الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق7%

الأمالي شيخ الصدوق مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 780

الأمالي شيخ الصدوق
  • البداية
  • السابق
  • 780 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 468559 / تحميل: 9031
الحجم الحجم الحجم
الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

بما رواه أحمد في مسند ابن عباس لو كان لابن آدم واديان من ذهب وكذا ما يأتي من رواية الترمذي عن انس. وايضا إن تمنى الوادي والواديين والثلاث ليس بذنب يحتاج إلى التوبة إذن فما هو وجه المناسبة بتعقيب ذلك بجملة «ويتوب الله على من تاب» وإن شئت ان تستزيد مما في هذه الرواية من التدافع والاضطراب فاستمع إلى ما رواه الحاكم في المستدرك ان أبا موسى الأشعري قال كنا نقرأ سورة نشبهها بالطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير اني حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب. وذكر في الدر المنثور انه أخرجه جماعة عن أبي موسى. وأضف إلى ذلك في التدافع والتناقض ما أسنده في الإتقان عن أبي موسى أيضا قال نزلت سورة نحو براءة ثمّ رفعت وحفظ منها ان الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ولو ان لابن آدم واديين لتمنى إلى آخره. وأسند الترمذي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص) لو كان لابن آدم واد من ذهب لأحبّ أن يكون له ثان ولا يملأ فاه إلّا التراب ويتوب الله على من تاب. وها أنت ترى روايات عائشة وجابر وانس وابن عباس تجعل حديث الوادي والواديين من قول رسول الله وتمثله. فهي بسوقها تنفي كونه من القرآن الكريم. ومع ذلك فقد نسبت إلى كلام الرسول (ص) ما يأتي فيه بعض من الاعتراضات المتقدمة مما يجب ان ينزّه عنه ودع عنك الاضطراب الذي يدع الرواية مهزلة.

(الأمر الثالث) ومما الصقوه بكرامة القرآن المجيد قولهم في الرواية عن زيد بن ثابت كنا نقرأ آية الرجم «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» وفي الرواية عن ذر عن أبيّ ان سورة الأحزاب كانت تضاهي سورة البقرة أو هي أطول منها وان فيها أو في أواخرها آية للرجم وهي «الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم» وفي رواية السياري من الشيعة عن أبي عبد الله بزيادة قوله بما قضيا من الشهوة. وفي رواية الموطأ والمستدرك ومسدد وابن سعد عن عمر كما سيأتي «الشيخ والشيخة فارجموهما البتة» وفي رواية أبي امامة ابن سهل ان خالته قالت لقد أقرأنا رسول الله (ص) آية الرجم «الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة» ونحو ذلك رواية سعد بن عبد الله وسليمان بن خالد من الشيعة عن أبي عبد الله (ع). ويا للعجب كيف رضي هؤلاء المحدثون لمجد القرآن وكرامته ان يلقى هذا الحكم الشديد على الشيخ والشيخة بدون ان يذكر السبب وهو زناهما اقلا فضلا عن شرط

٢١

الإحصان. وان قضاء الشهوة أعمّ من الجماع والجماع اعمّ من الزنا والزنا يكون كثيرا مع عدم الإحصان. سامحنا من يزعم ان قضاء الشهوة كناية عن الزنابل زد عليه كونه مع الإحصان ولكنا نقول ما وجه دخول الفاء في قوله «فارجموهما» وليس هناك ما يصحح دخولها من شرط أو نحوه لا ظاهر ولا على وجه يصح تقديره وإنّما دخلت الفاء على الخبر في قوله تعالى في سورة النور( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا ) لأن كلمة اجلدوا بمنزلة الجزاء لصفة الزنا في المبتدأ. والزنا بمنزلة الشرط. وليس الرجم جزاء للشيخوخة ولا الشيخوخة سببا له. نعم الوجه في دخول الفاء هو الدلالة على كذب الرواية. ولعلّ في رواية سليمان بن خالد سقطا بأن تكون صورة سؤاله هل يقولون في القرآن رجم. وكيف يرضى لمجده وكرامته في هذا الحكم الشديد ان يقيد الأمر بالشيخ والشيخة مع اجماع الأمة على عمومه لكل زان محصن بالغ الرشد من ذكر أو أنثى. وان يطلق الحكم بالرجم مع اجماع الأمة على اشتراط الإحصان فيه. وفوق ذلك يؤكد الإطلاق ويجعله كالنص على العموم بواسطة التعليل بقضاء اللذة والشهوة الذي يشترك فيه المحصن وغير المحصن. فتبصر بما سمعته من التدافع والتهافت والخلل في رواية هذه المهزلة. وأضف إلى ذلك ما رواه في الموطأ والمستدرك ومسدد وابن سعد من أنّ عمر قال قبل موته بأقل من عشرين يوما فيما يزعمونه من آية الرجم لو لا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها «الشيخ والشيخة فارجموهما البتة» واخرج الحاكم وابن جرير وصحّحه أيضا أنَّ عمر قال لما نزلت أتيت رسول الله (ص) فقلت اكتبها «وفي نسخة كنز العمّال» اكتبنيها فكأنّه كره ذلك. وقال عمر ألا ترى أنّ الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد وان الشاب إذا زنا وقد أحصن رجم. فالمحدّثون يروون أنَّ عمر يذكر أنَّ رسول الله كره أن تكتب آية منزلة وعمر يذكر وجوه الخلل فيها. فيا للعجب منهم. وفي الإتقان أخرج النسائي ان مروان قال لزيد بن ثابت إلّا تكتبها في المصحف قال ألا ترى أنَّ الشابين الثيبين يرجمان وقد ذكرنا ذلك لعمر فقال أنا أكفيكم فقال يا رسول الله أكتب لي آية الرجم قال لا تستطيع انتهى. فزيد بن ثابت يعترض عليها. ولما رأوا التدافع بين قول عمر اكتبها لي وبين قول النبي لا تستطيع قالوا أراد عمر بقوله ذلك ائذن لي بكتابتها وكأنهم لا يعلمون أنَّ عمر عربي لا يعبر عن قوله ائذن لي بكتابتها بقوله أكتبها لي ومع ذلك لم يستطيعوا أن يذكروا وجها مقبولا لقوله (ص) لا تستطيع. وفي رواية في كنز العمال عن ابن الضريس عن عمر قلت لرسول الله اكتبها يا رسول

٢٢

الله قال لا أستطيع. واخرج ابن الضريس عن زيد بن أسلم ان عمر خطب الناس فقال لا تشكوا في الرجم فإنه حق ولقد هممت ان اكتبه في المصحف فسألت أبي بن كعب فقال أليس اتيتني وانا استقرئها رسول الله فدفعت في صدري وقلت كيف تستقرئه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحمر انتهى. فهذه الرواية تقول ان عمر لم يرض بانزال شيء في الرجم. وليت المحدّثين يفسرون حاصل الجواب من أبي لعمر وحاصل منع عمر لأبي عن استقرائها ، واخرج الترمذي عن سعد بن المسيب عن عمر قال رجم رسول الله (ص) ورجم أبو بكر ورجمت ولو لا اني اكره ان أزيد في كتاب الله لكتبته في المصحف. فعمر يقول ان كتابة الرجم في المصحف زيادة في كتاب الله وهو يكرهها ـ فقابل هذه الروايات الأربع إحداهن بالأخرى واعرف ما جناه المولعون بكثرة الرواية من المحدثين. وإذا نظرت إلى الجزء الثالث من كنز العمال صحيفة : ٩٠ و ٩١ فإنك تزداد بصيرة في الاضطراب والخلل

هذا ومما يصادم هذه الروايات ويكافحها ما روي من أن عليا (ع) لما جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة قال اجلدها بكتاب الله وارجمها بسنة رسوله كما رواه أحمد والبخاري والنسائي وعبد الرزاق في الجامع والطحاوي والحاكم في مستدركه وغيرهم. ورواه الشيعة عن علي (ع) مرسلا فعلي (ع) يشهد بأن الرجم من السنة لا من الكتاب

الأمر الرابع

مما الصقوه بكرامة القرآن المجيد ما رواه في الإتقان والدر المنثور انه اخرج الطبراني والبيهقي وابن الضريس ان من القرآن سورتين «وقد سماها الراغب في المحاضرات سورتي القنوت» ونسبوهما إلى تعليم علي (ع) وقنوت عمر ومصحفي ابن عباس وزيد بن ثابت وقراءة أبي وأبي موسى (والأولى منهما) بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك انتهى. لا نقول لهذا الراوي ان هذا الكلام لا يشبه بلاغة القرآن ولا سوقه فانا نسامحه في معرفة ذلك ولكنا نقول له كيف يصح قوله يفجرك وكيف تتعدى كلمة يفجر وايضا ان الخلع يناسب الأوتان إذن فما ذا يكون المعنى وبماذا يرتفع الغلط (والثانية منهما) بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجدان عذابك بالكافرين ملحق انتهى. ولنسامع الراوي أيضا فيما سامحناه فيه في الرواية الأولى

٢٣

ولكنا نقول له ما معنى الجدّ هنا أهو العظمة أو الغنى أو ضد الهزل أو هو حاجة السجع نعم في رواية عبيد نخشى نقمتك وفي رواية عبد الله نخشى عذابك وما هي النكتة في التعبير بقوله ملحق. وما هو وجه المناسبة وصحة التعليل لخوف المؤمن من عذاب الله بأن عذاب الله بالكافرين ملحق بل ان هذه العبارة تناسب التعليل لأن لا يخاف المؤمن من عذاب الله لأن عذابه بالكافرين ملحق.

الأمر الخامس

ومما الصقوه بالقرآن المجيد ما نقله في فصل الخطاب عن كتاب دبستان المذاهب انه نسب إلى الشيعة انهم يقولون ان إحراق المصاحف سبب إتلاف سور من القرآن نزلت في فضل علي (ع) واهل بيته (ع) «منها» هذه السورة وذكر كلاما يضاهي خمسا وعشرين آية في الفواصل قد لفق من فقرات القرآن الكريم على أسلوب آياته. فاسمع ما في ذلك من الغلط فضلا عن ركاكة أسلوبه الملفق فمن الغلط «واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلفه» ماذا اصطفى من الملائكة وماذا جعل مّن المؤمنين وما معنى أولئك في خلقه. ومنه «مثل الذين يوفون بعهدك اني جزيتهم جنات النعيم» ليت شعري ما هو مثلهم. ومنه «ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل» ما معنى هذه الدمدمة وما معنى بما استخلف وما معنى فبغوا هارون ولمن يعود الضمير في بغوا ولمن الأمر بالصبر الجميل. ومن ذلك «ولقد اتينا بك الحكم كالذي من قبلك من المرسلين وجعلنا لك منهم وصيا لعلهم يرجعون» ما معنى اتينا بك الحكم ولمن يرجع الضمير الذي في منهم ولعلهم. هل المرجع للضمير هو في قلب الشاغر. وما هو وجه المناسبة في لعلهم يرجعون. ومن ذلك «وان عليا قانت في الليل ساجد يحذر الآخرة ويرجو ثواب وبه قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون» قل ما محل قوله هل يستوي الذين ظلموا وما هي المناسبة له في قوله وهم بعذابي يعلمون. ولعل هذا الملفق تختلج في ذهنه الآيتان الحادية عشرة والثانية عشرة من سورة الزمر وفي آخرها( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) فأراد الملفق أن يلفق منهما شيئا بعدم معرفته فقال في آخر ما لفق هل يستوي الذين ظلموا ولم يفهم انه جيء بالاستفهام الانكاري في الآيتين لأنّه ذكر فيهما الذي جعل لله أندادا ليضل عن سبيله والقانت آناء الليل يرجو رحمة ربه فهما لا يستويان ولا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. هذا بعض الكلام في هذه المهزلة.

