الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق7%

الأمالي شيخ الصدوق مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 780

الأمالي شيخ الصدوق
  • البداية
  • السابق
  • 780 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 464332 / تحميل: 8974
الحجم الحجم الحجم
الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

لعل محمّدا صلّى الله عليه وآله وسلّم يدعو لي. قال: فحمله، قال: فلما دخل جبرئيل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هنأه من الله عزّوجلّ ومنه، وأخبره بحال فطرس، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: قل له: تمسح بهذا المولود وعد إلى مكانك، قال: فتمسح فطرس بالحسين بن عليّ عليهما السلام وارتفع، فقال: يا رسول الله، أما إن امتك ستقتله، وله علي مكافاة، ألا يزوره زائر إلا أبلغته عنه، ولا يسلم عليه مسلم إلا أبلغته سلامه، ولا يصلي عليه مصل إلا أبلغته صلاته، ثم ارتفع(١) .

٢١٦/١٠ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا عبد العزيز ابن يحيى البصري(٢) ، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا الجوهري، عن (جعفر بن)(٣) محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن آبائه الصادقين عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن الله تبارك وتعالى جعل لاخي عليّ بن أبي طالب فضائل لا يحصي عددها غيره، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولو وافى القيامة بذنوب الثقلين، ومن كتب فضيلة من فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى كتابة في فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر.

ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: النظر إلى عليّ بن أبي طالب عبادة، وذكره عبادة، ولا يقبل إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه(٤) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله

______________

(١) كامل الزيارات: ٦٦/١، بحار الانوار ٤٣: ٢٤٣/١٨.

(٢) زاد في النسخ: عن يحيى البصري، والصواب حذفه، لان عبد العزيز يروي عن محمّد بن زكريا بلا واسطة، كما في أسانيد الشيخ الصدوق المتكررة، انظر الخصال: ١٩٠/٢٦٣، نوابغ الرواة: ٢٧١.

(٣) أثبتناه من الخصال، ونوابغ الرواة، ومائة منقبة.

(٤) مائة منقبة: ١٧٦/١٠٠، روضة الواعظين: ١١٤، مناقب الخوارزمي: ٢، كفاية الطالب: ٢٥٢، كشف الغمة ١: ١١٢، جامع الاخبار: ٥٤/٧٠، فرائد السمطين ١: ١٩، ميزان الاعتدال ٣: ٤٦٧، المحتضر: ٩٨، بحار الانوار ٣٨: ١٩٦/٤.

٢٠١

[ ٢٩ ]

المجلس التاسع والعشرون

مجلس يوم الجمعة

الثامن من المحرم سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٢١٧/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه محمّد بن خالد، عن أبي البختري وهب ابن وهب، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام. عن أم سلمة (رضي الله عنها)، أنها أصبحت يوما تبكي، فقيل لها: مالك؟ فقالت: لقد قتل ابني الحسين عليه السلام، وما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم منذ مات إلا الليلة، فقلت: بأبي أنت وأمي، ما لي أراك شاحبا! فقال: لم أزل منذ الليلة أحفر قبر الحسين وقبور أصحابه(١) .

٢١٨/٢ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن عمرو بن ثابت، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أم سلمة زوجة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، قالت: ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلا الليلة، ولا أراني إلا وقد أصبت بابني.

______________

(١) أمالي الطوسي: ٩٠/١٤٠، أمالي المفيد: ٣١٩/٦، روضة الواعظين: ١٧٠.

٢٠٢

قالت: وجاءت الجنية منهم تقول:

ألا يا عين فانهملي بجهد

فمن يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المنايا

إلى متجبر في ملك عبد(١)

٢١٩/٣ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا حبيب بن الحسين التغلبي، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيت أم سلمة رضي الله عنه، فقال لها: لا يدخل علي أحد. فجاء الحسين عليه السلام وهو طفل، فما ملكت معه شيئا حتى دخل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فدخلت أم سلمة على أثره، فإذا الحسين على صدره، وإذا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يبكي، وإذا في يده شئ يقلبه، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أم سلمة، إن هذا جبرئيل يخبرني أن هذا مقتول، وهذه التربة التي يقتل عليها، فضعيها عندك، فإذا صارت دما فقد قتل حبيبي، فقالت أم سلمة: يا رسول الله، سل الله أن يدفع ذلك عنه. قال: قد فعلت، فأوحى الله عزّوجلّ إلي: أن له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين، وأن له شيعة يشفعون فيشفعون، وأن المهدي من ولده، فطوبى لمن كان من أولياء الحسين، وشيعته هم والله الفائزون يوم القيامة(٢) .

٢٢٠/٤ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن عمر ابن حفص، عن زياد بن المنذر، عن سالم بن أبي جعدة(٣) ، قال: سمعت كعب الاحبار يقول: إن في كتابنا: أن رجلا من ولد محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقتل، ولا يجف عرق دواب أصحابه حتى يدخلوا الجنة، فيعانقوا الحور العين، فمر بنا الحسن عليه السلام، فقلنا: هو هذا؟ قال: لا. فمر بنا الحسين عليه السلام، فقلنا: هو هذا؟

______________

(١) كامل الزيارات: ٩٣/١، روضة الواعظين: ١٧٠، مناقب ابن شهر آشوب ٤: ٦٢، بحار الانوار ٤٥: ٢٣٨/٨.

(٢) بحار الانوار ٤٤: ٢٢٥/٥.

(٣) كذا، وفي ميزان الاعتدال ٢: ١٠٩، والجامع في الرجال: ٨٣٠: بن أبي الجعد.

٢٠٣

قال: نعم(١) .

٢٢١/٥ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: حدّثنا العباس بن معروف، عن محمّد بن سهل البحراني(٢) ، رفعه إلى أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: البكاءون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعلي ابن الحسين عليهما السلام.

فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الاودية، وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره، وحتى قيل له( تَاللَّـهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) (٣) .

وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن، فقالوا: إما أن تبكي بالنهار وتسكت بالليل، وإما أنا تبكي بالليل وتسكت بالنهار، فصالحهم على واحد منهما.

وأما فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فبكت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى تأذى بها أهل المدينة، وقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، وأما عليّ بن الحسين فبكى على الحسين عليهما السلام عشرين سنة أو أربعين سنة، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا بن رسول الله، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين. قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، وأعلم من الله مالا تعلمون، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة(٤) .

______________

(١) بحار الانوار ٤٤: ٢٢٤/٢.

(٢) في نسخة: محمّد بن سهيل، وفي جميع النسخ: النجراني، وما أثبتناه من قاموس الرجال ٨: ٢٠٨، والخصال، وبحار الانوار ١١: ٢٠٤/٢، و ٨٢: ٨٦/٣٣.

(٣) يوسف ١٢: ٨٥.

(٤) الخصال: ٢٧٢/١٥، بحار الانوار ٨٢: ٨٦/٣٣.

٢٠٤

٢٢٢/٦ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدّثنا أبي محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن الحسن بن عليّ بن أبي عثمان، عن عليّ بن المغيرة، عن أبي عمارة(١) المنشد، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: قال لي: يا أبا عمارة، أنشدني في الحسين بن عليّ عليهما السلام، قال: فأنشدته فبكى، ثم أنشدته فبكى، قال: فوالله ما زلت أنشده ويبكي حتى سمعت البكاء من الدار، قال: فقال لي: يا أبا عمارة، من أنشد في الحسين بن عليّ عليهما السلام فأبكى خمسين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعرا فأبكى ثلاثين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرة فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فبكى فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فتباكى فله الجنة(٢) .

٢٢٣/٧ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن عليّ بن حسان الواسطي، عن عمه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي، عن داود بن كثير الرقي، قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام إذ استسقى الماء، فلما شربه رأيته وقد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثم قال: يا داود، لعن الله قاتل الحسين، فما أنغص(٣) ذكر الحسين للعيش! إني ما شربت ماء باردا إلا وذكرت الحسين، وما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام ولعن قاتله إلا كتب الله له مائة ألف حسنة، ومحا عنه مائة ألف سيئة، ورفع له مائة ألف درجة، وكان كأنما أعتق مائة ألف نسمة، وحشره الله يوم القيامة أبلج(٤) الوجه(٥) .

______________

(١) في النسخ: عمار، في كل المواضع، والصواب من أثبتناه، انظر معجم رجال الحديث ٢١: ٢٥٧/١٤٥٩٦.

(٢) كامل الزيارات: ١٠٤/٢، ثواب الاعمال: ٨٤، بحار الانوار ٤٤: ٢٨٢/١٥.

(٣) يقال: أنغص فلان عليه العيش، أي كدره.

(٤) الابلج: المشرق المضئ.

(٥) كامل الزيارت: ١٠٦/١، الكافي ٦: ٣٩١/٦ بحار الانوار ٤٤: ٣٠٣/١٦.

٢٠٥

٢٢٤/٨ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد الاهوازي، عن القاسم بن محمّد، عن إسحاق بن إبراهيم، عن هارون بن خارجة، قال: سمعت أبا عبدالله يقول: وكل الله عزّوجلّ بقبر الحسين عليه السلام أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة، فمن زاره عارفا بحقه شيعوه حتى يبلغوه مأمنه، وإن مرض عادوه غدوة وعشيا، وإن مات شهدوا جنازته، واستغفروا له إلى يوم القيامة(١) .

