاستعمال المذكور ليس بحقيقة ولا مجاز ولا مما يقبله الطبع أمكن انشاء الوضع به، فينبغي ان يكون قبول الطبع مصححا للاستعمال لا لانشاء الوضع به ثم إن هذا الاشكال مبني على أن الوضع منتزع من مجرد الانشاء أما لو كان منتزعا من الالتزام النفسي فالاستعمال يكون فيما وضع له لانه جار على طبق ذلك الالتزام النفسي كغيره من الاستعمالات، كما أن هذا الاشكال بعينه قد أورد على الفسخ بالتصرف المتوقف على الملك كوطئ الجارية التي باعها بخيار له، ولازمه حرمة الوطء لانه في غير الملك، وقد أجيب عنه بوجوه، وقد ذكرنا في محله أن الفسخ إنما يتحقق بنفس الالتزام النفسي لا بالوطئء فالوطء يكون جاريا على مقتضى الفسخ، غاية الامر أن هذا الالتزام النفسي لا يكون فسخا إلا بمظهر له والفعل يكون هو المظهر، والباعث على منع كون الوطء فسخا كونه غير صادر بعنوان الانشاء بل صادر جريا على الالتزام، فلو بنى على عدم كون الالتزام النفسي فسخا كان اللازم منع تحقق الفسخ بالفعل ايضا والله سبحانه أعلم (قوله: هكذا) قيد لقوله: وضع، يعني انشاءه بالفعل (قوله: قريبة جدا) لاقتضاء العادة ذلك فانه بعد فرض كون معانيها ماهيات مخترعة للشارع، وأنه في مقام تفهيمها للمخاطبين، وأنه كان يستعمل تلك الالفاظ فيها دون غيرها يحصل الاطمئنان بانه قد وضع تلك الالفاظ لتلك المعاني ولا سيما مع عدم استعماله تلك الالفاظ إلا فيها أو ندرة استعمالها في غيرها هذا وبضميمة بعد إنشائه بالقول لعدم نقله لنا وعدم الحاجة إليه يثبت الوضع بالفعل لا بالقول (قوله: وبدل عليه) يعني على أصل الوضع التعييني لا كونه بالقول (قوله: تبادر المعاني)

٤٩

بين المعاني الشرعية واللغوية فأي علاقة بين الصلاة شرعا والصلاة بمعنى الدعاء ومجرد اشتمال الصلاة على الدعاء لا يوجب ثبوت ما يعتبر من علاقة الجزء والكل بينهما كما لا يخفى هذا كله بناء على كون معانيها مستحدثة في شرعنا وأما بناء على كونها ثابتة في الشرايع السابقة كما هو قضية غير واحد من الايات مثل قوله تعالى (كتب عليكم الصيام كما كتب... الخ) وقوله تعالى (وأذن في الناس بالحج) وقوله (تعالى): (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا)... إلى غير ذلك، فالفاظها حقايق لغوية لا شرعية، واختلاف الشرايع فيها جزءا أو شرطا لا يوجب اختلافها في الحقيقة والماهية، إذ لعله كان من قبيل الاختلاف في المصاديق والمحققات كاختلافها بحسب الحالات في شرعنا كما لا يخفى (ثم) لا يذهب عليك أنه مع هذا الاحتمال لا مجال لدعوى الوثوق فضلا عن القطع بكونها حقايق شرعية، ولا لتوهم دلالة الوجوه التي ذكروها على ثبوتها لو سلم دلالتها على الثبوت لولاه (ومنه) انقدح

______________________________

لم يعلم كون التبادر في زمان الشارع كان مستندا إلى نفس اللفظ أو القرينة وأصالة عدم القرينة غير مجدية كما تقدم (قوله: والصلاة بمعنى الدعاء) لم يثبت كون الصلاة في اللغة بمعنى الدعاء مطلقا وما حكي مبني على المسامحة (قوله: ومجرد اشتمال) هذا الاشتمال في بعض الاحوال ولا يعتبر في الماهية الصحيحة قطعا (قوله: كما هو قضية... الخ) المقدار المستفاد من الآيات الكريمة هو ثبوت هذه الحقائق في الشرايع السابقة، أما كون الالفاظ المذكورة موضوعة لها فيها فلا، أما مثل الآية الاولى فظاهر، وأما مثل: (وأوصاني بالصلاة) فالاستدلال بها موقوف على كونه نقلا باللفظ، ولعله قطعي العدم فان هذه الالفاظ عربية ولغات الشرائع السابقة غير عربية. ثم لو تم الاستدلال كانت حقائق شرعية لكنها في الشرائع السابقة لا لغوية إلا أن يكون المراد من اللغوية ما هو أعم من ذلك كما هو الظاهر (قوله: لولاه) قيد للدلالة، والضمير راجع إلى هذا الاحتمال