٢٤

وان صاحب فصل الخطاب من المحدّثين المكثرين المجدين في التتبع للشواذ وانه ليعدّ أمثال هذا المنقول في دبستان المذاهب ضالته المنشودة ومع ذلك قال انه لم يجد لهذا المنقول أثر في كتب الشيعة. فيا للعجب من صاحب دبستان المذاهب من اين جاء بنسبة هذه الدعوى إلى الشيعة. وفي أي كتاب لهم وجدها أفهكذا يكون النقل في الكتب ولكن لا عجب (شنشنة أعرفها من أخزم) فكم نقلوا عن الشيعة مثل هذا النقل الكاذب كما في كتاب الملل للشهرستاني ومقدمة ابن خلدون وغير ذلك مما كتبه بعض الناس في هذه السنين والله المستعان

قول الإمامية بعدم النقيصة في القرآن

ولا يخفى ان شيخ المحدّثين والمعروف بالاعتناء بما يروى وهو الصدوق طاب ثراه قال في كتاب الاعتقاد. اعتقادنا ان القرآن الذي أنزله الله على نبيه (ص) هو ما بين الدفتين وليس بأكثر من ذلك ومن نسب إلينا انا نقول انه اكثر من ذلك فهو كاذب انتهى. وحمل الروايات الواردة في النقصان على وجوه أخر. وفي أواخر فصل الخطاب من كتاب المقالات للشيخ المفيدقدس‌سره إنه قال جماعة من أهل الإمامة انه (أي القرآن) لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتا في مصحف أمير المؤمنين (ع) من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله. وعن السيد المرتضى قدس سرّه قوله بعدم النقيصة وان من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من اصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها. وفي أول التبيان الشيخ الطوسي (قده) أما الكلام في زيادته ونقصه فمما لا يليق به أيضا لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها. والنقصان فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى وهو الظاهر في الروايات غير انه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا والأولى الاعراض عنها انتهى. وتبعه على ذلك في مجمع البيان وفي كشف الغطاء في كتاب القرآن المبحث الثامن في نقصه لا ريب انه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان كما دل عليه صريح القرآن واجماع العلماء في كل زمان ولا عبرة بالنادر وما ورد من اخبار النقص تمنع البديهة من العمل بظاهرها إلى ان قال فلا بد من تأويلها بأحد وجوه. وعن السيد القاضي نور الله في كتابه مصائب النواصب ما نسب إلى الشيعة الإمامية من

٢٥

وقوع التغيير في القرآن ليس مما قال به جمهور الإمامية إنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم. وعن الشيخ البهائي وايضا اختلفوا في وقوع الزيادة والنقصان فيه والصحيح ان القرآن العظيم محفوظ عن ذلك زيادة كان أو نقصانا ويدل عليه قوله تعالى( وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) وما اشتهر بين الناس من إسقاط اسم امير المؤمنينعليه‌السلام منه في بعض المواضع مثل قوله تعالى يا ايها الرسول بلغ ما انزل إليك في عليّ وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء. وعن المقدس البغدادي في شرح الوافية وانما الكلام في النقيصة والمعروف بين أصحابنا حتى حكي عليه الإجماع عدم النقيصة ايضا. وعنه أيضا عن الشيخ علي بن عبد العالي انه صنف في نفي النقيصة رسالة مستقلة وذكر كلام الصدوق المتقدم ثمّ اعترض بما يدل على النقيصة من الأحاديث وأجاب بأن الحديث إذا جاء على خلاف الدليل من الكتاب والسنة المتواترة أو الإجماع ولم يمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه وجب طرحه هذا وان المحدث المعاصر جهد في كتاب فصل الخطاب في جمع الروايات التي استدل بها على النقيصة وكثر أعداد مسانيدها باعداد المراسيل عن الأئمةعليهم‌السلام في الكتب كمراسيل العياشي وفرات وغيرها مع ان المتتبع المحقق يجزم بأن هذه المراسيل مأخوذة من تلك المسانيد. وفي جملة ما أورده من الروايات ما لا يتيسر احتمال صدقها. ومنها ما هو مختلف باختلاف يئول به إلى التنافي والتعارض وهذا المختصر لا يسع بيان النحوين الأخيرين. هذا مع ان القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيده إلى بضعة انفار وقد وصف علماء الرجال كلا منهم اما بأنه ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية. واما بأنه مضطرب الحديث والمذهب يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء. واما بأنه كذاب متهم لا أستحل ان اروي من تفسيره حديثا واحدا وانه معروف بالوقف وأشدّ الناس عداوة للرضاعليه‌السلام . واما بأنه كان غاليا كذابا. واما بأنه ضعيف لا يلتفت إليه ولا يعوّل عليه ومن الكذابين. واما بأنه فاسد الرواية يرمى بالغلوّ. ومن الواضح ان أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتهم شيئا. ولو تسامحنا بالاعتناء برواياتهم في مثل هذا المقام الكبير لوجب من دلالة الروايات المتعددة ان ننزلها على ان مضامينها تفسير للآيات أو تأويل أو بيان لما يعلم يقينا شمول عموماتها له لأنّه أظهر الافراد وأحقها بحكم العام. أو ما كان مرادا بخصوصه وبالنص عليه في ضمن العموم عند التنزيل. أو ما كان هو المورد للنزول. أو ما كان هو المراد من اللفظ المبهم. وعلى احد الوجوه الثلاثة الأخيرة يحمل ما ورد

٢٦

فيها انه تنزيل وانه نزل به جبريل كما يشهد به نفس الجمع بين الروايات. كما يحمل التحريف فيها على تحريف المعنى ويشهد لذلك مكاتبة أبي جعفرعليه‌السلام لسعد الخير كما في روضة الكافي ففيها وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده. وكما يحمل ما فيها من انه كان في مصحف امير المؤمنينعليه‌السلام أو ابن مسعود وينزل على انه كان فيه بعنوان التفسير والتأويل. ومما يشهد لذلك قول امير المؤمنين (ع) للزنديق كما في نهج البلاغة وغيره ولقد جئتهم بالكتاب كملا مشتملا على التنزيل والتأويل. ومما أشرنا إليه من الروايات ان المحدث المعاصر أورد في روايات سورة المعارج اربع روايات ذكرت ان كلمة (بولاية علي) مثبتة في مصحف فاطمة وهكذا هي في مصحف فاطمة (ع) ولا يخفى ان مصحفهاعليها‌السلام انما هو كتاب تحديث بأسرار العلم كما يعرف ذلك من عدة روايات في اصول الكافي في باب الصحيفة والمصحف والجامعة وفيها قول الصادق (ع) ما فيه من قرآنكم حرف واحد. وما أزعم ان فيه قرآنا كما في الصحيح والحسن (ومنها) ما في الكافي في باب ان الأئمةعليهم‌السلام شهداء على الناس في صحيحة بريد عن أبي جعفر (ع) وروايته عن أبي عبد الله (ع) من قولهما (ع) في قوله تعالى( جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) نحن الأمة الوسطى. وفي شرحه عن امير المؤمنينعليه‌السلام ونحن الذين قال الله( جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) . إذن فما روي مرسلا في تفسيري النعماني وسعد من أن الآية أئمة وسطا لا بد من حمله على التفسير وان التحريف إنما هو للمعنى (ومنها) كما رواه في الكافي في باب ان الأئمة هم الهداة عن الفضيل سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله تعالى( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) فقال كل إمام هو هاد للقرن الذي هو فيهم. ورواية بريد عن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) فقال رسول الله (ص) المنذر ولكل زمان منا هاد يهديهم إلى ما جاء به النبي (ص) والهداة من بعده عليّ (ع) ثمّ الأوصياء واحدا بعد واحد. ونحوها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) ورواية عبد الرحيم القصير عن أبي جعفرعليه‌السلام ان رسول الله (ص) المنذر وعليّ الهادي وبمضمونها جاءت روايات الجمهور مسندة عن طريق أبي هريرة وأبي برزة وابن عباس وطريق امير المؤمنين (ع) وصحّحه الحاكم في مستدركه. وإذا أحطت خبرا بهذا فهل يروق لك التجاء فصل الخطاب في تلفيقه وتكثيره إلى النقل عن بعض التفاسير المتأخرة وعن الداماد في حاشية القبسات من قوله ان الأحاديث من طرقنا وطرقهم متضافرة بأنه كان التنزيل انما أنت منذر لعباد وعليّ

٢٧

لكل قوم هاد انتهى. هذا الشعر الذي ينشده المداحون ولا يرضى العارف باللغة العربية ان ينسب إليه نظمه ولا أظنك تجد من طرقنا وطرق أهل السنة غير ما سمعته أولا وهو غير ما نقله فاعتبر (ومنها) رواية الكافي عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قولهعزوجل ( رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) يعنون بولاية علي (ع) وهذا صريح في كونه تفسيرا فهي حاكمة ببيانها على ضعيفتي أبي بصير في ظهورهما بأن لفظ «بولاية علي» محذوف من الآية ويسري البيان من رواية أبي حمزة إلى أمثال ذلك (ومنها) رواية عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى في سورة البقرة( مَتاعاً إلى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ ) . مخرجات. ولا أظن إلّا أنّك تقول إنَّ إلحاق الإمام (ع) لكلمة مخرجات إنّما هو تفسير للمراد من كلمة. إخراج. لا بيان للنقيصة من القرآن الكريم ولكن فصل الخطاب أورده بعنوان البيان للنقيصة فاعتبر (ومنها) صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) كما في الكافي في أول باب منع الزكاة وفيها ثمّ قال (ع) هو قول اللهعزوجل ( سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) يعني ما بخلوا به من الزكاة فالرواية كالصريحة بأن لفظ «من الزكاة» إنما هو تفسير من الإمام لا من القرآن فهي حاكمة ببيانها على مرسلة ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) في قول اللهعزوجل .( سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ ) . من الزكاة( يَوْمَ الْقِيامَةِ ) وصارفة لها عن كونها بيانا للنقيصة. (ومنها) صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) كما في الكافي في باب نص الله ورسوله على الأئمة واحدا بعد واحد. وفيها : فقلت له ان الناس يقولون فما له لم يسم عليا (ع) وأهل بيته في كتاب الله قال فقولوا لهم ان رسول الله نزلت عليه الصلاة ولم بسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا حتى كان رسول الله (ص) هو الذي فسر لهم ذلك. وكذا قال (ع) في الزكاة والحج. ومقتضى الرواية تصديق الإمام (ع) لقول الناس ان الله لم يسم عليا في القرآن وإن التسمية كانت من تفسير رسول الله (ص) في حديث من كنت مولاه وحديث الثقلين. ويشهد لذلك ما رواه في الكافي أيضا في هذا الباب بعد ذلك بيسير في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفرعليه‌السلام ورواية أبي الجارود عنه (ع) أيضا ورواية أبي الديلم عن أبي عبد الله (ع) انهما تلوا في مقام الاحتجاج وعدم التقية قوله تعالى( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) ولم يذكرا في تلاوة الآية كلمة «في عليّ» وهذا يدلّ على انّ ما روي في ذكر اسم علي (ع) في هذا المقام بل وفي غيره إنما هو تفسير وبيان للمراد في وحي القرآن بكون التفسير والبيان جاء به

٢٨

جبرائيل من عند الله بعنوان الوحي المطلق لا القرآن( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحى ) (ومنها) رواية الفضيل عن أبي الحسن الماضي (ع) في باب النكت من التنزيلفي الولاية من الكافي قال قلت( هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ) قال يعني امير المؤمنين (ع) قلت تنزيل قال (ع) نعم فإنه (ع) ذكر امير المؤمنين (ع) بقوله يعني بعنوان التفسير وبيان المراد والمشار إليه في قوله تعالى هذا فقوله في الجواب «نعم» دليل على ان ما كان مرادا بعينه في وحي القرآن يسمونهعليهم‌السلام تنزيلا. فتكون هذه الرواية وأمثالها قاطعة لتشبثات فصل الخطاب بما حشده من الروايات التي عرفت حالها اجمالا وإلى ما ذكرناه وغيره يشير ما نقلناه من كلمات العلماء الأعلام قدست اسرارهم. فإن قيل ان هذه الرواية ضعيفة وكذا جملة من الروايات المتقدمة قلنا ان جل ما حشده فصل الخطاب من الروايات هو مثل هذه الرواية وأشد منها ضعفا كما أشرنا إليه في وصف رواتها على ان ما ذكرناه من الصحاح فيه كفاية لأولي الألباب

