الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق7%

الأمالي شيخ الصدوق مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 780

الأمالي شيخ الصدوق
  • البداية
  • السابق
  • 780 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 462859 / تحميل: 8965
الحجم الحجم الحجم
الأمالي شيخ الصدوق

الأمالي شيخ الصدوق

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

الحسين بن علي، عن أخيه الحسن بن عليّ عليهم السلام، قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: إن( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) آية من فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات تمامها( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: إن الله عزّوجلّ قال لي: يا محمّد( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) (١) فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب، وجعلها بإزاء القرآن العظيم، وإن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، وإن الله عزّوجلّ خص محمّدا وشرفه بها. ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه، ما خلا سليمان عليه السلام، فإنه أعطاه منها (بسم الله الرحمن الرحيم)، ألا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت( إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ، إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) (٢) ؟

ألا فمن قرأها معتقد لموالاة محمّد وآله الطيبين، منقادا لامرهما، مؤمنا بظاهرهما وباطنهما(٣) ، أعطاه الله عزّوجلّ بكل حرف منها حسنة، كل واحدة منها أفضل له من الدنيا بما فيها من أصناف أموالها وخيراتها، ومن استمع إلى قارئ يقرؤها كان له قدر ثلث ما للقارئ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم، فإنه غنيمة، لا يذهبن أوانه، فتبقى في قلوبكم الحسرة(٤) .

٢٥٦/٤ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عليّ بن الحكم، عن المفضل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: لما نزلت هذه الآية( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ) (٥) سئل عن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: أخبرني الروح الامين أن الله لا إله غيره، إذا جمع الاولين والآخرين أتي بجهنم تقاد بألف زمام، آخذ بكل زمام مائة ألف ملك من الغلاظ

______________

(١) الحجر ١٥: ٨٧.

(٢) النمل ٢٧: ٢٩، ٣٠.

(٣) في نسخة: منقادا لامرهم، مؤمنا بظاهرها وباطنها.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٣٠١/٦٠، بحار الانوار ٩٢: ٢٢٧/٥.

(٥) الفجر ٨٩: ٢٣.

٢٤١

الشداد، لها هدة(١) وتغيظ وزفير، وإنها لتزفر الزفرة، فلولا أن الله عزّوجلّ أخرهم إلى الحساب لاهلكت الجمع، ثم يخرج منها عنق(٢) يحيط بالخلائق البر منهم والفاجر، فما خلق الله عزّوجلّ عبدا من عباده ملكا ولا نبيا إلا نادى: رب نفسي نفسي، وأنت يا نبي الله تنادي: أمتي أمتي.

ثم يوضع عليها صراط أدق من حد السيف، عليه ثلاث قناطر: أما واحدة فعليها الامانة والرحم، وأما الاخرى فعليها الصلاة، وأما الاخرى فعليها عدل رب العالمين لا إله غيره، فيكلفون الممر عليه فتحبسهم الرحم والامانة، فإن نجوا منها حبستهم الصلاة، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين عزّوجلّ، وهو قوله تبارك وتعالى:( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) (٣) .

والناس على الصراط، فمتعلق، وقدم تزل، وقدم تستمسك والملائكة حولهم ينادون: يا حليم اغفر واصفح، وعد بفضلك وسلم، والناس يتهافتون فيها كالفراش، فإذا نجا ناج برحمة الله عزّوجلّ، نظر إليها فقال: الحمد لله الذي نجاني منك بعد إياس بمنه وفضله، إن ربنا لغفور شكور(٤) .

٢٥٧/٥ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقي، عن القاسم بن محمّد الجوهري، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: الناس يمرون على الصراط طبقات، والصراط أدق من الشعر ومن حد السيف، فمنهم من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر حبوا، ومنهم من يمر مشيا، ومنهم من يمر

______________

(١) الهدة: صوت وقوع الحائط ونحوه.

(٢) أي طائفة منها.

(٣) الفجر ٨٩: ١٤.

(٤) تفسير القمي ٢: ٤٢١، بحار الانوار ٧: ١٢٥/١.

٢٤٢

متعلقا، قد تأخذ النار منه شيئا وتترك شيئا(١) .

٢٥٨/٦ - حدّثنا أحمد بن زياد الهمداني رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم ابن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن الصادق جعفر ابن محمّد عليه السلام، قال: إذا أراد الله عزّوجلّ أن يبعث الخلق أمطر السماء على الارض أربعين صباحا، فاجتمعت الاوصال ونبتت اللحوم(٢) .

٢٥٩/٧ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، عن الرضا عليّ بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ عليهم السلام، قال: رأى أميرالمؤمنين عليه السلام رجلا من شيعته بعد عهد طويل، وقد أثر السن فيه، وكان يتجلد في مشيته، فقال عليه السلام: كبر سنك يا رجل. قال: في طاعتك يا أميرالمؤمنين. فقال عليه السلام: إنك لتتجلد؟ قال: على أعدائك يا أميرالمؤمنين. فقال عليه السلام: أجد فيك بقية: قال: هي لك يا أميرالمؤمنين(٣) .

٢٦٠/٨ - قال الريان بن الصلت: وأنشدني الرضا عليه السلام لعبد المطلب:

يعيب الناس كلهم زمانا

وما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا والعيب فينا

ولو نطق الزمان بنا هجانا

وإن الذئب يترك لحم ذئب

ويأكل بعضنا بعضا عيانا(٤)

٢٦١/٩ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه الله، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن عبدالله بن القاسم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال:

______________

(١) بحار الانوار ٨: ١/٦٤.

(٢) بحار الانوار ٧: ٣٣/١.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٣٠٢/٦١، بحار الانوار ٤٢: ١٨٦/١.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ١٧٧/٥، بحار الانوار ١٥: ١٢٥/٦٤.

٢٤٣

كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران عليه السلام خرج يقتبس لاهله نارا، فكلمه الله عزّوجلّ فرجع نبيا، وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان عليه السلام، وخرج سحرة فرعون يطلبون العزة لفرعون فرجعوا مؤمنين(١) .

٢٦٢/١٠ - حدّثنا عليّ بن أحمد رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن محمّد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: قال الصادق عليه السلام: حدثني أبي، عن أبيه عليهما السلام: أن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حج حج ماشيا، وربما مشى حافيا، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور(٢) بكى، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها. وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عزّوجلّ، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله تعالى الجنة، وتعوذ به من النار، وكان عليه السلام لا يقرأ من كتاب الله عزّوجلّ:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلا قال: لبيك اللهم لبيك، ولم ير في شئ من أحواله إلا ذاكرا لله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجة، وأفصحهم منطقا.

ولقد قبل لمعاوية ذات يوم: لو أمرت الحسن بن عليّ بن أبي طالب، فصعد المنبر فخطب ليتبين للناس نقصه. فدعاه فقال له: اصعد المنبر وتكلم بكلمات تعظنا بها. فقام عليه السلام فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، وابن سيدة النساء فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنا ابن خير خلق الله، أنا ابن رسول الله، أنا ابن صاحب الفضائل، أنا ابن صاحب المعجزات والدلائل، أنا ابن أميرالمؤمنين، أنا

______________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤: ٢٨٤/٨٥٠، بحار الانوار ٧١: ١٣٤/٩.

(٢) في نسخة: في النشور.

٢٤٤

المدفوع عن حقي، أنا وأخي الحسين سيدا شباب أهل الجنة، أنا ابن الركن والمقام، أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن المشعر وعرفات.

فقال له معاوية: يا أبا محمّد، خذ في نعت الرطب ودع هذا. فقال عليه السلام: الريح تنفخه، والحر ينضجه، والبرد يطيبه. ثم عاد عليه السلام في كلامه، فقال: أنا إمام خلق الله، وابن محمّد رسول الله، فخشي معاوية أن يتكلم بعد ذلك بما يفتتن(١) به الناس، فقال: يا أبا محمّد، انزل فقد كفى ما جرى، فنزل(٢) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله.

______________

(١) في نسخة: يفتن.

(٢) بحار الانوار ٤٣: ٣٣١/١.

٢٤٥

[ ٣٤ ]

المجلس الرابع والثلاثون

مجلس يوم الثلاثاء

التاسع عشر من المحرم سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٢٦٣/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن أبي عبدالله، قال: حدثني محمّد بن تسنيم، عن العباس بن عامر، عن ابن بكير، عن سلام بن غانم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام، أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: من قم مسجدا(١) كتب الله له عتق رقبة، ومن أخرج منه ما يقذي عينا كتب الله عزّوجلّ له كفلين(٢) من رحمته(٣) .

٢٦٤/٢ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن عليّ القرشي، عن محمّد بن سنان، عن المفضل ابن عمر، عن يونس بن ظبيان، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: بينا موسى بن عمران عليه السلام يناجي ربه عزّوجلّ إذ رأى رجلا تحت ظل عرش

______________

(١) أي كنسه.

(٢) أي ضعفين.

(٣) المحاسن: ٥٦/٨٧، بحار الانوار ٨٣: ٣٨٣/٥٦.