٥٠

حال دعوى الوضع التعينى معه، ومع الغض عنه فالانصاف أن منع حصوله في زمان الشارع في لسانه ولسان تابعيه مكابرة (نعم) حصوله في خصوص لسانه ممنوع فتأمل، وأما الثمرة بين القولين فتظهر في لزوم حمل الالفاظ الواقعة في كلام الشارع بلا قرينة على معانيها اللغوية مع عدم الثبوت، وعلى معانيها الشرعية على الثبوت فيما إذا علم تأخر الاستعمال، وفيما إذا جهل التاريخ ففيه اشكال، واصالة تأخر الاستعمال - مع معارضتها باصالة تأخر الوضع - لا دليل على اعتبارها تعبدا إلا على القول

______________________________

(قوله: حال الوضع التعيني) يعني أيضا لا مجال لدعواه إذا كانت الالفاظ المذكورة حقائق في هذه المعاني قبل حدوث شريعتنا المقدسة (قوله: الغض عنه) يعني عن هذا الاحتمال (قوله: حصوله) اي حصول الوضع التعيني (قوله: تابعيه) المراد بهم من كان يتبعه في استعمال الالفاظ المذكورة في المعاني الشرعية ممن كان في عصره سواء أكان صحابيا أم غيره، وليس المراد من تابعيه ما يقابل الصحابة إذ محل الدعوى خصوص زمان الشارع (قوله: في خصوص لسانه) يعني ثبوت الوضع التعيني في خصوص الالفاظ التي يستعملها هو ممنوع بعد البناء على عدم الوضع التعييني وكان قوله: فتأمل، إشارة إلى اشكال في المنع المذكور، فان استعمال الشارع تلك الالفاظ في تلك المعاني في مدة تقارب عشرين سنة مما يؤدي إلى حصول الوضع التعيني (قوله: على الثبوت) يعني على تقدير القول بثبوت الحقيقة الشرعية (أقول): يمكن ان يشكل بان ذلك يتوقف ايضا على هجر المعاني اللغوية وإلا كانت من قبيل اللفظ المشترك يحتاج في الحمل على أحدهما بعينه إلى القرينة - مضافا إلى أن الثمرة المذكورة فرضية علمية لا عملية، وإلا فقد قيل: إن هذه المعاني مما يعلم كونها مرادة للشارع في جميع الاستعمالات فان للتتبع شاهد بانه لم يستعمل في غيرها (قوله: تأخر الاستعمال) يعني عن زمان الوضع (قوله: جهل التاريخ) يعني فلا يدرى أن الاستعمال قبل الوضع أو بعده (قوله: وأصالة تأخر) يعني ربما يدعى أنه يمكن إثبات كون

٥١

بالاصل المثبت ولم يثبت بناء من العقلاء على التأخر مع الشك، واصالة عدم النقل إنما كانت معتبرة فيما إذا شك في أصل النقل لا في تأخره فتأمل. (العاشر) انه وقع الخلاف في أن الفاظ العبادات أسامي لخصوص الصحيحة أو للاعم منها، وقبل الخوض في ذكر أدلة القولين يذكر أمور (منها) انه لا شبهة في تأتي الخلاف على القول بثبوت الحقيقة الشرعية، وفى جريانه