الفصل الثالث في قراءته

ومن أجل تواتر القرآن الكريم بين عامة المسلمين جيلا بعد جيل استمرت مادته وصورته وقراءته المتداولة على نحو واحد فلم يؤثر شيئا على مادته وصورته ما يروى عن بعض الناس من الخلاف في قراءته من القراء السبع المعروفين وغيرهم فلم تسيطر على صورته قراءة أحدهم اتباعا له ولو في بعض النسخ ولم يسيطر عليه أيضا ما روي من كثرة القراءات المخالفة له مما انتشرت روايته في الكتب كجامع البخاري ومستدرك الحاكم مسندة عن النبي (ص) وعلي (ع) وابن عباس وعمر وأبي وابن مسعود وابن عمر وعائشة وابى الدرداء وابن الزبير وانظر اقلا إلى الجزء الأول من كنز العمال صفحة ٢٨٤ ـ ٢٨٩ نعم ربما اتبع مصحف عثمان على ما يقال في مجرد رسم الكتابة في بعض المصاحف في كلمات معدودة كزيادة الألف بين الشين والياء من قوله تعالى( لِشَيْءٍ ) من سورة الكهف وزيادتها أيضا في( لَأَذْبَحَنَّهُ ) من سورة النمل ونحو ذلك في قليل من الكلمات. وان القراءات السبع فضلا عن العشر إنما هي في صورة بعض الكلمات لا بزيادة كلمة أو نقصها ومع ذلك ما هي إلّا روايات آحاد عن آحاد لا توجب اطمئنانا ولا وثوقا. فضلا عن وهنها بالتعارض ومخالفتها للرسم المتداول المتواتر بين عامة المسلمين في السنين المتطاولة. وان كلا من القراء هو واحد لم تثبت عدالته ولا ثقته يروي عن آحاد حال غالبهم مثل حاله ويروي عنه آحاد مثله. وكثيرا ما يختلفون في الرواية عنه. فكم اختلف حفص وشعبة في الرواية

٢٩

عن عاصم. وكذا قالون وورش في الرواية عن نافع. وكذا قنبل والبزي في روايتهما عن أصحابهما عن ابن كثير. وكذا رواية أبي عمر وأبي شعيب في روايتهما عن اليزيدي عن أبي عمر. وكذا رواية ابن ذكوان وهشام عن أصحابهما عن ابن عامر. وكذا رواية خلف وخلاد عن سليم عن حمزة. وكذا رواية أبي عمر وأبي الحارث عن الكسائي. مع ان أسانيد هذه القراءات الآحادية لا يتصف واحد منها بالصحة في مصطلح أهل السنة في الاسناد فضلا عن الإمامية كما لا يخفى ذلك على من جاس خلال الديار. فيا للعجب ممن يصف هذه القراءات السبع بأنها متواترة. هذا وكل واحد من هؤلاء القراء يوافق بقراءته في الغالب ما هو المرسوم المتداول بين المسلمين وربما يشذ عنه عاصم في رواية شعبة. إذن فلا يحسن أن يعدل في القراءة عما هو المتداول في الرسم والمعمول عليه بين عامة المسلمين في اجيالهم إلى خصوصيات هذه القراءات. مضافا إلى انا معاشر الشيعة الإمامية قد أمرنا بأن نقرأ كما يقرأ الناس أي نوع المسلمين وعامتهم.

ولعلّما تقول ان غالب القراءات السبع أو العشر ناش من سعة اللغة العربية في وضع الكلمة وهيئتها نحو عليهم وإليهم ولديهم بكسر الهاء أو ضمها مع سكون الميم أو ضمهما. ونحو تظاهرون بفتح الظاء أو تشديدها. فعلى أي قراءة قرئت أكون قارئا على العربية. ولكن كيف يخفى عليك ان تلاوة القرآن وقراءته يجب فيها وفي تحققها ان تتبع ما أوحي إلى الرسول وخوطب به عند نزوله عليه وهو واحد فعليك أن تتحراه بما يثبت به وليست قراءة القرآن عبارة عن درس معاجم اللغة.

ولا تتشبث لذلك بما روي من أن القرآن نزل على سبعة أحرف فإنه تشبث واه واهن.

اما أولا فقد قال في الإتقان في المسألة الثانية من النوع السادس عشر اختلف في معنى السبعة أحرف على أربعين قولا وذكر منها عن ابن حيان خمسة وثلاثين. وما ذاك إلّا لوهن روايتها واضطرابها لفظا ومعنى. وفي الإتقان أيضا في أواخر النوع السادس عشر وقد ظن كثير من العوام ان المراد بها القراءات السبعة وهو جهل قبيح (واما ثانيا) فقد روى الحاكم في مستدركه بسند صحيح على شرط البخاري ومسلم عن ابن مسعود عن النبي (ص) نزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زاجرا وآمرا وحلالا وحراما ومحكما ومتشابها وأمثالا فأحلوا حلاله. وروى ابن جرير مرسلا عن أبي قلابة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنزل القرآن على سبعة

٣٠

أحرف أمر وزاجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل. وروى ابن جرير والسنجري وابن المنذر وابن الانباري عن ابن عباس عنه (ص) ان القرآن على اربعة أحرف حلال وحرام الحديث. وأسند السنجري في الابانة. عن علي (ع) انزل القرآن على عشرة أحرف بشير ونذير وناسخ ومنسوخ وعظة ومثل ومحكم ومتشابه وحلال وحرام (واما ثالثا) فقد جاء في روايات السبعة أحرف بأسانيد جياد في مصطلحهم ما يعرفك وهنها وإلحاقها بالخرافة ففي رواية أحمد من حديث أبي بكرة ان النبي (ص) استزاد من جبرئيل في أحرف القراءة حتى بلغ سبعة أحرف قال يعني جبرئيل كلها شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة وآية رحمة بعذاب. وزاد في حديث آخر نحو قولك تعال واقبل وهلم واذهب واسرع واعجل. ونحوه في رواية الطبراني عن أبي بكرة. وفي الإتقان اخرج نحوه أحمد والطبراني عن ابن مسعود واخرج أبو داود في سننه عن أبي عن رسول الله (ص) إلى قوله حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال ليس منها إلّا شاف كاف إن قلت سميعا عليما عزيزا حكيما ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب. وفي كنز العمال فيما أخرجه أحمد وابن منيع والغساني وابن أبي منصور وابو يعلى عن أبي عن النبي (ص) ان قلت غفورا رحيما أو قلت سميعا عليما أو عليما سميعا فالله كذلك ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب. واخرج ابن جرير عن أبي هريرة عنه (ص) ان هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرأوا ولا حرج ولكن لا تجمعوا ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة. واخرج أحمد من حديث عمر القرآن كله صواب ما لم تجعل مغفرة عذابا أو عذابا مغفرة. فانظر إلى هذه الروايات المفسرة للسبعة أحرف كيف قد رخصت في التلاعب في تلاوة القرآن الكريم حسبما يشتهيه التالي ما لم يختم آية الرحمة بالعذاب وبالعكس (واما رابعا) ففي الروايات ما يقطع سند القراءات السبع فعن ابن الأنباري في المصاحف مسندا عن عبد الرحمن السلمي قال كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة. وعن ابن أبي داود مسندا عن أنس قال صليت خلف النبي (ص) وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وكلهم كان يقرأ( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) . وروى أيضا ان أول من قرأ ملك يوم الدين هو مروان ابن الحكم (واما خامسا) وهو فصل الخطاب فقد روى من طرق الشيعة في الكافي مسندا عن أبي جعفر الباقر (ع) ان القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن الاختلاف يجيء من قبل الروايات. وأرسل الصدوق نحوه في اعتقاداته عن الصادق (ع) وفي الكافي أيضا في الصحيح

٣١

عن الفضيل بن يسار قال قلت لأبي عبد الله (ع) ان الناس يقولون ان القرآن نزل على سبعة أحرف فقال (ع) كذبوا. ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد. ويؤيد ما ذكرناه رواية السياري له أيضا عن الباقر والصادق (ع)

الفصل الرابع في تفسيره

وللحاجة إليه مقامات (الأول) في مفردات ألفاظه وبيان معناها في العربية ـ قد أنزل القرآن الكريم على افصح لغات العرب وأكثرها تداولا ومألوفية لنوع العرب فلا تخفى معاني مفرداته على العرب إلّا نادرا لبعض الجهات التي لا ينفك عنها نوع الإنسان كما يروى في الأبّ والقضب في قوله تعالى في سورة عبس( وَفاكِهَةً وَأَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً ) . ولكن لما تشرفت الأمم من غير العرب بالإسلام وتطورت اللغة العربية بسبب الاختلاط ومرور الزمان عرض لبعض الألفاظ التي كانت متداولة مأنوسة معروفة المعاني في عصر النزول ان صارت غريبة بعد ذلك في استعمال العامة بعيدة عن فهمهم لمعانيها. ولا زال ذلك يزداد يوما فيوما حتى سرى داؤه إلى بعض الخواص. ولاستراحتهم في ذلك إلى الاتباع والتقليد أثر غير هين

إذن فيرجع في التفسير لمفردات ألفاظه الشريفة إلى ما يحصل به الاطمئنان والوثوق من مزاولة علم اللغة العربية والتدبر في موارد استعمالها مما يعرف انه من كلام العرب ولغتهم. وان للتدبر في أسلوب القرآن الكريم وموارد استعماله وقراءتها دخلا كبيرا في ذلك. واما محض الركون إلى آحاد اللغويين تعبدا بكلامهم وتقليدا لآرائهم فذاك مما لا مساغ له. فان الأغلب أو الغالب مما يستندون إليه في أقوالهم ما هو إلّا الاعتماد على ما يحصلونه بحسب افهامهم وتتبعهم لموارد الاستعمال مع الخلط للحقيقة بالمجاز وعدم التثبت بالقرائن ومزايا الاستعمال. ألا ترى كم يشهد بعضهم على بعض بالخطأ والوَهم

ومن شواهد ما ذكرناه ما وقع في تفسير اللمس والمسّ من الاضطراب والخبط. ففي النهاية مسست الشيء إذا لمسته بيدك. وفي القاموس لمسه مسه بيده ومسسته أي لمسته. وفي المصباح مسسته أفضيت إليه بيدي من دون حائل هكذا قيدوه وقال قبل ذلك لمسه افضى إليه باليد. هكذا فسروه. وقال ابن دريد اصل اللمس باليد ليعرف مس الشيء وقال لمست مسست وكل ماس لامس. وقال الفارابي اللمس المس. وفي التهذيب عن أبن الاعرابي اللمس يكون مس الشيء وقال في باب الميم المس مسّك الشيء بيدك. وقال الجوهري اللمس

٣٢

المس ثمّ قال في المصباح وإذا كان اللمس هو المس فكيف يفرق الفقهاء بينهما انتهى. ولعلك تذعن بأن الفقهاء احذق في استفادة المعنى من تتبع موارد الاستعمال وذلك لما اعتادوه وشحذوا به أذهانهم من بذل الجهد بالبحث والتحقيق فإن الفرق بين معنيي اللمس والمس واضح بحكم التبادر والتتبع لموارد الاستعمال. وغير خفي ان المعروف والمتبادر تبادرا يجزم معه بعدم النقل عن المعنى اللغوي الأصلي هو ان اللمس هو الإصابة بما به الإحساس من البدن بقصد الاحساس للملموس لا خصوص اللمس باليد ولا مطلق المس نعم كثير من موارد اللمس ما يكون باليد باعتبار انها آلة عادية وأقوى إحساسا. كما ان المس هو مطلق الإصابة لا بقصد الاحساس وقد صرح جماعة من أساطين علمائنا بأن معنى المس لغة بل وعرفا هو ما ذكرناه كما في المعتبر والمنتهى وروض الجنان والحدائق بل والمهذب البارع وأظن ان الذي يحقق في مراجعة العرف والتبادر وتتبع موارد الاستعمال قديما وحديثا لا يشك في ان معنى اللمس هو ما ذكرناه أولا.