٢٤٦

الله عزّوجلّ، فقال: يا رب، من هذا الذي قد أظله عرشك؟ فقال: هذا كان بار بوالديه، ولم يمش بالنميمة(١) .

٢٦٥/٣ - حدّثنا جعفر بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن عبدالله بن المغيرة الكوفي، قال: حدثني جدي الحسن بن علي، عن جده عبدالله بن المغيرة، عن إسماعيل بن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: عجب لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار(٢) !

٢٦٦/٤ - حدّثنا الحسين(٣) بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري(٤) ، عن محمّد بن علي، عن عيسى بن عبدالله العلوي العمري، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهما السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: اللهم ارحم خلفائي، ثلاثا. قيل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يبلغون(٥) حديثي وسنتي، ثم يعلمونها أمتي(٦) .

٢٦٧/٥ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، قال: حدثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبدالله، عن محمّد بن عليّ القرشي، عن محمّد بن سنان، عن عبدالله بن طلحة وإسماعيل بن جابر وعمار بن مروان، عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: أن عيسى بن مريم عليه السلام توجه في بعض حوائجه ومعه ثلاثة نفر من أصحابه، فمر بلبنات ثلاث من ذهب على ظهر الطريق، فقال عيسى عليه السلام لاصحابه: إن هذا يقتل الناس. ثم مضى، فقال أحدهم: إن لي

______________

(١) بحار الانوار ٧٤: ٦٥/٣٠، و ٧٥: ٢٦٣/٢.

(٢) بحار الانوار ٧٣: ٣٤٧/٣٤.

(٣) في نسخة: الحسن.

(٤) زاد في نسخة: عن محمّد بن حسان الرازي، انظر معجم رجال الحديث ١٥: ٤٥.

(٥) في البحار: يتبعون.

(٦) بحار الانوار ٢: ١٤٤/٣.

٢٤٧

حاجة. قال: فانصرف، ثم قال آخر: إن لي حاجة. فانصرف، ثم قال الآخر: لي حاجة. فانصرف، فوافوا عند الذهب ثلاثتهم، فقال اثنان لواحد: اشتر لنا طعاما. فذهب ليشتري لهما طعاما، فجعل فيه سما ليقتلهما كي لا يشاركاه في الذهب، وقال الاثنان: إذ جاء قتلناه كي لا يشاركنا. فلما جاء قاما إليه فقتلاه، ثم تغذيا فماتا، فرجع إليهم عيسى عليه السلام وهم موتى حوله، فأحياهم بإذن الله تعالى ذكره، ثم قال: ألم أقل لكم: إن هذا يقتل الناس؟!(١) .

٢٦٨/٦ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن محمّد بن أبي الهزهاز، عن عليّ بن السري، قال: سمعت أبا عبدالله الصادق عليه السلام يقول: إن الله عزّوجلّ جعل أرزاق المؤمنين من حيث لم يحتسبوا، وذلك أن العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه(٢) .

٢٦٩/٧ - حدّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم رحمه الله، قال حدّثنا أبي، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: درهم ربا أعظم عند الله من ثلاثين زنية كلها بذات محرم مثل خالة وعمة(٣) .

٢٧٠/٨ - حدّثنا عليّ بن محمّد بن الحسن القزويني المعروف بابن مقبرة، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله الحضرمي، قال: حدّثنا جندل بن والق، قال: حدّثنا محمّد ابن عمر المازني، عن عباد الكليبي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين، عن فاطمة الصغرى، عن الحسين بن علي، عن أمه فاطمة بنت محمّد (صلوات الله عليهم)، قالت: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عشية عرفة فقال: إن الله تبارك وتعالى باهى

______________

(١) بحار الانوار ١٤: ٢٨٤/٥.

(٢) الكافي ٥: ٨٤/٤، التهذيب ٦: ٣٢٨/٩٠٥، من لا يحضره الفقيه ٣: ١٠١/٣٩٥، التوحيد: ٤٠٢/٨، بحار الانوار ٩٣: ٢٨٩/٧.

(٣) بحار الانوار ١٠٣: ١١٦/٥.

٢٤٨

بكم وغفر لكم عامة، ولعلي خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، هذا جبرئيل يخبرني أن السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب عليا في حياته وبعد موته، وأن الشقي كل الشقي حق الشقي من أبغض عليا في حياته وبعد وفاته(١) .

٢٧١/٩ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدّثنا أبوسعيد السكري، قال: أخبرنا محمّد بن زكريا، قال: حدّثنا العباس بن بكار، قال: حدّثنا عبدالله بن المثنى، عن عمه ثمامة بن عبدالله، عن أنس بن مالك، عن أمه، قالت: ما رأت فاطمة عليهما السلام دما في حيض ولا في نفاس(٢) .

٢٧٢/١٠ - حدّثنا أحمد بن زياد الهمداني رحمه الله، قال: حدثني عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مهران، عن درست بن أبي منصور، عن عيسى بن بشير، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: لما حضرت عليّ بن الحسين عليهما السلام الوفاة ضمني إلى صدره، ثم قال: يا بني، أوصيك بما أوصاني به أبي عليه السلام حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أن أباه أوصاه به، فقال: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله(٣) .

٢٧٣/١١ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن الحارث بن المغيرة النصري، قال: سمعت أبا عبدالله الصادق عليه السلام يقول: من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أربعين مرة في دبر كل صلاة فريضة قبل أن يثني رجليه، ثم سأل الله أعطي ما سأل(٤) .

٢٧٤/١٢ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن حمدان المكتب، قال: حدّثنا أبوعبدالله محمّد بن عبد الرحمن الصفار، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى الدامغاني، قال:

______________

(١) بحار الانوار ٢٧: ٧٤/١.

(٢) بحار الانوار ٤٣: ٢١/٩.

(٣) الخصال: ١٦/٥٩، بحار الانوار ٧٥: ٣٠٨/١، ٢.

(٤) بحار الانوار ٨٦: ٢١/١٩.

٢٤٩

حدثنا يحيى بن المغيرة، قال: حدّثنا جرير، عن الاعمش، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ليلة أسري بي إلى السماء أخذ جبرئيل بيدي، فأدخلني الجنة، وأجلسني على درنوك(١) من درانيك الجنة، فناولني سفرجلة، فانفلقت بنصفين، فخرجت منها حوراء كأن أشفار عينيها مقاديم(٢) النسور، فقالت: السلام عليك يا أحمد، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا محمّد. فقلت: من أنت يرحمك الله؟ قالت: أنا الراضية المرضية، خلقني الجبار من ثلاثة أنواع: أسفلي من المسك، وأعلاي من الكافور، ووسطى من العنبر، وعجنت بماء الحيوان، قال الجليل: كوني، فكنت، خلقت لابن عمك ووصيك ووزيرك عليّ بن أبي طالب عليه السلام(٣) .

٢٧٥/١٣ - حدّثنا الحسين بن عليّ بن شعيب الجوهري رضي الله عنه، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدّثنا بكر بن عبدالله بن حبيب، قال: حدّثنا الفضل بن الصقر العبدي، قال: حدّثنا أبومعاوية، عن الاعمش، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعليه خميصة(٤) وقد اشتمل بها، فقيل: يا رسول الله، من كساك هذه القميصة؟ فقال: كساني حبيبي وصفيي، وخاصتي وخالصتي، والمؤدي عني، ووصيي ووارثي وأخي، وأول المؤمنين إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأسمح الناس كفا، سيد الناس بعدي، قائد الغر المحجلين، إمام أهل الارض عليّ بن أبي طالب، فلم يزل يبكي حتى ابتل الحصى من دموعه شوقا إليه(٥) .

٢٧٦/١٤ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن

______________

(١) الدرنوك: ماله خمل من بساط أو ثوب.

(٢) المقاديم: الريش الذي في مقدم جناح الطائر، وتسمى القوادم أيضا.

(٣) بحار الانوار ١٨: ٣٣٢/٣٥، و ٤٠: ٤/٨.

(٤) المخميصة: كساء أسود مربع له علمان.

(٥) بحار الانوار ٣٨: ٩٦/١٣.

٢٥٠

إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، قال: حدثني أبوالصلت عبد السلام بن صالح، قال: حدثني محمّد بن يوسف الفريابي، عن سفيان، عن الاوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن حبيب بن الجهم، قال: لما رحل بنا عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى بلاد صفين، نزل بقرية يقال لها صندوداء، ثم أمرنا فعربنا عنها، ثم عرس(١) بنا في أرض بلقع(٢) ، فقام إليه مالك بن الحارث الاشتر، فقال: يا أميرالمؤمنين، أتنزل الناس على غير ماء! فقال: يا مالك، إن الله عزّوجلّ سيسقينا في هذا المكان ماء أعذب من الشهد، وألين من الزبد الزلال، وأبرد من الثلج، وأصفى من الياقوت، فتعجبنا ولا عجب من قول أميرالمؤمنين عليه السلام.