______________________________

الاستعمال بعد الوضع ليحمل اللفظ على المعنى الشرعي، وطريق الاثبات إعمال القاعدة المشهورة: أعني أصالة تأخر الحادث، فان الاستعمال حادث فيثبت تأخره بالاصل المذكور (والاشكال) على هذا الوجه من وجوه (الاول) أنه معارض باصالة تأخر الوضع فانه شئ حادث ايضا (الثاني) أن التأخر ليس حكما شرعيا ولا موضوعا لحكم شرعي فجريان الاصل فيه موقوف على القول بالاصل المثبت وهو الاصل الجاري فيما ليس موضوعا لحكم شرعي ولا حكما شرعيا وكان يترتب عليه حكم شرعي بواسطة كما في المقام، فانه إذا كان الاستعمال متأخرا كان اللفظ محمولا على المعنى الشرعي، وإذا حمل عليه ثبت حكم شرعي، لكن لا دليل على حجية الاصل المثبت إلا بناء العقلاء في موارد مخصوصة ليس المقام منها - مع أن التأخر ليس في نفسه مجرى للاصل، وإنما هو من لوازم عدم الاستعمال إلى زمان الوضع ويأتي في محله انشاء الله أن الاصل لا يجري في كل من عدمي مجهولي التاريخ ولو كان العدم موضوعا للاثر الشرعي فانتظر (قوله: واصالة عدم) يعني قد يقال: انه تجري اصالة عدم النقل في زمان الاستعمال، الذي يكون لازمه الحمل على المعنى اللغوي، لكن فيه أن اصالة عدم النقل انما تجري إذا شك في حدوث النقل وعدمه لا ما إذا علم النقل وشك في تقدمه وتأخره كما في المقام (أقول): لا يبعد جريان اصالة عدم النقل لو علم تاريخ الاستعمال، والعلم بالنقل في الجملة مع الجهل بكونه قبله أو بعده غير ضائر، ولعله إلى هذا اشار بقوله: فتأمل.

٥٢

على القول بالعدم إشكال، وغاية ما يمكن أن يقال في تصويره: أن النزاع وقع على هذا في أن الاصل في هذه الالفاظ المستعملة مجازا في كلام الشارع هو استعمالها في خصوص الصحيحة أو الاعم بمعنى أن أيهما قد اعتبرت العلاقة بينه وبين المعاني اللغوية ابتداء وقد استعمل في الآخر بتبعه ومناسبته ؟ كي ينزل كلامه عليه مع القرينة الصارفة عن المعاني اللغوية وعدم قرينة اخرى معينة للآخر، وأنت خبير بانه لا يكاد يصح هذا الا إذا علم أن العلاقة إنما اعتبرت كذلك، وأن بناء الشارع في محاوراته استقر - عند عدم نصب قرينة أخرى - على ارادته بحيث كان هذا قرينة عليه من غير حاجة إلى قرينة معينة أخرى

______________________________

الصحيح والاعم

(قوله: على القول بالعدم اشكال) هذا الاشكال لا يجري بناء على كون الالفاظ حقائق لغوية بالمعنى الذي استشهد عليه بالآيات الشريفة المتقدمة فانه يجري عليه النزاع كما يجري بناء على الحقيقة الشرعية (قوله: أن يقال) هذا ذكره في التقريرات وجعله أولى (قوله: بمعنى أن أيهما قد اعتبرت) هذا التحرير يترتب عليه سبك مجاز في مجاز، ويمكن تحريره بنحو لا يلزم منه ذلك، فيقال: بعد ما كانت هذه الالفاظ مجازا في المعاني المستحدثة فهل مقتضى القرينة النوعية حملها على المعنى الصحيح حتى تقوم قرينة شخصية على ارادة الاعم أو مقتضاها الحمل على الاعم حتى تقوم القرينة الشخصية على ارادة الصحيح ؟ والقائل بالصحيح يذهب إلى الاول والقائل بالاعم يذهب إلى الثاني، ويكون النزاع على هذا نظير النزاع في الامر الواقع عقيب توهم الحظر وفي النهي الواقع عقيب توهم الوجوب، ونحوهما (قوله: بتبعه ومناسبته) هذا لا يلزم أحد المذهبين، إذ يمكن الالتزام بكون الاستعمال بملاحظة العلاقة بينه وبين المعنى الحقيقي الاصلى حتى لا يلزم سبك مجاز في مجاز (قوله: كلامه عليه) أي كلام الشارع على المعنى

٥٣

وأنى لهم باثبات ذلك، وقد انقدح بما ذكرنا تصوير النزاع على ما نسب إلى الباقلانى وذلك بأن يكون النزاع في أن قضية القرينة المضبوطة التي لا يتعدى عنها الا بالاخرى

