حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول6%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215930 / تحميل: 6174
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

والمصلحة طلب شئ قانونا من الموجود والمعدوم حين الخطاب ليصير فعليا بعد ما وجد الشرائط وفقد الموانع بلا حاجة إلى إنشاء آخر فتدبر. ونظيره من غير الطلب إنشاء التمليك في الوقف على البطون فان المعدوم منهم يصير مالكا للعين الموقوفة بعد وجوده بانشائه ويتلقى لها من الواقف بعقده فيؤثر في حق الموجود منهم الملكية الفعلية ولا يؤثر في حق المعدوم فعلا الا استعدادها لان تصير ملكا له بعد وجوده. هذا إذا أنشئ الطلب مطلقا وأما إذا أنشئ مقيدا بوجود المكلف ووجد انه الشرائط فامكانه بمكان من الامكان وكذلك لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقيقة وعدم امكانه ضرورة عدم تحقق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة الا إذا كان موجودا وكان بحيث يتوجه إلى الكلام ويلتفت إليه. ومنه قد انقدح أن ما وضع للخطاب مثل أدوات النداء لو كان موضوعا للخطاب الحقيقي لاوجب استعماله فيه تخصيص ما يقع في تلوه

______________________________

في صحته وجود غرض يقتضيه فلا يكون لغوا (قوله: والمصلحة) يعني الموجودة في المطلوب (قوله: ونظيره من غير) الظاهر أن المقصود التنظير في الوقوع لا في الامتناع إذ الظاهر أنه لا امتناع في كون المالك معدوما كما لا امتناع في كون المملوك معدوما والاول مثل ملك الحمل للميراث والثاني مثل ملك الثمرة فان الملكية من الاضافات الاعتبارية التي يصح أن تقوم بالمعدوم كما تقوم بالموجود (قوله: بانشائه) يعني بانشاء التمليك (قوله: من الواقف) يعني لا من الطبقة السابقة (قوله: فامكانه) يعني امكان انشاء الطلب (قوله: حقيقة) قيد لخطاب المعدوم (قوله: وكان بحيث يتوجه) هذا يتم لو كان قصد إفهام المخاطب مأخوذا في مفهوم الخطاب كما في المجمع وعن غيره أما لو لم يعتبر قصد الافهام في مفهوم الخطاب فاعتبار كون المخاطب بحيث يتوجه إلى الكلام ويلتفت إليه غير ظاهر. نعم قد يلغو الخطاب مع من لا يتوجه وإن كان جائزا عقلا كما أنه قد يدعو غرض إليه فلا يكون لغوا (قوله: لاوجب) يعني لو

٥٢١

بالحاضرين كما أن قضية إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غيره لكن الظاهر ان مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك بل للخطاب الايقاعي الانشائي فالمتكلم ربما يوقع الخطاب بها تحسرا وتأسفا وحزنا مثل: " أيا كوكبا ما كان أقصر عمره " أو شوقا ونحو ذلك كما يوقعه مخاطبا لمن يناديه حقيقة فلا يوجب استعماله في معناه الحقيقي حينئذ التخصيص بمن يصح مخاطبته. نعم لا يبعد دعوى الظهور انصرافا في الخطاب الحقيقي كما هو الحال في حروف الاستفهام والترجي والتمني وغيرها - على ما حققناه في بعض المباحث السابقة - من كونها موضوعة للايقاعي منها بدواع مختلفة مع ظهورها في الواقعي منها انصرافا إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه كما يمكن دعوى وجوده غالبا في كلام الشارع ضرورة وضوح عدم اختصاص الحكم في مثل: (يا أيها الناس اتقوا) و (يا أيها المؤمنون) بمن حضر مجلس الخطاب بلا شبهة ولا ارتياب ويشهد

______________________________

كان قصد الافهام مأخوذا في الخطاب الحقيقي (قوله: بالحاضرين) لانهم الذين يصح كونهم مخاطبين بالخطاب الحقيقي (قوله: في غيره) يعني غير الخطاب الحقيقي (قوله: لم يكن موضوعا) بل لا يبعد كونه موضوعا للخطاب بلا أخذ قصد الافهام فيه فان الظاهر من حال المتكلم في المثال المذكور في المتن وفى قول القائل: أيا شجر الخابور مالك مورقا ؟ وغيرهما مما هو كثير في النظم والنثر كونه متوجها إلى مخاطب لا مجرد لقلقة لسان بقصد انشاء الخطاب. هذا إن ثبت عدم العناية والتنزيل وإلا كانت مستعملة في توجيه الكلام نحو الغير بقصد الافهام تنزيلا لما لا يفهم منزلة من يفهم كما ذكره بعض المحققين لكنه خلاف الظاهر (قوله: كما يوقعه) متعلق بقوله: يوقع الخطاب (قوله: فلا يوجب) لصحة إبقاع الخطاب بالنسبة إلى المعدوم كما يصح بالنسبة إلى الموجود (قوله: يمنع عنه) يعني عن الانصراف (قوله: وجوده) يعني وجود ما يمنع عن الانصراف والوجه فيه كون أحكام الشارع الاقدس قانونية ليست مبنية على ملاحظة خصوصية

٥٢٢

لما ذكرنا صحة النداء بالادوات مع ارادة العموم من العام الواقع تلوها بلا عناية ولا للتنزيل والعلاقة رعاية " وتوهم " كونه ارتكازيا " يدفعه " عدم العلم به مع الالتفات إليه التفتيش عن حاله مع حصوله بذلك لو كان ارتكازيا والا فمن أين يعلم بثبوته كذلك كما هو واضح ؟ وإن أبيت إلا عن وضع الادوات للخطاب الحقيقي فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الالهية بأداة الخطاب أو بنفس توجيه الكلام بدون الاداة كغيرها بالمشافهين فيما لم يكن هناك قرينة على التعميم " وتوهم " صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين فضلا عن الغائبين لاحاطته بالموجود في الحال

______________________________

حضور مجلس الخطاب في موضوعاتها حتى أن بناء الفقهاء - رضي الله تعالى عنهم - على إلغاء الخصوصية إذا كان قد صرح بها في لسان الدليل فتراهم يتمسكون على الحكم العام بالدليل الدال على ثبوته في حق رجل بعينه فتأمل (قوله: لما ذكرنا) يعني أنها موضوعة للخطاب الايقاعي (قوله: العموم) يعني العموم لمن لم يحضر مجلس الخطاب (قوله: كونه) يعني كون التنزيل (قوله: يدفعه عدم) يعني لو كان التنزيل منزلة الصالح للافهام ارتكازيا لزم اتضاحه بعد التأمل والتفتيش مع أنه ليس كذلك فيدل ذلك على عدم التنزيل أصلا (قوله: كذلك) يعني ارتكازيا (قوله: اختصاص الخطابات) هذا يتم لو كانت دلالة مدخول الاداة على العموم بالاطلاق ودلالة الاداة بالوضع فان الاداة تكون حينئذ قرينة على التخصيص أما لو كانت دلالتهما معا بالوضع وجب الحكم بالاجمال لصلاحية كل منهما لصرف الآخر كما أنه لو كانت دلالتها بالاطلاق ودلالته بالوضع وجب الحكم بالعموم. هذا بالنظر إلى نفس الكلام أما بالنظر إلى القرائن الخارجة عنه فيختلف الحكم باختلاف مقتضاها (قوله: بأداة الخطاب) متعلق بالخطابات وقوله: أو بنفس، معطوف عليه (قوله: كغيرها) الضمير راجع إلى الخطابات الالهية (قوله: بالمشافهين) متعلق باختصاص

٥٢٣

والموجود في الاستقبال " فاسد " ضرورة أن احاطته لا توجب صلاحية المعدوم بل الغائب للخطاب وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى كما لا يخفى كما أن خطابه اللفظى لكونه تدريجيا ومتصرم الوجود كان قاصرا عن أن يكون موجها نحو غير من كان بمسمع منه ضرورة. هذا لو قلنا بان الخطاب بمثل: (يا أيها الناس اتقوا) في الكتاب حقيقة إلى غير النبي - صلى الله عليه وآله - بلسانه وأما إذا قيل بانه المخاطب والموجه إليه الكلام حقيقة وحيا أو إلهاما فلا محيص إلا عن كون الاداة في مثله للخطاب الايقاعي ولو مجازا وعليه لا مجال لتوهم اختصاص الحكم المتكفل له الخطاب بالحاضرين بل يعم المعدومين فضلا عن الغائبين.

فصل

ربما قيل: إنه يظهر لعموم الخطابات الشفاهية للمعدومين ثمرتان " الاولى " حجية ظهور الخطابات في الكتاب لهم كالمشافهين (وفيه) أنه مبني على اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالافهام وقد حقق

______________________________

*

(قوله: والموجود) لتساوي نسبة الممكنات إليه (قوله: في ناحيته) يعني في ناحية قدرته (قوله: ومتصرم الوجود) يعني ولو كان أبديا لامكن توجهه إلى المعدوم ولو بعد وجوده (قوله: وأما إذا قيل بأنه المخاطب) يعني إذا قلنا بأن النبي صلى الله عليه وآله هو المخاطب فالعنوان المذكور في الخطاب لما لم يرد منه المخاطب الحقيقي لعدم انطباقه عليه صلى الله عليه وآله فلابد أن يجعل الخطاب المدلول عليه باداته هو الخطاب الايقاعي ويعم الحاضرين والغائبين والمعدومين إذ الجميع غير موجه إليه الخطاب فيكون شمول بعض دون بعض بلا مخصص (قوله: الاولى حجية ظهور) يعني جواز الرجوع إلى ظهور الخطاب في تشخيص مراد المتكلم بناء على عموم الخطابات لهم وعدم الجواز بناء على عدم العموم،

٥٢٤

عدم الاختصاص بهم ولو سلم فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع بل الظاهر أن الناس كلهم إلى يوم القيامة يكون كذلك وان لم يعمهم الخطاب كما يومئ إليه غير واحد من الاخبار (الثانية) صحة التمسك باطلاقات الخطابات القرآنية بناء على التعميم لثبوت الاحكام لمن وجد وبلغ من المعدومين وان لم يكن متحدا مع المشافهين في الصنف وعدم صحته على عدمه لعدم كونها حينئذ متكفلة لاحكام غير

______________________________

(قوله: عدم الاختصاص) فالكلام المقصود به إفهام شخص يكون ظهوره حجة في حق كل احد (قوله: بذلك) يعني بالافهام (قوله: وإن لم يعمهم الخطاب) إذ لا ملازمة بين تخصيص الخطاب بشخص وتخصيصه بقصد إفهامه (قوله: كما يومئ إليه غير) مثل خبر الثقلين المروي في كتب الفريقين، وخبر عبد الاعلى مولى آل سام لقول الصادق عليه السلام فيه: هذا وأشباهه يؤخذ من كتاب الله، وما دل على عرض مطلق الخبر على الكتاب وما دل على الاخذ بالخبر الموافق للكتاب من الخبرين المتعارضين وغير ذلك مما هو كثير لكن الجميع ظاهر في الحجية بالنسبة إلى المعدومين أما انهم مقصودون بالافهام فلم أجد ما يدل عليه ولعل المتتبع يعثر عليه (قوله: الثانية صحة التمسك) يعني أنه بناء على عموم الخطاب للمعدومين يكون اثبات الحكم الذي تضمنه الخطاب لهم بنفس ذلك الخطاب لان الخطاب إذا تضمن ثبوت الحكم للعنوان المنطبق عليهم مثل: الذين آمنوا، في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا، والناس في: يا أيها الناس، فقد دل بنفسه على ثبوت الحكم لهم أما بناء على عدم شموله لهم فالخطاب إنما يتضمن إثبات الحكم لغيرهم فاثباته لهم يتوقف على ثبوت قاعدة الاشتراك والاجماع - وان قام على ثبوتها - الا أن المتيقن من معقد الاجماع هو اشتراك المعدومين مع الموجودين في جميع الخصوصيات التي كانوا عليها حال الحكم ومع فقدهم لبعض خصوصيات الموجودين لا طريق إلى ثبوت الحكم ولا يكفي الاشتراك في العنوان المأخوذ موضوعا في الخطاب (قوله: لثبوت) متعلق بالتمسك (قوله: على عدمه)