ثم أقبل يجر رداءه، وبيده سيفه، حتى وقف على أرض بلقع، فقال: يا مالك، احتفر أنت وأصحابك. فقال مالك: احتفرنا فإذا نحن بصخرة سوداء عظيمة، فيها حلقة تبرق كاللجين(٣) ، فقال لنا: روموها، فرمناها بأجمعنا ونحن مائة رجل، فلم نستطع أن نزيلها عن موضعها، فدنا أميرالمؤمنين عليه السلام رافعا يده إلى السماء يدعو، وهو يقول: طاب طاب مريا عالم طيبوا ثابوثه شمثيا(٤) كوبا حاحانو ثاتو ديثابر حوثا، آمين آمين رب العالمين، رب موسى وهارون، ثم اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعا.

قال مالك بن الحارث الاشتر: فظهر لنا ماء أعذب من الشهد، وأبرد من الثلج، وأصفى من الياقوت، فشربنا وسقينا، ثم رد الصخرة وأمرنا أن نحثو عليها التراب، ثم ارتحل، فما سرنا إلا غير بعيد، قال: من منكم يعرف موضع العين؟ فقلنا: كلنا، يا أميرالمؤمنين.

فرجعنا فطلبنا العين فخفي مكانها علينا أشد خفاء، فظننا أن أمير

______________

(١) عرس المسافرون: نزلوا آخر الليل للراحة.

(٢) أي خالية من كل شئ.

(٣) اللجين: الفضة.

(٤) في نسخة: شتميا، وفي اخرى: شميتا.

٢٥١

المؤمنين عليه السلام قد رهقه العطش، فأومأنا بأطرافنا، فإذا نحن بصومعة(١) راهب فدنونا منها، فإذا نحن براهب قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فقلنا: يا راهب، عندك ماء نسقي منه صاحبنا. قال: عندي ماء قد استعذبته منذ يومين. فأنزل إلينا ماء مرا خشنا(٢) ، فقلنا: هذا قد استعذبته منذ يومين! فكيف لو شربت من الماء الذي سقانا منه صاحبنا؟ وحدثناه بالامر، فقال: صاحبكم هذا نبي؟ قلنا: لا، ولكنه وصي نبي. فنزل إلينا بعد وحشته منا، وقال: انطلقوا بي إلى صاحبكم. فانطلقنا به، فلما بصر به أميرالمؤمنين عليه السلام، قال: شمعون؟ قال الراهب: نعم شمعون، هذا اسم سمتني به أمي، ما أطلع عليه أحد إلا الله تبارك وتعالى، ثم أنت، فكيف عرفته، فأتم حتى أتمه لك؟ قال: وما تشاء يا شمعون؟ قال: هذا العين واسمه. قال: هذا عين راحوما وهو من الجنة، شرب منه ثلاثمائة وثلاثة عشر وصيا وأنا آخر الوصيين شربت منه. قال الراهب: هكذا وجدت في جميع كتب الانجيل، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمّدا رسول الله، وأنك وصي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.

ثم رحل أميرالمؤمنين عليه السلام والراهب يقدمه حتى نزل صفين، ونزل معه بعابدين(٣) والتقى الصفان، فكان أول من أصابته الشهادة الراهب، فنزل أميرالمؤمنين عليه السلام وعيناه تهملان وهو يقول: المرء مع من أحب، الراهب معنا يوم القيامة، ورفيقي في الجنة(٤) .

٢٧٧/١٥ - حدّثنا محمّد بن أحمد السناني رحمه الله، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدّثنا بكر بن عبدالله بن حبيب، قال: حدّثنا الفضل بن الصقر العبدي، قال: حدّثنا أبومعاوية، عن سليمان بن مهران الاعمش، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين عليهم السلام، قال:

______________

(١) الصومعة: متعبد الناسك، وبيت العبادة عند النصارى.

(٢) في نسخة: خشينا.

(٣) في نسخة: بعاندين.

(٤) بحار الانوار ٣٣: ٣٩/٣٨١.

٢٥٢

نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان أهل الارض كما أن النجوم أمان لاهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الارض إلا بإذنه، وبنا يمسك الارض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وبنا ينشر الرحمة، ويخرج بركات الارض، ولولا ما في الارض منا لساخت بأهلها.

قال عليه السلام: ولم تخل الارض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها، ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبدالله. قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب(١) .

٢٧٨/١٦ - وأنشدنا الشيخ الجليل أبوجعفر لبعضهم:

العالم العاقل ابن نفسه

أغناه جنس علمه عن جنسه

كم بين من تكرمه لغيره

وبين من تكرمه لنفسه(٢)

وصلّى الله على رسوله محمّد المصطفى وآله الطاهرين وسلم تسليما

______________

(١) كمال الدين وتمام النعمة: ٢٠٧/٢٢، بحار الانوار ٢٣: ٥/١٠.

(٢) بحار الانوار ٢: ١٤.

٢٥٣

[ ٣٥ ]

المجلس الخامس والثلاثون

مجلس يوم الجمعة

الثاني والعشرين من المحرم سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٢٧٩/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه، عن عمه محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبي الحسن عليّ بن الحسين البرقي، عن عبدالله بن جبلة، عن معاوية بن عمار، عن الحسن بن عبدالله، عن أبيه، عن جده الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقالوا: يا محمّد، أنت الذي تزعم أنك رسول الله، وأنك الذي يوحى إليك كما أوحي إلى موسى بن عمران عليه السلام؟ فسكت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ساعة، ثم قال: نعم، أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا خاتم النبيين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين.

قالوا: إلى من، إلى العرب، أم إلى العجم، أم إلينا؟ فأنزل الله عزّوجلّ هذه الآية (قل) يا محمّد (يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)(١) .

قال اليهودي الذي كان أعلمهم: يا محمّد، إني أسألك عن عشر كلمات أعطى

______________

(١) الاعراف ٧: ١٥٨.

٢٥٤

الله عزّوجلّ موسى بن عمران في البقعة المباركة حيث ناجاه، لا يعلمها إلا نبي مرسل أو ملك مقرب. قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: سلني. قال: أخبرني - يا محمّد - عن الكلمات التي اختارهن الله لابراهيم حيث بنى البيت. قال: النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: نعم، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

قال اليهودي: فبأي شئ بنى هذه الكعبة مربعة؟ قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: بالكلمات الاربع.

قال: لاي شئ سميت الكعبة؟ قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لانها وسط الدنيا.

قال اليهودي: أخبرني عن تفسير: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: علم الله عزّوجلّ أن بني آدم يكذبون على الله، فقال: سبحان الله، تبريا مما يقولون، وأما قوله: الحمد لله، فإنه علم أن العباد لا يؤدون شكر نعمته، فحمد نفسه قبل أن يحمدوه، وهو أول الكلام، لو لا ذلك لما أنعم الله على أحد بنعمته، وقوله: لا إله إلا الله، يعني وحدانيته، لا يقبل الله الاعمال إلا بها، وهي كلمة التقوى، ويثقل الله بها الموازين يوم القيامة، وأما قوله: والله أكبر، فهي كلمة أعلى الكلمات وأحبها إلى الله عزّوجلّ، يعني أنه ليس شئ أكبر مني، لاتفتتح الصلوات إلا بها لكرامتها على الله وهو الاسم الاكرم.

قال اليهودي: صدقت يا محمّد، فما جزاء قائلها؟

قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: إذا قال العبد: سبحان الله، سبح معه ما دون العرش فيعطى قائلها عشر أمثالها، وإذا قال: الحمد لله، أنعم الله عليه بنعيم الدنيا موصولا بنعيم الآخرة، وهي الكلمة التي يقولها أهل الجنة إذا دخلوها، وينقطع الكلام الذي يقولونه في الدنيا ما خلا الحمد لله، وذلك قوله عزّوجلّ:( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّـهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (١) . وأما قوله: لا إله

______________

(١) يونس ١٠: ١٠.

٢٥٥

إلا الله، فالجنة جزاؤه، وذلك قوله عزّوجلّ:( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) (١) يقول: هل جزاء لا إله إلا الله إلا الجنة.

فقال اليهودي: صدقت يا محمّد، قد أخبرت واحدة، فتأذن لي أن أسألك الثانية. فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: صلني عما شئت، وجبرئيل عن يمين النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: وميكائيل عن يساره يلقنانه، فقال اليهودي: لاي شئ سميت محمّدا وأحمد وأبا القاسم وبشيرا ونذيرا وداعيا؟

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أما محمّد فإني محمود فإني في الارض، وأما أحمد فإني محمود في السماء، وأما أبوالقاسم فإن الله عزّوجلّ يقسم يوم القيامة قسمة النار، فمن كفر بي من الاولين والآخرين ففي النار، ويقسم قسمة الجنة، فمن آمن بي وأقر بنبوتي ففي الجنة، وأما الداعي فإني أدعوا الناس إلى دين ربي، وأما النذير فإني أنذر بالنار من عصاني، وأما البشير فإني ابشر بالجنة من أطاعني.

قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن الله عزّوجلّ، لاي شئ وقت هذه الخمس صلوات في خمس مواقيت على أمتك في ساعات الليل والنهار؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن الشمس إذا طلعت عند الزوال، لها حلقة تدخل فيها، فإذا دخلت فيها زالت الشمس، فيسبح كل شئ دون العرش لوجه ربي، وهي الساعة التي يصلي علي فيها ربي، ففرض الله عزّوجلّ علي وعلى أمتي فيها الصلاة، وقال:( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٢) وهي الساعة التي يؤتى فيها بجهنم يوم القيامة، فما من مؤمن يوفق تلك الساعة أن يكون ساجدا أو راكعا أو قائما إلا حرم الله عزّوجلّ جسده على النار.

وأما صلاة العصر، فهي الساعة التي أكل فيها آدم من الشجرة، فأخرجه الله من الجنة، فأمر الله ذريته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة، واختارها لامتي، فهي من أحب

______________

(١) الرحمن ٥٥: ٦٠.

(٢) الاسراء ١٧: ٧٨.

٢٥٦

الصلوات إلى الله عزّوجلّ، وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات.

وأما صلاة المغرب، فهي الساعة التي تاب الله فيها على آدم، وكان بين ما أكل من الشجرة، وبين ما تاب الله عليه ثلاثمائة سنة من أيام الدنيا، وفي أيام الآخرة يوم كألف سنة، من وقت صلاة العصر إلى العشاء، فصلى آدم ثلاث ركعات: ركعة لخطيئته، وركعة لخطيئة حواء، وركعة لتوبته، فافترض الله عزّوجلّ هذه الثلاث ركعات على أمتي، وهي الساعة التي يستجاب فيها الدعاء، فوعدني ربي أن يستجيب لمن دعاه فيها، وهذه الصلاة التي أمرني بها ربي عزّوجلّ، فقال( سُبْحَانَ اللَّـهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) (١) .

وأما صلاة العشاء الآخرة، فإن للقبر ظلمة، وليوم القيامة ظلمة، أمرني الله وأمتي بهذه الصلاة في ذلك الوقت، لتنور لهم القبور، وليعطوا النور على الصراط، وما من قدم مشت إلى صلاة العتمة إلا حرم الله جسدها على النار، وهي الصلاة التي اختارها الله للمرسلين قبلي.

وأما صلاة الفجر، فإن الشمس إذا طلعت تطلع على قرني الشيطان، فأمرني الله عزّوجلّ أن أصلي صلاة الفجر قبل طلوع الشمس، وقبل أن يسجد لها الكافر، فتسجد أمتي لله، وسرعتها أحب إلى الله، وهي الصلاة التي تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار.

قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني لاي شئ توضأ هذه الجوارح الاربع، وهي أنظف المواضع في الجسد؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لما أن وسوس الشيطان إلى آدم، ودنا آدم من الشجرة ونظر إليها، ذهب ماء وجهه، ثم قام، وهو أول قدم مشت إلى الخطيئة، ثم تناول بيده، ثم مسها فأكل منها، فطار الحلي والحلل عن جسده، ثم وضع يده على أم رأسه وبكى، فلما تاب الله عزّوجلّ عليه، فرض الله عزّوجلّ عليه وعلى ذريته الوضوء

______________

(١) الروم ٣٠: ١٧.

٢٥٧

على هذه الجوارح الاربع، وأمره أن يغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة، وأمره بغسل الساعدين إلى المرفقين لما تناول منها وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على رأسه، وأمره بمسح القدمين لما مشى إلى الخطيئة، ثم سن على أمتي المضمضة لتنقي القلب من الحرام، والاستنشاق لتحرم عليهم رائحة النار ونتنها.

قال اليهودي: صدقت يا محمّد، فما جزاء عاملها؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أول ما يمس الماء يتباعد عنه الشيطان، فإذا تمضمض نور الله قلبه ولسانه بالحكمة، فإذا استنشق آمنه الله من النار ورزقه رائحة الجنة، فإذا غسل وجهه بيض الله وجهه يوم تبيض فيه وجوه وتسود وجوه، وإذا غسل ساعديه حرم الله عليه أغلال النار، وإذا مسح رأسه مسح الله عنه سيئاته، وإذا مسح قدميه أجازه الله على الصراط يوم تزل فيه الاقدام.

قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن الخامسة، لاي شئ أمر الله بالاغتسال من الجنابة، ولم يمر من البول والغائط؟

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن آدم لما آكل من الشجرة دب ذلك في عروقه وشعره وبشره، فإذا جامع الرجل أهله خرج الماء من كل عرق وشعرة، فأوجب الله على ذريته الاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة، والبول يخرج من فضلة الشراب الذي يشربه الانسان، والغائط يخرج من فضلة الطعام الذي يأكله، فعليهم منهما الوضوء.

قال اليهودي: صدقت يا محمّد، فأخبرني ما جزاء من اغتسل من الحلال؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن المؤمن إذا جامع أهله بسط سبعون ألف ملك جناحه، وتنزل الرحمة، فإذا اغتسل بنى الله له بكل قطرة بيتا في الجنة، وهو سر فيما بين الله وبين خلقه - يعني الاغتسال من الجنابة -.

قال اليهودي: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن السادسة، عن خمسة أشياء مكتوبات في التوراة، أمر الله بني إسرائيل أن يقتدوا بموسى فيها من بعده.

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: فأنشدتك بالله إن أنا أخبرتك تقر لي؟ قال اليهودي:

٢٥٨

نعم يا محمّد.

قال: فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أول ما في التوراة مكتوب محمّد رسول الله، وهي بالعبرانية: طاب، ثم تلا رسول الله هذه الآية( يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ ) (١) ، و( مُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) (٢) ، وفي السطر الثاني اسم وصيي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، والثالث والرابع سبطي الحسن والحسين، وفي السطر الخامس أمهما فاطمة سيدة نساء العالمين، وفي التوراة اسم وصيي أليا، واسم سبطي شبر وشبير، وهما نورا فاطمة.

فقال اليهودي: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن فضلكم أهل البيت.

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لي فضل على النبيين، فما من نبي إلا دعا على قومه بدعوة، وأنا أخرت دعوتي لامتي لاشفع لهم يوم القيامة، وأما فضل أهل بيتي وذريتي على غيرهم كفضل الماء على كل شئ، وبه حياة كل شئ وحب أهل بيتي وذريتي استكمال الدين، وتلا رسول الله هذه الآية( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) (٣) إلى آخر الآية.

قال اليهودي: صدقت يا محمّد، فأخبرني بالسابع: ما فضل الرجال على النساء؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: كفضل السماء على الارض، وكفضل الماء على الارض، فبالماء تحيا الارض، وبالرجال تحيا النساء، لولا الرجال ما خلق النساء، لقول الله عزّوجلّ:( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ) (٤) .

قال اليهودي: لاي شئ كان هكذا؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: خلق الله عزّوجلّ آدم من طين، ومن فضلته وبقيته

______________

(١) الاعراف ٧: ١٥٧.

(٢) الصف ٦١: ٦.

(٣) المائدة ٥: ٣.

(٤) النساء ٤: ٣٤.

٢٥٩

خلقت حواء، وأول من أطاع النساء آدم فأنزله الله من الجنة، وقد بين فضل الرجال على النساء في الدنيا، ألا ترى إلى النساء كيف يحضن ولا يمكنهن العبادة من القذارة، والرجال لا يصيبهم شئ من الطمث!

قال اليهودي: صدقت يا محمّد، فأخبرني لاي شئ فرض الله عزّوجلّ الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوما، وفرض على الامم أكثر من ذلك؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن آدم لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما، ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله عزّوجلّ عليهم، وكذلك كان على آدم، ففرض الله عزّوجلّ على امتي ذلك، ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هذه الآية( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ، أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ) (١) .

قال اليهودي: صدقت يا محمّد، فما جزاء من صامها؟

فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله له سبع خصال: أولها: يذوب الحرام في جسده، والثانية يقرب من رحمة الله، والثالثة: يكون قد كفر خطيئة أبيه آدم، والرابعة: يهون الله عليه سكرات الموت، والخامسة: أمان من الجوع والعطش يوم القيامة، والسادسة: يعطيه الله براءة من النار، والسابعة: يطعمه الله من ثمرات الجنة.

قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن التاسعة، لاي شئ أمر الله بالوقوف بعرفات بعد العصر؟

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن العصر هي الساعة التي عصى فيها آدم ربه، ففرض الله عزّوجلّ على امتي الوقوف والتضرع والدعاء في أحب المواضع إليه، وتكفل لهم بالجنة، والساعة التي ينصرف فيها الناس هي الساعة التي تلقى فيها آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم.

______________

(١) البقرة ٢: ١٨٣، ١٨٤.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

وأمّا إذا وصل إقراره فقال : علَيَّ ، أو : عندي ألف وديعة هلكت ، فللشافعيّة قولان(١) ، كما في قوله : علَيَّ ألف قضيتُها.

ولو فصل فقال : له علَيَّ ألف ، وسكت ، ثمّ قال مفصولاً : وديعة هلكت ، لم يُقبل قولاً واحداً ؛ لأنّه فسّر إقراره بما يرفعه منفصلاً.

مسألة ٩٧٣ : لو قال : لفلان علَيَّ ألف وديعة ، قُبِل على ما تقدّم من الخلاف.