______________________________

الملاحظ فيه العلاقة أولا (قوله: وأنى لهم) أي لكل من القائلين بالصحيح والقائلين بالاعم (قوله: باثبات ذلك) هذا غير ظاهر إذ يمكن للقائل بالصحيح الالتزام به إما لعدم امكان تصوير الجامع - كما يراه المصنف (ره) فيمتنع ملاحظة العلاقة بينه وبين المعاني الاصلية، أو يكون الصحيح هو محط الآثار والاغراض فيكون ذلك قرينة على إرادته إلا أن تقوم قرينة على خلافها، أو لكونه المتبادر من اللفظ بمجرد وجود القرينة الصارفة فيستكشف به وجود قرينة نوعية ارتكازية مقتضية له، ويمكن للقائل بالاعم دعوى الاستقراء الحاصل من ملاحظة المعاني الموضوع لها والمستعمل فيها أو خصوص الموضوع لها على نحو يكشف عن ضابط مطرد حتى في المعاني المجازية أو دعوى التبادر على النحو المتقدم، وليس هذا ونحوه بأضعف من أدلة القولين بناء على القول بالحقيقة الشرعية فتأمل، (قوله: ما نسب إلى الباقلاني) المنسوب إليه أن الالفاظ باقية على معانيها اللغوية والخصوصيات الزائدة عليها معتبرة في موضوع الامر لا في المستعمل فيه فتكون نسبة المعاني المستحدثة إلى المعاني اللغوية نسبة المقيد إلى المطلق فان كان تقييد المطلق يوجب التجوز فيه كانت الالفاظ مجازا من قبيل مجاز الاطلاق الوارد عليه التقييد، وإلا كانت حقيقة وعلى القول بنفي الحقيقة الشرعية تكون الالفاظ مستعملة في المعاني المستحدثة بعلاقة الجزء والكل أو نحوها، ومنه يظهر لك الفرق بين قول الباقلاني والقول بنفي الحقيقة الشرعية، كما منه يظهر الاشكال في تصوير النزاع على مذهبه بناء على كون المطلق الوارد عليه التقييد حقيقة إذ ليست هي إلا مستعملة في نفس المعاني اللغوية لا في الصحيح ولا في الاعم، (فان قلت): المعاني اللغوية تكون صحيحة وفاسدة فيمكن تأتي النزاع عليه أيضا (قلت): صحة المعاني اللغوية ليست موضوعا للنزاع كصحة سائر المعاني

٥٤

الدالة على أجزاء المأمور به وشرائطه هو تمام الاجزاء والشرائط أو هما في الجملة فلا تغفل (ومنها) أن الظاهر أن الصحة عند الكل بمعنى واحد وهو التمامية وتفسيرها باسقاط القضاء - كما عن الفقهاء - أو بموافقة الشريعة - كما عن المتكلمين - أو غير ذلك انما هو بالمهم من لوازمها، لوضوح اختلافه بحسب اختلاف الانظار، وهذا لا يوجب تعدد المعنى، كما لا يوجبه اختلافها

______________________________

اللغوية التى لا تكون موضوعا للآثار. نعم لو كان المراد من المعاني اللغوية ما تقدم الاستدلال عليه بالآيات فقد عرفت تأتي النزاع حينئذ بلا محذور، وأما ما ذكره المصنف (ره) في تحرير النزاع على مذهبه فليس نزاعا في معاني تلك الالفاظ الحقيقية ولا المجازية بل نزاع في امر خارج عن الصحيح والاعم. نعم بناء على أن المطلق مجاز فيمكن النزاع على النحو المتقدم بناء على نفي الحقيقة الشرعية، (قوله: الدالة على اجزاء) صفة القرينة (قوله: هو تمام الاجزاء) خبر كلمة (أن) وعلى هذا يكون النزاع في الالفاظ الحاكية عن أجزاء المأمور به وشرائطه.