٥٢٥

المشافهين فلا بد من اثبات اتحاده معهم في الصنف حتى يحكم بالاشتراك مع المشافهين في الاحكام حيث لا دليل عليه حينئذ إلا الاجماع ولا اجماع عليه الا فيما اتحد الصنف كما لا يخفى ولا يذهب عليك أنه يمكن إثبات الاتحاد وعدم دخل ما كان البالغ الآن فاقدا له مما كان المشافهون واجدين له باطلاق الخطاب إليهم من دون التقييد به وكونهم كذلك لا يوجب صحة الاطلاق مع ارادة المقيد معه فيما يمكن ان يتطرق الفقدان وان صح فيما لا يتطرق إليه ذلك

______________________________

يعني بناء على عدم التعميم (قوله: اتحاده) الضمير راجع إلى غير (قوله: لا دليل عليه) يعني عدم الاشتراك (قوله: يمكن اثبات الاتحاد) يعني أن فقد المعدوم لبعض الخصوصيات التي كانت للموجود وان كان مانعا عن الاخذ بقاعدة الاشتراك لاحتمال دخل الخصوصية في ثبوت الحكم الا أنه يتم إذا لم يكن دليل على عدم دخل الخصوصية التي يفقدها المعدوم ويكفي في الدلالة على ذلك اطلاق عنوان الموضوع فان اطلاق الذين آمنوا، في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا، دليل على كون تمام موضوع الحكم هو المؤمن إذ لو كان الموضوع هو المؤمن الواجد لخصوصية كذا كان اللازم تقييده بذلك فعدم التقييد دليل على عدم دخل الخصوصية (قوله: وكونهم كذلك لا يوجب) يعني قد يتوهم عدم جواز التمسك بالاطلاق لعدم تمامية مقدماته إذ من مقدماته أن لا يوجد قرينة على التقييد، وكون الموجودين على صفة خاصة مما يصح أن يكون قرينة عليه فيصح الاطلاق مع إرادة التقييد ويكون وجدان الصفة قرينة عليه. ولكنه يندفع بانه لا يتم في الصفات التي يمكن أن يتطرق إليها الفقدان فان وجدان الصفات المذكورة لا يصلح قرينة على التقييد بها فلو كان المتكلم في مقام بيان اعتبارها لوجب عليه التقييد بها فترك التقييد بها يدل على عدم اعتبارها (أقول): ترك التقييد بها انما يدل على عدم اعتبارها حدوثا وبقاء في ثبوت الحكم ولا يدل على عدم اعتبار حدوثها في ثبوته لان الحدوث مما لا يتطرق إليه الفقدان ويكفي هذا المقدار في ثبوت الثمرة

٥٢٦

وليس المراد بالاتحاد في الصنف الا الاتحاد فيما اعتبر قيدا في الاحكام لا الاتحاد فيما كثر الاختلاف بحسبه والتفاوت بسببه بين الانام بل في شخص واحد بمرور الدهور والايام وإلا لما ثبت بقاعدة الاشتراك للغائبين فضلا عن المعدومين حكم من الاحكام ودليل الاشتراك إنما يجدي في عدم اختصاص التكاليف باشخاص المشافهين فيما لم يكونوا مختصين بخصوص عنوان أو لم يكونوا معنونين به للشك في شمولها لهم ايضا فلولا الاطلاق واثبات عدم دخل ذلك العنوان في الحكم لما افاد دليل الاشتراك ومعه كان الحكم يعم غير المشافهين ولو قيل باختصاص الخطابات بهم فتأمل جيدا فتلخص أنه لا يكاد تظهر الثمرة الا على القول باختصاص حجية الظواهر لمن قصد إفهامه مع كون غير المشافهين غير مقصودين بالافهام وقد حقق عدم الاختصاص به في غير المقام واشير إلى منع كونهم غير مقصودين به في خطاباته تبارك وتعالى في المقام

______________________________

العملية (قوله: وليس المراد) يعني مرادهم من الاتحاد في الصنف الذي هو شرط في جريان قاعدة الاشتراك هو الاتحاد في الخصوصيات التي لها الدخل في الحكم لا في كل خصوصية وإن لم تكن دخيلة فيه ففقد المعدوم لبعض خصوصيات الموجود لا يقدح في الاشتراك في الحكم (قوله: بل في شخص واحد) فيرى واجدا تارة وفاقدا اخرى (قوله: وإلا لما ثبت) لكثرة الاختلاف في الخصوصيات الاجنبية عن الحكم (قوله: أو لم يكونوا) الظاهر أنه بالواو بدل (أو) (قوله: في شمولها لهم) أي شمول التكاليف للغائبين والمعدومين وقد تقدم أن الشك المذكور لا رافع له لان الاجماع على الاشتراك مختص بصورة الاتحاد في الصنف (قوله: وإثبات عدم) لتحقق الاتحاد في الصنف

٥٢٧

فصل

(هل تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض افراده يوجب تخصيصه به اولا ؟) فيه خلاف بين الاعلام وليكن محل الخلاف ما إذا وقعا في كلامين أو في كلام واحد مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام كما في قوله تبارك وتعالى: (والمطلقات يتربصن) إلى قوله: (وبعولتهن أحق بردهن) وأما ما إذا كان مثل: والمطلقات ازواجهن أحق بردهن، فلا شبهة في تخصيصه به (والتحقيق) أن يقال: إنه حيث دار الامر بين التصرف في العام بارادة خصوص ما أريد من الضمير الراجع إليه والتصرف في ناحية الضمير إما بارجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه أو إلى تمامه مع التوسع في الاسناد باسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة إلى الكل توسعا وتجوزا كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب

______________________________

تعقب العام بضمير

(قوله: ما إذا وقعا في) يعني محل الكلام ما لو استقل العام عن الضمير في الحكم سواء أكانا في كلامين أم في كلام واحد (فالاول) كالضمير في الآية الشريفة فان جملة: (المطلقات يتربصن) غير جملة (بعولتهن أحق بردهن) والثاني كما في قوله: أكرم العلماء وواحدا من جيرانهم، مع قيام القرينة على كون المراد من الضمير خصوص العدول (قوله: مثل والمطلقات) يعني مما كان حكم العام هو حكم الضمير (قوله: فلا شبهة) لان المفروض أن الحكم واحد وأن موضوعه الخاص لا العام (قوله: بارجاعه إلى بعض) وإنما كان هذا تصرفا في الضمير لان وضع الضمير أن يكون المراد به ما يراد من الظاهر (قوله: مع التوسع) فلا يكون تصرف في الضمير ولا في مرجعه إذ يراد من الضمير المعنى العام الموضوع له الظاهر (قوله: سالمة عنها في جانب) يعني لا تصلح لمعارضتها أصالة الظهور

٥٢٨

الضمير وذلك لان المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد لا في تعيين كيفية الاستعمال وانه على نحو الحقيقة أو المجاز في الكلمة أو الاسناد مع القطع بما يراد كما هو الحال في ناحية الضمير (وبالجملة) أصالة الظهور إنما تكون حجة فيما إذا شك فيما أريد لا فيما إذا شك في انه كيف اريد ؟ فافهم لكنه إذا عقد للكلام ظهور في العموم بان لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به عرفا والا فيحكم عليه بالاجمال ويرجع إلى ما يقتضيه الاصول الا أن يقال باعتبار اصالة الحقيقة تعبدا حتى فيما إذا احتف بالكلام ما لا يكون ظاهرا معه في معناه الحقيقي كما عن بعض الفحول

______________________________

في جانب الضمير لان أصالة الظهور حجة في تنقيح المراد وتعيينه عند الشك فيه لا في تعيين أنه حقيقة أو مجاز مع العلم به وحيث أن الشك بالاضافة إلى العام شك في المراد به وأنه العموم أو الخصوص كانت أصالة الظهور فيه حجة وأن الشك بالاضافة إلى الضمير شك في أنه حقيقة أو مجاز مع العلم بالمراد به وأن موضوع حكمه هو الخاص لا غير كانت أصالة الظهور فيه ليست بحجة ولا مجال للتعارض (قوله: اريد فافهم) يمكن أن يكون إشارة إلى أنه لو بني على حجية أصالة الظهور حتى مع العلم بالمراد فاللازم تقديم أصالة الظهور في العام على أصالة الظهور في الضمير لان التصرف في العام تصرف في الضمير أيضا والتصرف في الضمير لا يستلزم التصرف في العام فالتصرف في الضمير معلوم ولا مجال للرجوع فيه إلى أصالة الظهور والتصرف في العام مشكوك فالمرجع فيه اصالة الظهور فتأمل (قوله: فيحكم عليه) لاقتران الكلام بما يصلح للقرينية فيمنع من انعقاد الظهور له (قوله: ما يقتضيه الاصول) يعني في حكم الافراد المغايرة للمراد من الضمير ان لم يكن دليل على الحكم المذكور (قوله: باعتبار اصالة) بان يكون حمل اللفظ على معناه الحقيقي ليس من باب الاخذ بالظاهر حتى يمنع عنه من انعقاد الظهور بل هو أصل براسه يجب العمل عليه عند الشك في ارادة المعنى الحقيقي وان لم ينعقد له

٥٢٩

فصل

قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق على قولين وقد استدل لكل منهما بما لا يخلو عن قصور وتحقيق المقام انه إذا ورد العام وماله المفهوم في كلام أو كلامين ولكن على نحو يصلح أن يكون كل منهما قرينة متصلة للتصرف في الآخر ودار الامر بين تخصيص العموم أو الغاء المفهوم فالدلالة على كل منهما ان كانت بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة أو بالوضع فلا يكون هناك عموم ولا مفهوم لعدم تمامية مقدمات الحكمة في واحد منهما لاجل المزاحمة كما في مزاحمة ظهور أحدهما وضعا لظهور الآخر كذلك فلا بد من العمل بالاصول العملية فيما دار فيه بين العموم والمفهوم إذا لم يكن مع ذلك أحدهما أظهر وإلا كان مانعا عن انعقاد الظهور أو استقراره في الآخر ومنه قد انقدح الحال فيما إذا لم يكن بين ما دل على العموم وماله المفهوم ذاك الارتباط والاتصال وانه لابد ان يعامل مع كل منهما

______________________________

*

ظهور فيه لاقترانه بما يصلح للقرينية على المجاز (قوله: مع الاتفاق) والوجه في هذا الاتفاق رجوع التعارض في الحقيقة إلى التعارض بين المنطوق والعموم حيث لا يمكن رفع اليد عن مفهوم الموافقة مع البناء على المنطوق للقطع بثبوت المفهوم على تقدير ثبوت المنطوق وإلا لم يكن مفهوم الموافقة فيكون التعارض بينهما من قبيل التعارض بين الخاص المنطوق والعام ولا ريب في وجوب تقديم الخاص على العام أما مفهوم المخالفة فيمكن رفع اليد عنه فقط مع الحكم بثبوت المنطوق فيدور الامر بين رفع اليد عنه ورفع اليد عن العموم (قوله: لعدم تمامية) راجع إلى دلالتهما بالاطلاق وقوله: كما في مزاحمة - راجع إلى دلالتهما بالوضع (قوله: أحدهما أظهر) يعني بالنظر إلى الامور الخارجة عن الكلام (قوله: انعقاد) راجع إلى صورة كونهما في كلام واحد والاستقرار راجع إلى صورة كونهما في كلامين (قوله: ذاك الارتباط) بان كان أحدهما منفصلا عن الآخر على نحو لا يصلح

٥٣٠

معاملة المجمل لو لم يكن في البين أظهر والا فهو المعول والقرينة على التصرف في الآخر بما لا يخالفه بحسب العمل.