ومن شواهد ما ذكرناه هو الاضطراب في معنى التوفي وما استعمل في لفظه المتكرر في القرآن الكريم. فاللغويون جعلوا الإماتة في معنى التوفي. والكثير من المفسرين في تفسير قوله تعالى في سورة آل عمران ٤٨( يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ ) قالوا أي مميتك. وقال بعض مميتك حتف انفك. وقال بعض مميتك في وقتك بعد النزول من السماء وكأنهم لم ينعموا الالتفات إلى مادة التوفي واشتقاقه ومحاورات القرآن الكريم والقدر الجامع بينها. وإلى استقامة التفسير لهذه الآية الكريمة واعتقاد المسلمين بأن عيسى لم يمت ولم يقتل قبل الرفع إلى السماء كما صرح به القرآن. وإلى ان القرآن يذكر فيما مضى قبل نزوله ان المسيح قال لله( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ) ومن كل ذلك لم يفطنوا إلى أن معنى التوفي والقدر الجامع المستقيم في محاورة القرآن فيه وفي مشتقاته إنما هو الأخذ والاستيفاء وهو يتحقق بالإماتة وبالنوم وبالأخذ من الأرض وعالم البشر إلى عالم السماء. وإن محاورة القرآن الكريم بنفسها كافية في بيان ذلك كما في قوله تعالى في سورة الزمر ٤٣ :( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) ألا ترى أنّه لا يستقيم الكلام إذا قيل الله يميت الأنفس حين موتها وكيف يصح أنَّ التي لم تمت يميتها في منامها. وكما في قوله تعالى في سورة الانعام ٦٠ :( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ

٣٣

لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إليه مَرْجِعُكُمْ ) فإن توفي الناس بالليل إنما يكون بأخذهم بالنوم ثم يبعثهم الله باليقظة في النهار ليقضوا بذلك آجالهم المسماة ثم إلى الله مرجعهم بالموت والمعاد. وكما في قوله تعالي في سورة النساء ١٩ :( حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ) فإنه لا يستقيم الكلام إذا قيل يميتهنّ الموت وحاصل الكلام ان معنى التوفي في موارد استعماله في القرآن وغيره إنما هو أخذ الشيء وافيا أي تاما كما يقال درهم واف وهذا المعنى ذكره اللغويون للتوفي في معاجمهم وقالوا ان توفاه واستوفاه بمعنى واحد وأنشدوا له قول الشاعر

ان بني الادرد ليسوا لأحد

ولا توفاهم قريش في العدد

أي لا تتوفاهم وتأخذهم تماما (قلت) لكنّ بين الاستيفاء والتوفي فرقا واضحا من جهة اثر الاشتقاق فإن الاستيفاء استفعال كالاستخراج يشير إلى طلب الآخذ واستدعائه ومعالجته والتوفي يشير إلى القدرة على الآخذ بدون حاجة إلى استدعاء وطلب ومعالجة ولذا اختص القرآن الكريم بلفظ التوفي وعدل عن الأخذ لعدم دلالته على التمام والوفاء كالتوفي الدال على تمام القدرة على نحو المعنى في( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إليه راجِعُونَ ) . ولك العبرة فيما قلناه بقوله تعالى( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ) فإنك إن جعلت قوله تعالى( وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ ) معطوفا على الأنفس لم تقدر أن تقول أن معنى يتوفى يميت. وإن قلت ان التوفي في المنام اماتة مجازية قلنا كيف يكون معنى اللفظ الواحد معنيين معنى حقيقيا ومعنى مجازيا ويتعلق باعتبار كل معنى بمفعول ويعطف احد المفعولين على الآخر مع اختلاف المعنى العامل به. وهل يكون اللفظ الواحد مرآة لكل من المعنيين المستقلين كلا لا يكون. وإن جعلت قوله تعالى( وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ ) مفعولا لكلمة «يتوفى» مقدرة يدل عليها قوله تعالى( يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ ) قلنا ان دلالة الموجود على المحذوف إنما هي بمعناه كما لا يخفى على من له معرفة بمحاورات الكلام فى كل لغة فكيف يجعل التوفي بمعنى الموت دليلا على توف محذوف هو بمعنى آخر إذن فليس إلّا أن التوفي بمعنى واحد وهو الأخذ تماما ووافيا. إمّا من عالم الحياة. وإما من عالم اليقظة. واما من عالم الأرض والاختلاط بالبشر إلى العالم السماوي كتوفي المسيح وأخذه ومن الغريب ما قاله بعض من أن رفع المسيح إلى السماء غير مشتمل على أخذ الشيء تاما انتهى وليت شعري ماذا بقي من المسيح في الأرض وماذا تعاصى منه على قدرة الله في أخذه فلا يكون رفعه مشتملا على أخذ الشيء تاما. هذا ولا يخفى ان القرآن ناطق بأن المسيح ما قتلوه

٣٤

وما صلبوه ولكن شبه لهم ورفعه الله إليه وإن عقيدة المسلمين مستمرة كإجماعهم على انه لم يمت بل رفع إلى السماء إلى ان ينزل في آخر الزمان فلأجل ذلك التجأ بعض من يفسر التوفي بالإماتة إلى ان يفسر قوله تعالى( يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ) أي مميتك في وقتك بعد النزول من السماء ولكني لا أدري ماذا يصنع بحكاية القرآن لما سبق على نزوله في قوله في أواخر سورة المائدة «١١٦ و ١١٧ :( وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ـما قُلْتُ لَهُمْ إلّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ ـ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) فهل يسوغ ان تفسر هذه الآية بالوفاة بعد النزول وهل يصح القياس في ذلك على قوله تعالى( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ) وهل يخفى ان مقتضى كلام المسيح في الآيتين هو انه بعد ان توفاه الله وانقطعت تبليغاته في دعوة رسالته وكونه شهيدا على أمته تمحض الأمر ورجع إلى ان الله هو الرقيب عليهم. وان سوق الكلام واتساقه ليدل على اتصال الحالين. وان الرقيب كيفما فسرته إنما يكون رقيبا في وجود تلك الأمة في الدنيا دار التكليف لا الآخرة التي هي دار جزاء وانتقام. ولا تصح الطفرة في المقام من أيّام دعوة المسيح لأمته في رسالته وكونه شهيدا عليهم إلى ما بعد نزوله من السماء في آخر الزمان حيث يكون وزيرا في الدعوة الإسلامية لا صاحب دعوة. ومن الواضح أن المراد في الآيتين من الناس الذين جرى الكلام في شأنهم إنما هم الذين كانوا أمة المسيح وفي عصر رسالته ونوبة دعوته وتبليغه وأما صرف وجهة الكلام إلى الناس الذين هم في أيّام نزوله من السماء فما هو إلّا مجازفة فيها ما فيها وتحريف للكلم وأما قوله تعالى( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ) فلم يكن اخبارا ابتدائيا يكون وقوع الفعل الماضي فيه باعتبار حال المتكلم كما في الآيتين بل جاء في سياق قوله تعالى( ما يَنْظُرُونَ إلّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ ) في حوادث زمان البعث والقيامة ومقدماتها فهو في سياقه ناظر إلى ذلك الحين وسياق الكلام يجعله بدلالته في قوة قوله ونفخ حينئذ في الصور فهو على حقيقة الفعل الماضي وباعتبار ذلك الحين كما في قوله( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ) . هذا وبعض المفسرين لقوله تعالى( يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ) قال أي مميتك حتف انفك. وأقول ان أراد الإماتة بعد نزول المسيح من السماء شارك ما سبق من التفسير فى ورد الاعتراض عليه وان أراد اماتته قبل ذلك وقبل نزول القرآن خالف المعروف من عقيدة المسلمين وإجماعهم في اجيالهم ويرد عليه السؤال أيضا بأنه من أين جاء بالإماتة حتف انفه وماذا يصنع بما جاء في القرآن

٣٥

كثيرا مما ينافي اختصاص التوفي بالموت حتف الأنف بل المراد منه الأخذ بالموت وإن كان بالقتل كقوله في سورة الحج ٥ والمؤمن ٦٩ في أطوار خلق الإنسان من التراب والنطفة إلى الهرم.( وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ) لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل وفي سورة البقرة ٢٣٤ و ٢٤١( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ) ويونس ١٠٤( وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ) والنحل ٧٢( وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ) والسجدة ١١( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ) والأعراف ٣٥( حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ ) والنساء ٩٩( تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ) والنحل ٣٠ ـ ٣٣( تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ) والانعام ٦١( تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ) ومحمد (ص) ٣٩( فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ ) والأنفال ٥٢( وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ ) والزمر ٤٣( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ) وإنك لا تكاد تجد في القرآن المجيد لفظ التوفي مستعملا فيما يراد منه الإماتة حتف الأنف إذن فمن اين جيء بذلك في قوله تعالى( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ) نعم ابتلى لفظ التوفي ومشتقاته بالأخذ بمعناه يمنة ويسرة حتى ان العامة حسبوها مرادفة للموت حتى انهم يقولون في الذي مات توفى بفتح التاء والواو والفاء بالبناء للفاعل ويقولون في الميت متوفي بكسر الفاء

وصيغة اسم الفاعل بل يحكى ان أمير المؤمنين عليا (ع) كان يمشي خلف جنازة في الكوفة فسمع رجلا يسأل عن الميت ويقول من المتوفي بكسر الفاء وأما ما نسب إلى ابن عباس من أن معنى قوله تعالى( يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ) إني مميتك فما أراه إلّا كما نسب إلى ابن عباس في مسائل نافع بن الأزرق كما ذكر في الفصل الثاني من النوع السادس والثلاثين من إتقان السيوطي من أن نافعا سأله عن قول الله( ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) أي بما يرجع إلى معنى تبهظهم وتثقل عليهم كما قال عمر ابن كلثوم في معلقته. (ومتني لدنة سمقت وطالت روادفها تنوء بما ولينا وكما أنشده اللغويّون: إلّا عصا ارزن طالت برايتها تنوء ضربتها بالكف والعضد

فذكر ان ابن عباس قال له في الجواب لتثقل أو ما سمعت قول الشاعر

تمشي فتثقلها عجيزتها

مشي الضعيف ينوء بالوسق

أي ينهض بالوسق بتكلف وجهد على عكس المعنى المذكور في القرآن. أفهل ترى ابن عباس يفسر تنوء التي في الآية بغير معناها كما ثار من هذا الاستشهاد المنسوب إليه اعتراض

٣٦

النصارى بأن القرآن جاء بلفظة «لتنوء» في غير محلها. وهل ترى ابن عباس لا يعرف ان معنى ينوء بالوسق ليس يثقل بل ينهض به بتكلف. وهل ترى ابن عباس لا يدري ببيت المعلقة ليستشهد به استشهادا صحيحا مطابقا منتظما. كيف وإن المعلقات كانت للشعر في ذلك العصر كبيت القصيد ولكن «حنّ قدح ليس منها» وقد خرجنا عما نؤثره من الاختصار ولكنا ما خرجنا عن المقصود الاصلي من الكلام في تفسير القرآن الكريم بل سارعنا إلى شيء من الخير والله المسدد الموفق