معنى الصحة

(قوله: هو التمامية) يعني تمامية الاجزاء والشرائط، وعن الوحيد (ره) تفسيرها بالتمامية للاجزاء فقط وهو غير ظاهر (قوله: إنما هو بالمهم) يعني أن الصحة عند الجميع بمعنى واحد والاختلاف في تعريفها ليس للاختلاف في معناها بل للاختلاف في الاثر المقصود الاشارة إليها به، فالفقهاء لما كان الاثر المقصود من الصحة عندهم سقوط القضاء عرفوا الصحة باسقاط القضاء، والمتكلمون لما كان الاثر المقصود لهم موافقة الشريعة وعدمها لانها هي التي تكون موضوعا للثواب والعقاب عرفوها بموافقة الشريعة، فمقتضى الجمود على ظاهر التعريفات وان كان هو الاختلاف في معناها، إلا أن التأمل في كلماتهم يقتضي إرادة ما ذكرنا من قصد الاشارة إلى

٥٥

بحسب الحالات من السفر والحضر والاختيار والاضطرار.. إلى غير ذلك كما لا يخفى، ومنه ينقدح أن الصحة والفساد أمران اضافيان فيختلف شئ واحد صحة وفسادا بحسب الحالات فيكون تاما بحسب حالة وفاسدا بحسب أخرى فتدبر جيدا (ومنها) انه لا بد على كلا القولين من قدر جامع في البين كان هو المسمى بلفظ كذا، ولا إشكال في وجوده بين الافراد الصحيحة، وإمكان الاشارة إليه بخواصه وآثاره، فان الاشتراك في الاثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثر الكل فيه بذاك الجامع، فيصح تصوير المسمى بلفظ الصلاة مثلا بالناهية عن الفحشاء، وما هو معراج المؤمن ونحوهما (والاشكال فيه) بأن الجامع لا يكاد يكون أمرا

______________________________

مفهومها بالاثر المناسب لوظائفهم (قوله: بحسب الحالات) فانه من اختلاف المصداق لا المفهوم.

القدر الجامع على القول بالصحيح

(قوله: لا بد على كلا القولين) للمفروغية عن انها موضوعة بالوضع العام والموضوع له عام لا خاص ولا من المشترك اللفظي وإلا كفى في الاول الجامع الاعتباري مثل عنوان الجامع بين الافراد التامة والناقصة والثاني لا يحتاج إلى جامع (قوله: كاشف عن الاشتراك) الكشف بذلك ربما يمنع لو كان تأثيرها في القابلية إذ لا يعتبر في المؤثرات في القابلية أن يكون بينها جامع حقيقي فان كلا من وجود الشرط وعدم المانع مؤثر في القابلية - مع أنه لا جامع بين الوجود والعدم. نعم لو كانت الافراد الصحيحة مؤثرة في الجامع حقيقة أمكن تمامية البرهان (قوله: وما هو معراج) تعدد الآثار يمكن أن يكون لاجل تعدد جهات الجامع فيؤثر في كل واحد منها بجهة من جهاته، ويمكن أن يكون لاجل أنها آثار طولية (قوله: والاشكال فيه بأن) هذا الاشكال مذكور

٥٦

مركبا إذ كل ما فرض جامعا يمكن أن يكون صحيحا وفاسدا لما عرفت، ولا أمرا بسيطا لانه لا يخلو إما أن يكون هو عنوان المطلوب، أو ملزوما مسلوبا له، والاول غير معقول لبداهة استحالة أخذ ما لا يأتي الا من قبل الطلب في متعلقه - مع لزوم الترادف بين لفظة الصلاة والمطلوب وعدم جريان البراءة مع الشك في أجزاء العبادات وشرائطها لعدم الاجمال حينئذ في المأمور به فيها وإنما الاجمال فيما يتحقق به وفى مثله لا مجال لها - كما حقق في محله