فصل

الاستثناء المتعقب لجمل متعددة هل الظاهر هو رجوعه إلى الكل أو خصوص الاخيرة أولا ظهور له في واحد منهما بل لا بد في التعيين من قرينة ؟ اقوال والظاهر أنه لا خلاف ولا اشكال في رجوعه إلى الاخيرة على أي حال ضرورة أن رجوعه إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة وكذا في صحة رجوعه إلى الكل وان كان المتراءى من كلام صاحب المعالم - رحمه الله - حيث مهد مقدمة لصحة رجوعه إليه أنه محل الاشكال والتأمل وذلك ضرورة ان تعدد المستثنى منه

______________________________

أن يكون قرينة على التصرف فيه (قوله: معاملة المجمل) فانه وان انعقد لكل منهما ظهور مستقر إلا أنه بعد تعارض الظهورين يرجع إلى الاصول أيضا نظير تعارض العامين من وجه لا إلى المرجحات كما يأتي بيانه في محله (قوله: في البين أظهر) فان كان أحدهما أظهر من الآخر قدم الاظهر وكان الجمع عرفيا

الاستثناء المتعقب للجمل

(قوله: الاستثناء المتعقب) أما المخصص المنفصل فانه موجب لسقوط الجميع عن الحجية للعلم الاجمالي بتخصيص بعضها (قوله: هل الظاهر هو رجوعه) هذا مع صلاحية رجوعه إلى الجميع أما لو لم يكن كذلك وإن تردد بين رجوعه إلى الاخير وما قبله كما لو كان مشتركا لفظيا مثل: أكرم العلماء وبني تميم إلا زيدا، مع اشتراك زيد بين شخصين يدخل كل منهما تحت أحد العنوانين فالظاهر تعين رجوعه إلى الاخير لا غير لقربه إليه كما انه لو لم يصلح إلا لتخصيص واحد بعينه

٥٣١

كتعدد المستثنى لا يوجب تفاوتا اصلا في ناحية الاداة بحسب المعنى كان الموضوع له في الحروف عاما أو خاصا وكان المستعمل فيه الاداة فيما كان المستثنى منه متعددا هو المستعمل فيه فيما كان واحدا كما هو الحال في المستثنى بلا ريب ولا اشكال وتعدد المخرج أو المخرج عنه خارجا لا يوجب تعدد ما استعمل فيه أداة الاخراج مفهوما وبذلك يظهر أنه لا ظهور لها في الرجوع إلى الجميع أو خصوص الاخيرة وان كان الرجوع إليها متيقنا على كل تقدير (نعم) غير الاخيرة أيضا من الجمل لا يكون ظاهرا في العموم لاكتنافه بما لا يكون معه ظاهرا فيه فلا بد في مورد الاستثناء فيه من الرجوع إلى الاصول اللهم الا أن يقال بحجية اصالة الحقيقة تعبدا لا من باب الظهور فيكون المرجع عليه أصالة العموم إذا كان وضعيا لا ما إذا كان بالاطلاق ومقدمات الحكمة فانه لا يكاد تتم تلك المقدمات مع صلوح الاستثناء للرجوع إلى الجميع فتأمل(١)

______________________________

تعين تخصيصه به (قوله: كتعدد المستثنى) من المعلوم ان أداة الاستثناء مستعملة في نسبة الاخراج سواء أكانت النسبة المذكورة قائمة بين المتحدين أم المتعددين والقيام بالمتعدد لا يخرجها عن كونها نسبة شخصية وان كانت منحلة إلى نسب ضمنية متعددة بتعدد طرف النسبة لكن هذا الانحلال لا يمنع من صحة الاستعمال ولو كان الحرف موضوعا للجزئيات ومستعملا فيه لان جزئية النسبة لا تنافي انحلالها إلى متعدد بشهادة صحة تعدد المستثنى (قوله: إلا أن يقال بحجية) كما تقدم (قوله: مع صلوح) فان صلاحية الاستثناء للقرينية

______________

(١) اشارة إلى انه يكفى في منع جريان المقدمات صلوح الاستثناء لذلك الاحتمال اعتماد المطلق حينئذ في التقييد عليه لاعتقاد انه كاف فيه اللهم ان يقال: ان مجرد صلوحه لذلك بدون قرينة عليه غير صالح للاعتماد ما لم يكن بحسب متفاهم العرف ظاهرا في الرجوع إلى الجميع فاصالة الاطلاق مع عدم القرينة محكمة لتمامية مقدمات الحكمة فافهم منه قدس سره (*)

٥٣٢

(فصل) الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد المعتبر بالخصوص كما جاز بالكتاب أو بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعية من خبر الواحد بلا ارتياب لما هو الواضح من سيرة الاصحاب على العمل باخبار الآحاد في قبال عمومات الكتاب إلى زمن الائمة عليهم السلام واحتمال أن يكون ذلك بواسطة القرينة واضح البطلان مع أنه لولاه لزم إلغاء الخبر بالمرة أو ما بحكمه ضرورة ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب لو سلم وجود ما لم يكن كذلك وكون العام الكتابى قطعيا صدورا وخبر الواحد ظنيا سندا لا يمنع عن التصرف في دلالته غير القطعية قطعا والا لما جاز تخصيص المتواتر به ايضا مع انه جائز جزما والسر أن الدوران في الحقيقة بين أصالة العموم ودليل سند الخبر مع أن الخبر بدلالته وسنده صالح للقرينية على التصرف فيها بخلافها فانها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره

______________________________

موجب لانتفاء إحدى مقدمات الاطلاق (اعني أن لا يكون قدر متيقن في مقام التخاطب) فان الاستثناء يوجب كون الخاص متيقنا في مقام التخاطب نعم لو لم يعتبر في الاطلاق هذه المقدمة ثبت الاطلاق لما عدا الاخيرة ووجب العمل له والى هذا أشار بقوله: فتأمل.

تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد

(قوله: المعتبر بالخصوص) يعني الذي قام دليل على اعتباره بخصوصه لا ما ثبت اعتباره بدليل الانسداد فتأمل (قوله: القرينة) يعني القطعية (قوله: أو ما بحكمه) يعني بحكم الالغاء بالمرة فان النادر بحكم المعدوم والالغاء بالمرة مبني على عدم وجود خبر لا يعارضه عموم الكتاب (قوله: وكون العام الكتابي) هذا شروع في بيان أدلة المانعين من التخصيص (قوله: به ايضا) يعني بخبر الواحد (قوله: بين اصالة العموم الخ) يعني وهما معا ظنيان (قوله: غير صالحة لرفع) لان حجية اصالة الظهور مشروطة بعدم قيام حجة أقوى على خلافها

٥٣٣

ولا ينحصر الدليل على الخبر بالاجماع كى يقال بانه فيما لا يوجد على خلافه دلالة ومع وجود الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به كيف وقد عرفت أن سيرتهم مستمرة على العمل به في قبال العمومات الكتابية ؟ والاخبار الدالة على أن الاخبار المخالفة للقرآن يجب طرحها أو ضربها على الجدار أو انها زخرف أو انها مما لم يقل بها الامام عليه السلام وان كانت كثيرة جدا وصريحة الدلالة على طرح المخالف الا انه لا محيص عن ان يكون المراد من المخالفة في هذه الاخبار غير مخالفة العموم إن لم نقل بانها ليست من المخالفة عرفا كيف وصدور الاخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة منهم عليهم السلام كثيرة جدا ؟ مع قوة احتمال أن يكون المراد أنهم لا يقولون بغير ما هو قول الله تبارك وتعالى واقعا وان كان هو على خلافه ظاهرا شرحا لمرامه تعالى وبيانا لمراده من كلامه فافهم

______________________________

والمفروض كون الخبر حجة بدليل اعتباره فوجوده رافع لحجية أصالة الظهور (قوله: ولا ينحصر الدليل) هذا دليل ثان للمنع وحاصله ان الدليل على حجية الخبر هو الاجماع ولا اجماع مع وجود العام الكتابي على الحجية وإلا لم يقع الخلاف هنا (قوله: ما يقال بانه) ضمير (ان) راجع إلى الاجماع وضمير (خلافه) راجع إلى الخبر (قوله: والاخبار الدالة) هذا دليل ثالث للمنع وحاصله أن دليل حجية الخبر وان اقتضى جواز التخصيص به الا انه يجب رفع اليد عنه بالاخبار الدالة على عدم جواز العمل بالخبر المخالف للكتاب وهي كثيرة صريحة الدلالة والجواب عنه من وجوه (الاول) أن المراد بالمخالفة المانعة من حجية الخبر هي المخالفة العرفية والمخالفة بالعموم والخصوص ليست مخالفة عرفية (الثاني) أنه وان كانت مخالفة عرفية الا انه لابد من حمل المخالفة المانعة على غير هذا النحو من المخالفة للقطع بصدور الاخبار المخالفة بالعموم والخصوص فلو بقيت المخالفة على عمومها لزم تخصيص تلك الاخبار وهي آبية عنه الا ان يقال: إن أخبار المنع عن العمل بالخبر المخالف واردة في غير ما علم صدوره فلا يلزم من العلم بصدور الاخبار

٥٣٤

والملازمة بين جواز التخصيص وجواز النسخ به ممنوعة وان كان مقتضى القاعدة جوازهما لاختصاص النسخ بالاجماع على المنع مع وضوح الفرق بتوافر الدواعي إلى ضبطه ولذا قل الخلاف في تعيين موارده بخلاف التخصيص

فصل

لا يخفى أن الخاص والعام المتخالفين يختلف حالهما ناسخا ومخصصا ومنسوخا فيكون الخاص مخصصا تارة وناسخا مرة ومنسوخا أخرى وذلك لان الخاص ان

______________________________

المخالفة تخصيصها (الثالث) أنه يحتمل أن يكون المراد بها عدم صدور ما هو مخالف للكتاب واقعا نظير ما ورد في المايز بين الشرط الصحيح والباطل إذ المراد بالكتاب هناك مطلق ما كتبه الله سبحانه على عباده وهو الحكم الواقعي الالهي لا ما يتضمنه ظاهر الكتاب فلا يمكن الحكم على الخبر المخالف لظاهر الكتاب أنه مخالف للكتاب مع احتمال تخصيص الكتاب به واقعا بل يمكن أن يدعى أنه بدليل اعتبار الخبر يحرز أنه موافق للكتاب واقعا لا مخالف الا أن يقال: إن ذلك خلاف الظاهر بل لا مساغ لاحتماله بالنسبة إلى جميعها لورود جملة منها في مقام إبداء الضابط الفارق بين الخبر الصادق والكاذب وما يجوز العمل به وما لا يجوز ولعله إلى هذا اشار بقوله: فافهم (قوله: والملازمة بين جواز) هذا دليل رابع للمنع وحاصله دعوى الملازمة بين جواز النسخ وجواز التخصيص فكما لا يجوز النسخ لا يجوز التخصيص والجواب عدم ظهور وجه الملازمة بينهما وان كان مقتضى القاعدة جوازهما معا لكن قام الاجماع على عدم جواز النسخ ولم يقم اجماع على عدم جواز التخصيص فيبقى على مقتضى القاعدة من الجواز (قوله: بتوافر الدواعي) الموجب لعدم الوثوق بصدق حاكيه بالخبر الواحد (قوله: قل الخلاف) لتواتر ثبوته غالبا

٥٣٥

كان مقارنا مع العام أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل به فلا محيص عن كونه مخصصا وبيانا له وان كان بعد حضوره كان ناسخا لا مخصصا لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة فيما إذا كان العام واردا لبيان الحكم الواقعي والا لكان الخاص ايضا مخصصا له كما هو الحال في غالب العمومات والخصوصات في الآيات والروايات وان

______________________________

تعارض العام والخاص

(قوله: مقارنا مع العام) بان صدرا من المعصوم في زمان واحد أحدهما بالقول والآخر بغيره أو صدرا من معصومين في وقت واحد كما قيل، (قوله: فلا محيص عن) أما في صورة الاقتران فلعدم الترتب الذي هو شرط في النسخ وأما في صورة التعاقب فمبني على ما يأتي من امتناع النسخ قبل حضور وقت العمل (قوله: إذا كان العام واردا) إذ لو كان الخاص مخصصا كان خلفا لان المخصص كاشف عن عدم كون العام مطابقا للارادة الجدية والمفروض أن العام بعمومه مطابق لها ووارد لبيان عموم الحكم الواقعي ولو بلحاظ ما قبل زمان ورود الخاص (قوله: والا لكان) يعني وإن لم يكن العام واردا لبيان الحكم الواقعي فان أحرز كونه واردا لبيان غيره فقد علم كون الخاص مخصصا إذ لو كان ناسخا كان خلفا ايضا لان النسخ يتوقف على كون الحكم المنسوخ حكما واقعيا في الجملة ولو بالنظر إلى ما قبل زمان الناسخ والمفروض العلم بانه ليس كذلك وان لم يحرز أحد الامرين دار الامر بين التخصيص والنسخ ولا يبعد البناء على كونه ناسخا عملا باصالة كون العام واردا لبيان الحكم الواقعي لافراد الخاص ولو بالنسبة إلى ما قبل زمان وروده المعول عليها عند العقلاء ولذا يحكم بكون حكم العام بالنسبة إلى غير أفراد الخاص حكما واقعيا ولا تعارضها اصالة ظهوره في الاستمرار للقطع بانتفاء حكم العام في زمان ورود الخاص وما بعده بالنسبة إلى أفراد الخاص فلا أثر لها في اثبات الحكم الشرعي فتأمل وانتظر (قوله: كما هو الحال) تمثيل لما لم يكن العام واردا لبيان الحكم الواقعي ولا يخلو من تأمل