فعلى القبول لو جاء بألف وقال : هذا هو ، قنع به.

وإن لم يأت بشي‌ء وادّعى التلف أو الردّ ، ففي القبول للشافعيّة وجهان مبنيّان على تأويل كلمة « علَيَّ » إن حملناها على وجوب الحفظ قُبِل ، وهو الأصحّ عندهم. وإن حملناها على صيرورته مضموناً عليه فلا(٢) .

ولو قال : معي ، أو : عندي ألف ، فهو محتمل للأمانة ، فيُصدَّق في قوله : إنّه كان وديعةً ، وفي دعوى التلف والردّ.

ولو قال : له عندي ألف درهم مضاربة دَيْناً ، أو وديعة دَيْناً ، فهو مضمون عليه ، ولا يُقبل قوله في دعوى الردّ والتلف على ما تقدّم.

هذا إذا فسّر منفصلاً ، وإن فسّره متّصلاً ، ففيه للشافعيّة قولا تبعيض الإقرار(٣) .

مسألة ٩٧٤ : يجوز عندنا إعارة الدراهم والدنانير ؛ لأنّه قد يمكن الانتفاع بها وردّ عينها إن كان يتجمّل بها.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

٤٢١

وللشافعي قولان :

أحد هما : هذا.

والثاني : المنع ؛ لأنّه لا ينتفع بها مع بقاء عينها انتفاعاً مقصوداً(١) .

وقد وافقنا على أنّها مضمونة(٢) .

أمّا عندنا : فلأنّ العارية وإن لم تكن مضمونةً لكن لنا نظر في ضمان عارية الدراهم والدنانير، وكان الأصل فيه أنّ الانتفاع التامّ بها إنّما يكون بإتلافها ، فلهذا وقعت العارية فيه مضمونةً.

وأمّا عند الشافعي : فلأنّ العارية مطلقاً مضمونة(٣) .

فعلى كلا التقديرين - أعني تقدير صحّة العارية فيها وفسادها - تكون مضمونةً ؛ لأنّ حكم الضمان يستوي فيه الصحيح والفاسد من العقود ، فإذا كان صحيح العقد يقتضي الضمان ، كان فاسده كذلك ، وإن لم يقتضِ فلا.

إذا عرفت هذا ، فإذا أقرّ بألف عارية ، كان الألف مضمونةً عليه.

مسألة ٩٧٥ : لو قال : دفع إلَيَّ ألفاً ، ثمّ فسّره بوديعةٍ ، وزعم تلفها في يده ، صُدّق بيمينه‌ ؛ لأنّ الدفع لا يستلزم الثبوت في الذمّة ، فقُبل تفسيره بالوديعة وبالتلف.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٦٦ ، الوسيط ٣ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ١٣ : ٤٣٤ ، و ٦ : ٤٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٢.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٦٦ ، الوسيط ٣ : ٣٥١ و ٣٦٨ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ و ٢٨٠ ، البيان ١٣ : ٤٣٤ ، و ٦ : ٤٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ و ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠ و ٧٢.

(٣) نفس المصادر.

٤٢٢

ولو قال : أخذتُ منه ألفاً وديعة ، فكذلك - وبه قال الشافعي(١) - إذ لا فرق بين الدفع والأخذ.

وقال أبو حنيفة : إذا قال : أخذتُ منه ألفاً ، ثمّ فسّره بوديعةٍ ، وقال المأخوذ منه : بل غصبتَه ، فالقول قول الـمُقرّ له ؛ لأنّ الأخذ منه قد لا يكون برضاه ، والدفع قد يكون برضاه(٢) . وبه قال بعض الشافعيّة(٣) .

ولو ذكره على الاتّصال فقال : أخذتُ من فلان ألفاً وديعة ، لم يُقبل عند أبي حنيفة(٤) .

وعلى قول بعض الشافعيّة يجي‌ء(٥) فيه الوجهان في تبعيض الإقرار(٦) .

ولو قال : أودعني ألفاً فلم أقبضها ، أو : أقرضني ، أو : أعطاني فلم أقبض ، قُبِل قوله مع الاتّصال ، ولم يُقبَل مع الانفصال ، على إشكالٍ.

وكذا إذا قال : نقدني ألفاً فلم أقبضها ، وبهذا قال الشافعي(٧) .

وقال أبو يوسف : لا يُصدَّق ؛ لأنّ « نقدني » يُفهم منه القبض ، ولهذا يقولون : بِعْ بالنقد ، ويريدون : بالقبض(٨) .

وهو غلط ؛ لأنّه أضاف ذلك إلى المُقرّ له ، فصار بمنزلة قوله : أعطاني‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٢) بدائع الصنائع ٧ : ٢١٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨.

(٥) في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة : « يجري » بدل « يجي‌ء ».

(٦) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٧) البيان ١٣ : ٤٤٠ ، المغني ٥ : ٣١١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢١.

(٨) المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٢٤ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٠.

٤٢٣

وأقرضني.

المطلب الثالث : في تعقيب الإقرار بالعارية والهبة بعدم القبض أو بعدم الفهم

مسألة ٩٧٦ : إذا قال : لك هذه الدار عارية ، فهو إقرار بالإعارة ، وله(١) الرجوع فيها متى شاء ، وبه قال جماعة من الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : قوله : « هي لك » إقرار بالملك لو اقتصر [ عليه ](٣) فذِكْرُ العارية بعده ينافيه ، فيكون على القولين في تبعيض الإقرار(٤) .

وردّه قومٌ بأنّ الإضافة باللام تقتضي الاختصاص بالملك أو غيره ، فإذا تُجرَّد وأمكن الحمل على الملك ، يُحمل عليه ؛ لأنّه أظهر وجوه الاختصاص. وإن وصل بها ذِكْر وجهٍ آخَر من الاختصاص ، أو لم يمكن الحمل على الملك ، كقولنا : « الجلّ للفرس » حُمل عليه(٥) .

ولو قال : « هذه الدار لك هبة عاريةٍ » بإضافة الهبة إلى العارية ، أو : « هبة سكنى » فهو كما لو قال : « لك عارية » بغير فرقٍ.

وإذا ثبت أنّها عارية ، كان له الرجوع في العارية فيرجع(٦) في المستقبل ، فأمّا ما استوفاه من المنفعة فلا.

____________________

(١) في « ر » والطبعة الحجريّة : « فله » بدل « وله ».

(٢) الوسيط ٣ : ٣٥١ ، البيان ١٣ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) الوسيط ٣ : ٣٥١ - ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « فيقبل » بدل « فيرجع ».

٤٢٤

فإن قيل : قوله : « هذه الدار لك » إقرار بها ، فإذا قال : « هبة سكنى » كان رجوعاً عن إقراره بالدار.

قلنا : إنّ قوله : « هذه الدار لك » يكون إقراراً بها إذا سكت ، فإذا قال له : « لك سكناها » كان إقراراً بالسكنى. ولأنّ سكنى الدار منافعها ، والمنافع منها ، فكأنّه استثنى أكثر الجملة ، وهو جائز.

مسألة ٩٧٧ : الإقرار بالهبة لا يتضمّن الإقرار بالقبض ؛ لتغايرهما ، وعدم التلازم بينهما ، وكون القبض شرطاً في لزوم الهبة لا يوجب كونه شرطاً(١) في تحقّق حقيقتها ، وكيف لا! والهبة متقدّمة على القبض ، ولا يجوز اشتراط المتأخّر في المتقدّم ، وإلّا دارَ ؛ لتقدّم الشرط على المشروط.

وهذا هو المشهور أيضاً عند الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : إذا أقرّ بالهبة ثمّ قال : ما كنتُ أقبضتُه فلي الرجوع ، وقال الموهوب له : كنتُ قبضتُها ، فالقول قول الواهب ؛ لأصالة عدم القبض ، والإقرار بالهبة لا يتضمّن القبض(٣) .

ومن الشافعيّة مَنْ قال : إنّ الشافعي قال : إذا كانت العين في يد الموهوب له ، كان القولُ قولَ الموهوب له.

وهذا قاله على القول الذي يقول : إنّه إذا وهب له شيئاً في يده لا يحتاج إلى الإذن في القبض ، وإذا مضى زمان يمكن فيه القبض صار مقبوضاً(٤) .

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « اشتراطه » بدل « كونه شرطاً ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٩٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٧.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٩٤ - ٢٩٥.

٤٢٥

ولو قال : وهبتُه وخ رجتُ منه إليه ، فقد تقدّم(١) أنّ الظاهر أنّه ليس إقراراً بالقبض أيضاً.

وكذا لو قال : وهبتُ منه ومَلَكها ، أو ملّكتُه ، لم يكن إقراراً بالقبض إن اعتقد رأي مالك(٢) ، وإلّا كان إقراراً به.

مسألة ٩٧٨ : لو أقرّ بالهبة والقبض معاً ، فقال : وهبتُه وأقبضتُ ، أو : سلّمتُه منه ، أو : حازه(٣) منّي ، لزمه الإقرار ، وحُكم عليه بمقتضاه ، فإن عاد وأنكر القبض ، لم يُلتفت إلى إنكاره ؛ لاشتماله على تكذيب نفسه ، سواء ذكر لإقراره تأويلاً - بأن يقول : كان وكيلي أخبرني بأنّه أقبضه فأقررتُ به ولم يكن قد قبّض - أو لم يذكر.