______________________________

في تقريرات درس شيخنا الاعظم (قده) وقد استنتج منه كون الالفاظ موضوعة لتمام الاجزاء والشرائط الثابتة في حق القادر المختار العامد العالم فتكون الصلاة الواقعة من غيره بدلا مسقطا للواقع وليست بصلاة ويكون استعمال لفظ الصلاة فيها مجازا. هذا ولكن لا يخفى وقوع الاختلاف بين أفراد فعل القادر المختار العامد العالم من حيث الوقت والسفر والحضر ومن حيث اليومية والآيات والنافلة... إلى غير ذلك، والالتزام بالاشتراك اللفظي كما ترى، وبالاشتراك المعنوي يتوقف على وجود الجامع ودفع الاشكال المذكور عنه، وحينئذ فما به يدفع الاشكال عن تصوير الجامع بينها يدفع به الاشكال عن تصوير الجامع بين مطلق الافراد الصحيحة لعدم فرق ظاهر بين المقامين (قوله: يمكن أن يكون) يعني فلا يختص بالافراد الصحيحة (قوله: لما عرفت) يعني من كون الشئ الواحد صحيحا بلحاظ حال فاسدا بلحاظ حال أخرى (قوله: بسيطا) يعني ماهية واحدة في مقابل المركب من ماهيات مختلفة (قوله: ما لا يتأتى إلا من قبل) إذ من المعلوم أن عنوان المطلوب إنما ينتزع بعد تعلق الطلب بالماهية وقبله لا مجال لاعتباره، وإذا كان عنوان المطلوب متأخرا عن الطلب امتنع ان يؤخذ في موضوعه كما سيأتي تفصيله في التعبد والتوصل انشاء الله تعالى (قوله: لزوم الترادف) يعني وبطلانه ضروري (قوله: وعدم جريان) معطوف على الترادف (قوله: لعدم الاجمال) تعليل لعدم جريان البراءة يعني إذا كان التكليف

٥٧

- مع أن المشهور القائلين بالصحيح قائلون بها في الشك فيها، وبهذا يشكل لو كان البسيط هو ملزوم المطلوب أيضا (مدفوع) بأن الجامع انما هو مفهوم واحد منتزع عن هذه المركبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات متحد معها نحو اتحاد وفى مثله تجرى البراءة، وإنما لا تجرى فيما إذا كان المأمور به امرا واحدا خارجيا مسببا عن مركب

______________________________

متعلقا بالمفهوم البسيط كان التكليف معلوما والشك يكون شكا في الفراغ الذي هو مجرى الاحتياط لا في التكليف الذي هو مجرى البراءة وليس كذلك لو كان مركبا مجملا إذ المقدار المتيقن منه قد علم التكليف به فيجب فعله عقلا والمقدار الزائد مما شك في تعلق التكليف به والاصل فيه البراءة فتأمل (قوله: مع أن المشهور) الظاهر أن القول بالصحيح منسوب إلى المشهور والقول بالبراءة منسوب إلى المشهور ايضا لا أن القائلين بالصحيح قائلون بالبراءة وبالعكس، (قوله: وبهذا يشكل) يعني ايضا يكون لازمه القول بالاحتياط (قوله: مدفوع) خبر لقوله: والاشكال، وتوضيح الدفع: أن المفهوم البسيط الذي يدعى وضع اللفظ له (تارة) يكون موجودا بوجود ممتاز عن الوجود المردد بين الاقل والاكثر (وأخرى) يكون موجودا بعين وجوده بحيث يصح حمله عليه فان كان من قبيل الاول نظير الطهارة من الحدث بالاضافة إلى نفس الوضوء (مثلا) فلا ريب في أن مرجع الشك فيه هو الاحتياط إذ الشك في اعتبار شئ في الوضوء شطرا أو شرطا لما كان ملزوما للشك في سقوط التكليف بالطهارة فهو وان لم يقتض الاحتياط في نفسه الا أن لازمه كاف في اقتضاء الاحتياط، لان الشك في سقوط التكليف المعلوم مما لم يناقش أحد في اقتضائه الاحتياط، أما إذا كان من قبيل الثاني فالشك بين الاقل والاكثر شك في التكليف زائدا على المقدار المعلوم الثابت لمعلوم الجزئية فالمرجع فيه البراءة، وليس من لوازم كون الموضوع بسيطا أن