٥٣٦

كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص فكما يحتمل أن يكون الخاص مخصصا للعام يحتمل أن يكون العام ناسخا له وان كان الاظهر أن يكون الخاص مخصصا لكثرة التخصيص حتى اشتهر " ما من عام إلا وقد خص " مع قلة النسخ في الاحكام جدا وبذلك يصير ظهور الخاص في الدوام ولو كان بالاطلاق أقوى من ظهور العام ولو كان بالوضع كما لا يخفى. هذا فيما علم تأريخهما وأما لو جهل وتردد بين أن يكون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام وقبل حضوره فالوجه هو الرجوع إلى الاصول العملية وكثرة التخصيص وندرة النسخ هاهنا وإن كانا يوجبان الظن بالتخصيص ايضا وانه واجد لشرطه إلحاقا له بالغالب إلا أنه لا دليل

______________________________

وان كان بناء الاصحاب على الجمع بالتخصيص كاشفا عن بنائهم اما على ذلك أو على كون العام مقرونا بالقرينة المطابقة للخاص على سبيل منع الخلو (قوله: واردا بعد حضور) ولو كان واردا قبل حضور وقت العمل بالخاص تعين كونه مخصصا بناء على امتناع النسخ قبل حضور وقت العمل ولو بني على جوازه حينئذ دار الامر بين النسخ والتخصيص كما يأتي انشاء الله (قوله: فكما يحتمل... الخ) لعدم المانع من كل منهما (قوله: وبذلك يصير ظهور) يعني أن كثرة التخصيص وقلة النسخ منشأ لاقوائية دلالة الخاص على الدوام على دلالة العام على العموم فيقدم الاقوى ظهورا على الاضعف كما هو الوجه في تقديم الخاص على العام عند التعارض بينهما (أقول): هذا مبني على أن النسخ تخصيص في الازمان وسيأتي خلافه. هذا كله لو لم يعلم ورود العام لبيان الحكم الواقعي أو لبيان الحكم الظاهري وإلا بني على النسخ في الاول والتخصيص في الثاني جزما كما تقدم (قوله: الرجوع إلى الاصول) يعني بالنسبة إلى ما بين زمان العام وزمان الخاص لو كان موردا لابتلاء المكلف لا بالنسبة إلى الازمنة المتأخرة عن زمان ورود الخاص إذ لا شك في ثبوت حكم الخاص لافراده في تلك الازمنة سواء أكان ناسخا أم مخصصا (قوله: وأنه واجد لشرطه) يعني وأن التخصيص

٥٣٧

على اعتباره وإنما يوجبان الحمل عليه فيما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص لصيرورة الخاص بذلك في الدوام أظهر من العام كما اشير إليه فتدبر جيدا (ثم) ان تعين الخاص(١) للتخصيص إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعام أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به انما يكون مبنيا على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل والا فلا يتعين له بل يدور بين كونه مخصصا وناسخا في الاول ومخصصا ومنسوخا في الثاني الا ان الاظهر كونه مخصصا ولو فيما كان ظهور العام في عموم الافراد اقوى من ظهور الخاص في الخصوص لما اشير إليه

______________________________

واجد لشرطه وهو الورود قبل حضور وقت العمل (قوله: على اعتباره) يعني اعتبار الظن في ترجيح التخصيص على النسخ (قوله: أظهر من العام) فالترجيح مستند إلى قوة الدلالة الناشئة من الظن لا إلى الظن محضا حتى يعمل عليه في المقام " فان قلت ": فهلا كان الظن في المقام ايضا موجبا لقوة الدلالة كي يؤخذ بما دلالته أقوى ؟ " قلت ": ليس الدوران هنا بين ظهورين كي يقوى أحدهما بالظن المذكور بل الدوران بين ورود الخاص قبل حضور وقت العمل وبعده وليس أحدهما مؤدى ظهور كي يقوى بالظن " أقول ": قد عرفت أنه لا يبعد البناء على النسخ في المقام عملا باصالة كون العام واردا لبيان الحكم الواقعي لافراد الخاص ولو بلحاظ ما قبل زمان وروده (قوله: ثم ان تعين الخاص) قد اشتهر في كلامهم امتناع النسخ قبل حضور وقت العمل بالدليل المنسوخ كما اشتهر امتناع التخصيص بعد حضور وقت العمل والوجه في الاول أن النسخ رفع الحكم الثابت وقبل حضور وقت العمل لا ثبوت للحكم كما أن الوجه في الثاني قبح تأخير البيان

______________

(١) لا يخفى ان كونه مخصصا بمعنى كونه مبينا بمقدار المرام عن العام وناسخا بمعنى كون حكم العام غير ثابت في نفس الامر في مورد الخاص مع كونه مرادا ومقصودا بالافهام في مورده بالعام كسائر الافراد والا فلا تفاوت بينهما عملا اصلا كما هو واضح لا يكاد يخفى. " منه قدس سره " (*)

٥٣٨

من تعارف التخصيص وشيوعه وندرة النسخ جدا في الاحكام ولا بأس بصرف الكلام إلى ما هو نخبة القول في النسخ

______________________________

عن وقت الحاجة وقد يستشكل في وجه الاول بأن الحكم قبل وقت العمل وان لم يكن فعليا من جميع الجهات لكن له نحو من الثبوت في مقابل عدمه وهو كاف في صدق الرفع والمحو اللذين هما قوام النسخ فكما يصدق على جعله أنه ايجاد للحكم يصدق على رفعه انه نسخ له كما قد يستشكل في وجه الثاني بان المراد من الحاجة إن كان حاجة المولى فالتأخير مستحيل بملاك استحالة نقض الغرض لا أنه قبيح مع أن مورد الحاجة ان كان هو البيان فهو أول الكلام بل التأخير للبيان دليل على عدم الحاجة إليه وان كان فعل المكلف فهو مما لا يصح أن يتوهم لضرورة بطلانه وان كان حاجة العبد فثبوت الحاجة أول الكلام ايضا سواء أكان مورد الحاجة هو البيان أم الفعل كما يظهر من ملاحظة باب نصب الطرق غير العلمية " وبالجملة " قيام المصلحة في عدم البيان في الجملة مما لا مساغ لانكاره وهو كاف في امكان التخصيص بعد حضور وقت العمل وقد أشار المصنف " ره " إلى منع الثاني بقوله سابقا: إذا كان العام واردا... الخ والى منع الاول بما سيأتي في تحقيق معنى النسخ، (قوله: من تعارف التخصيص) قد تقدم أن مجرد ذلك لا يجدي في ترجيح التخصيص وانما يجدي فيه حيث يوجب اقوائية أحد الدليلين على الآخر وثبوت ذلك فيما لو ورد العام قبل حضور وقت العمل بالخاص غير ظاهر إذ ليس التعارض فيه بين عموم العام ودوام الخاص كي يوجب التعارف قوة دلالة الخاص على الثاني لان عموم العام مناف لاصل الخاص لا لدوامه فنسخ الخاص بالعام لا تنافيه دلالة الخاص كي يؤخذ بها وكذا فيما لو ورد الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام فان الحكم في زمان ورود الخاص وما بعده هو حكم الخاص على كل من تقديري النسخ والتخصيص والشك انما هو بالاضافة إلى ثبوت حكم العام لافراد الخاص قبل وروده فعلى تقدير التخصيص يكون الحكم الثابت لها حينئذ هو حكم الخاص وعلى تقدير النسخ يكون الحكم الثابت لها هو حكم العام ومن المعلوم أن ليس للخاص دلالة على

٥٣٩

فاعلم أن النسخ وان كان

______________________________

*

ثبوت حكمه لها في الزمان المذكور كي تقوى بالتعارف فيشكل الترجيح بالشيوع في كلتا الصورتين فتأمل جيدا (قوله: فاعلم أن النسخ وان) قد اشتهر في كلام جماعة أن النسخ تخصيص في الازمان ويشكل على ظاهره إذ قد لا يكون للدليل المنسوخ عموم زماني مثل أمر ابراهيم عليه السلام بذبح ولده وقد يكون له عموم يأبى التخصيص لكونه نصا في العموم، ولانه يلزم كونه من تخصيص الاكثر المستهجن إذ نسبة الزمان الباقي إلى الزمان الخارج نسبة النادر إلى الكثير، ولزم جواز اتصال الناسخ بالمنسوخ كسائر أفراد المخصص المتصل فيقال مثلا: أكرم العالم دائما إلا بعد غد إلى الابد، ولزم كون جميع العمومات الزمانية المخصصة في الزمان اللاحق منسوخة مثل عمومات اللزوم المخصصة بأدلة بعض الخيارات غير الفورية لو بني على بقاء الخيار فيها والجميع كما ترى " فالتحقيق " أن النسخ أجنبي عن التخصيص وليس هو من التصرف في الطريق واصالة الظهور بل تصرف في ذي الطريق وأصالة الجهة وتوضيح ذلك ملخصا أن الحكم المجعول " تارة " يكون جاريا على مقتضى العناوين الاولية للموضوع وهو الحكم الواقعي الاولي مثل: الخمر حرام " وأخرى " يكون جاريا على مقتضى العناوين الثانوية الطارية على العناوين الاولية وهو الحكم الواقعي الثانوي مثل: الغنم الموطوءة حرام " وثالثة " يكون جاريا على خلاف مقتضى العناوين الاولية والثانوية معا لمصلحة في نفسه والفرض الاخير على نحوين (الاول) أن يؤخذ في موضوعه الشك في الحكم الواقعي على أحد النحوين فيكون في طول الحكم الواقعي وهذا هو الحكم الظاهري مثل: كل مشكوك الحل الحلال " الثاني " أن لا يؤخذ في موضوعه الشك في الحكم الواقعي ولا يكون في طوله بوجه أصلا بل يجعل في قبال الحكم الواقعي وهذا هو الحكم المنسوخ مثل أن يقول المولى لعبده: يجب عليك السفر غدا، مع كون السفر خاليا عن المصلحة المقتضية لوجوبه لا بالذات ولا بالعرض ثم قبل مجيئ وقت السفر يرفع وجوبه المجعول أولا وتشترك الثلاثة الاول في اتصاف موضوعها بها حال وجوده ولا كذلك الاخير فان السفر لو وجد