ولو قال : إنّي أقررتُ بالقبض ؛ لقضاء العادة بالإقرار بالشي‌ء قبل تحقّقه فأحلفوه على أنّه قبضه(٤) ، كان له إحلافه ، وبه قال الشافعي(٥) .

وقال أبو إسحاق : إن لم يكذّب نفسه ، أُحلف له ، بأن يقول : كان وكيلي أخبرني بأنّه كان قبّضه فأقررتُ به(٦) .

والشافعي لم يفرّق بين الحالين ؛ لأنّ العادة جرت أن يشهد قبل أن يقبض ليقبض بعد ذلك المقبوض منه.

وكذا قبض الثمن والرهن والوقف.

وكذا لو أقرّ أنّه اقترض منه ألفاً وقبضها ، ثمّ قال : ما كنتُ قبضتُ‌

____________________

(١) في ص ٣٨٢ ، ضمن المسألة ٩٤٤.

(٢) وهو لزوم الهبة بالإيجاب والقبول ، راجع : الهامش (٣) من ص ٣٨٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أخذه » بدل « حازه ».

(٤) في « ج » : « على أنّي قبّضتُه ». وكذا في « ث ، ر » بدون « على ».

(٥) مختصر المزني : ١١٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٩٤ ، البيان ٨ : ١٠١.

(٦) بحر المذهب ٨ : ٢٩٤.

٤٢٦

وإنّما أقررتُ على ر سم الشهادة لأقبض ، كان على الـمُقرّ له اليمين ؛ لأنّ ذلك محتمل بحكم العادة.

ولو شهدت البيّنة بالقبض ، ثمّ قال : احلفوه أنّي أقبضتُه ، لم تُسمع دعواه ؛ لأنّه طعن في البيّنة.

هذا إذا شهدت البيّنة بمشاهدة القبض ، ولو شهدت بالإقرار به ، فهو كما تقدّم.

مسألة ٩٧٩ : لو أقرّ ببيعٍ أو هبةٍ وقبْضٍ ، ثمّ قال : كان ذلك فاسداً وأقررتُ لظنّي الصحّة ، لم يُصدَّق ، لكن له تحليف الـمُقرّ له ، فإن نكل حلف المـُقرّ ، وحُكم ببطلان البيع والهبة.

ولو أقرّ بإتلاف مالٍ على إنسانٍ وأشهد عليه ، ثمّ قال : كنتُ عازماً على الإتلاف فقدّمتُ الإشهاد على الإتلاف ، لم يُقبل منه بحال ، بخلاف ما لو أشهد على نفسه بدَيْنٍ ، ثمّ قال : كنتُ عازماً على أن أستقرض منه فقدّمتُ الإشهادَ على الاستقراض ؛ لأنّ هذا معتاد ، وذلك غير معتاد.

والوجه عندي : تساوي الصورتين ؛ لأنّه في الأُولى ادّعى دعوىً لو صدّقه الـمُقرّ له برئ ، فكان له إحلافه ؛ لانتفاعه بالنكول.

مسألة ٩٨٠ : يصحّ الإقرار بالعربيّة وغيرها من اللغات ؛ لأنّه إخبار ، فلا ينحصر طريقه في لغةٍ دون أُخرى ؛ لدلالة كلّ واحدٍ من اللغات على المعنى المراد ، فيصحّ إقرار كلّ أهل لغةٍ بلغتهم وغير لغتهم إذا عرفوها صحيحةً.

فلو أقرّ أعجميّ بالعربيّة أو بالعكس ، ثمّ قال : لم أفهم معناه لكن لُقّنتُ فتلقّنت ، صُدّق باليمين إن كان ممّن يجوز عليه ذلك وممّن يخفى عليه.

٤٢٧

وكذا البحث في جميع العقود والإيقاعات.

ولو أقرّ ثمّ قال : كنتُ يوم الإقرار صغيراً ، وهو محتمل ، صُدّق بيمينه ؛ إذ الأصل عدم الكبر.

وكذا لو قال : كنتُ مجنوناً يوم الإقرار ، وقد عهد له جنون ؛ لأصالة البراءة ، والاستصحاب.

ولو قال : كنتُ مُكرَهاً ، وهناك أمارة الإكراه من حبسٍ أو وكيل(١) ، فكذلك. وإن لم تكن هناك أمارة ، لم يُقبل قوله.

والأمارة إنّما تثبت بإقرار المـُقرّ له أو بالبيّنة. وإنّما تؤثّر إذا كان الإقرار لمن ظهر منه الحبس والتوكيل ، أمّا لو كان في حبس غيره أو وكيل غيره ، لم يقدح ذلك في الإقرار للمُقرّ له.

ولو شهد الشهود على إقراره وتعرّضوا لبلوغه وصحّة عقله واختياره ، فادّعى الـمُقرّ خلافَه ، لم يُقبل ؛ لما فيه من تكذيب الشهود.

أمّا لو ادّعى الإكراه وأقام به البيّنة وشهدت بيّنة الـمُقرّ له بالاختيار ، قُدّمت بيّنة الـمُقرّ ؛ لأنّها تشهد بأمرٍ زائد ربما خفي عن بيّنة الـمُقرّ له.

مسألة ٩٨١ : إذا شهد الشهود بإقرار رجلٍ ، سُمعت شهادتهم ، ولم تفتقر صحّة الشهادة إلى أن يقولوا : « في صحّةٍ من عقله طائعاً غير مُكره حالة بلوغه وحُرّيّته ورشده » بل يُعوّل على الاكتفاء بأنّ الظاهر وقوع الشهادة على الإقرار الصحيح.

فإن قالوا ذلك ، كان تأكيداً ؛ لأنّ الظاهر سلامة العقل ، وعدم الإكراه ؛ لأنّه هو الأصل ، والظاهر أيضاً من حال الشهود صحّة الشهادة ، فإنّهم‌

____________________

(١) الظاهر : « توكيل » بدل « وكيل ».

٤٢٨

لا يشهدون على زائل العقل ولا مُكره.

فإن ادّعى المشهود عليه أنّه كان حين الإقرار زائلَ العقل ، فإن صدّقه المشهود له بطلت الشهادة ، وإن كذّبه حلف المشهود له ؛ لأنّ الشهود ربما خفي عليهم باطن حاله ؛ لأنّهم يتحمّلون الشهادة على الظاهر ، فلمّا أمكن صدق المدّعي حلف المشهود له.

ولو كان الـمُقرّ مجهولَ الحُرّيّة ، لم يشترط تعرّض الشهود في شهادتهم إلى ذكر الحُرّيّة ، وبني على أصالة الحُرّيّة ، وهو الظاهر من مذهب الشافعيّة(١) .

ولهم قولٌ آخَر : يشترط التعرّض للحُرّيّة ، وخرّجوا منه اشتراط التعرّض لسائر الشروط(٢) .

لكنّ المشهور عندهم : الأوّل(٣) .

وكلّ ما يُكتب في الوثائق - من أنّه أقرّ طوعاً في صحّةٍ من عقله وجواز أمره - ضربٌ من الاحتياط.

وقد بيّنّا أنّ بيّنة الإكراه تُقدَّم على بيّنة الاختيار لو تعارضتا.

ولا تُقبل الشهادة على الإكراه مطلقاً ، بل لا بدّ من التفصيل.

المطلب الرابع : في تعقيب الإقرار لواحدٍ بالإقرار لغيره.

مسألة ٩٨٢ : لو قال : غصبتُ هذه الدار من زيدٍ وهي ملك عمرو ، سُلّمت إلى زيد ؛ لاعترافه له باليد ، والظاهر كونه مُحقّاً فيها ؛ لأنّ قوله : « غصبتُها من زيدٍ » يقتضي أنّها كانت في يده بحقٍّ. وقوله : « وملكها لعمرو »

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٥.

٤٢٩

لا ينافي ذلك ؛ لأنّه يجوز أن يكون في يده بإجارةٍ أو وصيّةٍ ، فإذا سلّمها إلى زيدٍ وادّعاها عمرو ، كانت الخصومة بين زيدٍ وعمرو ، ولم تُقبل شهادة المـُقرّ ؛ لأنّه غاصب ، فلا تُقبل شهادته لعمرو.

إذا ثبت هذا ، فهل يغرم المـُقرّ لعمرو؟ للشافعيّة طريقان :

أحدهما : إنّه على القولين [ فيما ](١) إذا قال : غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو.

وأصحّهما عندهم : القطع بأنّه لا يغرم ؛ لأنّ الإقرارين هناك متنافيان ، والإقرار الأوّل مانع من الحكم بالثاني ، وهنا لا منافاة ؛ لجواز أن يكون الملك لعمرو وقد يكون في يد زيدٍ بإجارةٍ أو رهنٍ أو وصيّةٍ بالمنافع ، فيكون الأخذ منه غصباً منه(٢) .