المقام الثاني

لا يخفى ان القرآن الكريم مبني على ارقى أنحاء البلاغة العربية وتفننها بمحاسن المجاز والاستعارة والكناية والإشارة والتلميح وغير ذلك من مزايا الكلام الراقي ببلاغته مما كان مأنوس الفهم في عصر النزول ورواج الأدب العربي وقيام سوقه. وكان بحيث يفهم المراد منه ومزاياه بأنس الطبع ومرتكز الغريزة كل سامع عربي. ولكن بعد اشتراك الأمم في بركة الإسلام وامتلاء جزيرة العرب من الأمم وتفرق العرب بالتجنيد في غير البلاد العربية تغير أسلوب الكلام العربي في عامة الناس وتبدلت مزايا الكلام وأساليب المحاورات فعاد ذلك المأنوس غريبا في العامة وذلك الطبيعي الغريزي يحتاج في معرفته إلى ممارسة التطبع وكلفة التعلم والتدرب في اللغة العربية وأدبها على النهج السوي. من دون تقليد معرقل ولا وقوف عند الأسماء ولا جمود على قشور القواعد التي مهّدها المتدرّبون في العربية من الخواص اقتباسا بقدر الوسع من ذلك الأدب القديم. فدونوا من مبتذلها شيئا وفاتهم من أسرارها وحقائقها الشيء الكثير. وربما أدت بهم وعورة البحث والجمود على التقليد إلى عثرات الوهم أو احجام الشكوك انظر إلى ان جماعة من النحويين كالشرّاح لألفيّة ابن مالك وغيرهم قالوا في قول الراجز «جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط» أنَّ التقدير: بمذق مقول فيه هل رأيت إلخ ولا يخفى ان الراجز يريد وصف المذق بما يبين حاله وتبدل لونه بكثرة الماء وماذا يجدي فى ذلك كونه مقولا فيه هل رأيت الذئب قط ولم يفطنوا إلى ان الصفة التي يريدها الراجز كما يقتضيها المقام قد أشار إليها باستفهامه الذي هو بمنزلة التمثيل الحي لها. فكأنه قال جاؤوا بمذق لونه كلون الذئب هل رأيت الذئب يوما من الأيام فإن لون المذق كلونه فاعرف كيف كان. ومن شواهد ذلك ان صاحب الكشاف مع تضلعه من الأدب العربي ومعرفته بفذلكات الكلام

٣٧

اضطرب كلامه وتفسيره في كلمة واحدة تكررت في القرآن الكريم على نحو واحد وهو قوله تعالى( فَلا أُقْسِمُ ) ففي سورة الواقعة في قوله تعالى( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) قال فأقسم وان «لا» مزيدة مثلها في قوله( لِئَلَّا يَعْلَمَ أهل الْكِتابِ ) وفي قوله تعالى( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) قال إدخال لا النافية على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأشعارهم قال امرؤ القيس:

ولا وأبيك ابنة العامري

لا يدعي القوم انّي أفر

وقال غوية بن سلمة:

ألا نادت أُمامة باحتمال

لتحزنني فلأ بك لا أبالي

وفائدتها توكيد القسم وقالوا: إنها صلة أي زائدة مثلها في( لِئَلَّا يَعْلَمَ أهل الْكِتابِ ) وقال في ذلك كلاما فيه ما فيه وقال والوجه ان يقال هو للنفي والمعنى في ذلك انه لا يقسم بالشيء إعظاما له يدلك عليه قوله تعالى( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) فكأنه بإدخال حرف النفي يقول ان اعظامي له باقسامي به كلا إعظام يعني ان يستأهل فوق ذلك انتهى. ومقتضى بيانه هذا ان يقول إعظاما للمقسم به فإنه أوضح للبيان من مثله. وليته لم يخلط بين دخول «لا» على فعل القسم كما في الآيتين وبين دخولها على حرف القسم كما في بيتي امرء القيس وغوية وغيرهما مما لا يقع جوابه إلّا منفيّا فإنه واضح الظهور في ان «لا» فيه نافية موطئة لنفي الجواب لتأكيده وسبيلها سبيل قوله تعالى في سورة النساء ٦٨( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ) . وفي سورة الحاقة في قوله تعالى( فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ ) قال اقسام بالأشياء كلها. وفي سورة البلد فى قوله تعالى( لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ ) قال اقسم بالبلد الحرام ولم يقل شيئا في قوله تعالى( فَلا أُقْسِمُ ) في سورة المعارج والتكوير والانشقاق. ومن شواهد ذلك ما سمعته هنا عن صاحب الكشاف في قوله تعالى( لِئَلَّا يَعْلَمَ أهل الْكِتابِ ) من أن «لا» في لئلا مزيدة وصرّح أيضا بذلك في تفسير سورة الحديد حيث قال( لِئَلَّا يَعْلَمَ ) ليعلم ـ ووافقه على ذلك جماعة فاغتنم اعداء القرآن الكريم من ذلك فرصة فاعترضوا على القرآن بأنه مشتمل على الزيادة اللغوية ولكن الجزء الأول من كتاب الهدى صفحة ٣٥٠ و ٣٥٥ أوضح البطلان في زعم الزيادة كما عليه جماعة من أن المعنى. ان الله وعد الذين آمنوا ويتقون الله ويؤمنون برسوله ان يؤتيهم كفلين من رحمته ويجعل لهم نورا يمشون به ويغفر لهم ومن فوائد ذلك وغاياته ان لا يعلم أهل الكتاب ان الذين آمنوا لا يقدرون على شيء من فضل الله ولأن الفضل بيد الله الآية وليت شعري لماذا لا تنزه جلالة القرآن المجيد وبراعته عن لغوية هذه

٣٨

الزيادة التي لا غاية فيها إلّا الإيهام.

وفي تفسير قوله تعالى في سورة الأعراف ١١( قالَ ما مَنَعَكَ ألّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) قال في الكشاف أيضا «لا» في ان لا تسجد صلة «أي زائدة» بدليل قوله تعالى أي في سورة (ص) ٧٥( ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ ) ومثلها( لِئَلَّا يَعْلَمَ أهل الْكِتابِ ) بمعنى ليعلم انتهى. أقول وإن التدبر في آيات الأعراف. وص يشهد بأن «لا» غير زائدة بل جيء بها في الأعراف للاشارة إلى أمر قد صرح به في آيات ص وذلك ان الفعل قد يكون له مانع من ضد أو عذل أو غفلة أو عجز أو كل وقد يكون له سبب داع وحامل على تركه ومخالفته الأمر به فسأل الله إنكارا أو توبيخا في سورة ص عن المانع بقوله تعالى( ما مَنَعَكَ ) ان تسجد وعن السبب والحامل على المخالفة بقوله تعالى( أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ) وأشار جل شأنه في سورة الأعراف بوجود (لا) إلى السؤال عن السبب الحامل على المعصية بعد السؤال عن المانع فكأنه قال ما منعك من أن تسجد وما حملك على ان لا تسجد ولذا وقع الجواب من إبليس في كلا المقامين بيان السبب الحامل له على ان لا يسجد لا التعليل بالمانع فقال( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) وكذا الكلام في قوله تعالى في سورة طه ٩٤( قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ألّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ) فإن التفريع فى قوله( أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ) يدل على انه قد سبق السؤال عن المانع عن الاتباع وعن السبب الحامل على المعصية بتركه وأشير إليه بإدخال «لا» ولكن قال في الكشاف لا مزيدة والمعنى ما منعك ان تتبعني. وقال الله في سورة الأنبياء ٩٥( وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) وفي الكشاف فسر الإهلاك بالعزم عليه وفسر الرجوع بالرجوع من الكفر إلى الإسلام وهذا مختاره على الظاهر من الوجوه الثلاثة ثم قال فيه و «لا» صلة مزيدة انتهى وليته أبقى الإهلاك على ظاهره وفسر الرجوع بالرجوع إلى الإيمان والتوبة عند مشاهدة آيات الهلاك وأحوال الموت كإيمان فرعون عند الغرق كما في سورة يونس ٩٠. أو كالذين( إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ) وكما في سورة النساء ٢٢. وكما ذكره الله في سورة المؤمنين في حال المشركين والظالمين ١٠١( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) فإن قولهم هذا رجوع إلى التوبة ولكنها لا تقبل كما قال الله في الموارد الثلاثة ويكون معنى الآية الكريمة هو ان أهل القرى

٣٩

التي أهلكها الله حرام عليهم بسبب مشاهدتهم لآيات الإهلاك وحضور الموت وممتنع في العادة ومنفيّ بالمرة كونهم لا يرجعون إلى التوبة والإيمان بحسب الفطرة وإن كان لا ينفعهم ويستمرون على ما هم فيه حتى إذا جاءت الساعة وصار يوم القيامة وعاينوا ما كانوا يوعدون قالوا يا ويلنا قد كنا في غفلة عن هذا.

وقال الله تعالى في سورة آل عمران ٧٣( ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ٧٤ وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً ) ولا يخفى ان قوله تعالى (ولا يأمركم) معطوف على (يقول) المعطوف بثمّ على المنفي بقوله تعالى (ما كان) أي ليس له وإن (لا) هنا نافية يؤتى بها لتثبيت النفي في الأمرين مثلها في قولك ليس لك ان تقوم ولا أن تأكل لئلا يتوهم ان النفي للجمع بين الأمرين والجمع بين القيام والأكل كما قال في الكشاف في ثاني وجهيه في الآية. وقال في الكشاف ان في الآية وجهين أحدهما ان نجعل «لا» مزيدة والمعنى ثمّ يأمر الناس بأن يكونوا عبادا له ويأمركم ان تتخذوا النبيين والثاني ان نجعل «لا» نافية غير مزيدة والمعنى ما كان لبشر يستنبئه الله ان يأمر الناس بعبادته وينهاكم عن عبادة الملائكة أي ما كان له أن يجمع بين الأمر والنهي. ويا للعجب ممن سوغ لنفسه في مثل بلاغة القرآن المجيد ان يفسر لا يأمركم بقوله ينهاكم ولو فسر بذلك كلام واحد من الناس لأوسعه من الملام ما أوسعه ـ ولم ينفرد الزمخشري بدعوى زيادة (لا) في هذه الموارد بل ادعى ذلك جماعة من المفسرين والنحويين كما ذكر ابن هشام في المغنى في كلمة «لا» ولو ان زيادة «لا» محققة في كلام العرب متداولة في شعرهم ونثرهم لما ساغ لهؤلاء ان يقولوا بذلك في مثل بلاغة القرآن الكريم ومجدها وفي خصوص الموارد التي ادعوا فيها الزيادة فإن البلاغة بل استقامة الكلام تقتضي تثبيت إثباتها ورفع أوهام النفي عنها لو كانت مثبتة إذن فكيف يقلق مضمونها الشريف بما يوهم النفي ويشوش الكلام. وان المخبر الذي يعرف كيف يتكلم لا يدخل على خبره ما يوهم نقيضه هذا مع أنّي لم أجد شاهدا ذكروه من الكلام على زيادة «لا» إلّا قوله :

وتلحينني في اللهو أن لا أحبّه

وللهو داع دائب غير غافل

ولو كان هذا من شعر العرب وكان المراد منه ما فهموه لجاز أن يضمر فيه وتأمرينني بأن لا أحبه أو وتدعينني إلى أن لا أحبه. ومن غرائبهم استشهاد بعضهم أيضا بقول الشاعر

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

لعل محمّدا صلّى الله عليه وآله وسلّم يدعو لي. قال: فحمله، قال: فلما دخل جبرئيل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هنأه من الله عزّوجلّ ومنه، وأخبره بحال فطرس، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: قل له: تمسح بهذا المولود وعد إلى مكانك، قال: فتمسح فطرس بالحسين بن عليّ عليهما السلام وارتفع، فقال: يا رسول الله، أما إن امتك ستقتله، وله علي مكافاة، ألا يزوره زائر إلا أبلغته عنه، ولا يسلم عليه مسلم إلا أبلغته سلامه، ولا يصلي عليه مصل إلا أبلغته صلاته، ثم ارتفع(١) .

٢١٦/١٠ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا عبد العزيز ابن يحيى البصري(٢) ، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا الجوهري، عن (جعفر بن)(٣) محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن آبائه الصادقين عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن الله تبارك وتعالى جعل لاخي عليّ بن أبي طالب فضائل لا يحصي عددها غيره، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولو وافى القيامة بذنوب الثقلين، ومن كتب فضيلة من فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى كتابة في فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر.

ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: النظر إلى عليّ بن أبي طالب عبادة، وذكره عبادة، ولا يقبل إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه(٤) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله

______________

(١) كامل الزيارات: ٦٦/١، بحار الانوار ٤٣: ٢٤٣/١٨.