٥٤٠

في الخارج لم يكن واجبا لوجوب النسخ قبل حضور وقت العمل والاجماع على جواز النسخ بعد حضور وقت العمل لا يراد به العمل بالحكم المنسوخ حقيقة بل العمل بمثله لان الحكم المنسوخ المستمر لما كان منحلا إلى احكام متعددة بتعدد آنات العمل فالناسخ الوارد في اثناء تلك الآنات وارد بعد حضور وقت العمل بالاضافة إلى الاحكام التي سقطت بالامتثال أو بغيره وقبل حضور وقت العمل بالاضافة إلى الاحكام التي لم يحضر زمان امتثالها وهو إنما يقتضي رفع الثانية لا الاولى ويشترك الاولان مع الاخير في عدم الترتب بينهما بخلاف الثالث فانه متأخر عنهما رتبة لاخذ الشك فيها قيدا في موضوعه. ومن هنا يتضح الفرق بين التخصيص والنسخ فان الاول مناف للحكم الظاهري المستفاد من دليل حجية أصالة الظهور القائم بالعام وبه ينقطع أمده لو كان الخاص واردا بعد العام والثاني مناف للحكم الواقعي الذي يحكيه ظهور العام وبه ينقطع أمده المستفاد من حجية ظهوره والاول مستلزم للتصرف في نفص الطريق المجعول إلى الحكم وحاك عن خطئه وعدم ايصاله والثاني مستلزم للتصرف في نفس الحكم المجعول وأنه ليس مجعولا على مقتضى الجهات الموجودة في موضوعه المقتضية له وعلى هذا فالفرق بين التخصيص والنسخ في الانشاء نظير الفرق بين التورية والكذب في الاخبار والله سبحانه الهادي ومن هذا يظهر لك الحكم في الفروض السابقة التي يتردد الامر فيها بين النسخ والتخصيص (فنقول): إذا ورد العام بعد الخاص وبعد حضور وقت العمل به (فان) كان الخاص نصا في الدوام دار الامر بين تخصيص العام الموجب للتصرف في اصالة ظهوره وكون العام ناسخا للخاص الموجب للتصرف في نفس الحكم الخاص وأنه ليس ناشئا عن الجهات المقتضية له بالاضافة إلى ما بعد زمان العام ولا ريب في أن التصرف في الظهور أولى من التصرف في أصالة الجهة نظير ما لو دار الامر بين تخصيص العام بالخاص وبين حمل الخاص على التقية (وإن) لم يكن الخاص نصا في الدوام دار الامر بين ما ذكر من التصرف في اصالة الظهور في العام واصالة الجهة في الخاص وبين التصرف في أصالة ظهور الخاص في الدوام، وحيث ان التصرف في اصالة الجهة مرجوح بالاضافة إلى التصرف في اصالة الظهور دار الامر بين التصرف في أصالة العموم في العام وأصالة الدوام

٥٤١

رفع الحكم الثابت اثباتا إلا أنه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتا وانما اقتضت الحكمة اظهار دوام الحكم واستمراره أو أصل انشائه وإقراره مع انه بحسب الواقع ليس له قرار أو ليس له دوام واستمرار وذلك لان النبي - صلى الله عليه وآله - الصادع للشرع ربما يلهم أو يوحى إليه أن يظهر الحكم أو استمراره مع اطلاعه على حقيقة الحال وأنه ينسخ في الاستقبال أو مع عدم اطلاعه على ذلك لعدم احاطته بتمام ما جرى في علمه تبارك وتعالى ومن هذا القبيل

______________________________

في الخاص وحيث لا مرجح فالمرجع الاصول (وإن) ورد العام قبل حضور وقت العمل بالخاص فحيث أن الاخذ بعموم العام رافع لاصل الخاص لا لدوامه كان الدوران دائما بين التصرف في أصالة الجهة في الخاص وأصالة العموم في العام وحيث أن الثاني أولى تعين القول بالتخصيص (وإذا) رود الخاص بعد العام قبل حضور وقت العمل به فلا ريب في ثبوت حكم الخاص لافراده من حين وروده فما بعده سواء أكان ناسخا أم مخصصا أما ثبوته لهما فيما بين زماني ورود العام والخاص فيتوقف على كونه مخصصا إذ لو كان ناسخا كان الثابت حكم العام في ذلك الزمان فيدور الامر بين رفع اليد عن ظهور العام في العموم ليثبت التخصيص وبين رفع اليد عن اصالة الجهة فيه وقد عرفت ان الاول الاولى (ولو) ورد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام دار الامر بين رفع اليد عن اصالة العموم ليثبت التخصيص من أول الامر، وبين رفع اليد عن ظهور العام في الدوام ليثبت التخصيص من حين ورود الخاص، وبين رفع اليد عن اصالة الجهة في العام ليثبت النسخ والثاني أولى أولوية التقييد من التخصيص عند الدوران بينهما فيثبت التخصيص من حين ورود الخاص الذي هو بمنزلة النسخ عملا فتأمل جيدا والله سبحانه أعلم (قوله: رفع الحكم الثابت اثباتا) يعني رفعا للحكم الواقعي الاولي أو الثانوي في مقام الاثبات وبالنظر إلى أصالة الجهة إلا أنه في الحقيقة دفع للحكم حيث لا مقتضي في موضوعه لثبوته وإن كان بالنظر إلى تبدل مقتضيات جعل الحكم يكون محوا ورفعا (قوله: دوام الحكم) يعني لو كان النسخ بعد حضور وقت العمل (قوله: أو أصل انشائه)

٥٤٢

لعله يكون أمر إبراهيم بذبح اسماعيل وحيث عرفت أن النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعا وان كان بحسب الظاهر رفعا بلا بأس به مطلقا ولو كان قبل حضور وقت العمل لعدم لزوم البداء المحال في حقه تبارك وتعالى بالمعنى المستلزم لتغير ارادته تعالى مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة وإلا لزم امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ فان الفعل ان كان مشتملا على مصلحة موجبة للامر به امتنع النهى عنه والا امتنع الامر به وذلك لان الفعل أو دوامه لم يكن متعلقا لارادته فلا يستلزم نسخ أمره بالنهي تغيير ارادته ولم يكن الامر بالفعل من جهة كونه مشتملا على مصلحة وإنما كان إنشاء الامر به أو اظهار دوامه عن حكمة ومصلحة (وأما) البداء في التكوينيات بغير ذاك المعنى فهو مما دل عليه الروايات المتواترات كما لا يخفى ومجمله ان الله تبارك وتعالى إذا تعلقت مشيته تعالى باظهار ثبوت ما يمحوه لحكمة داعية إلى اظهاره ألهم أو أوحي إلى نبيه أو وليه أن يخبر به مع علمه بأنه يمحوه أو مع عدم علمه به لما اشير إليه من عدم الاحاطة بتمام ما جرى في علمه وإنما يخبر به لانه حال الوحى أو الالهام لارتقاء نفسه الزكية واتصاله بعالم لوح المحو الاثبات اطلع على ثبوته ولم يطلع على كونه معلقا على أمر غير واقع أو عدم الموانع قال الله تبارك وتعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) الآية. نعم - من شملته العناية الآلهية واتصلت نفسه الزكية بعالم اللوح المحفوظ الذي هو من

______________________________

يعني لو كان قبل حضور وقت العمل (قوله: لعله يكون) اشار باداة الترجي إلى المناقشات في كونه من النسخ مثل ما قيل: إن المراد من الذبح مقدماته بقرينة قوله تعالى: قد صدقت الرؤيا (قوله: مع اتحاد الفعل) قيد للتغير المستحيل إذ مع تغير الفعل ذاتا أو جهة لا يكون تغير الارادة مستحيلا (قوله: وإلا لزم) الموجود في بعض النسخ (ولا لزوم) بدل (وإلا لزم) والظاهر انه الصحيح ويكون معطوفا على قوله: لعدم لزوم البداء (قوله: وذلك لان) تعليل لعدم لزوم البداء (قوله: بغير ذاك المعنى) يعني المحال في حقه تعالى

٥٤٣

أعظم العوالم الربوبية وهو أم الكتاب يكشف عنده الواقعيات على ما هي عليها كما ربما يتفق لخاتم الانبياء ولبعض الاوصياء كان عارفا بالكائنات كما كانت وتكون. نعم مع ذلك ربما يوحى إليه حكم من الاحكام (تارة) بما يكون ظاهرا في الاستمرار والدوام مع أنه في الواقع له غاية وأمد يعينها بخطاب آخر (وأخرى) بما يكون ظاهرا في الجد مع أنه لا يكون واقعا بجد بل لمجرد الابتلاء والاختبار كما انه يؤمر وحيا أو إلهاما بالاخبار بوقوع عذاب أو غيره مما لا يقع لاجل حكمة في هذا الاخبار أو ذاك الاظهار فبدا له تعالى انه يظهر ما أمر نبيه أو وليه بعدم اظهاره أولا ويبدي ما خفي ثانيا وإنما نسب إليه تعالى البداء مع انه في الحقيقة الابداء لكمال شباهة إبدائه تعالى كذلك بالبداء في غيره وفيما ذكرنا كفاية فيما هو المهم في باب النسخ ولا داعي بذكر تمام ما ذكروه في ذاك الباب كما لا يخفى على اولى الالباب (ثم) لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص والنسخ ضرورة انه على التخصيص يبنى على خروج الخاص عن حكم العام رأسا وعلى النسخ على ارتفاع حكمه عنه من حينه فيما دار الامر بينهما في المخصص واما إذا دار بينهما في الخاص والعام فالخاص على التخصيص غير محكوم بحكم العام اصلا وعلى النسخ كان محكوما به من حين صدور دليله كما لا يخفى

______________________________

*

(قوله: يبنى على خروج) فتكون أفراد الخاص محكومة بحكم الخاص من حين ورود العام قبل ورود الخاص (قوله: من حينه) يعني من حين ورود الخاص (قوله: في المخصص) وذلك إذا تأخر الخاص عن العام فانه إما مخصص أو ناسخ (قوله: في الخاص والعام) وذلك إذا تقدم الخاص على العام فان الدوران بين كون الخاص مخصصا وكون العام ناسخا (قوله: غير محكوم) فانه لازم التخصيص (قوله: محكوما به) يعني بحكم العام فانه مقتضى كون العام ناسخا للخاص (قوله: دليله) يعني دليل العام

٥٤٤

المقصد الخامس في المطلق والمقيد والمجمل والمبين

فصل عرف المطلق بانه ما دل على شايع في جنسه وقد أشكل عليه بعض الاعلام بعدم الاطراد أو الانعكاس واطال الكلام في النقض والابرام وقد نبهنا في غير مقام على ان مثله شرح الاسم وهو مما يجوز ان لا يكون بمطرد ولا بمنعكس فالاولى الاعراض عن ذلك ببيان ما وضع له بعض الالفاظ التى يطلق عليها المطلق أو من غيرها مما يناسب المقام (فمنها) اسم الجنس كانسان ورجل وفرس وحيوان وسواد وبياض... إلى غير ذلك من اسماء الكليات من الجواهر والاعراض بل العرضيات ولا ريب انها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة بلا شرط اصلا ملحوظا معها

______________________________

فصل في المطلق والمقيد

(قوله: وقد نبهنا في) لكن عرفت الاشكال فيه (قوله: بل العرضيات) مثل الاسود والابيض (قوله: ولا ريب انها موضوعة) قد أشرنا سابقا إلى بعض اعتبارات الماهية ولا بأس بالاشارة هنا إلى ذلك شرحا لكلام المصنف (ره) (فنقول): الماهية (تارة) تلحظ بذاتها لا مع شئ زائد عليها (وأخرى) تلحظ مع شئ زائد عليها (والثاني) على نحوين لان ذلك الشئ قد يكون أجنبيا عن سنخ الماهية بالمرة وقد يكون من سنخها والاول إما أن يكون وجودا وإما أن يكون عدما فان لوحظت الماهية على النحو الاول منهما سميت الماهية " بشرط شئ " وان لوحظت على النحو الثاني سميت الماهية (بشرط لا شئ) وكلاهما نوعان من المقيدة وان كان من سنخ الماهية فان كان هو الشياع بنحو الاستيعاب فالماهية السارية وإن كان بنحو البدلية فالماهية على البدل والعام البدلي وإن لم يلحظ معها شئ فان لوحظت تفصيلا بحدودها الخاصة بها التي لا تحوي الا ذاتها فالماهية

٥٤٥

حتى لحاظ انها كذلك (وبالجملة) الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى وصرف المفهوم غير الملحوظ معه شئ اصلا الذي هو المعنى بشرط شئ ولو كان ذاك الشئ هو الارسال والعموم البدلي ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شئ معه الذي هو الماهية اللا بشرط القسمي وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى بلا عناية التجريد