٢٢٥/٩ - حدّثنا محمّد بن الحسن، قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن محمّد ابن أحمد، عن عليّ بن إسماعيل، عن محمّد بن عمرو الزيات، عن فائد الحناط، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: من زار قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقه، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر(٢) .

٢٢٦/١٠ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهم السلام، قال: مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن عليّ عليهما السلام، فإن زيارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأكل السبع، وزيارته مفترضة على من أقر للحسين بالامامة من الله عزّوجلّ(٣) .

٢٢٧/١١ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن بشير الدهان، قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: ربما فاتني الحج فأعرف(٤) عند قبر الحسين. قال: أحسنت يا بشير، أيما مؤمن أتى قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقه في

______________

(١) كامل الزيارات: ١٨٩/١، الكافي ٤: ٥٨١/٦، بحار الانوار ١٠١: ٦٣/٤٤.

(٢) كامل الزيارات: ١٣٨/٥، روضة الواعظين: ١٩٤، ثواب الاعمال: ٨٥، بحار الانوار ١٠١: ٢١/١.

(٣) التهذيب ٦: ٤٢/٨٦، من لا يحضره الفقيه ٢: ٣٤٨/١٥٩٤، بحار الانوار ١٠١: ١/١.

(٤) عرف الحجاج: وقفوا بعرفات.

٢٠٦

غير يوم عيد كتبت له عشرون حجة وعشرون عمرة مبرورات متقبلات وعشرون غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل، ومن أتاه في يوم عيد كتبت له مائة حجة ومائة عمرة ومائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل، ومن أتاه في يوم عرفة عارفا بحقه كتبت له ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبلات وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل.

قال: فقلت له: وكيف لي بمثل الموقف؟ قال: فنظر إلي شبه المغضب، ثم قال: يا بشير، إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة واغتسل بالفرات ثم توجه إليه، كتب الله عزّوجلّ له بكل خطوة حجة بمناسكها، ولا أعلمه إلا قال: وغزوة(١) .

٢٢٨/١٢ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ السكري، عن محمّد بن زكريا الجوهري، قال: حدّثنا ابن عائشة والحكم والعباس، قالوا: حدّثنا مهدي بن ميمون، عن محمّد بن عبدالله بن أبي يعقوب، عن ابن أبي نعم(٢) قال: شهدت ابن عمر وأتاه رجل فسأله عن دم البعوضة، فقال: ممن أنت؟ قال: من أهل العراف. قال: أنظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوضة، وقد قتلوا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم! وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: إنهما ريحانتي من الدنيا، يعني الحسن والحسين عليهما السلام(٣) .

٢٢٩/١٣ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن ابن أبي نجران، عن المثنى، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام عن خاتم الحسين بن عليّ عليهما السلام إلى من صار؟ وذكرت له أني سمعت أنه أخذ من إصبعه فيما اخذ. قال عليه السلام: ليس كما قالوا، إن الحسين عليه السلام أوصى إلى ابنه

______________

(١) كامل الزيارات: ١٦٩/١، ثواب الاعمال: ٨٩، من لا يحضره الفقيه ٢: ٣٤٦/١٥٨٦، أمالي الطوسي: ٢٠١/٣٤٢، روضة الواعظين: ١٩٤، بحار الانوار ١٠١: ٨٥/١ - ٣.

(٢) في نسخة: ابن أبي نعيم، والصواب ما أثبتناه، انظر تهذيب الكمال ١٧: ٤٥٦.

(٣) مناقب ابن شهر آشوب ٤: ٧٥، بحار الانوار ٤٣: ٢٦٢/٥.

٢٠٧

عليّ بن الحسين عليهما السلام وجعل خاتمه في إصبعه، وفوض إليه أمره، كما فعله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بأميرالمؤمنين عليه السلام، وفعله أميرالمؤمنين بالحسن عليهما السلام، وفعله الحسن بالحسين عليهما السلام، ثم صار ذلك الخاتم إلى أبي عليه السلام بعد أبيه، ومنه صار إلي، فهو عندي وإني لالبسه كل جمعة وأصلي فيه. قال محمّد بن مسلم: فدخلت إليه يوم الجمعة وهو يصلي، فلما فرغ من الصلاة مد إلي يده، فرأيت في إصبعه خاتما نقشه: لا إله إلا الله عدة للقاء الله، فقال: هذا خاتم جدي أبي عبدالله الحسين بن عليّ عليهما السلام(١) .

٢٣٠/١٤ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يقف عند طلوع كل فجر على باب علي وفاطمة عليهما السلام، فيقول: الحمد لله المحسن المجمل المنعم المفضل، الذي بنعمته تتم الصالحات، سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه عندنا(٢) ، نعوذ بالله من النار، نعوذ بالله من صباح النار، نعوذ بالله من مساء النار، الصلاة يا أهل البيت( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٣) .

٢٣١/١٥ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا أحمد وعبدالله ابنا محمّد بن عيسى، ومحمّد بن الحسين، عن الحسن بن

______________

(١) بحار الانوار ٤٣: ٢٤٧/٢٣، و ٤٦: ١٧/١.

(٢) قال الجزري: أي ليسمع السامع، وليشهد الشاهد حمدنا لله على ما أحسن إلينا وأولانا من نعمه. وحسن البلاء: النعمة، والاختيار بالخير ليتبين الشكر، وبالشر ليظهر الصبر. (النهاية ٢: ٤٠١).

(٣) بحار الانوار ٣٧: ٣٦/٣، و ٨٦: ٢٤٦/٦، والآية من سورة الاحزاب ٣٣: ٣٣، وزاد في الطبعة الحروفية فقط: هذه الاخبار كانت مكتوبة بعد المجلس الثامن والعشرين. وكتب في حاشية إحدى النسخ: من هنا إلى المجلس الآتي مكانه مقدم على مجلس يوم الجمعة غرة المحرم [ أي على المجلس (٢٧) ].

٢٠٨

محبوب، عن محمّد بن القاسم النوفلي، قال: قلت لابي عبدالله الصادق عليه السلام: المؤمن يرى الرؤيا فتكون كما رآها، وربما رأى الرؤيا فلا تكون شيئا؟ فقال: إن المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء، فكل ما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحق، وكل ما رآه في الارض فهو أضغاث أحلام.

فقلت له: أو تصعد روح إلى السماء؟ قال: نعم. قلت: حتى لا يبقى منها شئ في بدنه؟ فقال: لا، لو خرجت كلها حتى لا يبقى منها شئ إذن لمات.

قلت: فكيف تخرج؟ فقال: أما ترى الشمس في السماء في موضعها وضوؤها وشعاعها في الارض، فكذلك الروح أصلها في البدن وحركتها ممدودة إلى السماء(١) .

٢٣٢/١٦ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، قال: حدثني بعض أصحابنا، عن زكريا بن يحيى، عن معاوية بن عمار، عن أبي جعفر، قال: إن العباد إذا ناموا خرجت أرواحهم إلى السماء، فما رأت الروح في السماء فهو الحق، وما رأت في الهواء فهو الاضغاث، ألا وإن الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها إختلف، فإذا كانت الروح في السماء تعارفت وتباغضت، فإذا تعارفت في السماء تعارفت في الارض، وإذا تباغضت في السماء تباغضت في الارض(٢) .

٢٣٣/١٧ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا محمّد ابن الحسين بن أبي الخطاب، عن عيسى بن عبدالله العلوي، عن أبيه عبدالله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الرجل ينام فيرى الرؤيا، فربما كانت حقا، وربما

______________

(١) بحار الانوار ٦١: ٣٢/٦.

(٢) بحار الانوار ٦١: ٣١/٤.

٢٠٩

كانت باطلا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يا علي، ما من عبد ينام إلا عرج بروحه إلى رب العالمين، فما رأى عند رب العالمين فهو حق، ثم إذا أمر الله العزيز الجبار برد روحه إلى جسده فصارت الروح بين السماء والارض، فما رأته فهو أضغاث أحلام(١) .

٢٣٤/١٨ - وعنه، بإسناده عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، قال: وحدثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محسن بن أحمد الميثمي، عن أبان ابن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: إن لابليس شيطانا يقال له هزع، يملا ما بين المشرق والمغرب في كل ليلة، يأتي الناس في المنام(٢) .

٢٣٥/١٩ - بسم الله الرحمن الرحيم(٣) ، حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر محمّد ابن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه قراءة عليه، قال: حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن عيسى اليقطيني، عن أحمد بن عبدالله الفروي(٤) ، عن أبيه، قال: دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح، فقال لي: ادن مني، فدنوت حتى حاذيته، ثم قال لي: أشرف إلى البيت في الدار، فأشرفت فقال: ما ترى في البيت؟ قلت: ثوبا. مطروحا. فقال: انظر حسنا، فتأملت ونظرت فتيقنت، فقلت: رجل ساجد. فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا. قال: هذا مولاك. قلت: ومن مولاي؟ فقال: تتجاهل علي؟ فقلت: ما أتجاهل، ولكن لا أعرف في مولى.

______________

(١) بحار الانوار ٦١: ١٥٨/١.

(٢) بحار الانوار ٦١: ١٥٩/٢.