ونقل بعض الشافعيّة عن الشافعي قولاً واحداً ، وهو عدم الغرم ، بخلاف ما إذا قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو ، حيث يغرم ؛ لأنّه أقرّ للثاني بما أقرّ به للأوّل ، ويعارض إقراره ، وفي صورة النزاع لا منافاة بين إقراريه(٣) ، وليس الثاني رجوعاً عن الأوّل ، فلم يلزمه ضمان به ، ويكون القولُ قولَ زيدٍ ؛ لأنّ له يداً فيها(٤) .

ولو أخّر ذكر الغصب فقال : هذه الدار ملكها لعمرو وغصبتُها من زيدٍ ، فللشافعيّة طريقان :

منهم مَنْ قال : لا فرق بين أن يقدّم الغصب وبين أن يؤخّره ؛ لأنّهما‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « كما ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إقراره ». والمثبت هو الصحيح.

(٤) راجع : الوسيط ٣ : ٣٥٢ - ٣٥٣ ، والبيان ١٣ : ٤٤١ ، والمغني ٥ : ٢٨٩.

٤٣٠

لا يتنافيان ، فتُسلّم إلى زيدٍ ، ولا يغرم لعمرو.

ومنهم مَنْ قال : إذا أقرّ بالملك لعمرو ، لم يُقبل إقراره باليد لزيدٍ ، ووجب تسليمه إلى عمرو.

وفي الغرم لزيدٍ القولان(١) .

قيل : إذا غرّمنا المـُقرّ - في الصورة السابقة - للثاني فإنّما نغرّمه القيمة ؛ لأنّه أقرّ له بالملك ، وهنا جعلناه مُقرّاً باليد دون الملك ، فلا وجه لتغريمه القيمة ، بل القياس أن يسأل عن يده أكانت بإجارةٍ أو رهنٍ أو غيرهما؟ فإن أسندها إلى الإجارة ، غرم قيمة المنفعة. وإن أسندها إلى الرهن ، غرم قيمة المرهون ليتوثّق به زيد ، وكأنّه أتلف المرهون. ثمّ إن وفّى الدَّيْن من موضعٍ آخَر ، فتردّ القيمة عليه(٢) .

مسألة ٩٨٣ : لو قال : هذه الدار غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو ، أو قال : غصبتُ هذه الدار من زيدٍ وغصبها زيد من عمرو‌ ، أو قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو ، فإنّه تُسلّم الدار إلى زيدٍ الـمُقر له أوّلاً في المسائل الثلاث.

وهل يغرم الـمُقرّ القيمةَ لعمرو؟ الأقرب : الغرم - وهو أصحّ قولَي الشافعيّة ، وبه قال أحمد بن حنبل(٣) - لأنّه حالَ بين عمرو وبين داره بإقراره الأوّل لزيدٍ ، والحيلولة سبب الضمان كالإتلاف ، فإنّه لو غصب عبداً فأبق في يده ضمنه.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٧ ، الوسيط ٣ : ٣٥٢ - ٣٥٣ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٠ - ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١ ، المغني ٥ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٣٠ و ٣٣٢.

٤٣١

وكذا لو شهد اثنان على شخصٍ بأنّه أعتق عبده ثمّ رجعا عن الشهادة بعد الحكم بالعتق ، فإنّهما يغرمان القيمة لمولاه ؛ لأنّهما حالا بينه وبين عبده بشهادتهما ، كذا هنا.

والثاني : إنّه لا يغرم ؛ لأنّه أقرّ للثاني بما عليه ، وإنّما منع الحكم من قبوله ، وذلك لا يوجب الضمان عليه ، ولأنّ الإقرار للثاني صادف ملك الغير ، فلا يلزمه شي‌ء ، كما لو أقرّ لعمرو بالدار التي هي في يد زيدٍ(١) .

وقطع بعض الشافعيّة في الصورة الثالثة - وهي ما إذا قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو - بعدم الغرم ؛ لأنّه لم يُقرّ بجنايةٍ في مال الغير ، بخلاف الصورتين الأُوليين ، فإنّه أقرّ فيهما بالغصب ، فضمن لذلك(٢) .

وقال أبو حنيفة : إذا قال : غصبتُ هذه الدار من فلان لا بل من فلان ، غرم للثاني. ولو قال : هذه لفلان لا بل لفلان ، لا يغرم للثاني ، وتُدفع إلى الأوّل. وفرّق بأنّ الغصب سبب الضمان ، فإذا أقرّ به لزمه ، فأمّا إقراره فليس بسببٍ للضمان(٣) .

وقد اختلفت الشافعيّة في موضع القولين حيث ثبتا(٤) ، فقال بعضهم : إنّهما مخصوصان بما إذا انتزعها الحاكم من يد المـُقرّ وسلّمها إلى زيدٍ ، فأمّا‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٧ ، الوسيط ٣ : ٣٥٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٠ - ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١ ، المغني ٥ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٣٢.

(٢) البيان ١٣ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، المغني ٥ : ٢٨٨.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بينا ». والظاهر ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

٤٣٢

إذا سلّمها الـمُقرّ بنفسه إليه غرم لعمرو ، بلا خلافٍ بينهم(١) .

وقال آخَرون منهم بجريان الخلاف ؛ لأنّ سبب انتزاع الحاكم أيضاً إقراره ، فتسليم الحاكم بمنزلة تسليمه بنفسه(٢) .

مسألة ٩٨٤ : إذا باع عيناً وأقبضها المشتري واستوفى الثمن ، ثمّ قال : قد كنتُ بعتُه من فلان أو غصبتُه ، لم يُقبل قوله على المشتري.

وهل يغرم القيمة للمُقرّ له؟ للشافعيّة طريقان :

أحدهما : إنّه على القولين.

وأصحّهما عندهم : القطع بالغرم ؛ لتفويته عليه بتصرّفه وتسليمه ، ولأنّه استوفى عوضه ، وللعوض مدخل في الضمان ، ألا ترى أنّه لو غرّ بحُرّيّة أمة ، فنكحها وأحبلها ثمّ أجهضت بجناية جانٍ ، يغرم المغرور الجنينَ لمالك الجارية(٣) ؛ لأنّه يأخذ الغرّة أو دية الجنين ، ولو سقط ميّتاً من غير جنايةٍ لا يغرم(٤) .

ويبنى على هذا الخلاف أنّ مدّعي العين المبيعة هل له دعوى القيمة على البائع مع بقاء العين في يد المشتري؟ إن قلنا : لو أقرّ يغرم القيمة ، فله دعواها ، وإلّا فلا.

ولو كانت في يد إنسانٍ عينٌ فانتزعها منه مُدّعٍ بيمينه [ بعد نكول ](٥)

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤٠ - ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « الأمة » بدل « الجارية ».

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فقد يكون ». وذلك تصحيف.

٤٣٣

صاحب اليد ثمّ جاء آ خَر يدّعيها ، هل له طلب القيمة من الأوّل؟ إن قلنا : النكول وردّ اليمين كالبيّنة ، فلا ، كما لو كان الانتزاع بالبيّنة. وإن جعلناها كالإقرار ، ففي سماع دعوى الثاني عليه القيمةَ الخلافُ.

مسألة ٩٨٥ : لو قال : غصبتُ هذه العين من أحدكما ، صحّ الإقرار على ما تقدّم(١) ، فيُطالَب بالتعيين ، فإن عيّن أحدهما سُلّمت إليه.

وهل للثاني تحليفه؟ يبنى على أنّه لو أقرّ للثاني هل يغرم له القيمة؟ إن قلنا : لا ، فلا ، وإن قلنا : نعم ، فنعم ؛ لأنّه ربما يُقرّ له إذا عُرضت اليمين عليه ، فيغرم. فعلى هذا إن(٢) نكل رُدّت اليمين على الثاني ، فإذا حلف فليس له إلّا القيمة.

ومنهم مَنْ قال : إن قلنا : إنّ النكولَ وردَّ اليمين كالإقرار من المدّعى عليه ، فالجواب كذلك ، أمّا إذا قلنا : إنّه كالبيّنة ، فتُنتزع الدار من الأوّل ثمّ تُسلّم إلى الثاني ، ولا غرم عليه للأوّل ، وعلى هذا فله التحليف(٣) .

وإن قلنا : لا يغرم القيمة لو أقرّ للثاني طمعاً في أن ينكل ، فيحلف المدّعي ويأخذ العين.

وإن قال الـمُقرّ : لا أدري من أيّكما غصبتُ ، وأصرّ عليه ، فإن صدّقاه فالعين موقوفة بينهما حتى يتبيّن المالك أو يصطلحا.

وكذا لو كذّباه وحلف لهما على نفي العلم.

____________________

(١) في ص ٣٧٩ ، المسألة ٩٤٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « لو » بدل « إن ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢ - ٥٣.