______________________________

اللا بشرط القسمي والماهية بنحو صرف الوجود وهذا القسم مع ما قبله من القسمين نوعان للماهية المطلقة وان لوحظت مجملة من حيث الاطلاق والتقييد بما ذكر فهي الماهية المهملة والمبهمة واللا بشرط المقسمي وهذه هي الجامع بين بقية الانواع المذكورة والمنسوب للمشهور أن اسم الجنس موضوع للماهية المطلقة الجامعة بين الماهية السارية والماهية البدلية وبين صرف الوجود كما يظهر من ملاحظة بنائهم على كونه حقيقة في كل منها ومجازا في المقيدة والمنسوب للسلطان وغيره ولا سيما من تأخر عنه أنه موضوع للماهية اللا بشرط المقسمي واليه ذهب المصنف (ره) (قوله: حتى لحاظ أنها) كما هو مأخوذ في اللا بشرط القسمي (قوله: الذي هو المعنى) بيان للملحوظ لا لغير (قوله: هو الارسال) المأخوذ في الماهية المرسلة (قوله: والعموم البدلي) المأخوذ في الماهية على البدل، (قوله: الذي هو الماهية) بيان للملحوظ وسبقه إلى هذا في التقريرات حيث جعل الفارق بين اللا بشرط القسمي والمقسمي أن الاولى هي الماهية التي لم يلحظ معها شئ مقيدة بلحاظ أنها لم يلحظ معها شئ والثانية خالية من هذا القيد لكن الظاهر أنه خلاف مصطلحهم فانه ما أشرنا إليه من أن الاولى ما لوحظت تفصيلا خالية عن قيدي الوجود والعدم فتصلح للانطباق على كل منهما، والثانية ما لوحظت مهملة من حيث قيدي الوجود والعدم فلا تصلح للانطباق على ما هو واجد للقيد ولا على ما هو واجد لعدمه فراجع (قوله: لوضوح صدقها) يعني على فرد من الافراد ولعل ترك ذلك لوضوحه واكتفاء بقوله - فيما يأتي -: على فرد من الافراد، المتعلق بقوله: عدم صدق... الخ. ثم إنك عرفت امتناع صدق المهملة المبهمة على شئ لان الصدق يتوقف على اتحاد المحمول بما له من الصورة مع

٥٤٦

عما هو قضية الاشتراط والتقييد فيها كما لا يخفى مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الافراد وان كان يعم كل واحد منها بدلا أو استيعابا وكذا المفهوم اللا بشرط القسمي فانه كلي عقلي لا موطن له الا الذهن لا يكاد يمكن صدقه وانطباقه عليها بداهة ان مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجا فكيف يمكن ان يتحد معها ما لا وجود له الا ذهنا " ومنها " علم الجنس كاسامة والمشهور بين أهل العربية انه موضوع للطبيعة لا بما هي هي بل بما هي متعينة بالتعيين الذهني ولذا يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف لكن التحقيق انه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شئ معه اصلا كاسم الجنس والتعريف فيه لفظي كما هو الحال في التأنيث اللفظي وإلا لما صح حمله على الافراد بلا تصرف وتأويل

______________________________

*

ما في الخارج ومع إهمال المحمول وإبهامه لا يمكن فرض الاتحاد فالمقصود من صدقها على الفرد أنه يمكن أن يلحظ المعنى بنحو يصح صدقه بأن تطابق صورته ما في الخارج فحاصل الاستدلال أنه لو كان اللفظ موضوعا للمعنى المأخوذ فيه قيد السريان أو العموم البدلى امتنع حمله على الفرد الا بتجريد معناه عن القيد المذكور الموجب للتجوز فيه مع انه يصح حمله بلا عناية التجريد (قوله: عما هو) متعلق بالتجريد (قوله: وكذا المفهوم) معطوف على قوله: عدم صدق... الخ (قوله: فانه كلي عقلي) يعني معقول ثانوي وموجود ذهني لاخذ لحاظ التجرد فيه قيدا حسبما ذكر. ومن هنا يمتنع انطباقه على الموجود الخارجي لاختلاف صقعي الوجود المانع من الاتحاد الذي هو شرط الحمل - كما تقدم - فقوله: كلي عقلي، لا يخلو من مسامحة إذ الكلي العقلي في اصطلاحهم ما يقابل الكلي المنطقي والكلي الطبيعي لا مطلق الامر الذهني وقد تقدم منه نظير ذلك في مبحث المشتق وأما بناء على ما ذكرنا من عدم أخذ القيد المذكور في اللا بشرط القسمي فالمانع من القول بالوضع له لزوم التجوز في استعماله في غيره من الاعتبارات وهو خلاف المرتكز في أذهان أهل العرف. ثم إن هذا المانع بعينه مانع من

٥٤٧

لانه - على المشهور - كلي عقلي وقد عرفت أنه لا يكاد يصح صدقه عليها مع صحة حمله عليها بدون ذلك كما لا يخفى ضرورة ان التصرف في المحمول بارادة نفس المعنى بدون قيده تعسف لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه مع ان وضعه لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال

______________________________

الوضع للماهية المهملة بالمعنى المتقدم لاقتضائه التجوز ايضا لو استعمل في غيره من الاعتبارات فلا بد من المصير إلى أن الماهية ملحوظة في مقام وضع اللفظ لها بنحو اجمالي ولو بعنوان الجامع بين جميع الاعتبارات فيجعل لها اللفظ بما أنها سارية في جميع تلك الاعتبارات من دون اختصاص باعتبار دون اعتبار ولحاظ دون لحاظ فتأمل جيدا (قوله: لانه على المشهور كلي عقلي) فيه مسامحة كما تقدم. ثم إن حمل كلام المشهور من أهل العربية على ما ذكر من أخذ اللحاظ الذهني قيدا فيما وضع له علم الجنس الموجب لكونه من المعقولات الثانوية والموجودات الذهنية غير مناسب لحسن الظن بهم ولا سيما وفيهم من أساطين هذا الفن وغيره من الفنون العقلية فالظاهر أن مرادهم من التعين الذهني في كلامهم كون المعنى له مطابق في الذهن فالموضوع له اللفظ نفس المعنى المقيد بكونه ذا مطابق ذهني موجب له نحوا من التعين نظير التعين الحاصل للمعهود الذكري والخارجي غاية الامر أن منشأ حضور المطابق الذهني (تارة) يكون تقدم ذكره (وأخرى) حضوره الخارجي (وثالثة) غير ذلك فاسامة - مثلا - موضوع لنفس الاسد بشرط أن يكون له نحو من التعين الحاصل من حضوره في ذهن السامع قبل الكلام وكذا الحال في المعرف بلام الجنس فانه من قبيل علم الجنس وانما الفرق بينهما في أن التعين المذكور مدلول عليه بنفس اللفظ في علم الجنس وباللام في المعرف بلام الجنس وكذا الحال في المعرف بلام العهد الذهني فانه مثل المعرف بلام الجنس والفرق بينهما في أن مدلول الاول الفرد المنتشر ومدلول الثاني نفس الجنس فليس معنى أخذ الحضور الذهني قيدا في معناه أنه موضوع للمعنى الموجود في الذهن بل

٥٤٨

موضوع لنفس المعنى الذي له مطابق في الذهن وان كان كلامهم ربما يوهم الاول. قال ابن الحاجب: أعلام الجنس وضعت أعلاما للحقائق المتعينة كما أشير باللام في نحو: (اشتر اللحم) إلى الحقيقة الذهنية وكل واحد من هذه الاعلام موضوع لحقيقة في الذهن متحدة فهو ايضا غير متناول غيرها وضعا وإذا اطلق على فرد من الافراد الخارجية نحو: هذا أسامة مقبلا، فليس ذلك بالوضع بل لمطابقة الحقيقة الذهنية لكل فرد خارجي مطابقة كل كلي عقلي لجزئياته الخارجية نحو قولهم: الانسان حيوان ناطق، وقال ايضا: إن الحقيقة الذهنية والفرد الخارجي كالمتواطئين انتهى. فان قوله: حقيقة ذهنية وكلي عقلي، وان كان يوهم ذلك إلا أن ملاحظة خصوصيات عبارته تشهد بارادة الطبيعة من الكلي العقلي في قبال الافراد وبالحقيقة الذهنية ما ذكرنا لا ما ذكر المصنف (ره) ولاجل أن الشيخ نجم الائمة (ره) فهم ما ذكرنا اختار كون تعريف علم الجنس ولام التعريف في جميع أقسامها عدا المعهود الخارجي لفظيا كما ذكر المصنف (ره) من جهة أن الحضور الذهني مما يمتنع أن يستفاد من اللام فان كل لفظ يدل على معنى حاضر في ذهن السامع " قال " - بعد أن رسم المعرفة بما أشير به إلى خارج -: وإنما قلنا: إلى خارج، لان كل اسم فهو موضوع للدلالة على ما سبق علم المخاطب بكون ذلك الاسم دالا عليه ومن ثم لا يحسن أن يخاطب بلسان من الالسنة إلا من سبق معرفته بذلك اللسان فعلى هذا كل كلمة اشارة إلى ما ثبت في ذهن المخاطب أن ذلك اللفظ موضوع له فلو لم يقل: إلى خارج، لدخل في الحد جميع الاسماء معارفها ونكراتها فتبين مما ذكرنا أن قول المصنف: في قولك: اشرب الماء واشتر اللحم وقوله تعالى: أن يأكله الذئب، اشارة إلى ما في ذهن المخاطب من ماهية الماء واللحم والذئب ليس بشئ لان هذه الفائدة يقوم بها نفس الاسم المجرد عن اللام فالحق أن تعريف اللام في مثله لفظي كما أن العلمية في مثل أسامة لفظي كما سيجيئ في الاعلام انتهى، وقال في مبحث العلم: إذا كان لنا تأنيث لفظي كغرفة وبشرى وصحراء ونسبة لفظية نحو كرسي فلا بأس أن يكون لنا تعريف لفظي

٥٤٩

إما باللام - كما ذكرنا قبل - وإما بالعلمية كما في اسامة.. الخ والمصنف (ره) وافقه في كون التعريف لفظيا ولم يوافقه في وجهه والظاهر ان كلا الوجهين غير تام أما وجه المصنف (ره) فلما عرفت من ابتنائه على كون التعريف الحقيقي في هذه المقامات عبارة عن الوجود الذهني وليس كذلك وأما وجه الرضي (ره) فلابتنائه على كون التعريف الحقيقي في هذه الموارد يراد به الاشارة إلى معنى حاضر في ذهن السامع وان من المعلوم عدم كفاية ذلك في التعريف إذ جميع الالفاظ حتى النكرات حاكية عن معنى حاضر في ذهن السامع وهو كما ترى إذ النكرات حاكية عن المفاهيم التي لها مطابق في الذهن لا بما انها كذلك والمعارف المذكورة حاكية عنها بما انها لها مطابق في الذهن والفرق بين المعنيين ظاهر وقد عثرت - بعد ما ذكرت ذلك - على كلام للسيد الشريف في حاشيته على المطول يشهد بما ذكرنا وقد استشهد هو بما نقله عن الزمخشري وابن الحاجب والسكاكي وغيرهم قال في اثنائه: إذا استقرأت كلامهم وتحققت محصوله استوثقت بما ذكرنا انتهى. ثم إن الاعلام الجنسية وان لم تكن مستعملة في عرفنا الحالي لنرجع إليه في تمييز معناها وانه أخذ فيها قيد الحضور أم لا إلا أن تتبع موارد استعمالها في كلام العرب كاف في معرفة ذلك فانهم يستعملونها في مقام المعرف فيقولون: أسامه أشجع من الثعلب، كما يقولون: الاسد أشجع من الثعلب، وبذلك افترقت عن اسم الجنس في بعض الاحكام من منعها عن الصرف وعدم دخول اللام عليها وغير ذلك ثم إن صاحب الفصول لما فهم من المشهور ما فهمه المصنف (ره) من كلامهم استشكله بان ذلك يوجب تصرفا في الالفاظ وأنه تعسف فبنى على أن المعرف بلام الجنس وعلم الجنس موضوعان لما وضع له اسم الجنس بما انه متعين بالتعين الجنسي فان كل جنس في نفسه متعين ممتاز عن غيره فوضع علم الجنس له بقيد هذا التعين ووضع اسم الجنس لا مع هذا القيد فإذا أدخلت عليه اللام كانت للدلالة على هذا التعين فلا فرق بين علم الجنس والمعرف بلام الجنس من حيث المعنى وإنما الفرق ان الدلالة على التعين الجنسي بجوهر اللفظ في الاول