(٣) زاد في إحدى النسخ قبل البسملة (المجلس الثلاثون) وباقي النسخ خالية منه، وقد تقدم أن هذه الاحاديث من حديث (١٥) إلى المجلس (٣٠) كانت مكتوبة بعد المجلس (٢٨) على ما في الطبعة الحروفية، أو بعد المجلس (٢٦) على ما في حاشية بعض النسخ، ولذا أبقينا ترتيب الاحاديث والمجالس على ما في سائر النسخ.

(٤) في نسخة: الغروي، وفي البحار: القروي.

٢١٠

فقال: هذا أبوالحسن موسى بن جعفر عليه السلام، إني أتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الاوقات إلا على الحال التي أخبرك بها، أنه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس، وقد وكل من يترصد له الزوال، فلست أدري متى يقول الغلام: قد زالت الشمس! إذ يثب فيبتدئ بالصلاة من غير أن يجدد وضوءا، فأعلم أنه لم ينم في سجوده ولا أغفى، فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر، فإذا صلى العصر سجد سجدة، فلا يزال ساجدا إلى أن تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلى المغرب من غير أن يحدث حدثا، فلا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلي العتمة، فإذا صلى العتمة أفطر على شوي(١) يؤتى به، ثم يجدد الوضوء، ثم يسجد، ثم يرفع رأسه، فينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيجدد الوضوء، ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر، فلست أدري متى يقول الغلام: إن الفجر قد طلع! إذ قد وثب هو لصلاة الفجر، فهذا دأبه منذ حول إلي.

فقلت: اتق الله، ولا تحدثن في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة، فقد تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءا إلا كانت نعمته زائلة. فقال: قد أرسلوا إلي في غير مرة يأمرونني بقتله، فلم أجبهم إلى ذلك، وأعلمتهم أني لا أفعل ذلك، ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني.

فلما كان بعد ذلك حول إلى الفضل بن يحيى البرمكي، فحبس عنده أياما، وكان الفضل بن الربيع يبعث إليه في كل ليلة مائدة، ومنع أن يدخل إليه من عند غيره، فكان لا يأكل ولا يفطر إلا على المائدة التي يؤتى بها حتى مضى على تلك الحال ثلاثة أيام ولياليها، فلما كانت الليلة الرابعة قدمت إليه مائدة للفضل بن يحيى، قال: فرفع عليه السلام يده إلى السماء، فقال: يا رب، إنك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم كنت قد أعنت على نفسي. قال: فأكل فمرض، فلما كان من غد بعث إليه بالطيب ليسأله عن

______________

(١) الشوي: ما شوي من اللحم.

٢١١

العلة. فقال له الطبيب: ما حالك؟ فتغافل عنه، فلما أكثر عليه أخرج إليه راحته فأراها الطبيب، ثم قال: هذه علتي، وكانت خضرة في وسط راحته، تدل على أنه سم، فاجتمع في ذلك الموضع، قال: فانصرف الطبيب إليهم، وقال: والله لهو أعلم بما فعلتم به منكم، ثم توفي عليه السلام(١) .

٢٣٦/٢٠ - وحدثني الشيخ أبوجعفر قراءة عليه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار وسعد بن عبدالله جميعا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن أبيه عليّ بن يقطين، قال: استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ويقطعه(٢) ويخجله في المجلس، فانتدب له رجل معزم(٣) ، فلما أحضرت المائدة عمل ناموسا(٤) على الخبز، فكان كلما رام خادم أبي الحسن عليه السلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه، واستفز هارون الفرح والضحك(٥) لذلك، فلم يلبث أبوالحسن عليه السلام أن رفع رأسه إلى أسد مصور على بعض الستور، فقال له: يا أسد الله، خذ عدو الله. قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترست ذلك المعزم، فخر هارون وندماؤه على وجوههم مغشيا عليهم، وطارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه، فلما أفاقوا من ذلك بعد حين، قال هارون لابي الحسن عليه السلام: أسألك بحقي عليك، لما سألت الصورة أن ترد الرجل. فقال: إن كانت عصى موسى عليه السلام ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم، فإن هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل، فكان ذلك أعمل الاشياء في إفاقة(٦)

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ١٠٦/١٠، بحار الانوار ٤٨: ٢١٠/٩.

(٢) أي يسكته عن حجته ويبطلها.

(٣) المعزم: الراقي الذي يعمل بالعزيمة والرقى.

(٤) الناموس: ما يتنمس به من الاحتيال.

(٥) استفزه الضحك: استخفه وغلب عليه حتى جعله يضطرب لشدة ضحكه.

(٦) في نسخة: إقامة.

٢١٢

نفسه(١) .

٢٣٧/٢١ - قال: حدّثنا أبي، عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن الحسن بن محمّد بن بشار، قال: حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة، ممن كان يقبل قوله، قال: قال لي: قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت، فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله. قال: قلت: من؟ وكيف رأيته؟ قال: جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه، ممن ينسب إلى الخير، فأدخلنا إلى موسى بن جعفر عليهما السلام، فقال لنا السندي: يا هؤلاء، انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث، فإن الناس يزعمون أنه قد فعل به مكروه، ويكثرون في ذلك، وهذا منزله وفرشه، موسع عليه غير مضيق، ولم يرد به أميرالمؤمنين سوءا، وإنما ينتظره أن يقدم فيناظره أميرالمؤمنين، وها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع أمره، فسلوه، قال: ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل وإلى فضله وسمته.

فقال: أما ما ذكر من التوسعة وما أشبه ذلك، فهو على ما ذكر، غير أني أخبركم أيها النفر، أني قد سقيت السم في تسع تمرات، وإني أحضر(٢) غدا، وبعد غد أموت، قال: فنظرت إلى السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة.

قال: الحسن، وكان هذا الشيخ من خيار العامة، شيخ صدوق، مقبول القول، ثقة جدا عند الناس(٣) .

٢٣٨/٢٢ - حدّثنا الشيخ الفقيه أبوجعفر، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد السناني، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن عليّ بن سالم، عن أبيه، عن ثابت بن دينار، قال: سألت زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام عن

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٩٥/١، مناقب ابن شهر آشوب ٤: ٢٩٩، بحار الانوار ٤٨: ٤١/١٧، ١٨.

(٢) أي يحضرني الموت.

(٣) قرب الاسناد: ٣٣٣/١٢٣٦، عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٩٦/٢، غيبة الطوسي: ٣١/٧، بحار الانوار ٤٨:٢١٢/١٠ - ١٢.

٢١٣

الله جل جلاله: هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالى الله عن ذلك.

قلت: فلم أسرى بنبيه محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى السماء؟ قال: ليريه ملكوت السماوات، وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه.

قلت: فقول الله عزّوجلّ:( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ) (١) ؟ قال: ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دنا من حجب النور، فرأى ملكوت السماوات، ثم تدلى صلّى الله عليه وآله وسلّم فنظر من تحته إلى ملكوت الارض حتى ظن أنه في القرب من الارض كقاب قوسين أو أدنى(٢) .

وصلّى الله على نبينا محمّد وآله الطاهرين

______________

(١) النجم ٥٣: ٨، ٩.

(٢) علل الشرائع: ١٣١/١، بحار الانوار ٣: ٣١٤/٨.

٢١٤

[ ٣٠ ]

المجلس الثلاثون

مجلس يوم السبت التاسع من المحرم، سنة ثمان وستين وثلاثمائة،

وهو مقتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام

٢٣٩/١ - حدّثنا الشيخ الجليل الفاضل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين ابن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عمر البغدادي الحافظ رحمه الله، قال: حدّثنا أبوسعيد الحسن بن عثمان بن زياد التستري من كتابه، قال: حدّثنا إبراهيم بن عبيد الله بن موسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قاضي بلخ، قال: حدثتني مريسة بنت موسى بن يونس بن أبي إسحاق وكانت عمتي، قالت: حدثتني صفية بنت يونس بن أبي إسحاق الهمدانية وكانت عمتي، قالت: حدثتني بهجة بنت الحارث بن عبدالله التغلبي، عن خالها عبدالله بن منصور وكان رضيعا لبعض ولد زيد بن عليّ عليه السلام، قال: سألت جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام، فقلت: حدثني عن مقتل ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. فقال: حدثني أبي، عن أبيه، قال: لما حضرت معاوية الوفاة دعا ابنه يزيد (لعنه الله) فأجلسه بين يديه، فقال له: يا بني، إني قد ذللت لك الرقاب الصعاب، ووطدت لك البلاد، وجعلت الملك وما فيه لك طعمة، وإني أخشى عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم، وهم: عبدالله بن عمر بن الخطاب، وعبدالله بن الزبير، والحسين بن علي، فأما عبدالله بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه، وأما عبدالله بن الزبير فقطعه إن ظفرت

٢١٥

به إربا إربا، فإنه يجثو لك كما يجثو الاسد لفريسته، ويواربك مواربة(١) الثعلب للكلب، وأما الحسين فقد عرفت حظه من رسول الله، وهو من لحم رسول الله ودمه، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه، فإن ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله، ولا تؤاخذه بفعله، ومع ذلك فإن لنا به خلطة(٢) ورحما، وإياك أن تناله بسوء، أو يرى منك مكروها.