(٢) زاد في النسخ: عن يحيى البصري، والصواب حذفه، لان عبد العزيز يروي عن محمّد بن زكريا بلا واسطة، كما في أسانيد الشيخ الصدوق المتكررة، انظر الخصال: ١٩٠/٢٦٣، نوابغ الرواة: ٢٧١.

(٣) أثبتناه من الخصال، ونوابغ الرواة، ومائة منقبة.

(٤) مائة منقبة: ١٧٦/١٠٠، روضة الواعظين: ١١٤، مناقب الخوارزمي: ٢، كفاية الطالب: ٢٥٢، كشف الغمة ١: ١١٢، جامع الاخبار: ٥٤/٧٠، فرائد السمطين ١: ١٩، ميزان الاعتدال ٣: ٤٦٧، المحتضر: ٩٨، بحار الانوار ٣٨: ١٩٦/٤.

٢٠١

[ ٢٩ ]

المجلس التاسع والعشرون

مجلس يوم الجمعة

الثامن من المحرم سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٢١٧/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه محمّد بن خالد، عن أبي البختري وهب ابن وهب، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام. عن أم سلمة (رضي الله عنها)، أنها أصبحت يوما تبكي، فقيل لها: مالك؟ فقالت: لقد قتل ابني الحسين عليه السلام، وما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم منذ مات إلا الليلة، فقلت: بأبي أنت وأمي، ما لي أراك شاحبا! فقال: لم أزل منذ الليلة أحفر قبر الحسين وقبور أصحابه(١) .

٢١٨/٢ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن عمرو بن ثابت، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أم سلمة زوجة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، قالت: ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلا الليلة، ولا أراني إلا وقد أصبت بابني.

______________

(١) أمالي الطوسي: ٩٠/١٤٠، أمالي المفيد: ٣١٩/٦، روضة الواعظين: ١٧٠.

٢٠٢

قالت: وجاءت الجنية منهم تقول:

ألا يا عين فانهملي بجهد

فمن يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المنايا

إلى متجبر في ملك عبد(١)

٢١٩/٣ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا حبيب بن الحسين التغلبي، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيت أم سلمة رضي الله عنه، فقال لها: لا يدخل علي أحد. فجاء الحسين عليه السلام وهو طفل، فما ملكت معه شيئا حتى دخل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فدخلت أم سلمة على أثره، فإذا الحسين على صدره، وإذا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يبكي، وإذا في يده شئ يقلبه، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أم سلمة، إن هذا جبرئيل يخبرني أن هذا مقتول، وهذه التربة التي يقتل عليها، فضعيها عندك، فإذا صارت دما فقد قتل حبيبي، فقالت أم سلمة: يا رسول الله، سل الله أن يدفع ذلك عنه. قال: قد فعلت، فأوحى الله عزّوجلّ إلي: أن له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين، وأن له شيعة يشفعون فيشفعون، وأن المهدي من ولده، فطوبى لمن كان من أولياء الحسين، وشيعته هم والله الفائزون يوم القيامة(٢) .

٢٢٠/٤ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن عمر ابن حفص، عن زياد بن المنذر، عن سالم بن أبي جعدة(٣) ، قال: سمعت كعب الاحبار يقول: إن في كتابنا: أن رجلا من ولد محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقتل، ولا يجف عرق دواب أصحابه حتى يدخلوا الجنة، فيعانقوا الحور العين، فمر بنا الحسن عليه السلام، فقلنا: هو هذا؟ قال: لا. فمر بنا الحسين عليه السلام، فقلنا: هو هذا؟

______________

(١) كامل الزيارات: ٩٣/١، روضة الواعظين: ١٧٠، مناقب ابن شهر آشوب ٤: ٦٢، بحار الانوار ٤٥: ٢٣٨/٨.

(٢) بحار الانوار ٤٤: ٢٢٥/٥.

(٣) كذا، وفي ميزان الاعتدال ٢: ١٠٩، والجامع في الرجال: ٨٣٠: بن أبي الجعد.

٢٠٣

قال: نعم(١) .

٢٢١/٥ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: حدّثنا العباس بن معروف، عن محمّد بن سهل البحراني(٢) ، رفعه إلى أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: البكاءون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعلي ابن الحسين عليهما السلام.

فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الاودية، وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره، وحتى قيل له( تَاللَّـهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) (٣) .

وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن، فقالوا: إما أن تبكي بالنهار وتسكت بالليل، وإما أنا تبكي بالليل وتسكت بالنهار، فصالحهم على واحد منهما.

وأما فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فبكت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى تأذى بها أهل المدينة، وقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، وأما عليّ بن الحسين فبكى على الحسين عليهما السلام عشرين سنة أو أربعين سنة، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا بن رسول الله، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين. قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، وأعلم من الله مالا تعلمون، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة(٤) .

______________

(١) بحار الانوار ٤٤: ٢٢٤/٢.

(٢) في نسخة: محمّد بن سهيل، وفي جميع النسخ: النجراني، وما أثبتناه من قاموس الرجال ٨: ٢٠٨، والخصال، وبحار الانوار ١١: ٢٠٤/٢، و ٨٢: ٨٦/٣٣.

(٣) يوسف ١٢: ٨٥.

(٤) الخصال: ٢٧٢/١٥، بحار الانوار ٨٢: ٨٦/٣٣.

٢٠٤

٢٢٢/٦ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدّثنا أبي محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن الحسن بن عليّ بن أبي عثمان، عن عليّ بن المغيرة، عن أبي عمارة(١) المنشد، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: قال لي: يا أبا عمارة، أنشدني في الحسين بن عليّ عليهما السلام، قال: فأنشدته فبكى، ثم أنشدته فبكى، قال: فوالله ما زلت أنشده ويبكي حتى سمعت البكاء من الدار، قال: فقال لي: يا أبا عمارة، من أنشد في الحسين بن عليّ عليهما السلام فأبكى خمسين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكى ثلاثين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرة فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فبكى فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فتباكى فله الجنة(٢) .

٢٢٣/٧ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن عليّ بن حسان الواسطي، عن عمه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي، عن داود بن كثير الرقي، قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام إذ استسقى الماء، فلما شربه رأيته وقد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثم قال: يا داود، لعن الله قاتل الحسين، فما أنغص(٣) ذكر الحسين للعيش! إني ما شربت ماء باردا إلا وذكرت الحسين، وما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام ولعن قاتله إلا كتب الله له مائة ألف حسنة، ومحا عنه مائة ألف سيئة، ورفع له مائة ألف درجة، وكان كأنما أعتق مائة ألف نسمة، وحشره الله يوم القيامة أبلج(٤) الوجه(٥) .

______________

(١) في النسخ: عمار، في كل المواضع، والصواب من أثبتناه، انظر معجم رجال الحديث ٢١: ٢٥٧/١٤٥٩٦.

(٢) كامل الزيارات: ١٠٤/٢، ثواب الاعمال: ٨٤، بحار الانوار ٤٤: ٢٨٢/١٥.

(٣) يقال: أنغص فلان عليه العيش، أي كدره.

(٤) الابلج: المشرق المضئ.

(٥) كامل الزيارت: ١٠٦/١، الكافي ٦: ٣٩١/٦ بحار الانوار ٤٤: ٣٠٣/١٦.

٢٠٥

٢٢٤/٨ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد الاهوازي، عن القاسم بن محمّد، عن إسحاق بن إبراهيم، عن هارون بن خارجة، قال: سمعت أبا عبدالله يقول: وكل الله عزّوجلّ بقبر الحسين عليه السلام أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة، فمن زاره عارفا بحقه شيعوه حتى يبلغوه مأمنه، وإن مرض عادوه غدوة وعشيا، وإن مات شهدوا جنازته، واستغفروا له إلى يوم القيامة(١) .

٢٢٥/٩ - حدّثنا محمّد بن الحسن، قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن محمّد ابن أحمد، عن عليّ بن إسماعيل، عن محمّد بن عمرو الزيات، عن فائد الحناط، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: من زار قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقه، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر(٢) .

٢٢٦/١٠ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهم السلام، قال: مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن عليّ عليهما السلام، فإن زيارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأكل السبع، وزيارته مفترضة على من أقر للحسين بالامامة من الله عزّوجلّ(٣) .

٢٢٧/١١ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن بشير الدهان، قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: ربما فاتني الحج فأعرف(٤) عند قبر الحسين. قال: أحسنت يا بشير، أيما مؤمن أتى قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقه في

______________

(١) كامل الزيارات: ١٨٩/١، الكافي ٤: ٥٨١/٦، بحار الانوار ١٠١: ٦٣/٤٤.

(٢) كامل الزيارات: ١٣٨/٥، روضة الواعظين: ١٩٤، ثواب الاعمال: ٨٥، بحار الانوار ١٠١: ٢١/١.

(٣) التهذيب ٦: ٤٢/٨٦، من لا يحضره الفقيه ٢: ٣٤٨/١٥٩٤، بحار الانوار ١٠١: ١/١.

(٤) عرف الحجاج: وقفوا بعرفات.

٢٠٦

غير يوم عيد كتبت له عشرون حجة وعشرون عمرة مبرورات متقبلات وعشرون غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل، ومن أتاه في يوم عيد كتبت له مائة حجة ومائة عمرة ومائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل، ومن أتاه في يوم عرفة عارفا بحقه كتبت له ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبلات وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل.

قال: فقلت له: وكيف لي بمثل الموقف؟ قال: فنظر إلي شبه المغضب، ثم قال: يا بشير، إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة واغتسل بالفرات ثم توجه إليه، كتب الله عزّوجلّ له بكل خطوة حجة بمناسكها، ولا أعلمه إلا قال: وغزوة(١) .

٢٢٨/١٢ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ السكري، عن محمّد بن زكريا الجوهري، قال: حدّثنا ابن عائشة والحكم والعباس، قالوا: حدّثنا مهدي بن ميمون، عن محمّد بن عبدالله بن أبي يعقوب، عن ابن أبي نعم(٢) قال: شهدت ابن عمر وأتاه رجل فسأله عن دم البعوضة، فقال: ممن أنت؟ قال: من أهل العراف. قال: أنظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوضة، وقد قتلوا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم! وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: إنهما ريحانتي من الدنيا، يعني الحسن والحسين عليهما السلام(٣) .

٢٢٩/١٣ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن ابن أبي نجران، عن المثنى، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام عن خاتم الحسين بن عليّ عليهما السلام إلى من صار؟ وذكرت له أني سمعت أنه أخذ من إصبعه فيما اخذ. قال عليه السلام: ليس كما قالوا، إن الحسين عليه السلام أوصى إلى ابنه

______________

(١) كامل الزيارات: ١٦٩/١، ثواب الاعمال: ٨٩، من لا يحضره الفقيه ٢: ٣٤٦/١٥٨٦، أمالي الطوسي: ٢٠١/٣٤٢، روضة الواعظين: ١٩٤، بحار الانوار ١٠١: ٨٥/١ - ٣.

(٢) في نسخة: ابن أبي نعيم، والصواب ما أثبتناه، انظر تهذيب الكمال ١٧: ٤٥٦.

(٣) مناقب ابن شهر آشوب ٤: ٧٥، بحار الانوار ٤٣: ٢٦٢/٥.

٢٠٧

عليّ بن الحسين عليهما السلام وجعل خاتمه في إصبعه، وفوض إليه أمره، كما فعله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بأميرالمؤمنين عليه السلام، وفعله أميرالمؤمنين بالحسن عليهما السلام، وفعله الحسن بالحسين عليهما السلام، ثم صار ذلك الخاتم إلى أبي عليه السلام بعد أبيه، ومنه صار إلي، فهو عندي وإني لالبسه كل جمعة وأصلي فيه. قال محمّد بن مسلم: فدخلت إليه يوم الجمعة وهو يصلي، فلما فرغ من الصلاة مد إلي يده، فرأيت في إصبعه خاتما نقشه: لا إله إلا الله عدة للقاء الله، فقال: هذا خاتم جدي أبي عبدالله الحسين بن عليّ عليهما السلام(١) .