٥٥٠

لا يكاد يصدر عن جاهل فضلا عن الواضع الحكيم " ومنها " المفرد المعرف باللام والمشهور أنه على أقسام المعرف بلام الجنس أو الاستغراق أو العهد باقسامه على نحو الاشتراك بينها لفظا أو معنى والظاهر ان الخصوصية في كل واحد من الاقسام من قبل خصوص اللام أو من قبل قرائن المقام من باب تعدد الدال والمدلول لا باستعمال المدخول ليلزم فيه المجاز أو الاستراك فكان المدخول على كل حال مستعملا فيما يستعمل فيه غير المدخول والمعروف ان اللام تكون موضوعة للتعريف ومقيدة للتعيين في غير العهد الذهني وأنت خبير بانه لا تعيين في تعريف الجنس الا الاشارة إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا ولازمه ان لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف على الافراد لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له الا الذهن الا بالتجريد ومعه لا فائدة في التقييد مع ان التأويل والتصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التعسف. هذا

______________________________

*

وباللام في الثاني وهو - كما ترى - بعيد عن الاذهان العرفية جدا (قوله: لا يكاد يصدر) وكأنه للزوم اللغوية لكنه لا يتم مع إمكان استعماله فيه فضلا عن وقوعه ولو نادرا (قوله: باقسامه) وهي العهد الذهني المشار به إلى فرد ما بقيد الحضور الذهني كما عرفت مثل ادخل السوق، والذكري المشار به إلى فرد متقدم في الذكر نحو قوله تعالى: وارسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول والخارجي المشار به إلى فرد متعين حاضر عند المخاطب خارجا وذهنا نحو اغلق الباب (قوله: الاشتراك بينها لفظا) بدعوى تعدد الوضع بتعدد الخصوصيات (قوله: أو معنى) بأن يكون الوضع للعهد الحاصل من أحد الاسباب المذكورة ويكون فهم الخصوصيات مستندا إلى القرينة (قوله: من قبل خصوص) ذلك على تقدير الاشتراك اللفظي (قوله: أو من قبل) بناء على الاشتراك المعنوي فتأمل (قوله: من باب تعدد) بأن يكون المدخول دالا على نفس المعنى واللام أو القرينة دالة على الخصوصية (قوله: في غير العهد الذهني) بل وفيه أيضا كما عرفت (قوله: ولازمه أن) قد عرفت ما فيه (قوله: عن التعسف) لبعده

٥٥١

مضافا إلى ان الوضع لما لا حاجة إليه بل لا بد من التجريد عنه وإلغائه في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه كان لغوا كما اشرنا إليه فالظاهر أن اللام مطلقا تكون للتزيين كما في الحسن والحسين واستفادة الخصوصيات انما تكون بالقرائن التي لابد منها لتعيينها على كل حال ولو قيل بافادة اللام للاشارة إلى المعنى ومع الدلالة عليه بتلك الخصوصيات لا حاجة الى تلك الاشارة لو لم تكن مخلة وقد عرفت إخلالها فتأمل جيدا وأما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه فلا دلالة فيها على انها تكون لاجل دلالة اللام على التعيين حيث لا تعين الا للمرتبة المستغرقة لجميع الافراد وذلك لتعين المرتبة الاخرى وهي اقل مراتب الجمع كما لا يخفى فلا بد ان يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك لا إلى دلالة اللام على الاشارة إلى المعين ليكون به التعريف وإن أبيت إلا عن استناد الدلالة عليه إليه فلا محيص عن دلالته على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين فلا يكون بسببه تعريف الا لفظا فتأمل جيدا (ومنها) النكرة مثل (رجل) في وجاء رجل من أقصى المدينة، أو في جئني برجل، ولا اشكال أن المفهوم منها في الاول - ولو بنحو تعدد الدال والمدلول - هو الفرد المعين في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من افراد الرجل كما انه في الثاني هي الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة فيكون حصة من الرجل ويكون كليا ينطبق على كثيرين

______________________________

*

عن مذاق العرف (قوله: مضافا إلى) لم يظهر المراد به زائدا على ما أفاده بقوله: ومعه لا فائدة... الخ (قوله: للتزيين) هو خلاف المرتكز منه عرفا (قوله: ولو قيل) لو وصلية للاحتياج إلى القرائن على جميع الاقوال (قوله: عرفت إخلالها) لامتناع الحمل معها إلا بالتجريد (قوله: حيث لا تعين الا للمرتبة) المراد من تعين تلك المرتبة التعين المصحح للحمل على موضوعه إذ أفراد الجنس لما كان لها بتمامها نحو من التعين الذهني ولم يكن لبعضها تعين آخر زائد على ذلك التعين من تقدم ذكر أو حضور أو نحو ذلك موجب

٥٥٢

لا فردا مرددا بين الافراد وبالجملة النكرة (أي ما بالحمل الشايع يكون نكرة عندهم) إما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب أو حصة كلية لا الفرد المردد بين الافراد وذلك لبداهة كون لفظ (رجل) في (جئني برجل) نكرة مع أنه يصدق على كل من يجيئ به من الافراد ولا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره كما هو قضية الفرد المردد لو كان هو المراد منها ضرورة ان كل واحد هو هو لا هو أو غيره فلابد ان تكون النكرة الواقعة في متعلق الامر هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة فيكون كليا قابلا للانطباق فتأمل جيدا إذا عرفت ذلك فالظاهر صحة اطلاق المطلق عندهم حقيقة

______________________________

لتعيينه من بين الافراد فحمل الكلام على البعض واخراج البعض ترجيح بلا مرجح فلا بد من الحمل على الجميع لتساوي الافراد في ذلك النحو من التعين وليس المراد من التعين أن لا مرتبة فوق الجميع ليصح النقض باقل مراتب الجمع حيث لا مرتبة دونها فتعين تمام الافراد من قبيل تعين الجنس لا من قبيل آخر ومن هنا يظهر انه لا بأس بدعوى كون الدلالة على الاستغراق من قبل التعين المستفاد من اللام ولا وجه لقوله: فلا بد أن تكون دلالته... الخ كما يظهر ايضا المنع من قوله: فلا محيص عن دلالته... الخ حيث لا ملزم بما ذكر مع احتمال ما ذكرنا فضلا عن كونه الظاهر (قوله: لا فردا مرددا) وان اشتهر أن مفاد النكرة الفرد المردد (قوله: أي ما بالحمل) كرجل في المثالين لا لفظ نكرة (قوله: المقيد بمثل مفهوم الوحدة) لا يخفى أنه إذا أخذ مفهوم الوحدة قيدا للماهية صارت - كسائر المقيدات مثل الرجل العالم العادل - كليا طبيعيا صادقا على القليل والكثير بنحو واحد نظير الحيوان الناطق الصالح للانطباق على جميع الافراد انطباقا عرضيا وليس هذا من معنى النكرة في شئ فالمراد بلفظ الوحدة المأخوذة قيدا في معنى النكرة الاشارة إلى كم التشخص فيكون مفهوم النكرة الماهية التي لا تصلح للانطباق إلا على واحد من الافراد على البدل بحيث يرى مفهوما كأنه

٥٥٣

على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني كما يصح لغة وغير بعيد ان يكون جريهم في هذا الاطلاق على وفق اللغة من دون ان يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها كما لا يخفى. نعم لو صح ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا لما قيد بالارسال والشمول البدلي لما كان ما اريد منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق الا ان الكلام في صدق النسبة. ولا يخفى ان المطلق

______________________________

ثوب لا يلبسه فرد الا ويعرو عنه بقية الافراد والظاهر أن هذا هو المراد من قولهم: النكرة موضوعة للفرد المردد فتأمل جيدا (قوله: على اسم الجنس) إذا كان اسم الجنس موضوعا للماهية المبهمة المهملة كيف يصح اطلاق المطلق عليه ؟ والمفهوم من المطلق ما يقابل المقيد والمبهم الا ان يلاحظ فيه الاطلاق بنحو الاستيعاب أو العموم البدلي أو غيرهما من انواع الاطلاق التي تأتي الاشارة إليها وكذا الحال في النكرة فانها وان كانت لبا لا تخلو عن تقييد ما للمهية إلا أن المتفاهم من المقيد ما يقيد بأمر أجنبي عنه مثل الرقبة المؤمنة والرجل العالم ولذا لا تكون الطبيعة السارية من المقيد فالنكرة ان لوحظ فيها الاطلاق سميت مطلقة وان قيدت بما هو أجنبي عن الماهية سميت مقيدة مثل جئني برجل عالم، والا فمبهمة مهملة فكل واحد من اسم الجنس والنكرة معروض للاطلاق تارة وللتقييد اخرى وليس في نفسه مطلقا ولا مقيدا ومنه يظهر الاشكال في قوله: وغير بعيد، (قوله: نعم لو صح ما نسب إلى) لم أجد هذا الخلاف مصرحا به في كلام وإنما المذكور الخلاف في معنى اسم الجنس والمنسوب إلى المشهور أنه موضوع للماهية المطلقة والى السلطان (ره) وجماعة انه موضوع للطبيعة المهملة. نعم اختلف في تعريف المطلق فالمشهور تعريفه بأنه مادل على شائع في جنسه وعرفه الشهيد (ره) بأنه اللفظ الدال على الماهية من حيث هي هي وعرفه غيره بغير ذلك وليس ذلك اختلافا في مفهوم المطلق ومعناه بل هو اختلاف في الطريق إلى المعنى مع كون المعنى محفوظا بلا اختلاف فيه والظاهر من ملاحظة كلامهم ان المطلق عندهم يقابل المقيد والمبهم كما ذكرنا (قوله: أو الحصة) اشارة إلى النكرة (قوله: إلا أن الكلام)

٥٥٤

بهذا المعنى لطروء القيد غير قابل فان ماله من الخصوصية ينافيه ويعانده بل وهذا بخلافه بالمعنيين فان كلا منهما له قابل لعدم انثلامهما بسببه اصلا كما لا يخفى وعليه لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق لامكان ارادة معنى لفظه منه وارادة قيده من قرينة حال أو مقال وانما استلزمه لو كان بذاك المعنى. نعم لو أريد من لفظه المعنى المقيد كان مجازا مطلقا كان التقييد بمتصل أو منفصل

فصل

(قد ظهر لك انه لا دلالة لمثل رجل الا على الماهية المبهمة وضعا)

وان الشياع والسريان كسائر الطوارئ يكون خارجا عما وضع له فلا بد في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة وهي تتوقف على مقدمات (إحداها) كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد لا الاهمال أو الاجمال (ثانيهما) انتفاء ما يوجب التعيين (ثالثها) انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ولو كان المتيقن بملاحظة

______________________________

*

قد عرفت تحقيق الحال (قوله: بهذا المعنى) يعني المنسوب إلى المشهور (قوله: غير قابل) يعني مع بقائه على اطلاقه بل لا بد من التصرف فيه وكأنه يريد من المطلق ما هو بالحمل الشايع مطلق (قوله: بخلافه بالمعنيين) يعني معنيي اسم الجنس والنكرة (قوله: قابل) لما عرفت من صلاحية ملاحظتهما مهملين ومطلقين (قوله: في المطلق) يعني ما هو بالحمل الشايع مطلق كاسم الجنس والنكرة وكأن العبارة لا تخلو من اضطراب والله سبحانه اعلم (قوله: وهي تتوقف) يعني قرينة الحكمة (قوله: لا الاهمال) يعني لا في مقام بيان المراد في الجملة مثل ان يكون في بيان سنخ موضوع الحكم كما إذا قال الطبيب للمريض: انك محتاج إلى شرب الدواء في أيام الربيع، فانه ليس في مقام بيان تمام مراده بل في مقابل بيان سنخ مراده في قبال ما سواه (قوله: ما يوجب التعيين) وهو القرينة (قوله: انتفاء القدر المتيقن في مقام) يعني أن

٥٥٥

الخارج عن ذاك المقام في البين فانه غير مؤثر في رفع الاخلال بالغرض لو كان بصدد البيان كما هو الفرض فانه فيما تحققت لو لم يرد الشياع لاخل بغرضه حيث انه لم ينبه مع أنه بصدده وبدونها لا يكاد يكون هناك اخلال به حيث لم يكن مع انتفاء الاولى إلا في مقام الاهمال أو الاجمال. ومع انتفاء الثانية كان البيان بالقرينة ومع انتفاء