قال: فلما هلك معاوية، وتولى الامر بعده يزيد (لعنه الله)، بعث عامله على مدينة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو عمه عتبة بن أبي سفيان، فقدم المدينة وعليها مروان بن الحكم، وكان عامل معاوية، فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه، لينفذ فيه أمر يزيد، فهرب مروان فلم يقدر عليه، وبعث عتبة إلى الحسين بن عليّ عليهما السلام، فقال: إن أميرالمؤمنين أمرك أن تبايع له. فقال الحسين عليه السلام: يا عتبة، قد علمت أنا أهل بيت الكرامة، ومعدن الرسالة، وأعلام الحق الذي أودعه الله عزّوجلّ قلوبنا، وأنطق به ألسنتنا، فنطقت بإذن الله عزّوجلّ، ولقد سمعت جدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: أن الخلافة محرمة على ولد أبي سفيان، وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هذا.

فلما سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، إلى عبدالله يزيد أميرالمؤمنين، من عتبة بن أبي سفيان. أما بعد، فإن الحسين بن عليّ ليس يرى لك خلافة ولا بيعة، فرأيك في أمره والسلام. فلما ورد الكتاب على يزيد (لعنه الله) كتب الجواب إلى عتبة: أما بعد، فإذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه وبين لي في كتابك كل من في طاعتي، أو خرج عنها، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي. فبلغ ذلك الحسين عليه السلام، فهم بالخروج من أرض الحجاز ألى أرض العراق، فلما أقبل الليل راح إلى مسجد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ليودع القبر، فلما وصل إلى القبر

______________

(١) واربه: داهاه وخاتله وخادعه.

(٢) الخلطة: العشرة، وفي نسخة: خلة.

٢١٦

سطع له نور من القبر فعاد إلى موضعه، فلما كانت الليلة الثانية راح ليودع القبر، فقام يصلي فأطال، فنعس وهو ساجد، فجاءه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو في منامه، فأخذ الحسين عليه السلام وضمه إلى صدره، وجعل يقبل بين عينيه، ويقول: بأبي أنت، كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الامة، يرجون شفاعتي، مالهم عند الله من خلاق، يا بني إنك قادم على أبيك وامك وأخيك، وهم مشتاقون إليك، وإن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة. فانتبه الحسين عليه السلام من نومه باكيا، فأتى أهل بيته، فأخبرهم بالرؤيا وودعهم، وحمل أخواته على المحامل وابنته وابن أخيه القاسم ابن الحسن بن عليّ عليهم السلام، ثم سار في أحد وعشرين رجلا من أصحابه وأهل بيته، منهم أبوبكر بن علي، ومحمّد بن علي، وعثمان بن علي، والعباس بن علي، وعبدالله بن مسلم بن عقيل، وعليّ بن الحسين الاكبر، وعليّ بن الحسين الاصغر.

وسمع عبدالله بن عمر بخروجه، فقدم راحلته، وخرج خلفه مسرعا، فأدركه في بعض المنازل، فقال: أين تريد يا بن رسول الله؟ قال: العراق. قال: مهلا إرجع إلى حرم جدك. فأبى الحسين عليه السلام عليه، فلما رأى ابن عمر إباءه قال: يا أبا عبدالله، اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقبله منك. فكشف الحسين عليه السلام عن سرته، فقبلها ابن عمر ثلاثا وبكى، وقال: استودعك الله يا أبا عبدالله، فإنك مقتول في وجهك هذا.

فسار الحسين عليه السلام وأصحابه، فلما نزلوا الثعلبية(١) ورد عليه رجل يقال له: بشر بن غالب، فقال: يا بن رسول الله، أخبرني عن قول الله عزّوجلّ: [يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ](٢) . قال: إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها، هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار، وهو قوله عزّوجلّ: [فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ

______________

(١) الثعلبية: من منازل طريق مكة.

(٢) الاسراء: ١٧: ٧١.

٢١٧

وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ](١) .

ثم سار حتى نزل العذيب(٢) ، فقال فيها قائلة(٣) الظهيرة، ثم انتبه من نومه باكيا، فقال له ابنه: ما يبكيك يا أبه؟ فقال: يا بني، إنها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها، وإنه عرض لي في منامي عارض فقال: تسرعون السير، والمنايا تسير بكم إلى الجنة.

ثم سار حتى نزل الرهيمة(٤) ، فورد عليه رجل من أهل الكوفة، يكنى أبا هرم، فقال: يا بن النبي، ما الذي أخرجك من المدينة؟ فقال: ويحك يا أبا هرم، شتموا عرضي فصبرت، وطلبوا مالي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، وايم الله ليقتلني، ثم ليلبسنهم الله ذلا شاملا، وسيفا قاطعا، وليسلطن عليهم من يذلهم.

قال: وبلغ عبيد الله بن زياد (لعنه الله) الخبر، وأن الحسين عليه السلام قد نزل الرهيمة، فأسرى إليه الحر بن يزيد في ألف فارس، قال الحر: فلما خرجت من منزلي متوجها نحو الحسين عليه السلام نوديت ثلاثا: يا حر أبشر بالجنة، فالتفت فلم أر أحدا، فقلت: ثكلت الحر أمه، يخرج إلى قتال ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ويبشر بالجنة! فرهقه(٥) عند صلاة الظهر، فأمر الحسين عليه السلام ابنه، فأذن وأقام، وقام الحسين عليه السلام فصلى بالفريقين جميعا، فلما سلم وثب الحر بن يزيد فقال: السلام عليك يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال الحسين عليه السلام: وعليك السلام، من أنت يا عبدالله؟ فقال: أنا الحر بن يزيد. فقال: يا حر، أعلينا أم لنا؟ فقال الحر: والله يا بن رسول الله، لقد بعثت لقتالك، وأعوذ بالله أن أحشر من قبري وناصيتي مشدودة إلى(٦) ، ويدي

______________

(١) الشورى ٤٢: ٧.

(٢) العذيب: ماء عن يمين القادسية، بينه وبين القادسية أربعة أميال.

(٣) أي نام القيلولة.

(٤) الرهيمة: ضيعة قرب الكوفة.

(٥) أي لحقه ودنا منه.

(٦) في نسخة: إلى رجلي.

٢١٨

مغلوقة إلى عنقي، وأكب على حر وجهي(١) في النار. يا بن رسول الله، أين تذهب؟ ارجع إلى حرم جدك، فإنك مقتول، فقال الحسين عليه السلام:

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وخالف مجرما

فإن مت لم أندم وإن عشت لم ألم

كفى بك ذلا أن تموت وترغما

ثم سار الحسين عليه السلام حتى نزل القطقطانة(٢) ، فنظر إلى فسطاط مضروب، فقال: لمن هذا الفسطاط؟ فقيل: لعبيد الله بن الحر الجعفي(٣) فأرسل إليه الحسين عليه السلام فقال: أيها الرجل، إنك مذنب خاطئ وإن الله عزّوجلّ آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى الله تبارك وتعالى في ساعتك هذه، فتنصرني ويكون جدي شفيعك بين يدي الله تبارك وتعالى.

فقال: يا بن رسول الله، والله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك، ولكن هذا فرسي خذه إليك، فو الله ما ركبته قط وأنا أروم شيئا إلا بلغته، ولا أرادني أحد إلا نجوت عليه، فدونك فخذه. فأعرض عنه الحسين عليه السلام بوجهه، ثم قال: لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك، وما كنت متخذ المضلين عضدا، ولكن فر، فلا لنا ولا علينا، فإنه من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا، كبه الله على وجهه في نار جهنم.

ثم سار حتى نزل كربلاء، فقال: أي موضع هذا؟ فقيل: هذا كربلاء يا بن رسول الله. فقال: هذا والله يوم كرب وبلاء، وهذا الموضع الذي يهراق فيه دماؤنا، ويباح فيه حريمنا.

فأقبل عبيد الله بن زياد بعسكره حتى عسكر بالنخيلة، وبعث إلى الحسين عليه السلام رجلا يقال له عمر بن سعد قائدة في أربعة آلاف فارس، وأقبل عبدالله بن الحصين التميمي في ألف فارس، يتبعه شبث بن ربعي في ألف فارس،

______________

(١) الحر من الوجه: ما بدا من الوجنة.

(٢) القطقطانة: موضع قرب الكوفة.

(٣) في نسخة: عبدالله بن الحر الحنفي.

٢١٩

ومحمّد بن الاشعث بن قيس الكندي أيضا في ألف فارس، وكتب لعمر بن سعد على الناس، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه.

فبلغ عبيد الله بن زياد أن عمر بن سعد يسامر(١) الحسين عليه السلام ويحدثه ويكره قتاله، فوجه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس، وكتب إلى عمر ابن سعد: إذا أتاك كتابي هذا، فلا تمهلن الحسين بن علي، وخذ بكظمه، وحل بين الماء وبينه، كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار.

فلما وصل الكتاب إلى عمر بن سعد (لعنه الله)، أمر مناديه فنادى: إنا قد أجلنا حسينا وأصحابه يومهم وليلتهم، فشق ذلك على الحسين عليه السلام وعلى أصحابه، فقام الحسين عليه السلام في أصحابه خطيبا، فقال: اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبر ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي، ولا أصحابا هم خير من أصحابي، وقد نزل بي ما قد ترون، وأنتم في حل من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعة، ولا لي عليكم ذمة، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، وتفرقوا في سواده، فإن القوم إنما يطلبونني، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري.