٥٨

يكون مرجع الشك فيه الاحتياط، ولا من لوازم كونه مركبا أن يكون مرجع الشك فيه البراءة، بل المعيار ما ذكرنا وانه مهما كان الشك في نفس التكليف - ولو من حيث الزيادة والنقيصة - فالمرجع فيه البراءة ولو كان الموضوع بسيطا، ومهما كان الشك في سقوط التكليف المعلوم للشك في تحقق موضوعه، فالمرجع فيه الاحتياط ولو كان الموضوع مركبا " فنقول " في المقام: الاجزاء الخارجية وان كانت متباينة بحسب الماهية لكنها مشتركة في مفهوم واحد عرضي ينطبق على كل فرد من أفراد الصحيح بنحو انطباقه على الباقي، وتفاوت الافراد في الاجزاء لا يوجب تفاوتها في انطباقه عليها واتحاده معها خارجا كما ترى عنوان الدواء يختلف مطابقه في الخارج باختلاف الاشخاص والازمنة والامكنة فيكون الدواء بلحاظ حال سما بلحاظ حال أخرى، ولا يكون هذا الاختلاف موجبا لاختلاف الافراد في انطباق العنوان المذكور عليها ولا اختلافا في كيفية الانطباق (ومنه) يظهر ايضا انه يمكن الالتزام بكون الجامع مركبا ومع ذلك ينطبق على القليل والكثير بأن يكون القليل في بعض الاحوال واجدا لجهات يكون بها مصداقا للمفهوم المركب بعين مصداقية الكثير له فكما جاز ان يكون التراب أحد الطهورين عند فقد الماء جاز أن يكون القليل قائما مقام الكثير في فرديته للجامع بلا قصور فيه. نعم جعله مركبا من خصوص الاجزاء المعنونة في كلماتهم من التكبير والقراءة ونحوهما مانع من انضباطه بنحو يصدق على القليل والكثير صحيحين، لكنه لا ملزم به في مقام تصوير الجامع بين افراد الصحيح ثبوتا (إذا) عرفت هذا فنقول: إذا كان الجامع مفهوما واحدا عرضيا منطبقا على الافراد المركبة من أجزاء متباينة بحسب الذات والماهية مختلفة باختلاف الحالات والخصوصيات وشك في الاقل والاكثر كان الشك راجعا إلى الشك في كمية مقدار ذلك المفهوم العرضي وأن موضوع التكليف أي مرتبة منه ؟ المرتبة التي لا تحصل الا بانضمام مشكوك الجزئية أو المرتبة التي تحصل بدونه، فيكون الشك في ثبوت التكليف لما به امتياز إحدى

٥٩

مردد بين الاقل والاكثر كالطهارة المسببة عن الغسل والوضوء فيما إذا شك في أجزائهما هذا على الصحيح، وأما على الاعم فتصوير الجامع في غاية الاشكال فما قيل في تصويره أو يقال وجوه

______________________________

المرتبتين عن الاخرى وقد عرفت انه موضوع للبراءة، ومثله الحال لو كان مركبا من ماهيات متباينة تتحد مع الاجزاء المذكورة حسبما عرفت بيانه. نعم لو كان المأمور به بسيطا في الخارج امتنع انطباقه على نفس الاجزاء لامتناع انطباق الواحد على الكثير، فلا بد ان يكون ممتازا عنها وجودا، ولازمه الرجوع إلى الاحتياط عند الشك في الاقل والاكثر إذ الشك حينئذ في حصول المكلف به لا في التكليف، لكن المراد من البسيط في تقرير الاشكال ما كان ماهية واحدة في قبال المركب من الماهيات المختلفة لا البسيط في الخارج، وإلا توجه عليه الاشكال بانه لا ينحصر الجامع بين ان يكون مركبا وبسيطا بالمعنى المذكور بل يجوز ان يكون ماهية واحدة صالحة للانطباق على المتكثر فيجري فيه ما عرفت من الرجوع إلى البراءة فتأمل والله سبحانه اعلم (قوله: مردد بين الاقل) بحيث لا يكون التردد إلا في السبب، أما لو كان التردد في المسبب والسبب جميعا فالمرجع فيه البراءة ايضا

تصوير الجامع على القول بالاعم

(قوله: في غاية الاشكال) هذا غير ظاهر، كيف والتقابل بين الصحة والفساد نظير التقابل بين الصحة والعيب من تقابل العدم والملكة الذي لا يكون إلا مع وحدة الذات فموضوع الملكة هو موضوع عدم الملكة - مضافا إلى أن المرتكز من قولنا: صحيح وفاسد، كون مرجع الضمير المتحمل له وصف الصحيح والفاسد أمرا واحدا لا أن مرجع ضمير أحدهما غير مرجع ضمير الآخر فتكون

٦٠