______________________________

لا يكون فرد أو أفراد يتيقن ثبوت الحكم لها بالنظر إلى مقام التخاطب بحيث يكون نفس الكلام ولو بلحاظ ما يكتنفه من الخصوصيات اللفظية والحالية موجبا لليقين بثبوت الحكم لتلك الافراد واما لو كان اليقين بثبوت الحكم لبعض الافراد مستندا إلى ما هو خارج عن الخطاب لم يقدح في الاطلاق إذ لو كان المراد الواقعي هو المقيد المنحصر بتلك الافراد لم يكن مبينا بالخطاب كما هو المفروض فإذا أحرز انه في مقام بيان مراده بالخطاب لابد أن يكون مراده المطلق (قوله: بصدد البيان) يعني بالخطاب (قوله: فانه فيما تحققت) ضمير ان راجع إلى المتكلم وضمير الفعل راجع إلى المقدمات يعني انه يجب الحكم بالاطلاق عند اجتماع المقدمات المذكورة إذ لو كان مراد المتكلم هو المقيد لم يكن مبينا بالخطاب فيكون اخلالا بالغرض وهو مستحيل فلا بد ان يكون المراد هو المطلق إذ لا ثالث لهما (فان قلت): الاطلاق إذا كان جهة زائدة على نفس المعنى وصرف المفهوم الموضوع له اللفظ امتنع ان يدل عليه فعلى أي شئ يعول المتكلم في بيانه (قلت): يعول على عدم ذكر القيد فانه طريق عقلائي إلى ارادة الاطلاق وبذلك افترق عن القيد فانه لما كان اجنبيا عن ذات المقيد لم يكن عدم ذكره طريقا إلى ارادته بل ينحصر الطريق إليه في ذكره (فان قلت): إذا كان ترك القيد طريقا إلى الاطلاق فما وجه الحاجة إلى المقدمة الاولى بل كان اللازم الحمل على الاطلاق وان لم يكن المتكلم في مقام البيان (قلت): إنما يعول العقلاء عليه بيانا على الاطلاق حيث يكون المتكلم في مقام البيان لا مطلقا (قوله: حيث لم يكن) بيان لوجه الحاجة إلى المقدمة الاولى وقد عرفت تحقيقه (قوله: كان البيان) كان الاولى ان

٥٥٦

الثالثة لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده فان الفرض انه بصدد بيان تمامه وقد بينه لا بصدد بيان انه تمامه كي اخل ببيانه فافهم(١)

______________________________

يقول بدله: كان المقيد هو المبين فيحكم بانه المراد (قوله: لا إخلال بالغرض لو كان) يعني تارة يحرز أن المتكلم في مقام بيان تمام مراده واخرى يحرز أنه في مقام بيان تمام مراده وبيان انه تمام مراده فان أحرز أن المتكلم في المقام الاول كان وجود القدر المتيقن مانعا من الاطلاق لان المقدار المتيقن إذا كان تمام مراده فهو مبين فلا مقتضي للحمل على الاطلاق وإذا أحرز أنه في المقام الثاني فوجود القدر المتيقن غير مانع عن الحكم بالاطلاق لان اليقين بوجوده ليس بيانا لكونه تمام المراد فلا بد ان يكون تمام المراد هو الطبيعة المطلقة. هذا ويمكن أن يقال: إذا كان اليقين بوجوده بيانا لتمام المراد فلا بد أن يدل بالالتزام على أنه تمام المراد فيكون بيانه بيانا لتمام المراد واليه اشار بقوله: فافهم، كما ذكر في الحاشية ثم إن المصنف (ره) ثلث المقدمات مع إمكان دعوى غناء احدى المقدمتين الاخيرتين عن الاخرى أما غناء أولاهما عن الثانية فلان ما يوجب القدر المتيقن لا بد أن يكون مما يصلح للقرينية فوجوده مانع من احراز عدم القرينة فاعتبار عدم القرينة مغن عن اعتبار عدمه (فان قلت): وجوده وإن كان موجبا للشك في القرينة الا ان أصالة عدم القرينة محكمة ويحرز بها عدمها (قلت): لا مجال لجريان اصالة عدم القرينة عند الشك في قرينية الموجود وإنما تجري عند الشك في وجود أصل القرينة ومن هنا كان المشهور الاكتفاء بالمقدمتين الاولتين لا غير وأما غناء الثانية عن الاولى فلان ما يصلح للقرينية يصدق على ما هو قرينة لان الصلاحية أعم من الفعلية فكما يكون

______________

(١) اشارة إلى انه لو كان بصدد بيان انه تمامه ما اخل ببيانه بعد عدم نصب قرينة على ارادة تمام الافراد فانه بملاحظته يفهم ان المتيقن تمام المراد والا كان عليه نصب القرينة على ارادة تمامها والا قد اخل بغرضه. نعم لا يفهم ذلك إذا لم يكن الا بصدد بيان ان المتيقن مراد ولم يكن بصدد بيان ان غيره مراد أو ليس بمراد قبالا للاجمال أو الاهمال المطلقين. فافهم فانه لا يخلو عن دقة. منه قدس سره (*)

٥٥٧

(ثم) لا يخفى عليك ان المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده مجرد بيان ذلك واظهاره وافهامه ولو لم يكن عن جد بل قاعدة وقانونا لتكون حجة فيما لم تكن حجة اقوى على خلافه

______________________________

وجود ما يصلح للقرينية موجبا للقدر المتيقن كذلك وجود القرينة ثم انه استشكل بعض المعاصرين على المصنف (ره) في اعتبار المقدمة الثالثة بأن لازمه سقوط أكثر المطلقات عن الاطلاق لانه إذا شك في التقييد فقد علم بثبوت الحكم للواجد للقيد وشك في ثبوته للفاقد فالواجد دائما يكون قدرا متيقنا نعم لو دار امر القيد بين اعتبار وجوده وعدمه وعدم اعتباره لم يكن قدر متيقن الا أن فرضه نادر جدا (وفيه) أنه ناشئ عن عدم التمييز بين القدر المتيقن من نفس الخطاب وبين المتيقن من غيره إذ الدوران بين اعتبار القيد وعدم اعتباره موجب لليقين لا من الخطاب بل من أمر خارج عنه وهو مما لا يقدح في الاطلاق والله سبحانه أعلم (قوله: ثم لا يخفى عليك أن المراد) اشارة إلى ما في التقريرات لبحث شيخنا الاعظم (ره) من أن نسبة المطلق إلى الدليل المقيد نسبة الاصل إلى الدليل لانه إذا كان الاطلاق مستندا إلى مقدمات الحكمة التي هي كون المتكلم في مقام البيان وعدم القرينة على التقييد فإذا ورد الدليل المقيد فقد دل على انتفاء أحدهما فيرتفع مقتضي الاطلاق من اصله لا أن الدليل المقيد من قبيل المعارض ويترتب على ذلك أنه لو دار الامر بين التقييد والتخصيص كان الاول متعينا لان وجود العام مانع عن ثبوت الاطلاق من أصله وحاصل اشكال المصنف (ره) عليه أن هذا يتم لو كانت المقدمة الاولى كون المتكلم في مقام بيان المراد الجدي أما لو كانت كونه في مقام بيان المراد الاستعمالي ولو لم يكن عن جد فوجود المقيد لا يكشف عن كون المتكلم في غير مقام البيان لعدم التنافي لامكان مخالفة المراد الاستعمالي للمراد الجدي ودليل المقيد إنما يكشف عن كون المراد الجدي هو التقييد لا المراد الاستعمالي وحينئذ لا يكون العلم بالمقيد موجبا لانتفاء مقتضي الاطلاق وانما يكون معارضا له مانعا عن الاخذ بمقتضاه هذا ولكن يمكن أن يقال: إن المرادات غير الجدية ليست موضوعا

٥٥٨

لا البيان في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة فلا يكون الظفر بالمقيد ولو كان مخالفا كاشفا عن عدم كون المتكلم في مقام البيان ولذا

______________________________

للآثار العقلائية وإنما الموضوع لها خصوص المرادات الجدية وحينئذ فإذا كان ورود المقيد دليلا على كون المتكلم في غير مقام بيان المراد الجدي لا مجال للحكم بالاطلاق ولا بغيره لخروج الكلام عن مورد الابتلاء فالمقدمة التي يتوقف عليها الاطلاق وبها يثبت هي كون المتكلم في مقام بيان المراد الجدي فيتم ما ذكره شيخنا الاعظم (ره) ويكون المقيد دائما واردا على المطلق رافعا لمقتضيه من أصله نعم ترتب الثمرة المذكورة غير ظاهر وتوضيح ذلك انه (تارة) يحرز المقدمتان بالعلم الوجداني الحقيقي وحينئذ يعلم بكون الاطلاق هو المراد الجدي فلو ورد الدليل المقيد وجب التصرف فيه (وأخرى) لا تكونان كذلك بل يكون الطريق اليهما أو إلى احداهما الظهور مثل أصالة كون المتكلم في مقام البيان وأصالة عدم القرينة اللذين هما نوعان من الظهور وحينئذ إذا ورد الدليل المقيد فان كان قطعيا كشف عن انتفاء إحدى المقدمتين ومخالفة أحد الدليلين عليهما للواقع ومنع عن ثبوت مقتضي الاطلاق من أصله وإن كان ظنيا وقع التعارض بينه وبين الطريق إلى المقدمات مثلا إذا ورد: أعتق رقبة، وورد بعده: لا بد أن تكون الرقبة مؤمنة، دار الامر بين رفع اليد عن أصالة الظهور في المقيد مع البناء على إطلاق المطلق وبين رفع اليد عن أصالة كون المتكلم في مقام البيان أو أصالة عدم القرينة وليس أحد الظهورين واردا على الآخر ومقدما عليه طبعا بل هما في مرتبة واحدة فيؤخذ بالاقوى منهما ويترك الاضعف فتكون نسبة المطلق إلى المقيد نسبة العام إلى الخاص ويكون ترجيح الثاني منهما على الاول بمناط ترجيح الاقوى على الاضعف نعم لو كانت حجية اصالة كون المتكلم في مقام البيان أو حجية أصالة عدم القرينة مشروطة بعدم ورود حجة على خلافها ولو كانت خارجة عن مقام التخاطب كان ورود المقيد على المطلق في محله لكنه غير ظاهر الوجه والله سبحانه اعلم (قوله: لا البيان في) حيث أن

٥٥٩

لا ينثلم به اطلاقه وصحة التمسك به اصلا فتأمل جيدا وقد انقدح بما ذكرنا أن النكرة في دلالتها على الشياع والسريان أيضا تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال من مقدمات الحكمة فلا تغفل (بقي شئ) وهو انه لا يبعد ان يكون الاصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد هو كونه بصدد بيانه وذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات من التمسك بالاطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها إلى جهة خاصة ولذا ترى ان المشهور لا يزالون يتمسكون بها مع عدم احراز كون مطلقها بصدد البيان وبعد كونه لاجل ذهابهم إلى انها موضوعة للشياع والسريان وان كان ربما نسب ذلك إليهم ولعل وجه النسبة ملاحظة انه لا وجه للتمسك بها بدون الاحراز والغفلة عن وجهه فتأمل جيدا (ثم) انه قد انقدح بما عرفت من توقف حمل المطلق على الاطلاق فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقالية على قرينة الحكمة المتوقفة على المقدمات المذكورة انه لا اطلاق له فيما كان له الانصراف

______________________________

*

المراد به بيان المراد الجدي (قوله: لا ينثلم به اطلاقه) هذا لا يدل على خلاف ما اختاره شيخنا الاعظم (ره) لجواز أن لا يكون المتكلم في مقام البيان من جهة وفى مقامه من جهة أخرى فإذا ورد الدليل المقيد كشف عن عدم كون المتكلم في مقام البيان من حيث القيد المذكور وان كان في مقامه من حيث غيره من القيود فيكون مطلقا من ذلك الحيث ويجوز التمسك باطلاقه (قوله: تحتاج فيما) لما عرفت أنها تصلح لكل من الاطلاق والتقييد وليست في نفسها مطلقة ولا مقيدة والظاهر أن قوله: من مقدمات، متعلق بقوله: تحتاج (قوله: لا يبعد أن يكون الاصل) لا ينبغي التأمل فيه وكذا أصالة عدم القرينة. نعم لو شك في قرينية الموجود لم تجر لنفي كونها قرينة كما أشرنا إليه سابقا وتقدم منه في حجية ظهور اللفظ (قوله: كون مطلقها) يعني المتكلم (قوله: وبعد كونه) كيف وهو

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571