فقام إليه عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، فقال: يا بن رسول الله، ماذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وابن سيد الاعمام، وابن نبينا سيد الانبياء، لم نضرب معه بسيف، ولم نقاتل معه برمح! لا والله أو نرد موردك، ونجعل أنفسنا دون نفسك، ودماءنا دون دمك، فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا وخرجنا مما لزمنا.

وقام إليه رجل يقال له زهير بن القين البجلي، فقال: يا بن رسول الله، ووددت أني قتلت ثم نشرت، ثم قتلت ثم نشرت، ثم قتلت ثم نشرت فيك وفي الذين معك مائة قتلة، وإن الله دفع بي عنكم أهل البيت. فقال له ولاصحابه: جزيتم خيرا.

ثم إن الحسين عليه السلام أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق، وأمر

______________

(١) في نسخة: يسار.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

[ وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر ؛ لأنّ المتعة هي التي وجبت بالطلاق ، والشقص عوض عنها(١) .

ولو أخذ من المكاتب شقصاً عوضاً عن النجوم ، فلا شفعة عندنا ](٢) .

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمثل النجوم أو بقيمتها ؛ لأنّ النجوم هي التي قابلته(٣) .

ولو جعل الشقص اُجرة دار ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يؤخذ بقيمة المنفعة ، وهي اُجرة مثل الدار(٤) .

ولو صالح على الشقص عن دم ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمة الدم ، وهي الدية(٥) . ويعود فيه مذهب مالك(٦) .

ولو استقرض شقصاً ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمته وإن قلنا : إنّ المستقرض يردّ المثل ؛ لأنّ القرض مبنيّ على الإرفاق ، والشفعة ملحقة بالإتلاف(٧) (٨) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٢) بعض ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » نصّاً ، ونحوه في « التهذيب » للبغوي ، و « روضة الطالبين ». وبعضه الآخَر من تصحيحنا لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٤و٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٦) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. وورد في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ - تتمّةً لقول الشافعي - : « ويقود منه الجريح ويذهب ملكه » بدل « ويعود فيه مذهب مالك ».

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالإتلاف ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

٢٦١

مسالة ٧٤٧ : لو كان الثمن مؤجَّلاً‌ ، مثلاً : اشترى الشقص بمائة مؤجَّلة إلى سنة ، فللشيخرحمه‌الله قولان :

أحدهما - وهو الأقوى عندي ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم(١) - : أنّ للشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة كفيل إذا لم يكن مليّاً ، وليس له الصبر والأخذ عند الأجل(٢) .

لنا : أنّ الأخذ إنّما يكون بالثمن ، ويجب أن يكون على الشفيع مثل الثمن قدراً ووصفاً ، والتأجيل وصف في الثمن. ولأنّ الشفعة على الفور ، وتأخير الطلب إلى الأجل مناف للفوريّة ، وأخذها بالثمن المعجّل إضرار بالشفيع بغير وجه ، فلم يبق إلّا ما قلنا توصّلاً إلى الجمع بين الحقوق كلّها.

وقال الشيخ أيضاً : يتخيّر الشفيع بين أن يأخذه ويعجّل الثمن ، وبين أن يصبر إلى أن يحلّ الأجل ثمّ يأخذه بالثمن(٣) - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد(٤) - لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمّة الشفيع ، والذمم لا تتماثل ، ولهذا إذا مات مَنْ عليه الدَّيْن المؤجَّل ، حلّ الأجل ، ولم ينتقل إلى ذمّة الورثة. وملاءة الأشخاص لا توجب تماثل الذمم ، فإنّها تختلف في كون بعضها أوفى وبعضها أسهل في المعاملة.

____________________

(١) الموطّأ ٢ : ٧١٥ ، ذيل الحديث ٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٩ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣ ، المحلّى ٩ : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، وانظر : روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢.

(٢) النهاية : ٤٢٥.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٢ ، الخلاف ٣ : ٤٣٣ ، المسألة ٩ من كتاب الشفعة.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ / ١٩٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٦ ، الوسيط ٤ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣.

٢٦٢

ولأنّ في ذلك تغريراً بالمشتري ؛ لجواز أن يذهب مال الشفيع قبل حلول الأجل ، فيلزمه غرمه ، ولا يجوز أن يلزمه ذلك ، ولم يحصل له حظّ بهذا البيع.

وهو ممنوع ؛ لأنّا نلزم الشفيع بكفيل مليّ يرتضيه المشتري ، فاندفع المحذور.

وللشافعي قولٌ ثالث : إنّ الشفيع يأخذه بسلعة قيمتها الثمن إلى سنة ؛ لأنّه لم يأخذ السلعة بثمن مؤجّل على ما تقدّم ، وإن أخذها بثمنٍ حالّ في الحال أو بعد انقضاء الأجل ، فقد كلّفناه أكثر من الثمن ؛ لأنّ ما يباع بمائة إلى سنة لا يساويها حالّا ، ولئلّا يتأخّر الأخذ ولا يتضرّر الشفيع(١)

وعلى ما اخترناه فإنّما يأخذه بثمنٍ مؤجّل إذا كان مليّاً موثوقاً به أو(٢) إذا أعطى كفيلاً مليّاً ، وإلّا لم يأخذه ؛ لأنّه إضرار بالمشتري ، وهو أحد قولي الشافعي على تقدير قوله بما قلناه. والثاني له : أنّ له الأخذ على الإطلاق ، ولا ينظر إلى صفته ، ولو أخذه ثمّ مات ، حلّ عليه الأجل(٣) .

وعلى قول أبي حنيفة والشيخ والشافعي في الجديد لا يبطل حقّ الشفيع بالتأخير ؛ لأنّه تأخير بعذر ، ولكن هل يجب تنبيه المشتري على الطلب؟ فيه وجهان ، أحدهما : لا ؛ إذ لا فائدة فيه. والثاني : نعم ؛ لأنّه ميسور وإن كان الأخذ معسوراً(٤) .

ولو مات المشتري وحلّ عليه الثمن ، لم يتعجّل الأخذ على الشفيع ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

٢٦٣

بل هو على خيرته إن شاء أخذ في الحال ، وإن شاء صبر إلى مجي‌ء ذلك المحلّ.

ولو مات الشفيع ، فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته.

ولو باع المشتري الشقص قبل أن يحلّ الأجل ، صحّ البيع ؛ لأنّ الثمن لو كان حالّاً فباع المشتري صحّ بيعه ، فإذا كان مؤجّلاً وتأخّر الأخذ ، كان جواز البيع أولى ، ويتخيّر الشفيع بين أن يجيز البيع الثاني ويأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه إمّا في الحال أو عند حلول الأجل ، ويأخذه بالثمن الأوّل ؛ لأنّ ذلك كان له ، ولا يسقط بتصرّف المشتري.

هذا إذا قلنا : إنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ، وهو الظاهر عندهم(١) ، وفيه خلاف ، وإن قلنا بالثالث ، فتعيين(٢) العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة [ إلى ](٣) مَنْ يعرفها.

ولو لم يتّفق طلب الشفعة حتى حلّ الأجل ، وجب أن لا يطالب على هذا القول إلّا بالسلعة المعدلة ؛ لأنّ الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع ، ألا ترى أنّه إذا باع بمتقوّم ، تعتبر قيمته يوم البيع. وعلى القولين الآخَرَيْن لو أخّر الشفعة ، بطل حقّه.

مسالة ٧٤٨ : لو ضمّ شقصاً مشفوعاً إلى ما لا شفعة فيه في البيع‌ ، مثل أن يبيع نصفَ دار وثوباً أو عبداً أو غيرهما صفقةً واحدة ، بسط الثمن عليهما باعتبار القيمتين ، وأخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن ، عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد(٤) ، ولا شفعة في المضموم ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فيتعيّن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

٢٦٤

لأنّ المضموم لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة ، فلا تثبت فيه الشفعة ، كما لو أفرده.

وقال مالك : تثبت الشفعة فيهما معاً. ويروى عنه أيضاً أنّه إن كان من مصالح الضيعة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد العامل في البستان ، أخذه الشفيع مع الشقص. وإن كان غير ذلك ، لم يأخذه ؛ لأنّه لو أخذ الشقص وحده ، تبعّضت الصفقة على المشتري ، وفي ذلك ضرر ، ولا يزال الضرر عن الشفيع بإلحاق ضرر المشتري(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدخله على نفسه بجمعه في العقد بين ما ثبت فيه الشفعة وما لا تثبت.

ثمّ النظر إلى قيمتهما يوم البيع ؛ فإنّه وقت المقابلة.

قال الجويني : إذا قلنا : إنّ الملك ينتقل بانقطاع الخيار ؛ فيجوز أن يعتبر وقت انقطاع الخيار ، لأنّ انتقال الملك - الذي هو سبب الشفعة - حينئذٍ يحصل(٢) .

وهذا يتأتّى على قول الشيخ أيضاً.

وإذا أخذ الشفيع الشقص ، لم يثبت للمشتري الخيار وإن تفرّقت الصفقة عليه ، لدخوله فيها عالماً بالحال.

مسالة ٧٤٩ : إذا اشترى شقصاً من دار فاستهدمت إمّا بفعل المشتري أو بغير فعله ، فلها أحوال :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠.