٤٣٤

٤٣٥

الفصل الخامس : في ا لإقرار بالنسب

وفيه قسمان :

الأوّل(١) : الإقرار بالولد

مسألة ٩٨٦ : يشترط في الـمُقرّ بالنسب مطلقاً أن يكون بالصفات المعتبرة في المُقرّين ، كما سبق(٢) ، فإذا أقرّ بمَنْ يلحق النسب بنفسه وهو الولد ، اشترط فيه أُمور :

الأوّل : أن لا يكذّبه الحسّ بأن يكون ما يدّعيه ممكنا ، فلو كان في سنٍّ لا يتصوّر أن يكون ولداً للمُقرّ بأن يكون أكبر منه في السنّ أو مساوياً له أو أصغر بقدر ما لا يولد لمثله ، فلا اعتبار بإقراره.

ولو قدمت امرأة من بلد كفرٍ ومعها صبي فادّعاه رجل من المسلمين ، فإن احتُمل أنّه خرج إليها وأنّها قدمت قبل ذلك ، لحقه ، وإن لم يُحتمل ذلك لم يلحقه.

الثاني : أن لا يكذّبه الشرع بأن يكون المستلحَق معروفَ النسب من غيره‌ ؛ لأنّ النسب الثابت من شخصٍ لا ينتقل إلى غيره.

ولا فرق بين أن يصدّقه المستلحَق أو يكذّبه.

ولو نفى نسب ولده باللعان ، فاستلحقه آخَر ، ففي صحّة استلحاقه إشكال ينشأ : من أنّه أقرّ بنسبٍ لا منازع له فيه فيلحق به ، ومن أنّ فيه شبهةً للمُلاعِن.

____________________

(١) يأتي القسم الثاني في ص ٤٥٣.

(٢) في ص ٢٥١ وما بعدها.

٤٣٦

الثالث : أن يصدّقه الـمُقرّ له إن كان من أهل التصديق بأن يكون بالغاً عاقلا ، فلو ادّعى بنوّة بالغٍ رشيدٍ فكذّبه لم يثبت النسب ، إلّا أن يقيم عليه بيّنةً ، فإن لم تكن بيّنةٌ حلف المنكر ، فإن حلف سقطت دعواه ، وإن نكل حلف المدّعي ويثبت نسبه.

وكذا لو قال رجل لآخَر : أنت أبي ، فالقول قول المنكر مع يمينه.

فإن استلحق صغيراً ، ثبت نسبه حتى يرث منه الصغير لو مات ، ويرث المُقرّ لو مات الصغير. ولا اعتبار بتصديقه وتكذيبه حالة الصغر.

ولو استلحق صغيراً فلمّا بلغ كذّبه ، فالأقرب : إنّه لا اعتبار بالتكذيب ، ولا يندفع النسب ؛ لأنّ النسب ممّا يحتاط له ، فإذا حُكم بثبوته لم يتأثّر بالإنكار ، كما لو ثبت بالبيّنة ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّه يندفع النسب ، ويبطل إقراره ؛ لأنّا إنّما حكمنا به حين لم يكن إنكار ، فإذا تحقّق الإنكار لم يثبت(١) .

والمعتمد : الأوّل.

وعلى ما اخترناه لو أراد المُقرّ به تحليفه ينبغي أن لا يُمكَّن منه ؛ لأنّه لو رجع لم يُقبل ، فلا معنى لتحليفه.

أمّا لو استلحق مجنوناً فأفاق وأنكر ، فالأقرب : أنّه كالصغير.

وللشافعيّة وجهان كالوجهين في الصغير(٢) .

الرابع : أن لا ينازعه في الدعوى غيره‌.

مسألة ٩٨٧ : لو استلحق صبيّاً بعد موته وادّعى بنوّته‌ وكان الصبي‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٢٠٢ ، الوسيط ٣ : ٣٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

٤٣٧

مجهولَ النسب ، لحق به ، وثبت نسبه ، سواء كان ذا مال أو لا ، ولا يُنظر إلى التهمة بطلب المال ، بل يُورَّث ؛ لأنّ أمر النسب مبنيّ على التغليب ، ولهذا يثبت بمجرّد الإمكان ، حتى أنّه لو قتله ثمّ استلحقه فإنّه يُقبل استلحاقه ، ويُحكم بسقوط القصاص ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يلحقه ، ولا يثبت نسبه به ؛ لثبوت التهمة في حقّه(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه لو كان حيّاً موسراً والـمُقرّ فقيرٌ مُدْقعٌ(٣) فإنّه يثبت نسبه بإقراره وإن كان متّهماً ؛ لأنّه يتصرّف في ماله وينفق منه على نفسه ، كذا هنا.

ولو كان الميّت كبيراً فادّعى شخص أنّه ولده وكان الميّت مجهولَ النسب ، فإشكال ينشأ : من أنّ شرط لحوق البالغ تصديقُه ولا تصديق هنا ، ولأنّ تأخير الاستلحاق إلى الموت يوشك أن يكون خوفاً من إنكاره ، ومن أنّ التصديق إنّما يعتبر مع إمكانه ، وهو ممتنع في طرف الميّت ، كالصغير والمجنون ، ولهذا يثبت نسبهما من غير تصديقٍ من جهتهما ؛ لتعذّره ، كذا هنا.

وللشافعيّة وجهان كهذين ، والثاني عندهم أظهر ؛ لأنّا نمنع كون‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٩٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٩٧ ، بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣.

(٣) الدقعاء : عامّة التراب. وقيل : التراب الدقيق على وجه الأرض. والمُدقَع : الفقير الذي قد لصق بالتراب من الفقر. لسان العرب ٨ : ٨٩ « دقع ».

٤٣٨

التصديق شرطاً على ا لإطلاق ، بل هو شرط إذا كان المستلحَق أهلاً للتصديق ، والتهمة غير معتبرة هنا ؛ فإنّ النسب لا يُلتفت فيه إلى التهمة على ما تقدّم في الفقير إذا استلحق صبيّاً موسراً(١) .

ويجري الوجهان فيما إذا استلحق مجنوناً طرأ جنونه بعد ما بلغ عاقلاً(٢) .

مسألة ٩٨٨ : يشترط في الاستلحاق أن لا ينازع الـمُقرّ بالبنوّة آخَر ، فلو ازدحم اثنان فصاعداً على الاستلحاق ، نُظر فإن كان المستلحَق بالغاً رشيداً ثبت(٣) نسبه ممّن صدّقه ، وإن كان صبيّاً لم يلحق بواحدٍ منهما ، إلّا بالبيّنة أو القرعة.

وهل حكم المرأة في إقرارها بالولد حكم الرجل؟ نظر. وكذا النظر لو أقرّ العبد.

ولو أقرّ رجل ببنوّة ولدٍ بينه وبين أُمّه مسافة لا يمكن الوصول في مثل عمر الولد إليها ، لم يقبل.

ولو دخلت من أرض الروم أو غيرها من بلاد الكفر امرأة ومعها صغير فأقرّ به رجل ، أُلحق به مع الإمكان وعدم المنازع على ما قدّمناه بأن يمكن أنّه قد دخل دارهم أو دخلت هي إلى دار الإسلام ، وإلّا فلا.

قالت الشافعيّة : وإن أمكن أن ينفذ إليها الماء وتستدخله في فرجها ، لحق النسب ، ولا اعتبار بقول الأطبّاء : إنّ الماء إذا برد لم يخلق منه الولد ؛

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٦ ، الوجيز ١ : ٢٠٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « يثبت ».

٤٣٩

لأنّ ذلك مظنون ، وا لبيض يبرد ثمّ يخلق منه الفرخ ، فإذا كان النسب ممكناً ألحقناه به وإن كان خلاف الظنّ والظاهر(١) .

قالوا : ولا يجري هذا مجرى ما يقوله أبو حنيفة في [ تزوّج ](٢) المشرقيّ بالمغربيّة(٣) ؛ لأنّه لا يعتبر إمكان قطع المسافة ، وذلك خلاف القطع واليقين دون الظاهر.

ولو استلحق صغيراً مجهولَ النسب ، فكذّبته أُمّه وقالت : إنّه ليس لك بل لغيرك ، فالأقرب : عدم الالتفات إلى تكذيب الأُمّ ، وثبوت النسب من جهته.

مسألة ٩٨٩ : لو أقرّ ببنوّة عبد الغير أو ببنوّة معتَقه ، لم يلحق به إن كان صغيرا ؛ محافظةً على حقّ الولاء للسيّد ، بل يفتقر إلى البيّنة.

وإن كان بالغاً فصدّقه ، فالأقرب : إنّه كذلك.

ولو استلحق عبداً في يده ، نُظر فإن لم يوجد الإمكان بأن كان أكبر منه سنّاً ، لم يلتفت إلى قوله ، وإقراره باطل.

وإن أمكن إلحاقه به فإن كان مجهولَ النسب ، لحقه إن كان صغيراً ، وحُكم بعتقه.

وكذا إن كان بالغاً وصدّقه ، وإن كذّبه لم يثبت النسب.

والأقرب : عتقه ؛ عملاً بإقراره بالنسب المتضمّن للعتق.

ويحتمل عدمه ؛ لعدم ثبوت النسب الذي هو الأصل للعتق ، وإذا لم يثبت الأصل لم يثبت التبع.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ١٠٥ ، بحر المذهب ٨ : ٣٢٠.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٠٤ ، المغني ٩ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٩ : ٦٥.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780