٢٣٠/١٤ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يقف عند طلوع كل فجر على باب علي وفاطمة عليهما السلام، فيقول: الحمد لله المحسن المجمل المنعم المفضل، الذي بنعمته تتم الصالحات، سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه عندنا(٢) ، نعوذ بالله من النار، نعوذ بالله من صباح النار، نعوذ بالله من مساء النار، الصلاة يا أهل البيت( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٣) .

٢٣١/١٥ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا أحمد وعبدالله ابنا محمّد بن عيسى، ومحمّد بن الحسين، عن الحسن بن

______________

(١) بحار الانوار ٤٣: ٢٤٧/٢٣، و ٤٦: ١٧/١.

(٢) قال الجزري: أي ليسمع السامع، وليشهد الشاهد حمدنا لله على ما أحسن إلينا وأولانا من نعمه. وحسن البلاء: النعمة، والاختيار بالخير ليتبين الشكر، وبالشر ليظهر الصبر. (النهاية ٢: ٤٠١).

(٣) بحار الانوار ٣٧: ٣٦/٣، و ٨٦: ٢٤٦/٦، والآية من سورة الاحزاب ٣٣: ٣٣، وزاد في الطبعة الحروفية فقط: هذه الاخبار كانت مكتوبة بعد المجلس الثامن والعشرين. وكتب في حاشية إحدى النسخ: من هنا إلى المجلس الآتي مكانه مقدم على مجلس يوم الجمعة غرة المحرم [ أي على المجلس (٢٧) ].

٢٠٨

محبوب، عن محمّد بن القاسم النوفلي، قال: قلت لابي عبدالله الصادق عليه السلام: المؤمن يرى الرؤيا فتكون كما رآها، وربما رأى الرؤيا فلا تكون شيئا؟ فقال: إن المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء، فكل ما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحق، وكل ما رآه في الارض فهو أضغاث أحلام.

فقلت له: أو تصعد روح إلى السماء؟ قال: نعم. قلت: حتى لا يبقى منها شئ في بدنه؟ فقال: لا، لو خرجت كلها حتى لا يبقى منها شئ إذن لمات.

قلت: فكيف تخرج؟ فقال: أما ترى الشمس في السماء في موضعها وضوؤها وشعاعها في الارض، فكذلك الروح أصلها في البدن وحركتها ممدودة إلى السماء(١) .

٢٣٢/١٦ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، قال: حدثني بعض أصحابنا، عن زكريا بن يحيى، عن معاوية بن عمار، عن أبي جعفر، قال: إن العباد إذا ناموا خرجت أرواحهم إلى السماء، فما رأت الروح في السماء فهو الحق، وما رأت في الهواء فهو الاضغاث، ألا وإن الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها إختلف، فإذا كانت الروح في السماء تعارفت وتباغضت، فإذا تعارفت في السماء تعارفت في الارض، وإذا تباغضت في السماء تباغضت في الارض(٢) .

٢٣٣/١٧ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا محمّد ابن الحسين بن أبي الخطاب، عن عيسى بن عبدالله العلوي، عن أبيه عبدالله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الرجل ينام فيرى الرؤيا، فربما كانت حقا، وربما

______________

(١) بحار الانوار ٦١: ٣٢/٦.

(٢) بحار الانوار ٦١: ٣١/٤.

٢٠٩

كانت باطلا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يا علي، ما من عبد ينام إلا عرج بروحه إلى رب العالمين، فما رأى عند رب العالمين فهو حق، ثم إذا أمر الله العزيز الجبار برد روحه إلى جسده فصارت الروح بين السماء والارض، فما رأته فهو أضغاث أحلام(١) .

٢٣٤/١٨ - وعنه، بإسناده عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، قال: وحدثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محسن بن أحمد الميثمي، عن أبان ابن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: إن لابليس شيطانا يقال له هزع، يملا ما بين المشرق والمغرب في كل ليلة، يأتي الناس في المنام(٢) .

٢٣٥/١٩ - بسم الله الرحمن الرحيم(٣) ، حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد ابن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه قراءة عليه، قال: حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن عيسى اليقطيني، عن أحمد بن عبدالله الفروي(٤) ، عن أبيه، قال: دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح، فقال لي: ادن مني، فدنوت حتى حاذيته، ثم قال لي: أشرف إلى البيت في الدار، فأشرفت فقال: ما ترى في البيت؟ قلت: ثوبا. مطروحا. فقال: انظر حسنا، فتأملت ونظرت فتيقنت، فقلت: رجل ساجد. فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا. قال: هذا مولاك. قلت: ومن مولاي؟ فقال: تتجاهل علي؟ فقلت: ما أتجاهل، ولكن لا أعرف في مولى.

______________

(١) بحار الانوار ٦١: ١٥٨/١.

(٢) بحار الانوار ٦١: ١٥٩/٢.

(٣) زاد في إحدى النسخ قبل البسملة (المجلس الثلاثون) وباقي النسخ خالية منه، وقد تقدم أن هذه الاحاديث من حديث (١٥) إلى المجلس (٣٠) كانت مكتوبة بعد المجلس (٢٨) على ما في الطبعة الحروفية، أو بعد المجلس (٢٦) على ما في حاشية بعض النسخ، ولذا أبقينا ترتيب الاحاديث والمجالس على ما في سائر النسخ.

(٤) في نسخة: الغروي، وفي البحار: القروي.

٢١٠

فقال: هذا أبوالحسن موسى بن جعفر عليه السلام، إني أتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الاوقات إلا على الحال التي أخبرك بها، أنه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس، وقد وكل من يترصد له الزوال، فلست أدري متى يقول الغلام: قد زالت الشمس! إذ يثب فيبتدئ بالصلاة من غير أن يجدد وضوءا، فأعلم أنه لم ينم في سجوده ولا أغفى، فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر، فإذا صلى العصر سجد سجدة، فلا يزال ساجدا إلى أن تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلى المغرب من غير أن يحدث حدثا، فلا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلي العتمة، فإذا صلى العتمة أفطر على شوي(١) يؤتى به، ثم يجدد الوضوء، ثم يسجد، ثم يرفع رأسه، فينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيجدد الوضوء، ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر، فلست أدري متى يقول الغلام: إن الفجر قد طلع! إذ قد وثب هو لصلاة الفجر، فهذا دأبه منذ حول إلي.

فقلت: اتق الله، ولا تحدثن في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة، فقد تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءا إلا كانت نعمته زائلة. فقال: قد أرسلوا إلي في غير مرة يأمرونني بقتله، فلم أجبهم إلى ذلك، وأعلمتهم أني لا أفعل ذلك، ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني.

فلما كان بعد ذلك حول إلى الفضل بن يحيى البرمكي، فحبس عنده أياما، وكان الفضل بن الربيع يبعث إليه في كل ليلة مائدة، ومنع أن يدخل إليه من عند غيره، فكان لا يأكل ولا يفطر إلا على المائدة التي يؤتى بها حتى مضى على تلك الحال ثلاثة أيام ولياليها، فلما كانت الليلة الرابعة قدمت إليه مائدة للفضل بن يحيى، قال: فرفع عليه السلام يده إلى السماء، فقال: يا رب، إنك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم كنت قد أعنت على نفسي. قال: فأكل فمرض، فلما كان من غد بعث إليه بالطيب ليسأله عن

______________

(١) الشوي: ما شوي من اللحم.

٢١١

العلة. فقال له الطبيب: ما حالك؟ فتغافل عنه، فلما أكثر عليه أخرج إليه راحته فأراها الطبيب، ثم قال: هذه علتي، وكانت خضرة في وسط راحته، تدل على أنه سم، فاجتمع في ذلك الموضع، قال: فانصرف الطبيب إليهم، وقال: والله لهو أعلم بما فعلتم به منكم، ثم توفي عليه السلام(١) .

٢٣٦/٢٠ - وحدثني الشيخ أبوجعفر قراءة عليه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار وسعد بن عبدالله جميعا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن أبيه عليّ بن يقطين، قال: استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ويقطعه(٢) ويخجله في المجلس، فانتدب له رجل معزم(٣) ، فلما أحضرت المائدة عمل ناموسا(٤) على الخبز، فكان كلما رام خادم أبي الحسن عليه السلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه، واستفز هارون الفرح والضحك(٥) لذلك، فلم يلبث أبوالحسن عليه السلام أن رفع رأسه إلى أسد مصور على بعض الستور، فقال له: يا أسد الله، خذ عدو الله. قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترست ذلك المعزم، فخر هارون وندماؤه على وجوههم مغشيا عليهم، وطارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه، فلما أفاقوا من ذلك بعد حين، قال هارون لابي الحسن عليه السلام: أسألك بحقي عليك، لما سألت الصورة أن ترد الرجل. فقال: إن كانت عصى موسى عليه السلام ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم، فإن هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل، فكان ذلك أعمل الاشياء في إفاقة(٦)

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ١٠٦/١٠، بحار الانوار ٤٨: ٢١٠/٩.

(٢) أي يسكته عن حجته ويبطلها.

(٣) المعزم: الراقي الذي يعمل بالعزيمة والرقى.

(٤) الناموس: ما يتنمس به من الاحتيال.

(٥) استفزه الضحك: استخفه وغلب عليه حتى جعله يضطرب لشدة ضحكه.

(٦) في نسخة: إقامة.

٢١٢

نفسه(١) .

٢٣٧/٢١ - قال: حدّثنا أبي، عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن الحسن بن محمّد بن بشار، قال: حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة، ممن كان يقبل قوله، قال: قال لي: قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت، فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله. قال: قلت: من؟ وكيف رأيته؟ قال: جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه، ممن ينسب إلى الخير، فأدخلنا إلى موسى بن جعفر عليهما السلام، فقال لنا السندي: يا هؤلاء، انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث، فإن الناس يزعمون أنه قد فعل به مكروه، ويكثرون في ذلك، وهذا منزله وفرشه، موسع عليه غير مضيق، ولم يرد به أميرالمؤمنين سوءا، وإنما ينتظره أن يقدم فيناظره أميرالمؤمنين، وها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع أمره، فسلوه، قال: ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل وإلى فضله وسمته.

فقال: أما ما ذكر من التوسعة وما أشبه ذلك، فهو على ما ذكر، غير أني أخبركم أيها النفر، أني قد سقيت السم في تسع تمرات، وإني أحضر(٢) غدا، وبعد غد أموت، قال: فنظرت إلى السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة.

قال: الحسن، وكان هذا الشيخ من خيار العامة، شيخ صدوق، مقبول القول، ثقة جدا عند الناس(٣) .

٢٣٨/٢٢ - حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد السناني، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن عليّ بن سالم، عن أبيه، عن ثابت بن دينار، قال: سألت زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام عن

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٩٥/١، مناقب ابن شهر آشوب ٤: ٢٩٩، بحار الانوار ٤٨: ٤١/١٧، ١٨.

(٢) أي يحضرني الموت.

(٣) قرب الاسناد: ٣٣٣/١٢٣٦، عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٩٦/٢، غيبة الطوسي: ٣١/٧، بحار الانوار ٤٨:٢١٢/١٠ - ١٢.

٢١٣

الله جل جلاله: هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالى الله عن ذلك.

قلت: فلم أسرى بنبيه محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى السماء؟ قال: ليريه ملكوت السماوات، وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه.

قلت: فقول الله عزّوجلّ:( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ) (١) ؟ قال: ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دنا من حجب النور، فرأى ملكوت السماوات، ثم تدلى صلّى الله عليه وآله وسلّم فنظر من تحته إلى ملكوت الارض حتى ظن أنه في القرب من الارض كقاب قوسين أو أدنى(٢) .

وصلّى الله على نبينا محمّد وآله الطاهرين

______________

(١) النجم ٥٣: ٨، ٩.

(٢) علل الشرائع: ١٣١/١، بحار الانوار ٣: ٣١٤/٨.