٢٦٥

أ - أن تتعيّب من غير تلف شي‌ء منها ولا انفصال بعضها عن بعض بأن يتشقّق جدار أو تميل أسطوانة أو ينكسر جذع أو يضطرب سقف ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكلّ الثمن ، وبين الترك ، ويكون تعيّبه في يد المشتري كتعيّب المبيع في يد البائع ، فإنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن ، عند بعض(١) علمائنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

وعند بعضهم(٣) يسقط(٤) الأرش ، فينبغي هنا أن يكون كذلك.

ب - أن يتلف بعضها ، فيُنظر إن تلف شي‌ء من العرصة بأن غشيها السيل فغرّقها ، أخذ الباقي بحصّته من الثمن.

وإن بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف والجدران باحتراقٍ وغيره ، فإن قلنا : إنّ الأبنية كأحد العبدين المبيعين(٥) ، أخذ العرصة بحصّتها من‌

____________________

(١) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨ ، والمبسوط ٢ : ١٢٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٠٥.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ - ١٧٣.

(٣) اُنظر : نكت النهاية ( النهاية ونكتها ) ٢ : ١٦١ - ١٦٢.

(٤) كذا بصيغة الإثبات. وفي جواهر الكلام ١٦ : ٣٥٩ حيث نقل عبارة التذكرة قال : « لا يسقط الأرش ». وقال المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٤ : ٤١٧ - ٤١٨ عند شرح قول المصنّف في القواعد : « ولو انهدم أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة » : فهاهنا أربع صور : الاولى : أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة بأن ينقض البناء أو يشقّ الجدار أو يكسر الجذع إلى أن ساق الكلام إلى قوله : وقد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعيّب المبيع في يده فينبغي أن يكون هنا كذلك ، وقد نبّه كلام المصنّف في التذكرة على ذلك. انتهى ، فلاحظ قوله : « وجوب الأرش على البائع » حيث إنّه يخالف قول المصنّف : « يسقط الأرش » ويوافق ما في الجواهر من قوله : « لا يسقط ». وانظر أيضاً : الكافي في الفقه - للحلبي -: ٣٥٥.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المسمّيين » بدل « المبيعين ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٦

الثمن ، وهو الأصحّ ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(١) .

وإن قلنا : إنّها كأطراف العبد وصفاته ، أخذها بكلّ الثمن على رأي - وبه قال الشافعي(٢) - وبما بعد الأرش على رأي.

وفرّق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماويّة ، فيأخذها بجميع الثمن ، أو بإتلاف متلفٍ ، فيأخذها بالحصّة ؛ لأنّ المشتري يحصل له بدل التالف ، فلا يتضرّر ، وبه قال أبو حنيفة(٣) .

ج - أن لا يتلف شي‌ء منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام وسقوط الجدران ، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص مع الأبعاض - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّها دخلت في البيع وكانت متّصلة به حالة البيع ممّا يدخل في الشفعة ، فكذا بعد النقض ، وكونه منقولا عرض بعد البيع وبعد تعلّق حقّ الشفيع به ، والاعتبار بحال جريان العقد ، ولهذا لو اشترى داراً فانهدمت ، يكون النقض والعرصة للمشتري وإن كان النقض لا يندرج في البيع لو وقع بعد الانهدام.

والثاني للشافعي : لا يأخذ الشفيع النقض ؛ لأنّه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع ، لا يؤخذ بالشفعة(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

٢٦٧

فإن قلنا بالأوّل ، أخذه مع العرصة بجميع الثمن أو بما بعد الأرش على ما تقدّم ، أو يعرض عن الكلّ.

وإن قلنا : إنّه لا يأخذه - كما هو اختيار الشافعي في القول الثاني - فيبني على أنّ السقوف والجدران كأحد العبدين أو كطرف العبد؟ إن قلنا بالأوّل ، أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصّتهما من الثمن.

وإن قلنا بالثاني ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يأخذ بالحصّة ؛ لأنّ الأنقاض كانت من الدار المشتراة ، فيبعد أن تبقى للمشتري مجّاناً ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن.

والثاني - وهو قياس الأصل المبنيّ عليه - : أن يأخذ بتمام الثمن ، كما في الحالة الاُولى. وعلى هذا فالأنقاض تشبه بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشتري قبل قبض الشفيع(١) .

ومنهم مَنْ كان يطلق قولين - تفريعاً على أنّ النقض غير مأخوذ من غير البناء - على أنّ النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد؟(٢)

ووجه الأخذ بالكلّ : أنّه نَقْصٌ حصل عند المشتري ، فأشبه تشقّق الحائط ، والأخذِ بالحصّة : أنّ ما لا يؤخذ من المبيع بالشفعة تسقط حصّته من الثمن ، كما إذا اشترى شقصاً وسيفاً.

واعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّ الشفيع مخيّر بين أن يأخذه بجميع الثمن أو يردّ(٣) .

وقال في القديم ومواضع من الجديد : أنّه يأخذه بالحصّة(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ - ٥١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٣) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

٢٦٨

وقد ذكر بعض الشافعيّة فيه خمس طرق :

أ - منهم مَنْ قال : إنّ ما انهدم من الدار لا يدخل في الأخذ بالشفعة ، وإنّما يأخذ العرصة وما فيها من البناء ؛ لأنّ ذلك منفصل عنها ، كما لو باع داراً ، لم يدخل فيها ما كان منفصلاً عنها. وهل يأخذ العرصة والبناء الذي فيها بجميع الثمن أو بالحصّة؟ قولان.

ب - ما ذُكر في الطريقة الاُولى إلّا في أنّه يأخذ ذلك بحصّته من الثمن قولاً واحداً.

ج - إنّ ما انفصل من الدار يستحقّه الشفيع مع الدار ؛ لأنّ استحقاقه للشفعة إنّما كان حال عقد البيع وفي ذلك الحال كان متّصلاً.

د - المسألة على اختلاف حالين ، فالموضع الذي قال : يأخذها بالحصّة إذا ذهب بعض العرصة بغرقٍ أو غير ذلك ، والموضع الذي قال : يأخذها بجميع الثمن إذا كانت العرصة باقيةً وإنّما ذهب البناء.

ه- إنّ الموضع الذي قال : يأخذ بالحصّة إذا تلف بعض الأعيان بفعله أو فعل آدميّ ، والموضع الذي قال : يأخذه بجميع الثمن إذا حصل ذلك بأمر سماويّ(١) .

وبهذه(٢) الطريقة الأخيرة قال أبو حنيفة(٣) .

أقول : ما فعله المشتري مضمون ( وإن كان إذا )(٤) حصل بغير فعله لم يضمنه ، كما لو قلع عين المبيع ، كان تضمينها عليه ، ولو سقطت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « هذه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « وإذا كان ».

٢٦٩

لم يسقط شي‌ء من الثمن.

هذا كلّه إذا كان التعيّب لا بفعل المشتري أو بفعله قبل الطلب ، أمّا إذا كان بفعل المشتري بعد الطلب ، فهل يضمن المشتري؟ قولان لعلمائنا ، الأقرب : الضمان.

ولو تلف بعض المبيع ، أخذه بحصّته من الثمن.

مسالة ٧٥٠ : إذا بنى المشتري أو غرس قبل القسمة ، كان للشريك قلعه‌ ، لا من حيث الشفعة ، بل من حيث إنّ أحد الشريكين إذا بنى أو غرس في الأرض المشتركة ، كان للشريك الآخر قلعه وتخريب البناء مجّاناً ، وله الأخذ بالشفعة بعد القلع وقبله.

وإن كان المشتري قد قسّم - إمّا لغيبة الشريك ، أو لصغره - بإذن الحاكم ، أو لكذبه في الإخبار بالثمن فعفا ، أو في الاتّهاب فظهر(١) البيع ، أو قاسمه وكيله وأخفى(٢) عنه وجه الحظّ في الأخذ بالشفعة ثمّ يجي‌ء الموكّل فيظهر له الوجه ثمّ بنى أو غرس أو زرع بعد القسمة والتمييز ثمّ علم الشفيع ، فللمشتري قلع غرسه وبنائه ؛ لأنّه ملكه.

فإذا قلعه ، لم يكن عليه تسوية الحفر ؛ لأنّه غرس وبنى في ملكه ، وما حدث من النقص فإنّما حدث في ملكه ، وذلك ممّا لا يقابله الثمن ، وإنّما يقابل الثمن سهام الأرض من نصف وثلث وربع ، ولا يقابل التراب ، فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الأرض بجميع الثمن أو يترك.

وإن لم يقلع المشتري الغراس ، تخيّر الشفيع بين ثلاثة أشياء : ترك الشفعة ، وأخذها ودفع قيمة البناء والغراس إن رضي الغارس والباني ،

____________________

(١) في « س ، ي » : « فيظهر ».

(٢) في « س ، ي » : « خفي ».

٢٧٠

ويصير الملك له ، وأن يُجبر المشتري على القلع ، ويضمن له ما نقص له بالقلع.

وقيل : رابعٌ : أن يُبقيه في الأرض باُجرة(١) .

فأمّا إذا طالبه بقلع ذلك من غير أن يضمن له النقص ، لم يلزمه قلعه ، قاله الشيخ(٢) رحمه‌الله ، والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي(٣) ؛ لأنّه بنى في ملكه الذي يملك نفعه ، فلم يُجبر على قلعه مع الإضرار به ، كما لو كان لا شفعة فيه.

وقال أبو حنيفة والثوري : يُجبر على قلعه ؛ لأنّه بنى في حقّ غيره بغير إذنه ، فكان عليه قلعه ، كما لو بنى فيها وبانت مستحقَّةً(٤) .

وفرّق(٥) الأوائل بأنّه غرس في ملك غيره(٦) .

وقول أبي حنيفة عندي لا بأس به ، والبناء وإن كان في ملكه لكنّه ملكٌ غير مستقرّ ، فلا يؤثّر في منع القلع ، والقياس على عدم الشفعة باطل.

لا يقال : القسمة تقطع الشركة ، وتردّ العلقة بينهما إلى الجوار ، وحينئذٍ وجب أن لا تبقى الشفعة ؛ لاندفاع الضرر الذي كُنّا نثبت الشفعة لدفعه ، كما لا تثبت ابتداءً للجار.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٨ ، الخلاف ٣ : ٤٣٩ ، المسألة ١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦ - ١٧٧ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فرّقوا ».

(٦) المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

٢٧١

لأنّا نقول : الجوار وإن لم يكن يكتفى به في الابتداء إلّا أنّه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء ، ولم يخرّج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلاً بالشفعة ؛ لأنّ الجوار على حال ضرب اتّصال قد يؤدّي إلى التأذّي(١) بضيق المرافق وسوء الجوار ، ولذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة به.

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين تصرّف المشتري والمستعير إذا بنى في أرض المعير أو غرس. ولو كان قد زرع ، ترك زرعه إلى أن يدرك ويحصد.

وهل للشفيع أن يطالبه باُجرة بقاء الزرع؟ الأقوى : العدم ، بخلاف المستعير ، فإنّه زرع أرض الغير وقد رجع في العارية ، فكان عليه الاُجرة ، أمّا المشتري فإنّه زرع ملك نفسه واستوفى منفعته بالزراعة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : له المطالبة ، كما أنّ المعير يبقي بالاُجرة(٢) . وقد بيّنّا الفرق.

وكذا لو باع أرضاً مزروعة ، لا يطالبه المشتري بالاُجرة لمدّة بقاء الزرع.

وللشافعيّة في الصور الثلاث - صورة بيع الأرض المزروعة ، وصورة العارية ، وصورة الشفعة - وجهان في وجوب الاُجرة ، لكنّ الظاهر عندهم في صورة العارية وجوب الاُجرة ، وفي الصورتين الاُخريين المنع ؛ للمعنى الجامع لهما ، وهو أنّه استوفى منفعة ملكه(٣) .

وأمّا إذا زرع بعد المقاسمة ، فإنّ الشفيع يأخذ بالشفعة ، ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد ، لأنّ ضرره لا يبقى ، والأجرة عليه ، لأنّه زرعه‌

____________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « على حال ضرر إيصال قد يتأدّى إلى التأذّي ». وفي « ي » : « على حال ضرر أيضاً . .». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠.

٢٧٢

في ملكه.

تذنيب : إذا زرع ، لزم الشفيع إبقاء الزرع ، وحينئذٍ يجوز له تأخير الشفعة إلى الإدراك والحصاد ؛ لأنّه لا ينتفع به قبل ذلك ، ويخرج الثمن من يده ، فله في التأخير غرض صحيح ، وهو الانتفاع بالثمن إلى ذلك الوقت ، قاله بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : ويحتمل أن لا يجوز التأخير وإن تأخّرت المنفعة ، كما لو بِيعت الأرض في وسط الشتاء ، لا تؤخّر الشفعة إلى أوان الانتفاع(٢) . ولعلّ بينهما فرقاً.

ولو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحقّ بالشفعة ، ففي جواز التأخير إلى وقت القطاف وجهان للشافعيّة(٣) .

وعندي أنّه يجب الأخذ معجّلاً.

مسالة ٧٥١ : لو تصرّف المشتري بوقف أو هبة وغيرهما ، صحّ‌ ؛ لأنّه واقع في ملكه ، وثبوت حقّ التملّك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرّف ، كما أنّ حقّ التملّك للواهب بالرجوع(٤) لا يمنع تصرّف المتّهب ، وكما أنّ حقّ التملّك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرّف الزوجة.

وعن ابن سريج من الشافعيّة أنّ تصرَّفاته باطلة ؛ لأنّ للشفيع حقّاً لا سبيل إلى إبطاله ، فأشبه حقّ المرتهن(٥) .

وإذا قلنا بالصحّة على ما اخترناه نحن - وهو الظاهر من قول الشافعيّة(٦) - أنّه يُنظر إن كان التصرّف ممّا لا تثبت به الشفعة ، فللشفيع نقضه ، وأخذ‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فالرجوع ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

٢٧٣

الشقص بالشفعة ، وإلّا تخيّر بين الأخذ بالأوّل وفسخ الثاني ، وبين إمضائه والأخذ بالثاني.

وعن المروزي أنّه ليس تصرّف المشتري بأقلّ من بنائه ، فكما لا ينقض المشتري بناؤه لا ينبغي أن ينقض تصرّفه(١) .

واختلفت الشافعيّة في موضع هذا الوجه :

فمنهم مَنْ خصّصه بما تثبت فيه الشفعة من التصرّفات ، أمّا ما لا تثبت فله نقضه ، لتعذّر الأخذ به.

ومنهم مَنْ عمّم وقال : تصرّف المشتري يُبطل حقَّ الشفيع ، كما يُبطل تصرّف المشتري المفلس حقَّ الفسخ للبائع ، وتصرّف المرأة حقَّ الرجوع إلى العين إذا طلّق قبل الدخول ، وتصرّف المتّهب رجوعَ الواهب. نعم ، لو كان التصرّف بيعاً ، تجدّد حقّ الشفعة بذلك(٢) .

وعن أبي إسحاق من الشافعيّة أنّها لا تتجدّد أيضاً ؛ لأنّ تصرّف المشتري إذا كان مبطلاً للشفعة ، لا يكون مثبتاً لها ، كما إذا تحرّم(٣) بالصلاة ثمّ شكّ فجدّد نيّةً وتكبيراً ، لا تنعقد بها الصلاة ؛ لأنّه يحصل بها الحلّ فلا يحصل العقد(٤) .

ووجه ظاهر المذهب : أنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ؛ لأنّ حقّه ثابت بأصل العقد ، فلا يتمكّن المشتري من إبطاله ، ولا يشبه تصرّف المفلس وتصرّف المرأة في الصداق ، فإنّ حقّ البائع والزوج لا يبطل بالكلّيّة ، بل ينتقل إلى الثمن والقيمة ، والواهب رضي بسقوط حقّه حيث سلّمه إليه وسلّطه عليه ، وهنا لم يبطل حقّ الشفيع بالكلّيّة ، ولم يوجد منه‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أحرم » بدل « تحرّم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

٢٧٤

رضا ولا تسليم(١) .

قال بعض الشافعيّة : يجوز أن يبنى الوجهان على القولين فيما إذا عُتقت الأمة تحت عبد وطلّقها قبل أن تختار الفسخ ، هل ينفذ الطلاق؟

ووجه الشبه : أنّ الطلاق يُبطل حقّها في الفسخ ولم تسلّطه عليه ، كما ذكرنا في الشفيع(٢) .

وحكي عن بعضهم أنّه لا ينقض الشفعةَ تصرّفُ الوقف ، وينقض ما عداه(٣) .

مسالة ٧٥٢ : النخل تتبع الأرض في الشفعة‌ ، وبه قال الشافعي(٤) .

فإن طالب بالشفعة وقد زادت النخل بطولٍ وسعفٍ ، رجع في ذلك ؛ لأنّ هذه زيادة غير متميّزة ، فتبعت الأرض في الرجوع ، كسمن الجارية.

اعترض بعض الشافعيّة بأنّه كيف جعلتم النخل تبعاً للأرض في الشفعة وقد قلتم : إنّ الأرض تتبع النخل في المساقاة ، فتجوز المزارعة على ما بين النخل من البياض تبعاً للنخيل!؟

واُجيب : بأنّه يجوز أن تكون الأرض تبعاً في حكمٍ يختصّ بالنخل ، والنخل تبعاً لها في حكم آخَر يختصّ بالأرض ، وإنّما لا يجوز أن يكون الشي‌ء تابعاً ومتبوعاً في أمرٍ واحد ، وقد عرفت الكلبُ مقيس على الخنزير في النجاسة ، والخنزير مقيس عليه في الغَسْل من ولوغه عندهم(٥) .

ولو طلّق الزوج قبل الدخول وكان الصداق نخلاً وقد طالت ، لا يرجع في النصف ، لأنّ الزوج يمكنه الرجوع في القيمة إذا تعذّر الرجوع في‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤.

(٥) لم نعثر على الاعتراض والجواب عنه في المصادر المتوفّرة لدينا.

٢٧٥

العين ، والقيمة تنوب منابها ، وفي الشفعة إذا لم يرجع في ذلك ، سقط حقّه من الشفعة ، فلهذا لم يسقط من الأصل لأجل ما حدث من البائع.