٢١٤

[ ٣٠ ]

المجلس الثلاثون

مجلس يوم السبت التاسع من المحرم، سنة ثمان وستين وثلاثمائة،

وهو مقتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام

٢٣٩/١ - حدّثنا الشيخ الجليل الفاضل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين ابن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عمر البغدادي الحافظ رحمه الله، قال: حدّثنا أبوسعيد الحسن بن عثمان بن زياد التستري من كتابه، قال: حدّثنا إبراهيم بن عبيد الله بن موسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قاضي بلخ، قال: حدثتني مريسة بنت موسى بن يونس بن أبي إسحاق وكانت عمتي، قالت: حدثتني صفية بنت يونس بن أبي إسحاق الهمدانية وكانت عمتي، قالت: حدثتني بهجة بنت الحارث بن عبدالله التغلبي، عن خالها عبدالله بن منصور وكان رضيعا لبعض ولد زيد بن عليّ عليه السلام، قال: سألت جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام، فقلت: حدثني عن مقتل ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. فقال: حدثني أبي، عن أبيه، قال: لما حضرت معاوية الوفاة دعا ابنه يزيد (لعنه الله) فأجلسه بين يديه، فقال له: يا بني، إني قد ذللت لك الرقاب الصعاب، ووطدت لك البلاد، وجعلت الملك وما فيه لك طعمة، وإني أخشى عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم، وهم: عبدالله بن عمر بن الخطاب، وعبدالله بن الزبير، والحسين بن علي، فأما عبدالله بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه، وأما عبدالله بن الزبير فقطعه إن ظفرت

٢١٥

به إربا إربا، فإنه يجثو لك كما يجثو الاسد لفريسته، ويواربك مواربة(١) الثعلب للكلب، وأما الحسين فقد عرفت حظه من رسول الله، وهو من لحم رسول الله ودمه، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه، فإن ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله، ولا تؤاخذه بفعله، ومع ذلك فإن لنا به خلطة(٢) ورحما، وإياك أن تناله بسوء، أو يرى منك مكروها.

قال: فلما هلك معاوية، وتولى الامر بعده يزيد (لعنه الله)، بعث عامله على مدينة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو عمه عتبة بن أبي سفيان، فقدم المدينة وعليها مروان بن الحكم، وكان عامل معاوية، فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه، لينفذ فيه أمر يزيد، فهرب مروان فلم يقدر عليه، وبعث عتبة إلى الحسين بن عليّ عليهما السلام، فقال: إن أميرالمؤمنين أمرك أن تبايع له. فقال الحسين عليه السلام: يا عتبة، قد علمت أنا أهل بيت الكرامة، ومعدن الرسالة، وأعلام الحق الذي أودعه الله عزّوجلّ قلوبنا، وأنطق به ألسنتنا، فنطقت بإذن الله عزّوجلّ، ولقد سمعت جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: أن الخلافة محرمة على ولد أبي سفيان، وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هذا.

فلما سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى عبدالله يزيد أميرالمؤمنين، من عتبة بن أبي سفيان. أما بعد، فإن الحسين بن عليّ ليس يرى لك خلافة ولا بيعة، فرأيك في أمره والسلام. فلما ورد الكتاب على يزيد (لعنه الله) كتب الجواب إلى عتبة: أما بعد، فإذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه وبين لي في كتابك كل من في طاعتي، أو خرج عنها، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي. فبلغ ذلك الحسين عليه السلام، فهم بالخروج من أرض الحجاز ألى أرض العراق، فلما أقبل الليل راح إلى مسجد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ليودع القبر، فلما وصل إلى القبر

______________

(١) واربه: داهاه وخاتله وخادعه.

(٢) الخلطة: العشرة، وفي نسخة: خلة.

٢١٦

سطع له نور من القبر فعاد إلى موضعه، فلما كانت الليلة الثانية راح ليودع القبر، فقام يصلي فأطال، فنعس وهو ساجد، فجاءه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو في منامه، فأخذ الحسين عليه السلام وضمه إلى صدره، وجعل يقبل بين عينيه، ويقول: بأبي أنت، كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الامة، يرجون شفاعتي، مالهم عند الله من خلاق، يا بني إنك قادم على أبيك وامك وأخيك، وهم مشتاقون إليك، وإن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة. فانتبه الحسين عليه السلام من نومه باكيا، فأتى أهل بيته، فأخبرهم بالرؤيا وودعهم، وحمل أخواته على المحامل وابنته وابن أخيه القاسم ابن الحسن بن عليّ عليهم السلام، ثم سار في أحد وعشرين رجلا من أصحابه وأهل بيته، منهم أبوبكر بن علي، ومحمّد بن علي، وعثمان بن علي، والعباس بن علي، وعبدالله بن مسلم بن عقيل، وعليّ بن الحسين الاكبر، وعليّ بن الحسين الاصغر.

وسمع عبدالله بن عمر بخروجه، فقدم راحلته، وخرج خلفه مسرعا، فأدركه في بعض المنازل، فقال: أين تريد يا بن رسول الله؟ قال: العراق. قال: مهلا إرجع إلى حرم جدك. فأبى الحسين عليه السلام عليه، فلما رأى ابن عمر إباءه قال: يا أبا عبدالله، اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقبله منك. فكشف الحسين عليه السلام عن سرته، فقبلها ابن عمر ثلاثا وبكى، وقال: استودعك الله يا أبا عبدالله، فإنك مقتول في وجهك هذا.

فسار الحسين عليه السلام وأصحابه، فلما نزلوا الثعلبية(١) ورد عليه رجل يقال له: بشر بن غالب، فقال: يا بن رسول الله، أخبرني عن قول الله عزّوجلّ: [يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ](٢) . قال: إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها، هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار، وهو قوله عزّوجلّ: [فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ

______________

(١) الثعلبية: من منازل طريق مكة.

(٢) الاسراء: ١٧: ٧١.

٢١٧

وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ](١) .

ثم سار حتى نزل العذيب(٢) ، فقال فيها قائلة(٣) الظهيرة، ثم انتبه من نومه باكيا، فقال له ابنه: ما يبكيك يا أبه؟ فقال: يا بني، إنها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها، وإنه عرض لي في منامي عارض فقال: تسرعون السير، والمنايا تسير بكم إلى الجنة.

ثم سار حتى نزل الرهيمة(٤) ، فورد عليه رجل من أهل الكوفة، يكنى أبا هرم، فقال: يا بن النبي، ما الذي أخرجك من المدينة؟ فقال: ويحك يا أبا هرم، شتموا عرضي فصبرت، وطلبوا مالي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، وايم الله ليقتلني، ثم ليلبسنهم الله ذلا شاملا، وسيفا قاطعا، وليسلطن عليهم من يذلهم.

قال: وبلغ عبيد الله بن زياد (لعنه الله) الخبر، وأن الحسين عليه السلام قد نزل الرهيمة، فأسرى إليه الحر بن يزيد في ألف فارس، قال الحر: فلما خرجت من منزلي متوجها نحو الحسين عليه السلام نوديت ثلاثا: يا حر أبشر بالجنة، فالتفت فلم أر أحدا، فقلت: ثكلت الحر أمه، يخرج إلى قتال ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ويبشر بالجنة! فرهقه(٥) عند صلاة الظهر، فأمر الحسين عليه السلام ابنه، فأذن وأقام، وقام الحسين عليه السلام فصلى بالفريقين جميعا، فلما سلم وثب الحر بن يزيد فقال: السلام عليك يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال الحسين عليه السلام: وعليك السلام، من أنت يا عبدالله؟ فقال: أنا الحر بن يزيد. فقال: يا حر، أعلينا أم لنا؟ فقال الحر: والله يا بن رسول الله، لقد بعثت لقتالك، وأعوذ بالله أن أحشر من قبري وناصيتي مشدودة إلى(٦) ، ويدي

______________

(١) الشورى ٤٢: ٧.

(٢) العذيب: ماء عن يمين القادسية، بينه وبين القادسية أربعة أميال.

(٣) أي نام القيلولة.

(٤) الرهيمة: ضيعة قرب الكوفة.

(٥) أي لحقه ودنا منه.

(٦) في نسخة: إلى رجلي.

٢١٨

مغلوقة إلى عنقي، وأكب على حر وجهي(١) في النار. يا بن رسول الله، أين تذهب؟ ارجع إلى حرم جدك، فإنك مقتول، فقال الحسين عليه السلام:

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وخالف مجرما

فإن مت لم أندم وإن عشت لم ألم

كفى بك ذلا أن تموت وترغما

ثم سار الحسين عليه السلام حتى نزل القطقطانة(٢) ، فنظر إلى فسطاط مضروب، فقال: لمن هذا الفسطاط؟ فقيل: لعبيد الله بن الحر الجعفي(٣) فأرسل إليه الحسين عليه السلام فقال: أيها الرجل، إنك مذنب خاطئ وإن الله عزّوجلّ آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى الله تبارك وتعالى في ساعتك هذه، فتنصرني ويكون جدي شفيعك بين يدي الله تبارك وتعالى.

فقال: يا بن رسول الله، والله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك، ولكن هذا فرسي خذه إليك، فو الله ما ركبته قط وأنا أروم شيئا إلا بلغته، ولا أرادني أحد إلا نجوت عليه، فدونك فخذه. فأعرض عنه الحسين عليه السلام بوجهه، ثم قال: لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك، وما كنت متخذ المضلين عضدا، ولكن فر، فلا لنا ولا علينا، فإنه من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا، كبه الله على وجهه في نار جهنم.

ثم سار حتى نزل كربلاء، فقال: أي موضع هذا؟ فقيل: هذا كربلاء يا بن رسول الله. فقال: هذا والله يوم كرب وبلاء، وهذا الموضع الذي يهراق فيه دماؤنا، ويباح فيه حريمنا.

فأقبل عبيد الله بن زياد بعسكره حتى عسكر بالنخيلة، وبعث إلى الحسين عليه السلام رجلا يقال له عمر بن سعد قائدة في أربعة آلاف فارس، وأقبل عبدالله بن الحصين التميمي في ألف فارس، يتبعه شبث بن ربعي في ألف فارس،

______________

(١) الحر من الوجه: ما بدا من الوجنة.

(٢) القطقطانة: موضع قرب الكوفة.

(٣) في نسخة: عبدالله بن الحر الحنفي.

٢١٩

ومحمّد بن الاشعث بن قيس الكندي أيضا في ألف فارس، وكتب لعمر بن سعد على الناس، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه.

فبلغ عبيد الله بن زياد أن عمر بن سعد يسامر(١) الحسين عليه السلام ويحدثه ويكره قتاله، فوجه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس، وكتب إلى عمر ابن سعد: إذا أتاك كتابي هذا، فلا تمهلن الحسين بن علي، وخذ بكظمه، وحل بين الماء وبينه، كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار.

فلما وصل الكتاب إلى عمر بن سعد (لعنه الله)، أمر مناديه فنادى: إنا قد أجلنا حسينا وأصحابه يومهم وليلتهم، فشق ذلك على الحسين عليه السلام وعلى أصحابه، فقام الحسين عليه السلام في أصحابه خطيبا، فقال: اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبر ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي، ولا أصحابا هم خير من أصحابي، وقد نزل بي ما قد ترون، وأنتم في حل من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعة، ولا لي عليكم ذمة، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، وتفرقوا في سواده، فإن القوم إنما يطلبونني، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري.

فقام إليه عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، فقال: يا بن رسول الله، ماذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وابن سيد الاعمام، وابن نبينا سيد الانبياء، لم نضرب معه بسيف، ولم نقاتل معه برمح! لا والله أو نرد موردك، ونجعل أنفسنا دون نفسك، ودماءنا دون دمك، فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا وخرجنا مما لزمنا.

وقام إليه رجل يقال له زهير بن القين البجلي، فقال: يا بن رسول الله، ووددت أني قتلت ثم نشرت، ثم قتلت ثم نشرت، ثم قتلت ثم نشرت فيك وفي الذين معك مائة قتلة، وإن الله دفع بي عنكم أهل البيت. فقال له ولاصحابه: جزيتم خيرا.

ثم إن الحسين عليه السلام أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق، وأمر

______________

(١) في نسخة: يسار.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780