إذا عرفت هذا ، فإن كان في هذه النخل طلع حدث ، نُظر فإن كان قد اُبّر وتشقّق ، كان للمشتري ؛ لأنّه بمنزلة النماء المنفصل من ملكه.

وإن كان لم يؤبّر ، فهل يتبع في الشفعة؟

أمّا عندنا فلا ؛ لاختصاص الشفعة بالبيع خاصّةً.

وأمّا عند الشافعي فقولان(١) ، كالمفلس إذا ابتاع نخلاً وحدث فيها طلع لم يؤبّر وأراد البائع الرجوع في النخل.

ويفارق ذلك البيعَ ؛ لأنّه أزال ملكه باختياره ، وكان الطلع تابعاً إذا لم يكن ظاهراً ، ويكون في الردّ بالعيب كالشفعة.

وكذلك إذا كان انتقال الملك بغير عوض - كالهبة ، وفسخ الهبة - فيه قولان(٢) .

فإن كان المشتري اشترى النخل وفيها الطلع ، فإن كان مؤبَّراً ، فإنّه لا يتبع في البيع ، وإذا اشترطه ، دخل في البيع ، ولا تثبت فيه الشفعة ، وإنّما يأخذ الأرض والنخل بحصّتهما من الثمن.

فإن كانت غير مؤبَّرة ، تبعت بمطلق العقد.

فإن أخذ الشفيع الشقص قبل أن تؤبّر الثمرة ، لم يأخذه الشفيع بالثمرة إن تجدّدت بعد الشراء.

وإن كانت موجودةً حال البيع ، فالأقوى : الدخول في الشفعة ، كما دخلت في البيع ، فصارت بمنزلة النخل في الأرض.

____________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٧٦

وإن أخذ الشقص بعد التأبير ، لم يتبعه الطلع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أخذ الشفيع الشقص قبل أن يؤبّر الطلع ، كان في الطلع القولان ؛ لأنّه لو ثبت حقّ الشفيع في هذا الطلع ، لوجب أن يأخذه وإن تشقّق ؛ لأنّ ذلك زيادة متّصلة(١) .

والغراس تبع في الشفعة ؛ لأنّه يراد للتبقية في الأرض والتأبيد.

مسالة ٧٥٣ : إذا تبايعا بثمن ثمّ زاده المشتري عليه زيادة أو نقص البائع منه شيئاً بعد العقد، فإن كان ما اتّفقا عليه من الزيادة أو الحطّ بعد لزوم البيع وانقضاء الخيار ، لم يكن للشفيع في ذلك حقّ ، ولا عليه شي‌ء لا في حطّ الكلّ ولا في حطّ البعض ؛ لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بما استقرّ عليه العقد ، والذي استقرّ عليه المسمّى.

ولو كان في زمن الخيار ، لم يلحق أيضاً الشفيع عندنا ؛ لوقوع العقد على شي‌ء ، فلا تضرّ الزيادة والنقيصة بعده.

وقال الشافعي : يثبت ذلك التغيير في حقّ الشفيع في أحد الوجهين ؛ لأنّ حقّ الشفيع إنّما ثبت إذا تمّ العقد ، وإنّما يستحقّ بالثمن الذي هو ثابت في حال استحقاقه. ولأنّ زمن الخيار بمنزلة حالة العقد ، والتغيير يلحق بالعقد ؛ لأنّهما على اختيارهما فيه كما كانا في حال العقد(٢) .

فأمّا إذا انقضى الخيار وانبرم(٣) العقد فزاد أو نقص ، لم يلحق بالعقد ؛ [ لأنّ الزيادة ](٤) لا تثبت إلّا أن تكون هبةً مقبوضةً ، والنقصان يكون‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) الوجيز ١ : ٢١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « لزم » بدل « انبرم ».

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والزيادة ». والظاهر ما أثبتناه كما في المغني والشرح الكبير.

٢٧٧

إبراءً ، ولا يثبت [ ذلك ](١) في حقّ الشفيع ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : يثبت النقصان بعد الخيار للشفيع ، ولا تثبت الزيادة وإن كانا(٣) عنده يلحقان بالعقد ، ويقول : الزيادة تضرّ بالشفيع فلم يملكها(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ ذلك تغيّر بعد استقرار العقد ، فلم يثبت في حقّ الشفيع ، كالزيادة.

والفرق ليس بصحيح ؛ لأنّ ذلك لو لحق بالعقد ، لثبت في حقّه وإن أضرّ به ، كما لو كان في زمن الخيار.

ولو حطّ كلّ الثمن في زمن الخيار ، لم يلحق الحطّ عندنا بالشفعة - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّ ذلك بمنزلة ما لو باع بلا ثمن ، فلا شفعة للشريك ؛ لأنّه يصير هبةً ، فيبطل على رأي ، ويصحّ على رأي.

أمّا إذا حطّ منه أرش العيب ، فإنّه يثبت في حقّ الشفيع ؛ لأنّه سقط بجزء فقد من المبيع ، ولهذا فاته جزء من الثمن.

مسالة ٧٥٤ : لو كان ثمن الشقص عبداً ، ثبتت الشفعة عندنا‌ ، خلافاً لبعض علمائنا وبعض الجمهور ، وقد سبق(٦) ، ويأخذ الشفيع بقيمة العبد.

فإن وجد البائع بالعبد عيباً ، فإمّا أن يكون [ قبل ](٧) أن يحدث عنده‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المغني والشرح الكبير.

(٢) المصادر في الهامش (٢) من ص ٢٧٦.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « كان » بدل « كانا ». وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٤) المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٦) في ص ٢٥٧ ، المسألة ٧٤٥.

(٧) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بعد » بدل « قبل ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٧٨

عيب أو يكون الوقوف على العيب بعد حدوث عيب عنده. فإن علمه قبل أن يحدث عنده عيب ، فإمّا أن يكون ذلك بعد أخذ الشفيع بالشفعة أو قبله.

فإن وقف عليه بعد أخذ الشفيع ، كان له ردّ العبد على المشتري ، ولم يكن له استرجاع الشقص ؛ لأنّ الشقص قد ملكه بالأخذ ، فلم يكن للبائع إبطال ملكه ، كما لو كان المشتري قد باعه ثمّ وجد البائع بالثمن عيباً ، فإنّه يردّه ، ولا يفسخ بيع المشتري ، ويرجع البائع إلى قيمة الشقص ، كذا هنا.

وقال بعض الشافعيّة : يستردّ المشتري الشقص من الشفيع ، ويردّ عليه ما أخذه ، ويسلّم الشقص إلى البائع ؛ لأنّ الشفيع نازل منزلة المشتري ، فردُّ البائع يتضمّن نقض ملكه ، كما يتضمّن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه(١) .

والمشهور عندهم(٢) ما قلناه.

فإذا دفع الشفيع قيمة العبد إلى المشتري ودفع المشتري إلى البائع قيمة الشقص ، فإن تساويا ، فلا بحث. وإن تفاوتا ، لم يرجع المشتري على الشفيع إن كانت قيمة الشقص أكثر بشي‌ء ، ولا يرجع الشفيع على المشتري إن كانت قيمة العبد أكثر - وهو أحد قولي الشافعيّة(٣) - لأنّ الشفيع أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد ، فلا يلزمه أكثر من ذلك.

والثاني : يتراجعان ؛ لأنّ المشتري استقرّ عليه عوض الشفيع قيمته ، فينبغي أن يستحقّ ذلك على الشفيع ، فيرجع كلّ مَنْ كان ما دفعه أكثر على صاحبه بالزيادة(٤) .

ولو عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو ميراث أو غير ذلك ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، وأيضاً : فتح العزيز ١١ : ٤٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ - ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

٢٧٩

لم يكن للبائع أخذه منه ، بخلاف الغاصب إذا دفع القيمة لتعذّر ردّ المغصوب ثمّ قدر عليه ، فإنّه يجب عليه ردّه على المالك ، واسترداد ما دفعه من القيمة ؛ لأنّ المالك لم يزل ملكه عن المغصوب بالتقويم ودفع القيمة ، وإنّما أخذنا القيمة للضرورة وقد زالت ، وهنا زال ملك البائع عنه وصار ملكاً للشفيع ، وانقطع حقّه عنه ، وإنّما انتقل حقّه إلى القيمة ، فإذا أخذها ، لم يبق له حقّ.

وحكى بعض الشافعيّة فيه وجهين بناءً على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل ، أو كالذي لم يعد؟(١)

وأمّا إذا كان قد علم بالعيب قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة ، فهنا حقّان ، ففي تقديم أيّهما للشافعيّة وجهان :

أحدهما : الشفيع أولى ؛ لأنّ حقّه سبق حقّ البائع في الردّ.

والثاني : البائع أولى ؛ لأنّ الشفعة تثبت لإزالة الضرر عن الشريك ، فلا نثبتها مع تضرّر البائع بإثباتها(٢) .

وحكى الجويني الجزم بتقديم البائع(٣) .

والوجه عندي : تقديم حقّ الشفيع ؛ لسبقه.

فإذا قلنا : الشفيع أحقّ ، فإنّ البائع يأخذ من المشتري قيمة الشقص ، ويرجع المشتري على الشفيع بقيمة العبد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يرجع على الشفيع بقيمة الشقص(٤) .

ولو وجد البائع العيب في العبد بعد أن حدث عنده عيب أو بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780